سيرة حياة البابا بنديكتوس السادس عشر
انتخب لمنصب البابا بعد خلوة انتخابية قصيرة في 19 أبريل 2005، وأقام القداس الإلهي لتنصيبه في 24 أبريل وتسلم مقاليد السلطة وفق التقليد الكاثوليكي يوم 7 مايو في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني في روما.ويتمتع بالجنسية الألمانية وكذلك جنسية دولة الفاتيكان وحقوق المواطنة في ولاية بافاريا. كان خليفة البابا يوحنا بولس الثاني.
ولد الكاردينال جوزيف راتزنغر، البابا بنديكتوس السادس عشر في بلدة ماركتيل آم إن، في أبرشية باساو الألمانية، يوم سبت النور في 16 نيسان 1927، ونال سر المعمودية في اليوم عينه. والده ضابط في الشرطة، متحدر من عائلة مزارعين في مقاطعة بافاريا الجنوبية، وقد عاش في ظروف اجتماعية واقتصادية متواضعة. أما والدته فمتحدرة من عائلة حرفيين من بلدة رينشتينغ الواقعة قرب بحيرة شيام. وقد عملت قبل زواجها طاهية في فنادق عدة.
مراحل الطفولة والمراهقة والشباب
أمضى راتزنغر طفولته ومراهقته في بلدة تراونشتاين الوديعة قرب الحدود الألمانية النمساوية على بعد 30 كيلومتراً من مدينة سالزبورغ. في هذا الإطار، الذي وصفه هو ذاته بأنه متأثر بـ“موزار”، تلقى تربية مسيحية، إنسانية وثقافية .
لم تكن مرحلة شبابه بالسهلة، لكن إيمانه وتربيته العائلية كانا لهما الفضل في إعداده لمواجهة التجربة القاسية التي مرّ بها إبّان مرحلة النظام النازي الذي عرف بعدائه القوي للكنيسة الكاثوليكية. وقد كان الشاب جوزف شاهداً لقيام النازيين بالاعتداء على كاهن رعيته قبيل احتفاله بالذبيحة الإلهية .
في هذه الظروف المعقّدة اكتشف جوهر الإيمان بالمسيح وروعته. وكان لأثر عائلته عليه دوراً محورياً، كون هذه العائلة قد بثّت في نفسه شهادة ساطعة عن المحبة والرجاء المتجّذر في وعي حقيقي لانتمائه إلى الكنيسة .
في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية تمّ تطويعه قسراً في أجهزة الدفاع الجوي المساعدة .
علومه
بين العامين 1946 و 1951 درس الفلسفة واللاهوت في معهد فرايزينغ العالي وفي جامعة ميونيخ .
رسم كاهناً في 29 حزيران 1951. وفي العام التالي بدأ رسالة التدريس في المعهد العالي في فرايزينغ .
في العام 1953 حصل على شهادة الدكتوراه في اللاهوت إثر مناقشته أطروحته:
“شعب الله وبيته في عقيدة الكنيسة لدى القديس أغوسطينوس “.
بعد انقضاء 4 سنوات حصل على شهادة تأهيل للتعليم، بناء على دراسته التي أعدّها تحت إشراف أستاذ اللاهوت الشهير غوتليب زونغين والتي حملت عنوان: “لاهوت التاريخ لدى القديس بونافنتور “.
من التعليم إلى المجمع الفاتيكاني الثاني
تولى الأب راتزنغر تدريس مادة اللاهوت العقائدي واللاهوت الأساسي في المعهد العالي للفلسفة واللاهوت في فرايزينغ، وفي الوقت عينه كان استاذاً في جامعات بون من 1959 حتى 1963، مونستر من 1963 إلى 1966، وتوبينغين من 1966 إلى 1969. في هذه السنة الأخيرة أصبح قيّماً على كرسي العلوم العقائدية وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون التي كان أيضاً نائباً لرئيسها .
بين العامين 1962 و1965 كانت له مساهمة فاعلة في المجمع الفاتيكاني الثاني بصفة خبير، كما كان مساعداً للكاردينال جوزف فرينغز رئيس أساقفة كولونيا، بصفة مستشار لاهوتي .
ساهم نشاطه العلمي المكثّف في جعله يتولى مهام دقيقة في الجمعيّة العامّة لأساقفة ألمانيا وفي اللجنة اللاهوتية الدولية .
في العام 1972 أسّس بالتعاون مع عدد من كبار اللاهوتيين في الكنيسة ومن بينهم هانز أورس فون بالتازار وهنري دو لوباك المجلة اللاهوتية “كومونيو “.
رئيس أساقفة وكاردينال
في 25 آذار 1977 عيّنه البابا بولس السادس رئيس أساقفة على ميونيخ وفرايزينغ واحتفل بسيامته الأسقفية في 28 أيار من السنة ذاتها. وقد كان أول كاهن من هذه الأبرشية البافارية الكبرى تتم سيامته أسقفاً عليها منذ نحو 80 سنة.
واتخذ شعاراً له: “شريك الحقيقة”. وشرح هو نفسه هذا الشعار بالقول: “يبدو لي أن هذا الشعار يظهر بشكل أساسي الرابط العميق بين رسالتي التعليمية ورسالتي الحالية. ولئن كانت النشاطات مختلفة، فإن محورها كلّها هو ضرورة السير في اتجاه الحقيقة، بهدف خدمتها. إضافة إلى ذلك فقد اخترت هذا الشعار لأنه، في عالم اليوم، باتت الحقيقة أمراً منسياً بصورة مطلقة، حيث تبدو صعبة المنال بالنسبة للإنسان. لكن إذا فُقدت الحقيقة فإنّ كل البناء الإنساني ينهار “.
في 27 حزيران 1977 عيّنه البابا بولس السادس كاردينالاً .
وفي العام 1972 شارك في المجمع الذي عقد بين 25 و26 آب والذي انتخب البابا يوحنا بولس الأول. عيّنه الحبر الأعظم الجديد موفده الخاص إلى المؤتمر المريمي الدولي الثالث الذي انعقد في الإكوادور بين 16 و24 أيلول. وفي شهر تشرين الاول من العام ذاته شارك في المجمع الذي انتخب البابا يوحنا بولس الثاني. كان مقرراً في الجمعية العادية الخامسة لسينودس الأساقفة التي انعقدت في العام 1980 تحت عنوان: “رسالة العائلة المسيحية في العالم المعاصر”.
وفي العام 1983 كان رئيساً منتدباً للجمعية العادية السادسة للسينودس التي انعقدت تحت عنوان: “المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة”.
رئيس مجمع العقيدة والإيمان
في 25 تشرين الثاني 1981 عيّنه البابا يوحنا بولس الثاني رئيساً لمجمع العقيدة والإيمان وكذلك رئيساً للجنة البيبلية البابوية وللجنة اللاهوتية الدولية. وقد استقال لهذه الغاية من مهامه الرعائية كرئيس لأساقفة ميونيخ وفرايزينغ في 15 شباط 1982.
وهو ترأس ايضاً اللجنة التي أعّدت التعليم الديني في الكنيسة الكاثوليكية والتي قدّمت ثمرة أعمالها للأب الأقدس بعد 6 سنوات من العمل المتواصل بين العامين 1986 و1992.
في 6 تشرين الثاني 1998 وافق البابا يوحنا بولس الثاني على انتخاب الكاردينال راتزنغر نائبا لرئيس مجمع الكرادلة
وفي 13 تشرين الثاني 2000 تمّ انتخابه عضو شرف في الأكاديمية البابوية للعلوم.
وفي 30 تشرين الثاني 2002 وافق على انتخابه عميداً لهذا المجمع.
في العام 1999 كان الموفد الخاص للحبر الأعظم للاحتفالات التي جرت لمناسبة مرور 1200 سنة على تأسيس أبرشية بادربورن في ألمانيا.
في الكوريا الرومانية
تولى الكاردينال راتزنغر مهام عدة داخل الكوريا الرومانية، حيث كان عضواً في مجلس الكرادلة والأساقفة في أمانة سر دولة الفاتيكان، فرع العلاقات مع الدول. كما كان عضواً في مجامع عدة داخل الكرسي الرسولي من بينها مجامع: الكنائس الشرقية، والعبادة الإلهية والأسرار وإعلان البشارة للشعوب والتربية الكاثوليكية ورجال الدين و مجمع دعاوى القديسين.
كما كان عضواً في المجلس الحبري لوحدة المسيحيين والمجلس الحبري للثقافة وعضواً في محكمة التوقيع الرسولية، وفي عدد من اللجان البابوية الخاصة مثلاً بأميركا اللاتينية وتطبيق القوانين الكنسية وإعادة النظر بقانون الكنائس الشرقية.
المؤلفات
له مؤلفات عدة من بينها كتاب “تمهيد للإيمان المسيحي” وهو يحتّل لديه مكانة خاصة كونه يضمّ مجموعة الدروس الجامعية التي كان يعطيها حول الإيمان الرسولي، وقد نشره في العام 1968. ولديه أيضاً كتاب يحمل عنوان: “العقيدة والوحي” وهو مجموعة أبحاث وعظات وأفكار رعائية.
كما انه وضع الخطاب الذي ألقاه أمام الأكاديمية الكاثوليكية في بافاريا في كتاب
حمل عنوان:“لماذا لا زلت أحيا في الكنيسة على الرغم من كل شيء؟“ وقد لاقى هذا الكتاب صدى واسعاً، حيث عبّر فيه، بوضوحه المعهود، أنّه “فقط داخل الكنيسة يمكن للفرد أن يكون مسيحياً، وليس إلى جانبها”.
من هنا، فإنّ مؤلفاته العديدة ساهمت بشكل كبير في تعميق الفكر اللاهوتي حيث كانت بمثابة محاور أساسية في هذا الفكر. في العام 1985 نشر كتاباً حوارياً تحت عنوان: “العلاقة بالإيمان”، وفي العام 1996 أصدر كتاباً آخر تحت عنوان: “ملح الأرض”. ولمناسبة ذكرى ميلاده الـ70 أصدر كتابه :
“في مدرسة الحقيقة”، وقد ضمّ مجموعة أبحاث لمفكّرين عدّة ألقوا الضوء على جوانب هامّة من شخصيته ومؤلفاته.
وفاته
توفي في 31 كانون الاول2022
بندكت السادس عشر (بالألمانية: Joseph Aloisius Ratzinger) أو البابا بندكتوس السادس عشر (بالاتينية: Benedictus PP. XVI وبالإيطالية:Benedetto XVI وبالألمانية: Benedikt XVI)، (16 أبريل 1927 – 31 ديسمبر 2022)، ولد باسم جوزيف راتزنغر وهو البابا الخامس والستون بعد المئتين في الكنيسة الكاثوليكية، ما يعني كونه رأس الكنيسة الكاثوليكية وأسقف روما ورأس دولة الفاتيكان؛ انتخب لمنصب البابا بعد خلوة انتخابية قصيرة في 19 أبريل 2005، وأقام القداس الإلهي لتنصيبه في 24 أبريل وتسلم مقاليد السلطة وفق التقليد الكاثوليكي يوم 7 مايو في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني في روما. ويتمتع بالجنسية الألمانية وكذلك جنسية دولة الفاتيكان وحقوق المواطنة في ولاية بافاريا. كان خليفة البابا يوحنا بولس الثاني
كسابقه البابا يوحنا بولس الثاني، يعتبر البابا بندكت السادس عشر من المحافظين في الكنيسة الكاثوليكية في تعليمه اللاهوتي والاجتماعي، وقد كتب قبل انتخابه بابا، عددًا كبيرًا من المؤلفات في شرح العقائد الكاثوليكية والقيم المسيحية، ويرى البابا أن الابتعاد عن الله وفقدان المبادئ الأخلاقية المشكلة الأساسية في القرن الحادي والعشرين. يدير البابا أيضًا، مؤسسة راتزنجر الخيرية، التي تقوم بتحويل عوائد بيع كتبه ومؤلفاته إلى صناديق دعم الثقافة خصوصًا لطلاب الجامعات.استقال البابا في 28 فبراير 2013 نتيجة تقدّمه بالسن، ليكون أول بابا يستقيل منذ ستة قرون، في 4 سبتمبر 2020 ،
وقال بأن خطوته جاءت «لخير الكنيسة» معلنًا عنها في بداية فبراير مع بداية الصوم الكبير في المسيحية. بعد استقالته سيقيم البابا في كاستل غاندلفو قبل أن ينتقل إلى دير واقع في حدائق الفاتيكان حيث سيتفرغ «للصلاة والتأمل»، محتفظًا بلقب «صاحب القداسة» والثوب الأبيض، كما سيحتفظ بلقب البابا بشكل فخري.
نظرة عامة
ولد البابا في ماركتل، بافاريا، ألمانيا في 16 أبريل 1927 ودرس اللاهوت والفلسفة عام 1947 وأصبح كاهنًا عام 1951، إلى جانب كونه محاضرًا في اللاهوت في عدد من الجامعات الأوروبية ونشر عدة مؤلفات حول اللاهوت والعقائد المسيحية والكاثوليكية؛ خلال حبرية البابا بولس السادس (1963 إلى 1978) أصبح رئيس أساقفة ميونخ ثم كاردينالاً في 27 يونيو 1977؛ وبعدها بأربع سنوات عينه البابا يوحنا بولس الثاني رئيسًا لمجمع العقيدة والإيمان في الفاتيكان، وظل محتفظًا بمنصبه حتى انتخابه بابا؛ عيّن في 5 أبريل 1993 أسقفًا فخريًا على مدينة فليتري الإيطالية؛ وانتخب في العام 1998 كنائب عميد مجمع الكرادلة المولج مهمة انتخاب البابا عند شغور المنصب، وانتخب في 30 نوفمبر 2002 كعميدًا لمجمع الكرادلة.
حتى قبل أنتخابه كبابا، اعتبر بندكت السادس عشر من الشخصيات المؤثرة في الفاتيكان خصوصًا بسبب علاقته المقربة من البابا يوحنا بولس الثاني، وقد ترأس القداس الإلهي خلال جنازته عام 2005.
بالإضافة إلى اللغة الألمانية، يتقن البابا بندكت السادس عشر اللغة الإيطالية والفرنسية وبدرجة أقل الإسبانية والإنجليزية والبرتغالية واللاتينية إلى جانب اطلاعه على اللغة اليونانية واللغة العبرية.
وهو عضو في عدد كبير من الأكاديميات العلمية خصوصًا في فرنسا، والمواد العلمية المفضلة عنده هي العلوم الإنسانية، ويجيد العزف على البيانو ويفضل بنوع خاص مقطوعات موزارت وباخ.
تعني كلمة بندكت في اللغة العربية مبارك.
حياته المبكرة
ولد جوزيف راتزنجر في 16 أبريل 1927 وعمّد وفق معتقدات الكنيسة الكاثوليكية في اليوم نفسه، وهو ثالث وأصغر أنجال جوزيف راتزنجر الذي يعمل في سلك الشرطة وماريا راتزنجر. شقيق البابا الأكبر هو كاهن وعمل كقائدًا لجوقة جامعة ريجينسبورغ وشقيقته لم تتزوج أبدًا وعملت كمديرة لبيت البابا أثناء شغله منصب كاردينال حتى وفاتها عام 1991. عم البابا هو جورج راتزنجر أحد الساسة الألمان المشهورين.
تلقى البابا دراسته الابتدائية في مدرسة “آسشاوا آم إن” التي أعيد تسميتها باسمه في عام 2009 تشريفًا.
عندما بلغ الرابعة عشر من عمره عام 1941، انضم جوزيف راتزنجر إلى جيش “شباب هتلر” عنوة، وهو جيش غير نظامي أنشأه النظام النازي في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية وفرض بالقانون على كل ألماني أن ينتسب إليه عندما يبلغ الرابعة عشر من عمره، لكنه كان عضوًا غير متحمس وكان يرفض حضور الاجتماعات، يعود هذا بشكل أساسي لأن والد البابا كان يقف ضد النظام النازي ويعتقد أنه يتضارب والعقائد الكاثوليكية.
وقد شهد العام 1941 مقتل ابن عم البابا، لإصابته بالمنغولية خلال الحملة التي قام بها النظام النازي بهدف تحسين النسل في ألمانيا.
التحق البابا بجيش المشاة الألماني عام 1943 لفترة قصيرة ثم عاد إلى منزل ذويه بسبب مرضه، إثر نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ألقي القبض عليه كمحارب سابق لكن سرعان ما أطلق سراحه، وفي العام ذاته التحق بكلية القديس مايكل في جامعة لودفيج ماكسميليان في ميونخ حيث درس اللاهوت والفلسفة وتخرج منها عام 1951 ثم نال شهادة الدكتوراة من الجامعة نفسها بعد أطروحة أعدها عن الفكر اللاهوتي للقديس أغسطين. ثم أصبح عام 1958 محاضرًا في اللاهوت والفلسفة في كلية فريسنغ.
قبل البابوية
عمله الأكاديمي 1951-1977
أصبح البابا محاضرًا في جامعة بون عام 1959 وكانت محاضرته الأولى بعنوان “الله في الإيمان والله في الفلسفة”، انتقل البابا إلى جامعة مونستر عام 1963، وشارك في أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 إلى 1965)، حيث شارك بصفة مستشار لاهوتي للكاردينال فرينغز من كولونيا، وناصر البابا في المجمع خطة الإصلاح العام للكنيسة.
في العام 1966 إلى جامعة تبيجين، وشغل منصب عميد قسم اللاهوت الدوغمائي، ورسخ في حينها فكره الإصلاحي فأكد على التقليل من أهمية الاعتماد على السلطة المركزية في الكنيسة ومنح سلطة أوسع للأبرشيات؛ ساهم البابا بشكل خاص في المجمع الفاتيكاني الثاني لإصدار وثيقة في عصرنا التي تدعو إلى الاحترام المتبادل والحوار مع جميع الديانات خصوصًا اليهودية والإسلامية، ويعتبر البابا منذ ذلك الحين منافحًا قويًا عن حق الحرية الدينية، وخلال عمله اللاحق كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان ساهم في صياغة الإرشاد الرسولي Dominus Iesus الذي صدر العام 2000 خلال حبرية البابا يوحنا بولس الثاني والذي شرح من خلالها الإيمان الكاثوليكي ونقاط التقارب مع مختلف العقائد والأديان في العالم، كأساس للحوار.خلال تواجده في جامعة تبجين كان البابا ينشر مقالات أسبوعية في مجلات لاهوتية ألمانية، وقد اتسمت هذه المقالات بالتأكيد على أهمية الانفتاح والحوار والحرية الدينية، كما أيدت مقالاته المجمع الفاتيكاني الثاني ومقرراته؛ في العام 1969 عاد البابا إلى بافاريا وعمل محاضرًا في جامعة ريجينسبرغ وساهم في تأسيس المجلة اللاهوتية الخاصة بالجامعة، التي باتت عام 1972 تطبع بسبعة عشر لغة ووظفت بأنها: محطة بارزة في الفكر اللاهوتي الكاثوليكي المعاصر. وحتى انتخابه كبابا، ظل يساهم في الكتابة بهذه المجلة.
أساقفة ميونخ 1977-1981
في 24 مارس 1977 عيّن من قبل البابا بولس السادس كرئيس أساقفة ميونخ، وقد اتخذ من عبارة Cooperatores Veritatis (بالعربية: عمال الحقيقة) شعارًا له؛ لاحقًا في 7 يونيو 1977 عينه البابا بولس السادس أيضًا كاردينالاً وهو عبارة عن منصب فخري تشريفي، يستطيع من خلاله حامله الترشح لشغل منصب البابا والمشاركة في الخلوة الانتخابية التي تعقد لانتخاب البابا الجديد. في العام 2005 كان الكاردينال راتزنجر واحدًا من 14 كاردينال فقط لا زالوا على قيد الحياة عينهم البابا بولس السادس وواحد من ثلاثة فقط كان عمرهم تحت الثمانين، وهو الحد الأعلى الذي يتمكن من خلاله الكاردينال الترشح والتصويت في الخلوة الانتخابية.
رئيس مجمع العقيدة والإيمان 1981-2005
في 25 نوفمبر 1981، عين البابا يوحنا بولس الثاني راتزينجر رئيسًا لمجمع العقيدة والإيمان في الفاتيكان؛ وبناءً على ذلك، استقال من منصبه في ميونيخ بداية عام 1982، ليتفرغ لعمله الجديد. عينه البابا يوحنا بولس الثاني أسقفًا كاردينالاً على سيغني عام 1993، ثم انتخب عام 1998 كنائب لعميد مجمع الكرادلة المولج انتخاب البابا لدى شغور المنصب، وأصبح عميد المجمع المذكور سنة 2002.
خلال عمله كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان، حافظ الكاردينال راتزنجر من نظرة الكنيسة الكاثوليكية الصارمة حيال، المثلية الجنسية وتحديد النسل وشدد على أهمية الحوار بين الأديان، والابتعاد عن اللامبالاة الدينية، ولقب بالمدافع الشديد عن المذهب الكاثوليكي.
يشتهر مجمع العقيدة والإيمان أيضًا بدوره في تحديد مسائل التعليم في الجامعات والمدارس الكاثوليكية حول العالم، وأيضًا في صلاحيتها النظر في الحالات التي تنطوي على سوء سلوك طائفي أو جنسي، والكاردينال راتزنجر كرئيس للمجمع المذكور، كان مسؤولاً أيضًا عن توجيه الحرم الكنسي بعد محاكمة أمام المجمع؛ بصفته رئيس مجمع العقيدة الإيمان، أصدر الكاردينال راتزينجر عام 2001 منشور delictis gravioribus الذي أصبح بموجبه محاكمات المجمع للمتورطين في القضايا التي ينظر فيها سرية الطابع، لا يمكن الاطلاع عليها دون إذن بابوي، الأمر الذي أخذ عليه كمحاولة للتغطية على الكهنة المتورطين في قضايا تحرش جنسي.
في عام 1997، طلب راتزينجر عندما بلغ السبعين من عمره، من البابا يوحنا بولس الثاني التقاعد المبكر والاستقالة من منصبه كرئيس لمجمع العقيدة الإيمان، وطلب أيضًا تعيينه كقيم على أرشيف الفاتيكان ومكتبة الفاتيكان، غير أن البابا رفض طلبه هذا.
انتخابه بابا
يوم 2 يناير 2005، نقلت مجلة التايم من مصادر داخل الفاتيكان أن راتزينجر هو أحد المرشحين لخلافة البابا يوحنا بولس الثاني في حال وفاته أو تدهور حالته الصحية بحيث لا يستطيع متابعة مهامه في قيادة الكرسي الرسولي؛ بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثاني اعتبرت صحيفة فاينانشال تايمز أن راتزنجر يملك حظوظ بنسبة 1-7، وكانت مجلة التايم قد صنفت راتزنجر كواحد من بين الشخصيات المئة الأكثر تأثيرًا في العالم، من خلال دوره كرئيس مجمع العقيدة والإيمان ولصلاته القوية بالبابا السابق؛ قبل أنتخابه كبابا في أبريل 2005 جدد راتزنجر رغبته في التقاعد والعودة إلى منزله في بافاريا وأعلن أيضًا أنه يود التفرغ لتأليف الكتب.
كتب بول بيرس مقالة في صحيفة ذا سبيكتيتور (بالإنجليزية: The Spectator) بتاريخ 5 مارس 2005:
شجاعته في الدفاع عن التعاليم الكاثوليكية المستقيمة، قد أكسبته احترام زملائه الكرادلة في جميع أنحاء العالم. هو حقًا صاحب قداسة وواضح وذكي جدًا ويرى بوضوح ما هو على المحك. البعض يرى أن تراجع الممارسة الكاثوليكية في العالم المتقدم على وجه التحديد يعود بسبب نزوع أساقفة أوروبا لإخفاء رؤوسهم في الرمال، والبابا الذي يواجه قد يكون مجرد ما هو مطلوب. راتزنجر ليس شابًا هو في الثامنة والسبعين من عمره، ولكن أنجيلو رونكالي الذي أحدث ثورة في الكنيسة الكاثوليكية عن طريق دعوته لعقد المجمع الفاتيكاني الثاني كان تقريبًا في نفس العمر عندما أصبح البابا يوحنا الثالث والعشرون. وكما قال جيف إيرسلي، مراسل مجلة التايم من قبل المطلعين على بواطن الأمور في الفاتيكان الشهر الماضي بأن: الحل هو بالتأكيد على راتزنجر.
رغم ذلك فلم يكن هناك إجماع من قبل المحللين والإعلاميين على شخصه؛ خصوصًا أنه نادرًا ما تصيب التحاليل الخاصة بانتخاب البابا في الفاتيكان، فلم يكن من المتوقع أبدًا أن يصل يوحنا بولس الأول ويوحنا بولس الثاني حسب التحليلات إلى منصب البابا.
الخلوة الانتخابية والانتخاب 19 أبريل 2005
بموجب القوانين المعمول بها في الفاتيكان، تلتئم الخلوة الانتخابية بعد خمس عشر يومًا من وفاة البابا لانتخاب خلف له؛ اجتمعت الخلوة للمرة الأولى مساء 17 أبريل 2005، بعد يومين فقط وهو ما يعتبر في المعايير الفاتيكانية خلوة قصيرة، في 19 أبريل 2005، الساعة السابعة مساءً انتخب الكاردينال راتزنجر خلفًا للبابا يوحنا بولس الثاني بعد أربع جولات من الاقتراع، وقد انتخب البابا بأغلبية ثلثي الأعضاء. وصرح أنه كان يود حتى تلك الساعة التقاعد: «في لحظة معينة، صليت إلى الله من فضلك لا تفعل هذا لي… من الواضح، أنه في هذه المرة لم يستمع لي.»
ومن قبيل الصدفة، أن 19 أبريل في تقويم الكنيسة الكاثوليكية هو عيد القديس ليون التاسع، والذي يعتبر أهم بابا ألماني في العصور الوسطى، والذي قام بعدد كبير من الإصلاحات خلال بابويته.
قبيل أول ظهور له من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بعد أن أصبح البابا،
أعلن جورج استيفيس، الكاردينال المسؤول عن الاحتفالات والتشريفات في الفاتيكان عن انتخاب “الحبر الأعظم”، وحيّا الحشود في ساحة القديس بطرس باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية قبل الشروع وفق تقليد الكنيسة الكاثوليكية باللغة اللاتينية بقراءة مرسوم انتخاب البابا المعروف تقليديًا باسم Papam Habemus والتي تعني في اللغة العربية: أصبح لدينا بابا.
بعيد ذلك، أطل البابا بندكت السادس عشر على الحشد، وخاطب المحتشدين باللغة الإيطالية ثم تلا صلاة مباركة المدينة باللاتينية وفق تقليد الكنيسة الكاثوليكية؛ أولى كلماته كبابا كانت:
|
أيها الأخوة والأخوات، بعد البابا الكبير يوحنا بولس الثاني، انتخبني الكرادلة، أنا العامل البسيط المتواضع في كرم الرب. قبل كل شيء أنا أطلب صلواتكم لمساعدتي في فرح الرب القائم من الموت، وأنا واثق من أنه سيقوم بمساعدتي، دعونا نمضي قدمًا. وسوف يساعدنا الرب، ومريم والدة الإله، ستكون معنا أيضًا. شكرًا لكم. |
قام البابا بقداس التنصيب حسب التقليد في 24 أبريل حيث وضع التاج وخاتم الصياد؛
ثم تسلّم مهامه كأسقف روما في 7 مايو.
الاسم البابوي
بحسب عادة البابوات السابقين بتغيير أسمائهم لدى انتخابهم؛ قام راتزنجر باختيار اسم بندكت كاسم البابوي، تأتي جذور الكلمة من اللغة اللاتينية وهي تعني في اللغة العربية: مبارك أو المبارك. بحسب تصريح البابا فهو قد اختار هذا الاسم على شرف البابا بندكت الخامس عشر، وكذلك القديس بندكت النيرسي. بندكت الخامس عشر كان البابا خلال الحرب العالمية الاولى وسعى إلى إنهاء الحرب والتأليف بين الأمم المتحاربة، أما القديس بندكت فهو مؤسس الرهبنة البندكتية وهي واحدة من أقدم الرهبنات في أوروبا ومعظم الأديرة في العصور الوسطى كانت تابعة لها، ولا تزال مؤلفات القديس بندكت النيرسي تشكل تأثيرًا كبيرًا في الحياة الرهبانية المسيحية الغربية.
خلال لقائه مع الحشود في ساحة القديس بطرس يوم 27 أبريل 2005؛
أوضح البابا سبب اختيار اسم بندكت:
|
مملوءًا بمشاعر الرهبة والشكر، أود أن أتكلم عن سبب اختياري اسم بنيدكتوس السادس عشر. أولاً، أتذكر البابا بندكت الخامس عشر، رسول السلام الشجاع الذي قاد الكنيسة في أوقات مضطربة كانت تعصف في العالم. وعلى خطاه أضع خدمتي في سبيل المصالحة والوئام بين الشعوب. بالإضافة إلى ذلك، أذكر القديس بندكت النيرسي، الراعي في أوروبا، والذي يؤكد على الجذور المسيحية لهذه القارة. أطلب منه أن يوفقنا جميعًا لفهم مركزية دور المسيح في حياتنا المسيحية. |
درع البابوية
صمم درع البابوية الخاص بالبابا بندكت السادس عشر رئيس الأساقفة أندريا كورديرو لانزا دي مونتيزيمولو، الذي أصبح في وقت لاحق كاردينال؛ يشير التاج الأسقفي إلى سلطة البابا الروحية في الكنيسة الكاثوليكية، بينما يشير المفتاحان المتصالبان الفضي والذهبي إلى الاعتقاد الكاثوليكي بكون البابا هو خليفة بطرس الرسول الذي قلده يسوع مفاتيح الأرض والسماء استنادًا إلى ما ورد في إنجيل متى 16/ 18-20.
الدرع بشكل أساسي يتكون من ثلاث رموز، الصدفة والدب الذي يحمل صندوقًا ورأس الملك مور. الصدفة هي أحد الرموز المستخدمة في الكنيسة للإشارة إلى القديس أوغسطين ومن المعروف أن أطروحة البابا لنيل درجة الدكتوراه عندما كان قسًا كانت حول الفكر اللاهوتي القديس أوغسطين، وبالتالي فهي تشير إلى العلاقة الفكرية بين البابا والقديس أوغسطين. رأس الملك مور هو أحد الملوك الأسطوريين الذي يرتبط عمومًا بمدينة فريزنغ قرب ميونخ في ألمانيا حيث شغل البابا منصب رئيس أساقفة، أما الدب فهو يشير إلى أسطورة شعبية أيضًا تشير إلى أن القديس كوربينان خلال سفره من روما إلى مسقط رأسه بافاريا وهي مسقط رأس البابا أيضًا، قتل أحد الوثنين حصانه عن طريق دب، لكن القديس كوربينان استطاع التغلب على مهاجمه ومن ثم أمر أن تنقل أمتعته على ظهر الدب حتى بافاريا، ولاحقًا عند وصوله إلى بافاريا أطلق القديس كوربينان الرجل من خدمته، وهذه القصة هي مجرد رمز يشير إلى: المسيحية التي قامت بتدجين الوثنية الوحشية، ووضعت بالتالي أسس لحضارة عظيمة في دوقية بافاريا. في الوقت نفسه يشير الصندوق المحزوم على ظهر الدب إلى المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتق البابا. أما اللون الأحمر عمومًا فهو إشارة إلى النبالة في أوروبا.
ردود الفعل على انتخابه
لكونه بابا محافظ، فقد تنوعت ردود الفعل داخل الكنيسة على انتخابه:
فقد قال رئيس أساقفة نيجيريا، جون أوناييكون، لبي بي سي إن آراء البابا الجديد المحافظة بشأن الإجهاض وموانع الحمل والجنسية المثلية، مدعومة بقوة من جانب الكاثوليك في أفريقيا. غير أن اللاهوتي الألماني المنشق، هانز كونج، قال إن انتخاب راتسينجر مثل “إحباطا هائلا” لمن كانوا يأملون في بابا إصلاحي. |
أما دوليًا فقد رحب بطاركة ورؤساء الطوائف المسيحية الأخرى بانتخاب البابا؛
وكذلك فعل قادة أغلب الدول الإسلامية؛ وبشكل عام فإن أغلب دول العالم قد رحبت بانتخاب البابا بما فيها الدول التي تتميز بعلاقات شائكة مع الفاتيكان كالصين الاعتراض الرئيسي جاء من الصحف والمنظمات الليبرالية المناهضة لسياسة البابا المحافظة.
خلال قداس تنصيبه، استعاض البابا عن التقليد السابق في الكنيسة الكاثوليكية، الذي يشترط تقديم كاردينال يمين الطاعة للبابا، من خلال وجود اثني عشر شخصًا، بما في ذلك رجال دين ليسوا كرادلة وزوجين مع أطفالهم؛ وبعد قداس التنصيب قام البابا بجولة على المحتشدين في ساحة القديس بطرس مقدمًا لهم التحية، باستخدام سيارة مفتوحة كما فعل سلفه يوحنا بولس الثاني. كذلك فقد واصل بندكت السادس عشر تقليد سلفه يوحنا بولس الثاني بتعميد العديد من الأطفال في الكنيسة السيستينية في الفاتيكان مع بداية كل العام، تأكيدًا على دوره الرعوي كأسقف روما.
بابويته
القديسون والمطوبون
-البابا خلال مباركته الحشود في ساحة القديس بطرس، الفاتيكان، 12 أغسطس 2007
-في 9 مايو 2005 افتتح البابا رسميًا ملف دعوى تطويب سلفه يوحنا بولس الثاني، رغم أن القانون الكنسي يفرض مرور خمس سنوات على وفاة الشخص لفتح دعوى تطويبه، إلا أن مسؤول مجمع شؤون القديسين في الفاتيكان أشار إلى أنه يمكن في الظروف الاستثنائية تجاوز تلك المدة بموافقة البابا،
واستشهد بحادثة بولس السادس الذي فتح دعوى تطويب سلفه يوحنا الثالث والعشرون قبل أنقضاء فترة خمس سنوات وفق القانون الكنسي. وقد أعلن رسميًا بدء العمل في الدعوى في 13 مايو وهي الذكرى الرابعة والعشرين لتعرض البابا السابق لمحاولة اغتيال.
Discussion about this post