دريانوس السادس
ادريان فلورنتز 1522 – 1523
كان الكردينال ولسي، أمين سر هنري الثامن، المطماع، ويوليوس دي مديتشي، يأمل كل منهما بالحصول على التاج المثلث، ولكن في المجمع الانتخابي وقع الاختيار على مربي شارلكان القديم و معلم ايراسم مطران طورطوزا، الذي ولد في اوترخت سنة 1459 من والدين فقيرين. كان رجلاً خطيراً وصارماً، لذلك استحصل له شارلكان على الرتبة الكردينالية، فالبابا الجديد لم يأت إلى روما إلا في شهر آب سنة 1522، بعد فضائح الحبرية الأخيرة، وقد خاب أمل الرومانيين، في الغالب، لرؤيتهم هذا المعلم الهولندي يصل إلى روما، وآخر غريب يرتقي العرش الباباوي.
وتضخمت العداوة، عندما شرع البابا يصلح من سير قطار البلاط الباباوي؛ ويستغني عن خدمات الكتّاب الفضوليين. ولكن عندما تجرأ ادريانوس وهاجم فساد المجلس الباباوي (الكوريا) وألغى جميع الوظائف المشتراة، فأثار ضده حقداً حقيقياً، ولما انتشر الطاعون في روما، في خريف سنة 1522، عرقل أعمال البابا الإصلاحية، وقد بقي في روما بكل شجاعة، وفي أشهر أيلول أرسل قاصداً إلى مجلس شيوخ نورمبرغ ليطلب، أن يصبح نفي لوثير من الإمبراطورية ساري المفعول، وليعترف في ذات الوقت، بعظمة واباء، بأخطاء الباباوية في شأن الانشقاق. هذه كانت أولى الخطوات لمعارضة الإصلاح. فرّد لوثير برسالة هجاء ضد ادريانوس.
أما البابا، وبدون أن ينحاز إلى أي حزب، سعى لمصالحة شارلكان مع فرنسوا الأول ليوقف زحف الأتراك المستمر، الذين قد احتلوا رودس في شهر أيلول سنة 1522، لكنه لم يحصل على نتيجة. فجرّب بأن يجمع هو نفسه المال ليرسل حملة ضد الأتراك، وخاصة ليحمي المجر المهددة. ولكنه، إزاء هذا الوضع، رأى نفسه مرغماً، بعكس كل مبادئه، على بيع الوظائف، والتراضي مع الأمراء، ممّا لم يكن يرضى به قبلاً، ولكي يصل إلى السلام المنشود، أذاع، سنة 1523، براءة يأمر فيها بهدنة تستمر ثلاث سنوات على الأقل؛ والمخالف يقع تحت أشد العقابات الكنسية. والضرورة ألزمته أن يبرم حلفاً دفاعياً مع الإمبراطور هنري الثامن، والأرشيدوق فردينان ـ الذي سوف يصبح ملكاً فإمبراطوراً ـ وميلانو وفلورنسا وجنوى وسيان ثم لوك، ضد فرنسوا الأول، الذي كان يتهدده بمصير كمصير بونيفاسيوس الثامن في آناني، والذي جهّز جيشاً ضد اللومبارد، وذلك في 23 آب سنة 1523.
إن حبرية هذا البابا، الذي كان وجدانياً وضميرياً، الأنقى والأطهر شاعراً بمسؤولية الواجب، بعيداً عن الفن، متواضعاً وتقياً، كانت، على وجه الحقيقة مأساوية، فقد بقي غريباً إلى الغاية في روما لاون العاشر، هزأة في حياته، ضحية “الحقد الروماني”، كما قال بوركهارت، وقبره، وفي كنيسة الألمان المسماة “سانتا ماريا ديل انيما” ـ القديسة مريم أم الحياة، يحمل هذه الكلمات التي كان ادريانوس يطبقها على ذاته: “كم من قيمة حتى للإنسان الأفضل للحقبة التي تكون فيها نشاطاته”.
Discussion about this post