بولس الرابع
جان بيير كارافا 1555 – 1559
هذا البابا الجديد، ولد في نابولي 28 حزيران 1476، درس اللاهوت، وأصبح حاجباً للبابا اسكندر السادس، ثم عيّنه البابا يوليوس الثاني مطراناً على أبرشية شييتي، ولاون العاشر أرسله سنة 1513 قاصداً رسولياً لدى هنري الثامن. تعرّف في انكلترة إلى ايراسم إذ اقترح عليه نشر مؤلفات القديس ايرونيموس، ثم، في سنة 1515، أصبح سفيراً باباوياً لدى فردينان الكاثوليكي، في مدريد، حيث كانت معارضته للسياسة الأسبانية ـ تقليد لعائلة كارافا ـ فأضاف إليه، الملك شارلكان، أبرشية بريند، زيادة على أبرشية شييتي. استدعاه البابا ادريانوس السادس إلى روما، ولكنه تنازل عن كل أبرشيته، في زمن اكليمنضوس السابع؛ ليؤسس مع القديس غايتان دي تيان رهبانية التيانيين.
أصبح سنة 1536 كردينالاً ارتقى إلى العرش الباباوي بالرغم من المعارضة الأسبانية، إذ كان هو مرشح الحزب الإصلاحي. فأصبح بولس، آنذاك، روح الإصلاح بمظاهرة الأكثر قساوة. كان يقدّر ويشعر بطهارة سيامته ويقدّر قيمتها ويجاوب عليها بقوة دون مجاملة، وبإرادة من حديد. حسناً قال الرئيس العام للرهبانية الأوغسطينية، الذي أصبح الكردينال جيرولامو سيريباندو: “إن الله يريد أن يكمل إصلاح الكنيسة، ويسهر على ذلك، كما أراده بولس الثالث بالقول، إذ أن هذا كان يقول ولكنه لم يفعل شيئاً؛ أما يوليوس فلم يقل ولم يفعل شيئاً، أما مرسال فعمل كل ما استطاع عمله ولم يقل شيئاً.
فبولس الرابع إن قال، فعلى الأقل، قد فعل ـ نعم، ليته فعل ما قال!”. لقد خابت، بادئ الأمر، آمال سيريباندو، إذ أن أول عمل قام به بولس الرابع هو أنه رقّى ابن أخيه، كارلو كارافا، الرجل الشرس المغامر، وقائد المرتزقة العديم الذمة، إلى رتبة الكردينالية، وليس هذا فقط، بل جعله أمين سر الدولة، فلم يلبث هذا حتى احتوى عمّه احتواءً تاماً، فهو كان ئيس مغنيين، فظ الطباع، لا يسعى إلا للاهتمام بعائلة كارافا ويطمح بأن يصبح متقدماً كقيصر بورجيا. لا البابا ولا الكردينال انقاد إلى مشورة أحد في سياستهما، بل كانا يسيران حسب فكرة واحدة هي: بغضهما لأسبانيا ولشارلكان، وبعد تنازل هذا، انتقل بغضهما إلى فيليب الثاني. فكانا يبغضانه بغضاً جنونياً. كان كارلو كارافا، من جعته، يحارب لسنوات إلى جانب شارلكان، ولكنه كان يشعر بأنه متروك ومهمل، إنه منذ كانون الأول 1555، تحالف بولس مع فرنسا، وذلك بعد توقيع معاهدة صلح اوغسبروغ الذي قسم المسيحية الغربية إلى قسمين، ولم يتأثر بمحالفة الملك المسيحي الصميم للأمراء البروتستانت والأتراك.
سعى بولس الرابع، مدفوعاً بتأثير ابن أخيه كارلو، لتحرير نابولي من السيطرة الأسبانية، لكن الجيوش التي كان يقودها كارلو كارافا قد اندحرت واحتل دوق الألب الولايات المتحدة الباباوية. لم يعد هناك من بارقة أمل بتدخل فرنسا، بعد اندحاراتها في (سان كينتين)؛ لذلك راح بولس الرابع يفاوض فيليب الثاني فحصل على شروط صلح مشرفة وعلى الجلاء عن الولايات الباباوية (معاهدة كافا ـ بالسترينا 12 أيلول 1557) فقد كان مطلع هذه الحبرية سيئاً. لا شيء على الإطلاق، كان يدل أو يتوقّع إصلاحاً حقيقياً، فالبابا كرّس من جديد حياة الرفاهية؛ فقد عيّن عدداً كبيراً من أقاربه في مراكز هامة، تدر أرباحاً طائلة. ومع ذلك فقد قرر أن يجري الإصلاح، لكن ليس بواسطة المجمع بل بواسطة سلطة نقية. فقد تبادل هو وبولو الآراء قبلاً؛ فالبابا آثر استعمال أساليب القهر والجبر مدعومة بمراقبة الشرط التي أصبحت هذه لا تطاق.
لاحق البابا بنشاط وقوة فساد الأخلاق والهرطقة. فدعم سلطة محكمة التفتيش الرومانية بالدعم التي كانت مدعومة بع منذ أيام بولس الثالث، وكان يرغب أن يرد الجميل لفرنسا، لكن معارضة المجلس قد احبط المشروع. لقد كان المؤرخون قساة بحق مناهج بولس الرابع، إنه لمن الصعب أن نوازي بين الصالح الطالح بعمل الشرطي، ومقابل ذلك، نرى أنه لمن السهل التأكد من أنّ محكمة التفتيش قد سارت في طريق خاطئ، غير الطريق الذي رسم لها، وذلك بمهاجمتها كرادلة ذوي مكانة ومركز مرموق مثل جيوفاني مورون وريجينال بول.
اعتقل جيوفاني مورون في قصر الملاك ولم يخرج من هناك حتى وفاة بولس. أما اليسوعيون فقد حافظوا وحدهم على موقفهم وعلى جماعتهم بكل شجاعة. أما بول فرفض الظهور في روما، لكنه أرسل رسالة في تبرئة ذاته، متعدلة اللهجة، يطلب فيها إعادة التحقيق. إن القديس بطرس كانيسيوس، وهو أول يسوعي ألماني، يعلن بأن لائحة الكتب المحّرمة، التي أعلنها بولس سنة 1557 كانت فكرة خاطئة وحجر عثرة. حتى إن الكردينال ميشال غيسلياري، المحقق الأكبر في روما، والذي سيصبح بيوس الخامس ومع أنه بالفعل زمّيت، أعلن أن تحريم كتاب المئة قصيدة جديدة، ورولاند المهيب لأريوست عاد وبالاً وهزءاً عليه، ولذلك يجب إلغاء جدول الكتب المحرّمة بصيغته هذه لاحقاً. أما اليهود الذين كانوا ينعمون، أحياناً كثيرة، بعطف ومساعدة الباباوات قد حجر عليهم هذا المستبد وألزمهم بلبس قبعات صفراء.
أدرك البابا آخر الأمر، في مطلع سنة 1559 سلوك الكردينال كارلو كارافا المشين وخيانته فأبعد عن روما هو وجميع أبناء الأخوة والمحاسيب بما فيهم الفونس كارافا الرجل البريء. توفي البابا وقد أدرك أنه قد شوّه هو نفسه عمله الإصلاحي بتوظيفه لأقاربه. بعد وفاته بخمسة عشر يوماً، قامت تظاهرات شعبية واسعة لا تشهد مطلقاً بفضيلة ونجاح العمل الروماني، وقد أثبتوا عدم جدوى محكمة التفتيش بسبب الضغط والاكراه. ثم حولوا قصر محكمة التفتيش إلى رماد، أما تمثال بولس فقد ألقوه أرضاً فتحطم وراح رأسه يتدحرج في الشوارع ثم ألقي في نهر التيبر.
كان بول يتمنى إصلاحاً مستوحى من الإنجيل، يستطيع بصيغ محددة، أن يصب في قناة روما كل ما هو مقبول لدى الإنجيليين. وقد قرر بولس الرابع نفسه الإصلاح المفروض من الخارج، متكلاً بذلك، وبدون شكل، على نعمة الله، لتهب هذه النعمة، جميع الذين كانوا يظهرون بمظهر التقشف الخارجي، فهماً ومعرفة ليلتزموا بكل التعاليم الإنجيلية ويدركوها. نضرب صفحاً عن البذخ وانتشار الفن في عهد البابا كارافا.
Discussion about this post