خميس الصعود
المطران جاورجيوس مطران جبيل والبترون
آخر مظهر للقيامة هو الصعود. وهو شبيه بالتجلي من حيث المعنى. في جبل ثابور وهنا كان السيد نيرًا، وفي ثابور كما في بيت عنيا التي منها صعد كان الحديث عن آلامه.
ولكن ماذا يعني ارتفاع المسيح إلى السماء إذ لم يبرح أحضان الآب؟ “إن المسيح صعد إلى حيث كان أولا”
(صلاة المساء). صلاة المساء تقول أيضا متوجهة إليه: “أَصعدت طبيعتنا الهابطة وأجلستها مع الآب”. في الخطاب الوداعي (بعد العشاء السري) يؤكد أولا:
“إني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم”
ولكنه يقول أيضا: “إني مُنطِلق إلى الآب”… اترك العالم وأمضي إلى الآب، وبعد أن قال هذا يعود إلى التأكيد: “أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك”.
العودة إلى الآب (مع كون طبيعته الإلهية لم تنفصل عن طبيعة الابن) هي إذًا رفع جسده إلى الآب.
“ليدخل ملك المجد” أي ليدخل بكيانه الكامل الإلهي والإنساني.
ومن هذا الكيان الإلهي والإنساني معا يرسل الروح القدس إلى العالم ليمتد هذا الكيان الإلهي-الإنساني الموحد بالروح القدس إلى الإنسانية.
نحن بالنعمة نأخذ المسيح الكامل، والأسرار الإلهية يتقبل من يساهمها المسيح الكامل، لذلك يمكن الكنيسة أن تكون جسده أي واحدة مع القائم من بين الأموات بجسده.
“وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضا (اولا) إلى أقسام الأرض السفلى” (أي الجحيم التي هي مملكة الموت). الذي نزل هو الذي صعد أيضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل” (افسس 4: 9و10). ولكن قبل أن ينزل إلى الجحيم نزل إلى الإنسان بالتجسد والميلاد ولازم الإنسان. عندنا حركة نزول إلى البشرة ثم إلى الموت تقابلها حركة ارتفاع عن الموت بالقيامة التي يليها الصعود.
غاية ذلك كله أن نكتمل نحن، أن نتحرك إلى ما سماه الرسول “إنسانا كاملا”
حتى نبقى في دوام التوجه إلى “ذاك الذي هو الرأس المسيح”. صعوده وحركتنا إليه وإلى أبيه وروحه هذا ما ينشئ الكنيسة، هذا ما يبنيها ويبني كل واحد فيها.
فإذا فهمنا هذا نعرف أننا منذ الآن جالسون معه في السمويات وأن وطننا صار السماء وأنها هي مطلبنا. فالأرض مكان ارتقاء إليها. فكرنا لا يتكون الآن من الأرض وما عليها ولكنه أصبح فكر المسيح.
ومهما تقلبت على الدنيا شؤون وشجون نعرف أن المسيح لكونه يحبنا هو الذي يهيمن علينا ونسعى إلى هيمنته هذه بالطاعة لكلماته. بها يثبت فينا ونحن فيه.
كل شيء فينا قد صار جديدا ولو كنا نتعاطى الأشياء المعروفة منذ القديم (الحياة العائلية والفكرية والاقتصادية والسياسية). الرب لا يريد أن نتركها إذ لا بد أن نأكل ونشرب ونبني عائلة ونقوم بأعمالنا المختلفة ونحيي المجتمع بتداول شؤونه. ولكن إذا عملنا كل هذه الأشياء نحيا حياة الجالس عن يمين الآب. نكون على الأرض ونحن سماويون.
في هذا المنطق لا نحتقر الجسد كما احتقرته بدع قديمة والحركات البوذية ولا نذله ولا نهمله ولا نستسلم للمرض ذلك لأن:
“أجسادكم هي هياكل للروح القدس” وقد مُسحت بالميرون وتناولت القرابين. وبسبب القرابين التي فينا نقوم في اليوم الأخير. أجسادنا ونفوسنا معا مشدودة إلى الجالس فوق على العرش مع أبيه وروحه القدوس.
ولكون جسد المسيح صار ممجدا وإلهيا نحترم اجساد الآخرين فلا نقهر أحدا ولا ندنسه لا بروحه ولا بجسده بل ندعوه بالمحبة أن يصير مقدسا مستمعا إلى كلام يسوع ومرتقيا منذ الآن إليه.
الصعود كان إذًا مفتاح سلوكنا وسبب انجذابنا الدائم غلى يسوع، لذلك أوصانا بولس أن نطلب دائما ما هو فوق فلا ينبغي ان نهتم بالصغائر ولا ننهمك بالمجد العالمي الذي يحجب عن قلوبنا المجد الإلهي.
Discussion about this post