نيقولاوس الخامس
توماس بارانتوشللي 1447 – 1455
كان مطراناً لبولونيا، عند انتخابه، لم يكن قد مضى على تسميته كردينالاً سوى شهرين ونصف فقط. وبارتقائه يرتقي أحد ممثلي النزعة الإنسانية، هو رجل تقي غريب عن كل تحيّز أو ميل. إنّ نيقولا هذا هو ابن طبيب، ولد في 15 تشرين الثاني سنة 1397 في سارزانا، على الأرجح، الواقعة على الساحل الليغوري، قد كان أمين سر الكردينال نيكولو البرغاتي؛ المشجّع لمجمع فراره ـ فلورنسا. إن الخدمات التي أدّاها لهذا المجمع بإدراكه ومعارفه اللغوية جعلت أوجانيوس الرابع يقرر بأن يجعله خليفة لألبرغاتي، إذ سامه مطراناً على بولونيا وسفيراً له في ألمانيا ثم صيره كردينالاً. كان هدف نيقولاوس الخامس الوحيد هو السلام. السلام مع الأمراء: مع نابولي حيث خلف الآرغوان أتباع انجو، حيث أتمّ اتفاقاً معهم بسرعة، ومع ألمانيا حيث كانت معاهدة فيينا (1448) قد حلت الخلافات المعلّقة. وأجرى الصلح مع مجمع بال الفاشل الذي لم يوافق أحد على تثبيته وأن الملك فريدريك الثالث ألزم المجمع بالانتقال إلى لوزان. وفيليكس الخامس تنازل بكل حكمة في 7 نيسان سنة 1449 وأصبح كردينالاً للكنيسة الرومانية (توفي في ريباي 7 كانون الثاني سنة 1451)، أما ما بقي من آثار المجمع فعاد إلى البابا الروماني ثم انفصل.
صفا الجو فاحتفل نيقولاوس الخامس بالسلام العائد إلى الكنيسة بواسطة السنة المقدسة، للعام 1450، التي تتوجت بتطويب القديس الشعبي الكبير برنردان السياني. ومع ذلك فقد شاب السنة المقدسة بعض الأحزان بسبب مرض الطاعون الذي حلّ في روما وبالحادث الذي أودى بحياة مئتي إنسان وهذا ما أحزن البابا وأدمى قلبه ـ أما الحادث فهو ازدحام وتدافع حصل على جسر الملك القديس.
في آخر سنة 1450 أرسل البابا، كقاصد رسولي إلى ألمانيا، الكردينال العظيم ذا النزعة الإنسانية، نيقولا دي كوز مكلّفاً بالإصلاح. فهذا الكردينال قال بأنه إنما أتى “لتنقية الأجواء والتجديد لا ليهدم ويسحق”. وفي التاريخ ذاته نشر القديس يوحنا كابيستران نشاطه في ألمانيا الشرقية بطلب من فريدريك الثالث، ثم توّج البابا نيقولاوس الملك، بتاريخ 16 آذار سنة 1452، بتاج نورمنديا الحديدي، الذي لم يقم بهذا العمل أي بابا قبله، وكلله على اليونورا البورتوغالية. وفي 19 آذار توّجه إمبراطوراً وهذا كان آخر تتويج لإمبراطور في روما.
كان سنة 1453 سنة مظلمة نحسة إذ كان فيها: مؤامرة بوركارو، وسقوط القسطنطينية. ستيفانو بوركارو، كان من ذوي النزعة الإنسانية، ولم يوفر البابا أي نوع من المساعدة إلا ويمد يده إليه بالمساعدة، وكان بوركارو هذا بسيطاً ساذجاً رأسه مليء بالأفكار المشوشة يدّعي أكثر مما هو، وكان يحلم ـ مع بعض متواطئين ـ بأن يبعث بروتوس ويحرر روما من الظلم. لكن هل كانت هناك نية لاغتيال البابا؟ وعلى كل حال اكتشفت المؤامرة ونفذّت الأحكام ببوركارو ورفاقه المتواطئين معه. والبابا نيقلاوس الخامس الذي أمسى مريضاً، وفي قلبه كآبة قاتلة، وقد داخلته الشكوك، فأخذت الشرطة تقوم بواجبها. لقد ضمحل سقوط القسطنطينية آخر آمال بالتقارب بين الكنيستين الشرقية والغربية. وقد لمس الجميع الخطر العثماني لمس اليد. فراح البابا يسعى سعياً حثيثاً ليجمع قوى الغرب في صليبية ضد تركيا. فذهب سعيه أدراج الرياح.
في إيطاليا نفسها، لم يتم اتحاد دفاعي بين القوى الرئيسة في البلاد إلا في 25 شباط سنة 1455. إن الرابطة الكبرى التي أنشأها البابا بين نابولي وفلورنسا والبندقية وميلانو قد ضمنت السلام الداخلي، بينما أعضاء هذه الرابطة كانوا يفكرون بالوصول إلى إقامة قاعدة تجارية ذات فائدة “على أساس التعايش السلمي”، بالاشتراك مع تركيا. لكنّ اينياس سيلفيوس بيكولوميني عرض أفكار البابا، تجاه الخطر التركي، لدى مجالس تشريع إمبراطورية راتيسبون وفرانكفورت وفيينا ـ نوشتادت، فقد انعقد اجتماع هذه المجالس في نيسان سنة 1454 ودام حتى آذار سنة 1455، ولكن هذا الاجتماع لم يصل إلى نتيجة. وفي فيينا ـ نوشتادت قد حصل ارتياح عندما عرفوا بموت البابا.
استحق نقولا أولى صفحات التاريخ لرعايته الآداب والفنون. فشخصيته العالية، وارتفاع أفلكاره وعمله كلها كانت مشهورة ومعروفة تذكر بالإعجاب لدى الجميع حتى منافسيه أنفسهم. بإدغامه الباباوية والثقافة فقد فتح آفاقاً واسعة لانتشار الثقافة. فهذا الصديق المتّيم للكتب والجامع لها وهذا المتعلم قد دعم وزاد، في مجاري السنين، المكتبة التي قد بدأ بجمع الكتب المنتقاة والمنتخبة لها منذ زمن لم يكن هو فيه سوى مدرّس فقير، فقد وضع الأسس المتينة للمكتبة الفاتيكانية. فكان مندوبوه يطوفون الآفاق من سكندينافيا إلى اليونان وحتى إلى الشرق سعياً وراء الكتب. وقد جنّد جيشاً من النسّاخ والمترجمين ورجال العلوم والباحثين للعمل في الفاتيكان تحت مناظرته؛ وقد التفّ في روما حاشية من المثقفين ومن ذوي النزعة الإنسانية، وقد كان بينهم ممّن ليسوا بمسيحيين، حول البابا حاميهم. فقد كان نيقولاوس أيضاً بناءً كبيراً، وكان يحلم أن يعيد الفاتيكان ومار بطرس حسب تصميم البرتي فقد أنهى على الأقل، مساكن آل بورجيا، الذي سكن فيها، وكذلك الأبنية المحيطة بها، وأيضاً أبنية ستانز التي فوق التوريون.
إن الصفات الإنسانية العالية التي يتمتع بها نقولا الخامس تتخطى كثيراً ضعفه القليل. فقد كان الجميع يتحدث عن تلك الصفات العالية. لم يكن يتظاهر بما ليس فيه، ثم إنه بشرف أصله وكرم أخلاقه قد استولى على الجميع، ومنعه من أن يفكر أو يظن سوءًا تجاه الملاحظات الجارحة الموجهة إليه. كتب لودفيغ فون باستور عنه: “إنه كان حقاً الرجل الأكثر شهامة ونبلاً في عصره”.
Discussion about this post