بيوس الرابع
جان انج دي ميدتشي 1559 – 1565
لقد تذكر مصف الكرادلة الكردينال كارلو كارافا، بالرغم من كل المساوئ التي اقترفها آل كارافا، الذي كان قد حط عن مرتبته، فأعاد له كل صلاحياته واعتباره، كما أطلق الشريف مورون الذي اشترك في المجمع الانتخابي، الذي انتخب، بعد ثلاثة أشهر ونصف، كردينال كنيسة القديسة بودنسيان، هذا الكردينال الذي لم يكن أحد ليذكره وليس له أية قرابة مع آل ميدتشي فلورنسا؛ إنما هو ابن لكاتب عدل ميلانو، ولد بتاريخ 31 آذار سنة 1499. جاء هذا إلى روما، بعد أن أتمّ دراسة الطب والفلسفة والحقوق في بافي وميلانو، حيث، بفضل معلمه وحاميه، الذي سيصبح بولس الثالث، سلك طريقاً جعله يصل إلى الإدارة الباباوية بسرعة. فقد كان له، قبل سنة 1542 ابنتان وابن غير شرعيين، ولكنهم لم يظهروا أبداً، اتهامات كثيرة توجهت إلى حياته ككردينال وحتى لما أصبح بابا، لكنّ شيئاً من هذا لم يتحقق أو يتأكد. سيم كاهناً سنة 1545 وبعد سنة من سيامته كاهناً سيم مطراناً ورئيساً لأساقفة لراغوس. اهتم بنشاط السياسة، وفي سنة 1549 تسلّم قبعة الكردينالية الحمراء. قد انزوى، في عهد بولس الرابع، في فولينيو مركز مطرانيته الجديدة. لقد قوبل ارتقاء هذا الكردينال المحب، الهادي، المليء بالحيوية المشهود له بمبرّاته والبساطة في مسلكه، بكل فرح وحماس.
سعى بيوس الرابع وبكل جهد ليكون على اتفاق مع الأمراء وأن يوظف محاسيبه آل هوهنمز ـ ويعرفون باسم ألتمبس ـ وآل سيريللوني وآل بورومه وغيرهم. قد ظهر، منهم جميعاً، عشرون إنساناً في روما. قد دخل أحدهم في تاريخ الكنيسة كأحد كبار القديسين؛ هو القديس شارل بورومه، هو ابن الأخت المفضل للبابا. أصبح شارل بورومه كردينالاً، وهو بعمر اثنين وعشرين سنة، في الوقت الذي أصبح فيه جان أنطوان سيريللوني كردينالاً وذلك سنة 1560؛ فألقى إليه خاله مقاليد أمانة سر الدولة. لكن موت أخيه فريدريك، الذي كان البابا قد اختاره ليؤسس بيتاً أميرياً للعائلة، قاد شارل، عبقري هذه الحبرية، نهائياً إلى الطريق الذي يجعل منه قديساً.
اهتم البابا بيوس الرابع في آذار سنة 1561 بمحاكمة آل كارافا، ومنهم الدوق الشهير جيوفاني دي باليانو، الذي اغتال امرأته، وكان يعضده أخوه الكردينال كارلو. فنفّذ في الاثنين حكم الإعدام، مع المتآمرين منهم في وقت واحد. أما الكردينال الفونس كارافا فقد كان بريئاً، ولكنه أوقف كذلك ثم أطلق سراحه، فمات مكسور الخاطر وهو بعمر أربع وعشرين سنة في مطرانيته بنابولي، كما اعتقل الكردينال اينوشنسيوس ديل مونته، حارس القرود، ولكنه عُفي عنه نفي. لقد وضعت هذه المهزلة حداً نهائياً لحماية وتوظيف الأقارب الادنيين. إذ منذ حبرية بيوس الرابع، لم يعد للمحاسيب والأقارب أية وظيفة. بل اكتفوا فقط باحترام الجميع وألقاب شرف ومعاش. أما المجمع التريدنتيني فكان قد علّق منذ سنة 1552، فأذاع بيوس الرابع براءة رسولية في 29 تشرين الثاني 1560، يدعو فيها لإعادة افتتاح المجمع وعين لذلك يوم عيد الفصح سنة 1561، وبدأت أعماله فعلاً في 18 كانون الثاني سنة 1562 ثم أعلن اختتام المجمع في 4 كانون أول 1563.
أما على الصعيد الإصلاحي فقد حددت الجلسات الأخيرة إصلاح المصف الكردينالي والأمراء (بقي موضوع الأعمال الاكليريكية في منأى عن البحث) وقد أوصت هذه الجلسات بإنشاء المدارس الاكليريكية. لم يبت المجمع في مسألة السلطة المجمعية، ورفض الخوض في مشكلة العصمة الشخصية للبابا.
لقد سطر التاريخ بكل فخر للبابا بيوس الرابع، صفحة مجيدة، الذي أنهى العمل التريدنتيني الكبير والذي ثبّت قراراته ببراءة رسولية بدؤها: “ليتمجد الله” في 26 كانون الثاني سنة 1564.
إن الولايات الباباوية وروما مدينة للبابا بكثير: تحصينه أنكون واوستيا وسيفيتا فيتشا، تتميمه ساحة قصر بلفيدير والسقف المجوّف في قاعة الاجتماعات السرية، ومداخل جنائن الفاتيكان، وسقف كنيسة مار يوحنا اللاتران، وباب بيا (كان يدعى قديماً باب نومنتان)، وباب الشعب الجديد وكنيسة القديسة مريم سلطانة الملائكة، التي بناها ميكال أنج مكان حمّامات ديوكلسيان (حيث هو الآن مدفن البابا). (توفي ميكال أنج سنة 1564، والبابا كان يريد أن يقيم له مدفناً في كنيسة مار بطرس: عارض هذه الإرادة بند في الوصية). كانت موازنة هذه الحبرية، في مدى ست سنوات، هامة، ولكن بما أنه يلزم مال كثير للبناء، فقد أحدثت السياسة الضريبية استياء لا مفر منه.
Discussion about this post