مجمع خلقيدونية 451 م
رابع المجامع المسكونية، عُقِد عام 451 م بدعوة من امبراطور الشرق مارقيانوس بطلبٍ من البابا لاون الأول، وذلك لإصلاح ما ورد في مجمع أفسس المنعقد عام 449، ولإعادة النظر في قضية محاكمة أوطيخا واستنكاراً لبدعتهِ، وبالتالي لتحديد العقيدة المسيحانية. شارك في جلساتهِ السبعة عشرة التي بدأت في 8 تشرين الأول (اكتوبر) وانتهت في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) نحو 600 أسقف، ذات أغلبية شرقية.
أدان المجمع أوطيخا والمونوفيزية أي التعليم القائل بالطبيعة الواحدة في المسيح أي تلك الإلهية. وعزل ديوسقورس الإسكندريّ. كما أصدر في 22 / 10 / 451 الصيغة النهائية لمجمع خلقيدونية والتي كانت مستوحاة من احدى كتابات البابا لاون الأول (Tomus ad Flavianum) ومن رسائل كيرلس الإسكندري المُرسَلة إلى نسطوريوس. وهي تؤكد أن للمسيح طبيعتان إلهية وإنسانية، بلا اختلاط ولا تغيير، وبلا انقسام ولا انفصال.
بالإضافة إلى ذلك أصدر المجمع 27 قانوناً منظّماً للكنيسة ولسلطتها الهرمية ولتصرفات الإكليروس، لكن القانون الثامن والعشرون الذي كان يطلب لأسقف القسطنطينية حالةً مماثلة لأسقف روما، قد رُفض.
مجمع خلقيدونية (المسكوني الرابع):
من 8 تشرين الأوّل إلى مطلع تشرين الثاني 451
300- 303– الجلسة الخامسة، 22 تشرين الأوّل 451: قانون الإيمان الخلقيدوني
الطبيعتان في المسيح
300– (مقدمة التحديد. وفقاً لقانوني إيمان نيقية والقسطنطينية( كان يكفي إذن لمعرفة تامّة وتثبيت للديانة قانون النعمة الإلهية الحكيم والخلاصي هذا: فهو يوفّر تعليماً كاملاً عن الآب والابن والروح القدس، ويعرض تجسّد المخلّص لمن يقبله بإيمان. ولكن بما أن الذين يحاولون رفض تعليم الحقيقة بهرطقاتهم الخاصّة قد أوجدوا بدعاً، فتجرأ بعضهم … على رفض كلمة أمّ الله بالنسبة إلى العذراء، والآخرون يُدخلون امتزاجاً واختلاطاً، ويتصوّرون بحماقة أن الجسد والألوهية لا يكوّنان إلاّ طبيعة واحدة، ويقولون برعونة إن طبيعة الابن الإلهية بسبب الاختلاط هي قابلة للألم.
لذلك فإن هذا المجمع المسكوني الكبير والمقدّس المعقود الآن، قد أراد إقصاء كل مسعى لهم يناهض الحقيقة، معلّماً العقيدة الثابتة المعلنة منذ البدء، فحدّد أولاً ضرورة إبقاء إيمان الآباء الثلاث مئة والثمانية عشر مصوناً. وهو قد ثبّت التعليم في شأن جوهر الروح، المنقول عن الآباء المئة والخمسين الذين اجتمعوا في ما بعد في المدينة الامبراطورية، بسبب من كانوا يحاربون الروح القدس. ذلك التعليم الذي عرّفوا الجميع به، لا لإضافة شيء ناقص إلى ما قالوه سابقاً بل لأنهم أرادوا أن يوضّحوا بشهادة الكتب المقدّسة أفكارهم في شأن الروح القدس، ليقاوموا من كانوا يحاولون رفض سيادته. ومن جهة أخرى، بسبب من يحاولون تشويه سرّ التدبير، ويقولون، بغبائهم الوقح، إن الذي ولدته العذراء القديسة مريم ما هو سوى إنسان، قبل المجمع الرسائل المجمعية للمغبوط كيرلّس، الذي كان راعياً لكنيسة الإسكندرية، إلى نسطوريوس وأساقفة الشرق، لأنها جديرة بأن تُردّ حماقات نسطوريوس… وإلى هذه الرسائل أضاف بحق، لتثبيت العقيدة القويمة، الرسالة التي كتبها رئيس الأساقفة لاون المغبوط والجزيل القداسة، الذي يرئس روما القديمة والعظيمة، إلى رئيس الأساقفة المتوفّى فلافيانوس، لإلغاء خبثة أوطيخا (د. رقم 290 – 295)، بما أن هذه الرسالة تتوافق واعتراف بطرس العظيم، وتكوّن ركناً مشتركاً مضاداً لذوي الآراء الفاسدة.
فهو يعارض من يحاولون تقسيم سرّ التدبير إلى ثنائية في الابن. ويُقصي عن جماعة الكهنة من يجسرون على القول بأن لاهوت الابن الوحيد قابل للألم. ويقاوم من يتصوّرون أن في طبيعتي المسيح امتزاجاً أو اختلاطاً. وبطرد من يقولون في هذيانهم إن صورة العبد التي تقبّلها المسيح لذاته منَّا هي سماوية أو من جوهر آخر. وهو يحرم من يبتدعون أسطورة الطبيعتين في المسيح قبل الاتّحاد. ولا يتصورون إلاّ واحدة بعد الاتحاد.
301– (تحديد) نعلّم بالاجماع، متّبعين الآباء القديسين، أنّنا نعترف بأن ربنا يسوع المسيح هو ذات الابن الواحد، هو ذاته كامل في اللاهوت وهو ذاته كامل في الناسوت. هو ذاته إله حق وإنسان حق من نفس عاقلة وجسد، من ذات جوهر الآب بحسب اللاهوت، وهو نفسه من ذات جوهرنا بحسب الناسوت، شبيه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة (ر. عب 4 : 15) مولود من الآب قبل الدهور بحسب اللاهوت، وفي الأيام الأخيرة (مولود) هو ذاته لأجلنا ولأجل خلاصنا من العذراء مريم أم الله بحسب الناسوت.
302– ذات المسيح الواحد، ابن، رب، وحيد، معروف في طبيعتين، بلا اختلاط، ولا تحوّل، بلا انقسام ولا انفصال، دون أي إلغاء لاختلاف الطبيعتين بسبب الاتحاد، بل بالحريّ مع احتفاظ كل طبيعة بخاصيّتها متلاقيتين في شخص واحد، في أقنوم واحد، مسيح لا يتجزّأ أو لا يتقسّم في شخصين، بل هو ذات الابن الواحد، وحيد، إله كلمة، الرب يسوع المسيح، كما علّم الأنبياء عنه منذ زمن طويل، وكما علّمنا يسوع المسيح نفسه، ونقله إلينا قانون الآباء.
قانون الآباء
303– (عقوبة) إن المجمع المسكوني المقدس، بعد أن صُغنا هذا كله بأعلى درجة من الدقة والاجتهاد، قد حدّد أنه لا يسوغ لأحد أن يعتنق أو يكتب أو يؤلّف اعترافاً آخر بالإيمان، ولا أن يفكّر أو يعلّم غير ذلك.
304- 305– الجلسة السابعة (الخامسة عشرة). قوانين
السيمونية
304– ق2. إن أجرى أسقف رسامة لأجل المال، وباع النعمة التي لا تُباع، ورسم لأجل المال أسقفاً، أو أسقفاً للرّيف، أو كاهناً، أو شماساً إنجيلياً، أو واحداً من المعدودين من الاكليروس، أو عيّن لأجل المال قيّماً، أو محامياً، أو مديراً أو على العموم واحداً من الموظّفين، يدفعه جشعه الشخصيّ والمُخزي، يتعرّض من يقوم بذلك، إذا ثبتت الواقعة بالبرهان، إلى خسارة رتبته الخاصة. وعلى من رُسم ألاّ يحصل على أيّة فائدة من رسامته أو الترفيع الذي حازه تجاريّاً، بل فليخسر الكرامة أو الوظيفة المكتسبة بالمال. وإذا بدا أن أحداً كان وسيطاً لأجل هذه المكاسب المخزية والمحرّمة، فليُحطّ هذا إذا كان إكليريكياً من مرتبته الخاصّة، وإذا كان علمانياً أو راهباً فلينزل به الحُرم.
زواج مختلط وقبول المعمودية في الهراطقة
305– ق41. بما أنه قد أُذن في بعض الأبرشيات للقرّاء بالزواج، فقد أقرّ المجمع المقدّس أنه لا يسوغ لأحد منهم أن يتزوّج امرأة هرطوقية. والذين ولد لهم أولاد من مثل هذه الزواجات عليهم، إذا كانوا قد عمّدوا أولادهم عند الهراطقة، أن يقودوهم إلى شركة الكنيسة الكاثوليكية. وإذا لم يكن هؤلاء قد عُمّدوا فلا يستطيعون أن يجعلوهم يُعمّدون عند الهراطقة، ولا أن يزوّجوهم هرطوقياً أو يهودياً أو وثنياً، ما لم يعد طبعاً من سيتزوّج الفريق القويم الإيمان، أن يعتنق الإيمان القويم. وإذا تجاوز أحد قرار المجمع المقدّس هذا، فليُخضع للعقوبات القانونية.
306- رسالة مجمعية… إلى البابا لاون الأوّل، مطلع تشرين الثاني 451
أوليّة الكرسي الرسولي
306– فما الذي يفرّح أكثر من الإيمان؟… هذا الإيمان نقله إليننا المخلّص نفسه منذ الأيام القديمة قائلاً: “اذهبوا، تلمذوا كل الأمم… (مت 28 : 19 – 20). أنت نفسك حفظته مثل سلسلة ذهبية تصل إلينا بأمر من يأمر، بكونك ترجمان صوت القديس بطرس، بالنسبة إلى الجميع، وبتوفيرك للجميع بركة إيمانه. فنحن أيضاً إذ استعنّا بك دليلاً إلى الخير مفيداً أظهرنا لأبناء الكنيسة ميراث الحقيقة… معلنين بقلب واحد وروح واحد الاعتراف بالإيمان. وكنّا في جوقة واحدة متمتّعين، كما في وليمة ملكية، بالأطعمة الروحية التي هيّأها المسيح بكتاباتك للمدعوّين إلى المأدبة، وكنّا نفكّر أننا نرى العروس الإلهي نديماً لنا. فإذا كان يحضر، بحسب قوله، حيث يكون اثنان أو ثلاثة مجتمعين باسمه، في وسطهم (مت 18 : 20) فأية مؤالفة لم يبدها عندئذ للخمس مئة وعشرين كاهناً الذين آثروا الاعتراف بالإيمان على وطنهم وتعبهم. أولئك الذين قُدتَهم، كما يفعل الرأس للأعضاء، بالذين كانوا يقومون مقامك، معرّفين بمشورتك الصالحة.
308- 310– رسالة “Sollicitudinis quidem tuae” إلى ثيوذورس أسقف فريجوس فرنسة، 11 حزيران 452
سرّ التوبة
308– (فصل 2) رحمة الله المتعدّدة الأشكال قد عالجت خطايا البشر معالجة تجعل رجاء الحياة الأبدية يعود، لا بنعمة المعمودية فحسب، وإنما بدواء التوبة أيضاً، فيستطيع الذين دنّسوا مواهب الولادة الجديدة، إذا ما أقرّوا بذنوبهم، أن يبلغوا إلى نيل مغفرتها.
وصلاح الله يُجري المعالجة على هذا الوجه: بأن لا تُنال المغفرة من الله إلاّ بتضرعات الكهنة. لقد نقل “الوسيط بين الله والناس المسيح يسوع” (1 تي 2 : 5) إلى رؤساء الكنيسة هذا السلطان، ليمنحوا التوبة للخطأة المعترفين، ويقبلوهم، عندما يتطهّرون بتكفير خلاصيّ، في شركة الأسرار، بفتح باب المصالحة…
309– (فصل 2) أما الذين يلتمسون، في وقت الضرورة والخطر الداهم، معونة التوبة والمصالحة السريعة، فينبغي ألاّ ترفض لهم الكفّارة أو المصالحة، إذ ليس لنا أن نضع حدوداً أو أن نحدّد أوقاتاً لرحمة الله الذي لا تنتظر عنده المغفرة طويلاً أيّة توبة صادقة.
311– (فصل 5) فيجب إذن أن يُقاضي كل مسيحيّ ضميره حتّى لا يؤجّل من يوم إلى يوم توبته إلى الله، ويُحدّد نهاية حياته موعداً للتكفير… وعليه، حين يكون في مقدوره أن يستحقّ المغفرة بتكفير أكبر، ألاّ يختار ضيق ذلك الوقت حيث ليس لاعتراف التائب وللمصالحة على يد الكاهن إلاّ نصيب يسير. ولكن، كما قلت، يجب تلبية مثل هذه الحاجة، فلا يُرفض لهم لا فعل التوبة ولا نعمة الشركة، حتّى إذا طلبوا ذلك بإشارات لا التباس فيها، وقد امتنع عليهم الصوت. أمّا إذا اشتدّت عليهم وطأة المرض وأعجزتهم عن أن يُبدوا، في حضور الكاهن، ما التمسوه سابقاً، فشهادات المؤمنين الحاضرين يجب أن تفيدهم الحصول على نعمة التوبة والمصالحة في آن واحد…
113- 316– رسالة “Regressus ad nos” إلى نيكتاس أسقف أكيليا، 21 آذار/ 458
الزواج الثاني لأرامل مزعومات
113– (فصل 1) بما أنك تقول إن بعض الزواجات انفصمت بسبب الخسارة في الحرب وهجمات الأعداء الشديدة، فأدّى ذلك، بعد سَبْي الرجال، إلى بقاء نسائهم مهملات. ولظنّهنّ أن رجالهنّ قد قتلوا، أو لاعتقادهنّ أنهم لن يُحرّروا من عبوديتهم، أرغمتهنّ الوحدة على عقد زواج مع آخرين. وبما أن الأحوال بعون الله قد تحسّنت الآن، وعاد بعض ممّن كانوا يُظنّون هالكين، فمحبتك تبدو متردّدة بحق في ما يجب علينا الأمر به في شأن النساء اللواتي تزوّجن رجالاً آخرين. ولكن لعلمنا بأنه قد كتب أن المرأة قد جمعها الله بالرجل (ر. أم 19 : 14)، ولعلمنا أيضاً بأنه بالوصية القائلة: ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان (مت 19 : 6)، فمن الضروري أن تعتقد بأن اتّحاد الزواجات الشرعية يجب أن يُعاد، وبعد إقصاء الشرور التي تسبّب بها العدو، يجب أن يعاد لكل واحد ما كان له على وجع شرعي. ويجب بذل كل جهد ليتسلّم كل واحد ما هو له.
123– (فصل 2) ولكن يجب إلاّ يُحسب مذنباً أو شبيهاً بالمعتدي على حق الغير من قام مقام ذلك الزوج الذي كان يُظن غير موجود. فكثير من الأشياء التي كانت تخصّ الذين اقتيدوا إلى الأسر يمكن أن تصبح هكذا ملكاً لغيرهم، ولكن العدالة الكاملة تقضي بإعادة ذلك إليهم. وإذا صحّ لزوم ذلك بالنسبة إلى أرضٍ أو حقول أو منازل أو ممتلكات أفلا يجب بالأحرى، بعد إعادة الزواج، العمل على معالجة ما أفسدته ضرورة الحرب بدواء السلام؟
313– (فصل 3) لذلك، إذا استمرّ الرجال العائدون بعد أسْر طويل في حبّ نسائهم إلى حدّ الرغبة في عودتهنّ إلى الاتحاد بهم، فلا بدّ من التخلّي عمّا استدعته الضرورة وحسب حلالا، وتثبت ما تقتضيه الأمانة.
314– (فصل 4) أما إذا كانت بعض النساء قد تعلّقن بحب أزواجهنّ الأخيرين بحيث يفضلن الارتباط بهم على العودة إلى القران الشرعي، فيجب إلقاء اللوم عليهن بحق، حتّى مَنْعهنّ من الشركة الكنسية، لأنهنّ اخترن عوضاً من شيء يعذرن عليه دنس ذنب، إذ أظهرن سرورهن، في عدم عفتهنّ، بما كانت مغفرة صحيحة قادرة على التفكير عنه…
عدم تكرار المعمودية
315– (فصل 6) أما الذين… دفعهم الخوف أو قادهم الضلال إلى تكرار المعمودية، وهم يعترفون الآن بأنهم خالفوا سرّ الإيمان الكاثوليكي، فيجب عليهم التقيّد بهذه القاعدة أنهم لا يدخلون في الشركة معنا إلاّ بدواء التوبة، وأنهم لن ينالوا وحدة الشركة إلاّ بوضع يد الأسقف…
316– (فصل7) فالذين قبلوا المعمودية من الهراطقة إذ لم يكونوا من قبل معمّدين، يجب ألاّ يثبّتوا إلاّ باستدعاء الروح القدس ووضع الأيدي لأنهم لم ينالوا سوى صورة المعمودية دون قوّة التقديس. وكما تعلمون نلزم بهذه القاعدة كلّ الكنائس، أي إن الغسل بعد حصوله يجب إلاّ يُنقض بأي تكرار لأن الرسول يقول: “ربّ واحد، إيمان واحد، ومعمودية واحدة” (أف 4 : 5). فيجب إلاّ يُفسد غسلهم بأي تكرار. ولكن، كما قلنا، يجب فقط استدعاء القداسة بالروح القدس، حتّى إن ما لا يناله أحد عند الهراطقة يُحصل عليه من الكهنة الكاثوليكية.
317- 318– رسالة “Promisisse me memini” إلى الأمبراطور لاون الأوّل، في 17 آب/ 458
توافق أهمّ محتويات هذه الرسالة مع بعض التعديلات، ما كتبه البابا لاون الأوّل إلى رهبان فلسطين نحو حوالي حزيران سنة 453.
الطبيعتان في المسيح
317– (فصل 6) إذن حتى لو كان في الربّ الوحيد يسوع المسيح، الابن الحقيقي لله، والابن الحقيقي للإنسان، شخص واحد للكلمة وللجسد، يقوم، دون انفصال ولا انقسام. بأعمال مشتركة، يجب مع ذلك أن تُفهم جيداً الأعمال نفسها. ويجب التأمّل بإيمان صادق في ما رُفعت إليه ضعة الجسد، وفي ما أُحدرت إليه رفعة اللاهوت، في ما لا يعمله الجسد دون الكلمة، وما لا يعمله الكلمة دون الجسد…
وإن كان لم يوجد قط، منذ البداية حين الكلمة صار جسداً في بطن العذراء، أي انقسام بين الصورتين، وكانت الأعمال كلها في لحظة لشخص واحد، على مدى نموّ الجسد، فلا نخلطنّ بالمزج ما عّمل دون انقسام، بل لندرك بصفة الأفعال ما يخصّ كل صورة…
318– (فصل 8) إذن وإن كان الربّ يسوع المسيح واحداً، فيه ذات الشخص الواحد، أي شخص اللاهوت الواحد والناسوت الواحد، فنحن نعترف بأن ما منحه الله من رفعة، كما يقول معلّم الأمم، وما أنعم عليه من اسم يفوق كل اسم (ر. في 2 : 9) إنما يعود إلى تلك الصورة التي كان يجب أن تُغنى بزيادة مثل هذا التمجيد الكبير. ففي صورة الله كان الابن مساوياً للآب، وبين الذي ولد والمولود الوحيد لم يكن تمييز في الجوهر، ولا أي اختلاف في الجلالة. ولم يخسر الكلمة، بسرّ التجسّد، شيئاً كان يجب أن يعود إليه بعطية الآب. ولكن صورة العبد، التي أتمّ بها اللاهوت المنزّه سرّ رحمته العظيمة، هي الضعة البشرية التي رُفعت إلى مجد القدرة الإلهيّة، مرتبطة منذ حبل العذراء، بوحدة وثيقة جداً، حتى إن الأمور الإلهية لم تتمّ دون الإنسان، ولا الأمور البشرية دون الله.
319- 320– رسالة “Frequenter quidem” إلى نيو أسقف رافينّا، في 24 تشرين الأوّل 458
المعمودية التي فيها ريب والتي يمنحها الهراطقة
319– (1)… لقد علمنا، بما أبلغه بعض الأخوة، أن بعض الأسرى الذين عادوا أحراراً إلى منازلهم، والذين كانوا قد وقعوا في الأسر هم في سنّ حالت دون أن يعرفوا أي شيء معرفة أكيدة، يطلبون دواء المعمودية، دون أن يتمكنوا، بسبب الجهل في سنّ الصّغر، من أن يذكروا هل نالوا المعمودية أو لا. ولذلك قد أصبحت نفوسهم في خطر بفعل تلك الذكرى الضائعة، إذ تُمنع عنهم النعمة بعلّة الاحتراز، فلا تمنح لهم إذ يُظن أنها قد مُنحت. ولأن بعض الأخوة قد تردّدوا خشية وبحق في إعطاء مثل هؤلاء نعم سرّ الربّ، فقد قبلنا كما قلنا في اجتماع سينودسي، صيغة هذا الطلب…
لذلك يجب أن نحرص على تجنّب إيذاء النفوس التي يجب تجديد ولادتها، بعلّة التمسّك بظاهر الاحتراز. فمن يتشبّث بافتراضه إلى حدّ تأكيد صحّة أمر ليس عليه برهان وإنما يفترضه رأي ملتبس؟
لذلك إذا لم يتذكّر من يريد تجديد الولادة أنه عُمّد، ولم يستطيع آخر أن يشهد على ذلك لأنه لا يعلم هل قّدّس أولا، فليس هناك ما يتيح للخطيئة أن تتغلغل، إذ، في مجال ضميره هذا، لا يكون المقدّس والمقدّس مذنبين.
نعلم أن هناك إثماً لا يُكفّر عندما يُرغم أحدٌ، بحسب ممارسات الهراطقة التي يرذلها الآباء القديسون، على الخضوع مرّتين للمعمودية التي مُنحت مرّة لمن يجب أن تتجدّد ولادتهم. إذ تُعارض ذلك العقيدة الكاثوليكية التي تُعلن لنا لاهوتاً واحداً في الثالوث، اعترافاً واحداً بالإيمان، وسراً واحداً في المعمودية (أف 4 : 5). ولكن في هذه الحالة لا يُخشى مثل ذلك، إذ ليس في الإعادة إثم عندما يُجهل تماماً ما جرى.
320– ولكن إذا ثبت أن أحداً قد عمّده الهراطقة، فيجب ألاّ يكرّر سرّ الولادة الجديدة أبداً، ولا يُمنح إلاّ ما نقص منه أي أن تُنال بوضع يد الأسقف قوّة الروح القدس.
321- 322– رسالة “Epistolas fraternitatis” إلى روستيكوس أسقف نربونة، 458 أو 459
إلزامية النذور الرهبانية
321– (المسألة 14) إنّ قصد الكاهن الذي قصده بنفسه وإرادته لا يمكن التخلّي عنه دون خطيئة. فكل ما وعد به الإنسان الربّ يجب عليه أن يتمّمه (تث 23 : 21؛ مز 50 : 41) إذ لا بدّ لكل من تخلّى عن الوعد بالوحدة وانتقل إلى الخدمة العسكرية أو الزواج أن يُطهّر بكفّارة توبة علنية. فقد تكون الخدمة العسكرية بلا عيب، والزواج طاهراً ولكنّ هناك مخالفة في التخلّي عن اختيار الأفضل.
322– (المسألة 15) إذا قصدت فتيات، بإرادة حرّة، وبمنأى عن إكراه يحصل بأمر الوالدين، مقصد البتولية ولبسن لبوسها، ثم اخترن الزواج، فهنّ خاطئات حتى إذا لم يتبع ذلك تكريس.
323- رسالة “Magna indignatione” إلى جميع أساقفة كامبانيا… في 6 آذار 459
الاعتراف السرّي
323– (الفصل 2) إني آمر بأن تُزال أيضاً بكل الوسائل تلك الجسارة المخالفة للقاعدة الرسولية، والتي كما عرفت، منذ مدة زجيزة، قد ارتكبها بعضهم باغتصاب لا يحلّ. فبالنسبة إلى التوبة التي يطلبها المؤمنون يب ألاّ تقرأ علناً كتابة تحوي الخطايا بالتفصيل، إذ يكفي أن يُشار إلى الكهنة وحدهم في اعتراف سرّي بما في الضمير من ذنوب. لكن وإن كان كمال الإيمان هذا يبدو جديراً بالثناء، إذ لا يخشى، بسبب مخالفة الله، أن يخزى أمام الناس، فلتُزل هذه العادة غير المقبولة، فليست جميع خطايا من يطلبون التوبة ممّا لا يخشون إعلانه. وذلك لئلا يُقصى كثيرون عن علاجات التوبة ما داموا يخجلون أو يخافون من أن تُفشى لأعدائهم أفعالٌ يمكن من جراء القوانين أن تلحق بهم الضرر. فيكفي هذا الاعتراف أوّلاً لله، ثم أيضاً للكاهن الذي يشفع لخطايا التائبين. وأخيراً يمكن أن يُحمل كثيرون على التوبة إذا لم يُنشر على مسامع الشعب ضمير المعترف.
325- 329– قوانين الكنيسة القديمة (Statuta Ecclesiae Antiqua) أواسط القرن الخامس
امتحان الإيمان قبل الرسامة الأسقفية
325– يُمتحن من يُعدّ للرسامة الأسقفية من قبل لمعرفة هل… هو فطن في فهم الكتب، وخبير في عقائد الكنيسة، وقبل كل شيء، هل يدافع بكلام صادق عن تعاليم الإيمان أي يثبّت أن الآب والابن والروح القدس إله واحد، معلّماً أن اللاهوت كلّه في الثالوث من ذات الماهية، وذات الجوهر، وذات الأزلية، وذات القدرة الفائقة. هل يؤمن أن كل أقنوم في الثالوث إله كامل، والثلاثة هي إله واحد. هل يؤمن بأن التجسّد الإلهي تمّ لا في الآب ولا في الروح القدس، وإنما في الابن فقط، بحيث صار، هو نفسه الذي كان في اللاهوت ابن الله الآب، ابناً في الناسوت للإنسان أمّه، إلهاً حقيقياً من الآب وإنساناً حقيقياً من الأم، آخذاً من أحشاء أمه جسداً، ونفساً بشرية عاقلة، وفيه الطبيعتان كلتاهما معاً، أي الإنسان والإله، وهو شخص واحد، ابن واحد، مسيح واحد، ربّ واحد، خالق كل الموجودات، والصانع والسيد والخالق (المدبّر) جميع الخلائق مع الآب والروح. وهو الذي تألم بعذاب الجسد الحقيقي، ومات بموت جسده الحقيقي، وقام بقيامة الجسد الحقيقية وبإستعادة النفس الحقيقية، وبها يأتي ليدين الأحياء والأموات.
ويجب أن يُسأل هل يؤمن أن صانع وإله العهد الجديد والقديم، أي الناموس والأنبياء والرسل، هو واحدٌ بذاته. هل إبليس أصبح شريراً بحرّيته لا بطبيعته. يجب أن يُسأل أيضاً هل يؤمن بقيامة هذا الجسد الذي نحمله لا غيره. هل يؤمن بدينونة آتية، وأن كل واحد ينال بما صنع في هذا الجسد عقاباً أو مجداً. هل يحسن في عينه الزواج، وهل يرضى بالزوجات الثانية. هل هو لا يجعل من أكل اللحم خطيئة. هل يقبل للمناولة الخطأة المصالحية. هل يؤمن أن جميع الخطايا أي الأصلية منها والتي ارتُكبت إرادياً، تغفر في المعمودية، وأن لا خلاص لأحدٍ خارج الكنيسة الكاثوليكية.
فعندما يوجد، بعد امتحانه في جميع هذه الأمور، على معرفة تامة بها، حينئذ، بعد موافقة رجال الاكليروس والعلمانيين، وفي حضور جميع أساقفة المنطقة… فليُرسم أسقفاً.
وضع الأيدي علامة خارجية للرسامة
326– تتبُّع رسامة من لهم مهامّ في الكنيسة:
ق 90 (2) عندم يُرسم أسقف يجب أن يضع أسقفان كتاب الأناجيل على رقبته (رأسه) ويمسكا به، وبينما أحدهما يقرأ عليه البركة، على جميع الأساقفة الآخرين الحاضرين أن يلمسوا رأسه بأيديهم.
327– ق 91 (31) عندما يُرسم كاهن، بينما يباركه الأسقف واضعاً يديه على رأسه، على جميع الكهنة الحاضرين أن يضعوا أيضاً أيديهم على رأسه بقرب يد الأسقف.
328– ق 92 (4) عندما يُرسم شماس إنجيلي، يضع الأسقف الذي يباركه وحده يديه على رأسه، لأنه لا يُقدّس للكهنوت وإنما للخدمة.
329– ق 93 (5) عندما يُرسم شماس رسائليّ، فلأنه لا يتقبّل وضع الأيدي، فهو يقبل من يد الأسقف الصينية فارغة والكأس فارغاً. ولكنه يتقبّل من يد رئيس الشمامسة الإبريق مع ماء، وطستاً ومنشفة.
Discussion about this post