بولس الخامس
كميل بورغيز 1605 – 1621
هو سليل عائلة سيّانية استقرت في روما، ولد في 17 أيلول 1552 درس الحقوق ثم اعتنق الحياة الاكليريكية. أرسل اكليمنضوس الثامن هذا الحبر الذكي العلاّمة قاصداً رسولياً لدى فيليب الثاني، ثم سلمه البرفير الارجواني سنة 1596؛ وما إن أنهى مهمته حتى سامه أسقفاً على جيزي، ثم بعد ذلك، جعله نائباً عاماً في روما. ما إن أصبح بولس بابا حتى جعل ابن أخيه، سيبيون كافاريلّي كردينالاً، وهو شاب بعمر سبعة وعشرين عاماً وسمّاه بورغيز. فهذا الكردينال ابن الأخ، الذي أصبح شعبياً، كان ذا صفات ممتازة، لم يكن يحب الظهور، اشتهر باسم نصير الأدب البليغ الرمزي وكان يجمع ما كتب فيه؛ هو الذي بنى دارة (فيلا) بورغيز.
أما عمله كأمين سر فلم يكن ليلفت إليه الأنظار، بل كان يبذل جهوداً قوية ليقوم بما عهد به إليه بولس ليزيد المدخول. لم يظهر عليه أبداً، بطريقة أو بأخرى، أنه سار سيرة مشككة. اثنان من أخوة البابا وغيرهم من الأقارب استفادوا من عطف البابا. ابن أصغر أخوة البابا بولس الخامس، المدعو مرقص أنطوان كان أول أمير من آل بورغيز. لاقى بولس في مطلع حبريته صراعاً خطيراً مع البندقية بسبب مسائل التهذيب الاكليريكي، فرشقها بالحرم؛ وكانت المضاعفات السياسية تعمل عملها وتهدد باندلاع الحرب، فانكلترة وأمراء بروتستانت من ألمانيا أكدوا مساعدتهم للبندقية، لكن ملك فرنسا هنري الرابع تمكّن، آخر الأمر، من إلقاء صلح اتفاقي لم يكن النصر فيه لا للبابا ولا للبندقية. وقد أظهر النزاع بأن الحرم لم يكن له أي تأثير. لقد استدعى حرم البندقية شنّ حملة ضد السلطة الثيوقراطية الباباوية قام بها الأخ باولو ساربي. أما حرم البندقية فبقي الأخير من نوعه.
أقام بولس، في الحقبة ذاتها، علاقات ديبلوماسية مع ديميتريوس المزعوم، الذي توّج قيصراً سنة 1605 والذي كان يرجو البابا به اتحاد روسيا مع الكنيسة. بقي بولس محتفظاً بحياده حيال فرنسا بالرغم من الدعم الذي قدّمه له هنري الرابع ليجعله مؤثراً ضد أسبانيا، فيما كان البابا يرغب، قلبياً، سيطرة أسبانيا. لم تهدأ الأوضاع إلاّ عندما استلمت الملك ماري دي ميدتشي، بعد مقتل هنري الرابع (1610) وجعلته لابنها لويس الثالث عشر.
قام في السنة التالية مشروعا زواج هما: زواج لويس الثالث عشر من حنة أخت فيليب الرابع، وزواج فيليب الخامس من ايزابيل أخت لويس؛ فهذا العمل قارب بين القوتين وأدّى بهما إلى إتمام حلف دفاعي. لقد دعم قصّاد بولس الخامس هذه الأحداث بشكل جازم، في الوقت الذي ظهرت فيه مقالات هجاء لاذع ضده في فرنسا. وقد بدا الارتياح على وجه البابا حين رأى الاكليروس الفرنسي يعترف سنة 1615، تحت قيادة ورئاسة الكردينال القدير جاك دي بيّرون، بمقررات المجمع التريدنتيني الإصلاحية بالرغم من معارضة مجلس النواب لها. أما في انكلترة فقد أتهم جاك الأول البابا بولس بأنه مؤلف مؤامرة البارود، التي كانت سنة 1605 والتي انتظمت في ظروف غريبة من نوعها، وهو البند الميؤس منه، وقد شجبت الكنيسة هذه المؤامرة، الذي كان يقدم فيه الملك شهادة مات فيها الضمير والذمة.
أما بولس فقد أوضح للملك فظاعة العمل هذا، وأنه سيؤدي به إلى حد اقتراح معاقبة بعض اليسوعيين فيما إذا ثبت أنهم ضالعون في هذه المؤامرة. لكنّ الرئيس العام لليسوعيين الشريف هنري غارنه قد أسلم للعذاب والتنكيل مع أخوانه، وجميعهم كانوا أبرياء مثله، فهذا العمل كان إشارة لاضطهادات جديدة امتدت حتى ايرلندة.
استعاد نزاع آل هابسبورغ مكانه في آخر عهد حبرية بولس الخامس، ثم في مطلع حرب الثلاثين سنة التي بدأت سنة 1618 بثورة بوهيميا وتولي الملك فرديناند الثاني العرش (ملك بوهيميا سنة 1617 وملك هنغاريا سنة 1618 وإمبراطور 1619). أما على صعيد الإصلاح فتسجّل الخطوات والتدابير المأخوذة لضمان مركز الاكليروس والمؤسسات التبشيرية.
ما إن انقضت بضعة أسابيع، بعد معركة الجبل الأبيض (8 تشرين الثاني 1620)، والتي اعتبرت انتصاراً كاثوليكياً، حتى توفي البابا، ودفن في الكابيلا البولوسية (البولينية) التي أقامها هو في كنيسة القديسة مريم الكبرى.
لم يطعن أحد في شخصية البابا بولس الفاضلة ولا في سير حياته التي لا تدانى، ولا في تقواه وتواضعه وتجرده وعفته. ومن أخذ عليه توظيفه لأقاربه، لأن سخاءه لم يغتنمه، في نهاية الأمر، إلا عائلته. طوّب سنة 1610 القديس شارل بورومه والقديسة فرنسواز الرومانية. أما عمله في الكنيسة فقد عرف باللطف والهدوء ولا سيما في ما يخص محكمة التفتيش (مع أنه اعترض في بادئ الأمر عمل غاليله 1616) فمنع حكم الإعدام بالموت في المحاضر التي تدين السحر.
في عهده تكملت كنيسة مار بطرس (البازيليك)؛ ومع أن مشروع ميكال أنج، قد أهمل، ببناء مقام مركزي، استدعى بولس الخامس مادرنا الذي شاد الجناح الأكبر، وفي سنة 1615 شاد مدخلاً لكرسي الاعتراف؛ ولما كانت سنة 1617 تمّت الأروقة المؤدية إلى ساحة القديس بطرس ووضع هناك تمثال الرسل التي يعود تاريخها إلى عهد بيوس الثاني. إن العمل الذي تمّ بسخاء يمكن اعتباره كاملاً. تحاشى بولس الخامس كل النكبات التي وقع فيها برامانت في أول البناء وخلّص كل ما له قيمة بصعوبة.
كنائس عديدة بنيت في روما، كما توسعت المكتبة الفاتيكانية إذ زيد عليها حجرتان، ولوحقت الأعمال التي ابتدأت في الكويرينال. وفي سنة 1612 أعاد وضع وجر مياه نبع تراجان القديم وجعله كملحق لماء فيلس وماء باولا، فشيّد لذلك قصراً للماء، على قمة جبل جانيكول، فريداً من نوعه، أما في المدينة فقد أقام البابا عدداً كبيراً من المناهل، من بينها منهل مياه اسيتوزا. أما قصر بورغيز فلم يبنه بولس الخامس بل اشتراه ووسّعه، ثمّ أقام مادرنا للبابا أول المنهلين في ساحة مار بطرس. للبابا بولس الخامس تمثال نصفي نحته بيرنان وصورته رسمها كارافاج.
Discussion about this post