اينوشنسيوس الحادي عشر (زخيا الحادي عشر)
بنوا اوديسكالشي 1676 – 1689
ولد في أيار 1611 في كوم، درس الحقوق في نابولي، إذ أن نيته كانت متجهة ليصبح ضابطاً، لكنه آخر الأمر، أصبح كاهناً، مهد له الكرادلة أبناء الأخ بربيريني الطريق للوصول إلى مركز مرموق، وأدخله اينوشنسيوس العاشر في مصاف الكرادلة، وهو بعمر أربعة وعشرين عاماً ليس كأنه طامح إلى الكردينالية، وليس لاستيلاء اوديسكالشي على اولميمبيا مدالشيني بالهدايا، بل لأن اينوشنسيوس كان قد عرف خلاله وصفاته وقدّر ضميره وصيته كأب للفقراء. هذه السمعة الحسنة قد استحقها وهو أسقف على نوفارا، كما ظهر عنه مؤخراً، أثناء وباء الطاعون والسيول المجتاحة، فقد سار سيرة بعيدة عن العالم مكرساً نفسه بكليته لمحبة القريب. ارتقى إلى الباباوية رغماً عن إرادته، وبعد ارتقائه، دفع، حسنة ثلاثة آلاف قداس لراحة أنفس الموتى، كشكر لله، إلى كردينال كان يقاوم انتخابه بضراوة.
أخبار كثيرة رويت عن هذا البابا المتواضع الذي بقي طيلة عشر سنوات وهو يلبس ذات الجبة البالية، كان يتحاشى هتافات الناس له، حتى أنه لم يدعهم يهتفون له. جعل عائلته تدرك بأنها لن تحصل منه على شيء وأن على كل واحد من أفراد عائلته أن يتفرغ لأعماله. كان يساعد، عند الضرورة القصوى، المحتاجين جداً منهم، وهذه المساعدة من ماله الخاص. عندما عزم أن يذيع براءة يمنع فيها توظيف الأقارب والمحسوبية قاومه الكرادلة وعرقلوا العمل البابوي، بدأت حرب هولندا على يد لويس الرابع عشر، في زمن حبرية اكليمنضوس العاشر، فأدت إلى مفاوضات بناء لتدخل شارل الثاني ملك انكلترة، فوقّعت معاهدة الصلح بين فرنسا وهولندة في نيميغ، في 10 آب 1678، ومع اسبانيا في 12 أيلول 1678، ومع الامبراطور ليوبولد في 5 شباط 1679. أما لويس الرابع عشر القائم في أوج عظمته، بقي هو الرابح في معاهدات الصلح الثلاث هذه، لأن بنود معاهدات وستفالي سنة 1648 تثبتت لمصلحة فرنسا، حتى أن القسم الأكبر الذي سعى به القاصد الرسولي لويجي بيفيلاكا، لإرساء قواعد الصلح. لم يذكر في الوثائق. أما اينوشنسيوس فقد تنازل بكل طيبة خاطر عن هذا الشرف، ما يعود عليه بالربح، والفكرة السائدة في غضون هذه الحبرية، هو: الانتصار على الأتراك.
إن المقاوم الأكبر لمخططاته هو لويس الرابع عشر الذي كان يشجع الأتراك للزحف على النمسا. لكن سنة 1683 نجح اينوشنسيوس في إرساء قواعد التحالف بين ملك بولندا يوحنا سوبيسكي والامبراطور ليوبولد الأول وقد وضع عدة وسائل بتصرف هذا التحالف. وما إن كان تاريخ 12 أيلول سنة 1683، حتى كانت الجيوش المتحدة، تحت قيادة سوبيسكي والدوق شارل دوق اللورين، قد سحقت الأتراك عند أسوار فيينا، وتذكاراً لهذه الحادثة ذات الأهمية العالمية أنشأ عيد اسم مريم الأقدس للكنيسة جمعاء، لأن هذا النصر يعني لإينوشنسيوس إحياء فكرة الامبراطورية المسيحية. وفي 6 آذار سنة 1684 نشأ، بمبادرة من البابا، حلف مقدس، دخل فيه الامبراطور وبولندا والبندقية، وتحالف الجميع على القيام بعمل مشترك ضد الأتراك على أن لا تهاجم أيّة قوّة مسيحية أخرى.
إن انتصارات اوفن وبلغراد، في 3 أيلول 1683 وفي 6 أيلول 1688 قد كبّدت الأتراك خسائر جديدة، فلكي يدعم لويس الرابع عشر الأتراك، دخل بعد انهزام الأتراك في بلغراد، إلى ألمانيا، وبدأ بحرب الخلافة على مقاطعة البلاتينا، مما اضطر الامبراطور للدفاع عن ذلك.
ارتد جاك الثاني إلى الكثلكة، لكنه سعى بطريقة خرقاء لإعادة الوحدة في اليمان، في انكلترة بالقوة، لذلك خلع عن العرش. فانتهى بخلعه سنة 1688 عهد ملك عائلة ستيوارت، فارتقى صهره غليوم الثالث ملك اورانج العرش، عند ذاك رأى اينوشنسيوس نفسه أمام وضع متناقض: عاهل كاثوليكي وصديق للفرنسيين أجبِر على التنازل، إلى المنافس البروتستاني للويس الرابع عشر، والعدو السياسي الأكبر للبابا.
ادّعى على البابا، بوثائق مزوّرة من أصل فرنسي، بأن البابا كان على علم باستيلاء غليوم دورانج، وحتى، أنه ساعده لضغينة منه على لويس الرابع عشر. ولكنه ثبت بالتأكيد، أن البابا قد أخذته الدهشة لهذا الانقلاب، من جهة، ومن جهة ثانية قد أنكر سياسة الارتداد بالقوة التي مارسها جاك الثاني. كان كل يدّعي على البابامن جهته. لم يستطع أحد إثبات دعم غليوم دورانج كعدو لفرنسا. تحالف الامبراطور في 12 أيار 1689 مع غليوم دورانج مؤلفاً معه الحلف الكبير، فانضم إليه، بعد ذلك، السافوا واسبانيا وأقاموا سداً بوجه لويس الرابع عشر.
أخذت العلاقات، منذ سنة 1678 بين اينوشنسيوس الحادي عشر وبين لويس الرابع عشر، تتأرجح بين الحلاوة والمرارة، وفي سنة 1678 خطأ البابا الملك بشأن الاسيلاء على دخل الأسقفيات، وفي سنة 1681 قرر الملك اجتماع جمعية فوق العادة لاكليروس فرنسا يكون في سنة 1682، وعرِف أن هذا الجتماع أبعد الانفصال الذي لم يكن أحد يريه – حتى ولا الملك – ولكن الملك أصدر الإعلان الشهير المؤلف من أربعة بنود، فيها يحدّد “حقوق الكنيسة الغليكانية” تجاه الكرسي الرسولي. فأعلن البابا بطلان وعدم شرعية هذا الاعلان. ولم يلقّن حتى في الاكليريكيات ولا في الكليات، رفض البابا الاعتراف بقانونية الأساقفة الذين عيّنهم الملك، وذلك جواباً على حقيقة معاهدة سنة 1516. ومن سنة 1682 حتى سنة 1689 بلغ النزاع القمة. وهذا ما يفسر جزئياً، سكوت الباباوية عن نقض معاهدة نانت (1685). انفجرت، سنة 1687، قضية الحصانات: البابا كان قد ألغى الحقوق المفرطة للحصانة، التي كان يتمتع بها، القصور ومراكز السفراء فقط بل كان يتمتع بها أيضاً كل البقعة المجاورة لروما، مما يجعل مراكز السفارات ملجأ لشذاذ الآفاق واللصوص والخارجين على القانون.
رفض سفير الملك لويس الرابع عشر، المركيز دي لافاردان، القرار الباباوي ودخل إلى روما باحتفال سنة 1687، رغم معارضة الحرس السويسري: فموقف لافاردان هذا المقصود زاد في النزاع. أخيراً احتلت فرنسا أفينيون وكاسترو، وتسلّم القاصد أمراً بمغادرة البلاد، ولكنه وضِع في الإقامة الجبرية وترك لافاردان روما. ومما زاد في الطين بلة قضية خلافة رئيس أساقفة كولونيا التي برزت (1688)، والدعوة التي أذاعها رئيس المجلس (1688) إلى مجمع عام. قد التأم هذا المجمع عندما توفي اينوشنسيوس الحادي عشر (1689).
كان على اينوشنسيوس أن يقاوم، عدا الكنيسة الغليكانية التي نشأت بسطوة ودعم لويس الرابع عشر، المذهب الموليتاني التصوفي السكوني أتباع مولينوس.
كان اينوشنسيوس أحد الباباوات الأكثر شهرة في عصره. انطلاقاً من المبادئ الثابتة: قام بوجه أوساط سياسية صعبة في عهده، بقوة وصلابة، مع قلة خبرته السياسية لأنه لم يكن قاصداً رسولياً أبداً، ولولا تشدّده في الاصلاح ودقته، واقتصاده الكبير، ورصانته المغلفة أحياناً بشئ من الكآبة، ولكنه لم يكن أبداً متجهماً. لم يكن قد خسر شعبية في روما، ولم يدركوا أنهم فقدوا بابا عظيماً لإلا عند موته، إذ كان هدفه السلام على الأرض، وكان يكره الوسائل المخادعة.
قد ينخدع هو ولكن نواياه كانت دائماً طاهرة نقية، ولخوفه من الأنانية عند الآخرين كان يمنعه من قبول النصائح. أما صرامته حيال حكم لويس الرابع عشر المطلق استحقت إعجاب الأجيال الآتية. ولما أثيرت مسألة أبطال الحرية فبدي اوروبا، برز اسم اينوشنسيوس الحادي عشر، إذ أحيت في نفسه فكرة تجنيد صليبية مرة ثانية.
لقد اكتسب احترام البروتستانية الألمانية بدون تحفظ بطبيعته النقية ونبالة اعتداله، وكذلك استقامته التي لا غبار عليها كل هذه قد أوصلت الباباوية إلى مركز لا يضاهى.
لم يكن للفن أي حظ في عهده، فالتزم لوبرنان أن يحوّل قصر اللاتران إلى بيت للضيافة، قد أصلح اينوشنسيوس، كمتصرف ذكي، وزاد الأموال العامة. أما مدفنه فموجود في كنيسة القديس مار بطرس. وقد توفيت، قبله بأربعة أشهر، الملكة كريستين، بعد حياة مليئة بالرفاهية والعظمة، ودفنت أيضاً في كنيسة مار بطرس.
باشر اكليمنضوس الحادي عشر بإعداد التقارير لتطويب اينوشنسيوس، لكن الحكومة الفرنسية منعت بندكتوس الرابع عشر من متابعة ذلك. ولكن تم هذا التطويب أخيراً في 7 تشرين الأول 1956.
Discussion about this post