اينوشنسيوس الرابع
سينيبالد فييتشي دي كونت دي لافانيا 1243 – 1254
بعد وفاة البابا كالستينوس الرابع، هرب معظم الكرادلة الذين أسيئت معاملتهم وأهينوا، ولم يبق في روما سوى ثلاثة كرادلة من مؤيدي الإمبراطور، إذ أن السناتور ماتيو اورسيني قد اعتقل الكردينال جيوفاني كولونا الكردينال الأكثر شهرة بينهم. ممهداً بهذا إلى مسلسل انتقامات أدّى إلى قيام العائلتين ضد بعضهما، وهو من أسوأ الأحداث في الكنيسة، كما أنه كان هناك اثنان من الكرادلة قد سجنهما الإمبراطور منذ سنة 1241، فلم يتمكن المجمع، لذلك، من الاجتماع إلاّ في شهر أيار سنة 1243 في أناني، وأصبح بنتيجته اينوشنسيوس، كردينال كنيسة القديس لورانت في لوتشينا، حبراً أعظم؛ ولقد كان هذا، وهو كردينال، صديقاً ومؤيداً للإمبراطور.
وقد قال فريدريك الثاني، بأنه خسر كردينالاً صديقاً ليربحه عدواً وهو بابا. ما من أحد إلاّ ظنّ، في بادئ الأمر، بأن البابا يريد الصلح والسلام، وفريدريك الثاني، الذي لم يزل محروماً، كان يبدو بأنه مستعد لكثير من التنازلات، لكن المذبحة التي أثارها الكردينال راينيه دي فيترب، المناوئ، الأكثر رهبة والأكثر حقداً، للإمبراطور قد سمّمت الجو من جديد. ولم تحظ المساعي والوساطة، التي قام بها ملك فرنسا القديس لويس، الذي هو أحد ألمع الوجوه في القرن الثالث عشر، إلاّ بنسبة ضئيلة من النجاح؛ فتمّ الصلح سنة 1244، ولكنه صلح مبطن بالخداع؛ فالبابا كان مقتنعاً بأن فريدريك الثاني يداهن، إذ كان يرى أن لا صلح حقيقياً ممكناً دون الإطاحة بالإمبراطور؛ لذلك رفض المقابلة التي اقترحها عليه فريدريك الثاني، وذهب ليقيم في فرنسا. وهناك دعا لعقد مجمع عام في ليون ليحاكم الإمبراطور وذلك سنة 1245.
حاول الملك القديس لويس مرة ثانية ليصلح بين الفريقين ويحصل على حلّ الإمبراطور من الحرم؛ لكنّ فريدريك جعل كل محاولة للصلح أو للتهدئة باطلة بإيعازه بمذبحة فيترب. وقد أدان المجمع فريدريك نهائياً، وذلك بغياب الإمبراطور، وبعد الاستماع إلى أقوال ممثليه، أعلن البابا خلع الإمبراطور رسمياً، وراحت احتجاجات الإمبراطور، ودعواته لاستفتاء الرأي العام، وإلى الملوك، أدراج الرياح ولم تجد لها صدى؛ فلم يعد لديه ولا لدى الباباوية ـ إزاء الاعياء العام وعدم مبالاة المسيحية ـ من وسائل جازمة لإنهاء الوضع المتأزم. بقي هذا الوضع على حاله حتى موت فريدريك الثاني سنة 1250، فتحلحل الوضع. راح البابا، بعد موت فريدريك، يتتبّع أولاده كونراد ومونفرد، دون تحقيق كبير نجاح، إذ بقي هذان قويين ومتسلطين في صقلية.
لقد كان المؤرخون قساة بحق اينوشنسيوس الرابع، وقد عزوا إليه لائمين بأنه تتبع نهاية استئصال شأفة آل هوهنشتاوفن، ولهجته الصاعقة في إعلاناته بالحق الإلهي الثيوقراطية للبابا بأنه السلطة العامة على كل الأرض، إذ إليه يرجع، ليس فقط محاكمة كل إنسان، بل أيضاً، إصلاح وتقويم أيّة قضية.
إنه لمن العدل بمكان التأسف بأن يكون البابا قد سيّس بإفراط نزاعه مع الإمبراطور، وبأنه قد أعطى لأفراد عائلته أكثر مما يجوز. لكن إلى حد كان بإمكانه التخلي عن دعوة المدن الإيطالية للتخلص من فريدريك الثاني؟ فالمدن، قبل كل شيء، كانت تهتم بما يعود عليها بالنفع، لذلك فالتدخل السياسي هو أمر لا مفرّ منه، أما اينوشنسيوس الرابع فلم يكن له نقاوة غريغوريوس السابع الدينية، ولا بُعد نظر اينوشنسيوس الثالث. ولم ينخدع القديس لويس، الذي كان دائماً في المعترك للإصلاح، بذلك.
Discussion about this post