بيوس الحادي عشر
آشيل راتي 1922 – 1939
ولد أشيل راتّي في 31 أيار 1857 في ديزيو قرب مونزا، هو ابن صاحب مصنع حرير. بعد أن أكمل دروسه الفلسفية واللاهوتية والحق القانوني سيم كاهناً في ميلانو حيث درس. كان يهدف أساساً إلى التعمق في العلوم. في سنة 1888 دخل كأمين للمكتبة الإمبرواسية فحصل في غضون السنوات التالية لسنة 1888 على معارف واسعة مدهشة، ومنذ سنة 1907 راح يدير شؤون المكتبة الإمبرواسية، حيث حظي باحترام كبير في عالم العلماء؛ له مؤلفات نقدية عديدة، في تاريخ الكنيسة والفن والأدب وقراءة النصوص القديمة. وقد اشتهر عنه بأنه من متسلقي الجبال، وقد قام بأول تسلّق، لقمة زومستين، في جبل روزا، وقد قال عن هذه التسلقات في مذكراته.
قسم، من سنة 1911 إلى 1914، نشاطه بين ميلانو والمكتبة الفاتيكانية، حيث دعاه البابا بيوس العاشر وعيّنه مدبراً بالوكالة، ثم عينّه مدبراً أصيلاً من سنة 1914 إلى سنة 1918. أما بندكتوس الخامس عشر فقد عيّنه زائراً رسولياً في بولندا ثم سفيراً سنة 1919، وفي سنة 1921 سامه رئيساً لأساقفة ميلان وكردينالاً، فافتتح رغم قصر مدة نشاطه، جامعة ميلان الكاثوليكية.
اختار اسمه الباباوي بيوس، لأنه يعني السلام. أما شعاره فهو: “سلام المسيح في مملكة المسيح”. إن هذا الشعار يوضح منهجه الذي هو امتداد لمناهج المئتين والاثنين والثلاثين بابا سلفائه.
أما الحدث التاريخي الهام في حبريته فهو حل المسألة الرومانية والصلح مع إيطاليا. وقّع الكردينال غاسباري، أمين سر الدولة، مع موسوليني، بعد مفاوضات ابتدأت سنة 1926، معاهدة اللاتران في 11 شباط سنة 1929، التي تحدد نهائياً الأراضي والمقاطعات الباباوية وتعترف بسلطة وسيادة البابا عليها. قد قام الملك والملكة بزيارة البابا رسمياً. أنجزت المعاهدة الباباوية (الكونكوردا)، في الوقت الذي فيه انتهكت الحكومة الفاشستية معاهدة اللاتران.
ولم تتركز الأوضاع إلا في سنة 1931 عندما استقبل موسوليني رسمياً في الفاتيكان. وقّعت المعاهدة الباباوية مع ألمانيا سنة 1933، والتي لم تكن تعني للنظام الإرهابي النازي إلا قصاصة ورق لا قيمة لها، فانتهكت هذه المعاهدة منذ اليوم الأول، بعدها بقليل ابتدأ الاضطهاد الدموي ضد الكاثوليك، الذي دام حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ولما جاء هتلر إلى روما سنة 1939 رفض البابا رؤية السفّاح الذي اغتال آلاف الأبرياء، وأغلق أبواب الفاتيكان وترك علانية روما.
توفي بيوس الحادي عشر، بعد أن سعى، عبثاً، لمنع الإنتهاكات والتعديات التي دبرتها ألمانيا ضد حرية أوروبا. هو أحد الباباوات الأكثر نبوغاً وبروزاً في التاريخ، أولاً لنشاطه داخل الكنيسة، ثانياً، كبابا للعمل الكاثوليكي. أما الخطوط العريضة التي تدل على طباعه فهي: النبل، الصلاح، الذكاء والنباهة، والتطلعات الواسعة وعمق التقوى والسلطة الملكية والحزم… قد ازدهرت الرسالات الكاثوليكية في عصره ازدهاراً عظيماً. لقد سعى البابا بيوس الحادي عشر بكل ما لديه من إمكانيات وقوة ليعيد الوحدة مع الجماعات الدينية المنفصلة.
أما نشاطه العمراني فكثير، ومما يذكر له بين الأعمال العمرانية التي أقامها، البناء الجديد الذي جعله مركزاً لنشر الإيمان، ثم أبنية الدولة الفاتيكانية والمحطة، ثم محطة الإذاعة التي أنشأها ماركوني، ومعرض الرسوم الجديد، أغنى الفايتكان بالأملاك والمقتنيات الهامة والهبات. مع أنه رجل علم، أنشأ مؤسسة علم الآثار المسيحية. وفي اللاتران أنشأ متحف العلوم العرقية، ومتحف الرسالات، وكذلك أنشأ المرصد الجديد في كاستل غوندلفو. وفي سنة 1922 أنشأ المجمع العلمي (الأكاديمي) الباباوي للعلوم، الذي يضم سبعين عضواً منتخبين من بين علماء العالم أجمع دون أن يكونوا بالضرورة كاثوليك.
سنة 1925 أنشأ عيد يسوع الملك، وذلك ليعلن أن لا دولة إلا للمسيح. سنة 1933 أعلن يوبيلاً ممتازاً لمناسبة مرور تسعة عشر قرناً لموت المسيح بالجسد وقيامته. أما كبار القديسين الذين أعلن قداستهم فهم: تريزيا الطفل يسوع من ليزيو، برناديت سوبيرو، بيار كانيسيوس، الدون جان بوسكو، الأخ كونراد بارزام. جون فيشر، توماس مور، خوري آرس، جان باتيست، ماري فياني… وأعطى لقب ملفان الكنيسة كلا من: البير الكبير وبللر مينوس، معيداً هكذا الاعتبار للعلم.
Discussion about this post