اكليمنضوس الحادي عشر
جان فرنسوا ألباني 1700 – 1721
ولد في 22 تموز 1649 في اوربان. تلقى ألباني ثقافة ممتازة، فتضلع بالفلسفة واللاهوت والحقوق والأدب فضلاً عن معرفته اللغات القديمة. قام بدور هام في مجمع الملكة كريستين السويدية العلمي. لم يدخل في خدمة الكنيسة إلا بعمر ثمانية وعشرين عاماً، شغل عدة مهام، ثم عينه البابا اسكندر الثامن سنة 1690 كردينال شماس.
رفض انتخابه إلى الحبرية فألحوا عليه كثيراً حتى رضي، وقد تقيّد حرفياً بنص البراءة، حول توظيف الأقارب والمحسوبية، التي أذاعها سلفه. لم يصبح انيبال ألباني، ابن أخيه كردينالاً، إلا سنة 1711، وذلك بعد أن قام بعدة إرساليات ديبلوماسية، برهن فيها عن مقدرة تامة، وبعد إلحاح الكرادلة وإصرارهم. أما اسكندر أخو أنيبال هذا، والذي هو أحد أكبر نصراء الأدب في عصره، وحامي وينكلمان، فإنه أصبح كردينالاً في عهد اينوشنسيوس الثاني عشر. لم تنل عائلة ألباني، في غضون واحد وعشرين سنة من حبريته، أيّة إعانة مالية أو غيرها لا من الصندوق العام ولا من أموال البابا الشخصية، مع أنه ظهر بعدئذ، أنه اقتطع من أمواله الخاصة مليون سكودي لتوزّع على الفقراء.
كانت على عهد اكليمنضوس الحادي عشر، حرب الوراثة الأسبانية، التي حدثت بجلوس، حفيد لويس الرابع عشر، فيليب الخامس على عرش اسبانيا – حسب وصية شارل الثاني، آخر عضو من آل هابسبورغ في اسبانيا – رغم معاهدات التقسيم ومفاوضات فرنسا مع انكلترة بهذا الشأن في 3 آذار سنة 1700. لكن الامبراطور ليوبولد الأول وغليوم الثالث ملك انكلترة والبلاد الواطية أنجزوا، سنة 1701، الحلف الكبير الثاني، لمحاربة فرنسا.
كان شارل الثاني قد اختار أولاً الأرشيدوق شارل ابن الامبراطور الأصغر وريثاً ثالثاً. وقد هاجم ليوبولد الوصية، التي نصحه اكليمنضوس بتركها، وكان لم يزل آنذاك كردينالاً، لأن ليوبولد كان يريد أن يفصل المسألة بالحرب، وباءت جميع محاولات ومبادرات البابا للصلح بالفشل لمطالبات الامبراطور، التي لم يعترف بها هو، ومطالبات فيليب الخامس حول نابولي، المتزامنة مع دخول الجيوش الفرنسية لومبارديا، واستسلام مانتو أمام لويس الرابع عشر، والدخول الفخم في أراضي الدولة الباباوية في فرّارة، وكذلك مع بدء الثورة في نابولي التي حركها جماعة الامبراطور في روما لقلب السيطرة الأسبانية. خرج اكليمنضوس عن حياده ومال إلى المعسكر الفرنسي. فإذا لاقى ، بالفعل، وضعه كوسيط قبولاً فيتمسك به، فينقله إلى جاك الثالث، ابن الملك المخلوع جاك الثاني، والمطالب بعرش آل ستيوارت، الذي يدعمه لويس الرابع عشر، فيتحده بفرنسا وهكذا يهدد من جديد الكاثوليك الأنكليز.
ازداد التوتر بين روما وفيينا عندما أعلن الامبراطور 1703 ابنه ملكاً على اسبانيا باسم شارل الثالث، فكان أنه في أثناء جلاء الفرنسيين والنمساويين بعد سنتين من إعلان الامبراطور، عن أراضي الدولة الباباوية، قام أحد قواد جيش البابا بخيانة إذ سمح للفرنسيين أن يعودوا ويدخلوا إلى الأراضي الباباوية من جديد.
ما إن حلت سنة 1705، بعد وفاة ليوبولد الأول، واتيلاء ابنه جوزف الأول على الحكم، حتى انفجر الصراع، مع أن اكليمنضوس لم يساعد علناُ المصالح الفرنسية الأسبانية، بل كان يتمنى بإخلاص الصلح مع جوزف الأول. تغيّرت الأوضاع جذرياً: نجح شارل الثالث سنة 1607 بطرد فيليب الخامس عن مدريد وأعلن ذاته ملكاً في 25 حزيران، في حين كان الفرنسيون يمسحون عن وجوههم الاندحار المريع، الذي كان من نتائجه أن تكبّدت خسارة مقاطعات البلاد الواطية، وفي 7 أيلول من السنة ذاتها سحقهم الأمير أوجين في تورين، فرأوا أنفسهم مجبرين على الجلاء عن ايطاليا. وصل جيش الامبراطور أمام روما في أيار 1707، فلم يستطع اكليمنضوس منعهم عن المرور في الأراضي الباباوية، ورفض الإعتراف بشارل الثالث كملك على اسبانيا، بعد أن استولى جيش الامبراطور على نابولي في 7 تموز سنة 1707، كانت النمسا تسيطر على كل ايطاليا بما فيها كل ما يعود للبابا، التي منها دوقية بارما بليزانس التي رفضت، هي أيضاً، الاقطاعية.
وفي سنة 1708 وجد اكليمنضوس نفسه في حالة حرب مع الامبراطور. نشر جوزف الأول منشوراً ضد البابا، جاء فيه، بأنه نازعه السيادة الزمنية، ومشت الجيوش الامبراطورية إلى روما،فالتزم اكليمنضوس أن يستسلم أمام القوة، وأنجز، في 15 كانون الثاني سنة 1609 كانت شروطه معتدلة، وهكذا انتهت آخر حرب في التاريخ بين البابا والامبراطور. ومن هذه الشروط الاعتراف بشارل الثالث ملكاً على اسبانيا، وحق المرور للجيوش الامبراطورية.لكن فيليب الخامس بقي كذلك ملكاً معترفاً به، بنوع أنه كان لأسبانيا ملكان لفترة من الزمن. وأسقط في يد اكايمنضوس ولم يعد باستطاعته أن يحصل على أي حق، بينما راح فيليب الخامس ينتقم من الأكليروس، إلا أن هذا الانتقام بدون مساندة لويس الرابع عشر.
إن الأوضاع الرلهنة فرضت على البابا، في المستقبل العاجل، مشاكل من كل الأنواع: موت جوزف الأول سنة 1711، خلافة أخيه، الذي كان قد تنازل عن اسبانيا، باسم شارل السادس، معاهدات الصلح، التي أنهت حرب خلافة اسبانيا، معاهدة اوترخت في 11 نيسان سنة 1713 ومعاهدة ريستادت في 7 آذار 1714، واعتراف فرنسا واسبانيا بفريدريك الأول دي براندبوغ كأول ملك على بروسيا. صقلية إلى الدوق فيكتور اميدي الثالث دوق السافوا، ومعاهدة الصلح العام للامبراطورية في بادن – سويسرا في 7 أيلول 1714، وكذلك موت لويس الرابع عشر سنة 1715 الذي جاء متزامناً مع إعلان تركيا، التي أعادت تسلحها الحرب على البندقية. حاول اكليمنضوس بكل ما لديه ليساعد الجمهورية، فيما الأتراك يتقدمون بانتصار مشكلين خطراُ على كل ايطاليا. لكن في 13 نيسان 1716 أنجز الامبراطور والبندقية حلفاً دفاعياً هجومياً فساعده اكليمنضوس بكل قواه.
وفي 5 آب 1716 دحر الأمير أوجين الأتراك في بيتر فاردن فأرسل البابا للأمير أوجين، الذي توّج انتصاره بنجاحات أخرى، قبعة ثمينة وسيفا ًمكرساً، وأمر بأن يكون عيد الوردية، الذي تأسس سنة 1541. شكراً للعذراء لانتصار ليبانت، عيداً للكنيسة جمعاء. وفي 16 آب 1717، استولى الأمير أوجين على بلغراد.
بعد هجوم فيليب الخامس ووزيره الكردينال البيروني، ضد سردينيا، عاد كل تقدم مستحيلاً، واكليمنضوس، الذي كان قد تكفّل للامبراطور، الذي كان يحارب الأتراك، بحفظ السلام، إهانته بعنف فيينا ثم اشتكي منه بأنه تواطأ سراً مع الاسبان. راح المسكين يحاول عبثاً إثبات براءته بأن هذه الشكاوى لا أساس لها من الصحة. احتل البيروني سنة 1718 صقلية التي كانت قد منحت لدوق السافوا. ما إن عادت القوة الاسبانية إلى نشاطها حتى جعلت الامبراطور سنة 1720 يستولي على صقلية رغماً عن كل حقوق سيادة البابا، فيما بارم بليزانس وتوسكانا، التي أصبحت بيوت أمرائها على وشك الإندثار، أعلنت كلها مقاطعات للامبراطور، في حين أقامت انكلترة وفرنسا وهولندة، في 2 آب 1718، حلفاً رابعاً، الذي انتهى بتعجيل اندحار وسقوط البيروني، لذلك انضم سنة 1820 إلى الحلف فيليب الخامس. وأصبح فيكتور اميدي ملك السافوا، الملك الأول على سردينيا والسافوا، وعرف اكليمنضوس، قبل موته بقليل، الصلح الذي وقّعه فيليب الخامس مع روما.
استعاد الجنسانيون، الذين كانوا راقدين منذ السلام الاكليمنضوسي، حدتهم تدريجياً، ونشروا قضية الضمير، التي كانت، نوعاً ما، فتوى أفتى بها علماء السوربون (1701) والتي أضحت من الأصول. ثم طرحت مشكلة القضايا الخمس من مختلف جوانب الحق القانوني والعمل، فكان صمت عميق، وقد احتجّ على الصيغة، قد رأت السلطات الاكليريكية الباريسية أن الجنسانية تنبعث وتنتقض بقوة. قد وافق البابا على هذا الاحتجاج ببراءة: الله الحي، أصدرها سنة 1705، ثم ظهر بعد ذلك كتاب صلاة كيزنيل بعنوان “تأملات أخلاقية”، فأصدر البابا براءة “الشعب الواحد” سنة 1713 فيها يدين مئة قضية وقضية مختارة من مؤلف كيزنيل.لأن قبول أو رفض هذه البراءة ستقسم فرنسا الكاثوليكية حتى الموت طيلة القرن الثامن عشر.
إن حبرية اكليمنضوس الحادي عشر وجدت في إحدى المراحل الأكثر انتقاداً في الخلافات المذهبية، أي موقف يجب أن يتخذه المرسلون إزاء الحضارات الغير مسيحية؟ في الشرق الأقصى (الهند)، الصين، الهند الصينية – اليابان كانت مغلقة. فقد اختلط الأمر عليهم في مثل هذه الحالة: إرادة تأثير انتشار الايمان، حرية عمل الكرسي الرسولي بالنظر للسلطة، خلاف المنظمات الرهبانية، معارك الافتراضيين، مشكلة الشرق والغرب، وأخيراً كل هذا قد تقرّر – أو بالأحرى، كل هذا قد وضع للنظر فيه فيما بعد في جو ملبّد في المجلس العام.
أما على الصعيد الشعبي فقد كان له استحقاق كبير من جهة الاصلاح التكفيري، بهذه الفكرة القائلة: على المذنب أن يحسّن سيرته لا أن نقاصصه. شجع البابا العلوم، وعلم الآثار، وتنظيم المتاحف وقد بنى كنيسة الرسل، وهي آخر كنيسة حسب الفن النافر في روما. وفي سنة 1712 طوّب بيوس الخامس.
توفي البابا بعد عذابات مؤلمة، وقد وضع على ضريحه لوحة رخامية، محفور فيها بضع كلمات بسيطة، تغطي مدفنه في كنيسة مار بطرس. ومن كلماته الأخيرة: ” الكبير هو وحده الكبير أمام الله”. وقد وضع صلاة طويلة تدل بطريقة مؤثرة على شخصيته المحترمة. قلّما عرف هذا البابا، الذي غالباً ما كان جامداً أمام المسائل الجازمة، الهدوء فقد تحمّل كل الإهانات بهدوء أعصاب وبسلطة العظمة الحقيقية. فقد أعان الجميع، مثل اينوشنسيوس الحادي عشر، بنشاطه الذي لا يعرف الكلل، ضد الأتراك، وساعد أيضاً بسعة وافرة كذلك ليخلص الغرب من خطر الإسلام.
Discussion about this post