اوجانيوس الرابع
كبريال كوندولميه 1431 – 1447
كان اوجانيوس الرابع من مدينة البندقية، ولد سنة 1383 ودخل في رهبانية القديس اغوسطينوس، وقد رقّاه خاله البابا غريغوريوس الثاني عشر إلى الدرجة الأسقفية وجعله مطراناً على سيّان وكردينالاً.
استهل حبريته بوضع عائلة كولونّا عند حدّها، فحدثت ثورة ولكنها ما لبثت حتى اندحرت وتقهقرت.
افتتح مجمع بال بتاريخ 23 تموز سنة 1431 وهو المجمع المسكوني السابع عشر الذي كان قد دعا إليه مرتينوس الخامس والذي ـ مبدئياً ـ يجب أن يكون الأول في الاجتماعات المجمعية الدورية المقرّرة في مجمع كونستانس.
قد كان هناك توتر تحول إلى نزاع بين البابا والمجمع، لذلك مدّد اوجانيوس الرابع المجمع في كانون الأول سنة 1431 وأرجأ الدورة مدة ثمانية عشر شهراً. وقد تحيّز الأمراء للمجمع. أما الكردينال جوليان سزاريني القاصد الرسولي في بال سعى ـ عبثاً ـ ليثني البابا عن عزمه.
وتعاظم الأمر بانتصارات اتباع هوس في بوهيميا. رغم المصاريف الباهظة التي تحملتها الباباوية، تابع المجمع عقد جلساته. ولكي يبرر المجمع موقفه راجع مقررات مجمع كونستانس حول السلطة المجمعية (1432) فدعا البابا والكرادلة للحضور أمامه ولتبرير مسلكهم؛ وتوغّل المجمع بعيداً أيضاً، إذ حرّم على أوجانيوس الرابع، في حزيران سنة 1432 تسمية كرادلة، ولم يرض بسيادته الزمنية، وفرض أيضاً على مجمع الكرادلة الانتخابي، حتى ولو مات البابا، أن يجتمع في بال، وكان في هذا انتصار للاتحاد المجمعي، والفضل يعود إلى مداخلة سيجيسموند الذي توّج في روما إمبراطوراً بتاريخ 31 أيار سنة 1432، إذ استطاع اوجانيوس الرابع أن يضع حداً للنزاع ببراءة أذاعها في كانون أول سنة 1433: ألغى البابا قرار الحل وسمح للمجمع بمتابعة عمله، أي بمحاربة الهرطقات وإحلال السلام والإصلاح الداخلي في الكنيسة، وهذه العلاقات المتوترة مع بال أتاحت الفرصة لأعداء البابا في إيطاليا ـ ميلان وعائلة كولونّا ـ للعمل على مضايقته، ممّا ألزمه الهرب، متنكراً، ونزل في زورق في نهر التيبر تحت وابل من الحجارة ونقل مقامه إلى فلورنسا.
وقد أعاد الهدوء والنظام في روما، جيوفاني فيتيليشي ـ كان زعيم فرق مرتزقة سابقاً ـ الشهير مطران وبطريرك الاسكندرية وكردينال أسقف لفلورنسا ـ بوسائل زمانه، ومع ذلك جرت في المجمع أحداث أخذت الأولية تطرح فكرة إعادة مركز إقامة الباباوات إلى أفينيون ودارت هذه الأحداث ضد البابا. وقد جرت مفاوضات جديدة مع القسطنطينة للاتحاد استدعت تغيير اتجاه الأوضاع القائمة. فقام عدد من آباء المجمع المشهورين ومنهم نيقولاوس دي كوز وتحيّزوا مع البابا، ومجمع الاتحاد هذا ـ إن مجمع بال ومجمع الاتحاد هما مجمع واحد ـ أصبح من الممكن افتتاحه في فراره بتاريخ 8 كانون الثاني سنة 1438؛ وقد شارك فيه الإمبراطور يوحنا الثامن الباليولوغوس مع عدد من كبار أحبار الكنيسة الشرقية.
فأوجانيوس الذي (حطّه) مجمع بال في 24 كانون الثاني سنة 1438، كان قد ترك فلورنسا وذهب إلى فرّاره حيث المجمع قد انتقل إلى فلورنسا سنة 1431 إذ هكذا كان قد تقرّر، على الأقل ونظرياً، في 5 تموز، قبل سقوط القسطنطينية ببضع سنوات، اتحاد الكنيستين مشتهى الجميع منذ قرون لكن هذا الاتحاد قد فشل وسقط أمام رفض الكنيسة اليونانية، لكن قد عقدت علاقات جديدة بين اليونان واللاتين، بيد أنه بقي هناك بعض من اليونان الروم قد انضموا إلى الكثلكة ولم يزالوا. ولا نستطيع أن نسكت عن ذكر الرجل الكبير بيساريون، رئيس أساقفة نيقية، والذي أصبح كردينالاً في المجمع والذي نقل مكتبته الرائعة المدهشة إلى البندقية قبل سقوط الإمبراطورية اليونانية (البيزنطية). وفي سنة 1439 رأس أوجانيوس كذلك ارتداد الأرمن، واليعاقبة والنساطرة والموارنة.
قام أحد الكرادلة ومعه أحد عشر مطراناً، بتاريخ 5 تشرين الثاني، وجعلوا من أميدي الثامن دي سافوا بابا دخيلاً باسم “فيلكس الخامس” وهذا كان آخر بابا دخيل في التاريخ، كان أرملاً وكبير جمعية الفرسان وهي منظمة شبه رهبانية على اسم القديسين موريس ولعازر في ريباري على ضفة بحيرة جنيف؛ وجد بين الأمراء بعض محازبيين لهذا البابا الدخيل. وبعد استتباب المصالحات الإيجابية في ايطاليا استطاع أوجانيوس أن يعود إلى روما، في أيلول سنة 1443، وكانت المدينة مدمّرة، فباشر حالاً بإعادة البناء. قامت نزاعات أخرى في ألمانيا عقب مجمع بال ولكن قد أخمدها اينياس سلفيوس بيكولوميني الذي كان آنذاك أمين سر الملك فريدريك الثالث والذي أصبح بعدئذٍ بيوس الثاني.
سعى أوجانيوس، باطلاً، ليقاوم الإسلام الذين غنموا أراضٍ، بعد معركة فارنا المؤسفة وبتاريخ 10 تشرين الثاني سنة 1444 اغتيل الكردينال القاصد الرسولي سيزاريني الذي رافق الجيش المسيحي، أثناء التقهقر.
ارتكب أوجانيوس، دون ريب، أخطاء سياسية لعدم خبرته، وعدم الفطنة، لتصلبه بالرأي، فضلاً عن أنه بابا وكاهن فقد كان ذا شخصية مطبوعة على الهدوء وذا شرف جليل، وروح مستقيمة، يبذل جهداً عظيماً لأجل الفقراء والمتألمين. ساعد القديس برنردان السيّاني، والقديس يوحنا كابيستران والقديسة فرنسواز رومين. لقد كان خصماً قاسياً ضد كل سيمونية أو تقريب وتوظيف الأقارب (لم يكن له سوى ابن أخ كردينال). عمل بكل مالديه من وسائل وإمكانيات لإصلاح الاكليروس العلماني والقانوني. قلّما عرف صف الكرادلة، كرادلةً مثقفين وذوي شهرة كما عرف في عهد حبريته. دون أن يكون بالمعنى الحصري بابا للنهضة؛ شجّع الفنون ضمن حدود إمكاناته فاستقدم بيزانيللو إلى اللاتران، وجعل جان فوكيه يهتم بكنيسة سانتا ماريّا سوبرا مينيرفا، وكذلك دوناتيللو قد حصل على أعمال هامة والفرا انجيليكو دُعي إلى روما.
اهتم أوجانيوس الرابع أيضاً بالمحافظة على الآثار القديمة. وتاريخ الموسيقى يسطّر بفخر حماية البابا لأعظم معلم ومؤلف موسيقى في عصره الهولندي غليوم دوفاي الذي عيّنه خوريا على كامبري. وضريح البابا الذي نحته له أشعيا دابيزا موجود في دير قرب كنيسة سان سلفاتور إن لورو.
في بدء حبريته بتاريخ 30 أيار سنة 1431 أحرق الانكليز جان دارك وقد أذاع شارل السابع مرسوماً في بورج دون أن يأخذ موافقة البابا، شهادة على اتجاه الملك لقيام كنيسة مستقلة (غاليكانية) في مملكة فرنسا؛ هذا يزعم بأن لكنيسة فرنسا نوعاً من الاستقلال الذاتي تحت المراقبة الملكية.
Discussion about this post