المجمع التريدنتيني (ترنت) المسكوني التاسع عشر
13 كانون الأول 1545 – 4 كانون الأول 1563
دعا إلى انعقاده البابا بولس الثالث. انعقد المجمع خلال ثلاث فترات منفصلة. ثم عاقت الحروب والنزاعات الدينية عمله. وخلال الفترة الأولى من 1545م إلى 1547م أعلن المجمع أن الكتاب المقدس والتقليد المقدس هما المصدران الصحيحان والوحيدان للإيمان الكاثوليكي وأن للكنيسة الحق الأوحد في تفسير كلمة الله. ورفض المجمع وجهات النظر البروتستانتية حول الخلاص والخطيئة.
أما في الفترة الثانية التي امتدت من سنة 1551م إلى سنة 1552م، فقد عرّف المجمع طبيعة الأسرار السبعة وأعاد تأكيد مبدأ التحوُّل الجوهري في ذبيحة القداس.
وأما في الفترة النهائية من 1562 إلى 1563م، فقد دافع المجمع عن صحة صُكوك الغفران، وأقرّ شرعية الصلاة للقديسين، وعَرَّف ذبيحة القُداس، وكثيرًا من العقائد. وأمضى المجمع إصلاحات مثل تأسيس مدارس اللاهوت لتدريب الإكليروس، وتحقيق مطلب عيش كل أسقف في منطقته الخاصة. وقد صادق البابا بيوس الرابع في 26 يناير سنة 1564م على كل المراسيم التي صدرت عن المجمع، والتي أصبحت فيما بعد جزءًا من العقيدة الكاثوليكية.
بهذا شكَّلَ المجمع إحدى أهم عناصر “الإصلاح الكاثوليكي” أو ما سمّاه المؤرخون الألمان بالإصلاح المُقابل.
1500- الجلسة الثالثة، 4 شباط 1546: قرار في قانون الإيمان
1500- المجمع التريدنتيني المسكوني والعام هذا، المنعقد شرعياً في الروح القدس، برئاسة مفوّضي الكرسيّ الرسوليّ الثلاثة، نظر في أهمية الأشياء التي تجب معالجتها، ولا سيّما تلك الواقعة تحت عناوين استئصال الهرطقات، وإصلاح الأخلاق، وهي دواعي الاجتماع الرئيسيّة، … رأي أنّه لا بدّ من التعبير عن قانون الإيمان الذي درجت عليه الكنيسة المقدسة الرومانية، على أنّه المبدأ الذي يلتقي عنده بالضرورة جميع الذين يعترفون بإيمان المسيح، والأساس الوحيد الذي لن تقوى عليه أبواب الجحيم أبداً (رَ متى 16 : 18)، مردّداً الألفاظ التي يُتلى فيها في جميع الكنائس – [يلي قانون الإيمان النيقاوي – القسطنطينيّ راجع 150].
1501 – 1508: الجلسة الرابعة، 8 نيسان 1546
1) قرار في تقبّل الكتب المقدّسة والتقاليد
1501- المجمع التريدنتيني المسكوني والعام المقدس، المنعقد شرعياً في الروح القدس، … يجعل دائماً أمام عينيه، وهو يزيل الأضاليل، نيّة الحفاظ، في الكنيسة، على نصاعة الإنجيل الذي وعد به الأنبياء قبلاً في الأسفار المقدسة، وأعلنه سيّدنا يسوع المسيح، ابن الله بلسانه، ثمّ طلب من رسله أن يبشرّوا به كلّ خليقة، على أنّه ينبوع كل معرفة خلاصيّة، وكلّ قاعدة أخلاقية (رَ متى 16 : 15).
وهو يرى بوضوح أيضاً أنّ هذه الحقيقة وهذه القاعدة هما في بطن الكتب المكتوبة، كما هما في التقاليد غير المكتوبة، تقبّلهما الرسل من فم المسيح نفسه، أو تناقلهما الرسل يداً بيد بإملاء الروح القدس، ووصلتا هكذا إلينا.
ولهذا، على مثال الآباء القويمي الإيمان، يتقبّل هذا المجمع المقدس ويُحلّ، بنفس عاطفة التقوى ونفس الاحترام، جميع أسفار العهدين القديم والجديد، إذ أنّ الله هو واضعهما الوحيد، والتقاليد نفسها المتعلّقة بالإيمان والأخلاق، على أنّها منقولة عن لسان المسيح أو من إملاء الروح القدس، ومحفوظة في الكنيسة الكاثوليكية بلا انقطاع.
وقد رأى من المستحسن أن يُضمّ إلى هذا القرار قائمة الأسفار المقدسة، لكي لا يخامر أحداً شكّ في موضوع الأسفار التي تقبّلها المجمع، وهي كما يلي:
1502- في العهد القديم: خمسة أسفار لموسى هي: التكوين، والخروج، والأحبار، والعدد، وتثنية الاشتراع، أسفار يشوع، والقضاة، وراعوت، وأسفار الملوك الأربعة، وسفر أخبار الأيّام، سفر عزرا الأول، والثاني الذي يقال له سفر نحميا، وطوبيّا، ويهوديت، وأستير، وأيّوب، ومزامير داود وهي مئة وخمسون مزموراً، وإرميا مع باروك، وحزقيال، ودانيال، والأنبياء الصغار الاثنا عشر أي هوشع، ويوئيل، وعاموس، وعوبديا، ويونان، وميخا، ونحوم، وحبقوق، وصفنيان وحجّاي، وزكريّا، وملاخي، وسفر المكابييّن، الأول والثاني.
1503- في العهد الجديد: الأناجيل الأربعة لمتى ومرقس ولوقا ويوحنا؛ أعمال الرسل بقلم لوقا؛ رسائل الرسول بولس الأربع عشرة، إلى الرومانييّن، اثنتان إلى الكورنثيّين، إلى الغلاطييّن، إلى الأفسسييّن، إلى الفبليبيين، إلى الكولسييّن، اثنتان إلى التسّالونيكيين، اثنتان إلى تيموثيوس، إلى تيطس، إلى فيلمون، إلى العبرانييّن، اثنتان لبطرس الرسول، ثلاث ليوحنا الرسول، واحدة ليعقوب الرسول، واحدة ليهوذا الرسول، ورؤيا يوحنا الرسول.
1504- إذا لم يتقبّل أحدٌ هذه الأسفار على أنّها مقدسة وقانونية في مجملها، مع جميع أقسامها، كما جرت العادة أن تقرأ في الكنيسة الكاثوليكية، وكما توجد في الطبعة المنتشرة (Vulgata) اللاتينية القديمة؛ إذا احتقر التقاليد السابقة عن معرفة واختيار حرّ، فليكن محروماً.
1505- فليدرك الجميع هكذا النظام والنهج اللذين سيتّبعهما المجمع، بعد وضع أسس الاعتراف بالإيمان، ولا سيّما الشهادات والأسناد التي سيعتمدها لتثبيت العقائد وإصلاح الأخلاق في الكنيسة.
2) مرسوم في الطبعة المنتشرة للكتاب المقدّس وطريقة تفسير الكتاب المقدّس
1506- وإلى ذلك فالمجمع المقدّس نفسه رأى من المفيد جداً لكنيسة الله أن تعرف أياً من طبعات الأسفار المقدسة اللاتينية المنتشرة تكون الأصلية فتعتمد: وقد أقرّ وأعلن أنّ الطبعة المنتشرة القديمة (فولغاتا)، التي وافقت عليها الكنيسة نفسها باعتمادها لها قروناً كثيرة، يجب أن تُعدّ أصيلةً في الدروس العامّة، والنقاشات، والمواعظ، والشروح، ولا يجرؤنّ أحدٌ ويحمله الغرور على رفضها لأيّ عذرٍ من الأعذار [رَ 3825].
1507- وعلاوةً على ذلك، ولكي يضبط النفوس الصّعبة المراس، يقرّ أنّه لا يجوز لأحد، في أمور الإيمان أو الأخلاق المتعلّقة بهيكلية الإيمان المسيحيّ، أن يتجرأ، مستنداً إلى حكم واحد، على شرح الكتاب المقدس مائلاً بمعناه إلى النحو الذي يراه هو، مخالفاً بذلك المعنى الذي اعتمدته وتعتمده أمّنا الكنيسة المقدسة، التي يرجع إليها أن تبتَّ في معنى الأسفار المقدسة وشرحها الحقيقيّ، أو مخالفاً أيضاً ما اتّفقت عليه آراء الآباء، وإن لم تنشر شروحٌ من هذا النوع على الإطلاق…
1508- ولكن المجمع المقدس يريد أيضاً، وعلى حقّ، أن يضع للطَّابعين قانوناً في الموضوع… وهو يقرّر ويبتّ أن يُطبع الكتاب المقدس، ولا سيّما الطبعة المنتشرة القديمة، على أدقّ وأكمل وجهٍ ممكن؛ ولا يجوز لأحد أن يطبع أو يطلب طبع أيّ كتاب يعالج الموضوعات المقدسة بدون ذكر اسم المؤلف، وأن يبيعه أو أن يحفظه عنده، ما لم ينظر الأسقف المحلّي في هذه الكتب ويوافق عليها…
1510- 1516- الجلسة الخامسة، 17 حزيران 1546: مرسوم في الخطيئة الأصلية
1510- لكي يظلَّ إيماننا الكاثوليكيّ الذي بدونه يستحيل إرضاء الله” (عب 11 : 6)، بعد تخلّصه من الأضاليل، كاملاً وناصع الطهارة، ولكي لا تعبث بالشعب المسيحيّ كلّ ريح تعليم (رَ أف 4 : 14).
– إذ أنّ الحيّة القديمة (رَ رؤ 12 : 9؛ 20 : 2)، العدّوة الدائمة للجنس البشريّ، في ما بين الشرور الكثيرة التي تبلبل اليوم كنيسة الله، بعثت، في شأن الخطيئة الأصليّة وعلاجها، لا خصوماتٍ جديدةً وحسب، بل خصومات قديمة أيضاً – فالمجمع التريدنتينيّ المسكوني والعام المقدّس… يريد القيام بهدي الضالين، وتثبيت المتردّدين.
وهو، مستنداً إلى شهادة الكتب المقدسة، والآباء القدّيسين، والمجامع الأكثر توثقاً، وحكم وموافقة الكنيسة نفسها، يقرّر، ويعترف، ويعلن ما يلي في شأن الخطيئة الأصلية.
1511- 1. إذا لم يعترف أحدٌ بأنّ الإنسان الأول، آدم، بعدما خالف وصية الله في الفردوس، فقد حالاً القداسة والبرارة اللّتين أقيم فيهما، وجلب الإهانة التي قامت على تلك المخالفة، غضب الله وسخطه، ومن ثمّ الموت الذي كان الله قد هدّده به، ومع الموت الأسر في قبضة من “أصبح له سلطان الموت، أعني إبليس (عب 2 : 14)، وأنّه بالإهانة التي قامت على هذه المخالفة تحوّل آدم كلياً، بنفسه وجسده، إلى حالة أدنى (رَ 371)؛ فليكن محروماً.
1512- 2. “إذا أثبت أحدٌ أنّ مخالفة آدم لم تجلب الضرر إلاّ عليه وحده دون ذرّيته” وأنّه فقد القداسة والبرارة التي منحه إيّاها الله، وانحصر ذلك الفقدان فيه دوننا، أو أنّه، وقد تلطّخ بخطيئة المعصية، “لم ينقل إلاّ الموت” وعقوبات “الجسد إلى الجنس البشريّ كلّه، لا الخطيئة التي هي موت النفس”: فليكن محروماً، “لأنه يناقض الرسول الذي يقول: “بإنسانٍ واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس لأنّ جميعهم قد خطئوا” (رو 5 : 12) (رَ 372).
1513- 3. إذا أثبت أحدٌ أنّ خطيئة آدم هذه – وهي واحدةٌ في مصدرها، ومنقولةٌ بالوراثة لا بالتمثّل، هي خطيئة كلّ واحد – تزال بقوى الطبيعة البشرية، أو بعلاج غير استحقاق الوسيط الوحيد، سيّدنا يسوع المسيح (رَ 1347) الذي صالحنا مع الله بدمه (رَ رو 5 : 9…)، و”صار لنا حكمةً وبرّاً وقداسةً” (1 كو 1 : 30)؛ أو إذا أنكر أنّ استحقاق يسوع المسيح هذا ينال البالغين والأطفال بسرّ المعمودية الممنوح حسب صيغة الكنيسة واستعمالها: فليكن محروماً. إذ “ليس تحت السماء اسمٌ آخر أُعطي في الناس، به ينبغي أن تخلص” (أع 4 : 12) ومن ثم هذه الكلمة: “ها هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” (يو 1 : 29)، وهذه “أنتم الذين، اعتمدوا للمسيح، قد لبستم المسيح” (غلا 3 : 27).
1514- 4. “إذا أنكر أحدٌ أنّه يجب أن يعمّد الأطفال عند وضع أمّهاتهم لهم”، وإن كان والدوهم معمَّدين، “أو قال إنّهم معمّدون لمغفرة الخطايا، ولكنّهم لا يحملون شيئاً من الخطيئة الأصلية الآتية من آدم والتي يجب التكفير عنها بغسل التجدّد” للحصول على الحياة الأبدية، “ويكون من ذلك بالنسبة إليهم أنّ صيغة المعمودية لمغفرة الخطايا لا معنى حقيقياً لها، بل معنى خاطئ”: فليكن محروماً. إذ لا يمكن أن يفهم قول الرسول على غير هذا المعنى: “بإنسانٍ واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس لأنّ جميعهم قد خطئوا” (رو 5 : 12) وهذا ما فهمته أبداً الكنيسة الكاثوليكية المنتشرة في كلّ مكان. فبسبب قاعدة الإيمان هذه الواردة من تقليد الرسل “أنّ الأطفال أنفسهم، الذين لم يستطيعوا بعد أن يقترفوا خطيئة، يعمَّدون حقيقةً لمغفرة الخطايا لكي يتبرّروا بالولادة الجديدة ممّا حملوه معهم بالولادة”. [223]. “فليس أحدٌ يقدر أن يدخل ملكوت الله، ما لم يولد من الماء والروح”. (يو 3 : 5).
1515- 5. إذا أنكر أحدٌ أن جرم الخطيئة الأصلية قد غفر بنعمة سيّدنا يسوع المسيح التي تمنحها المعمودية، أو إذا أثبت أنّ كلّ ما له في الحقيقة طابع خطيئة لا يزال كلياً، ولكنّه يشطب فقط أو لا يحسب: فليكن محروماً.
وهكذا فليس في من ولدوا ولادةً جديدةً موضوعٌ يسخط الله، إذ إنّه “ليس بعد من قضاء” (رو 8 : 1) للذين في الحقيقة “دفنوا مع المسيح. في المعمودية للموت” (رو 6 : 4). الذين لا يسلكون بحسب الجسد” (رو 8 : 5) بل خلعوا الإنسان العتيق ولبسوا الإنسان الجديد بحسب الله (رَ أف 4 : 22 – 24؛ كول 3 : 9…) فصاروا أبراراً، بغير دنس، وأطهاراً، لا عيب فيهم، أبناء الله المحبوبين، “ورثة الله ووارثين مع المسيح” (رو 8 : 17)، بحيث لا يحول شيٌ دون دخولهم إلى السّماء. أن تبقى الشهوة، أو بؤرة الخطيئة عند المعمّدين، هذا المجمع المقدس يعترف به ويذهب إليه؛ وهذه الشهوة بقيت لكي تقاوم، وهي لا تلحق أذىً بمن لا ينقادون لها ومن يقاومونها بشجاعةٍ بنعمة المسيح. وإلى ذلك “فالمصارع لا يحرز الإكليل ما لم يصارع على مقتضى الأصول” (2 تيم 2 : 5) وهذه الشهوة التي يدعوها الرسول أحياناً “خطيئة” (رو 6 : 12 – 15؛ 7: 7؛ 14: 20)، يعلن المجمع المقدس أنّ الكنيسة الكاثوليكية لم تفهم قطّ بذلك أنّها دعيت خطيئة لكونها في الحقيقة خطيئة عند من ولدوا ولادةً جديدة، ولكن لأنّها تأتي من الخطيئة وتشدّ إليها. إذا فكّر أحدٌ خلاف ذلك: فليكن محروماً.
1516- 6. ومع ذلك فهذا المجمع المقدس نفسه يُعلن أن ليس في نيّته أن يعرض في هذا القرار الذي يعالج الخطيئة الأصلية، للطوباوية العذراء مريم الطاهرة، والدة الإله، ولكنّه يدعو إلى التقيّد بمقرّرات البابا سكستس الرابع، السعيد الذكر، تحت طائلة العقوبات التي تنطوي عليها، وهو يجدّدها (1400؛ 1425 – 1426).
1520- 1583: الجلسة السادسة، 13 كانون الثاني 1547: مرسوم في التدبير
هذا المرسوم موجّه خصوصاً ضدّ مقولات مارتن لوثر ويوحنا كالفين.
مقدّمة
1520- ليس بدون خسارة عدد كبير من النفوس وضرر شديد لوحدة الكنيسة، قد شاع في أيامنا تعليمٌ ضالٌ في شأن التبرير. ففي سبيل تسبيح الله الكليّ القدرة وتمجيده، وفي سبيل سلام الكنيسة وخلاص النفوس، رأى المجمع التريدنتيني المسكونيّ والجامع المقدس… أن يعرض لجميع المسيحيين عقيدة التبرير الحقيقية التي علّمها يسوع المسيح شمس البرّ (ملا 4 : 2) مبدئ إيماننا ومكمّله (عب 12 : 2) والتي نقلها إلينا الرسل واستمرّت الكنيسة الكاثوليكية بوحي من الروح القدس في الحفاظ عليها، مانعةً بشدّة أن يجرؤ أحد في المستقبل على أن يعتقد ويعلّم وينشر غير ما هو مقرّر ومعلن بهذا القرار.
الفصل الأول: عجز الطبيعة والناموس عن تبرير البشر
1521- يعلن المجمع المقدّس قبل كلّ شيء أنّه لا بدّ لفهم عقيدة التبرير، فهماً دقيقاً وأصيلاً، أن يعترف كلّ أحدٍ أنّ جميع البشر، بفقدانهم البرارة في مخالفة آدم (رو 5 : 12؛ 1 كور 15 : 22؛ 239) أصبحوا نجسين (أش 64 : 6) وكما قال الرسول “أبناء غضب بالطبيعة” (أف 2 : 3)، على ما عرض في القرار عن الخطيئة الأصلية، فكانوا إلى هذا الحدّ “عبيد الخطيئة” (رو 6 : 20) وتحت سيطرة إبليس والموت، حتى إنّه، ليس الوثنيّون وحدهم، بقوّة الطبيعة (القانون)، بل اليهود أيضاً بحرف ناموس موسى، لم يكن باستطاعتهم أن يتحرّروا أو ينهضوا من هذه الحالة، وإن كانت حرية الاختيار لم تعدم لديهم (القانون 5)، مع ما كانت عليه من الضعف والانحراف في قوّتها (378).
الفصل الثاني: تدبير الخلاص وسرّ مجيء المسيح
1522- فكان أنَّ الآب السماويّ “أبا المراحم وإله كلّ تعزية” (2 كول 1 : 3)، أرسل إلى البشر يسوع المسيح، ابنه (القانون 1)، الذي كان قد أنبئ ووعد به قبل الناموس وفي زمن الناموس لعددٍ كبيرٍ من الآباء القديسين (ر تك 49 : 10)، عندما حان “ملء الزمان” السعيد (أف 1 : 10؛ غلا 4:4)، حتى، من جهة، “يفتدي اليهود الذين تحت الناموس” (غلا 4 : 5)، ومن جهة ثانية لكي “ينال البرَّ الأمم الذين لم يسعوا في طلب البرّ” (رو 9 : 30)، وينال الجميع التبنيّ (غلا 4 : 5). فهو الذي أقامه الله أداة تكفير بالإيمان بدمه” (رو 3 : 25) “عن خطايانا” لا عن خطايانا فقط بل عن خطايا العالم كلّه أيضاً (1 يو 2:2).
الفصل الثالث: من ينال البرّ بالمسيح
1523- ولكن وإن كان المسيح قد “مات عن الجميع” إلاّ أنّ إنعام موت المسيح لا يناله الجميع، بل الذين انتقل إليهم استحقاق آلامه فقط. وهكذا، فكما أنّه ما كان البشر ليولدوا محرومين من البرارة، لو لم يكونوا من ذريّة آدم بالجسد، إذ إنّهم عندما حبل بهم حملوا معهم عدم البرارة في شخصهم، لكونهم انحدروا منه جسدياً، كذلك لا يمكنهم أبداً أن ينالوا البرارة إذا لم يولدوا ولادة جديدة في المسيح (القانون 2 و 10)، إذ إنّهم بهذه الولادة ينالون، باستحقاق آلامه، النعمة التي يصبحون بها أبراراً. وبسبب هذه النعمة يحرّضنا الرسول دائماً على أن نشكر بفرحٍ للآب الذي أهَّلنا للشركة في ميراث القديسين في النور، الذي انتزعنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابنه الحبيب الذي لنا فيه الفداء مغفرة الخطايا” (كول 1 : 12 – 14).
الفصل الرابع: لمحة عن وصف لتبرير الكافر وطريقة انتقاله إلى حال النعمة
1524- هذه الكلمات توجز وصفاً لتبرير الكافر، على أنه انتقالٌ من الحالة التي يولد فيها الإنسان من آدم الأول، إلى حالة النعمة وتبنّي أبناء الله (رو 8 : 15) بآدم الثاني، يسوع المسيح مخلّصنا. بعد نشر الإنجيل، لا يتحقق هذا الانتقال بدون غسل الولادة الجديدة (القانون 5 في المعمودية) أو بالرغبة فيه، على حدّ ما كتب: “ليس أحدٌ يقدر أن يدخل ملكوت السماوات ما لم يولد من الماء والروح” (يو 3 : 5).
الفصل الخامس: ضرورة تهيّؤ البالغين للتبرير، ومصدر التبرير
1525- وإلى ذلك يعلن المجمع أنّ أصل التبرير نفسه عند البالغين هو في نعمة الله السابقة بيسوع المسيح (القانون 3)، أي في دعوةٍ من الله يدعوهم بها عن غير أيّ استحقاق من قبلهم. وهكذا، فالذين انحرفوا عن الله بخطاياهم، يتأهبّون، بدافع النعمة وأزرها، للتوجّه إلى التبرير الذي يمنحهم إيّاه الله، ملبّين ومؤازرين باختيارهم هذه النعمة نفسها (القانون 4 و 5). وهكذا يعالج الله قلب الإنسان بنور الروح القدس، والإنسان نفسه من جهة يكون له بعض الاشتراك في العمل إذ إنّه يتقبّل هذا الوحي الذي باستطاعته رفضه، ومن جهة أخرى لم يكن في استطاعته بإرادته الذاتيّة، وبغير معونة نعمة الله، أن يتحرّك نحو البرارة في حضرة الله (القانون 3). وعندما قيل في الكتاب المقدّس: “توبوا إليّ فأتوب عليكم” (زك 1 : 3) كان للحريّة دعوة وجواب: “أعدنا إليك يا ربّ فنعود” (مرا 5 : 31)، وهكذا نعترف بأنّ نعمة الله هي السابقة لنا.
الفصل السادس: طريقة التأهُّب
1526- الناس مهيّؤن للبرارة نفسها (القانونان 7 و 9) عندما تدفعهم وتؤازرهم النعمة الإلهية، ويتصّورون في ذواتهم الإيمان الذي يريدون التبشير به (رَ رو 10 : 17) فينطلقون بحرّيتهم نحو الله، موقنين أنّ كلّ ما أوحى ووعد به حقٌ (القوانين 12 – 14)، وقبل كل شيء، أنّ الله يبرر الكافر “بنعمته” بالفداء الذي بالمسيح يسوع” (رو 3 : 24)؛ وكذلك عندما يدركون أنّهم خطأة وأنّهم ينتقلون من خوف العدالة الإلهية الذي يمسّهم لمنفعتهم (القانون 8)، إلى تقدير رحمة الله؛ فيرتقون إلى الرجاء، واثقين، أنّ الله سيعطف عليهم، فيأخذون في محبّته على أنّه ينبوع كلّ برٍّ، وبسبب ذلك يقاومون الخطايا، وفي نفوسهم نوعٌ من البغض والكراهية (القانون 9)، أي تلك التوبة التي ينبغي أن يتوبوها قبل المعمودية (رَ أع 2 : 38)، وأخيراً عندما يعقدون النيّة على تقبّل المعمودية، يبدأون حياة جديدة، ويتقيّدون بالوصايا الإلهية.
1527- لقد كتب عن هذا الاستعداد: “لا بُدَّ لمن يدنو إلى الله أن يؤمن بأنه كائن، وأنّه يثبت الذين يبتغونه” (عب 11 : 6)، و“لتطب نفسك، يا ابني، مغفورة لك خطاياك” (متى 9 : 2)، و“مخافة الربّ ينفي الخطيئة” (سي 1 : 27)، “توبوا، وليَعتمد كلّ واحدٍ منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة خطاياكم، فتنالوا موهبة الروح القدس” (أع 2 : 38)، و“اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به” (متى 28 : 19 – 20)، و”أعدّوا قلوبكم للربّ” (1 ملو 7 : 3).
الفصل السابع: تبرير الكافر وأسبابه
1528- هذا الاستعداد أو التّهيئة يعقبها التبرير نفسه، الذي هو ليس مغفرة الخطايا وحسب (القانون 11) بل تقديس أيضاً وتجديد للإنسان الداخليّ بتقبّل إراديّ للنعمة وللمواهب. وبهذا ينتقل الإنسان من الفساد إلى البرارة، ومن عدوّ إلى صديق، بحيث يصبح “وارثاً على حسب رجاء الحياة الأبدية” (تي 3 : 7).
1529- أسباب هذا التبرير هي التالية: العلّة الغائية هي مجد الله والمسيح، والحياة الأبدية؛ والعلّة الفاعلة هي الله الذي، في رحمته، يغسل ويقدّس مجّاناً (رَ 1 كو 6 : 11) بختم ومسح (رَ 2 كو 1 : 21 – 22) الروح القدس الموعود به “الذي هو عربون ميراثنا” (أف 1 : 13 – 14)؛ والعلّة الاستحقاقية هي ابن الله الوحيد والحبيب، سيّدنا يسوع المسيح الذي “حين كنّا أعداء لله” (رَ رو 5 : 10) “من أجل فرط محبّته التي أحبنّا بها” (أف 2 : 4) استحقّ البرارة لنا بآلامه المقدسة على خشبة الصليب، (القانون 10) وكفّر عنّا لله أبيه، والعلّة الآليّة هي سرّ المعمودية “سرّ الإيمان” الذي لولاه لم يكن قطّ تبريرٌ لأحد.
أخيراً العلّة الصورية الوحيدة هي برّ الله “لا ذلك الذي به هو بارٌّ في ذاته، بل البرّ الذي يجعلنا به أبراراً” (القانونان 10 و 11) أي البرّ الذي نناله هبةً منه ف- ” نتجدّد في صميم أذهاننا” (أف 4 : 23)، ولا نعود معدودين أبراراً فقط، بل نصبح في الحقيقة أبراراً (رَ 1 يو 3 : 1)، متقبلاً كلّ منا في ذاته البرَّ بمقدار ما يوزع الروح القدس على كلّ واحدٍ كما يشاء (1 كو 12 : 11) وبحسب استعداد كلّ واحدٍ ومؤازرته.
1530- وإن لم يكن لأحدٍ أن يتبرَّر إلاّ إذا باشرته استحقاقات آلام سيدنا يسوع المسيح، فإنَّ هذا يجري مع ذلك في تبرير الكافر، وذلك بأنه، باستحقاق هذه الآلام المقدسة، قد انتشرت محبّة الله، بالروح القدس، في قلوب [ر رو 5:5] المبرَّرين وأقامت فيها (القانون 11). وهكذا فمع مغفرة الخطايا ينال الإنسان في التبرير نفسه بيسوع المسيح الذي يتّحد به، جميع المواهب التالية معاً: الإيمان والرّجاء والمحبّة.
1531- فإن الإيمان الذي يصحبه الرجاء والمحبة لا يقيم اتّحاداً كاملاً بالمسيح، ولا يجعل الإنسان عضواً حياً من جسده. ولهذا قيل بكل حقّ إن الإيمان بدون الأعمال ميتٌ وغير مفيد (ريع 2 : 17 – 20؛ القانون 19)، وإنّه في المسيح يسوع لا ينفع ختانٌ ولا قلفٌ، بل الإيمان “الذي يعمل بالمحبة” (غلا 5 : 6؛ ر 6 : 15).
وهذا الإيمان هو، بحسب تقاليد الرسل، ما يطلبه الموعوظون من الكنيسة قبل سرّ المعمودية، عندما يطلبون “الإيمان الذي يكسب الحياة الأبدية”، والذي بدون الرجاء والمحبة لا يستطيع أن يكسبها. وهم يسمعون في الحال كلام المسيح: “إن شئت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا” (متى 19 : 17، القوانين 18 – 20). ولهذا فعندما ينالون البرارة الحقيقية والمسيحية، تلك الحلّة الأولى (لو 15 : 22) التي يمنحها إيّاها المسيح عوضاً عن تلك التي فقدها آدم بمعصيته أو فقدناها معه، يطلب حالاً من الذين ولدوا ولادةً جديدة، أن يحافظوا على تلك الحلّة بيضاء ناصعة، لكي يحملوها أمام محكمة سيدنا يسوع المسيح ويحصلوا على الحياة الأبدية.
الفصل الثامن: كيف يفهم أن الكافر يبرَّر بالإيمان ومجّاناً
1532- عندما يقول الرسول إن الإنسان “يُبرَّر بالإيمان” (القانون 9) و“مجَّاناً” (رو 3 : 22 – 24) يجب أن يفهم الكلام بالمعنى الذي فهمته بها دائماً وبالإجماع الكنيسة الكاثوليكية، أي إننّا إذا عددنا مبرَّرين بالإيمان، كان ذلك لأنّ “الإيمان هو بدء خلاص الإنسان”، وهو أساس كل تبريرٍ وينبوعه، وبدونه “يستحيل إرضاء الله” (عب 7 : 6) والوصول إلى الاشتراك في نصيب أبنائه (ر 2 بط 1 : 4)، وقد قيل إنّنا برّرنا مجاناً، لأنه لا شيء ممّا يسبق التبرير، سواء كان بالإيمان أو الأعمال، يستحقّ نعمة التبرير هذه. وقد قال الرسول نفسه: “إن كان ذلك بالنعمة فليس إذن بالأعمال، وإلاّ فليست النعمة نعمةً بعد” (رو 11 : 6).
الفصل التاسع: ثقة الهراقطة الباطلة
1533- وإن كان من الضروريّ الإيمان بأنّ الخطايا لا تغفر ولم تغفر قطّ إلاّ مجاناً برحمةٍ إلهية سببها المسيح، ومع ذلك فلا يجوز لأحدٍ أن يعتمد على الادّعاء بالثقة واليقين بكون خطاياه قد غفرت، فيقول بأن خطاياه تغفر أو أنها غفرت، وقد تكون هذه الثقة الباطلة والبعيدة عن كل تقوى عند الهراطقة والمنفصلين، وهي توجد أيضاً في أيّامنا، وينادى بها بصوت عالٍ ضدّ الكنيسة الكاثوليكية (القانون 129.
1534- ولكن يجب ألاّ يُثبت أيضاً أن جميع الذين بُرّروا في الحقيقة يجب أن يكونوا موقنين في ذواتهم، يقيناً خالياً من أيّ تردّد، أنهم برّروا، ولا أنّ أحداً لم يحلّ من خطاياه ويبرّر، إلاّ الذي يؤمن إيماناً ثابتاً بأنه حلّ وبُرّر، وأنّه بهذا الإيمان وحده يتحقّق الحلّ والتبرير [القانون 14]، كما لو أنّ من يؤمن بذلك يجعل وعود الله وفاعلية موت المسيح وقيامته في موضع شكٍّ. وكما أنه لا يجوز لأيّ إنسانٍ تقيّ أن يجعل رحمة الله واستحقاقات المسيح، وفاعلية الأسرار في موضع شكّ، كذلك كل من ينظر في ذاته، ويرى ضعفه وميوله المنحرفة، يمكن أن يمتلئ ذعراً وقلقاً في شأن نعمته [القانون 13]، إذ لا يستطيع أحدٌ أن يعرف، معرفة يقين خالية من كل خطأ، أنه نال نعمة الله.
الفصل العاشر: نموّ البرّ
1535- هكذا فجميع الذين بُرّروا وأصبحوا “أصدقاء الله” و”أهل بيت الله” [يو 15 : 15؛ أف 2 : 19] السائرين “من فضيلةٍ إلى فضيلةٍ” [مز 83 : 8] يتجدّدون يوماً فيوماً، على حدّ قول الرسول [2 كو 4 : 16]، أي بإماتة أعضاء جسدهم [ر كو 3 : 5]، وجعلها كأسلحةٍ للبرّ من أجل القداسة [ر رو 6 : 13 – 19]، بالتقيّد بوصايا الله والكنيسة؛ إنّهم ينمون في هذا البرّ الذي نالوه بنعمة المسيح، جامعين عمل الإيمان إلى الأعمال الصالحة [رَ يع 2 : 22]؛ وهم يزدادون براً [القانون 24 و 32]، بحسب ما هو مكتوب: “يستمرّ البارّ في برّه” [رؤ 22 : 11] وكذلك: “لا تحجم عن أعمال البرّ حتى الموت” [سي 18 : 22]، وكذلك: “ترون أن الإنسان بالأعمال يبرّر لا بالإيمان وحده” [يع 2 : 24]. هذا النموّ في البرّ تطلبه الكنيسة المقدسة عندما نقول في الصلاة: “أيها الربّ، زد فينا الإيمان والرجاء والمحبّة”.
الفصل الحادي عشر: حفظ الوصايا
ضرورته وإمكانه
1536- يجب أن لا يفكّر أحدٌ، وإن مبرَّراً، أنه معفى من حفظ الوصايا (القانون 20). لا يجوز لأحدٍ أن يستعمل هذا التعبير المتّهور الذي منعه الآباء تحت طائلة الحرْم، وهو أنه يستحيل على الإنسان المبرَّر أن يحفظ وصايا الله (القانونان 18 و 22؛ ر 397)، “فالله لا يأمر بأمورٍ مستحيلة، ولكنه عندما يأمر يدعوك إلى أن تعمل ما تستطيع، وإلى أن تطلب ما لا تستطيع”، وهو يساعدك لكي تستطيعه؛ وصاياه ليست ثقيلة [ر 1 يو 5 : 3]، ونيره ليّن وحمله خفيف [رَ متى 11 : 30]. والذين هم أبناء الله يحبّون المسيح، والذين يحبونه، على حدّ ما قال هو نفسه، يحفظون أقواله [ر يو 14 : 23]، وذلك أمرٌ ممكنٌ دائماً بمعونة الله.
1537- مهما كانوا، في هذه الحياة الفانية، على درجةٍ عالية من القداسة والبرارة، فإنهم يسقطون أحياناً، على الأقل، في الخطايا الخفيفة واليومية التي تدعى عرضيّة (القانون 23)، وهم مع ذلك لا يخرجون من برارتهم. فتعبير المبرَّرين المتواضع والأصيل هو: “اغفر لنا خطايانا” [متى 6 : 12 ؛ ر 229…].
ولهذا فالأبرار أنفسهم لا بدّ شاعرون بمسؤولية أشدّ للسير في طريق البرّ، لا سيّما أنهم قد “أعتقوا من الخطيئة وصاروا عبيداً لله” (رو 6 : 22)، “يحيون على مقتضى التعقّل والعدل والتقوى” [تي 2 : 12]، ففي استطاعتهم أن ينموا بالمسيح يسوع الذي فتح لهم الطريق إلى هذه النعمة [ر رو 5 : 2]، إذ أن الذين برّرهم الله مرّةٍ “لا يهملهم الله ما لم يكونوا قد سبقوا وأهملوه”.
1538- لهذا يجب أن لا يطمئن أحدٌ في الإيمان وحده [القوانين 9؛ 19؛ 20]، ظاناً أنه بالإيمان وحده قد أقيم وارثاً وحاصلاً على الميراث، وإن لم يتألم مع المسيح ليتمجّد معه [ر رو 8 : 17]. فإنّ المسيح نفسه، على حدّ قول الرسول، “مع كونه ابناً، تعلّم ممّا تألمه، أن يكون طائعاً، ولمّا بلغ الكمال، صار لجميع الذين يطيعونه علّة خلاصٍ أبديّ” (عب 5 : 8 – 9].
ولهذا يحذّر الرسول نفسه من نالوا التبرير بقوله: “أما تعلمون أن السّاعين في الميدان كلّهم يسعون، ولكنّ واحداً ينال الجائزة، فاسعوا هكذا حتى تفوزوا. فهكذا أسعى أنا، لا كمن لا يدري، وهكذا ألاكم، لا كمن يقارع الهواء. إنّما أقمع جسدي، وأستعبده لئلاّ أصير أنا نفسي مرذولاً بعد ما وعظت غيري”. وبطرس رأس الرسل يقول: “اجتهدوا بالأكثر لكي تثبّتوا دعوتكم واختياركم، فإنكم إن فعلتم ذلك لا تزلّون أبداً” [2 بط 1 : 10].
1539- من ثمّ يتّضح أنه يخالف تعليم الديانة القويم أولئك الذين يقولون أن البارّ يخطأ خطأ على الأقل عرضياً في كل عمل صالحٍ يعمله [القانون 25؛ ر 1481]، أو [وهو أمر أشدّ غرابةً] إنه يستحقّ الأعذبة الأبدية، وكذلك أولئك الذين يعلنون أنّ الأبرار يخطأون في جميع أعمالهم إذا عملوا على نفض غبار الخمول عنهم وتشدّدوا للسّعي في الميدان، وكان نظرهم أولاً إلى التمجيد والثواب الأبديّ [القانونان 26؛ 31]، وقد كتب: “أملت قلبي لأقضي رسومك فإن ثوابها إلى الأبد” [مز 118 : 112]، وقال الرسول عن موسى أنه “كان ينظر إلى الثواب” [عب 11 : 26].
الفصل الثاني عشر: يجب التحفّظ من التهوّر والشّطط في شأن قضاء الله
1540- لا أحد يستطيع، ما دام في حياة الزّوال، أن يكشف عن سرّ قضاء الله ويؤكّد أنه في عداد المختارين [القانون 15]، وكأنه في حال كونه قد بُرّر، يصبح أو غير قادر على السقوط في الخطيئة [القانون 23]، أو واثقاً من توبةٍ يتوبها بدون شك إذا سقط في الخطيئة؛ إذ أنه بدون كشفٍ إلهيّ خاص لا تمكن معرفة من جعلهم الله من مختاريه [القانون 16].
الفصل الثالث عشر: موهبة الثَّبات
1541- القول نفسه يقال في شأن موهبة الثّبات [القانون 16]. وقد كتب: “من يثبت إلى المنتهى فذلك يخلص” [متى 10 : 22؛ 24 : 13]؛ وهذا لا يمكن أن يقوم به إلاّ “القادر على أن يثبّت من هو واقف في وقوفه [ر رو 14 : 4] وأن ينهض من يسقط. فلا يعدنَّ أحدٌ نفسه بشيء، وعداً ثابتاً ومطلقاً، مع أنه يجب على الجميع أن يركّزوا رجاءهم الوطيد على معرفة الله ويضعوها فيها. لأن الله، إذا لم يخونوا نعمته، سوف يواصل تتميم العمل الصالح، كما ابتدأه [ر في 1 : 6]، فاعلاً فيهم الإرادة والعمل [ر في 2 : 13؛ القانون 22].
ومع ذلك فليحذر من يظنّون أنهم واقفون من السقوط [ر 1 كو 10 : 12]، وليعملوا لخلاصهم بخوفٍ ورعدة [ر في 2 : 12] في الاتعاب، والأسهار، والصّدقات، والصلوات، والتقادم، في الصوم والعفّة [ر 2 كو 6 : 5 – 6]. وبما أنهم يعرفون أنهم ولدوا ولادةً جديدة في رجاء المجد، لا بعد في المجد، يجب عليهم أن يخافوا لما بقي عليهم من مقاومة للجسد، والعالم، والشيطان، مقاومة لا يحرزون النصر فيها إلاّ إذا تقيّدوا، مع نعمة الله، بكلام الرسول: “لا فضل علينا للجسد حتى نعيش بحسب الجسد، لأنّكم إن عشتم بحسب الجسد فستموتون، وأمّا إن أمتُّم بالروح أعمال الجسد فستحيون” [رو 8 : 12 – 13].
الفصل الرابع عشر: في السَّاقطين وإنهاضهم
1542- إن الذين سقطوا بالخطيئة بعد ما نالوا نعمة التبرير، يستطيعون أن يستعيدوا برارتهم [القانون 29] عندما، بدافع من الله، يعملون على استعادة النعمة الضائعة بوساطة سرّ التوبة، بفضل استحقاقات المسيح. هذا النوع من التبرير هو إنهاض الخاطئ الذي دعاه الآباء القديسون “خشبة الخلاص الثانية بعد الغرق الذي هو فقدان النعمة”. فاللذين يسقطون في الخطيئة بعد المعمودية وضع المسيح يسوع سرّ التوبة عندما قال: “خذوا الروح القدس، فمن غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت” [يو 20 : 22 – 23].
1543- والذي لا بدَّ من تعليمه هو أن توبة المسيحيّ بعد سقطته تختلف اختلافاً شديداً عن توبة المعمودية. فهي لا تقوم على التخليّ عن الخطايا ومقتها وحسب، أي على “قلب منكسر ومنسحق” [مز 50 : 19]، بل على الاعتراف السرّيّ بها أيضاً، أو على الأقل الرغبة في الاعتراف في الوقت الملائم، وعلى نيل الحلّ من أحد الكهنة، ثم التَّكفير بالصوم، والصّدقات، والصلوات، وممارسات الحياة الروحيّة الأخرى، لا للإعفاء من العقوبة الأبدية – التي ألغيت مع الخطيئة بالسرّ أو بالرغبة في السرّ – بل لمغفرة الخطيئة الزَّمنية [القانون 30] التي [على حدّ ما يعلّمه الكتاب المقدس] ليست مغفورة مغفرة كاملة في كل حين، كما هي الحال في المعمودية، للذين كفروا بنعمة الله التي نالوها، وأحزنوا الروح القدس، [ر أف 4 : 30]، ولم يتورَّعوا من إفساد هيكل الله [ر 1 كو 3 : 17].
وقد كتب عن هذه التوبة: “اذكر من أين سقطت، وتب، وعد إلى أعمالك الأولى” [رؤ 2 : 5]، و” الغمّ بحسب الله ينشئ توبةً للخلاص، لا ندم عليها” [2 كو 7 : 10]، وأيضاً “توبوا” [متى 3 : 2؛ 4 : 17]، و”أثمروا ثمر توبةٍ لائقاً” [متى 3 : 8؛ لو 3 : 8].
الفصل الخامس عشر: الخطيئة المميتة تُفْقد النعمة لا الإيمان
1544- ضدّ النفوس المراوغة عند بعض الناس الذين “بعذوبة الكلام وحسن الأقوال يخدعون قلوب السّلماء” [رو 16 : 18]، يجب إثبات أنّ نعمة التبّرير التي نيلت تفقد لا بالمروق فقط [القانون 27] الذي يفقد الإيمان نفسه، ولكن بأي خطيئة مميتةٍ أيضاً وإن لم تفقد الخطيئة المميتة الإيمان [القانون 28]. وهكذا يدافع عن تعليم الناموس الإلهيّ الذي يدفع عن ملكوت الله لا المارقين فقط، بل المؤمنين أيضاً الفاسقين، والزّناة، والمتخنثين، واللّواطييّن، والسارقين، والأشحّاء، والسّكيرين، والنّمامين، والطمّاعين [ر 1 كو 6 : 9 – 10] وجميع الآخرين الذين يرتكبون خطايا مميتة كان بإمكانهم أن يتجنبّوها بمعونة النعمة الإلهية، وقد انفصلوا بسببها عن نعمة المسيح [القانون 27].
الفصل السادس عشر: ثمرة التبرير: استحقاق الأعمال الصالحة
1545- في هذا المجال، يجب أن يعرض على المبرّرين، سواء كانوا من الذين حافظوا على النعمة، أو من الذين استعادوها بعد فقدانها، كلام الرسول: “كونوا مستزيدين على الدَّوام في عمل الربّ، عالمين أن تعبكم ليس بباطل في الربّ” [1 كو 15 : 58]، إذ “أنّ الله ليس بظالم حتى لينسى عملكم، والمحبة التي أبديتموها لأجل اسمه” [عب 6 : 10] و”لا تفقدوا ثقتكم فإنّ لها جزاءً عظيماً” [عب 10 : 35]. ولهذا فللَّذين يحسنون العمل “إلى المنتهى” [متى 10 : 22؛ 24 : 13] ويجعلون رجاءهم في الله، يجب أن تعرض الحياة الأبدية نعمةً وعد بها المسيح يسوع برحمته لأبناء الله، و”ثواباً” لأعمالهم الصالحة واستحقاقاتهم التي وعد الله نفسه بمكافأتها [القانونان 26 و 32]. ذلك هو “إكليل البرّ” الذي قال الرسول أنه “محفوظٌ له بعد جهاده وإتمام شوطه، الذي سيجزيه به الربّ الدّيان العادل، لا هو فقط، بل جميع الذين أحبّوا ظهوره أيضاً” [2 تيم 4 : 7 – 8].
1546- يسوع المسيح نفسه يبثّ على الدَّوام قوّته في من تبرّروا، كما الرأس للأعضاء [ر أف 4 : 15]، وكما الكرمة للأغصان [يو 15 : 5]، قوّته التي تسبق دائماً أعمالهم الصالحة، وترافقها وتتبعها، والتي بدونها لا يمكن تلك الأعمال البتّة أن تكون مرضيةً لله وذات استحقاق [القانون 2]. وهكذا يجب الاعتقاد أنه لا ينقص المبرّرين شيء آخر لكي يعدّوا متمّمين جميع مقتضيات ناموس الله، في شتى أحوال هذه الحياة، بهذه الأعمال المعمولة في الله [ر يو 3 : 21]، ومستحقّين حقاً أن ينالوا، متى آن الأوان، الحياة الأبدية [القانون 32]، وذلك إذا ماتوا في حال النعمة [ر رؤ 14 : 13]. ألم يقل سيّدنا المسيح: “من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا له فلن يعطش أبداً، فإنه (الماء) ينقلب فيه نبعاً يتفجرّ حياةً أبدية” [يو 4 : 14].
1547- وهكذا فبُّرنا الشخصيّ لا يقوم على أنه آتٍ منّا [ر 2 كو 3 : 5]، وبرُّ الله غير مجهولٍ ولا مردود [ر رو 10 : 3]. وفي الواقع نسب إلينا هذا البرّ لأننّا بررنا به ساكناً فينا [القانونان 10 و 11]؛ وهذا البرّ نفسه هو برّ الله لأنه مبثوثٌ فينا، بثّة الله واستحقاقات المسيح.
1548- يجب أن لا نغفل هذا، وهو أن الكتاب المقدس ينسب إلى الأعمال الصالحة قيمةً هكذا عظيمة حتى أن المسيح يعد من يقدّم لهؤلاء الصّغار كأس ماء بارد بأنّ أجره لن يضيع [ر متى 10 : 42؛ مر 9 : 40]؛ والرسول يعلن أن “الضيق الحاليّ الخفيف ينشئ لنا ثقلٍ مجدٍ أبدياً يفوق القياس في السموّ”. [2 كو 4 : 17]. إلاّ أنه بعيدٌ عنا التفكير في أن المسيحي يجعل ثقته في نفسه لا في الربّ ويذهب في ذلك إلى الزّهو والفخر [ر 1 كو 1 : 31؛ 2 10 : 17] وعطف الربّ على البشر، عظيمً إلى حدّ أنه يريد أن تكون مواهبه استحقاقاتٍ لهم [القانون 32؛ رَ 248].
1549- وبما أننا “جميعاً نزلٌّ كثيراً” [يع 3 : 2؛ القانون 23] يجب على كلّ واحدٍ أن يجعل أمام عينيه لا الرحمة والعطف وحسب، بل القسوة أيضاً والقضاء، ويجب أن لا نحكم على أنفسنا، حتى إذا لم يكن في وعينا أيّ خطيئة. فحياة البشر كلّها يجب أن تفحص ويحكم عليها لا بحكمٍ بشريّ بل بقضاء الله “الذي ينير خفايا الظلام ويوضح أفكار القلوب، وحينئذٍ يكون لكل واحدٍ مدحه من الله” [1 كو 4:4…] الذي، كما جاء في الكتاب، “سيجازي كل واحدٍ بحسب أعماله” [رو 2 : 6].
1550- بعد عرض التعليم الكاثوليكي في شأن البرّ [القانون 33] الذي سيناله كلّ واحدٍ بأمانةٍ وثقةٍ لكي يحصل على التبرير، رأى المجمع المقدّس أن يلحق به القوانين التالية، لكي يعرف الجميع، لا ما يجب عليهم التقيّد والعمل به وحسب، بل ما يجب عليهم أيضاً تجنبّه والهرب منه.
قوانين متعلّقة بالتّبرير
1551- ق1. إذا قال أحدٌ أن الإنسان يستطيع أن يتبرّر أمام الله بأعماله، سواء تمّت بقوى الطبيعة البشرية أو بتعليم الناموس، بدون النعمة الإلهيّة الآتية بيسوع المسيح: فليكن محروماً [ر 1521].
1552- ق2. إذا قال أحدٌ أن النعمة الإلهية الآتية بيسوع المسيح لم تُمنح إلاّ ليتمكن الإنسان من العيش بسهولةٍ في البرّ واستحقاق الحياة الأبدية، كما لو كان بإمكانه، باختياره الحرّ وبدون النعمة، الحصول عليهما، وإن بمشقةٍ وصعوبة: فليكن محروماً [ر 1514 – 1525].
1553- ق3. إذا قال أحدٌ أنّه، بدون وحي الروح القدس الواقي وبدون عونه، يستطيع الإنسان أن يؤمن، ويرجو، ويجب، أو يتوب كما ينبغي، لكي يٌمنح نعمة التبرير: فليكن محروماً [1525].
1554- ق4. إذا قال أحدٌ أنّ اختيار الإنسان الحرّ، بدافعٍ محركٍ من الله، لا يشترك في شيء عند تلبية الله الذي يدعوه بشدّة إلى الاستعداد والتأهب للحصول على نعمة التبرير، مع كونه لا يستطيع رفض التلبية، إذا شاء، ولكنه ككائن فاقد الحياة والحركة، لا يأتي بأيّ عمل ويقف موقفاً متقبّلاً، فليكن محروماً [ر 1525].
1555- ق5. إذا قال أحدٌ أن اختيار الإنسان الحرّ، بعد خطيئة آدم، قد اضمحلّ وتلاشى، أو إنّه حقيقة لم يبق منها غير الاسم، بل اسم بلا حقيقة، تخيّلٌ أدخله إبليس في الكنيسة: فليكن محروماً [1521؛ 1525؛ 1486].
1556- ق6. إذا قال أحدٌ أنّه ليس بإمكان الإنسان أن يدخل في مسالك الشرّ، وإنّ أعماله الطّالحة والصالحة هي من عمل الله، لا لأنه يسمح بها فقط، بل لأنها منه شخصياً، إلى حدّ أن خيانة يهوذا، كدعوة بولس، ليست من صنعه الشّخصيّ: فليكن محروماً.
1557- ق7. إذا قال أحدٌ أن جميع الأعمال المعمولة قبل التبرير، من أي نوع كانت، هي في الحقيقة خطايا تستحقّ سخط الله، أو أنه بقدر ما يجتهد الإنسان في محاولته التأهّب للنعمة، تزداد خطورة خطيئته: فليكن محروماً [ر 1526].
1558- ق8. إذا قال أحدٌ أن خوف جهنّم الذي يحملنا إلى اللجوء إلى رحمة الله بالتألّم على خطايانا أو على تجنّب الخطيئة، هو خطيئة، أو هو مزيد الإنسان سوءًا: فليكن محروماً [1526؛ 1456].
1559- ق9. إذا قال أحدٌ أن الكافر يبرّر بالإيمان وحده، عانياً بذلك أن لا شيء غير الإيمان ضروريّ للحصول على النعمة، وأنه ليس بحاجةٍ البتّة إلى التأهبّ والاستعداد بحركةٍ من إرادته: فليكن محروماً [ر 1532؛ 1538؛ 1465؛ 1460؛ 1461].
1560- ق10. إذا قال أحدٌ أنّ البشر يبرَّرون بمعزلٍ عن برّ المسيح الذي نال لنا به استحقاقات، أو أنهم مبرَّرون شكلياً بهذا البرّ: فليكن محروماً [ر 1523؛ 1529].
1561- ق11. إذا قال أحدٌ أن البشر يبرّرون ببرّ المسيح وحده، أو بمغفرة الخطايا وحدها، بمعزلٍ عن النّعمة والمحبّة اللَّتين يبثّهما الروح القدس في قلبهم [ر رو 5:5] ويسكن فيهم، أو أن النعمة التي بُبرَّر بها هي منّة من الله فقط: فليكن محروماً [ر 1528 – 1531؛ 1545 – 1546].
1562- ق12. إذا قال أحدٌ أن الإيمان الذي يُبرّر ليس سوى الثّقة في الرحمة الإلهية، التي تمحو الخطايا بسبب المسيح، أو إننا نبرَّر بهذه الثقة وحدها: فليكن محروماً [ر 1533 – 1534].
1563- ق13. إذا قال أحدٌ أنه لا بدّ لكل إنسانٍ يريد مغفرة خطاياه، من أن يؤمن إيماناً ثابتاً خالياً من التردّد المتأتي عن ضعفه أو عن عدم استعداده، بأن خطاياه قد غفرت: فليكن محروماً [1533 – 1534؛ 1460 = 1464].
1564- ق14. إذا قال أحدٌ أن الإنسان قد حلّ من خطاياه وبٌرّر لأنه آمن موقناً أنه حُلّ وبرّر، أو لا يبرّر إلاّ الذي يؤمن بأنه بُرّر، وإن هذا الإيمان وحده يحقق الحلّ والتبرير: فليكن محروماً [راجع ما سبق].
1565- ق15. إذا قال أحدٌ أن الإنسان المولود ولادةً جديدة ومبرّر يقضي عليه الإيمان بأن يؤمن بأنه حقاً وبلا شك في عداد المختارين: فليكن محروماً [ر 1540].
1566- ق16. إذا قال أحدٌ وأثبت إثباتاً مطلقاً ومعصوماً عن الخطأ أنه سينال الموهبة الكبرى، موهبة الثبات إلى المنتهى [ر متى 10 : 22؛ 24 : 13]، ما لم يكن قد عرف ذلك بكشفٍ خاص: فليكن محروماً [ر 1540 – 1541].
1567- ق17. إذا قال أحدٌ أنّ نعمة التبرير لا تحصل إلاّ للذين اختيروا للحياة، وإن جميع الآخرين مدعوّون ولكنهم لا ينالون النعمة لأن القدرة الإلهية اختارتهم للشرّ: فليكن محروماً.
1568- ق18. إذا قال أحدٌ أن وصايا الله لا يمكن حفظها عند الإنسان المبرّر والمقيم في النّعمة: فليكن محروماً [ر 1536].
1569- ق19. إذا قال أحدٌ أن لا شيء مأمور به في الإنجيل سوى الإيمان، وإن الأمور الأخرى غير ذات بال وغير مأمور بها، ولا ممنوعة، ولكنها متروكة للحرّية، أو أن الوصايا العشر ليست من شأن المسيحيين: فليكن محروماً [ر 1536 – 1537].
1570- ق20. إذا قال أحدٌ إن الإنسان المبرَّر، أياً كانت درجة كماله، غير مقيَّد بحفظ وصايا الله، بل بالإيمان فقط، وكأن الإنجيل لم يكن سوى مجرّد وعدٍ بالحياة الأبديّة بدون شرط حفظ الوصايا: فليكن محروماً [ر 1536 – 1537].
1571- ق21. إذا قال أحدٌ إنّ المسيح يسوع قد أٌعطي للبشر من قبل الله فادياً تجعل فيه الثقة، لا مشترعاً أيضاً تجب طاعته: فليكن محروماً.
1572- ق22. إذا قال أحدٌ أنّ المبرَّر إمّا يستطيع أن يستمرَّ في البرّ بدون عون من الله خاصّ، وإمّا لا يستطيع ذلك مع هذا العون: فليكن محروماً [ر 1541].
1573- ق23. إذا قال أحدٌ إن الإنسان الذي بُرّر لا يمكنه أن يعود إلى السقوط والخطيئة، وإن سقط فذلك دليلٌ على أنه لم يبرَّر قطّ في الحقيقة، أو بخلاف ذلك أنه يستطيع سحابة حياته كلها أن يتجنّب جميع الخطايا، حتى العرضية منها، ما لم يكن بإنعامٍ خاصٍّ من الله، كما تقول الكنيسة في شأن الطوباوية مريم: فليكن محروماً [ر 1537؛ 1549].
1574- ق24. إذا قال أحدٌ إن البرَّ الذي نيل لا يدوم، ولا ينمو أمام الله بالأعمال الصالحة، وإن هذه الأعمال ما هي سوى ثمرة البرّ الحاصل وعلامته وليست سبباً لنموّه: فليكن محروماً [ر 1535].
1575- ق25. إذا قال أحدٌ إن البارَّ يخطأ في كل عملٍ صالحٍ خطأ عرضياً على الأقلّ، أو (وذلك أكثر غرابةً) خطأ مميتاً، وهو يستحق لذلك العقوبةً الأبدية، وأنه لا يهلك بسبب ذلك إلاّ لأنّ الله لا يسحب له أعماله هذه أعمال هلاك: فليكن محروماً [ر 1539؛ 1481 – 1482].
1576- ق26. إذا قال أحدٌ أنّ الأبرار ليس لهم أن ينتظروا، لأجل أعمالهم الصالحة التي عملوها في الله [رَ يو 3: 21] ويرجوا ثواباًَ أبدياً من الله بسبب رحمته واستحقاقات يسوع المسيح، إذا ثابروا إلى المنتهى على صنع الخير وحفظ الوصايا الإلهية [رَ متى 10 : 22؛ 24 : 13]: فليكن محروماً [رَ 1538 – 1539].
1577- ق 27. إذا قال أحدٌ أن الخطيئة المميتة لا ترتكب إلاَّ بالكفر، أو أن النعمة إذا نيلت تفقد بأيّ خطيئة أخرى، أياً كان حجمها، غير خطيئة الكفر: فليكن محروماً [رَ 1544].
1578- ق28. إذا قال أحدٌ أن الإيمان يفقد إلى الأبد عندما تفقد النعمة بالخطيئة، أن أن الإيمان الباقي ليس إيماناً حقيقياً، لكونه فاقد الحياة [رَ يع 2 : 26]، أو أن من يملك الإيمان بدون المحبّة ليس مسيحياً: فليكن محروماً (راجع ما سبق).
1579- ق29. إذا قال أحدٌ إنّ من سقط بعد المعمودية لا يستطيع النهوض مع نعمة الله، أو أنه يستطيع استعادة التبرير المفقود، ولكن بالإيمان وحده، دون سرّ التوبة كما درجت عليه إلى الآن الكنيسة الرومانية الجامعة المقدسة، وحفظته وعلمته، تلك التي أخذت تعليمها عن السيد المسيح ورسله: فليكن محروماً [رَ 1542 – 1543].
1580- ق30. إذا قال أحدٌ إن كل خاطئ تائب، بعد نيله نعمة التبرير، يرى أن خطيئته قد غفرت، والحكم عليه بالعقوبة الأبدية قد أٌلغي، وقد زال كل حكم بعقوبةٍ زمنية تكفيرية في هذا العالم وفي العالم الآتي في المطهر، قبل انفتاح مدخل ملكوت السماوات: فليكن محروماً [رَ1543].
1581- ق31. إذا قال أحدٌ أن المبرّر يخطأ عندما يصنع الخير من أجل ثوابٍ أبديّ: فليكن محروماً ل[رَ 1539].
1582- ق32. إذا قال أحدٌ إن الأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان المبرّر هي مواهب الله، وليست من ثمَّ استحقاقاتٍ صالحة لإنسانٍ مبرَّر، أو أنّ المبرّر، بالأعمال الصالحة التي يعملها بنعمة الله واستحقاقات المسيح (الذي هو عضوٌ من أعضائه الحيّة)، لا يستحق في الحقيقة نموّ النعمة، والحياة الأبدية، و(إن مات في حال النعمة) الدخول إلى الحياة الأبدية، وزيادة المجد: فليكن محروماً [رَ 1548؛ 1545 – 1550].
1583- إذا قال أحدٌ أن المجمع المقدس، بهذا التعليم الكاثوليكي الذي يعرضه عن التبرير في هذا القرار، يُسيء بعض الإساءة إلى مجد الله أو إلى استحقاقات سيّدنا يسوع المسيح، ولا يبيّن بوضوح حقيقة إيماننا ومجد الله والمسيح يسوع: فليكن محروماً.
1600- 1630- الجلسة السابعة، 3 آذار 1547: مرسوم في الأسرار
يحكم المرسوم على مقولات مارتن لوتر (1520) ومواد “الاعتراف المستند إلى أوغسطينوس” (1530)، ومقولات مبلانكتون (1530).
تمهيد
1600- لإتمام هذا التعليم الخلاصي عن التّبرير الصَّادر في الدورة الأولى بإجماع الآباء، كان من الملائم أن تعالج أسرار الكنيسة المقدسة. فبهذه الأسرار يبدأ كل برٍّ حقيقي، أو إذا بدأ ينمو، أو إذا فقد يستعاد. ولهذا أراد المجمع التريدنتيني المسكوني والعام المقدس… أن يقتلع الأضاليل ويستأصل الهرطقات التي ظهرت في يومنا هذا، في شأن الأسرار المقدسة، ناشئة عن هرطقات شجبها قديماً آباؤنا، أو مستحدثة اكتشفت وتفشَّت، فأحدثت حدثاً مسيئاً إلى نقاوة الكنيسة الكاثوليكية، وإلى خلاص النّفوس، فهذا المجمع المقدس، الذي يتمسك بتعليم الكتاب المقدس، وبالتقاليد الرسولية، وبإجماع آباء المجامع الأخرى، قرَّر ورسم وأقرَّ القوانين التالية: وأمّا القوانين الباقية التي يختتم بها العمل فستنشر في ما بعد بعون الروح القدس.
قوانين في شأن الأسرار على وجهٍ عام
1601- ق1. إذا قال أحدٌ إن أسرار الناموس الجديد لم يضعها سيدنا يسوع المسيح كلَّها، أو أنها أكثر أو أقل من سبعة، هي المعمودية، والتَّثبيت، والإفخارستيا، والتوبة، ومسحة المرضى، والكهنوت، والزواج؛ أو أيضاً أن أحد هذه الأسرار السبعة ليس في الحقيقة سرّاً: فليكن محروماً.
1602- ق2. إذا قال أحدٌ إنّ أسرار الناموس الجديد هذه لا تختلف عن أسرار الناموس القديم إلاّ بالاحتفالات والطقوس الخارجية: فليكن محروماً.
1603- ق3. إذا قال أحدٌ إنّ هذه الأسرار السبعة متساوية في ما بينها بحيث لا يفضل أحدها غيره. فليكن محروماً.
1604- ق4. إذا قال أحدٌ إنّ أسرار الناموس الجديد ليست ضرورية للخلاص، وإنها ناقلة وبدونها، أو بدون الرغبة فيها، يحصل البشر من الله على نعمة التبرير [رَ 1559]، على أن المعترف به هو أنها ليست جميعها ضرورية لكل إنسان: فليكن محروماً.
1605- ق5. إذا قال أحدٌ إنّ أسرار لم توضع إلاّ لتغذية الإيمان: فليكن محروماً.
1606- ق6. إذا قال أحدٌ إنّ أسرار الناموس الجديد لا تتضمنّ النعمة التي تعبّر عنها، أو إنها لا تمنح هذه النعمة نفسها للذين لا يجعلون أمامها عائقاً [رَ 1451]، كما لو تكن سوى علامات خارجية للنعمة والبرّ اللذين يمنحها الإيمان، وإشارات الشهادة المسيحية يتميز بها المؤمنون من غير المؤمنين بين البشر: فليكن محروماً.
1607- ق7. إذا قال أحدٌ إنّ هذه الأسرار لا تمنح النعمة دائماً وللجميع، في ما هو من الله، حتى ولو نيلت كما ينبغي، بل في بعض الأحيان ولبعض الناس: فليكن محروماً.
1608- ق8. إذا قال أحدٌ إنّ النعمة لا تمنح بأسرار الناموس الجديد هذا بمجرّد القيام بها، ولكن الإيمان بالوعد الإلهي هو وحده يكفي لنيل النعمة: فليكن محروماً.
1609- ق9. إذا قال أحدٌ إنّ الأسرار الثلاثة، المعمودية والتثبيت والكهنوت، لا تطبع في النفس ختماً، أي طابعاً روحياً لا يمحى بحيث يمتنع تكرارها: فليكن محروماً,
1610- ق10. إذا قال أحدٌ إنّ لجميع المسيحيين سلطةً على كلام الأسرار وعلى منحها: فليكن محروماً.
1611- ق11. إذا قال أحدٌ إن الضرورة لا تقضي عند خدمة الأسرار، عندما يحققّونها ويمنحونها، أن تكون عندهم على الأقلّ النيّة لعمل ما تعمله الكنيسة: فليكن محروماً [رَ 1262].
1612- ق12. إذا قال أحدٌ إنّ خادماً في حال الخطأ المميت، وإن تقيَّد بكل ما هو ضروريّ لتحقيق السرّ ومنحه، لا يحقق السرَّ ولا يمنحه: فليكن محروماً [رَ 1154].
1613- ق13. إذا قال أحدٌ إن الطقوس التي تقبّلتها الكنيسة الكاثوليكية ووافقت عليها، والتي تتَّبع في منح الأسرار الاحتفالي، من الممكن الإزراء بها أو إغفالها بدون خطيئة، وفق رغبة الخدمة، أو باستطاعة أي راعي كنيسةٍ أن يستبدل بها أخرى جديدة: فليكن محروماً.
قوانين في شأن سرّ المعمودية
1614- ق1. إذا قال أحدٌ إن لمعمودية يوحنا من القوة ما لمعمودية المسيح. فليكن محروماً.
1615- ق2. إذا قال أحدٌ إن الماء الحقيقي والطبيعي ليس شيئاً ضرورياً للمعمودية، فحمل على المعنى المجازي كلام المسيح “ما لم يولد من الماء والروح” [يو 3 : 5]: فليكن محروماً.
1616- ق3. إذا قال أحدٌ إنّ التعليم الحقيقي عن سرّ المعمودية لا يوجد في الكنيسة الرومانية أمّ جميع الكنائس ومعلّمتها: فليكن محروماًَ.
1617- ق4. إذا قال أحدٌ إنّ المعمودية التي يمنحها حتى الهراطقة باسم الآب والابن والروح القدس، مع نيّة عمل ما تعمله الكنيسة، ليست معمودية حقيقية: فليكن محروماً.
1618- ق5. إذا قال أحدٌ إنّ المعمودية أمرٌ حرٌّ، أي ليست ضرورية للخلاص: فليكن محروماً [رَ 1524].
1619- ق6. إذا قال أحدٌ إنَّ المعتمد لا يمكنه، وإن أراد ذلك، أن يفقد النعمة، مهما كانت خطاياه، ما لم يرفض أن يؤمن: فليكن محروماً [رَ 1544].
1620- ق7. إذا قال أحدٌ إنّ المعتمدين لا يطلب منهم، بمعموديتهم، إلاّ الإيمان، لا التقيد بكل ناموس المسيح: فليكن محروماً.
1621- ق8. إذا قال أحدٌ إنّ المعتمدين أحرارٌ بالنسبة إلى جميع وصايا الكنيسة المقدسة، المكتوبة منها والمنقولة، بحيث أنهم ليسوا مجبرين على التقيد بها إلاّ إذا كان ذلك عفوياً وتلقائياً: فليكن محروماً.
1622- ق9. إذا قال أحدٌ إنه من الضروري تذكير الناس بمعموديتهم، بحيث يدركون أن جميع المواعد التي يعقدونها بعد المعمودية باطلة، بسبب الوعد المبرم إبّان المعمودية نفسها، كما لو كانت هذه المواعد تلحق أذى بالإيمان الذي أعلنوه وبالمعمودية نفسها: فليكن محروماً.
1623- ق10. إذا قال أحدٌ إنّ جميع الخطايا المرتكبة بعد المعمودية تغفر أو تصبح عرضية بمجرّد ذكر وإيمان المعمودية التي نيلت: فليكن محروماً.
1624- ق11. إذا قال أحدٌ إنّ المعمودية الحقيقية التي منحت بحسب الطقوس يجب تكرارها للمؤمن الذي جحد إيمان المسيح، إذا اهتدى وتاب: فليكن محروماً.
1625- ق12. إذا قال أحدٌ إنه يجب أن لا يعمّد أحدٌ إلاّ متى بلغ عمر المسيح عند اعتماده، أو عند الوفاة: فليكن محروماً.
1626- ق13. إذا قال أحدٌ إنّ الأطفال، لا يجوز أن يعدّوا من المؤمنين بعد نيلهم المعمودية، لكونهم لم يعملوا فعل إيمان، ولهذا تجب إعادة معموديتهم عندما يبلغون سنّ التميّيز، أو من الأفضل إرجاء معموديّتهم، وذلك خيرٌ من تعميدهم في إيمان الكنيسة وحده، هم الذين لا يؤمنون بفعل إيمان شخصيّ: فليكن محروماً.
1627- ق14. إذا قال أحدٌ إنه من الواجب سؤال هؤلاء الأطفال المعمَّدين هكذا، عندما يكبرون، هل يريدون الموافقة على ما وعد العرّابان باسمهم عندما تعمّدوا، وأن الذين يجيبون سلباً يجب تركهم لاختيارهم الحرّ، وعدم إكراههم على ممارسة الحياة المسيحية بأيّ عقوبةٍ من العقوبات سوى إبعادهم عن تناول الإفخارستيا وسائر الأسرار، إلى أن يتوبوا: فليكن محروماً.
قوانين في شأن سرّ التثبيت
1628- ق1. إذا قال أحدٌ إنّ تثبيت المعمَّدين احتفالٌ باطل، لا سرّ حقيقيّ، وإنه لم يكن في سالف الزَّمان سوى تعليم ديني يؤدي فيه من اقتربوا من اليفاعة حساباً عن إيمانهم في حضور الكنيسة: فليكن محروماً.
1629- ق2. إذا قال أحدٌ إنّ الذين ينسبون أي مفعول إلى ميرون التثبيت المقدس يهينون الروح القدس: فليكن محروماً.
1630- ق3. إذا قال أحدٌ إنّ خادم التَّثبيت العاديّ ليس الأسقف وحده، بل أي كاهن من الكهنة. فليكن محروماً [رَ 1318].
يوليوس الثالث: 7 شباط 1550 – 23 آذار 1555
1635- 1661– المجمع التريدنتيني: الجلسة 13، 11 تشرين الأول 1551: مرسوم في سرّ الإفخارستياد
تمهيد
1635– المجمع التريدنتيني المسكونيّ العامّ المقدس… انعقد، لا أنّه سيق وسيس بغير الرّوح القدس، وهدفه أن يعرض التعليم الحقيقيّ والقويم عن الإيمان والأسرار، ويقدّم علاجاً لجميع الهرطقات، ولسائر الأضرار الشديدة والخطيرة التي تبلبل اليوم كنيسة الله، وتقسّمها إلى فرقٍ مختلفة ومتعدّدة. إلاّ أنه عني منذ بدئه عنايةً خاصة، باقتلاع زؤان الأضاليل والهرطقات المقيتة من جذوره، ذاك الذي زرعه العدوّ في أيامنا هذه [رَ متى 13 : 15] في عقيدة الإيمان، في طقس وعبادة الإفخارستيا المقدسة، التي جعلها الربّ في كنيسته رمز الاتحاد والمحبة اللذين أراد بهما أن يكون جميع المسيحيين متّحدين ومرتبطين بعضهم ببعض. ولهذا فهذا المجمع المقدس نفسه، وهو ينقل التعليم السليم، والأصيل، في شأن سرّ الإفخارستيا الجليل والإلهي هذا، الذي حفظته دائماً وتحفظه إلى منتهى العالم، الكنيسة الكاثوليكية التي علّمها يسوع المسيح ربّنا نفسه والرسل، والتي يوحي إليها الروح القدس، يوماً فيوماً، بالحقيقة كلها [ر يو 11 : 26].
يحظر على جميع المسيحييّن التجرّؤ على اعتقاد وتعليم أو نشر، في شأن الافخارستيا المقدسة، غير ما هو مفسَّر ومحدَّد في هذا القرار.
الفصل الأوّل: الحضور الحقيقي لسيّدنا يسوع المسيح في سرّ الإفخارستيا الأقدس
1636– يُعلّم المجمع المقدس ويعلن أولاً، في وضوحٍ وفي غير مداورة، أنَّ في سرّ الإفخارستيا المقدسة، بعد تقديس الخبز والخمر، سيّدنا يسوع المسيح، الإله الحقّ والإنسان الحقّ، حاضر حضوراً حقيقياً وجوهرياً [القانون 1] تحت شكلي هاتين الحقيقيتين الحسّيتين. وليس هناك مخالفةٍ بين كون مخلّصنا نفسه جالساً أبداً في السماوات إلى يمين الآب، بوجودٍ يفوق الطبيعة، وكونه حاضراً حضوراً سرياً وجوهرياً في أماكن متعدّدة، بوجود نكاد لا نستطيع التعبير عنه بألفاظ، ونستطيع مع ذاك معرفة أنه ممكنٌ عند الله، ونؤمن بذلك إيماناً مستمراً [رَ متى 19 : 26، لو 18 : 27] بقدرتنا العقلية ينيرها الإيمان.
1637– هكذا أعلن جميع قدامانا الذين كانوا في كنيسة المسيح الحقيقية، وعالجوا هذا السرّ المقدس، أعلنوا بكل وضوح أنَّ فادينا وضع هذا السرّ العجيب في عشائه الأخير، فبعدما بارك الخبز والخمر، أكّد، بألفاظ واضحة ودقيقة، أنه يعطيهم جسده عينه ودمه عينه. هذه الأقوال التي ذكرها الإنجيليون القديسون [رَ متى 26 : 26 – 29؛ مر 14 : 22 – 25؛ لو 22 : 19 – 20] وكرّرها بعد ذلك القديس بولس [رَ 1 كو 11 : 24 – 25] هي بمعناها الذّاتي الحقيقيّ الواضح، بحسب ما فهمها الآباء. وإنه لمعثرة قبيحة جداً أن يُرى أن بعض الأشخاص المشاكسين والفاسدين يرجعونها إلى معنى مجازيّ وخيالي فارغٍ من المضمون، وينكرون حقيقة جسد المسيح ودمه، مخالفين الشعور العام في الكنيسة التي هي “عمود الحقّ وقاعدته” [1 تيم 3 : 15]، والتي تمقت من ثمَّ هذه الاختلافات الشّيطانية التي يختلقها أناسٌ كافرون، وهي التي تعرف أن تقدر أبداً بروح الحمد والشكر نعمة المسيح الجليلة هذه.
الفصل الثاني: سبب وضع هذا السرّ الأقدس
1638– عندما أزف الزَمان ليترك المخلي هذا العالم ويمضي إلى الآب، وضع هذا السرَ الذي أفاض فيه نوعاً ما غنى محبّته الإلهية للبشر، “جاعلاً لمعجزاته ذكراً” [مز 110 : 4]، وأعطانا في تناول هذا السرّ أن نحتفل بذكراه [ر لو 22 : 19؛ 1 كو 11 : 24]، وإن نخبر بموته إلى أن يأتي [1 كو 11 : 26] ليدين العالم.
لقد أراد هذا السرّ غذاءً روحياً للنفوس [رَ متى 26:26] يغذّي ويقوّي الذين يحيون بحياته [القانون 5] هو الذي قال: “من يأكلّني يحي هو أيضاً بي” [يو 6 : 57]، وبلسماً يحرّرنا من زلاّتنا اليومية، ويجنّبنا الخطايا المميتة.
وإلى ذلك أراد أن يكون عربون مجدنا الآتي وسعادتنا الأبدية، وفي الوقت نفسه رمزاً لهذا الجسد الوحيد الذي هو رأسه [رَ 1 كو 11 : 3؛ أف 5 : 23]، والذي أراد أن نكون، نحن أعضاءه، مرتبطين به بأوثق ربط الإيمان، والرجاء، والمحبة، بحيث نكون جميعاً على وحدة الكلمة، ولا يكون في ما بيننا انقسام [رَ 1 كو 1 : 10].
الفصل الثالث: امتياز الإفخارستيا بالنسبة إلى سائر الأسرار
1639– الإفخارستيا المقدسة تشترك مع سائر الأسرار في كونها “رمز حقيقة مقدّسة، وصورةً منظورةً لنعمةٍ غير منظورة”. ولكن الذي نجده فيها مميزاً وخاصاً هو أنها، بخلاف سائر الأسرار التي تملك طاقة التقديس عندما يلجأ إليها أحد، تحوي فيها صانع التقديس عندما يلجأ إليها أحد، تحوي فيها صانع التقديس نفسه قبل أن يتناولها أحد [القانون 4].
1640– إن الرسل لم يكونوا بعد قد تقبّلوا الإفخارستيا من يد الربّ [رَ متى 26 : 36؛ مر 14 : 22] عندما أعلن أنّ ما يقدّمه هو في الحقيقة جسده، وهذا ما اعتقدته أبداً كنيسة الله، أي أنه، حالاً بعد التقديس، يوجد جسد ربنا الحقيقي، ودمه الحقيقي تحت شكلي الخبز والخمر، مع نفسه وألوهته. فإذا كان الجسد موجوداً تحت شكل الخبز، والدم تحت شكل الخمر بقوّة الكلمات، فالجسد نفسه موجود أيضاً تحت شكل الخمر، والدم تحت شكل الخبز، والنَّفس تحت الشكلين، بسبب هذا الارتباط الطبيعي وهذا التلازم اللذين يجمعان أقسام المسيح الربّ في ما بينها، هو الذي قام من بين الأموات ولا يموت أيضاً [رَ رو 6 : 9]. فالألوهة متحدة بنفسه وجسده بسبب هذا الاتحاد العجيب والجوهري بينهما [القانونان 1 و 3].
1641– ولهذا فممّا لا شكّ فيه أن المسيح موجودٌ تحت هذا الشكل أو ذاك، وتحت الشكلين معاً. وهكذا فالمسيح موجودٌ كلياً وكاملاً تحت شكل الخبز، وتحت كل جزءٍ من أجزاء هذا الشكل؛ وهو موجودٌ كلياً تحت شكل الخمر وتحت كل جزءٍ من أجزاء هذا الشكل [القانون 3].
الفصل الرابع: التحوَّل الجوهريّ
1642– بما أنّ المسيح الفادي قال إن ما يقدّمه تحت شكل الخبز هو في الحقيقة جسده [رَ متى 26 : 26 – 29؛ مر 14 : 22 – 25؛ لو 22 : 19…؛ 1 كو 11 : 24 – 26]، كان من المعتقد دائماً في كنيسة الله – وهذا ما يجدّد إعلانه اليوم هذا المجمع المقدس – أنه بتقديس الخبز والخمر يتحوّل جوهر الخبز كلّه إلى جوهر جسد المسيح ربنا، وجوهر الخمر كلّه إلى جوهر دمه. هذا التحوّل سميّ بحقّ في الكنيسة الكاثوليكية المقدسة التحوّل الجوهريّ (Transsubstantiatio) [القانون 2].
الفصل الخامس: العبادة الواجبة لهذا السرّ المقدّس
1643– ولهذا لم يبق أيّ سبيلٍ إلى الشكّ في أنّ جميع المسيحيين، بحسب العادة المتَّبعة دائماً في الكنيسة الكاثوليكية، يؤدّون لهذا السرّ المقدس العبادة التي تؤدّى لله الحقيقي [القانون 6]. وهكذا فيجب أن لا تقلّ عبادة هذا السر عن تلك لأنّ المسيح ربّنا وضعه لتغذيتنا [متى 26 : 26 – 29] إذ إنّنا نؤمن أن فيه هذا الإله نفسه الذي أدخله الآب الأزلي إلى العالم قائلاً: “لتسجد له جميع ملائكة الله” [عب 1 : 6؛ رَمز 96 : 7]، هو الذي عبده المجوس ساجدين [رَ متى 2 : 11]، وهو أخيراً الذي يشهد الكتاب المقدس أن الرسل سجدوا له في الجليل [رَ متى 28 : 17؛ لوقا 24 : 52].
1644– وإلى ذلك فالمجمع المقدس يعلن أنه قد أدخلت العادة بتقوى ووقارٍ في كنيسة الله، بأن يُحتفل كلَّ سنةٍ، في يوم عيدٍ خاصّ، بهذا السرّ السنيّ والجليل، احتفال عبادةٍ خاصة وتكريم مميَّز، وبأن يحمل باحترامٍ وتعظيم في زيّاحاتٍ تطوف في الشوارع والسّاحات العامة.
وإنه لمن المستحسن جداً أن يكون هنالك أيّام مقدسة معينة يتداعى فيها جميع المسيحيين، بتظاهراتٍ فريدة وخارقة، ليعربوا عن شكرهم لسيّدهم وفاديهم هذه النعمة السامية والإلهية، التي يتمثّل فيها ظفره وانتصاره على الموت. وهكذا كان لا بدَّ للحقيقة المتغلّبة على الكذب والهرطقة من الانتصار، حتى إذا وقف أعداؤها أمام هذه العظمة الفريدة، وأمام فرحة الكنيسة الجامعة، أو إذا انهاروا في ضعفهم ذاهلين، أو إذا استولى عليهم الخزي والحياء عادوا يوماً نادمين ومكفرّين.
الفصل السادس: سرّ الإفخارستيا الذي يٌحفظ والذي يُحمل إلى المرضى
1645– عادة حفظ الإفخارستيا المقدسة في مكانٍ مقدس قديمةٌ جداً إلى حدّ أن عصر مجمع نيقية كان على علم بها. وإلى ذلك فإنّ حمل هذه الإفخارستيا المقدسة إلى المرضى، وحفظها، من أجل ذلك، في الكنائس بعنايةٍ واحترام، هما ليسا فقط أمراً عادلاً وموافقاً للعقل، بل إنهما أمرّ أقرّته مجامع كثيرة، وجرت عليه في الكنيسة الكاثوليكية عادةٌ قديمةٌ جداً. ولهذا رسم هذا المجمع المقدس أن يحافظ على هذه العادة الخلاصية والضرورية [القانون 7].
الفصل السابع: التهيّؤ لقبول سرّ الإفخارستيا كما يليق
1646– إذا كان من غير اللائق أن يقترب أحدٌ من وظيفة مقدسة إلاّ بطريقةٍ مقدسة، فلا شك أنه بقدر ما يكشف المسيحي قداسة هذا السرّ السماويّ وميزته، يجب عليه أن يحرص كلَّ الحرص على أن لا يقترب ليتقبَّله إلاّ باحترام شديد وقداسةٍ [القانون 11]، ولا سيّما إننا نقرأ للرسول هذه الكلمات المليئة بالرَّهبة: “من يأكل ويشرب بلا استحقاق إنّما يأكل ويشرب دينونةً لنفسه، إذ لم يميّز جسد المسيح” [1 كو 11 : 29]. لهذا يجب تذكير من يريد التناول بالوصية “فليختبر الإنسان نفسه” [1 كو 11 : 28].
1647– عادة الكنيسة تُظهر بوضوحٍ أنَّ هذا الاختبار ضروري لكي لا يقترب أحدٌ من الإفخارستيا وعلى ضميره خطيئة مميتة، وإن عدّ نفسه تائباً، إلا بعد اعترافٍ سرّيّ سابق.
فهذا المجمع المقدس رسم أنه يجب على جميع المسيحيين أن يمارسوا ذلك دائماً، كما يجب على الكهنة أنفسهم الذين يقضي عليهم الواجب بأن يقيموا القداس، عندما يتسنى لهم اللجوء إلى مُعرّف. وإذا اضطرَّ كاهن أن يقيم القداس، بدون اعتراف سابق، بسبب ضرورة ملحّة، وجب عليه أن يعترف في أقرب وقتٍ ممكن [رَ 2058].
الفصل الثامن: استعمال هذا السرّ العجيب
1648– في ما يتعلّق بالاستعمال ميّز آباؤنا بحكمةٍ وفطنةٍ ثلاث طرائق لتقبّل هذا السرّ المقدس. لقد علّموا أن البعض لا يتقبّلونه إلاّ سرّياً لكونهم خطأةً؛ وأن آخرين لا يتقبّلونه إلاّ روحياً: هؤلاء هم الذين يأكلون بالرغبة الخبز السماويّ الذي يقدَّم لهم مع هذا “الإيمان” الحيّ “العامل بالمحبة” [غلا 5 : 6]، ويلمسون ثمرته وفائدته؛ وأن آخرين أخيراً يتقبّلونه سرياً وروحياً [القانون 8]: هؤلاء هم الذين يختبرون أنفسهم ويتهيأون بحيث أنهم يقتربون من هذه المائدة الإلهية وعليهم حلّة العرس [رَ متى 22 : 11 – 14].
في التناول السريّ جرت العادة دائماً في الكنيسة الكاثوليكية أن العلمانيين يتقبّلون المناولة من الكهنة، وإن الكنهة المحتفلين يتناولون بأنفسهم [القانون 10]، وبما أن هذه العادة تقليدٌ رسولي وجب التقيد بها بحقّ.
1649– أخيراً يُحرّض المجمع المقدس، بعاطفةٍ أبوية، جميع الذين يحملون الاسم “مسيحيين”، ويحضّهم جملةً وأفراداً، ويحثّهم “بأحشاء رحمة الله” [لو 1 : 78] على أن يتلاقوا على قلبٍ واحد، في هذه “العلامة”، في “رابط المحبة”، هذا، في رمز توافق القلوب هذا، ذاكرين معجز عظمة ومحبة سيدنا يسوع المسيح الذي قدّم حياته الغالية فديةً لخلاصنا، وجسده غذاءً لنأكله [رَ يو 6 : 48 – 58]؛ وليؤمنوا ويجلّوا سرَّي جسده ودمه بإيمانٍ مستمرّ وثابت، وبقلبٍ متعبّد، وتقوى واحترام، بحيث يتمكّنون من أن يتقبّلوا غالباً هذا الخبز الفائق الجوهر [ر متى 6 : 11]. فليكن أبداً حياة نفسهم، وعافيةً مستمرةً لوحهم، حتى إذا تقوّوا بقوته [رَ 1 مل 19 : 8] يصبحون قادرين على بلوغ نهاية الطريق ليدخلوا إلى الوطن السماوي، حيث يغتذون بخبز الملائكة هذا بدون حجاب [رَ مز 77 : 25]، هذا الخبز الذي يأكلونه تحت الحجب السرية المقدسة.
1650– بما أنه لا يكفي قول الحقيقة إذا لم تبيَّن الأضاليل وتفنّد، قرّر المجمع المقدس أن يضيف القوانين التالية، لكي يعرف الجميع وقد اتضح التعليم الكاثوليكي اتّضاحاً جيداً، أيّ الهرطقات يجب نبذها وتجنبها.
قوانين في شأن سرّ الإفخارستيا المقدس
1651– ق1. إذا قال أحدٌ أنه في سرّ الإفخارستيا المقدس لا يوجد في الحقيقة والواقع جوهرياً جسد سيدنا يسوع المسيح ودمه، وفي الوقت نفسه ولاهوته، أي المسيح كلّه، بل قال أنها لا توجد إلاّ رمزياً وصورياً أو بالقوة: فليكن محروماً [رَ 1636؛ 1640].
1652– ق2. إذا قال أحدٌ أن جوهر الخبز والخمر، في سرّ الإفخارستيا المقدس، يبقيان مع جسد سيدنا يسوع المسيح ودمه، وأنكر هذا التحوّل العجيب والفريد لكل جوهر الخبز إلى جسده، ولكل جوهر الخمر إلى دمه، فيما يلبث شكلا الخبز والخمر، هذا التحوّل الذي تدعوه الكنيسة على وجهٍ موافقٍ جداً، تحوّلاً جوهرياً: فليكن محروماً [رَ 1642].
1653– ق3. إذا أنكر أحدٌ أن المسيح، في سرّ الإفخارستيا الموقر، يوجد بكامله تحت كل شكل، وفي كل جزء من أجزاء الشكلين بعد فصلهما: فليكن محروماً [رَ 1641].
1654– ق4. إذا قال أحدٌ إن جسد سيدنا يسوع المسيح ودمه، بعد انتهاء التقديس، ليسا في سر الإفخارستيا العجيب، ولكن عند تناولهما فقط، لا قبل ولا بعد، وإن جسد الرب الحقيقي لا يبقى في القربان أو الأجزاء المقدسة الباقية بعد التناول أو المحفوظة: فليكن محروماًً [رَ 1639…].
1655– ق5. إذا قال أحدٌ أن ثمرة الإفخارستيا المقدسة الرئيسية هي مغفرة الخطايا، أوانها لا تأتي بأي فائدة أخرى: فليكن محروماً [رَ 1638].
1656– ق6. إذا قال أحدٌ أن المسيح ابن الله الوحيد، في سر الإفخارستيا المقدس، يجب أن لا يعبد، حتى خارجياً، ويجب من ثم أن لا يحتفل به في عيدٍ خاص، ولا يُحمل باحتفال في زياحاتٍ بحسب طقس الكنيسة الجامعة المقدسة أو تقليدها، ولا يعرض علانية لعبادة الشعب، إذ أن الذين يعبدونه عم عبّاد أوثانٍ: فليكن محروماً [رَ 143…].
1657– ق7. إذا قال أحدٌ أنه من غير المسموح به أن تُحفظ الإفخارستيا المقدسة في بيت القربان، بل من الواجب توزيعها حالاً على الحاضرين بعد التقديس، أو أنه من غير الجائز أن تحمل بكرامةٍ إلى المرضى: فليكن محروماً [رَ 164].
1658– ق8. إذا قال أحدٌ أن المسيح المقدّم في الإفخارستيا يؤكل روحياً فقط لا سرّياً ولا حقيقياً أيضاً: فليكن محروماً [رَ 1648].
1659– ق9. إذا أنكر أحدٌ أن جميع المسيحيين من الجنسين، بعد بلوغهم سنَّ الرّشد، يجب عليهم أن يتناولوا كل سنة، على الأقل في عيد الفصح، وفق وصيّة أمّنا الكنيسة المقدسة: فليكن محروماً [رَ 812].
1660– ق10. إذا قال أحدٌ إنه لا يجوز للكاهن المحتفل أن يناول نفسه: فليكن محروماً [رَ 1648].
1661– ق11. إذا قال أحدٌ أن الإيمان وحده تهيّؤ كافٍ لقبول سرّ الإفخارستيا المقدس: فليكن محروماً [رَ 1646].
ولكي لا يقبل هذا السرّ العظيم بغير استحقاق فيكون للموت والدينونة، رسم هذا المجمع المقدس وأعلن أنه يجب على من يثقل ضميره خطأ مميت، وإن حكم بأنه تائب، أن يعترف قبل ذلك اعترافاً سرياً، إذا وجد معرّفاً.
إذا تجرَّأ أحدٌ وقال وعلّم ونشر بعنادٍ خلاف ذلك ودافع عن رأيه في المناقشات العامّة، فليكن محروماً [رَ 1647].
قوانين في شأن سرّ الإفخارستيا المقدس
1651- ق1. إذا قال أحدٌ أنه في سرّ الإفخارستيا المقدس لا يوجد في الحقيقة والواقع جوهرياً جسد سيدنا يسوع المسيح ودمه، وفي الوقت نفسه ولاهوته، أي المسيح كلّه، بل قال أنها لا توجد إلاّ رمزياً وصورياً أو بالقوة: فليكن محروماً [رَ 1636؛ 1640].
1652- ق2. إذا قال أحدٌ أن جوهر الخبز والخمر، في سرّ الإفخارستيا المقدس، يبقيان مع جسد سيدنا يسوع المسيح ودمه، وأنكر هذا التحوّل العجيب والفريد لكل جوهر الخبز إلى جسده، ولكل جوهر الخمر إلى دمه، فيما يلبث شكلا الخبز والخمر، هذا التحوّل الذي تدعوه الكنيسة على وجهٍ موافقٍ جداً، تحوّلاً جوهرياً: فليكن محروماً [رَ 1642].
1653- ق3. إذا أنكر أحدٌ أن المسيح، في سرّ الإفخارستيا الموقر، يوجد بكامله تحت كل شكل، وفي كل جزء من أجزاء الشكلين بعد فصلهما: فليكن محروماً [رَ 1641].
1654- ق4. إذا قال أحدٌ إن جسد سيدنا يسوع المسيح ودمه، بعد انتهاء التقديس، ليسا في سر الإفخارستيا العجيب، ولكن عند تناولهما فقط، لا قبل ولا بعد، وإن جسد الرب الحقيقي لا يبقى في القربان أو الأجزاء المقدسة الباقية بعد التناول أو المحفوظة: فليكن محروماًً [رَ 1639…].
1655- ق5. إذا قال أحدٌ أن ثمرة الإفخارستيا المقدسة الرئيسية هي مغفرة الخطايا، أوانها لا تأتي بأي فائدة أخرى: فليكن محروماً [رَ 1638].
1656- ق6. إذا قال أحدٌ أن المسيح ابن الله الوحيد، في سر الإفخارستيا المقدس، يجب أن لا يعبد، حتى خارجياً، ويجب من ثم أن لا يحتفل به في عيدٍ خاص، ولا يُحمل باحتفال في زياحاتٍ بحسب طقس الكنيسة الجامعة المقدسة أو تقليدها، ولا يعرض علانية لعبادة الشعب، إذ أن الذين يعبدونه عم عبّاد أوثانٍ: فليكن محروماً [رَ 143…].
1657- ق7. إذا قال أحدٌ أنه من غير المسموح به أن تُحفظ الإفخارستيا المقدسة في بيت القربان، بل من الواجب توزيعها حالاً على الحاضرين بعد التقديس، أو أنه من غير الجائز أن تحمل بكرامةٍ إلى المرضى: فليكن محروماً [رَ 164].
1658- ق8. إذا قال أحدٌ أن المسيح المقدّم في الإفخارستيا يؤكل روحياً فقط لا سرّياً ولا حقيقياً أيضاً: فليكن محروماً [رَ 1648].
1659- ق9. إذا أنكر أحدٌ أن جميع المسيحيين من الجنسين، بعد بلوغهم سنَّ الرّشد، يجب عليهم أن يتناولوا كل سنة، على الأقل في عيد الفصح، وفق وصيّة أمّنا الكنيسة المقدسة: فليكن محروماً [رَ 812].
1660- ق10. إذا قال أحدٌ إنه لا يجوز للكاهن المحتفل أن يناول نفسه: فليكن محروماً [رَ 1648].
1661- ق11. إذا قال أحدٌ أن الإيمان وحده تهيّؤ كافٍ لقبول سرّ الإفخارستيا المقدس: فليكن محروماً [رَ 1646].
ولكي لا يقبل هذا السرّ العظيم بغير استحقاق فيكون للموت والدينونة، رسم هذا المجمع المقدس وأعلن أنه يجب على من يثقل ضميره خطأ مميت، وإن حكم بأنه تائب، أن يعترف قبل ذلك اعترافاً سرياً، إذا وجد معرّفاً.
إذا تجرَّأ أحدٌ وقال وعلّم ونشر بعنادٍ خلاف ذلك ودافع عن رأيه في المناقشات العامّة، فليكن محروماً [رَ 1647].
1667- 1719– الجلسة 14، 25 تشرين الثاني 1551
1) تعليم في سرّ التوبة
تمهيد
1667– المجمع التريدنتينيّ المسكونيّ والعام المقدس… توسّع في الكلام، حين عالج قرار التبرير [رَ 1542…؛ 1597] على سرّ التوبة، وقد دعت إلى ذلك الضرورة بسبب ما بين الموضوعات من علاقة. مع ذلك فكثرة الأضاليل المختلفة في موضوع هذا السرّ قد تضخّمت إلى حدّ أنه بدا من الواجب والمفيد عموماً أن يعطى له تحديد أكثر دقةً وأشدّ استيفاءً. ومتى تكشّفت الأضاليل كلها ونبذت، بمعونة الروح القدس، يصبح التعليم الكاثوليكي واضحاً ودقيقاً. هذا ما يعرضه المجمع المقدس لجميع المسيحيين حتى يحفظوه دائماً.
الفصل الأول: ضرورة سرّ التوبة ووضعه
1668– لو كان للمولودين ولادةً جديدةً عرفانٌ عظيم لجميل الله إلى حدّ أن يحفظوا باستمرارٍ البرارة التي نالوها بمعمودية عطفه ونعمته، لما كان من الضروريّ وضع سرٍّ آخر غير المعمودية لأجل مغفرة الخطايا [القانون 2]. ولكن بما أن “الله غنيٌّ بالرحمة” [أف 2 : 4]، “عالمٌ بجبلتنا” [مز 102 : 14] أعطى أيضا دواءً يعيد الحياة إلى الذين أسلموا ذواتهم إلى عبودية الخطيئة وسلطان إبليس: سرَّ التوبة [القانون1] الذي يجري نعمة موت المسيح على الذين سقطوا بعد المعمودية.
1669– كانت التوبة ضرورية في كل حين، لجميع الناس الذي تلطّخوا بإحدى الخطايا المميتة، حتى ينالوا النعمة والبرّ، وللذين كانوا قد طلبوا الاغتسال بسرّ المعمودية أيضاً، حتى إذا نبذوا الشرّ وتخلّصوا من كل نجاسة، يمقتون إهانة لله هكذا عظيمة، ويشعرون بكرهٍ شديدٍ للخطيئة وبوجع مقدس في نفوسهم. وقد قال النبيّ: “توبوا واستتييوا بحسب جميع معاصيكم” [مز 18 : 30]. وقال الرب أيضاً: “إن لم تتوبوا تهلكوا جميعكم كذلك” [لو 13 : 3]. ورأس الرسل، بطرس، كان يقول للخطأة الذين كانوا سيتقبّلون المعمودية محرّضاً على التوبة: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم” [أع 2 : 38].
1670– ولكن قبل مجيء المسيح لم تكن التوبة سرّاً، وبعد مجيئه لم تكن قطّ سراً لأحدٍ قبل المعمودية. وقد وضع الربّ سرّ التوبة هذا بنوع خاصٍّ بعد قيامته من الموتى، عندما نفخ في تلاميذه قائلاً: “خذوا الروح القدس، فمن غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت” [يو 20 : 22 – 23].
فأن يكون، بحدثٍ خارق العادة، وبكلام شديدا الوضوح، سلطان مغفرة الخطايا وإمساكها، لمصالحة المؤمنين الساقطين بعد المعمودية، قد أعطي للرسل وخلفائهم الشرعيين، هذا قد فهمه الآباء دائماً وبالإجماع [القاونو 3]؛ وكانت الكنيسة على حقٍّ عندما نبذت وشجبت أتباع نوفاتيانس على أنهم هراطقة لإنكارهم قديماً بعناد سلطة مغفرة الخطايا.
ولهذا يوافق هذا المجمع المقدس على هذا المعنى الأصيل في كلام الربّ ويتبنّاه، ويشجب التفسيرات الكاذبة للذين يحولون خطأ معنى هذا الكلام ليطبّقوه على سلطة الكرازة بكلمة الله وإنجيل المسيح، وليرفضوا وضع هذا السرّ.
الفصل الثاني: الفرق بين سرّ التوبة والمعمودية
1671– وإلى ذلك يبدو بوضوح أن هذا السرّ يختلف عن المعمودية من عدّة وجوه [القانون 2]. ففضلاً عن أن المادة والصورة اللتين يتألف منهما جوهر هذا السرّ تختلفان اختلافاً شديداً، فمن الواضح جداً أنه لا يجوز لخادم سرّ المعمودية أن يكون قاضياً، لأن الكنيسة لا تتوجّه بالحكم على أحد قبل أن يدخل الكنيسة من باب المعمودية. يقول الرسول: “إن الذين من الخارج ليس لي أن أدينهم” [1 كو 5 : 12].
والأمر غير الأمر بالنسبة إلى الذين من أسرة الإيمان [رَ غلا 6 : 10]، إلى الذين جعلهم السيد المسيح نهائياً أعضاء جسده، بغسل المعمودية [رَ 1 كو 12 : 12 -13]. فقد أراد لهؤلاء، إذا تلطّخوا بعد ذلك بخطيئةٍ ما، أن لا يغتسلوا بمعمودية مكرَّرة، إذ أنّ ذلك محظور في الكنيسة الكاثوليكية، بل أن يتقدّموا كمذنبين أمام هذه المحكمة، لكي يتمكّنوا من التَّحرر، بحكم الكهنة، لا مرّةً واحدة، بل كلّ مرةٍ يندمون فيها على الخطايا المقترفة ويلجأون إليها.
1672– وإلى ذلك فثمرة المعمودية غير ثمرة التوبة. فعندما نلبس المسيح بالمعمودية [رَ غلا 3 : 27]، نصبح فيه خليقةً جديدةً، ونحصل على مغفرة كاملة لجميع الخطايا. وبسرّ التوبة لا نستطيع البتّة الوصول إلى هذه الجدّة وإلى هذا الكمال، بغير دموعٍ غزيرة وشدائد كثيرة، وهذا ما تقضي به العدالة الإلهية. ولهذا قال الآباء بحقٍّ عن التوبة أنها “معمودية مشقّة”. فسرّ التوبة ضروريّ لخلاص الذين سقطوا بعد المعمودية، كما المعمودية نفسها للذين لم يولدوا بعد ولادة جيدة [القانون 6].
الفصل الثالث: أقسام السرّ وثماره
1673– وإلى ذلك يعلّم المجمع المقدس أن صورة سرّ التوبة، التي تكمن فيها قوته بنوعٍ خاص، هي في قول الخادم: “أحلّك… إلخ” ويضاف إلى هذا القول، إضافة حميدة، بعض الصلوات التي تعوّدت الكنيسة أن تضيفها، إلاّ أنّها خارجةٌ تماماً عن مكونات هذه الصورة، وغير ضرورية لمنح السرّ.
أمّا ما هو بمثابة مادة هذا السرّ، فهي أفعال المعترف نفسه، أي الندامة، والاعتراف، والكفارة (القانون 4)؛ وبقدر ما تطلب هذه الأفعال الموضوعة إلهياً، لكمال السرّ عند المعترف، ولمغفرةٍ كاملة وشاملة للخطايا، يقال عنها إنّها أقسامٌ من التوبة.
1674– في ما يتعلّق بقوة السرّ وفاعليته فالمصالحة مع الله هي ما يحققه ويبلغ إليه؛ وهو، عند الأتقياء الذين يتقبلونه بتقوى وعبادة، يتحوّل عادةً إلى سلامٍ وصفاء، ويبعث في النفس عزاءً روحياً عظيماً.
1675– وفيما يقول المجمع المقدس كلَّ هذا عن أقسام السرّ ومفعوله، يشجب في الوقت نفسه أقوال من يذهبون إلى أنّ المخاوف التي تستولي على الضمير، والإيمان هي أقسام التوبة (القانون 4).
الفصل الرابع: النّدامة
1676– الندامة التي تحتل المكان الأول بين أفعال المعترف التي سبق الكلام عليها، هي توجّع في النفس ومقتٌ للخطيئة المقترفة، وتصميم على عدم السقوط لاحقاً. وحركة الندامة هذه كانت في كل زمان ضرورية للحصول على غفران الخطايا، وعند من سقط بعد المعمودية تهيّئ أيضاً لغفران الخطايا إذا اقترنت بالثقة في رحمة الله وبالرغبة في عمل كلّ ما تبقى وكان ضرورياً لتقبّل هذا السرّ كما ينبغي.
فيقرّر المجمع المقدس أن هذه الندامة لا تقتصر على ترك الخطيئة، والقصد، وبدء حياةٍ جديدة، بل على كره الحياة القديمة، وفق الأقوال التالية: “انبذوا عنكم جميع معاصيكم التي عصيتم بها واصنعوا لكم قلباً جديداً وروحاً جديداً” (حز 18 : 31).
فالذي يصغي لصراخات القديسين هذه: “إليك وحدك خطئت وأمام عينيك صنعت الشرّ” (مز 5 : 6)؛ “قد أعييت في زفيري. في كلّ ليلةٍ أغمر سريري بدموعي” (مز 6 : 7؛ “أتذكر جميع سنيَّ بمرارة نفسي” (أش 38 : 15)، ولأخرى غيرها، يدرك بسهولةٍ أنّها صاردة عن كره شديد للحياة الماضية، وعن مقتٍ للخطايا لا حدّ له.
1677– وإلى ذلك يعلّم المجمع المقدس أنّ هذه الندامة قد تصبح كاملةً بالمحبة فتصالح الإنسان مع الله قبل التقبّل الفعليّ لهذا السرّ، ومع ذلك فيجب أن لا تنسب هذه المصالحة إلى الندامة وحدها بمعزلٍ عن الرغبة في تقبّل السرّ، الرغبة التي تحتوي عليها ضمناً.
1678– الندامة غير الكاملة (القانون 5) التي تسمى توبة الخوف، لأنّها تنشأ إمّا عن تصور لشناعة الخطيئة، وإمّا عن خوفٍ من جهنم ومن العقوبات، إذا خلت من إرادة العودة إلى الخطيئة وكانت مقرونة برجاء الحصول على المغفرة، فالمجمع المقدس يعلن أنّها لا تجعل الإنسان مرائياً وأكثر إغراقاً في الخطيئة [رَ 1456]، بل إنّها بالأحرى هبةٌ من الله، ودفعة من الروح القدس الذي لم يسكن بعد الإنسان التائب، ولكنّه يحرّكه فقط، ويشدّ أزره، لكي يهيّئ لنفسه الطريق إلى البرّ. وإنّها وإن كانت بدون سرّ التوبة لا تستطيع بذاتها أن تقود الخاطئ إلى البرّ، فإنها مع ذلك تهيّئه للحصول على نعمة الله في سرّ التوبة. فأهل نينوى عندما حرّكهم هذا الخوف لمنفعتهم إذ نهض في وجههم يونان بتهديداته الرهيبة تابوا توبةً كاملة وحصلوا على رحمة الله (يونان 3).
لذلك ينتاب بعض الكتاب الكاثوليكيين خطأ، كما لو أنّهم علّموا أنّ سرّ التوبة يمنح النعمة بدون أيّ تحرك صالح من الذين ينالونه، فكنيسة الله لم تعلم قطّ هذا التعليم، ولم تفكّر قطّ هذا التفكير، ولكن من الخطأ التعليم الذي يذهب إلى أنّ الندامة مبتزّة ومنتزعة انتزاعاً، وليست عمل إرادةٍ حرّة. (القانون 5).
الفصل الخامس: الاعتراف
1679– في موضوع وضع سرّ التوبة الذي فسّرناه كان موقف الكنيسة الجامعة الدائم، أنّ الاعتراف الكامل بالخطايا هو من وضع الربّ أيضاً (رَ يع 5 : 16؛ يو 1 : 9؛ لو 5 : 14؛ 17 : 14) وأنّه حقّ إلهيّ ضروريّ على جميع الذين سقطوا بعد المعمودية (القانون 7). عندما كان سيدنا يسوع المسيح على أهبة الصعود من الأرض إلى السماء ترك الكهنة ليقوموا مقامه (رَ متى 16 : 19؛ 18 : 18؛ يو 30 : 23) على أنّهم رؤساء محكمة وقضاة تحال إليهم جميع الخطايا المميتة التي قد يسقط فيها المسيحيّون حتى يصدروا، بقوة سلطان المفاتيح، الحكم الذي يغفر أو يمسك الخطايا. وإنّه من الواضح أنّ الكهنة لا يستطيعون ممارسة هذا الحكم إذا لم يكونوا على علم بالسبب، ولا يستطيعون أن يعملوا بعدل في إقرار العقوبات إذا أقرّ المعترفون بخطاياهم بطريقة عامة لا بذكر الأنواع ولا بالتدقيق.
1680– فيكون من ذلك أنّ على المعترفين، في الاعتراف، أن يعدّدوا جميع الخطايا المميتة التي يتذكرونها، بعد فحصٍ جدّي لضمائرهم، حتى لو كانت تلك الخطايا خفيةً جداً ومرتكبة ضدّ الوصيتين الأخيرتين من الوصايا العشر (رَ خر 20 : 17؛ تث 5 : 21؛ متى 5 : 28): هذه الخطايا تجرح النفس أحياناً جرحاً أبلغ، وتكون أشدَّ خطراً من التي ترتكب على عيون الآخرين. أمّا الخطايا العرضية التي لا تفقدنا نعمة الله، والتي كثيراً ما نسقط فيها، فإنّه وإن كان من العدل ومن المفيد أن تذكر في الاعتراف (القانون 7). كما يظهر ذلك في سلوك الأتقياء، إلاّ أنّه يمكن السكوت عنها في غير خطأ، والتكفير عنها بعلاجاتٍ أخرى كثيرة. ولكن بما أنّ الخطايا الأخرى المميتة، حتى التي ترتكب بالفكر، تجعل البشر “أبناء غضب” (أف 2 : 4) وأعداء الله، فمن الضروري أن يطلب عنها المغفرة من الله باعتراف صريح ومليء بالاتضاع.
ولهذا فعندما يعمل المسيحيون على الاعتراف بجميع ما يتذكرون من الخطايا، يعرضونها، بدون شكّ لمغفرة الرحمة الإلهية (القانون 7). والذين يسلكون غير هذا المسلك، ويخفون باختيارهم بعض هذه الخطايا لا يعرضون على رحمة الله شيئاً يغفر بوساطة الكاهن. وهكذا “إذ خجل المريض ولم يكشف للطبيب عن الجرح، فالعلاج لا يشفي ما يجهله”.
1681– وإذ كان الأمر كذلك وجب، في الاعتراف، إيضاح الظروف التي تغير نوع الخطيئة، (القانون 7) وإلاّ بقيت الخطايا غير معروضةٍ عرضاً كاملاً من قبل المعترف، وغير معروفةٍ معرفةً كاملة من قبل القضاة، فيستحيل من ثمَّ على هؤلاء أن يزنوا خطورة الخطايا والعقوبة التي تقضيها. وإنّه لمن التجنّي أن يعلّم بعضهم أنّ هذه الظروف من اختراع أناسٍ عاطلين عن العمل، أو انّه يجب الاقتصار في الاعتراف على ظرف واحد كأن يقول الإنسان أخطأت ضدّ أخي.
1682– وإنّه لمن الكفر أن يقال إنّ الاعتراف المفروض عمله على هذه الصورة أمرٌ مستحيل (القانون 8)، أو أن يدعى عذاب الضمائر؛ فإنّه من الواضح أن لا شيء في الكنيسة يطلب من المعترفين سوى فحصٍ للضمير جدّي، يتناول جميع المواطن الخفيّة والظاهرة فيه، والاعتراف بالخطايا التي يتذكّرون أنّهم أهانوا بها ربّهم وإلهم إهانةً جسيمة. أمّا الخطايا الأخرى التي خفيت عن التحرّي الجدّي فلا ريب أنها دخلت في مجموعة ما اعترف به. ولأصحابها نقول ما قاله النبي: “نقّني من الخفايا يا ربّ” (مز 19 : 13). إنّ صعوبة مثل هذا الاعتراف والخجل المتأتّي من واجب الكشف عن الخطايا قد يبدوان عبئاً ثقيلاً لو لم يعمل على تخفيفهما عدد الفوائد والتَّعزيات وأهميتها التي توفرها، في غير ريب، لجميع الذين يقتربون من هذا السرّ كما يليق.
1683– أمّا في شأن الاعتراف السرّي أمام كاهنٍ منفرد، فالمسيح لم يمنع أن يعترف الإنسان بخطاياه علانيةً عقاباً للخطايا وعمل تواضع شخصياً، ومثلاً صالحاً لفائدة الآخرين، وبناءً للكنيسة التي أهينت. إلاّ أنّ هذا المبدأ، لم يصدر عن وصيّة إلهية، ولا يكون من الفطنة أن يقرَّ شرعٌ بشريّ وجوب الكشف عن الخطايا باعترافٍ علنيّ، ولا سيّما الخطايا السرية (القانون 6).
وأقدم الآباء وأشدّهم قداسةً أجمعوا على التحريض دائماً على الاعتراف السرّي غير العلنيّ، الذي مارسته الكنيسة منذ البدء وما زالت تمارسه الآن، وهكذا فباطلة ومردودةٌ الافتراءات الكاذبة التي يطلقها أولئك الذين يتجرَّأون ويعلمون أنّ هذا الاعتراف غريبٌ عن وصية الله، وأنّه اختراع بشريّ ابتدأ مع الآباء المحترمين في المجمع اللاتراني الرابع (القانون8). فالكنيسة لم ترسم في المجمع اللاتراني أن يعترف المسيحيون – كانت قد أدركت أنّ ذلك كان ضرورياً وأنّه من وضع إلهيّ – ولكنّها رسمت أن يجري الاعتراف مرّةً في السنة على الأقل، يقوم به جميع من أدركوا سنّ الرشد. ومن هنا كان التقيّد بعادة الاعتراف الخلاصية هذه في زمن الصوم المقدس والمؤاتي، العادة الجزيلة الفائدة للنفوس، والتي يؤيّدها هذا المجمع المقدس تأييداً شديداً، ويتبناها على أنّها تقيّة، وإنّه من الواجب الحفاظ عليها. (القانون 8؛ رَ 812).
الفصل السادس: خادم هذا السرّ والحلّ
1684– في ما يتعلّق بخادم هذا السرّ، يقرّ المجمع المقدس أنّ جميع التعاليم التي يمدّ ضلالها سلطة المفاتيح إلى جماعات مختلفةٍ من الناس غير الأساقفة والكهنة، تعاليم خاطئة وبعيدة كلياً عن حقيقة الإنجيل (القانون 10). أصحابها يعتقدون أن كلام الربّ “كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكلّ ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء” (متى 18:18) و”من غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت” (يو 20 : 23) قد وجّه إلى جميع المسيحيين في غير تمييز، خلافاً لوضع السرّ، بحيث إنّ لكلّ إنسان سلطة الحلّ من الخطايا، الخطايا العلنية بعقوبةٍ تفرض على الخاطئ بموافقته، والخطايا الخفية باعترافٍ عفويّ لأيّ إنسان.
والمجمع المقدس يعلم أيضاً أنّ الكهنة الذين في حال الخطيئة المميتة أنفسهم يمارسون، بكونهم خدمة المسيح، وظيفة الحلّ من الخطايا بقوّة الروح القدس التي تقبّلوها بالرسامة، وإنّه لمن الخطأ في الرأي الادّعاء أنّ هذه السلطة لا توجد إلاّ عند الكهنة الطالحين.
1685– وإن كان حلّ الكاهن منح موهبةٍ لا يملكها، فهو ليس مجرَّد خدمةٍ للتبشير بالإنجيل أو لإعلان مغفرة الخطايا، ولكنّه صورةٌ لعملٍ قضائي يصدر عنه الكاهن حكماً لا يختلف عن حكم القاضي (القانون 9).
ولهذا يجب على المعترف أن لا يجعل جلَّ اعتماده على الإيمان الذي يحسب أنّه، وإن لم تكن هنالك أيّ ندامة، وإن لم تكن عند الكاهن نية العمل بجدية وإعطاء الحلّ على حقيقته، محلولٌ حقاً أمام الله بسبب إيمانه فقط. فالإيمان لا يحلّ الخطايا بدون التوبة، والذي يشعر أنّ الكاهن يمنحه الحلّ مزاحاً ولا يطلب كاهناً آخر يعمل بجدية، يكون خلاصه ضحية إهماله (رَ 1462).
الفصل السابع: حفظ الحالات
1686– بما أنّ طبيعة القضاء وقوامه يقضيان بأن يقع الحكم على أشخاصٍ، كان الاقتناع الدّائم في كنيسة الله – وهذا المجمع يثبت حقيقة ذلك – بأنّ الحلّ الذي يصدر عن كاهنٍ ليس له، على من يحلّه، سلطةٌ عادية أو تفويضية، هو حلّ باطلٌ ولا قيمة له.
1687– ولكن هنالك قضية رأى الآباء القديسون أنها تتعلّق بنوع خاص بنظام الشعب المسيحيّ: وهي أنّ بعض الخطايا، ممّا هو جسيم وفظيع، لا يستطيع أيّ كاهنٍ أن يحلّها، فتحفظ لذوي الدرجات العليا. ولهذا رأى بحقٍّ الأحبار الأعظمون، بما منحوا من سلطةٍ عليا في الكنيسة الجامعة، أن يحفظوا لحكمهم الخاصّ بعض القضايا الجرمية الأشدّ خطورة.
ولا مجال للشك، وكل ما يأتي من الله يأتي مرتباً (رو 13 : 1)، في أنّه يجوز ذلك لكلّ أسقفٍ، في أبرشيّته الخاصة، للبنيان لا للهدم” (2 كو 10 : 8؛ 13 : 10)، بما منحوا من سلطة على رعاياهم تفوق سلطة الكهنة الآخرين، ولا سيّما في ما يتعلّق بالخطايا الواقعة تحت عقوبة الحرم. وإنّه ليتَّفق مع السلطة الإلهية أتفاقاً تاماً أن يكون لحفظ الخطايا هذا مفعول ليس في النظام الخارجي وحسب، بل أمام الله أيضاً. (القانون 11).
1688– ولكي لا يتعرّض أحدٌ للهلاك بسبب ذلك، حرصت كنيسة الله أبداً وبكلّ تقوى على أن يُلغى كلّ حفظٍ في ساعة الموت، وأن يكون لجميع الكهنة السلطة عند ذلك لحلّ جميع الخاطئين من جميع خطاياهم وما قد يكون عليهم من عقوبات. وفي غير حال خطر الموت، يبقى للكهنة، وهم غير قادرين على الحلّ من المحفوظ، أن يقنعوا الخطأة باللجوء إلى القضاة الأعلين والشرعييّن لكي يحصلوا على الحلّ.
الفصل الثامن: ضرورة الكفّارة وثمرتها
1689– أخيراً في ما يتعلّق بالكفارة – وهي من بين جميع أقسام التوبة التي حرّض عليها آباء الشعب المسيحيّ قديماً، ما راح في هذه الأيام أناس عليهم ظواهر التقوى وقد أنكروا قوّتها (رَ 2 تيم 3 : 5) يتنكرّون لها بشدّة متستّرين بستار التقوى – فالمجمع المقدس. يعلن أنّه من الخطأ الفادح ومن المخالف لكلام الله، أن يقال إنّ الخطيئة لا يغفرها الربّ أبداً بدون أن يصفح عن كامل العقوبة أيضاً (القانونان 12 و 15) وإننّا نجد في الكتاب المقدس أمثالاً واضحةً ومعروفةً جداً، بقطع النظر عن التقليد الإلهي، تدحض بوضوح هذه الضلالة (رَ تك 3 : 16 – 19؛ عد 12 : 14…؛ 20 : 11…، 2…، 12 : 13 – 14).
1690– يبدو أنّ من مفهوم العدل الإلهي أن يقضي على من خطئوا عن جهلٍ قبل المعمودية، بأن يستعيدوا حال النعمة، على خلاف من تحرّروا من عبودية الخطيئة وإبليس بعدما نالوا موهبة الروح القدس، فلم يتورّعوا من إفساد هيكل الله بإرادتهم واختيارهم (رَ 1 كو 3 : 17) وإحزان الروح القدس (رَ أف 4 : 30). ومن الموافق أن لا تغفر الرحمة الإلهية خطايانا بدون أيّ كفارة، بحيث نغتنم الفرصة ونستخفُّ خطايانا فنسقط في أقبح منها مهينين الروح القدس (رَ عب 10 : 29) ومدَّخرين لنفسنا غضباً ليوم الغضب (رَ رو 2 : 5؛ يع 5 : 3). فلا شكّ في أنّ هذه العقوبات التكفيرية تبعد جداً عن الخطيئة، وتكبح كالمكابح، وتجعل التائبين أشدّ فطنة واحتياطاً للمستقبل، إنّها أيضاً علاجٌ لمخلّفات الخطيئة، وهي تنزع العادات القبيحة التي خلّفتها حياةٌ فاسدة، وتحمل على ممارسة الأعمال الفاضلة المخالفة لتلك العادات.
وما من سبيل رأتها كنيسة الله أشدّ أماناً للإبعاد العقوبة التي يهدّد بها الربّ (رَ متى 3 : 2؛ 8 : 4 : 17؛ 11 : 21) من الانقطاع إلى أعمال التوبة بقلبٍ منكسر. يضاف إلى ذلك أنّنا عندما نتألم في التكفير عن خطايانا نتشبَّه بالمسيح يسوع الذي كفّر عن خطايانا (رَ رو 3 : 10؛ يو 2 : 1 – 2)، والذي كفايتنا منه (رَ 2 كو 3 : 5)، واثقين ثقةً تامةً أنّنا إذا تألمنا معه نتمجد أيضاً معه (رو 8 : 17).
1691– ولكن هذه الكفّارة التي نقوم بها لأجل خطايانا، هي من صنعنا كما هي صنع يسوع المسيح، إذ إنّنا نحن الذين لا نستطيع شيئاً بأنفسنا، نستطيع كل شيء بمعونة الذي يقوّينا (رَ فيل 4 : 13). وهكذا فليس للإنسان شيء يفخر به، ولكن فخرنا كلّه في المسيح (رَ 1 كو 1 : 31؛ 2 كو 10 : 17؛ غلا 6 : 14)، الذي به نحيا (أع 17 : 28)، وبه نستحق، وبه نكفّر، مثمرين ثماراً تليق بالتوبة (لو 3 : 8؛ متى 3 : 8) ثماراً تستمدّ منه قوّتها، وهو يرفعها إلى الآب، والآب يتقبّلها به (القانون 13…).
1692– فعلى كهنة الرب، بقدر ما يوحي إليهم الروح والفطنة، أن يفرضوا الكفّارات الخلاصية الملائمة، بالنّظر إلى طبيعة الخطايا وإمكانات التائبين. فإذا راحوا يغضّون أنظارهم عن الخطايا، ويتساهلون مع التائبين فارضين أموراً طفيفة عن خطايا جسيمة جداً، يشتركون في خطايا غيرهم (1 تيم 5 : 22). فليجعلوا أمام عيونهم أنّ الكفّارة التي يفرضونها لا تهدف فقط إلى الحفاظ على الحياة الجديدة وإلى الشفاء من الضعف، ولكنّها تهدف أيضاً إلى الاثّئار من الخطايا القديمة وإلى معاقبتها. فالآباء الأقدمون علّموا هم أيضاً واعتقدوا أنّ سلطة المفاتيح أعطيت للكهنة لا ليحلّوا فقط، بل ليربطوا أيضاً (رَ متى 16 : 19؛ 18: 18؛ يو 20 : 23؛ (القانون59.
ولم يذهبوا، بسبب ذلك، إلى أن يروا في سرّ التوبة محكمة غضبٍ وعقوبة – هذا ما لم يره قط أيّ كاثوليكي – ولا أنّ قوّة استحقاق سيدنا يسوع المسيح قد عُتّم عليها أو نُقصت في قسم منها بسبب كفاراتنا هذه. وإذ لم يرد المجدّدون أن يفهموا ذلك راحوا يعلّمون أنّ أفضل توبة تكون في حياةٍ جديدة (رَ 1457)، كما راحوا يفرغون الكفّارة من أيّ قوّة وأيّ مفعول، ويندّدون باللجوء إليها (القانون 13).
الفصل التاسع: الأعمال التكفيرية
1693– المجمع يعلّم أنّ جود الله واسعٌ جداً بحيث إنّه ليس فقط العقوبات التي نفرضها تلقائياً على أنفسنا شجباً للخطيئة أو التي تفرضها إرادة الكاهن وفق جسامة الخطيئة، ولكن (وذلك علامة حبّ عظيم) المحن الزمنية أيضاً التي ينزلها الله ونتحمّلها بصبرٍ، من شأنها أن تكفّر أمام الله الآب بالمسيح يسوع. (القانون 3).
قوانين في شأن سرّ التوبة المقدّس
1701– ق1. إذا قال أحدٌ إن التوبة، في الكنيسة الكاثوليكية، ليست في الحقيقة سراً وضعه المسيح ربنا لمصالحة المؤمنين مع الله كلّما سقطوا في الخطيئة بعد المعمودية: فليكن محروماً (رَ 1668- 1670).
1702– ق2. إذا خلط أحدٌ الأسرار وقال أن المعمودية نفسها هي سرّ التوبة، كما لو كان هذان السّرّان غير متميّزين، وإنّه من ثمّ غير صوابيّ أن يقال للتوبة “خشبة الخلاص الثانية” : فليكن محروماً (رَ 1671…، 1542).
1703– ق3. إذا قال أحدٌ إنّ كلام الرب والمخلّص هذا “خذوا الروح القدس، فمن غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت” (يو 20 : 22 – 23) يجب أن لا يفهم على أنّه سلطة غفران الخطايا أو إمساكها في سرّ التوبة كما فهمته الكنيسة الكاثوليكية منذ البدء، فقاوم وضع هذا السرّ وحوّل معنى الكلام إلى سلطة التبشير بالإنجيل: فليكن محروماً (رَ 1670).
1704– ق4. إذا أنكر أحدٌ أنّ مغفرة الخطايا الكاملة تقتضي من التائب ثلاثة أفعال على أنّها مادة سرّ التوبة هي: الندامة، والاعتراف، والكفّارة، ويقال لها أقسام التوبة الثلاثة؛ أو قال: إنّ في التوبة قسمين: الهلع المسيطر على الضمير أمام خطيئته، والإيمان النابع من الإنجيل، أو الحلّ القائم على الإيمان بأنّ المسيح غفر الخطايا: فليكن محروماً. (رَ 1673؛ 1675).
1705– ق5. إذا قال أحدٌ أن الندامة التي يهيّئها الفحص، والتذكر وكره الخطايا، والتي يستعرض فيها الإنسان حياته في مرارة قلب (رَ أش 38 : 15)، وازناً فداحة خطاياه، وكثرتها، وقباحتها، وخسارة السعادة الأبدية وما يتبعها من هلاكٍ أبدي، مع التصميم على حياةٍ أفضل، هي ندامة خالية من التوجع الحقيقي والمفيد، وهي لا تهيّئ للنعمة، ولكنّها تحمل الإنسان على الرئاء وعلى الإغراق في الخطايا؛ وهي أخيراً توجّع إكراهي لا توجّع حرّ إراديّ: فليكن محروماً (رَ 1676؛ 1456).
1706– ق6. إذا أنكر أحدٌ أن سرّ الاعتراف من وضع إلهي، أو أنه ضروري للخلاص بإرادة إلهية، أو قال إنّ الاعتراف السرّي لكاهنٍ على انفراد – وهو ما درجت عليه الكنيسة الكاثوليكية منذ البدء ولا تزال محافظةً عليه – هو مخالفٌ لوصية المسيح وهو من وضع بشري: فليكن محروماً (رَ 1679؛ 1684).
1707– ق7. إذا قال أحدٌ إنّه من غير الضروريّ بحكم إلهيّ، في سرّ التوبة، أن يعترف الإنسان، لمغفرة الخطايا، بجملة وأفراد الخطايا المميتة التي يتذكرها بعد تفكّر كافٍ وجديّ، حتى الخطايا الخفية، والخطايا التي هي مخالفة للوصيتين الأخيرتين من الوصايا العشر، ولا بالظروف التي تغيّر نوع الخطيئة، ولكن هذا الاعتراف لا يكسب التائب إلاّ معرفةً وعزاءً، وهو لم يعمد إليه في الماضي إلاّ لغرض كفّارةٍ قانونية، أو إذا قال إنّ الذين يبذلون قصارى جهدهم للاعتراف بجميع خطاياهم لا يريدون أن يدعوا مجالاً لغفران الرحمة الإلهية، أو أخيراً إنّه لا يجوز الاعتراف بالخطايا العرضية: فليكن محروماً (رَ ما ورد سابقاً).
1708– ق8. إذا قال أحدٌ إنّ الاعتراف بجميع الخطايا، كما تفرضه الكنيسة أمرٌ مستحيل، وهو تقليد بشريّ على النفوس التقية أن تلغيه، أو إنّ جميع المسيحيين من الجنسين، جملةً وأفراداً، غير مجبرين عليه مرّةً في السنة، وفق قرار المجمع اللاتراني العظيم، وإنّه لا بدّ من إقناع المسيحيين بعدم الاعتراف في زمن الصوم: فليكن محروماً (رَ 1682…).
1709– ق9. إذا قال أحدٌ إنّ حلّ الكاهن السري عملاً قضائياً، بل خدمة بسيطة تعلن أنّ الخطايا تغفر لمن يعترف بها، بشرط أن يؤمن أنّه قد حلّ من خطاياه أو إذا لم يحلّه الكاهن جدّياً بل على سبيل المزاح، أو قال إنّ اعتراف التائب غير مطلوب لكي يستطيع الكاهن أن يحلّه: فليكن محروماً (رَ 1685؛ 1462).
1710– ق10. إذا قال أحدٌ إنّ الكهنة في حال الخطيئة المميتة يفقدون سلطة الحلّ والربط، أو إن الكهنة ليسوا وحدهم خدمة الحل، ولكن الكلام وجّه إلى جميع المسيحيين جملةً وأفراداً أي: “كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء” (متى 18:18)، و”من غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت” (يو 20 : 23)، فانطلاقاً من هذا الكلام كلّ إنسان يستطيع أن يحلّ من الخطايا، الخطايا العلنية على الأقل بالتأديب، بموافقة الخاطئ، والخطايا الخفيّة باعتراف عفويّ: فليكن محروماً (رَ 1684).
1711– ق11. إذا قال أحدٌ أن ليس للأساقفة حقّ حفظ بعض الخطايا إلاّ في ما هو من شأن النظام الخارجيّ، وإنّ الحفظ من ثمَّ لا يمنع الكاهن من حلّ الخطايا المحفوظة: فليكن محروماً (رَ 1687).
1712– ق12. إذا قال أحدٌ إنّ العقوبة كلّها يغفرها الله دائماً مع الخطيئة، وإنّ كفّارة التائبين ليست سوى الإيمان الذي يدركون به أنّ المسيح كفَّر عنهم: فليكن محروماً (رَ 1689).
1713– ق13. إذا قال أحدٌ في شأن العقوبة الزمنية، أنّه لا يمكن البتّة التكفير لله عن الخطايا باستحقاقات المسيح، ولا بالشدائد التي يفرضها الله ويتحمّلها الإنسان وأن أفضل تكفيرٍ يكون بحياةٍ جديدة: فليكن محروماً (رَ 1690- 1692).
1714– ق14. إذا قال أحدٌ إن الكفّارات التي يفتدي بها التائبون خطاياهم بيسوع المسيح، ليست عبادةً مؤدَّاةً إلى الله، بل تقاليد بشرية تعتّم على تعليم النعمة والعبادة الحقيقية المؤدّاة إلى الله ونعمة موت المسيح نفسها: فليكن محروماً (رَ 1692).
1715– ق15. إذا قال أحد أنّ سلطة المفاتيح لم تعط للكنيسة إلاّ للحلّ دون الرّبط، ولهذا فالكهنة الذين يفرضون عقوبات على المعترفين يخالفون هذه السلطة وما أنشأه المسيح؛ وإنّه من الوهم أن يفكر أحدٌ في أن يكون أحياناً، بعد إزالة العقوبة الأبدية بسلطة المفاتيح، عقوبة زمنية لا بدّ من التكفير عنها: فليكن محروماً (رَ 1692).
قوانين في شأن سرّ مسحة المرضى
1716– ق1. إذا قال أحدٌ إنّ مسحة المرضى ليست في الحقيقة سرّاً وضعه سيدنا المسيح (مر 6 : 13)، وأعلنه الرسول يعقوب (رَ يع 5 : 14 – 15)، ولكنّه طقس تناقله الآباء، أو اختلاق بشريّ: فليكن محروماً (رَ 1695؛ 1699).
1717– ق2. إذا قال أحدٌ إنّ مسحة المرضى المقدسة لا تعطي النعمة، ولا تغفر الخطايا ولا تريح المرضى، وهي غير موجودة، وكأنّي بها كانت في الماضي موهبة شفاء المرضى: فليكن محروماً (رَ 1699؛ 1996).
1718– إذا قال أحدٌ إنّ طقس مسحة المرضى واستعمالها المتبعين في الكنيسة الرومانية المقدسة مخالفان لكلام الرسول القديس يعقوب، ومن ثمَ يجب تغييرها، وإنّ المسيحيين الذين يزرون بهما لا يخطأون: فليكن محروماً (رَ 1699).
1719– إذا قال أحد أنّ “شيوخ” الكنيسة Presbytres، الذين طلب القديس يعقوب استدعاءهم لمسح المريض بالزيت، ليسوا كهنةً رسمهم الأسقف، ولكنّهم المتقدّمون في السنّ ضمن كلّ جماعة، ومن ثم فخادم سرّ مسحة المرضى في الحقيقة ليس الكاهن وحده: فليكن محروماً (رَ 1697).
بيوس الرابع: 25 كانون الأول 1559 – 9 كانون الأول 1565
1725– 1734- متابعة المجمع التريدنتيني. الجلسة 21، 16 حزيران 1562: تعليم وقوانين في التناول تحت الشكلين وتناول الأطفال
تمهيد
1725– إنّ المجمع التريدنتينيّ المسكونيّ والعام المقدس… رأى أنّ أضاليل مختلفة وشنيعة، في موضوع سرّ الإفخارستيا الرهيب و المقدس، تنشرها في أماكن عدّة حيل الشيطان الفاسق المحتال، أضاليل يبدو أنّها أخرجت كثيرين، في بعض المناطق، من الإيمان ومن الخضوع للكنيسة الكاثوليكية، فكان لا بدّ له هنا من عرض ما يتعلّق بالتناول تحت الشكلين وبتناول الأطفال. ولهذا يحظّر على جميع المسيحيين من الآن فصاعداً أن يقدموا على الإيمان أو التعليم أو الوعظ بما يخالف، في هذا الموضوع، ما فسَّرته وحدّدته القرارات التالية:
الفصل الأول: العلمانيّون والإكليريكيّون الذين لا يحتفلون
غير ملزمين بحكم إلهيّ، بالتناول تحت الشكلين
1726– ولذلك فهذا المجمع المقدس، بوحي من الروح القدس، “روح الحكمة والفهم، روح المشورة وتقوى الربّ” (أش 11 : 2)، وبحسب رأي الكنيسة وتقليدها، يعلن ويعلّم أن ما من وصيةٍ إلهية توجب على العلمانيين، والإكليريكيين الذين لا يحتفلون، بتناول سرّ الإفخارستيا تحت الشكلين، وإنّه لا يجوز، بأيّ وجهٍ من الوجوه، أن يشكَّ، بدون طعن الإيمان، في أن تناول أحد الشكلين كافٍ للخلاص.
1727– ممّا لا شكّ فيه أنّ السيد المسيح، في عشائه الأخير، وضع وأعطى الرسل هذا السرّ الجليل تحت شكلي الخبز والخمر (رَ متى 26 : 1 – 29؛ مر 14 : 22 – 2؛ لوقا 22 : 19…؛ 1 كو 11 : 24…). إلا أنّ هذا الوضع وهذه الهبة ليس من شأنهما أن يحملا جميع المسيحيين بقرارٍ ربّانيّ، على وجوب تناول الشكلين (القانون 1 و 29.
وليس من المعقول أن يستخلص من الكلام الوارد في الفصل السادس من إنجيل يوحنا، أنّ التناول تحت الشكلين كان بأمرٍ من الربّ (القانون 3)، كيفما فهم هذا الكلام وتتبع في تفسيرات القديسين والعلماء المختلفة. فالذي قال: “إن لم تأكلوا جسد ابن البشر وتشربوا دمه فلا حياة لكم في ذواتكم” (يو 6 : 53)، قال أيضاً: “الذي يأكل هذا الخبز يحيا إلى الأبد” (يو 6 : 58)، والذي قال: “مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة” (يو 6 : 54)، قال أيضاً:”الخبز الذي أعطيه أنا هو جسدي لأجل حياة العالم” (يو 6 : 51)؛ وأخيراً الذي قال: “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه” (يو 6 : 56)، قال أيضاً:” الذي يأكل هذا الخبز يحيا إلى الأبد” (يو 6 : 58).
الفصل الثاني: سلطة الكنيسة في منح سرّ الإفخارستيّا
1728– وعلاوةً على ذلك يعلن المجمع أنّ للكنيسة دائماً، في منح الأسرار، سلطة التقرير والتغيير، ما دام جوهر هذه الأسرار سالماً، في ما تراه أشدّ ملاءمةً لفائدة من يتقبّلونها ولكرامة الأسرار نفسها وفاقاً للأشياء والأزمان والأمكنة. وهذا ما يبدو أنّ الرسول أشار إليه بوضوح في قوله: “فليحسبنا كلّ إنسانٍ كخدّام للمسيح ووكلاء لأسرار الله” (1 كو 4 : 1). وإنّه لمن الواضح أنّه استعمل هو نفسه هذه السلطة في أمورٍ أخرى كثيرة، فضلاً عن هذا السرّ نفسه عندما قال، بعدما قام ببعض التنظيمات في الموضوع: “وأمّا ما بقي فسأرتّبه متى قدمت” (1 كو 11 : 34).
وإن لم يكن استعمال الشكلين نادراً في فجر المسيحية، فإنّ هذه العادة كثيراً ما عراها تغيرٌ على مرّ الزمن، ولهذا فإنّ أمّنا الكنيسة المقدسة، وهي العالمة بما لها من سلطة على منح الأسرار، قد حملتها أسباب خطيرة وصوابية على الموافقة على التناول تحت أحد الشكلين، وعلى جعل ذلك سنةً لا يجوز ذمّها أو تغييرها حسب المراد بمعزلٍ عن سلطة الكنيسة نفسها (القانون 2).
الفصل الثالث: تحت كلٍّ من الشكلين المسيح كاملٌ والسرّ حقيقيّ
1729– وهو يعلن إلى ذلك أنّه، وإن وضع فادينا هذا السرّ وأعطاه لتلاميذه في عشائه الأخير، تحت الشكلين، كما سبق القول، فيجب الاعتراف بأن من يتناوله تحت أحد الشكلين فقط يتقبَّل المسيح كاملاً، ويتقبّل السرّ حقيقياً، ومن ثمّ، ففي ما يتعلّق بثمرة السرّ، لا يفقد الذين يتناولون الشكل الواحد أيّ نعمةٍ من نعم الخلاص (القانون 3).
الفصل الرابع: الأطفال غير ملزمين بالتناول السرّيّ
1730– وأخيراً يعلّم المجمع المقدس نفسه أن لا ضرورة تلزم الأطفال الذين لم يبلغوا سنّ الرشد بالتناول السري للإفخارستيا (القانون 4)، إذ أنّهم، قد ولدوا ولادةً جديدة بالمعمودية (ر تي 3 : 5) وصاروا أعضاء في جسد السميح، لا يمكنهم، في هذه السنّ، أن يفقدوا نعمة أبناء الله التي نالوها.
ومع ذلك فيجب أن لا تحكم على الأقدمين إذا كانوا جروا على هذه العادة أحياناً وفي بعض الأماكن. فكما كان للآباء القديسين أسبابٌ حميدة لمجاراة زمانهم، كذلك يجب الاعتقاد الثابت بأنّهم سلكوا طريقاً لم تكن ضروريةً للخلاص.
قوانين في شأن التناول تحت الشكلين وتناول الأطفال
1731– ق1. إذا قال أحدٌ إنّه بأمر من الله أو لضرورةٍ خلاصية، يجب على المسيحيين جملةً وأفراداً أن يتناولوا الشكلين في سرّ الإفخارستيا المقدس: فليكن محروماً _رَ 1726…).
1732– ق2. إذا قال أحدٌ إنّ الكنيسة الكاثوليكية المقدسة لم تحمل، لأسباب صوابية، على تقرير أن يتناول العلمانيون والإكليريكيون الذين لا يحتفلون، إلاّ تحت شكل الخبز، أو إنّها كانت ضالةً في ذلك: فليكن محروماً (رَ 1728).
1733– ق3. إذا أنكر أحدٌ أنّ المسيح، ينبوع جميع النعم ومصدرها، يقبل كاملاً تحت شكل الخبز وحده، لأنّه، على ما يتوهّم البعض، لم يقبل تحت الشكلين وفق ما وضعه المسيح نفسه: فليكن محروماً (رَ 1726…)
1734– ق4. إذا قال أحدٌ إنّ التناول السرّيّ ضروريّ للأطفال الذين لم يبلغوا سنَّ الرّشد: فليكن محروماً (رَ 1730).
– 1760– الجلسة 22، 17 أيلول 1562
1) تعليم وقوانين في شأن بيحة القداس
تمهيد
1738– لكي يحفظ الإيمان والتَّعليم القديمان في الكنيسة الكاثوليكية تامَّين وكاملين، في شأن سرّ الإفخارستيا العظيم، ولكي يحفظا في صفائهما، بعد إسقاط الأضاليل والهرطقات، يعلّم المجمع التريدنتينيّ المسكونيّ والعام المقدّس، بوحي من الروح القدس، ويعلن ويقرّر ما يلي، مما يجب نشره في الشعوب المسيحية، في شأن الإفخارستيا على أنّها الذبيحة الحقيقية والوحيدة.
الفصل الأول: إنشاء ذبيحة القداس
1739– بما أنّ الكمال لم يكن بعد قد تحقق في العهد الأول، وذلك بشهادة الرسول بولس، لضعفٍ في الكهنوت اللاويّ، كان لا بدّ، عن أمرٍ وتدبيرٍ من الله أبي المراحم، من أن يقوم كاهن آخر “على رتبة ملكيصادق” (مز 110 : 4؛ عب 5 : 6، 10؛ 7 : 11، 17؛ رَ تك 14 : 18)، ربّنا يسوع المسيح، الذي كان بإمكانه أن يقود جميع مقدّسيه إلى الامتلاء والكمال (رَ عب 10 : 14).
1740– لا شكّ في أنّ إلهنا وربنا كان مزمعاً أن يقدّم نفسه دفعةً واحدة لله الآب على مذبح الصليب بموته (رَ عب 7 : 27)، لكي يحقّق لهم فداءً أبدياً. وإذ كان من غير الجائز أن يزول كهنوته بالموت (رَ عب 7 : 24)، ففي أثناء العشاء الأخير، “في الليلة التي أسلم فيها” (1 كو 11 : 23)، أراد أن يترك لكنيسته، عروسه الحبيبة، ذبيحةً تكون مرئيةً (كما تقتضيه الطبيعة البشرية)؛ وهكذا تتمثّل الذبيحة الدموية التي كانت ستتمّ دفعةً واحدة على الصليب، وتستمرّ ذكراها إلى نهاية العالم، كما تعمل قوّتها على محو الخطايا التي نقترفها كلّ يوم.
وإذ أعلن نفسه كاهناً إلى الأبد على رتبة ملكيصادق (رَ مز 110 : 4؛ عب 5 : 6؛ 7 : 17)، قدّم لله الآب جسده ودمه تحت شكلي الخبز والخمر؛ وهكذا أعطاهما للرسل الذين أقامهم كهنة العهد الجديد، لكي يتناولوهما؛ ولهؤلاء ولخلفائهم في الكهنوت أمر بأن يقدّموهما قائلاً: “اصنعوا هذا لذكري” (لو 22 : 19؛ 1 كو 11 : 24) إلخ، على حدّ ما فهمته وعلّمته أبداً الكنيسة الكاثوليكية (القانون 29.
1741– فبعدما احتفل بالفصح القديم الذي كان بنو إسرائيل يذبحونه في ذكرى خروجهم من مصر (رَ خر 12) أنشأ الفصح الجديد حيث يذبح هو نفسه فيه على يد الكنيسة، بوساطة الكهنة، تحت أشكالٍ حسيّة لذكرى انتقاله من هذا العالم إلى أبيه، عندما أراق دمه ليفتدينا و”انتزعنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابنه الحبيب” (كول 1 : 13).
1742– تلك هي التقدمة الطاهرة التي لا يمكن أن يدنسها خبث أو عدم استحقاق عند من يقدّمونها، وقد أنبأ الربّ على لسان ملاخي أنّها ستقرّب طاهرةً في كلّ مكان باسمه العظيم في الأمم (رَ ملا 1 : 11)، وقد أشار إليها بولس الرسول بكلّ وضوح عندما كتب إلى الكورنثيّين وقال: إنّ الذين تدنسّوا بالاشتراك في مائدة الشياطين لا يستطيعون أن يشتركوا في مائدة الربّ. (رَ 1 كو 10 : 21) عانياً باللفظة “مائدة” المذبح في كلتا الحالتين. وهي أخيراً التي يرمز إليها، في زمن الطبيعة والناموس، بصور الذبائح المختلفة (رَ تك 4 : 4؛ 8 : 20؛ 12 : 8؛ 22 : 1 – 9؛ خر: هنا وهناك)، على أنّها حاويةٌ في ذاتها جميع ما كانت تعنيه تلك الذبائح من خيرٍ، وأنّها إتمام كمالها جميعاً.
الفصل الثاني: الذبيحة المرئية، تكفير لأجل الأحياء والأموات
1743– بما أنّ في هذه الذبيحة الإلهية التي تتمّ في القداس، المسيح نفسه موجودٌ ومذبوحٌ بطريقة غير دموية، هو الذي قدّم ذاته دفعةً واحدة بطريقة دموية على مذبح الصليب (رَ عب 9 : 14؛ 37)، فالمجمع المقدس يعلّم أنّ هذه الذبيحة هي ذبيحة تكفيرية في الحقيقة (القانون 3)، وأنّنا إذا اقتربنا من الله بقلبٍ صادق وإيمانٍ مستقيم، وخشيةٍ واحترام، وندامةٍ وتوبة، ننال بها “رحمةً، ونجد نعمةً للإغاثة في حينها” (رَ عب 4 : 16). وإذ يهذأ غضب الربّ بتقدمة هذه الذبيحة، يمنح النعمة وموهبة التوبة، ويغفر الجرائم والخطايا، حتى الجسيمة منها. فالضحية واحدة، والذي يقدّم الآن بوساطة الكهنة هو هو الذي قدم نفسه على الصليب، وما الاختلاف إلاّ في طريقة التقدمة.
ثمار هذه التقدمة – التقدمة الدموية – تنال بغزارةٍ بوساطة هذه التقدمة غير الدموية، وما من أذىً البتّة لتلك من هذه (القانون 4). ولهذا تقدم شرعاً، وفق تقليد الرسل، ليس لأجل خطايا المؤمنين، الأحياء، وعقوباتهم، وتكفيرهم وسائر مقتضياتهم وحسب، ولكن للذين رقدوا في المسيح أيضاً ولم يتطهّروا تطهّراً كاملاً (القانون 39.
الفصل الثالث: القدّاسات إكراماً للقدّيسين
1744– وإن كانت الكنيسة قد درجت على عادة الاحتفال بالقدّاس أحياناً في ذكرى القديسين وتكريماً لهم، فإنّها تعلّم أن الذبيحة لا تقدّم لهم، بل لله وحده الذي توّجهم (القانون 5). ولذلك – ليس من عادة الكاهن أن يقول: “أقدّم لكما الذبيحة يا بطرس وبولس” ولكنّه يقدّم لله الشكر لأنّه أنالهما الظّفر، ويطلب شفاعتهما، “لكي يتنازل من نقيم تذكارهم على الأرض ويشفعوا فينا في السموات”.
الفصل الرابع: قانون القدّاس
1745– بما أنّه من الملائم أن تعالج الأشياء المقدسة بطريقةٍ مقدسة، وبما أنّ هذه الذبيحة أقدس المقدّسات جميعاً، ولكي تقدّم وتقبل بكرامةٍ واحترام، وضعت الكنيسة المقدسة، منذ قرونٍ بعيدة، القانون المقدس خالياً من كلّ ضلالة (القانون 6)، بحيث لا يوجد فيه شيء لا تشتمّ منه رائحة القداسة والتقوى، ولا يرفع إلى الله نفوس من يقدّمونه. ومن الواضح أنّه مؤلّفٌ من أقوال الربّ نفسها، أو من تقاليد الرسل، وممّا تركه الأحبار القديسون من تعاليم تقيةٍ.
الفصل الخامس: احتفالات ذبيحة القدّاس
1746– الطبيعة البشرية هي هكذا بحيث أنّها لا تستطيع بسهولة الارتقاء إلى تأمل الأشياء الإلهية بدون المعونات الخارجية. ولذا أنشأت أمّنا الكنيسة التقية بعض الطقوس، لكي يفاه في القداس ببعض الأشياء بصوتٍ خافت (القانون 9)، وببعض الأشياء الأخرى بصوتٍ أشدّ ارتفاعاً. وقد أدخلت أيضاً احتفالات (القانون 7) من مثل المباركات الروحانية، والأنوار، والتبخيرات، والملابس، وما إلى ذلك ممّا انتقل من السلطة ومن تقليد الرسل. بهذا يبرز سموّ مثل هذه الذبيحة العظيمة، وتحفز أرواح المؤمنين، بهذه الوسائل الحسية من تديّنٍ وتقوى، على تأمل الأشياء السامية جداً المستترة في هذه الذبيحة.
الفصل السادس: القدّاس الذي يتناول فيه الكاهن وحده
1747– المجمع المقدس يتمنّى أن لا يكتفي المؤمنون المشتركون في القداس بتناول الرغبة الروحية، بل أن يقدموا على التقبّل السرّيّ للإفخارستيا فيجنوا به من هذه الذبيحة المقدسة ثماراً أوفر. ولكن ليست الأمور دائماً على هذا النحو، فالمجمع لا يشجب القداسات الفردية على أنّها غير جائزة (القانون 8)، تلك التي يتناول فيها الكاهن وحده سرياً، فهو يوافق ويشجّع عليها، لأنّها تعدّ أيضاً قداساتٍ عمومية في الحقيقة، من جهةٍ لأنّ الشعب يتناول فيها روحياً، ومن جهة أخرى لأنّ الذي يحتفل بها هو خادم عامٌ للكنيسة، فيحتفل لا لنفسه فقط، بل لجميع المؤمنين الذين هم أعضاء في جسد المسيح.
الفصل السابع: الماء الممزوج بالخمر
1748– والمجمع المقدس ينذر بأنّ الكنيسة رسمت للكهنة بأن يمزجوا ماءً بالخمر الذي يقدَّم في الكأس (القانون 9)، إذ إنّه من المعتقد أنّ السيد المسيح قد فعل كذلك، كما أنه سال من جنبه دمٌ وماء (رَ يو 19 : 34)، وهذا ما يذكّر به المذبح في هذا السرّ. وبما أنّ المياه في رؤيا يوحنا ترمز إلى الشعوب (رَ رؤ 17 : 15) فالمزيج يمثّل اتّحاد الشعب المؤمن مع المسيح الذي هو رأسه.
الفصل الثامن: تجنُّب اللغة العامية في القدّاس – تفسير أسراره
1749– وإن كان القداس يحتوي دروساً عظيمة للشعب المؤمن، فلم يرق للآباء أن يحتفل به هنا وهناك باللغة العامية. (القانون ). ولهذا، فمع الحفاظ في كلّ مكان على الطقس القديم المعتمد في كلّ كنيسة والموافق عليه من قبل الكنيسة المقدسة الرومانية، أمّ جميع الكنائس ومعلّمتها، لكي لا تموت نعاج المسيح جوعاً، ولكي لا يطلب الصغار خبزاً ولا يعطوه (رَ مرا 4:4)، أمر المجمع المقدس الرعاة وجميع من أؤتمنوا على النفوس أن يقدّموا مراراً، هم أنفسهم أو بوساطة غيرهم، في أثناء الاحتفال بالقداسات، بعض التفسيرات، انطلاقاً من النصوص المقروءة في القدّاس، وإيضاح سرّ هذه الذبيحة، ولا سيّما في الأيّام الآحاد والأعياد.
الفصل التاسع: ملاحظات سابقة للقوانين التالية
1750– ولكن بما أنّ أضاليل كثيرةً قد انتشرت اليوم، وأموراً كثيرة قد علّمها وناقشها عددٌ كبير من الناس، في شأن هذا الإيمان القديم القائم على الإنجيل المقدس وعلى تقاليد الرسل وتعليم الآباء القديسين، فالمجمع المقدس، بعدما عالج هذه الأمور معالجةً ضافية وجدّية وناضجة، قرّر، بإجماع جميع الآباء، أن يشجب ويقتلع من الكنيسة المقدسة ما يخالف هذا الإيمان الطاهر، وهذه العقيدة المقدسة، بما يلي من قوانين.
قوانين في شأن ذبيحة القدّاس المقدسة
1751– ق1. إذا قال أحدٌ إنّ القداس لا تقدّم فيه لله ذبيحةٌ حقيقية وأصلية، أو إن قدّمت فلا تعني سوى أنّ المسيح أعطيناه غذاءً: فليكن محروماً.
1752– ق2. إذا قال أحدٌ إنّ المسيح، بقوله “اصنعوا هذا لذكري” (لو 22 : 19؛ 1 كو 11 : 24) لم يرسل كهنةً، أو أنّه لم يأمرهم ولم يأمر الكهنة الآخرين بأن يقدّموا جسده ودمه: فليكن محروماً (رَ 1470).
1753– ق3. إذا قال أحدٌ إنّ ذبيحة القداس ليست سوى ذبيحة حمدٍ وشكر، أو مجرّد ذكرى للذبيحة التي تمّت على الصليب، لا ذبيحة تكفير، أو إنّها لا تفيد إلاّ من يتقبّل المسيح، ولا ينبغي تقديمها لأجل الأحياء والأموات، ولا من أجل الخطايا، والعقوبات، والتكفير، والضرورات الأخرى: فليكن محروماً (رَ 1743).
1754– ق4. إذا قال أحدٌ إنّه بذبيحة القدّاس يجدّف على ذبيحة المسيح المقدّسة التي تمّت على الصليب، أو ينقص من قدرها: فليكن محروماً.
1755– ق5. إذا قال أحدٌ أنّه من المنكر أن يقام القداس إكراماً للقديسين ولطلب شفاعتهم عند الله، كما تذهب إليه الكنيسة: فليكن محروماً (رَ 1744).
1756– ق6. إذا قال أحدٌ إنّ في قانون القداس أخطاء وإنّه من الواجب إلغاؤه: فليكن محروماًُ (رَ 1745).
1757– ق7. إذا قال أحدٌ إنّ الاحتفالات والملابس والشارات الخارجية التي تستعملها الكنيسة في الاحتفال بالقدّاس هي بالحري سخريّة كفرٍ لا علامة تقوى: فليكن محروماً (رَ 1746).
1758– ق8. إذا قال أحدٌ إنّ القدّاسات التي يتناول فيها الكاهن وحده سرّ الإفخارستيا هي قدّاسات غير جائزة ومن الواجب إلغاؤها: فليكن محروماً (رَ 1747).
1759– ق9. إذا قال أحدٌ إنّ طقس الكنيسة الرومانية الذي يفاه فيه قسمٌ من القانون وكلام التقديس بصوتٍ خافت، يجب شجبه، أو إنّ القداس يجب أن لا يقام إلاّ باللغة العامية: أو إنّ الماء يجب أن لا يمزج، في الكأس، بالخمر التي تقدّم، لأنّ مخالفٌ لما رسمه المسيح: فليكن محروماً. (1746؛ 1748…).
2) قرار في شأن استعمال الكأس
1760– وفضلاً عن ذلك فإنّ المجمع المقدّس نفسه، في دورته الأخيرة كان قد أرجأ النّظر إلى وقت آخر في قضيّتين عرضتا عليه ولم يعالجهما بعد:
الأسباب التي أتاحت للكنيسة الكاثوليكية المقدّسة أن تمنح التناول للعلمانيين وللكهنة الذين لا يحتفلون تحت شكل الخبز وحده، هل يجب التقيّد بها بحيث يصبح استعمال الكأس محظوراً على كلّ إنسان؟- و: هل استعمال الكأس من شأنه أن يُمنح لبلدٍ أو مملكة، لأسبابٍ نزيهة وموافقة للمحبة المسيحية، وما شروط منحه؟ وما هذه الشروط؟
فرغبةً من المجمع في أن يوفّر الآن، على الوجه الأفضل، ما هو لخلاص من طرحت هذه القضية لأجلهم، أقرَّ أن تحال القضية كلّها إلى الأب الأقدس، وقد أحالها بالقرار التالي: الأب الأقدس، بفطنته الفريدة، يحكم بما يراه مفيداً للدّول المسيحية، وخلاصياً لمن يطلبون استعمال الكأس.
1763- 1778– الجلسة 23، 15 تموز 1563: تعليم وقوانين في سرّ الكهنوت
1763– التعليم الحقيقيّ والكاثوليكيّ في سرّ الكهنوت، للحكم على أضاليل زماننا، كما قرّره المجمع التريدنتينيّ ونشره في الجلسة السابعة (على عهد بيّوس الرابع).
الفصل الأول: إنشاء كهنوت العهد الجديد
1764– الذبيحة والكهنوت تلازما بتدبير إلهيّ إلى حدّ أنّ وجودهما معاً ظهر في كلّ ناموس. وبما أنّ الكنيسة الكاثوليكية قد منحت، في العهد الجديد، بوضع إلهيّ، ذبيحة الإفخارستيا المرئية والمقدّسة، كان لا بد من أن يكون فيها أيضاً كهنوتٌ جديد، مرئيّ وخارجيّ (القانون1)، يدخل فيه الكهنوت القديم (رَ عب 7 : 12).
هذا الكهنوت أنشأه الربّ نفسه مخلّصنا (القانون 3). وللرّسل؛ وخلفائهم في الكهنوت أعطيت سلطة تقديس جسده ودمه، وتقديمهما، ومنحهما، وسلطة حلّ الخطايا وربطها. هذا ما توضحه الكتب المقدسة، وما علّمه أبداً تقليد الكنيسة الكاثوليكية (القانون 1).
الفصل الثاني: رُتب الكهنوت السَّبع
1765– بما أنّ خدمة الكهنوت المقدس هي شيء إلهيّ كان من الموافق، لكي يمكن القيام به على وجهٍ أشدّ لياقةً واحتراماً، أن يوجد، في هيكليّة الكنيسة الشديدة النظام، عدّة رتب مختلفة للخدمة، تكون بعملها في خدمة الكهنوت، وتكون موزّعة بحيث يرقَّى من نالوا رتبة قصّ الشعر الإكليريكيّ من الرتب الدنيا إلى الرّتب العليا (القانون 2).
فالكتاب المقدس لا يذكر بوضوح الكهنة فقط، ولكنه يذكر الشمامسة الإنجيليين أيضاً؛ وهو يعلّم بعباراتٍ شديدة اللهجة ما يجب التقيّد به بدقة في رسامتهم (رَ أع 6 : 5؛ 21 : 8؛ 1 تيم 3 : 8 – 13؛ فيل 1:1). منذ بدء الكنيسة عرفت درجاتٌ مختلفة لأسماءٍ تدّل على الرّتب التالية وعلى عمل كل واحدة منها: شمّاس رسائليّ، وخادم مذبح، ومعزَّم، وقارئ، وبوّاب. فالشّماسيّة الرَّسائلية يدرجها الآباء والمجامع المقدسة في الرّتب العليا، وكثيراً ما نقع في كتاباتهم على ذكرٍ للرّتب الدنيا.
الفصل الثالث: سرّية الكهنوت
1766– بما أن شهادة الكتاب المقدس، والتقليد الرسوليّ، واتفاق الآباء تظهر بوضوح أن الرسامة المقدسة، الممنوحة بكلماتٍ وعلاماتٍ خارجية، تعطي النعمة، فليس لأحدٍ أن يشكّ في أن الكهنوت هو في الحقيقة أحد أسرار الكنيسة المقدّسة السَّبعة (القانون 3). فالرسول يقول: “أذكرك أن تذكي فيك الموهبة التي آتاكها الله بوضع يدي. إن موهبة الله هذه ليست روح فزعٍ بل هي روح قوّةٍ ومحبّةٍ وامتلاك نفس” (2 تيم 1 : 6…؛ رَ 1 تيم 4 : 14).
الفصل الرابع: هيكليّة الكنيسة التراتبيّة والرسامة
1767– بما أنّ سرَّ الكهنوت كسرَّيّ المعموديّة والتَّثبيت، يترك في النفس ختماً (القانون 4) لا تمكن إزالته ولا محوه، فالمجمع المقدس يشجب بحقّ رأي الذين يقولون بأن الكهنة العهد الجديد سلطةً زمنية فقط، وأنهم يستطيعون بعد الرسامة القانونية أن يعودوا علمانييّن، إذا لم يقدموا بخدمة كلمة الله (القانون 1).
إذا قال أحدٌ أنّ جميع المسيحييّن في غير تمييزٍ هم كهنة العهد الجديد، أو إنّ لهم جميعاً في ما بينهم السّلطة الروحية نفسها، فهو لم يفعل سوى إلغاء الهيكلية الكنسية التراتبيّة (القانون 6) التي هي أشبه “بجيش منتظم للقتال” (نش 6 : 3، 9)؛ كما لو كانوا جميعهم، بخلاف تعليم القديس بولس (رَ 1كو 12 : 28 – 29؛ أف 4 : 11) رسلاً، وجميعهم أنبياء، وجميعهم مبشرين وجميعهم رعاةً، وجميعهم معلّمين.
1768– والمجمع المقدس يعلن أن الأساقفة، إلى جانب الرّتب الكنسية الأخرى، هم خلفاء الرسل ولهم في هذه الهيكلية مركزٌ رئيسيّ، وقد أقامهم الروح القدس، على حدّ قول الرسول نفسه، “ليرعوا كنيسة الله” (أع 20 : 28)؛ وهم أعلى رتبةً من الكهنة؛ يمنحون سرّ التثبيت؛ ويرسمون خدمة الكنيسةن وباستطاعتهم أن يقوموا بأعمال لا يستطيع أن يقوم بها من هم دونهم رتبةً (القانون 7).
1769– والمجمع المقدس يعلّم أيضاً أنه لا يطلب في رسامة الأساقفة والكهنة وسائر الرّتب لا القبول، ولا النداء، ولا سلطة الشعب أو أيّ سلطةٍ مدنية أخرى، كما لو كانت الرسامة باطلة بدون ذلك بل بالحري يقرّ بأن من يدعوهم أو يقيمهم الشعب أو أيّ سلطةٍ أو قضاء، فينهضون لممارسة الخدمة، والذين يضمّونهم إليهم، يجب أن يعدّوا، في تهوّرهم، لا خدمةً للكنيسة، بل بمثابة لصوص وسرقة لم يدخلوا من الباب (رَ يو 10 : 1؛ القانون 8).
1770– هذا ما بدا للمجمع المقدس أن يعرضه للمسيحيين، على وجهٍ عام، عن سرّ الكهنوت. فقد قرّر أن يشجب، كما يلي، ما هو مخالفٌ لقوانين دقيقة وخاصة لكي يعتمد جميع المسيحيون، بمعونة المسيح، قانون الإيمان، في ظلمات الأضاليل الكثيرة، فيتمكنّوا من معرفة الإيمان الكاثوليكيّ على وجه أسهل.
قوانين في شأن سرّ الكهنوت
1771– ق1. إذا قال أحدٌ بأن لا وجود، في العهد الجديد، لكهنوتٍ مرئيّ وخارجيّ، أو أن لا وجود لسلطة تقديس وتقديم جسد الرب ودمه الحقيقييَّن، ولحلّ الخطايا وربطها، ولكنّ هنالك مجرَّد وظيفةٍ وخدمة بسيطة للتبشير بالإنجيل، أو أن الذين لا يبشرون ليسوا كهنة: فليكن محروماً. (رَ 1764؛ 1767).
1772– ق2. إذا قال أحد بأن ليس في الكنيسة الكاثوليكية، غير الكهنوت، رُتب عليا ودنيا تكون كمدارج للتقّدم إلى الكهنوت: فليكن محروماً (رَ 1765).
1773– ق3. إذا قال أحد بأن الكهنوت أو الرَّسامة المقدسة ليست في الحقيقة سرّاً وضعه السيد المسيح، أو أن ذلك اختلاق بشري تخيّله أناس لا يفقهون شيئاً من أمور الكنيسة؛ أو أن ذلك مجرَّد طقس يختار به خدّام كلمة الله والأسرار: فليكن محروماً (رَ 1766).
1774– ق4. إذا قال أحد بأن الرسامة المقدسة لا تعطي الروح القدس، وأنه عبثاً يقول الأساقفة: “خذ الروح القدس”؛ أو أن الرسامة لا تطبع ختماً؛ أو أن الذي صار كاهناً دفعةً واحدة، يستطيع الرجوع إلى علمانيته: فليكن محروماً (رَ 1767).
1775– ق5. إذا قال أحد بأن الميرون المقدس الذي تستعمله الكنيسة في الرسامة ليس ضرورياً، بل إنه عنصر فاسد ويجب الإزراء به، كما يجب الإزراء بسائر الاحتفالات التي تقام للكهنوت: فليكن محروماً.
1776– ق6. إذا قال أحد بأنه لا توجد في الكنيسة الكاثوليكية هيكليّة أنشأها التَّدبير الإلهيّ، تتكوّن من أساقفةٍ وكهنةٍ، وخدمةٍ: فليكن محروماً.
1777– ق7. إذا قال احد بأنَّ الأساقفة ليسوا أعلى رتبةً من الكهنة؛ أو ليس لهم سلطة التثبيت والرسامة، أو أن سلطتهم هي سلطة الكهنة؛ أو أن الرسامات التي يقومون بها باطلة إذا لم تقترن بنداء الشعب أو نداء أيّ سلطة مدنيّة؛ أو أنّ الذين لم يرسموا بحسب الشرع، ولم يرسلوا من قبل سلطةٍ كنسيّة وقانونية، بل أتوا عن غير طريقها، هم خدمة شرعيّون للكلمة وللأسرار: فليكن محروماً (رَ 1768).
1778– ق8. إذا قال أحدٌ بأن الأساقفة الذين اختارتهم سلطة الحبر الرّومانيّ ليسوا أساقفة شرعيّين وحقيقييّن، ولكنهم من ا ختلاقٍ بشريّ: فليكن محروماً.
1797- 1816– الجلسة 24، 11 تشرين الثاني 1563
1) تعليم وقوانين في سرّ الزواج
1797– بوحي من الروح القدس أعلن أبو الجنس البشري الأول رباط الزواج الدائم والذي لا يقبل الحلّ، عندما قال: هوذا هذه المرّة عظيمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي. وبذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً. (تك 2 : 23…؛ متى 19 : 5؛ أف 5 : 31).
1798– أن يجمع هذا الرّباط كائنين فقط، المسيح ربّنا علّمه بوضوحٍ كافٍ عندما ذكر هذا الكلام على أنه صادرٌ عن الله، وقال: “فليسا هما اثنين بعد، بل جسدٌ واحدٌ” (متى 19 : 6) وقد أتبع كلامه هذا حالاً بما يثبت هذا الرباط الذي أعلنه آدم من زمن بعيد، فقال: “ما جمعه الله فلا يفرقه إنسان” (متى 19 : 6؛ مر 10 : 9).
1799– النعمة التي تقود هذا الحبّ الطبيعيّ إلى كماله تثبت هذه الوحدة التي لا تقبل الحلَّ، وتقدّس الزوّجين. والمسيح نفسه الذي أنشأ الأسرار الجليلة وسما بها إلى كمالها استحقّ لنا هذه النعة بآلامه. هذا ما أشار إليه الرسول بولس عندما قال: “أيّها الرجال أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة، لقد بذل نفسه لأجلها” (أف 5 : 25)، وقد أضاف إلى ذلك حالاً: “إنّ هذا السرّ لعظيم. أقول هذا بالنسبة إلى المسيح والكنيسة” (أف 5 : 32).
1800– بما أنّ الزواج في العهد الإنجيليّ يتفوّق في النعمة، بالمسيح، على زواجات الناموس القديم، فبحقّ علّم أبداً الآباء القديسون، والمجامع، وتقليد الكنيسة الجامعة، أنّ من الواجب عدّه من أسرار العهد الجديد. وقد خالف هذا التقليد أناسٌ من منافقي هذا العصر، ولم يكتفوا باتّخاذ مواقف منحرفة بالنسبة إلى هذا السرّ الجليل، ولكن انقادوا في هواهم إلى الانجراف في حرّية الجسد تحت ستار الإنجيل، وذلك بالقلم واللسان، فأشاعوا عدداً كبيراً من العناصر الغريبة عن شعور الكنيسة الكاثوليكية وعن العادات المتّبعة منذ عهد الرسل فحصل من ذلك ضرر كبير وأذىً للمؤمنين.
1801– فرغبةً من المجمع العام المقدس في وضع حدٍّ لتهوّر هؤلاء الناس، رأي أنه لا بدَّ من استئصال الهرطقات والضلالات الجسيمة التي انجرفوا فيها، حتى لا تُضلّ عدواهم كثيرين؛ وهو لذلك رشق هؤلاؤء الهراطقة وآراءهم الضالّة بالحرمانات التالية.
قوانين في شأن سرّ الزواج
1801- ق1. إذا قال أحد بأنّ الزواج ليس في الحقيقة أحد أسرار الناموس الإنجيليّ السّبعة التي أنشأها المسيح ربنا، ولكنه أمرٌ اختلقه البشر في الكنيسة، وإنه لا يمنح النعمة: فليكن محروماً (رَ 1800).
1802– ق2. إذا قال أحد بأنه يحقّ للمسيحيين أن يتّخذوا عدّة زوجاتٍ معاً، وإن ذلك لم يمنعه أيّ شرعٍ إلهيّ (رَ متى 19 : 9): فليكن محروماً (رَ 1798).
1803– ق3. إذا قال أحدٌ إنّ درجات القرابة الدموية والمصاهرة السّبع المذكورة في سفر الأحبار (أم 18 : 6 – 8) وحدها يمكنها أن تمنع القران وتبطل المعقود منه، وأن الكنيسة لا تستطيع أن تعفي من أيّ منها، ولا أن تقرّ عدداً أكبر من موانع الزواج وإبطاله: فليكن محروماً (رَ 2659).
1804– ق4. إذا قال أحد بأن الكنيسة لم تستطع وضع موانع تبطل الزواج، أو أنها اخطأت في وضعها: فليكن محروماً.
1805– ق5. إذا قال أحد بأنّ رابط الزواج يمكن أن يُحلّ بسبب الهرطقة، أو بسبب حياةٍ مشتركة لا تطاق، أو بسبب غيابٍ متعمَّد لأحد الزوجين: فليكن محروماً.
1806– ق6. إذا قال أحدٌ بأن الزواج المعقود وغير المكتمل لا تبطله النذور الرهبانية لأحد الفريقين: فليكن محروماً.
1807– ق7. إذا قال أحدٌ بأن الكنيسة على خطأ عندما علّمت وتعلّم: وفق تعليم الإنجيل والرسول (رَ متى 5 : 32؛ 19: 9؛ مر 10 : 11 – 12؛ لو 16 : 18؛ 1 كو 7 : 11) إن رباط الزواج لا يمكن أن يحلّه زنى أحد الزوجين، وإن لا هذا ولا ذاك، حتى البريء الذي لم يقدّم سبباً للزنى، لا يستطيع، ما دام الآخر حيّاً أن يعقد قراناً آخر؛ وأنه يعدّ زانياً من يتزوج امرأةً أخرى بعد فصل الزَّانية، وتعدّ زانيةً من تتزّوج رجلاً آخر بعد فصل الزّاني: فليكن محروماً.
1808– ق8. إذا قال أحدٌ بأن الكنيسة تخطأ عندما تُقرّ أنه، لأسابابٍ متعدَّدة، يستطيع الزوجان أن يعيشا منفصلين، بدون حياةٍ زوجية أو بدون حياةٍ مشتركة، لزمنٍ محدود أو غير محدود: فليكن محروماً.
1809– ق9. إذا قال أحدٌ بأنّ الإكليريكيّين الذين نالوا الرّتبة الكهنوتية المقدسة أو الرهبان الذين نذرو العفّة يستطيعون عقد زواج، وإن مثل هذا الزواج صحيح، برغم قانون الكنيسة أو نذرهم، والقول بغير ذلك ليس سوى شجب للزواج، وإنه بإمكان جميع الذين لا يشعرون بأنهم يملكون موهبة العفة (حتى ولو نذروا العفّة)، أن يعقدوا زواجاً: فليكن محروماً، إذ إنّ الله لا يرفض هذه الموهبة للذين يطلبونها كما ينبغي، ولا يُسمح بأن نجرَّب فوق طاقتنا (رَ 1 كو 10 : 13).
1810– ق10. إذا قال أحدٌ أنه يجب جعل حال الزواج فوق حال البتولية أو العزوبة، وأن البقاء في حال البتولية أو في حال العزوبة ليس أفضل ولا أهنأ من عقد الزواج (رَ متى 19: 11…؛ 1 كو 7 : 25…؛ 38، 40): فليكن محروماً.
1811– ق11. إذا قال أحدٌ أن منع الاحتفال بالأعراس في أوقاتٍ محدَّدةٍ من السنة هو من قبيل الخرافة الظالمة المتحدّرة من خرافة الوثنييّن، أو إذا شجب التبريكات الاحتفالات الأخرى التي تقوم بها الكنيسة: فليكن محروماً.
1812– ق12. إذا قال أحدٌ أن القضايا الزواجية ليست من صلاحية القضاة الكنسيّين: فليكن محروماً (رَ 2598؛ 2659).
2) قوانين في شأن إصلاح الزواج: مرسوم “Tametsi”
1813– الفصل الأول (سبب القانون ومضمونه) ما من شكّ في أن الزواجات السرّية، المعقودة بملء إرادة المتعاقدين، هي زواجات صحيحة، ما دامت الكنيسة لا تجعلها غير صحيحة، ومن الحقّ أن يشجب كما يشجبهم المجمع المقدس بالحرم، أولئك الذين ينكرون أن هذه الزواجات حقيقيةٌ وصحيحةٌ، ويدّعون خطأ أن الزواجات التي يعقدها أبناء الأسر بدون رضى أهلهم، هي زواجات باطلة، وأنّ بإمكان الأهل أن يجعلوها صحيحة أو غير صحيحة. وعلى كل حال فالكنيسة، لأسبابٍ سديدة، كانت أبداً غير راضية عن مثل هذه الزواجات، وقد منعتها.
1814– ولكن السينودس المقدس وجد أن هذه الموابع لا تفيد شيئاً بسبب عصيان البشر؛ وهو يزن جسامة الخطايا المتأتية من هذه الزواجات السرّية، ولا سيّما عند الذين يمكثون في حال الهلاك، عندما يتركون الزوجة الأولى التي عقدوا معها زواجاً سرّياً، ويعقدون زواجاً علنياً مع أخرى، ويعيشون معها في زنىً متواصل، والكنيسة التي لا تحكم على الأمور السرّية، لا تستطيع معالجة هذا الشرّ إلاّ باللجوء إلى علاج أفعل. ولهذا فهي تسير في خطى المجمع اللاتراني المقدس (الرابع) المقود في عهد انوشنتوس الثالث (رَ 817)، والمجمع يأمر بما يلي: من الآن فصاعداً، قبل عقد الزواج، يعلن في الكنيسة خوري الفريقين المتعاقدين، ثلاث مرّات، في ثلاثة أعيادٍ متعاقبة، يعلن في أثناء القداس أمام الجميع بين من يعقد القران. وبعد القيام بالنَّداءات هذه يصار إلى الاحتفال بالزَّواج أمام الكنيسة إذا لم يعترض أيّ مانع شرعيّ، وبعد توجيه السؤال إلى الرجل والمرأة واتّضاح الرضى المتبادل بينهما يقول الكاهن: “أني أقرنكما بالزواج باسم الآب والابن والروح القدس”؛ أو أنه يستعمل صيغةً أخرى، وفق طقس كل ولاية.
1815– (حدود القانون) إذا برز شكّ معقول في إمكان منع الزواج عن سوء نية إذا سبقته النداءات الكثيرة، يكتفى بنداءٍ واحدٍ، أو يحتفل أمام الكاهن وشاهدين أو ثلاثة؛ وقبل اكتمال الزواج تجرى النّداءات في الكنيسة، حتى إذا كان هنالك بعض الموانع، تكشف بسهولة، ما لم يرَ الأسقف المحلّيّ نفسه أنه من الأفضل إهمال تلك النداءات، وهذا ما يدعه المجمع المقدس لفطنته وحكمه.
1816– (العقوبة) أمّا من يقدمون على عقد زواج في غير حضور الخوري أو كاهنٍ آخر مفوَّض من قبل الخوري أو الأسقف المحليّ، وأمام شاهدين أو ثلاثة، فالمجمع المقدس يعلن أنهم غير أهل البتّة لأن يقوموا بهذا العقد، ويرسم أن مثل هذه العقود غير صحيحة وباطلةٌ كما أن هذا القرار يبطلها ويلغيها.
1820- 1835– الجلسة 25، 3 و 4 كانون الأول 1563
1) مرسوم في المطهر، 3 كانون الأول 1563
1820– الكنيسة الكاثوليكية بوحي من الروح القدس، وانطلاقاً من الكتاب المقدس وتقليد الآباء القديم، علّمت في المجامع المقدسة، وأخيراً في هذا المجمع المسكوني، أنه يوجد مطهر (رَ 1580)، وأن النفوس المقيمة فيه تجد عوناً لها في أعمال برَّ المؤمنين، ولا سيمّا في ذبيحة الهيكل التي تجد عند الله رضىً خاصّاً (رَ 1743؛ 1753). والمجمع المقدس يطلب من الأساقفة أن يبذلوا قصارى جهدهم لجعل عقيدة المطهر السليمة، التي نقلها الآباء القديسون والمجامع المقدّسة، موضوع إيمان المؤمنين، يحفظونها، وتكون منتشرة ومعلنة في كل مكان.
في المواعظ الشعبية الموجّهة إلى أناسٍ لا ثقافة لهم يجب تجنّب القضايا الصعبة والدقيقة التي لا فائدة منها للبناء الروحيّ، والتي لا تفيد منها التقوى شيئاً في أكثر الأحيان. لا يجوز التساهل في معالجة ونشر أمورٍ غير ثابتة أو خاطئة في ظاهرها. ويمنع كل ما هو معثّر للمؤمنين ومثير لحفيظهم من أمور التطفّل أو الخرافة، أو كل ما يشتمّ منه رائحة الابتزاز.
2) قرار مرسوم في الدعاء إلى القديسين وإكرامهم وذخائرهم وفي الأيقونات، 3 كانون الأول 1563
1821– المجمع المقدّس بأمر جميع الأساقفة وسائر من أسندت إليهم مهمّة التَّعليم والإرشاد بأن يبذلوا قصاراهم في تلقين المؤمنين، وفق مسلك الكنيسة الكاثوليكية والرسوليّة الذي سلكته منذ فجر المسيحية، ووفق الشعور العامّ للآباء القدّيسين، وقرارات المجامع المقدّسة، موضوع شفاعة القدّيسين واستشفاعهم والتوسّل إليهم، وتكريم الذّخائر، واستعمال الأيقونات الشرعيّ. فليُلّقنوهم أن القدّيسين الذين يملكون مع المسيح يقدمون لله صلواتهم من أجل البشر؛ وأنه من الحسن والمفيد أن نتوسّل إليهم بتواضع وأن نلجأ إلى صلواتهم للحصول من الله على نعمه ومساعدتهم بابنه يسوع المسيح ربّنا، الذي هو فادينا ومخلّصنا. والذين ينكرون أنه من الواجب التوسّل إلى القديسين الذين يتمتّعون في السماء بسعادة أبدية؛ أو الذين يقولون بأنّ هؤلاء لا يصلون من أجل البشر، وأن التوسّل إليهم لكي يصلّوا من أجل كل واحدٍ منّا هو عملٌ وثنيّ، أو إنّ ذلك يخالف كلمة الله، ويعارض كرامة يسوع المسيح، الوسيط الوحيد بين الله والبشر (رَ 1 تيم 2 : 5)؛ أو أنه من الحمق التوسّل شفويّاً أو عقلياً إلى من يملكون في السماوات: كل هؤلاء يفكّرون تفكير كفرٍ.
1822– ويجب على المؤمنين أيضاً تكريم أجساد الشهداء وسائر القديسين الذين يعيشون مع المسيح، أولئك الذين كانوا أعضاءً حيّة في جسد المسيح وهياكل الروح القدس (رَ 1 كو 3 : 16؛ 6 : 15، 19؛ 2 كو 6 : 16)، والذين سيقومون ممجدّين من لدنه للحياة الأبدية؛ بهم ينعم الله على البشر بإنعامات كثيرة. والذين يقولون بأنه يجب أن لا تكرّم ذخائر القديسين، أو أنه من العبث أن يكرمها المؤمنون هي وسائر التذكارات المقدسة، وأنه من العبث أن تزار أماكن استشهادهم لنيل عونهم، هؤلاء جميعاً يجب أن يشجبوا والكنيسة قد شجبتهم قديماً ولا تزال تشجبهم اليوم.
1823– وإلى ذلك يجب إقتناء وحفظ أيقونات المسيح، والعذراء مريم والدة الإله، وسائر القديسين، ولا سيّما في الكنائس، وتقديم الإكرام الواجب لها؛ لا أننا نعتقد أنّ فيها بعض الألوهة، أو بعض القوة التي تدعو إلى تكريمها، أو أننا نريد أن نسألها شيئاً، أو أن نضع ثقتنا في الأيقونات كما كان يفعل قديماً الوثنيون الذين كان رجاؤهم في الأصنام (رَ مز 135 : 15 – 17)، ولكن التكريم الذي نحوطها به يعود إلى المثل الأصيلين الذين تمثّلهم هذه الأيقونات. وهكذا فمن خلال الأيقونات التي نقبّلها، والتي أمامها نكشف عن رؤوسنا ونركع، نعبد المسيح ونكرم القديسين الذين تمثّلهم. هذا ما حدّدته قرارات المجامع، ولا سيما مجمع نيقية الثاني، ضدّ محاربي الأيقونات (رَ 600 – 603).
1824– وليعلّم الأساقفة بعنايةٍ أنه، بتاريخ أسرار فدائنا ممّثلةً في رسوم أو في ما أشبه ذلك يزداد الشعب علماً وثباتاً في حقائق الإيمان التي يجب عليه أن يتذكرّها ويجلّها دائماً. وإنه ليجنى ثمرٌ عظيم من جميع الأيقونات المقدسة، لا لأن الشعب يثقف منها الحسنات والمواهب التي يقدّمها له المسيح فقط، ولكن لكون معجزات الله التي تجرى على يد القديسين والقدوة الخلاصية التي يقدّمها هؤلاء أيضاً تصبح ماثلةً أمام عيون المؤمنين: هكذا يرفعون الشكر إلى الله، ويحملون حياتهم وأخلاقهم على الاقتداء بالقديسين، ويندفعون في عبادة الله ومحبته، والنموّ في التقوى. وإذا علّم أحدٌ أو رأى خلاف هذه القرارات: فليكن محروماً.
1825– لئن تسرّبت بعض التجاوزات في هذه الممارسات المقدّسة والخلاصية، فالمجمع المقدس يرغب بشدّةٍ في أن تلغى إلغاءً كاملاً، بحيث لا تعرض أي أيقونةٍ فيها انحرافٌ عقائديّ وما من شأنه أن يجرّ الشعب البسيط إلى ضلالةٍ ضارة.
إذا حدث أحياناً أن يعبرّ بالرسوم عن قصص الكتاب المقدس ورواياته، رغبةً في إفادة غير المثقّفين، فلا بدّ من لفت أنظار الشعب إلى أنها لا تمثّل الألوهة كما لو كانت الألوهة ترى بعيون الجسد، أو يعبّر عنها بألوان وأشكال.
فيجب إذن إبعاد كلّ خرافةٍ في التوسّل إلى القديسين، وفي تكريم الذّخائر، وفي الاستعمال المقدس للصّور. كل طلب للربح الخسيس يجب التّنكب عنه، ويجب أخيراً تجنّب كل ما يخرج عن الحشمة بحيث لا ترسم الصّور ولا تزّين بطريقة مثيرة…
ولكي يتَّبع ذلك بطريقةٍ دقيقة أقرَّ المجمع المقدس أنه لا يجوز لأحد، في أيّ مكان… أن يجعل، بنفسه أو بوساطة غيره، صورة خارجية عن المألوف، ما لم تنل تلك الصورة موافقة الأسقف، لا يعترف بمعجزاتٍ جديدة، ولا تقبل ذخائر جديدة بدون تدقيق الأسقف وموافقته.
3) مرسوم إصلاح عام، 3 كانون الأول 1563
المبارزة
1830– الفصل التاسع عشر: عادة المبارزة المقيتة التي أدخلتها حيل إبليس لكي ينال بموت الأجساد الدمويّ هلاك النفوس، هي عادةٌ يجب إقصاؤها من العالم المسيحيّ إقصاءً كلياً. والإمبراطور، والملوك… والأسياد الزمنيّون، أياً كان اسمهم، الذين يقدّمون في أرضهم مكاناً لأجل المبارزة بين المسيحيين، يكونون بمجرّد فعلهم هذا محرومين.
وأمّا الذين يتبارزون ومن يُسمَّون عرَّابيهم فينالون عقوبة الحرم الكامل… والخزي الدائم. يجب أن يعاقبوا بجرم القتل، طبق القوانين المقدسة، وإذا ماتوا في المبارزة نفسها يحرمون أبداً من الدفن الكنسيّ.
4) مرسوم في شأن الغفرانات، 4 كانون الأول 1563
1835– بما أنّ سلطة منح الغفرانات قد أعطاها المسيح للكنيسة، وبما أن الكنيسة قد درجت على هذه السلطة التي أتتها من لدن الله (رَ متى 16 : 19؛ 18 : 18)، حتى في أقدم الأيام، فالمجمع المقدس يعلّم ويطلب أن يحتفظ بعادة منح الغفرانات الخلاصية جداً للشعب المسيحي. وهو يرشق بالحرم من يدّعي أن الغفرانات غير ذات فائدة، ومن ينكر للكنيسة سلطة منحها.
إلاّ أنه يرغب في وضع حدودٍ لمنحها… منعاً لإضعاف النظام الكنسيّ بالانزلاق في التّساهل المقيت. فرغبةً في إصلاح التجاوزات التي تسربت إلى منح الغفرانات، والتي آلت إلى تهجّم الهراطقة عليها والقدح بها، رسم المجمع بهذا القرار أن تلغى، على وجه عامّ، جميع المساومات المالية الخسيسة في سبيل الحصول عليها.
Discussion about this post