المجمع الفاتيكاني الثاني
دستور عقائدي في الكنيسة
Lumen Gentium
الجلسة الخامسة العلنيّة، 21 تشرين الثاني 1964:
الفصل الأول: سرّ الكنيسة
توطئة
4101 -1- المسيح هو نور الشّعوب ، لذلك يرغب المجمع المقدّس الملتئم في الرّوح القدس، رغبةً حارةً في أن يستنير جميع الناس بنور المسيح المتألق على وجه الكنيسة، باعتلان الإنجيل للخليقة كلّها (مر 16: 15).
ولمّا كانت الكنيسة هي في المسيح بمثابة السرّ، أيّ العلامة والأداة في الاتّحاد الصّميم بالله ووحدة الجنس البشريّ برمتّه، فإنها بالاستناد إلى تعليم المجامع السّالفة، تروم أن توضح بوجه أدقّ، لمؤمنيها للعالم كلّه أجمع، طبيعتها الذاتيّة ورسالتها الجامعة، ولا سيمّا وإنّ الأحوال الراهنة تلّح عليها بقضاء هذا الواجب لكي يتمكن الناس من أن يحققّوا، هم أيضاً، وحدتهم التامة في المسيح، بعد إذ باتوا اليوم على اتّصال أوثق في ما بينهم بروابط الاجتماع والتقّنية والثقافة.
قصد الله الآب خلاص الناس
4102 -2- إنّ الآب الأزليّ، بتدبير حكمته وجودته الحرّ الخفي، قد أبدع الكون بأسره، وقضى بأن يرفع الناس إلى مستوى الشّركة في حياته الإلهية، ولمّا زلّوا في آدم لم يهملهم، بل ظلّ على الدوام حادباً عليهم بأيده الخلاصيّ، من أجل المسيح الفادي “الذي هو صورة الله الغير المنظور، والمولود قبل كل خليقة” (كول 1: 15). ثم إن جميع المختارين الذين سبق الآب فعرفهم منذ قبل الدهور، قد “ميزّهم وحدّد أن يكونوا مشابهين لصورة ابنه فيكون بكراً لأخوة كثيرين” (روم 8: 29)، وإنّ جميع الذين يؤمنون بالمسيح قرّر أن يدعوهم في الكنيسة المقدّسة، التي، بعد إذ بشر بها بالرموز منذ بدء العالم وهيّئت بوجه عجيب بتاريخ شعب اسرائيل والعهد العتيق، أنشئت في الأزمنة الأخيرة، وأعلنت بحلول الروح القدس، وستتم في المجد في اليوم الآخر، وإذ ذاك، كما ورد في الآباء القدّيسين، يجتمع عند الآب، في الكنيسة الجامعة، جميع الصدّيقين منذ آدم، “من هابيل البارّ إلى آخر مختار”.
رسالة الابن
4103 -3- فقد أتى الابن إذن، وقد أرسله الآب الذي اصطفانا فيه من قبل إنشاء العالم،وقضى بأن نكون ابناءً بالتبنّي، لأنه شاء أن يجمع فيه كلّ شيء (أف 1: 14-5و10). وعملاً بمشيئة الآب أنشأ المسيح على الأرض ملكوت الله، وكشف لنا عن سرّه، وحقّق بطاعته فداءنا. وبدأت الكنيسة، أيّ ملكوت المسيح الحاضر حضوراً سريّاً، تنمو بقدرة الله في العالم، نمواً ظاهراً. وهذان الابتداء والنمو يرمز أليهما الدم والماء الخارجان من جنب يسوع المطعون على الصليب (يو 19: 34)، وتشير إليهما كلمات الربّ في موته مصلوباً: “وأمّا أنا فمتى ارتفعت عن الأرض اجتذبت إليّ كل شيء” (يو 12: 32). ومن ثمّ فكل مرة تقام على المذبح ذبيحة الصليب التي “ذبح بها المسيح فصحنا” (1 كور 5: 7)، يتمّ عمل افتدائنا، وكذلك تتمثل، في سرّ الخبز الإفخارستي، وحدة المؤمنين الذين يؤلفون في المسيح جسداً واحداً (1كو 10: 17)، وتتحقّق. فإلى الاتحاد بالمسيح الذي هو نور العالم، والذي نحن منه، وبه نحيا، وإليه المصير، دعي الناس كلّهم أجمعون.
الروح الذي يقدّس الكنيسة
4104 -4- ولمّا أنجز العمل الذي كلّف الآب ابنه تحقيقه على الأرض (يو 17: 4)، أرسل الروح القدس، في يوم العنصرة، لكي يقدّس الكنيسة في استمرار، فيكفل للمؤمنين الدّخول إلى الآب بالمسيح في وحدة الروح (أف 2:8).فإنه هو روح الحياة، والنبع المتدفّق ماءً للحياة الأبدّية (يو 4: 14،7: 38-39). وبه يعطي الآب الحياة للذين أماتتهم الخطيئة، إلى يوم يبعث في المسيح أجسادهم المائتة (روم 8: 1-1).والروح يسكن في الكنيسة وفي قلوب المؤمنين كما في هيكل (1كور 3: 16،6: 19)، وفيهم يدعو،ولهم يشهد بأنهم أبناء الله بالتينّي (غلا 4: 6، رو 8: 15-16و26). وهذه الكنيسة التي يرشدها إلى الحقيقة كلّها (يو 16: 13) ويكفل لها وحدة الشركة والخدمة الرّوحية، يجهزّها ويقودها بمختلف المواهب، مواهب السّلطة ومواهب المنّة، ويزيّنها بثماره (أف 4: 11-12،1كور 12: 4،غلا 5: 22)، ثمّ إنه بقوّة الإنجيل يحفظ للكنيسة شبابها، ويجدّدوا في استمرار، سائراً بها إلى تمام الاتحاد بعريسها: ذلك بأنّ الروح والعروس يقولان للرّب يسوع: “هلّم” (رؤ 22: 17). وهكذا تظهر الكنيسة الجامعة “شعباً يستمدّ وحدته من وحدة الآب والابن والروح القدس”.
ملكوت الله
4105 -5- وسرّ الكنيسة المقدّسة يتجلّى في تأسيسها. فالربّ يسوع أنشأ الكنيسة بإعلانه البشرى السعيدة، أيّ مجيء ملكوت الله الموعود في الأسفار المقدّسة منذ الدهور: “فإنّ الزمان قد تمّ، وملكوت الله ههنا” (مر 1: 15، متىّ 4: 17).ويتجلّى هذا الملكوت على عيون النّاس في كلام المسيح، وأعماله، وحضوره: فكلمة الرّب قد شبّهت بزرع يزرع في الحقل (مر 4: 14)، فالذين يصغون إليها بإيمان وينضوون إلى قطيع المسيح الصغير (لو 12: 32)، ينالون هذا الملكوت بالذات. ثمّ إنّ الزّرع ينبت بقوّته الذاتية، وينمو إلى يوم الحصاد (مر 4: 26-29). أمّا معجزات يسوع فهي الدليل على أنّ الملكوت قد أتى على الأرض: “فلئن كنت بإصبع الله أخرج الشياطين فلأنّ ملكوت الله قد أتى في ما بينكم” (لو 11: 20، متّى 12:28). بيد أنّ الملكوت قد تجلّى أوّل ما تجلّى، في شخص المسيح بالذات، ابن الله وابن الإنسان،الذي “إنما أتى ليخدم، ويبذل نفسه فديةً عن الجماعة” (مز 10: 45).
4106– ولمّا نهض يسوع حيّاً، بعد ما قاسى الموت صلباً لأجل الناس، ظهر منصّباً رباً ومسيحاً وحبراً إلى الأبد (أع 2: 36، عب 5: 6، 7: 17-21)، وأفاض على تلاميذه الروح الذي وعد به الآب (أع 2: 33). ومن ثمّ فالكنيسة، وقد جهّزت بمواهب مؤسسها، وتسلك بأمانة في حفظ وصاياه في المحبّة والتواضع والكفر بالذات، تسلّمت رسالة الدعوة بملكوت الله والمسيح، وإنشائه في جميع الأمم، فكانت على الأرض بذرة هذا الملكوت وبدأه. غير أنّها فيما كانت تنمو شيئاً فشيئاً كانت تصبو إلى هذا الملكوت، راجيةً ومتمنيةً بكلّ قواها أن تتحد بملكها في المجد.
صور الكنيسة المتنوّعة
4107 -6- وكما أنّ الوحي بالملكوت كثيراً ما ورد في العهد العتيق على وجوه من التمثيل، كذلك، اليوم أيضاً، يعرّف إلينا جوهر الكنيسة الصميم بصور متنوعة، مقتبسة من حياة الرّعاية، أو الزّراعة، أو البناء ، بل حتّى من الحياة العيلية أو الزّواج، ولها جذور في كتب الأنبياء.
4108– فالكنيسة هي الحظيرة التي إنمّا المسيح بابها الذي لا باب سواه ولا بدّ منه (يو 10: 1-10)، وهي القطيع الذي أعلن الله من قبل أنّه سيكون هو راعيه (أش 40: 11، حز 34: 11وما بعده)، والذي يتعهّد نعاجه ويغذّيها- وإن يكن على رأسها رعاة بشر- هو المسيح بالذات، الرّاعي الصالح ورأس الرّعاة (يو 10: 11، 1بط 5: 4) الذي بذل نفسه عن نعاجه (يو 10: 11-15).
4109– وهي الأرض التي يزرعها الله، وحقله (1كور 3: 9). وفي هذا الحقل تنمو الزّيتونة القديمة التي كان الآباء أصلها المبارك، والتي بها جرت وستجرى المصالحة بين اليهود والأممييّن (روم 11: 13-26). وقد زرعها الكرّام السماويّ كرمةً مختارة (متّى 21: 33-43،أش 4: 1 وما بعده). والكرمة الحقيقية هي المسيح الذي يعطي الحياة والخصب للأغصان، أيّ لنا نحن الذين بالكنيسة نثبت فيه، وبدونه لا نستطيع شيئاً (يو 15: 1-5).
4110– وكثيراً ما تنعت الكنيسة بانها بناء الله (1كور 3: 9)، والربّ نفسه شبّه نفسه بالحجر الّذي رذله البنّاؤون ولكنّه صار رأس الزّاوية (متّى 21: 42، أع 4: 11،1بط 2: 7، مز 117: 22). وعلى هذا الأساس بنى الرّسل الكنيسة (1كو3: 11)، ومنه ثباتها وتلاحمها. وقد خصّ هذا البناء بتسميات متنوعة: فهو بيت الله (1تيم3: 15) الذي تسكن فيه أسرته، وهو مسكن الله في الروح (أف2: 19-22)، وخباء الله في الناس (رؤ 21: 3)، وهو بخاصة الهيكل المقدّس،الممثّل بالمعابد من حجارة، الذي أشاد به الآباء ، وتشبّهه الليترجيّا بحق بالمدينة المقدّسة، أورشليم الجديدة. ذلك بأننا كالحجارة الحيّة في بنائها على الأرض (1بط2: 5).وهي تلك المدينة المقدّسة التي شاهدها يوحنا، في ساعة تجديد الكون، نازلةً من السماء، من عند الله، مهيأةً كالعروس المزيّنة لعريسها (رؤ 21: 1وما بعده).
4111– وسميّت الكنيسة أيضاً “أورشليم العليا” (غلا 4: 26، رؤ12: 17) و”أمّنا”، ونعتت بالعروس التي لا عيب فيها للحمل الذي لا عيب فيه (رؤ 19: 7 ،21 :2و9 ،22: 17)، التي “أحبها المسيح وأسلم ذاته لأجلها لكي يقدّسها” (أف 5: 26)، واقترن بها بعهد لا ينفصم، و“يغذّيها، ويعتني بها” (أف 5: 29). وبعدما طهّرها أراد أن تتحد به وتخضع له في الحبّ والأمانة (أف 5: 24)، وأخيراً، أسبغ عليها إلى الأبد نعماً سماويةً لكي ندرك حبّ الله والمسيح لنا، وهو حب يسمو على كلّ معرفة (أف3: 19). بيد أنّ الكنيسة تحسب نفسها، ما دامت في طريقها على الأرض بعيداً عن الرّب (2كور5: 6)، أنّها في المنفى، بحيث إنّها تنشد وتشتهي العلويّات حيث المسيح جالس إلى يمين الله، إلى أن تتجلّى الكنيسة مع عريسها في المجد (كول3: 1-4).
الكنيسة جسد المسيح السرّي
4112 -7- ثم إنّ ابن الله افتدى الإنسان في الطّبيعة البشربّة التي اتّحد بها، بانتصاره بموته على الموت وبقيامته، وحوّله خليقةً جديدةً (غلا6: 15، 2كور5: 17). وإذ أحلّ روحه على إخوته الذين دعاهم من جميع الأمم جعلهم جسداً سريّاً له.
وفي هذا الجسد تنتشر حياة المسيح في المؤمنين الذين بالأسرار يتّحدون سرّياً ولكن حقيقةً، بالمسيح المتألم والممجد: فبالمعمودية نصير على شبه المسيح “إذ إننّا قد اعتمدنا جميعاً في الروح الواحد لنكون جسداً واحداً” (1كور12: 13)، فإن هذه الرّتبة المقدّسة تمثل اتّحادنا بموت المسيح وقيامته، وتحقّقه.ذلك بأنّنا “دفنّا معه بالمعمودية في موته”. ولئن“كنّا قد صرنا معه كياناً واحداً بشبه موته فإنّنا نصيره أيضاً بشبه قيامته” (روم6: 4-5). وإذ نشترك حقاً في جسد الرب، في كسر الخبز الإفخارستيّ، نرتفع إلى الشركة معه وفي ما بيننا. و“إذ ليس سوى خبز واحد فإننا جميعاً جسد واحد، نحن المشتركين في هذا الخبز الواحد” (1كور10: 17)، وهكذا نصير جميعاً أعضاء هذا الجسد (1كور12: 27) و”أعضاءً بعضنا لبعض” (روم12: 5).
4113– وكما أنّ أعضاء الجسد البشريّ لا تؤلّف، على تعدّدها، إلاّ جسداً واحداً، كذلك أيضاً المؤمنين في المسيح (1كور12:12). ثم إنّه في عمل بناء جسد المسيح تتنوع الأعضاء والوظائف. فإنّه واحد الروح الذي يوزّع مواهبه، بحسب غناه ومستلزمات الخدم، لفائدة الكنيسة (1كور 12: 1-11). ومن بين هذه المواهب تحتل النعمة التي منحت للرّسل المحلّ الأول، فالروح عينه يخضع لسلطانهم أصحاب المواهب أنفسهم (1كور14). وهو الروح عينه- الذي يوحّد الجسد بقوّته وبترابط الأعضاء الصميمم-يولّد المحبة بين المؤمنين وينمّيها. لذلك إذا تألّم عضو تألّمت الأعضاء كلّها معه، وإذ أكرم عضو فرحت الأعضاء كلّها معه (1كور12: 26).
4114– ورأس هذا الجسد هو المسيح الذي هو صورة الله الغير المنظور، وبه كوّنت الأشياء كلّها. إنّه قائم قبل جميع الأشياء، وبه قيام كلّ شيء . إنّه رأس الجسد الذي هو الكنيسة. إنّه المبدأ، والبكر بين الأموات، لكي يكون له الأوليّة في كلّ شيء (كور11: 15-18). بعظمة قدرته يسود على ما في السماء وما في الأرض، وبكماله وفعله المطلق يملأ الجسد كلّه بغنى مجده (أف1: 18-23).
4115– فعلى جميع الأعضاء أن تسعى للتمثّل به إلى أن يتكون المسيح فيها (غلا 4: 19). من أجل ذلك أشركنا في أسرار حياته، وصوّرنا على مثاله، ونموت ونبعث معه، إلى أن نملك معه (فيل3: 21، 2 تيم2: 11، أف2: 6، كول2: 12 ألخ). وما دمنا في سفر على الأرض، نترسّم خطواته في الشدّة والاضطهاد، فإننّا نشترك في آلامه اشتراك الجسد في الرأس، متألّمين معه لنتمجّد معه (روم8: 17).
ومنه “يستمد الجسد كلّه، بأليافه ومفاصله، الترابط والتلاؤم، ليبلغ نموه في الله” (كول2: 19). وهو الذي يوزع بلا انقطاع في جسده، أيّ في الكنيسة، مواهب الخدم التي بها نتبادل، بقوتّه، الخدمات المجدية للخلاص، حتّى إذا ما صدقنا في المحبّة ننمو في كلّ شيء في اتجاه من هو رأسنا (أف 4: 11-16 يوناني).
4116– ولكي نتجدّد فيه باستمرار (أف3: 24) آتانا أن نشترك في روحه، الذي إذ هو واحد وهو عينه في الرأس وفي الأعضاء، يحيي الجسد كلّه، ويوحّده، ويحرّكه، حتّى لقد شبّه الآباء القدّيسون فعله بوظيفة الروح التي هي مبدأ الحياة في الجسد.
4117– ثمّ إنّ المسيح يحبّ الكنيسة من حيث هي عروسه، جاعلاً من نفسه غراراً للزوج الذي إذ يحبّ زوجته يحبّ جسده الخاص (أف5: 25-28)، وأمّا الكنيسة نفسها فتخضع لرأسها (أف5: 23-24). “ولمّا كان كلّ ملء اللاّهوت قد حلّ فيه جسديّاً” (كول 2: 9) فإنه يملأ بمواهبه الإلهية الكنيسة التي هي جسده وملئه (أف1: 22-23) لكي تسعى وتبلغ ملء الله كاملاً (أف 3: 19).
الكنيسة منظورة وروحية معاً
4118 -8- وإنّ المسيح، الوسيط الواحد، قد أقام على هذه الأرض كنيسته مقدّسةً، شركة إيمان ورجاء ومحبة، هيكلاً عضوياً منظوراً، وهو يسندها على الدوام، ويفيض بها على الجميع الحقيقة والنعمة. بيد أنّ هذا المجتمع المجهّز بأعضاء ذوي سلطات، جسد المسيح السرّي، الجماعة المنظورة والشركة الروحية، كنيسة الأرض والكنيسة الغنيّة بنعم السماء، يجب ألاّ يعدّ حقيقتين، بل هو حقيقة واحدة مركبة، ذات عنصرين بشريّ وإلهيّ.ومن ثمّ فليس من قبيل العبث في القياس أن يشبّه بسرّ الكلمة المتجسّد.فكما أنّ الطبيعة التي تدرّع بها الكلمة الإلهيّ يستخدمها أداةً حيّةً للخلاص متّحدةً به اتّحاداً لا ينفصم، كذلك أيضاً المركب العضويّ المجتمعيّ الذي تتألّف منه الكنيسة يستخدمه روح المسيح، الذي يحييه، سبيلاً إلى نموّ الجسد (أف4: 16).
4119– تلك هي كنيسة المسيح الواحدة التي نعترف بها في قانون الإيمان بأنّها واحدة مقدّسة جامعة رسوليّة،والتي سلّمها مخلّصنا بعد قيامته إلى بطرس لكي يكون لها راعياً (يو21: 17)، والتي أناط ببطرس وسائر الرسل أمر نشرها وقيادتها (متّى 28: 18وما بعده)، والتي أقامها على الدّوام “عموداً للحقيقة وقاعدةً لها” (1تيم 3: 15). هذه الكنيسة التي أنشئت ونظّمت كمجتمع في هذا العالم إنمّا تستمرّ في الكنيسة الكاثوليكيّة التي يسوسها خليفة بطرس والأساقفة الذين هم على الشركة معه، وإن تكن عناصر عديدة للتقديس والحقيقة لا تزال قائمةً خارج هيكلها العضويّ المنظور، من حيث هي مواهب خاصة بكنيسة المسيح، إلى الوحدة الكاثوليكية.
4120– ولمّا كان المسيح قد تمّم عمله الفدائي في الفقر والاضطهاد فإن الكنيسة قد دعيت هي أيضاً إلى انتهاج هذه الطريق عينها لكي تشرك الناس في ثمار الخلاص. فالمسيح يسوع “إذ كان في حالة الله لا شيء ذاته، آخذاً حالة عبد” (فيل 2: 6)، ولأجلنا، “هو الغني، صار فقيراً” (2كور8: 9)، كذلك الكنيسة أيضاً، فإنها على كونها تفتقر إلى موارد بشريّة للقيام برسالتها،لم توجد لتطلب المجد الدنيوي، بل لتعلّم بمثالها أيضاً ما التواضع والكفر بالذات.فالمسيح قد أرسله الآب “ليبشر المساكين ويجير القلوب الكسيرة” (لو 4: 18) و”يطلب ويخلص ما كان هالكاً” (لو 19: 10)، كذلك الكنيسة تغمر بحبّها جميع الذين يرهقهم الضعف البشريّ بل ترى في الفقراء والمتألّمين صورة مؤسّسها الفقير المتألم، وتعمل جاهدةً على تلطيف بؤسهم، وتريد أن تخدم المسيح فيهم. ولكن فيما المسيح “القدّوس البريء ولا عيب فيه” (عب7: 26) لم يعرف الخطيئة (2كور5: 21) بل أتى ليكفّر عن خطايا الشعب فقط (عب2: 17)، فإنّ الكنيسة التي تضم في حضنها الخطأة هي، في آن واحد، مقدّسة ومفتقرة دائماً إلى التّطهير، ولا تني عاكفةً على التوبة والتجدّد.
4121– والكنيسة “تواصل طريقها ما بين اضطهادات العالم وتعزيات الله”، مبشّرةً بصليب الربّ وموته إلى أن يأتي (1كور11: 26). إنمّا تتقوّى بقوة الرّب النّاهض من الموت، لكي تتغلّب بالصبر والمحبّة على مضايقها ومصاعبها التي من الدّاخل ومن الخارج، وتكشف للعالم بأمانة سرّ الرّب الذي لن ينفكّ يغشاه الظلّ إلى أن يتجلّى في النهاية في وضح النّور.
الفصل الثاني: شعب الله
العهد الجديد والشعب الجديد
4122 -9- إنّ من يتّقي الله ويعمل البرّ، في كلّ زمان وكلّ أمّة، لمقبول عند الله (أع 10: 35). وإنّما شاء الله أن يقدّس الناس ويخلّصهم، لا متفرّقين بدون ما ترابط في ما بينهم، بل أراد أن يجعلهم شعباً يعرفه في الحقيقة ويخدمه في القداسة.فاختار لنفسه شعب إسرائيل شعباً، وقطع معه عهداً، ونشّأة شيئاً فشيئاً، مظهراً له نفسه ومقاصده في غضون تاريخه، ومقدّساً إيّاه لنفسه. بيد أن هذا كلّه كان على سبيل التهيئة والرمز للعهد الجديد الكامل الذي سيبرم في المسيح، وللوحي الكامل الذي سينزل به كلمة الله المتجسد نفسه:“ها إنّها تأتي أيام، يقول الربّ، أقطع فيها مع آل إسرائيل وآل يهوذا عهداً جديداً… فأجعل شريعتي في أحشائهم، واكتبها في قلوبهم، وأكون إلهم ويكونون شعبي … وكلهم سيعرفوني من أكبرهم إلى أصغرهم، يقول الربّ” (ار35: 31-34). فهذا العهد الجديد هو العهد الذي أبرمه المسيح، العهد الجديد بدمه (1كور11: 25)، داعياً اليهود والأممييّن ليجعل منهم شعباً يجتمع في الوحدة، لا يحسب الجسد بل بحسب الروح، ويصير شعب الله الجديد.ومن ثمّ فإنّ الذين يؤمنون بالمسيح- وقد ولدوا ثانيةً لا من زرع قابل الفساد بل من زرع لا يفسد، وهو كلمة الله الحيّ (1بط1: 23)، ولا من الجسد بل من الماء والروح القدس (يو3: 5-6)– أقيموا أخيراً “ذريّةً مختارةً، كهنوتاً ملوكيّاً، أمّةً مقدّسةً، شعباً مقتنى… لم يكونوا من قبل شعباً فصاروا اليوم شعب الله (1بط2: 9-10).
4123– فهذا الشعب المسيحانيّ رأسه المسيح “الذي أسلم من أجل خطايانا وقام لأجل برنّا” (روم 4: 25)، الذي، بعد إذ نال اسماً لا اسم فوقه، يملك الآن مجيداً في السماوات.وهذا الشعب حاله حال الكرامة وحريّة أبناء الله، في قلوبهم يسكن الروح القدس سكناه في هيكله.وشريعته الوصية الجديدة: أن يحبّ كما أحبنا المسيح نفسه (يو13: 34). وغايته أخيراً ملكوت الله الذي بدأه الله نفسه على الأرض، وعليه أن يمتدّ من بعد إلى أن يتمّه الله نفسه، في آخر الزمان، عندما يظهر المسيح حياتنا (كول3: 4)، “وتعتق الخليقة من عبودية الفساد إلى حرّية مجد أبناء الله” (روم8: 21). وهذا الشعب المسيحانيّ، وإن كان بعد لا يضمّ في الواقع جميع الناس، ويبدو في الغالب بمظهر القطيع الصغير، فهو مع ذلك للجنس البشري برمّته، نواة وحدة ورجاء وخلاص بالغ الفعاليّة. لقد أقامه المسيح شركة حياة ومحبّة وحقيقة، وهو في يده أيضاً أداة الفداء لجميع الناس، وأرسله في العالم كلّه نوراً للعالم وملحاً للأرض (متّى5: 13-16).
4124– وكما أنّ اسرائيل بحسب الجسد قد دعي، فيما كان سالكاً في القفر، بكنيسة الله (عز13: 1،عد20: 4،تث23: 1 وما بعده)،كذلك اسرائيل الجديد، السالك في الدهر الحاضر في طلب الآتية الباقية (عب13: 14)، قد دعي هو أيضاً بكنيسة المسيح (متّى16: 18)، لأنه هو الذي اقتناه بدمه (أع 20: 28)، وملأها من روحه، وجهّزها بالوسائل المؤاتية لأجل اتّحادها الظاهر المجتمعّي. فإنّ الله قد دعا جماعة الذين في الإيمان ينظرون إلى يسوع، صانع الخلاص ومبدأ الوحدة والسلام، وأنشأ منهم الكنيسة لكي تكون للجميع ولكلّ واحد منهم السرّ المنظور لهذه الوحدة الخلاصيّة. ولمّا كان عليها أن تمتدّ إلى جميع المناطق دخلت تاريخ البشر على كونها تتخطى حدود الشعوب في الزمان والمكان.وإذ تسلك الكنيسة طريقها في وسط المحن والشدائد يعضدها الله بقوّة نعمته التي وعدها الربّ بها لئلا تخلّ بالامانة الكاملة بسبب وهن الجسد، بل تظلّ لربّها العروس الخليقة به، وتستمرّ على التجدّد الذاتي بفعل الروح القدس إلى أن تبلغ في طريق الصليب النور الذي لا يعقبه غروب.
4125 -10- إنّ المسيح الرب، الحبر المأخوذ من بين الناس (عب5: 1-5)، قد جعل من الشّعب الجديد “ملكوتاً وكهنةً لله أبيه” (رؤ1: 6،5: 9-10).ذلك بأن المعمّدين قد تكرّسوا بالميلاد الثاني ومسحة الروح القدس لكي يكونوا مسكناً روحياً وكهنوتاً مقدّساً، ويقرّبوا بعملهم المسيحيّ كلّه قرابين روحيةً، ويعلنوا قدرة ذاك الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط2: 4-10). فليقرّب إذن جميع تلاميذ المسيح أنفسهم، مواظبين على الصلاة وحمد الله (أع2: 42-47)، قرابين حيّةً، مقدّسةً، مرضيةً لله(روم12: 1)، ويشهدوا للمسيح في كلّ مكان، ويقيموا الدليل، في كل مطلب، على الرجاء الذي فيهم للحياة الأبدية (1بط3: 15).
4126– إنّ كهنوت المؤمنين المشترك وكهنوت الخدمة الراعويّة أو الرئاسة، مترابطان كلاهما بالآخر وان اختلفا في الجوهر لا في الدرجة فقط،ذلك بأن كلا هذا وذاك يشتركان، كلّ على نحو خاصّ ، في كهنوت المسيح الواحد. فكهنوت الخدمة ينشئ ، بما له من سلطان مقدّس، الشعب الكهنوتي، ويقوده، ويقيم، في وظيفة المسيح، الذبيحة الإفخارستيّة، ويقرّبها إلى الله باسم الشعب كلّه. وأما المؤمنون فيشتركون بكهنوتهم الملوكيّ في تقديم الإفخارستيّا، ويمارسون هذا الكهنوت بقبولهم الأسرار، ثم بالصلاة والحمد وشهادة السيرة المقدّسة، ثم بالكفر بالذات والمحبّة الفعّالة.
ممارسة الكهنوت العام في الأسرار
4127 -11- تتجسد ميزة الجماعة الكهنوتية في قدسيتها ونظاميتها بالأسرار والفضائل . والمؤمنون الذين دخلوا في الكنيسة بالعماد قد اقتبلوا وسماً يخولهم حقاً العبادة الدينية المسيحية . ولما اصبحوا أبناء الله بالميلاد الجديد , أخذوا على عاتقهم أن يقروا أمام الناس بالايمان الذي اقتبلوه من الله بواسطة الكنيسة. ولقد غدا ارتباطهم وثيقاً بالكنيسة وذلك بواسطة سر التثبيت. واغتنوا بقوة الروح القدس الخاصة , وهكذا صار عليهم بنوع خاص ان ينشروا الايمان ويدافعوا عنه بالقول والفعل شهوداً حقيقيين للمسيح. وباشتراكهم في ذبيحة الافخارستيا، ينبوع وقمة كل حياة مسيحية، يقدمون لله الذبيح الالهي ويقدمون ذواتهم معه. وهكذا بالتقدمة كما بالتناول المقدس، يأخذ الكل حصته من العمل الطقسي لا على السواء بل على النحو الذي له وبالنتيجة يتجددون بجسد المسيح، بالمائدة المقدسة، ويُظهرون، بشكل جلي، وحدة شعب الله التي يعنيها ويحققها تماماً وبنوع عجيب هذا السر العظيم .
4128– وأولئك الذين يتقدمون من سر التوبة يقتبلون فيه من رحمة الله غفراناً عن الإساءة التي الحقوها به، ويتصالحون، في الوقت عينه، مع الكنيسة التي جرحوها بخطيئتهم والتي ندأب في العمل على توبتهم بالمحبة، والمثل، والصلاة، وبمسحة المرضى المقدسة وصلاة الكهنة تكل الكنيسة جمعاء أمر المرضى إلى الرب المتألم والممجد، ليخفف عنهم ويخلصهم ( راجع يعقوب 5/ 14 – 16 ). وفضلاً عن ذلك، إنها تحثهم على الاشتراك بكل حرية في آلام المسيح وموته (راجع روم 8/ 17؛ كول 1/ 24؛ 2 تيمو 2/ 11- 12؛ 1 بط 4/ 13)، فيسهمون هكذا بدورهم في خير شعب الله. وأما المؤمنون الذين وسموا بالكهنوت المقدس إنما اقيموا باسم المسيح ليرعوا الكنيسة بكلمة الله ونعمته. وبقوة سر الزواج الذي يؤهلهم ليرمزوا عن سر الوحدة والحب الخصب المتبادل بين المسيح والكنيسة ويشتركون فيه (راجع افسس 5/ 32)، يتعاون الأزواج المسيحيون على تقديس الحياة الزوجية بتقبلهم الأولاد وتربيتهم. ولهم في حالتهم هذه وعلى مستواهم، المواهب الخاصة في شعب الله (راجع 1 كور 7/ 7). وعن اتحادهم تنبثق العائلة حيث يولد أعضاء المجتمع البشري الجدد الذين يصبحون بالعماد وبنعمة الروح القدس أبناء الله، وهكذا يدوم شعب الله إلى مدى الدهور. ففي هذا البيت الذي هو شبه كنيسة، على الوالدين ان يكونوا لأولادهم بالقول والمثل مبشري الإيمان الأولين، وذلك خدمة لدعوة كل واحد منهم الخاصة، وبنوع أخص للدعوة المقدسة.
4129– وإن كل المؤمنين بالمسيح المزودين بوسائل خلاصية غزيرة وعظيمة، أياً كان وضعهم وحالهم، يدعوهم الله، كل حسب طريقه، إلى قداسة تجد كمالها في الآب بالذات.
معنى الإيمان والمواهب في الشعب المسيحي
4130 -12- يشارك شعب الله المقدس أيضاً في مهمة المسيح النبوية، فينشر قبل كل شيء شهادة حية بعيش إيمانه ومحبته، ويقرب لله ذبيحة الحمد، ثمرة شفاه تعترف باسمه (راجع عبر 13/ 15). ولما كان لجمع المؤمنين مسحة من القدوس (راجع 1 يو 2/ 20 و27)، فإنهم لا يستطيعون أن يضلوا في الإيمان. وإنهم يعبرون عن هذه الميزة الخاصة التي يملكون بواسطة الذوق الفائق الطبيعة لإيمان الشعب بكلتيه، وذلك بأن يجمعوا إجماعاً شاملاً “من الأساقفة حتى آخر علماني مؤمن”، على حقائق الإيمان والأخلاق. فبفضل ذوق الإيمان هذا، الذي يوقظه روح الحق ويعضده، وتحت قيادة السلطة التعليمية المقدسة التي إذا ما أُديت لها الطاعة بأمانة، قبل شعب الله لا كلاماً بشرياً بل حقاً كلام الله (راجع 1 تسا 2/ 13)، فيتمسك تمسكاً متيناً بالإيمان الذي سلم نهائياً إلى القديسين ( راجع يه 3 )، ويتعمق في فهمه تعمقاً متزايداً، إذ يفكر فيه تفكيراً قويماً ويعمل به في حياته بالتمام.
4131– ولا يتوقف الروح عينه على أن يقدس شعب الله بالأسرار والخدام، وأن يقوده ويزينه بالفضائل، بل علاوة على ذلك ,يوزع بين المؤمنين من كل درجة “مقسماً عطاياه، كيف شاء، على كل واحد” (1 كور 12 /11)، نعماً خصوصية تجعله اهلاً ومستعداً لتحمل التبعات المختلفة والخدم المفيدة لتجديد الكنيسة وانتشارها،على ما جاء ” ان كل واحد انما يعطى اظهار الروح للمنفعة العامة ” ( 1 كور 12/7 )، فهذه المواهب من الأكثر بهاء إلى الأشد بساطة، حتى الى الأوسع انتشاراً، يجب أن تقبل بالشكر وان تحمل التعزية، غذ انها قبل كل شىء قد أتت طبقاً لحاجات الكنيسة مجاوبة عليها. على أنه ليس من الفطنة أن تطلب العطايا الخارقة، وإنه لادعاء أن نرجو من هذا القبيل ثمرة الأعمال الرسولية. إنما يعود للمسؤولين في الكنيسة أن يحكموا في أصالة هذه العطايا وحسن استعمالها. وحري بهم خاصة لا أن يطفئوا الروح، بل أن يمتحنوا كل شيء: ليتمسكوا بما هو حسن (راجع 1 تسا 5 /12 . 19-21 ).
شمول أو كثلكة شعب الله الواحد
4132 -13- إن كل الناس مدعوون ليكونوا شعب الله الجديد. لذلك على هذا الشعب ان يمتد الى العالم بكامله والى آخر الدهر، مع بقائه واحداً ووحيداً ليكمل مادبرته ارادة الله التي خلقت الطبيعة الإنسانية واحدة منذ البدء، وقررت ان تجمع أخيراً إلى واحد ابناء ذلك الشعب المشتتين (راجع يو 11/ 52 ). لهذه الغاية أرسل الله ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء ( راجع عب 1/ 2 ) كي يكون للكل معلماً، وملكاً، وكاهناً، ورأساً لشعب أبناء الله الجديد والشامل. وأخيراً أرسل الله لهذه الغاية روح ابنه، الرب المحيي، الذي هو للكنيسة جمعاء، لجميع المؤمنين ولكل فرد منهم، مبدأ تجمعهم ووحدتهم في تعليم الرسل، والشركة الأخوية، وكسر الخبز والصلوات ( راجع اع 2 /42 يوناني ).
4133– وهكذا إن شعب الله الواحد لموجود بين شعوب الأرض قاطبة، لأنه من هذه الشعوب جميعها أخذ أعضاءه، مواطني مملكة ليست من طبيعة ارضية بل سماوية. وبالفعل فإن كل المؤمنين المنتشرين في العالم يشتركون مع الآخرين في الروح القدس. “وهكذا فإن الساكن في روما يعرف أن الهنود هم أعضاء بالنسبة اليه”. وبما أن مملكة المسيح ليست من هذا العالم ( راجع يو 18 /36 ) فالكنيسة، أو شعب الله بدء ذلك الملكوت، لا يتنكر لشيء من ثروات الشعوب الزمنية، بل بالعكس يعززه ويتبنى مقدرات تلك الشعوب وثرواتها وطرق معيشتها بقدر ماهي خيرة. وبهذا التبني يطهرها ويقويها ويرفعها، فتذكر ان عليها ان تجتمع بذلك الملك، من إليه أعطيت الأمم ميراثاً ( راجع مز 2 /8 )، ومن الى مدينته تحمل الأمم الهدايا والتقادم ( راجع مز 71 (72 ) /10 ؛ اش 60 /4-7 ؛ رؤيا 21 /24 ). وطابع الشمول الذي يجمل شعب الله هو عطية الرب عينه. بفضله تحاول الكنيسة الكاثوليكية بصورة فعالة ومستمرة أن تجمع البشرية بكاملها وكل خيورها تحت المسيح الرأس في وحدة روحه.
4134– وبقوة هذه الكثلكة يحمل كل جزء للآخرين وللكنيسة عطاياه الخاصة، بنوع ان الكل والأجزاء منفردة تنمو بمقايضة شاملة متبادلة وبجهد مشترك نحو ملء الوحدة. لهذا لا يتجمع شعب الله من الشعوب المختلفة فحسب، بل إنما يتألف في ذاته من الدرجات المتنوعة. وإن لبين الاعضاء اختلافاً، سواء في الوظائف اذ يقوم البعض بالخدمة المقدسة لأجل خير اخوتهم، وسواء في الوضع ونظام الحياة اذ يكون الكثيرون في الحالة الرهبانية مثلاً لاخوتهم، يحثهم على السعي حثيثاً الى القداسة عبر طريق اكثر تطلباً. وبالتالي توجد شرعياً في الشركة الكنسية كنائس خاصة تنعم بتقاليدها الذاتية، مع الحفاظ التام على رئاسة كرسي بطرس الذي يرئس جماعة المحبة الشاملة، ويضمن الفروقات الشرعية ويسهر ايضاً على ان تكون الخصوصيات مفيدة له دون ان تلحق اذى بالوحدة. وينتج اخيراً بين اجزاء الكنيسة المختلفة رباطات الشركة الحميمة في الخيور الروحية وفي اقتسام العمال الرسوليين والخيرات المادية. فأعضاء الله مدعوون طبعاً إلى أن يتقاسموا خيراتهم. وعلى كل من الكنائس تنطبق كلمات الرسول القائل: ” ليخدم كل واحد الآخرين بالموهبة التي نالها على ما يجدر بوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة ” ( 1 بطر 4/ 10 ).
4135– فجميع الناس مدعوون الى الدخول في وحدة شعب الله الجامعة، هذه التي تبشر بالسلام العام وتحث عليه؛ من ناحية وتحت أشكال شتى ينتمي إلى هذه الوحدة المؤمنون بالمسيح، وأخيراً وبدون استثناء جميع الذين تدعوهم نعمة الله إلى الخلاص.
المؤمنون الكاثوليك
4136 -14- يوجه المجمع المقدس تفكيره في بادىء الأمر إلى المؤمنين الكاثوليك. ويعلِّم أن هذه الكنيسة في سيرها على الأرض ضرورية للخلاص مستنداً في ذلك الى الكتاب المقدس والتقليد. فالمسيح وحده وسيط الخلاص وطريقه، هو حاضر لنا في جسده اي الكنيسة. وهو نفسه إذ شدد بصريح العبارة على ضرورة الإيمان والعماد ( راجع مر 16/16؛
يو 3 /5) قد أكد لنا في الوقت ذاته ضرورة الكنيسة التي يدخلها الناس بالعماد الذي هو الباب. وعليه لن يستطيع أن يخلص أولئك الذين يرفضون إما أن يدخلوا الكنيسة الكاثوليكية أو أن يبقوا فيها، بينما يعلَمون أن الله أسسها بيسوع المسيح ضرورية للخلاص.
4137– وينتمي إلى مجتمع الكنيسة انتماءً تاماً أولئك الذين، بروح المسيح الذي لهم، قبلوا نظامه بكامله ووسائل الخلاص التي أُعطيت له، والذين بفضل روابط الإعتراف بالإيمان والأسرار، والسلطة الكنسية والشركة يتحدون مع المسيح في مجموعة الكنيسة المنظورة يديرها بواسطة الحبر الاعظم والأساقفة. ولكن الانتماء إلى الكنيسة لا يؤكد الخلاص لِمن، إذ لمْ يدم في المحبة، بقي في الكنيسة قالباً لا قلباً. و على أبناء الكنيسة كلهم أن يتذكروا أن وضعهم الممتاز يرجع، لا إلى استحقاقتهم الشخصية بل إلى نعمة خاصة من المسيح، التي إذا لم يتجاوبوا معها فكراً وقولاً وفعلاً، استحقت لهم لا الخلاص بل دينونة عظمى.
4138– أما الموعظون الذين، بدافع من الروح القدس، يطلبون بإرادة صريحة أن ينتموا إلى الكنيسة فإنهم، بهذا الشوق، يتحدون بها و الكنيسة الأم تغمرهم كأبناء لها بعطفها و عنايتها.
رباطات الكنيسة بالمسيحين غير الكاثوليك
4139 -15- ولأسباب شتى تعرف الكنيسة انها مرتبطة بالذين، وقد تعمدوا، يتشرفون بالاسم المسيحي دون أن يقروا بالايمان الكامل أو يحفظوا وحدة الشركة تحت خليفة بطرس. فإن العديدين منهم يجلون الكتاب المقدس قاعدةً للايمان والحياة، ويظهرون غيرة دينية مخلصة، ويؤمنون من كل قلبهم بالله الآب القدير وبالمسيح ابن الله المخلِّص، ويتسمون بالعماد الذي يربطهم بالمسيح، وفوق ذلك يقرون بسائر الأسرار ويقبلونها في كنائسهم الخاصة وفي جماعاتهم الكنسية. والكثيرون من بينهم ينعمون أيضاً بالاسقفية، ويحتفلون بالافخارستيا المقدسة، وأيضاً يعززون التقوى نحو العذراء أم الله. أضف الى ذلك الشركة في الصلاة وفي أعمال الخير الاخرى الروحية، ورباطاً حقيقياً بالروح القدس الذي، بواسطة مواهبه ونعمه، يعمل فيهم عمله المقدس ويقوي البعض منهم حتى سفك دمائهم. وهكذا يبعث الروح القدس في كل تلاميذ المسيح الشوق والعمل الى أن يجتمع الكل بسلام، حسب الطريقة التي ارتآها المسيح، في قطيع واحد بقيادة الراعي الواحد. لهذه الغاية لا تفتر أمنا الكنيسة تصلي، وتترجى وتعمل، حاثة أبناءها على أن يتطهروا ويتجددوا حتى تلمع علامة المسيح بأكثر جلاء على وجه الكنيسة.
غير المسيحيين
4140 -16- أما الذين لم يقبلوا الانجيل بعد، فإنهم متجهون نحو شعب الله بطرق شتى. بادىء ذي بدء ذلك الشعب الذي إقتبل العهد والمواعيد، ومنه خرج المسيح بحسب الجسد ( راجع روم 9 /4-5 )؛ شعب محبوب من حيث الاختيار، من أجل الآباء، لأن مواهب الله ودعوته هي بلا ندامة ( راجع روم 11 /28-29 ). ولكن تصميم الخلاص إنما يشمل الذين يعترفون بالخالق، ومن بينهم أولاً المسلمون الذين يقرون أن لهم إيمان ابراهيم، ويعبدون معنا الاله الواحد الرحيم، الذي سيدين البشر في اليوم الأخير. وحتى الذين يفتشون بعد وتحت الأشكال وفي الصور عن إله يجهلونه، ليس الله ببعيدٍ عنهم، لأنه هو الذي يمنح الجميع حياة ونفساً وكل شيء ( راجع اع 17 /25-28)، ولأنه كمخلص يريد أن يقود كل الناس الى الخلاص ( راجع 1 تيمو 2/ 4). وايضاً أولئك الذين، دون خطأ منهم، يجهلون إنجيل المسيح وكنيسته، إنما يفتشون عن الله بنيَّة صادقة، ويجتهدون في أن يكملوا بأعمالهم ارادته، التي تُعرَف لديهم، من خلال أوامر ضميرهم، هم أيضاً يبلغون الى الخلاص الأبدي. ولا تمنع العناية الالهية المعونات الضرورية للخلاص، عن الذين بدون ذنبٍ منهم، لم يتوصلوا بعد الى معرفة الله الصريحة، ويعملون على أن يسيروا سيرة مستقيمة بمساعدة النعمة الإلهية. وكل ما يمكن أن يوجد عندهم من خير وحق، إنما تعتبره الكنيسة استعداداً انجيلي، وعطية من ذلك الذي ينير كل إنسان، لكي تكون له الحياة في النهاية. ولكن غالباُ ما خدع إبليس البشر فضلوا في تفكيرهم، واستبدلوا حقيقة الله بالباطل، وعبدوا المخلوق دون الخالق ( راجع روم 1 /21 و25 ). أو أنهم عاشوا وماتوا بدون إله في هذا العالم، فعرَّضوا ذواتهم إلى أقصى حدود اليأس. لهذا تضع الكنيسة كل اهتمامها في تشجيع الرسالات، لمجد الله وخلاص النفوس، متذكرة وصية المخلص: “اكرزوا بالانجيل للخليقة كلها” ( مرقس 16 /16 ).
طابع الكنيسة الإرسالي
4141 -17- كما أن الآب أرسل ابنه كذلك أرسل الابن نفسه رسلَه ( راجع يو 20 /21 ) وقال لهم: “اذهبوا إذ، وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم طوال الأيام إلى منتهى الدهر” ( متى 28/ 18-20 ). ولقد تسلَّمت الكنيسة من الرسل وصية المسيح الرسمية، لتكرز بحقيقة الخلاص وتتابع تنفيذها إلى أقاصي الأرض ( اع 1 /8 ). لذلك أخذت على عاتقها كلمات الرسول القائل: “الويل لي إن لم أبشر” (1 كو 9 /16). وما زالت ترسل المبشرين دون انقطاع، حتى تتركز الكنائس الفتية تماماً، فتتابع عمل التبشير بذاتها. ويحثها الروح القدس على أن تسهم في تحقيق تصميم الله، الذي أقام المسيح مبدأ خلاص العالم بأجمعه. وإذ تبشر الكنيسة بالانجيل فهي تجذب أولئك الذين يسمعونه، ليؤمنوا ويعترفوا بإيمانهم، وتعدّهم للعماد، وتعتقهم من عبودية الضلال، وتضمهم الى المسيح، لينموا فيه بالمحبة ويبلغوا الكمال. وتقوم الكنيسة بأعمالها، كيلا يندثر كل ما تجده مغروساً من خير في قلوب البشر وعقولهم، وفي طقوس الشعوب وثقافاته، بل كي تشفيه وترفعه وتكمله لمجد الله، وخزي ابليس، وسعادة الانسان. وعلى كل من تلاميذ المسيح، أن يأخذ قسطه في مهمة نشر الايمان. ولكن اذا كان أي شخص يستطيع أن يمنح المؤمنين العماد، فإلى الكهنة وحدهم يعود أن يكمل بنيان الجسد بذبيحة القربان، اذ يتمون كلام الله القائل بصوت النبي : “لأنه من مشرق الشمس الى مغربها اسمي عظيم في الأمم، وفي كل مكان تقتر وتقترب لاسمي تقدمة طاهرة (ملا 1 /11). وهكذا تصلي الكنيسة وتعمل معاً لكي يتغير العالم كله في كماله الى شعب الله، أي جسد المسيح وهيكله الروح القدس، ويؤدي في المسيح، رأس الكل، إلى الآب خالق الكون، كل إكرام وتمجيد.
الفصل الثالث: في نظام السلطة الكنسية وبنوع أخص في الأسقفية
مقدمة
-18- لقد وضع السيد المسيح في الكنيسة، لرعاية شعب الله وإنمائه، خدماً مختلفة تهدف إلى خير الجسد كله. فالخدّام الذين يتمتعون بالسلطة المقدسة، يخدمون إخوتهم حتى يصل إلى الخلاص كل الذين هم من شعب الله، وبالتالي ينعمون بكرامةٍ مسيحيةٍ حقة، وقد تكاتفوا بحرية ونظام نحو الهدف ذاته. إن هذا المجمع، إذ يسيرُ على خُطى المجمع الفاتيكاني الأول، ليُعَلِّم معه ويُعلن أنَّ يسوع المسيح، الراعيالأزلي، قد بنى الكنيسة المقدسة بإرساله رسلَه كما أرسله الآب (راجع يو 20 / 21) لقد أراد أن يكون خلفاءَ هؤلاء الرسل، أعني الأساقفة، رعاةً في الكنيسة إلى منتهى الدهر. ولكن حفاظاً على وحدة هذه الأسقفيّة وعدم انقسامه، أقام القديس بطرس على رأس بقية الرسل، واضعاً في شخصِهِ مبدأً وأساساً دائمَين ومنظورَين للوحدة في الايمان والشركة (37). وإن المجمع المقدس يقدم من جديد إلى كل المؤمنين، كموضوع ٍايمانيٍّ ثابت، هذه العقيدة في رئاسة الحبر الروماني وفي تعليمه المعصوم سواء كان في وضعه أم في دوامه، وفي قوته أو في مفهومه ليؤمنوا به ايماناً ثابتاً. وإذ يُكملُ المجمع مابدأ به، يُريد أن يعلنَ أمامَ الجميعِ وأن يفسِّرَ التعليم المختصَّ بالأساقفة خلفاء الرسل، الذين يسوسونَ بيت الله الحي مع خليفة بطرس، نائب المسيح (38)، والرأس المنظور للكنيسة كلها .
دعوة الاثني عشر
-19- بعد أن صلَّى الربُّ يسوع لأبيه طويلاً، دعا الذين أرادهم هو، وأقام منهم اثني عشر ليكونوا معه ويرسلهم يبشرون بملكوت الله (راجع مرقس 3 / 13 – 19؛ متى 10 / 1 – 42). لقد جعلهم رسله (راجع لو 6 / 13)، معطياً إياهم شكل حلقة أعني جماعة ثابتة، ورأس عليهم بطرس، وقد إختاره منهم (راجع يو 21 / 15 – 17). لقد أرسلهم أولاً إلى أبناء إسرائيل ومن ثم إلى كل الأمم (راجع روم 1 / 16)، حتى يتلمذوا كل الشعوب، بالسلطان الذي اشركهم فيه، فيقدسوهم ويدبروهم (راجع متى 28 / 16 -20 ؛ مرقس 16 / 15؛ لو 24 / 45 – 48 ؛ يو 20 / 21 – 23). وهكذا ينشرون الكنيسة ويتممون خدمتهم الراعوية (راجع متى 28 / 20) نحوه، تحت قيادةِ الربِّ، كلَّ يومٍ وإلى منتهى الدهور. قد تثبتوا تماماً في هذه الرسالة، يوم العنصرة (راجع اعمال 2 / 1 – 26)، حسب وعدالرب : “ستنالون قوة الروح القدس الذي يحل عليكم فتكونون لي شهوداً فيأ ورشليم و جميع اليهودية، وفي السامرة إلى أقصى الأرض (اعمال 1 / 8). و بتبشيرهم بالإنجيل في كل مكان (راجع مرقس 6 1 / 20)، وقد قَبِلَهُ الذين سمعوه بفعل ِالروح القدس، يَجمعُ الرسلُ الكنيسةَ الشاملةَ التي أسَّسها الربُّ على رسلِهِ وبناها على الطوباوي بطرس رئيسهم، والمسيح باقٍ أبداً حجر الزاوية (راجع رؤيا 21 / 14 ؛ متى 16 / 18؛ أفسس 2 / 20) (39).
الأساقفة خلفاء الرسل
-20- إن تلك الرسالة الالهية التي أوكلها المسيح إلى رسله، هي مُعدَّةٌ أن تبقى إلى أبد الدهور (راجع متى 28 / 20) لأن الانجيل الذي يجب عليها أن يسلموه هو للكنيسة مبدأ كل حياة إلى آخر الزمن. لهذا السبب اهتم الرسل في أن يقيموا خلفاءً لهم في هذه الجماعة المنظمة تنظيماً تراتبياً (40) .في الحقيقة، لم يكن لهم في خدمتهم معاونون متنوعون فقط بل إنهم، كي يكون بإستطاعة الرسالة التي أُوكِلَت إليهم أن تستمر بعد موتهم، فوَّضوا إلى مساعديهم المباشرين، بصورةِ عهدٍ، أن يكلموا مهمتهم وأن يثبتوا العمل الذي بدأوه (41)، موصين إياهم أن يهتموا بالقطيع الذي وضعهم فيه الروح القدس ليرعوا كنيسة الله (راجع اعمال 20 / 28). ولهذا أقاموا أناساً من هذا النوع وأمروا فيما بعد أن يضطلع بخدمتهم بعد وفاتهم رجال غيرهم مختبَرون (42). وبين كل الخدم المتنوعة التي تُمارَس في الكنيسة منذ العصور الاولى بشهادة التقليد، تحتل مركز الصدارة مهمة أولئك الذينأ قيموا في الأسقفية التي تتوالى منذ البدء بالخلافة، والذين ينقلون الزرع الرسولي (43). وحسب شهادة القديس ايريناوس هو التقليد الرسولي يتجلى ويحفظ (44) في العالم كله (45) بواسطة الذين وضعهم الرسل أساقفة وبواسطة خلفائهم حتى أيامنا هذه (46) .وهكذا تقلَّدَ الأساقفةُ خدمة الجماعة (47) يمارسونها بمساعدة الكهنة والشمامسة. إنهميرئسون بمقام الله (48) القطيع الذي يرعون كمعلمي العقيدة وكهنة العبادة المقدسة وولاة التدبير (49). وكما تدوم المهمة التي أوكلها الرب بنوع خاص إلى بطرس هامةِ الرسل، والتي يجب أن تنتقل إلى خلفائه، كذلك تدوم المهمة التي خَوَّلَ بها الرسل في أن يكونوا رعاة الكنيسة، مهمة يتوجب على مصف الأساقفة المقدس أن يمارسها معاً (50) .لهذا يُعلِّمُ المجمع المقدس أن الأساقفة بقوة الوضع الإلهي يخلفون الرسل كرعاة للكنيسة (51)، بحيث إنه من سمعهم سمع المسيح ومن إحتقرهم إحتقر المسيح ومن أرسل المسيح (راجع لوقا 10 / 16) (52).
الأسقفية وطابعها الأسراري
-21- وهكذا بشخص الأساقفة الذين يعاونهم الكهنة، هو الرب يسوع المسيح، الحبر الأعظم، الحاضرفي وسط المؤمنين. وهو جالسٌ عن يمين الله الآب، لا يزال حاضراً في جميع أحباره (53). بهم أولاً، وبخدمتهم السامية يُبشر كلَّ الأمم بكلمة الله ويمنح المؤمنين أسرار الإيمان باستمرار؛ وبمهمتهم الأبوية (راجع 1 كور 4 / 15) يُدخلُ في جسده أعضاءً جدداً بالتجديد من عَلُ. أخيراً بحكمتهم وفطنتهم يقود شعب العهدِ الجديد في غربته. ويوجهه نحو الغبطة الأبدية. أما وقد إختيروا رعاةً ليرعوا قطيع الرب، فهم منه خدام المسيح وموزِّعوا أسرار الله (راجع 1 كور 4 / 1). إليهم أوكلت شهادة إنجيل نعمة الله (راجع روم 15 / 16 ،أعمال 20 / 24) والخدمة المجيدة للروح والعدالة (راجع 2 كور 3 / 8-9). وللقيام بمثل هذه الوظائف العالية، أغنى المسيح الرسل بفيضٍ خاصٍ من الروح القدس الذي حلَّ عليهم (راجع أعمال 1 / 18 ؛ 2 / 4 ؛ يو 20 / 22 – 23)؛ وبدورهم سَلَّموا، بوضع اليد، هذه الموهبة الروحية إلى معاونيهم (54) ( راجع 1 تيمو 4 / 14؛ 2تيمو 1 / 6-7) حتى بلغت إلينا بالتكريس الأسقفي. والمجمع المقدس يُعَلِّم أن الرسامة الإسقفية تعطي ملء سر الكهنوت الذي يسمى بحق، وفقاً لعادةِ الكنيسة الطقسية ولأقوال الآباء القديسين، الكهنوت السامي، والجوهر الكامل للخدمة المقدسة (55). فالرسامة الأسقفية تولي مع وظيفة التقديس وظائف التعليم والتد بير، هذه الوظائف التي من طبيعتها لا يمكن أن تُمارَس إلا في الشركةالتراتبية بين رئيس الحلقة وأعضائها. وفعلاً يتضح من التقليد الظاهر خاصة في الرتب الطقسية وفي عادات الكنيسة الشرقية والغربية على السواء، أن نعمة الروح تُعطى بوضع اليد وكلام التكريس (56)، وإن الوسم المقدس يطبع، بمعنى أن الأساقفة يقومون بطريقة سامية ومنظورة مقام المسيح بالذات، المعلم والراعي والحبر (57) ويمثلون دوره (58). ويعود إلى الأساقفة أن يدخلوا بواسطة سر الدرجة مختارين جدداً في الجسم الأسقفي.
الحلقة الأسقفية ورئيسها
-22- كما يؤلف القديس بطرس وسائر الرسل،بأمر الرب ،حلقة رسولية واحدة ،هكذا يرتبط الحبر الروماني، خليفة بطرس، مع الأساقفة خلفاء الرسل. ويدل على صفةالدرجة الإسقفية وطبيعتها الجماعية، النظام المتناهي في القدم الذي بحسبه كان الأساقفة القائمون في العالم أجمع، يعيشون في الشركة فيما بينهم ومع أسقف روما في رباط الوحدة والمحبة والسلام (59)، والمجامع (60) الملتئمة التي كان عليها أيضاً أن تقرر معاً المشاكل الهامة (61)، وذلك بعد أن يكون الرأي قد أخضع لحكم الكثيرين (62). وإن المجامع المسكونية على مر العصور لتظهر ذلك بجلاء وتثبتة. وإليها تشير أيضاًتلك العادة الجارية منذ القديم في دعوةِ عدة أساقفة ليُسهموا في ترقيةِ منتخبٍ جديدٍ إلى أرفع درجة في الخدمة الكهنوتية الذي، بقوةِ الرسامةِ الأسقفيةِ والشركة التراتبية مع رأس الحلقة وأعضائه، يُصبح عضواً في الجسم الأسقفي. ولكن لا سلطة للحلقة أو للجسم الأسقفي إلا بإتحادها بالحبر الروماني، خليفة بطرس، كرأسٍ لها ودونما أي إنتقاص من سلطان من هو رئيس على الرعاة والمؤمنين على السواء. فللحبر الروماني على الكنيسة، بقوة مهمته كنائب للمسيح وراعٍ للكنيسة جمعاء، سلطان كامل، ومطلق وشامل، يستطيع أن يمارسه دوماً كما يشاء. والسلك الأسقفي،الذي يخلف الحلقة الرسولية في التعليم والتدبير الراعوي، أو بالأحرى الذي به يدوم الجسم الرسولي، يؤلف، هو أيضاً بالإتحاد مع الحبر الروماني، رأسه، وغير منفصل عن هذا الرأس، موضوع السلطة العليا والكاملة على الكنيسة جمعاء (63)، ولا سلطة يمكن أن تُمارس إلا برضى الحبر الروماني. فالربُّ جعلَ من سمعان وحده صخرةً لكنيسته، وإليه وحده سلَّم المفاتيح (راجع متى16 / 18-19). ووضعه راعياً لكلِّ قطيعه (راجع يو 21 / 15 وما يتبع). ولكن سلطان الحل والربط الذي أُعطيَ لبطرس (متى 16 / 19) أُعطيَ أيضاً لحلقة الرسل متحدين برأسهم (متى 18 / 18؛ 28 / 16-20) (64).
ويدل هذه الحلقة بتركيبها المتعدد على وحدة القطيع في المسيح. في هذه الحلقة، يمارس الأساقفة الذين يحافظون بأمانةٍ على أولوية رأسهم وسلطانه، سلطتهم الشخصية لا لخير مؤمنيهم وحسب، بل لخيرِ الكنيسة جمعاء. يعضدُهم الروح القدس دوماً للحفاظ على تركيبهم العضوي وعلى الوفاق في ما بينهم. وهذه السلطة المطلقة على الكنيسة جمعاء التي تتمتع بها هذه الحلقة، تُمارَس بشكل علنيٍّ في المجمعِ المسكوني. وما من مجمعٍ مسكونيٍّ ما لم يثبته أو أقله ما لم يقره خليفة بطرس. وللحبرالروماني الإمتياز لأن يدعو المجامع ويرئسها ويثبتها (65). ويمكن أن يمارِس هذه السلطة الجماعية بالإتحاد مع الأساقفة المقيمين على سطح الأرض، شرط أن يدعوهم رأس الحلقة ليعملوا جماعياً أو أقله أن يقرَّ العملَ الموحدَ بين الأساقفة المنتشرين في العالم ويرضى به، بحيث يأتي العمل عملاً جماعياً حقيقياً.
الصلات داخل الحلقة
-23- وتظهر الوحدةُ الجماعيةُ أيضاً في العلاقات المتبادلة لكل من الأساقفة مع الكنائس الخاصة والكنيسة الجامعة. فالحبر الروماني، بوصفه خليفة بطرس هو المبدأ والأساس (66) الدائم والمنظور لوحدة الأساقفة ولوحدة جمهور المؤمنين. وأما الأساقفة فهم، كلٌّ بمفردهِ، مبدأَ الوحدة وأساسها المنظور في كنائسهم الخاصة (67)، هذه الكنائس المصنوعة على صورة الكنيسة الجامعة، والتي فيها ومنها تتكون الكنيسة الجامعة الواحدة والفريدة (68). لهذا كل أسقف يمثِّل كنيسته، وكلّهم مع البابا يمثلون الكنيسة الجامعة في رباط السلام والمحبة والوحدة. والأساقفة، وقد أُقيموا على رأس كلٍّ من الكنائس الخاصة يمارسون كلٌّ بمفرده السلطة الراعوية على الكنيسة الجامعة. ولكن كلّ واحدٍ منهم بوصفه عضواً في الحلقة الأسقفية، وخليفة الرسل الشرعي، وعملاً برسم المسيح ووصيته، ملزم بالعناية بالكنيسة الجامعة، عناية وإن لم تمارس بعمل ولاية، إنما يحصل منها للكنيسة جمعاء نفع كبير (69). فعلى كلّ الأساقفة أن يشجعوا وحدة الإيمان والنظام المشترك في الكنيسة كلها ويسهروا عليه، وأن يُربّوا المؤمنين على محبة جسد المسيح السري كله، وبنوع خاص الأعضاء الفقراء والمتألمين والمضطَّهدين لأجل البر (راجع متى 15 / 10). وعليهم أخيراً أن يشجعوا كلَّ نشاطٍ يعمُّ الكنيسة كلها، كي ينمو الإيمان ويشرق نور الحقيقة الكاملة على البشر كلهم. زد على ذلك، أنهم بتدبيرهم كنيستهم الخاصة، كجزءٍ من الكنيسة الجامعة، يُسهمون فعلاً في خير الجسد السري كله الذي هو أيضاً جسد الكنائس (70).
وإلى جماعة الرعاة يعود الإهتمام بالتبشير بالإنجيل في الأرض كلها، هؤلاء الرعاة الذين أوصاهم المسيح وصية مشتركة وكلفهم بواجبٍ مشترك، حسب ما سبق فأوصى البابا سلستينوس آباء المجمع الأفسسي (71). وليقبل الأساقفة، وكل واحد بمفرده، وعلى قدر ما يُسمح له القيام بمهمته الخاصة، أن تتضافر جهودهم وجهود خليفة بطرس من إليه أوكلت بنوع خاص المهمة العظمى في نشر الإسم المسيحي (72). لهذا عليهم أن يسهموا بكل قواهم لكي يوفروا للرسالات العَمَلةَ للحصاد، والمساعدات الروحية والمادية، سواء بواسطتهم مباشرةً أو بحثِّ المؤمنين على أن يشاركوا في ذلك مشاركة حارة. وأخيراً في شَرِكَة المحبة الشاملة يتوجب على الأساقفة أن يقدموا عن رضى، حسب ما نقلت إليناالأجيال الأولى من أمثال جديرة بالإحترام، العضد الأخوي للكنائس الأخرى لا سيما المجاورة والأشد عوزاً. لقد شاءت العناية الإلهية أن تتجمع الكنائس المتنوعة التي أقامها الرسل وخلفاؤهم في أماكن مختلفة، عبر العصور، وفي جماعات عديدة متحدة ومنظمة. وأن تنعم هذه الجماعات بالنظام المختص به، وبخدمتها الطقسية الذاتية، وتراثها اللاهوتي والروحي، مع المحافظة على وحدة الإيمان وتكوينالكنيسة الجامعة الإلهي والفريد. وإن بعضاً من هذه الكنائس لا سيما الكنائس البطريركية القديمة قد لعبت دور أمهاتِ الإيمان إذ أنجبت كنائس اخرى، كبنات له، يربطها بها حتى الآن وثائق محبة متين في عيشة الأسرار، والإحترام المتبادل في الحقوق والواجبات (73). وهذا التنوع في الكنائس المحلية إذ يصبو إلى الوحدة، يُظهِر بجلاءٍ أقوى جامعيّة الكنيسة غير المنقسمة، ولذلك ففي إستطاعة المجامعالأسقفية اليوم، أن تُساهم بطرقٍ عديدة ومثمرة في توجيه الشعور الجماعي إلى أن يتحقق عملياً.
الخدمة الأسقفية
-24- إنَّ الأساقفة، بصفتهم خلفاء الرسل، تسَلَّموا من الرب، الذي له أُعطِيَ كلّ سلطان ٍفي السماء وعلى الأرض، رسالة كي يُعلِّموا كلّ الأمم، وأن يبشروا بالإنجيل كل خليقة ٍحتى ينال كلّ البشر الخلاص بالإيمان، والعماد، وحفظ الوصايا (راجع متى 28 / 18؛ مرقس 16 / 15 – 16؛ أعمال 26 / 17 وما يتبع). ولتتميم هذه الرسالة وَعَدَ الربُّ يسوع رسلَه بالروح القدس. وفي يوم العنصرة، أرسله من السماء لكيما بقوته يغدو الرسل شهوداً له إلى أقاصي الأرض أمام الأمم والشعوب والملوك (راجع أعمال 1 / 8؛ 2 / 1 وما يتبع؛ 9 / 15). وتلك المهمة التي أوكلها الرب إلى رعاة شعبه هي خدمة حقيقية، ولقد دعاها الكتاب المقدس بصريح العبارة “دياكونيّا” أي خدمة. (راجع أعمال 1 / 17 و 25؛ 21 / 19، روم 11 / 13؛ 1 تيمو 1 / 12). وانتداب الأساقفة من الناحية القانونية يتمّ إمابواسطة العادات الشرعية التي لم تبطلها السلطة العليا والشاملة في الكنيسة، وإما بموجب الشرائع التي سنّتها هذه السلطة أو أقرته، وإما مباشرة بواسطة خليفة بطرس عينه. فإذا رفض البابا الشركة الرسولية أو لم يقبل به، فليس بإمكان الأساقفة أن يضطلعوا بواجبه (74).
وظيفة الأساقفة التعليمية
-25- في مقدمة المهام الأسقفية الرئيسية يأتي التبشير بالإنجيل (75). فالأساقفة هم المبشرون بالإيمان الذين يَجلبون للمسيح تلامذةً جدد، والمعلّمون الأصليّون، أي المسلحون بسلطة المسيح، الذين يبشرون الشعب الموكول إليهم بالإيمان الذي يجب أن يعتنقوه ويتمشوا عليه عاملين على إشعاعه بنور الروح القدس، ويخرجون من كنز الوحي جدداً وقدماً (راجع متى 13 / 52)، جاهدين كي يثمر هذا الإيمان، متيقظين وباذلين أنفسهم كي يُبعدوا كلَّ ضلالٍ من شأنه أن يُهدّد قطيعهم (راجع 2 تيمو 4 / 1 – 4) والأساقفة الذين يعلمون في الشركة مع الحبر الروماني يجب أن يحترمهم الجميع إحنراماً يليق بشهودِ الحقيقة الإلهية والكاثوليكية. أمّا المؤمنون فعليهم أن يتمسَّكوا بالرأي الذي يُعبر عنه أساقفتهم، بإسم المسيح ، في موضوعي الإيمان والأخلاق كما عليهم أن يعتنقوها بروحِ الخضوعِ الديني. ويتطلَّبُ هذا الرضى، رضى الإرادة والعقل الديني بنوع ٍخاصٍ لتعليم الحبر الروماني الأصيل وإن لم يتكلمبصورةٍ رسميةٍ، وهذا يقتضي إعترافاً محترَماً لسلطته التعليمية المطلقة، وإعتناقاً مُخلصاً لأحكامه، وفقاً لفكره وإرادته، التي يُمكننا إستنتاجها بنوع ٍ خاص من شكل الوثائق، أو من التشديد في تقديم التعليم عينه، وإما من صيغة التعبير. وإن لم يتمتع الأساقفة كل بمفرده بإمتياز العصمة، فإنهم، وإن كانوامنتشرين في العالم ومحافظين مع ذلك على رباط الشركة في ما بينهم ومع خليفة بطرس، يعبِّرونبصورةٍ معصومةٍ عن تعليم المسيح، عندما يعلِّمون تعليماً أصيلاً يختص بالإيمان والأخلاق، موحّدين كلمتهم كي يُعترَفَ بها بصورةٍ مطلقة (76). وإن الأمر لأشدّ وضوحاً عندما يجتمعون في مجمع مسكوني، ويكونون بالنسبة إلى الكنيسة جمعاء معلِّمين وقضاة للإيمان والأخلاق، فعندئذ علينا أن نقبل تحديداتهم بطاعة الإيمان (77).
وتمتد هذه العصمة، التي أراد المخلِّص الإلهي أن يُسلِّح بها كنيسته، لتحدِّد التعليم المختص بالإيمان والأخلاق، على قَدر ماتمتد وديعة الوحي الإلهي، وعلى قدر ما يجب حفظها بقداسة وشرحها بأمانة. وينعم الحبر الروماني، رأس حلقة الأساقفة بهذه العصمة بحكمِ وظيفته، عندما يُعلن، بتحديدٍ مطلقٍ، التعليم المتعلق بالإيمان والأخلاق (78)، بصفته أعلى راعٍ ومعلمٍ لكل المؤمنين والذي يثبِّت إخوته بالإيمان (راجع لو 22 ، 32) لهذا يُقال بحق أن التحديدات التي يُعلنها هي غير قابلة التعديل بحد ِّ ذاتهاوليسَ إستناداً لإجماع الكنيسة، ذلك أنها أُعلِنَتْ بعونٍ من الروح القدس، الذي وُعِدَ به في شخص الطوباوي بطرس. وبالتالي هي ليست بحاجةٍ إلى موافقة الآخرين ولا تقبل أي إستئناف إلى أي حكمٍ آخر. فالحبر الروماني لا يُصدِر حكماً بصفته شخصاً فرداً، ولكنه يعرض تعليم الإيمان الكاثوليكي ويدافع عنه لأنه، بالنسبة إلى الكنيسة الجامعة، المعلِّم الأعلى، مَن فيه تستقرُّ وبنوعٍ فريد، موهبة عصمةالكنيسة بالذات (79). والعصمة التي وُعِدَت بها الكنيسة تستقر أيضاً في الجسم الأسقفي عندما يُمارِس بالإتحاد مع خليفة بطرس السلطة التعليمية المطلقة. ولا يمكن إلا أن يُعطي هذه التحديدات بموافقة الكنيسة، وذلك بفضلِ عمل الروح القدس عينه، الذي يحفظ وينمّي في وحدة الإيمان قطيع المسيح بكامله (80). وعندما يحدِّد الحبر الروماني قضية ًما، أو يُحددها الجسم الاسقفي بالإتحاد معه، فإنما يفعلون ذلك وفقاً للوحي بالذات، وحيٌ يجب على الجميع أن يتقيدوا ويلتزموا به، وحيٌ سُلِّمَ بطريقةٍ غير منقوصةٍ، مكتوباً أو منقولاً، وذلك بخلافةِ الأساقفة الشرعية ولا سيما بعناية الحبر الروماني بالذات، وحيٌ تحفظه الكنيسة بالقداسة وتعرضه بأمانة على نور روح الحق (81). وللبحث كما يجب في هذا الوحي وعرضه بصورة ملائمة، يعمل الحبر الروماني والأساقفة برصانةٍ، حسبما يقتضي ذلك واجبهم، وما في الأمر من جلل (82)، وبالوسائل المطابقة، فلا يرضون بوحيٍ جديدٍ علنيّ يتعلق بوديعة الإيمان الإلهي (83).
وظيفة الأساقفة التقديسيّة
-26- إنَّ الأسقف المتّشح بملء سر الدرجة هو القيِّمُ على توزيع نعمة الكهنوت الأعلى (84) لا سيما في الإفخارستيا التي يقدمها هو أو يُعنى بتقدمتها (85) وبها تحيا الكنيسة وتنمو باستمرار. فكنيسة المسيح هذه هي حاضرة حقاً في كل جماعات المؤمنين المحلية والشرعية، والمتَّحدة برعاتِها والتي في العهد الجديد تُدعى هي أيضاً كنائس (86). إنَّها في الحقيقة على أرضِ ولايتها، الشعب الجديد الذي دعاه الله بالروح القدس وكمال اليقين (راجع 1 تسا 1 / 5). فيها يجتمع المؤمنون بالتبشير بإنجيل المسيح، ويُحتفل بعشاءِ الربِّ السريّ حتى ” تتوثق في جسدٍ واحدٍ كلّ إخوَّةٍ بواسطة جسد الرب ودمه” (87). ففي كلِّ مرةٍ تتحقق شركة المذبح بالإرتباط بخدمة الأسقف المقدسة (88)، يظهر رمزُ تلك المحبة، و”رمز وحدة الجسد السري التي بدونها لا خلاص يرتجى” (89). هذه الجماعات، وإن كانت غالباً صغيرة وفقيرة ومشتتة، هو المسيح حاضرٌ فيها مَن بقوَّته تكون الكنيسة واحدة، ومقدسة، وجامعة ورسولية (90). لأن “الإشتراك في جسد المسيح ودمه لا فعل له إلا أن يحوِّلنا إلى ما نتناول” (91).
ولكن كلّ إحتفال شرعي بالإفخارستيا إنما يقوده الأسقف، مَن إليه أُوكلت وظيفة تقديم عبادةِ الديانة المسيحية للعزة الإلهية، ومن إليه يعود أمر تدبيرها وفقاً لوصايا الرب وشرائع الكنيسة، التي له أن يحدِّدها في أبرشيته نهائياً وبحكمٍ شخصي. وعندما يصلي الأساقفة عن شعبهم ويشتغلون له، يغدقون عليه بغزارةٍ وتحت أشكال متنوعة ما يأتي من ملء قداسة المسيح. فبخدمة الكلمة يمنحون المؤمنين قوة الله والخلاص (راجع روم 1 / 16)، وبالأسرار التي يرتبون بسلطتهم توزيعها المنظم والخصب يقدسونهم (92). هم الذين ينظِّمون منحَ سرِّ العماد حيث تُعطى المشاركة في كهنوت المسيح الملوكي. إنهم خَدَمَةُ التثبيت الأصليون، وهم الذين يَمنحون الدرجات المقدسة، وينظمون رسوم التوبة ويحثون شعوبهم بكل قوة ويرشدونهم إلى أن يقوموا بالدور الذي يعود لهم في الليترجيا، ولا سيما في الذبيحة المقدسة بإيمان وإحترام. عليهم أخيراً أن يفيدوا من سيرتهم من أقيموا عليهم، وأن يَقوا أخلاقهم من كل شر، وأن يحولوها إلى الخير قدر طاقتهم وبمعونة الرب، ليبلغوا إلى الحياة الأبدية مع القطيع الموكول أمره إليهم (93).
وظيفة الأساقفة الراعوية
-27- على الأساقفة أن يُدبِّروا كنائسهم الخاصة الموكولة إليهم، كنوابِ المسيح وممثليه (94)، بنصائحهم وتشجيعاتهم ومثالهم، ولا سيما بسلطتهم وبممارسة سلطانهم المقدس، الذي هو لهم فقط لبنيان القطيع في الحق والقداسة، ذاكرين أن على الأكبر أن يصبح كالأصغر، وإنَّ على المتقدم أن يصبح كالخادم (راجع لو 22 / 26 – 27). وإنَّ هذا السلطان الذي يمارسونه شخصياً بإسم المسيح، لهو لهم سلطان ذاتي ومألوف ومباشر، وإن كانت ممارسته تتعلق نهائياً بالسلطة الكنسية العليا، وتُحَدُّ بعض الأحيان نظراً إلى فائدة الكنيسة والمؤمنين. وبقوة هذا السلطان يتمتع الأساقفة بحقٍ مقدس، وعليهم واجب أمام الرب في أن يسنّوا شرائع لمرؤوسيهم، ويُصدروا الأحكام، وينظِّموا كل ما يتعلق بالعبادة والرسالة. إليهم سُلِّمَت المهمة الراعوية كاملة أي الإهتمام الدائم واليومي بخِرافهم. ويجب ألا يُعتبروا كنوابٍ الأحبار الرومانيين لأنَّهم يمارسون سلطاناً ذاتياً. وإنهم، والحق يقال، رؤساء للشعوب التي يدبرون أمرها (95). وهكذا لا يُضعِفُ السلطان السامي والشامل سلطانهم، بل بالعكس هو يثبته ويدعمه ويدافع عنه (96)، إذ أنّ الروح القدس يحفظ على الدوام شكل الحكم الذي وضعه السيد المسيح في الكنيسة.
وعلى الأسقف، بصفته مُرسلاً من أبي العائلة ليدبر أبناء بيته، أن يحفظ نصب عينيه مثل الراعي الصالح الذي أتى لا ليُخدم بل ليَخدُم (متى 20 / 28؛ مرقس 10 / 45)، ويبذل نفسه عن الخراف (راجع يو 10 / 11). إنه قد إتُّخذ من بين البشر، متلبساً بالضعف ليكون جديراً بأن يشفق على الذين يجهلون ويضلون (راجع عبر 5 / 1 – 2) ولا يرفض سماع مرؤوسيه، حادباً عليهم كأبناء حقيقيين، حاثاً إياهم على أن يعاونوه بالفرح. وبما أنه سيؤدي لله حساباً عن نفوسهم (راجع عبر 13 / 17)، فلتمتد عنايته بالصلاة والتبشير وسائر أعمال المحبة، لا إلى خاصته فقط، ولكن أيضاً إلى الذين ليسوا بعد من القطيع الواحد، والذين عليه أن يعتبرهم موكلين إليه في الرب. وعلى مثال الرسول بولس، ليكن مستعداً في أن يبشر الجميع بالإنجيل كدَينٍ لهم عليه (راجع روم 1 / 14 – 15)، مُلزِماً كلّ أفراد رعيته بفاعليةٍ رسوليةٍ إرساليَّة. وأمّا المؤمنون فعليهم أن يتعلقوا بأسقفهم تعلق الكنيسة بيسوع المسيح، ويسوع المسيح بأبيه، لكي يجتمع كل شيء في الوحدة (97) ويحمد الله بوفرة (راجع 2 كور 4 / 15).
علاقة الكهنة بالمسيح، بأساقفتهم وبمجلس الكهنة وبالشعب المسيحي
-28- إنَّ المسيحَ الذي قدسه الأب وأرسله إلى العالم، جعل بواسطة الرسل من خلفائهم أي الأساقفة (98) شركاء في تقديسه ورسالته. والأساقفة بدورهم قلَّدوا شرعاً أعضاء عديدين في الكنيسة مهمة خدمتهم وعلى رتب متفاوتة. وهكذا فإن الخدمة الكنسية التي وضعها الرب يمارسها في تنوُّع الرتب أولئك الذين سَمُّوا منذ البدء أساقفة وكهنة وشمامسة (99). وإن لم يكن للكهنة المهمة الأسقفية العليا، وإن كانوا يتعلقون في ممارسة سلطانهم بالأساقفة، إنما هم متَّحدون بهم في شرف الكهنوت (100)، وبقوة سرِّ الدرجة (101) كُرِّسوا على صورة المسيح الكاهن الأعلى والأزلي (عب 5 / 1 – 10؛ 7 / 24؛ 9 / 11 – 28) ليبشِّروا بالإنجيل ولكي يكونوا رعاة المؤمنين، ويحتفلوا بالعبادة الإلهية ككهنةٍ حقيقيين للعهد الجديد (102). وبإشتراكهم، كل على مستوى درجته، مع المسيح الأوحد في وظيفته (1 تيم 2 / 5) يبشّرون الجميع بكلمة الله، ويمارسون بنوع أخص خدمتهم المقدسة في العبادة أو المائدة الإفخارستية. وهنا إذ هم يعملون بشخص المسيح (103) فيعلنون سره، يضمُّون توسّلات المؤمنين إلى ذبيحة رأسهم ويستحضرون ويطبِّقون في ذبيحة القداس (104) إلى أن يأتي الرب (راجع 1 كور11 / 26)، الذبيحة الوحيدة للعهد الجديد، ذبيحة المسيح الذي قدَّم مرة واحدة ذاته لأبيه قرباناً نقياً (راجع عب 5 / 1 – 4) وإنهم يُتمِّمون، بنوعٍ خاص، خدمة المصالحة والتعزية للمؤمنين التائبين والمرضى، مُقدمين لله الآب حاجات المؤمنين وصلواتهم (راجع عب 5 / 1 – 4)، وإذ يُمارسون على قدر سلطانهم وظيفة المسيح الراعي والرأس (105) يجمعون عائلة الله كأخويَّةٍ لها روحٌ واحدة (106)، ويقودونها بالمسيح في الروح إلى الله الآب. إنَّهم يعبدون الرب، في وسط قطيعهم، بالروح والحق (راجع يو 4 / 24). أخيراً يتعبون في الكلمة والتعليم (راجع 1 تيمو 5 / 17) مؤمنين بشريعة الرب، التي قرأوا وتأملوا، معلِّمين بما آمنوا، وعاملين بما علموا (107).
إنَّ الكهنة بصفتهم مساعدين فطنين للسلك الأسقفي (108)، إذ هم منه العون والعضد، وبصفتهم مدعوين لخدمة شعب الله، ليؤلفوا مع أسقفهم حلقةً كهنوتيةً واحدة (109) لها مهام مختلفة. وفي جماعات المؤمنين المحلية كلّها يمثل الكهنة نوعاً ما أسقفهم الذي تربطهم به رباطات ثقة ورحابة، آخذين على عاتقهم مهماته وإهتماماته، ممارسين ذلك في عنايتهم اليومية بالمؤمنين؛ مدبرين ومقدسين تحت سلطة الأسقف الجزء الذي أوكل إليهم من قطيع الرب فيجعلون الكنيسة الجامعة منظورة في الأماكن التي يقطنون، وهكذا يسهمون فعلياً في بناء جسد المسيح بأجمعه (أفسس4 / 12).
وليجتهدوا في أن يسهموا في كل عمل الأبرشية الرعائي وبالأحرى في عمل الكنيسة الرعائي كلها، وغايتهم دوماً خير أبناء الله. وعلى الكهنة بفضل إشتراكهم في هذا الكهنوت وفي هذه الرسالة، أن يعترفوا به أباً وأن يطيعوه بإحترام. وعلى الأسقف من جهته أن يعتبر الكهنة معاونيه كأبناء وأصدقاء مثلما دعا المسيح تلاميذه لا عبيداً بل أحباء (راجع يو 15 / 5). وعليه فجميع الكهنة، عَلمانيين ورهباناً، يرتبطون بفضل الدرجة والخدمة بالجسم الأسقفي، فيعملون لخير الكنيسة بأسرها، كلٌّ حسب دعوته والنعمة.
ويرتبط الكهنة كلهم بعضهم ببعض برباط أخوي وثيق، بفضل الشركة في الرسامة المقدسة والرسالة، إخوَّة يجب أن تظهرَ عفواً وعن رضى في تبادل الخدم الروحية والمادية، والرعوية والشخصية في إجتماعاتهم وفي إشتراكهم في العيش والعمل والمحبة. وليُظْهِر الكهنة عنايةً أبويةً، في المسيح، بالمؤمنين الذين ولدوهم روحياً بالعماد والتعليم (راجع 1 كور 4 / 15؛ و 1 بط 1 / 23). وكمثال للرعية (1 بط 5 / 3) عليهم أن يدبروا جماعاتهم المحلية ويخدموها، بنوع أنهم يستحقون أن يطلق عليهم الإسم الذي به يُشرَّف شعب الله الواحد بأجمعه أي كنيسة الله (راجع 1 كو 1 / 2؛ 2 كو1 / 1).
وليذكروا بأنَّ عليهم، بتصرفهم اليومي وعنايتهم، أن يُظهِروا للمؤمنين وغير المؤمينين، للكاثوليك وغير الكاثوليك، وجهَ الخدمة الكهنوتية والراعوية الحقَّة، وأن يؤدُّوا أمام الكلِّ شهادة الحق والحياة. وليفتِّشوا أيضاً كالرعاة الصالحين (راجع لو 15 / 4 – 7) عن أولئك الذين، وقد قَبِلوا سرَّ المعمودية في الكنيسة الكاثوليكية، أهمَلوا ممارسة الأسرار، وجحدوا الإيمان. وبما أن الجنس البشري يتَّجه اليوم أكثر فأكثر، إلى الوحدة المدنية، والإقتصادية، والإجتماعية، فعلى الكهنة واجبٌ أشدّ إلزاماً بعد أن يوحدوا جهودهم ومساعيهم تحت قيادة الأساقفة والحبر الأعظم، أن يُبعدوا كل أسباب التفرقة كي يقودوا البشرية كلها نحو وحدة عائلة الله.
الشمامسة
-29- وفي الدرجة الدنيا من السلطة التراتبية يقوم الشمامسة الذين يقبلون وضع اليد “لا للكهنوت بل للخدمة” (110). إنَّهم، وقد عضدتهم النعمة السرية، يخدمون شعب الله بالشركة مع الأسقف وجماعة الكهنة وذلك في القيام بالليترجيا، وبالكرازة ونشر المحبة. وحسب الترتيبات التي تأخذها السلطة المختصة، يعود للشمامسة أن يمنحوا سر المعمودية إحتفالياً وأن يحفظوا القربان ويوزعوه، وأن يساعدوا في مباركة الزواج بإسم الكنيسة وأن يُباركوه، وأن يَحملوا الزاد الأخير للمنازعين، وأن يقرأوا الكتاب المقدس على المؤمنين، وأن يُعلِّموا الشعبَ ويعظوه، وأن يَرئسوا عبادة المؤمنين وصلاتهم، ويكونوا خَدَمَةَ أشباهِ الأسرار، وأن يرئسوا صلوات الجناز والدفن. وإذ كُرِّسوا لأعمال المحبة والإدارة، فليتذكر الشمامسة تنبيه الطوباوي بوليكاربوس: “ليكونوا رحماء غيورين ويسيروا حسب حقيقة الرب الذي أصبح خادماً للجميع” (111). وبما أن القيام بهذه المهام التي هي ضرورية جداً لحياة الكنيسة هو صعبٌ في مناطق عديدة حيث النظام المُتَّبع في الكنيسة اللاتينية، فإنه من الممكن أن تعود الشماسيَّة في المستقبل إلى ما كانت عليه، أي درجةً في السلطة التراتبية قائمة بذاتها ودائمة. فإلى المجالس الأسقفية المحلية ذات الصلاحية بأشكالها المتنوعة، يعود أن تقرر، بموافقةِ الحبرِ الأعظم نفسه هل من الملائم أن يُقيموا شمامسة وأن يُعيِّنوا المناطق التي تدعوا فيها حاجة النفوس إليهم. فإن رضي الحبر الروماني يُمكن أن تُمنَحَ الشماسيّة إلى رجالٍ بالغين وإن كانوا متزوجين، لا سيما إلى شبانٍ ذوي أهليَّة، على أن تَسري عليهم شريعة التبتل ثابتة غير متزعزعة.
الفصل الرابع: العَلمانيون
مقدمة
-30- إنَّ المجمع المقدس وقد حدَّدَ وظائف السلطة الكنسية، لَيطيب له أن يوجِّهَ فكرَه نحو حالة المسيحيين الذين يُدعون “عَلمانيين. وأن يَكُن كل ما قيلَ في شعبِ الله موجهٌ إلى العَلمانيين والرهبان والأكليريكيين على حدٍ سواء، هناكَ أمورٌ تعودُ بنوعٍ خاص إلى العَلمانيين، رجالاً ونساءً، بسبب وضعهم ورسالتهم، تجبرنا ظروف عصرنا الحاضر الخاصّة أن نُسهبَ في درسِ أسُسها. فإن الرعاة المكرسين لَيَعلمون حقاً أهمية مساهمة العَلمانيين في خيرِ الكنيسة بأسرها، ويعلمونَ أنَّ المسيحَ لم يُقمهم ليأخذوا على عاتقهم وحدهم، رسالة الكنيسة الخلاصية بكاملها تجاه العالم. فمهمتهم العظيمة تقوم بأن يرعوا المؤمنين وأن يتعرَّفوا إلى خدمهم ونعمهم بحيث يتعاون الجميع، وكلٌ حسب طريقته، بقلبٍ واحدٍ على العملِ المشترك. يجب إذاً أن يعتصمَ الجميعُ بالحقِّ في المحبة فننموَ في كلِّ شيء للذي هو الرأس أي المسيح، الذي منه ينال الجسدُ كلُّه التنسيقَ والوحدة، وبتعاونِ جميع المفاصل على حسب العملِ المناسب لكل عضوٍ، يُنشىء لنفسِهِ نمواً ويُبنى في المحبة (أفسس 4 / 15 -16).
معنى كلمة “عَلمانيين”
-31- ونعني هنا بكلمة “عَلمانيين” كلَّ المسيحيين ما عدا الذين هم أعضاءٌ في الدرجة المقدسةِ والحالةِ الرهبانية المعترف بها في الكنيسة، أعني المسيحيين الذين أصبحوا والمسيح جسداً واحداً، وتألَّفَ مِنهم شعب الله، وأصبحوا كلٌّ حسبَ طريقته شركاءَ في وظيفةِ المسيحِ الكهنوتية والنبوية والملكية، فيُمارسون رسالةَ الشعب المسيحي كلِّه في الكنيسة والعالم كلٌّ حسب قِسمته. والعَلمانية هي الصفة المُميزة والخاصة بالعَلمانيين. فأعضاءُ الدرجةِ المقدسة، بحكمِ دعوتهم الخاصة موجَّهون قبل كل شيء ورسمياً إلى الخدمة المقدسة، وإن كان بإمكانهم أن يهتموا أحياناً بأمورٍ دنيويةٍ وأن يمارسوا أيضاً مهنة عَلمانية. وبينما الرهبان يشهدون بقوةِ حالتِهم شهادةً ساطعةً ورائعةً، أنَّ العالم لا يُمكن أن يتجلَّى ويتقدم لله خارجاً عن روحِ التطويباتِ، يعودُ إلى العَلمانيين بفضلِ دعوتهم الذاتية أن يطلبوا ملكوتَ الله، بينما يتعاطونَ الأشياءَ الزمنية ويوجِّهونها وفقاً لإرادة الله. إنَّهم يعيشون وسط العالم أي يقومون بجميعِ أعمالِهِ، والواجباتِ المختلفةِ على أنواعها، في الظروف العادية للحياةِ العائليةِ والإجتماعيةِ وكأنها تنسج حياتهم. فإلى هذا يدعوهم الله ليَعمَلوا كالخميرِ على تقديس العالم من الداخل، وذلك بقيامِهم بوظائفهم الخاصةِ بوحي روح الإنجيل، ولكي يُظهروا المسيحِ للآخرين بشهادةِ سيرتهم قبلَ كلِّ شيء وما يشعُّ فيهم من إيمانٍ ورجاءٍ ومحبة. وإليهم يعودُ بنوعٍ خاص أن يُنيروا كلَّ الأمور الزمنية ويوجِّهوها، هذه الأمور التي هُم بها مرتبطون إرتباطاً وثيقاً بنوعِ أنها تتمُّ وتزدهرُ دوماً كما يُريد المسيح وتكون لمجدِ الخالق والفادي.
كرامة العَلمانيين، أعضاء شعب الله
-32- إنَّ الكنيسةَ المقدسةَ لمنظمةٌ ومقادةٌ حسب تنوُّعٍ عجيبٍ وذلك بقوةِ تأسيسها الإلهي: “فإنه كما أن لنا في جسدٍ واحدٍ أعضاء كثيرة وليس لكلِّ الأعضاءِ عملٌ واحد، كذلك، نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وكلُّ واحدٍ منّا عضوٌ لللآخرين (رو 12 / 4 – 5). إذاً فشعبُ الله المختار هو واحدٌ “والربُّ واحدٌ، والإيمانُ واحد، والمعموديةُ واحدة” (أف 4 / 5) وكرامة الأعضاءِ مشتركة بحكمِ تجديدهم بالمسيح ومشتركةٌ نعمةُ التبني، ومشتركةٌ الدعوة للكمالِ، والخلاصُ واحدٌ والرجاءُ واحدٌ والمحبةُ غير متجزأة. إذاً ليس في المسيح ولا في الكنيسة أي تفاوت متأتٍّ عن الأصل أو الوطن أو الوضع الإجتماعي أو الجنس لأنه “ليس يهوديٌّ ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى لأنكم جميعكم واحد في المسيح يسوع” (غل 3 / 28؛ كول 3 / 11).
إذاً إن كان الكلُّ لا يسلكون في الكنيسة الطريق ذاته، إنما الكل مدعوون إلى القداسة وإقتبَلوا إيماناً يجعلهم متساوين ببرِّ الله (بط 1 / 1) حتى إذا كان البعض، بإدارة المسيح، قد أُقيموا معلِّمين وموزِّعي أسرار ورعاة لخيرِ الآخرين، إنما تسودُ مساواةٌ حقة في الكرامة والعمل المشترك بين كلِّ المؤمنين لبنيانِ جسدِ المسيح. والتمييزُ الذي وضعه الربُّ بين الخَدَمَةِ المكرَّسين وبقية شعب الله يقتضي بذاته لُحمةً إذ من المُسلَّم به أن الرعاة وبقية المؤمنيين مرتبطون بعضهم بالبعض الآخر بصلاتٍ مشتركة؛ فعَلى رعاةِ الكنيسةِ، وقد إقتفوا مثالَ الربِّ، أن يَخدم بعضهم بعضاً وسائر المؤمنيين؛ فليُقدموا فرحين نصيبهم من المساعدة إلى الرعاة والمعلمين. وهكذا يشهد الجميع في هذا التنوع للوحدة العجيبة في جسدِ المسيح؛ فهذا التنوع عينه في النعم والخِدم والأعمال يجمعُ أبناءَ الله في واحدٍ لأن “هذه الأمور جميعها يعملها الروح الواحد عينه” (1 كور 12 / 11).
فكما أن العَلمانيين، أصبحوا بفضلِ الله، إخوةً للمسيحِ الذي، مع أنه سيد الكل، جاءَ لا ليُخدم بل ليَخدم (راجع مت 20 / 28) فهم أيضاً إخوة للذين خُصصِّوا للخدمةِ المقدسة ليكونوا رعاة عائلةِ الله فيعلِّموها، ويقدسوها، ويقودوها لسلطةِ المسيح حتى يُتمَّ الكلُّ وصيةَ المحبة الجديدة. وفي هذا المجال قال القديس أغسطينوس هذه الكلمات الجميلة: “إذا روَّعني ما أنا لكم، يُعزيني ما أنا معكم. أنا لكم الأسقق، ومعكم أنا مسيحي. ذاك إسم المُهمّة وهذا إسم النعمة. فذاك للهلاك وهذا للخلاص (112).
الحياة بالنسبة إلى الخلاص والرسالة
-33- إن العَلمانيين، المجموعين في شعب الله والمؤلِّفين جسد المسيح الواحد تحت رأسٍ واحد، لمدعوونَ، أيّاً كانوا، إلى أن يُعاونوا، كأعضاءِ حية، على إزدهار الكنيسة وقداستها الدائمة، باذلين في سبيلِ ذلك كلَّ القِوى التي قبلوا من كَرَمِ الخالق ونعمةِ المخلِّص.
إنَّ رسالةَ العَلمانيين لإشتراك في رسالةِ الكنيسة الخلاصية بالذات. فالربُّ عينه إنتدبهم كلهم إلى هذه الرسالة بالعماد والتثبيت. فبالأسرار لا سيما بالإفخارستيا المقدسة تُمنح وتتغذى هذه المحبة نحو الله والإنسان، تلك المحبة التي هي روح كلِّ رسالة. والعَلمانيون هم مدعوون بصورةٍ خاصةٍ إلى أن يجعلوا الكنيسةَ حاضرةً وفعَّالة في تلك الأماكن والظروف التي لا يمكنها إلا بواسطتهم أن تكون ملح الأرض (113). وهكذا إنّ كل عَلمانيّ، بقوةِ النِعم التي أعطيها، شاهدٌ وفي الوقت عينه أداةٌ حيةٌ لرسالةِ الكنيسة بالذات “على مقدار موهبة المسيح”. (أف 4 / 7).
علاوةً على هذه الرسالة التي تختص بكلِّ المسيحيين، يُمكن أن يُدعى العَلمانيون بطرقٍ مختلفةٍ إلى تعاونٍ مباشرٍ مع السلطة في رسالتها (114) على مثال أولئك الرجال والنساء الذين كانوا معاوني الرسول بولس في نشرِ الإنجيل والذين، بذلوا في الربِّ، جهداً كبيراً (راجع فيل 4 / 3؛ رو 16 / 3 ومايلي). زيادةً على ذلك فإنهم يتحلون بمقدارات يمكن للسلطة أن تستخدمها لبعضِ وظائف كنسية تجب ممارستها لأغراض روحية.
إذاً على كل العَلمانيين يقع العبء الشريف في العمل المستمر على أن يصل التدبير الخلاص الإلهي إلى كلِّ الناس في كل زمانٍ ومكان يوماً بعد يوم. وبالتالي يجب أن تُفتحَ الطريقُ فسيحةً أمامهم من كلّ الجهات حتى يتمكنوا من أن يشتركوا بإجتهادهم أيضاً على قدر قواهم وحسب حاجات العصر في عمل الكنيسة الخلاصي.
إشتراك العَلمانيين في الكهنوت العام والعبادة
-34- إن يسوع المسيح، الكاهن السامي والأزلي، إذ أراد أن تدوم شهادته وخدمته بواسطة العَلمانيين أحياهم بروحه ودفعهم دفعاً متواصلاً ليُحققوا كلَّ عمل خير وكامل. فالذين يضمُّهم ضمّاً حميماً إلى حياته ورسالته، يمنحهم أيضاً قِسماً من وظيفته الكهنوتية لممارسةِ العبادةِ الروحية لمجد الله وخلاص البشر. لهذا فالعَلمانيون، بما أنَّهم مُكرسون للمسيح ومُسِحوا بالروح القدس، قد قبلوا الدعوةَ العجيبة والوسائل كي يُثمروا ثمارَ الروحِ بوفرةٍ وإستمرار. وعليه إذا كمَّلوا في الروح كلَّ أعمالهم وصلواتهم ومشاريعهم الرسولية، وحياتهم الزوجية والعائلية، وأشغالهم اليومية والراحة الروحية والجسدية وحتى صعوبات حياتهم إذا ما إحتُملت بصبرٍ، كل هذا يغدو “قرابين روحية، مرضية لله بيسوع المسيح” (1 بط 2 / 5)، هذه القرابين التي تُقدم للآب بمنتهى التقوى في الإحتفال بالإفخارستيا مع تقدمة جسدِ الربِّ. وهكذا يُكرِّسُ العَلمانيون العالمَ كلَّه، إذ يعبدون الله في كلِّ مكانٍ ويعملون في القداسة.
إشتراك العَلمانيين في وظيفة المسيح النبوية وفي الشهادة
-35- إنَّ المسيحَ النبيَّ الكبير الذي أعلنَ ملكوت الآب بشهادةِ حياته وقوَّةِ كلمته، يقومُ بوظيفته النبويّة حتى الظهور الكامل لمجده، ليس بالسُلطَةِ التي تُعلِّمُ بإسمه وسُلطانه وحسب، ولكن بالعَلمانيين أيضاً الذين أقامهم شهوداً وسلَّحهم بحسِّ الإيمان ونعمة الكلمة (راجع أع 2 / 17 – 18؛ رؤ 19 / 10) حتى تتلألأ قوةُ الإنجيل من خلال حياتهم اليومية والعائلية والإجتماعية. إنهم يَظهرون كأبناءِ الوعدِ إذا ما افتَدَوا الوقتَ الحاضر، بثباتِهم في الإيمان والرجاء (راجع أف 5 / 16 كول 4 / 5) وإذا ما إنتظروا بصبرٍ المجدَ الآتي ( راجع رو 8 / 25). وعليهم ألا يُخبِّئوا هذا الرجاء في الخفي من قلوبهم، بل بالأحرى عليهم أن يُظهروه أيضاً في أوضاع الحياة العالمية بجهدهم المتواصل لأجل التوبة وبمحاربتهم “ضد ولاة عالم الظلمة هذا أو ضد الأرواح الشريرة” (أف 6 / 12). وكما أن أسرارَ العهد الجديد التي منها تتغذى حياة المؤمنين ورسالتهم، ترمز إلى السماءِ الجديدة والأرض الجديدة، (راجع رؤ 21 / 1) هكذا يغدو العَلمانيون مُبشري الإيمان الأشداء بالمرجوات (عب 11 / 1) إذا جمعوا، دون تردّد، إلى حياة يُنعشها الإيمان الإعتراف بالإيمان عينه. وهذا التبشير، أعني حَمْلَ هذه البشارة بالمسيح بشهادةِ الحياة والكلمة، يرتدي علامةً مميَّزةً وفاعليَّة خاصةً بحيث أنه يتم في أوضاع العالم العادية. في هذه المهمّة يظهر سموُّ تلك الحالة التي يقدسها سرٌّ خاص أي حالة الحياة الزوجية والعائليّة. فيها يُمارس العَلمانيون رسالتهم ويجدون رسالةً فريدةً، حيث تَدخُل الديانة المسيحية حتى الصميمِ في نظامِ الحياةِ وتبدِّله كلَّ يومٍ تبديلاً متزايداً. هنا يَجِدُ الزوجان دعوتهما الخاصة: فيكونان لبعضهما البعض ولأولادهما شهوداً لإيمانِ المسيح ومحبته. فالعائلة المسيحية تُعلن عالياً فضائلَ ملكوت الله الحالية ورجاءَ الحياة السعيدة. وهكذا بمِثالها وشهادتها تُبَكِّتُ العالم على الخطيئة وتنير من يُفتِّشُ عن الحقيقة. وعليه، إنَّه لمِن واجب العَلمانيين وبإمكانهم أيضاً من خلال مشاغلهم وإهتماماتهم الزمنية، أن يُمارسوا عملاً قيماً في تبشير العالم. إذا كان البعضُ منهم وكلٌّ حسب إمكانياته، يقومون بوظائف مقدسة في حال عدم وجود الخُدَّام المكرَّسين وعندما يتعذَّرُ على هؤلاء القيام في سبيل العمل الرسولي، فعلى الجميع يقع واجب الإسهام في نشرِ ملكوت المسيح وتقدُّمه في العالم. لهذا على العَلمانيين أن يتعمقوا تعمقاً متزايداً وسريعاً في معرفة الحقيقة الموحاة، طالبين من الله بالحاحٍ هبةَ الحكمة.
إشتراك العَلمانيين في الخدمة الملوكية
-36- إنَّ المسيحَ الذي أطاعَ حتى الموت ولهذا رفعه الآب (راجع فيل 2 / 8 – 9) دَخَلَ في مجدِ ملكوته. إليه أُخْضِعَ كل شيء إلى أن يَخْضَعَ هو نفسه إلى أبيه مع الخليقةِ كلّها ليكون الله كُلاً في الكل (راجع 1 كور 15 / 27 – 28) قد سلَّمَ هذه السلطة إلى تلاميذه ليَنعَموا هم أيضاً بالحرّية الملكية، ويَستأصلوا سلطانَ الخطيئة منهم، بالكفر بالذات وبقداسةِ الحياة (راجع رو 6 / 12) حتى إذا ما خدموا المسيح أيضاً في الآخرين يقودون بالتواضع والصبر إخوانهم إلى الملك الذي خُدّامه هم ملوك. فالربّ يَروم أن ينشر ملكوته أيضاً بمساعدةِ عَلمانيين مؤمنين أي ملكوتَ حقيقةٍ وحياة، ملكوتَ قداسةٍ ونعمة، ملكوتَ عدالةٍ ومحبةٍ وسلام (115)، ملكوت حيث تحرر الخليقة من عبوديةِ الفساد إلى حرية مجد أبناء الله (راجع رو 8 / 21). عظيمٌ حقاً هو الوعد وعظيمة ٌ الوصية التي أعطاها إلى تلاميذه: “كل شيء لكم، وأنتم للمسيح، والمسيح لله” (1كور 3 / 23). فعلى المؤمنين إذاً أن يفقهوا أنَّ جوهر الخليقة كلها، في عمقها وقيمتها وغايتها، إنما هو مجدُ الله. عليهم من خلال أعمالهم الزمنية أيضاً أن يُساعدوا بعضهم بعضاً لأجل حياةٍ أكثر قداسة حتى يرتوي العالم من روحِ المسيحِ ويبلغَ بفاعليةٍ أقوى غايته إلى العدالة والمحبة والسلام.
ويحتل العَلمانيون المحل الأهم في التتميم الشامل لهذا الواجب. وليجتهدوا بكل قواهم، بما لهم من كفاءةٍ في الفنون الدنيوية وبأعمالهم التي ترفعها من الداخل نعمة المسيح، في أن تستثمر الخيور توزيعاً عادلاً بين البشر ولتُقَدْ حسب طبيعتها، إلى تقدُّمٍ شاملٍ في الحريةِ الإنسانية والمسيحية. وهكذا عَبْرَ أعضاءِ الكنيسة، يُنير المسيح بنوره الخلاصي المجتمعَ الإنساني بأسره أكثر فأكثر. علاوةً على ذلك، إذا ما دَفَعَتْ مؤسسات العالم وأوضاعه بالأخلاقِ إلى الخطيئة، فليُوحِّد العَلمانيون جهودهم ليصحِّحوها حتى تصبحَ كلّها مطابقة لمبادىء العدلِ وتشجيع ممارسة الفضائل بدل أن تكون عائقاً دونها. وإذا ما عملوا هكذا، فإنهم يروون الثقافة والأعمال الإنسانية بقيمة أخلاقية. بهذه الطريقة أيضاً يُصبح حقلُ العالمِ أكثرَ تهيئةً لِيَقبَلَ زرعَ كلمةِ الله ،وتُشرَّعُ أبوابُ الكنيسة واسعةً لتدخل بها بشرى السلام إلى العالم. وتمشياً مع التدبير الخلاصي بالذات، ليتعلم المؤمنون أن يُميزوا بتدقيقٍ ما لهم من حقوقٍ وما عليهم من واجبات، بصفتهم أعضاء في الكنيسةِ وفي المجتمع البشري. وليجتهدوا في أن يوفِّقوا ويناغموا بين هذه وتلك، ذاكرين أن على الضمير المسيحي أن يقودهم في كلّ المجالات الزمنية، لأنه ما من نشاطٍ بشريٍّ، حتى في الأمور الزمنية، بإمكانه أن يُستثنى من سلطة الله. وفي أيامنا الحاضرة، إنه لمن الضروري جداً، أن يتلألأ تلألأً وضَّاحاً في تصرف المؤمنين، هذا التميُّز وهذا التناغم أيضاً حتى تتمكن رسالة الكنيسة من أن تتجاوب تجاوباً أكمل مع ظروفِ العالمِ الحالي الخاصة. وكما يجب الإعتراف للمدينة الأرضية، المنصرفة شرعاً إلى مهامٍ دنيوية، أن تسيرَ على مبادىءَ خاصّة، كذلك تُنبَذُ بكلِّ صوابٍ النظريةَ المشؤومةَ التي تسعى إلى بناء المجتمع دون أي إعتبار للديانة والتي تحارب حرِّية المواطنين الدينية لتلاشيها (116).
العلاقة بالسُلطة
-37- يحق للعَلمانيين، كما لكلِّ المسيحيين، أن يَنالوا بغزارةٍ من الرعاة المكرسين الخيور التي تأتي من كنوز الكنيسة الروحية وخاصة عون كلمة الله والأسرار (117). ويحقُّ لهم أن يُفاتحوا هؤلاء الرعاة بحاجاتهم وأمانيهم، بكل الحرية والثقة التي تليق بأبناء الله وإخوة المسيح، على قدرِ علمهم وكفاآتهم ومراكزهم (118)، بل من واجبهم أن يُبدوا رأيهم في ما يتعلق بخيرِ الكنيسة. والأفضل أن يكون هذا، إذا إقتضى الأمر، بواسطةِ المؤسسات التي وضعتها الكنيسة لهذه الغاية، وذلك دوماً بالصراحة والشجاعة وفطنة مقرونة بالإحترام والمحبة، التي تجب علينا نحو من يقومون مقامَ المسيح، بِحكْمِ وظيفتهم المقدسة.
على العَلمانيين، أُسوةً بسائر المؤمنين، أن يعتنقوا بسرعةٍ وبطاعةٍ مسيحية ما يُقرُّه الرعاة المكرسون، ممثلو المسيح، بصفتهم معلمين وذوي السلطة في الكنيسة، وفي هذا يحذون حذو المسيح الذي، بطاعته حتى الموت، فتح للناس كلهم طريق حرِّية أبناء الله السعيدة. ولا يُهملون أن يَضرعوا إلى الله عن رؤسائهم الذين يَسهرون دوماً كأناسٍ سيؤدون الحساب عن نفوسنا، وليفعلوا ذلك بالفرح لا بالكآبة. (راجع عب 13 / 17).
على الرعاة المكرسين، من جهتهم، أن يفقهوا كرامةَ العَلمانيين ومسؤوليتهم في الكنيسة ويشجعوها. وليأخذوا عن رضى
بآرائهم الفَطِنَة، ويكلِّفوهم بثقةٍ بمهماتٍ في خدمة الكنيسة، تاركين لهم حرِّية العملِ ومجاله. وليشجّعوهم في أن يُبادروا من تلقاء أنفسهم إلى العمل. وليعيروا في المسيحِ بمحبةٍ أبويةٍ إهتماماً للمبادرات والتمنيات والرغبات التي يقدمها العَلمانيون (119). وليحترموا الحرية العادلة ويعترفوا بها، تلك الحرية التي هي مِن حقِّ الكل في المدينة الأرضية. وإنه ليُنْتَظَرُ للكنيسة من هذا التعامل الودي بين العَلمانيين والرعاة كل أنواع الخيور: فبهذا يتقوّى العَلمانيون في تحسُّسِ مسؤوليتهم الذاتية، وتتغذى غيرتهم ويسهل ضمّ قواهم إلى عمل الرعاة. وهكذا بمساعدة العَلمانيين وخبرتهم يتوصل الرعاة إلى أن يحكموا بتمييز أقوى، وبصوابٍ أشدّ في الأمور الروحية والدنيوية على السواء. فتتوصل الكنيسة جمعاء، مدعومة بكل أعضائها، إلى أن تتمم بأكثر فاعليةٍ رسالتها لأجل حياة العالم.
خاتمة
-38- على كل عَلمانيٍّ أن يكونَ أمامَ العالمِ شاهداً لقيامة الرب يسوع وحياتِهِ وعلامةَ الله الحي. وعلى جميع العَلمانيين أيضاً، وكلٌّ منهم على قدر طاقته، أن يُغذوا العالم من الثمار الروحية (راجع غلا 5 / 22) وأن يَبثوا فيه هذا الروح الذي ينعش الفقراء والودعاء وفاعلي السلام الذين طوَّبَهم الرب في الإنجيل (راجع مت 5 / 3 – 9) وبكلمةٍ “ليكن العَلمانيون في العالم بمنزلة الروحِ من الجسد” (120).
الفصل الخامس: في الدعوة الشاملة إلى القداسة في الكنيسة
مقدمة
-39- إن الكنيسة التي يُعلن المجمعُ المقدس سرَّها، لتبدو لعين الإيمان مقدَّسة لا زوال لقداستها. فالمسيح، إبن الله ،الذي يُنادى به مع الآب والروح “قدوساً وحده” (121)، أحبَّ الكنيسة كعروسةٍ له وبذل نفسه من أجلها ليقدِّسَها (راجع أف 5 / 25 – 26) ووحَّدها به كجسدِهِ وأغدق عليها هبةَ الروح القدس لمجد الله. لهذا إنَّ الكلَّ في الكنيسة مدعوون إلى القداسة، سواء أكانوا السلطة أو من تسوسهم على ما جاء في كلام الرسول: “فإن مشيئة الله إنَّما هي تقديس نفوسكم” (1تسا 4 / 3؛ أف 1 / 4) فقداسة الكنيسة هذه تظهر دوماً ويجب أن تظهر بثمار النعمة التي نثرها الروح في المؤمنين. بأشكالٍ شتى تظهر عند كلِّ واحدٍ من أولئك الذين يَنشدون المحبة الكاملة في حياتهم الذاتية ساعين إلى بناء الآخرين. وإنَّها لتظهر بطريقة مميزة في ممارسة المشورات التي تسمى عادة إنجيلية. فممارسة المشورات هذه التي إعتنقها عددٌ كبيرٌ من المسيحيين تحتَ دفع الروح القدس، سواء كان بطريقة فردية أم في ظرف أو حالة أقرَّتها الكنيسة، لتجلب إلى العالم ويجب أن تجلب إليه، شهادة ساطعة ومثلاً لهذه القداسة.
الدعوة الشاملة إلى القداسة
-40- إنَّ الربَّ يسوع، المعلم الإلهي لكلِّ كمالٍ ومثاله، علَّمَ جميع تلاميذه وكلاً منهم، وأيَّاً كان وضعهم، قداسة الحياة التي هو مبدعها ومكملها: “فكونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل هو” (مت 5 / 48) (122). وبالفعل قد أرسلَ روحه إلى الكل ليهيئهم داخلياً كي يحبوا الله من كلِّ قلبهم ومن كلِّ نفسهم، ومن كلِّ عقلهم وبكلِّ قواهم (راجع مر 12 / 30) وأيضاً أن يُحبّوا بعضهم بعضاً كما أحبَّهم المسيح (راجع يو 13 / 34؛ 15 / 12). إنَّ الذين يتبعون المسيح وقد دعاهم الله، لا بحسب أعمالهم ولكن بحسب تدبير نعمته، والذين تبرَّروا بيسوع ربّنا، أصبحوا حقاً بمعموديةِ الإيمان أبناء الله وشركاءَ الطبيعة الإلهية وبالتالي قديسين حقاً. إذاً عليهم أن يُحافظوا في حياتهم، بنعمةِ الله، على هذه القداسة التي نالوها ويُتمِّموها. فالرسول يَحضُّهم على أن يعيشوا كما يليق بالقديسين (أف 5 / 3) وأن يلبسوا كما يليق “بمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاءَ الرحمة واللطف والتواضع والوداعة والأناة” (كول 3 / 12) وأن يحملوا ثمار الروح لتقديسهم (راجع غلا 5 / 22؛ 6 / 22). “إنَّما بما أننا جميعنا نَزِلُّ” (يع 3 / 2) نحن بحاجةٍ دوماً إلى رحمةِ الله ويجب علينا أن نقول في صلاتنا “وإغفر لنا ذنوبنا” (مت 6 / 12) (123). وبالتالي إنه من الواضح للكلِّ أنَّ الدعوة إلى كمالِ السيرة المسيحية وكمال المحبة (124)، لموجهة إلى كل الذين يؤمنون بالمسيح أياً كان وضعهم أو شكل حياتهم. وهذه القداسة تعزِّزُ نمطاً من الحياةِ أشدَّ إنسانيَّة حتى في المجتمع الزمني. فعلى المؤمنين أن يجتهدوا بكل قواهم، على مقدار عطية المسيح، أن يحصلوا على هذا الكمال حتى إذاما ساروا على خطاه، وتمثلوا بصورته وكملوا في كلِّ شيءٍ إرادة الآب، ينذرون أنفسهم من كلِّ قلبهم لمجد الله وخدمة القريب. وهكذا تزدهر قداسة شعب الله بثمار وفيرة كما يشهد بذلك شهادةً ساطعةً تاريخ الكنيسة من خلال حياةِ عددٍ كبيرٍ من القديسين.
الأشكال العديدة لممارسة القداسة
-41- إنَّ كلَّ الذين يقودهم روح الله ويلبُّون نداءَ الآب فيعبدون الله الآب بالروح والحق ويسيرون خلفَ المسيح الفقير، والمتواضع، والحامل صليبه كي يستحقوا أن يصيروا شركاء في مجده، إنَّما يُمارسون قداسةً واحدةً في شتى أشكال الحياة ومناصبها المتنوعة. فعلى كلِّ واحدٍ أن يتقدَّمَ بلا تردُّدٍ، على قدر مسؤولياته الخاصة، وعطاياه، ووسائله، في طريق الإيمان الحي الذي يحثّ على الرجاء ويعمل بالمحبة. يجب أولاً على رعاة قطيع المسيح أن يقوموا بخدمتهم بالقداسة والإندفاع، وبالتواضع والقوة، على مثال الكاهن الأكبر الأزلي، راعي نفوسنا وأسقفها. وإذا ما تمَّموا ذلك، يكون لهم وسيلةَ قداسةٍ سامية. وبما أنَّهم إختيروا ليقبلوا ملء الكهنوت، يُعطى لهم النعمةالسرية ليمارسوا كاملةً مهمةَ المحبة الراعوية بالصلاة، والذبيحة (125)، والوعظ بالخدمة والإهتمام الأسقفي تحت كلِّ أشكاله، راضين أن يبذلوا بدون خوفٍ حياتهم عن خِرافهم، وإذا ما كانوا قدوة أمام قطيعهم (راجع 1 بط 5 / 3)، يدفعون الكنيسة بمثالهم لتتقدم إلى قداسةٍ تتزايد يوماً بعد يوم. على مثال السلك الأسقفي، يجب على الكهنة الذين هم له بمثابة الهالة الروحية (126)، والذين يشتركون في نعمةِ المسيح الوسيط الأزلي الأوحد، أن ينمو في محبةِ الله والقريب بالقيام اليومي بوظيفتهم، وليحافظوا على رباط الشركة الكهنوتية، وليُثمروا كل الخيور الروحية، مؤدّين للكل شهادةً حيَّة عن الله، منافسين في ذلك أولئك الكهنة الذين تركوا، على مدى الأجيال بفضلِ خدمتهم الوضيعة غالباً والخفية (127)، مثلاً رائعاً في القداسة. وكنيسة الله تعلن مديحهم. وعندما يقدمون عن شعبهم وعن شعب الله قاطبة، بوضعِ وظيفتهم، الصلاة والذبيحة، يفقهون ما يعملون، ويتشبَّهون بما يلمسون (128)؛ فلا تعوقنَّهم الإهتمامات بالرسالة، ولا الأخطار والضيقات، بل بالأحرى عليهم أن يرتقوا إلى قداسةٍ ساميةٍ واجدين في الإكثار من التأمل ما يُغذي عملهم ويدعمه لفرح كنيسة الله بكاملها. وليذكر الكهنة لا سيما الذين، بفضل رسامتهم الخاصة، يحملون اسم كهنةٍ أبرشيين، إنَّ قداستهم يمكن أن تفيد من إتحادهم الأمين بأسقفهم ومساعدتهم السخية له.
ويشترك أيضاً بنوعٍ خاص في رسالة الكاهن الأسمى ونعمته خدام السلك الأدنى وفي مقدمتهم الشمامسة الذين، وهم يخدمون أسرار المسيح والكنيسة (129)، عليهم أن يحفظوا أنفسهم أنقياءَ من كلِّ عيبٍ، وأن يرضوا الله، وأن يوفروا للناس كلَّ خيرٍ (راجع1 تيم 3 / 8 – 10 و12 – 13). وأمَّا الأكليريكيون الذين يتهيَّأون إلى وظائف الخدمة تحت سهر الرعاة بدعوةٍ من الله الذي فَصلهم ليكون لهم نصيب معه، عليهم أن يوفقوا بين روحهم، وقلبهم، ودعوتهم السامية مُظهرين ذلك بالتواتر في الصلاة والحرارة في المحبة، مفكِّرين بكل ما هو حق، وعادل، وشريف، متمِّمين كل ذلك لمجد الله وإكرامه.
زد على هؤلاء العلمانيين الذين إختارهم الله، ليكرسوا ذاتهم كلياً لأعمال الرسالة وقد دعاهم الأسقف، وهم يعملون في حقلِ الربِّ مثمرين ثمراً وفيراً (130). أمّا الأزواج والوالدون المسيحيون، فعليهم بإتباعهم الطريق الخاص بهم أن يعاونوا بعضهم بعضاً في النعمة، والأمانة، والحب طول حياتهم وأن يُشركوا بمحبةِ الأولاد الذين إقتبلوهم من الله في الحقائق المسيحية والفضائل الإنجيلية. وفي ذلك يُعطون للكل مثلاً في الحب سخياً وثابتاً، ويسهمون في بنيان المحبة الأخوية، ويصيرون شهوداً لخصب أمّنا الكنيسة ومساهمين فيه، علامةَ وشركةَ المحبة التي أحبَّ بها المسيح عروسه وبذل نفسه لأجلها (131). ويُعطي الأرامل والعزاب مثل هذا المثل، ولكن تحت شكلٍ آخر، هؤلاء الذين يمكن أن يكون لمساهمتهم القيمة العظمى في قداسةِ الكنيسة ونشاطها. أما الذين يتعاطون أشغالاً غالباً ما تكون شاقة، يجب أن يكمّلها نشاطهم البشري شخصياً، وأن يجيز لهم مساعدة مواطنيهم وأن يسهموا في رفع مستوى الخلق والمجتمع بأكمله؛ متشبّهين، بمحبةٍ فعالة، بالمسيح الذي أراد أن يمارس العمل اليدوي، والذي لا يزال يعمل مع أبيه لأجل خلاص الجميع. وليكونوا في هذا، فرحين في الرجاء، معاونين بعضهم في حمل أثقال البعض، فيرتقوا بعملهم اليومي نفسه إلى قداسة متسامية ورسولية أيضاً. وليعلم أولئك الذين يَنوء بهم الفقر، والضعف، والمرض، والمحن المختلفة أو الذين يقاسون الإضطهاد من أجل البر، أنَّهم متحدون بنوعٍ خاص بالمسيح المتألم لأجل خلاص العالم. فالرب قد طوَّبَهم في إنجيله “وإله كل نعمة الذين دعانا إلى مجده الأبدي بالمسيح يسوع بعد تألمنا اليسير، يتمّمُ عمله ويجعلنا راسخين مؤيدين” (1 بط 5 / 10). وهكذا فكلّ الذين يؤمنون بالمسيح يمكنهم أن يتقدسوا دوماً وأكثر في ظروف حياتهم، وحالاتها، وواجباتها، وبواسطة هذه الأشياء كلها إذا ما إقتبلوها بإيمانٍ من يدِ الآب السماوي، وإذا ما لبّوا الإرادة الإلهية مظهرين أمام الكل، في خدمتهم الزمنية نفسها، المحبة التي بها أحب الله العالم.
طرق القداسة ووسائلها
-42- “إنَّ الله محبة، ومن ثبت بالمحبة فقد ثبت في الله وثبت الله فيه” (1 يو 4 / 16) وقد أفاض الله حبه في قلوبنا بالروح القدس الذي منحناه” (راجع رو 5 / 5). وبالنتيجة فالمحبة التي تجعلنا نحب الله فوق الكل والقريب لأجله، هي العطية الأولى والأكثر ضرورة. ولكن كي تنمو المحبة في النفس وتثمر، مثل حبَّةٍ جيدة، على كلِّ مؤمنٍ أن ينفتحَ تلقائياً على كلام الله، وبعونِ نعمته يعمل حسب مشيئته، ويشترك بتواترٍ في الأسرار لا سيما الإفخارستيا، وفي الأعمال الليترجيّة؛ وعليه أن يواظب على الصلاة، وعلى الكفرِ بالذات، وعلى خدمة إخوته خدمةً فعّالةً، وعلى ممارسة كلّ الفضائل. ولمَّا كانت المحبة رباط الكمال وكمال الشريعة (راجع كول 3 / 14؛ رو 13 / 10) فإنَّها توجِّه كلّ وسائل القداسة وتعطيها روحها وتقودها إلى غايتها (132). إذاً محبة الله والقريب هي التي تميِّز تلميذ المسيح الحقيقي. ولمَّا كان يسوع، ابن الله، قد أظهر محبته بِبَذْلِ ذاته من أجلنا، لا يمكن لأحدٍ أن يحبَّ أكثر، إلا ذلك الذي يبذل ذاته من أجل المسيح ومن أجل إخوته (راجع 1 يو 3 / 16؛ يو 15 / 13). فإلى شهادة الحب السامية هذه، التي تُؤدَّى أمام الكل لا سيما أمام المضطهدين، قد دُعِيَ بعضٌ من المسيحيين وذلك منذ الساعة الأولى، والبعض الآخر سيُدْعَون دوماً إليها. لهذا فالإستشهاد الذي فيه يُصبح التلميذ شبيهاً بمعلمه الذي قَبِلَ الموت بكلّ حرية لأجل خلاص العالم، والذي يُصبح شبيهاً به في إهراق دمه لتعتبره الكنيسة عطيةً ساميةً، وإمتحانَ المحبةِ المُطلق. وإذا كان هذا لم يُعط إلا لعددٍ قليلٍ، إنَّما على الكل أن يكونوا على إستعداد ليعترفوا بالمسيح أمام الناس، وليتبعوه على درب الصليب عبر الإضطهادات التي لا تفتقدها الكنيسة أبداً. وتتغذى قداسة الكنيسة بنوعٍ خاص بالمشورات، تحت أشكالها المتعددة، تلك التي عرضها الرب في الإنجيل كي يُمارسها تلامذته (133). وفي المقام الأول من هذه المشورات عطية النعمة الإلهية الثمينة التي يهبها الآب إلى البعض (راجع مت 19 / 11؛ 1 كو 7 / 7)، فتَحمل نفساً على أن تكرِّسَ ذاتها، بطريقةٍ أسهل وبدون تجزؤ قلب، إلى الله وحده في التَبَتُّلِ والعزوبية (راجع 1 كور 7 / 32 – 34) (134). فهذا الإنقطاع الكامل في سبيل ملكوت الله، كان دوماً من قِبَلِ الكنيسة موضوع شرفٍ، خاصة كعلامة للمحبة وحافز إليها، وكينبوعٍ خاص للخصب الروحي في العالم. وإن الكنيسة لتذكر تنبيه الرسول الذي يدعو المؤمنين إلى المحبة ويحثّهم على أن يختبروا ما كان في المسيح الذي “أخلى ذاته آخذاً صورةَ عبد.. ومطيعاً حتى الموت” (فيل 2 / 7 – 8) وإفتقر وهو الغني من أجلنا (2 كو 8 / 9). فلما كان من واجب التلاميذ أن يقتدوا بمحبة المسيح هذه وبتواضعه، وأن يشهدوا لهما، فإن أمّنا الكنيسة لتفرح لأنه يوجد في داخلها عددٌ غفيرٌ من الرجال والنساء يريدون أن يتبعوا المخلص عن كثب في تخليه عن ذاته، ويظهرونه ببيانٍ أجلى، معتنقين الفقر بحريةِ أبناء الله، متخلّين عن إرادتهم الذاتية أعني رجالاً ونساء يخضعون في مجال الكمال لخليقةٍ بشريةٍ في سبيل الله لكي يتشبهوا في كمالٍ أكثر بالمسيح المطيع (135).
فالمؤمنون بالمسيح كلهم مدعوون إذاً إلى أن يتتبعوا قداسة حياتهم وكمالها ومجبرون عليها. فليسهروا كلّهم على أن يوجهوا ميولهم كما يجب، لكي لا يمنعهم إستخدام الأمور الدنيوية والتعلق بالغنى، على خلاف روح الفقر الإنجيلي، من أن يسلكوا طريق الكمال في محبة. ولقد حذَّرَ الرسول بقوله “مَنيستعملون هذا العالم فليكونوا كأنهم لا يستعملونه، لأن وجه هذا العالم يزول” (راجع 1 كو 7 / 31 يوناني) (136).
الفصل السادس: في الرهبان
إعتناق المشورات الإنجيلية في الكنيسة
-43- إن المشورات الإنجيلية من عفّة مكرسةٍ لله، وفقرٍ وطاعةٍ مبنية على كلام الرب ومثاله، والتي يأمر بها الرسل، والآباء، والرعاة، ومعلّموا الكنيسة لتؤلفُ هبةً إلهيةً نالتها الكنيسة من ربّها، ولا تزال بنعمته تحافظ عليها بأمانة. كما أن سلطة الكنيسة من ربّها، التي يوجِّهها الروح القدس، حرصت على أن تشرحها، وأن تنظِّم تطبيقها، وأن تنشئ أنماط حياةٍ ثابتةٍ مستمدةٍ منها. ومثل شجرةٍ تتشعب بطريقةٍ عجيبةٍ وأنواعٍ شتى في حقل الرب إنطلاقاً من زرع بذرة الله، هكذا ولدت ونمت أشكالٌ متنوعةٌ من حياة التوحُّد أوالحياة المشتركة وعائلاتٌ مختلفةٌ تجمعُ الخيرات لفائدةِ أعضائها ولخير جسد المسيح كلِّه(137). وتؤمّن هذه العائلات لأفرادها المعونات لثباتٍ أقوى في نمط حياتهم وعقيدةٍ ممحَّصةٍ لتتبُّع الكمال، وشركةٍ أخوية في جيش المسيح، وحريةٍ تقوّيها الطاعة لكي يتمكنوا من أن يقوموا بأمانٍ بنذورهم الرهبانية وأن يحفظوها بأمانة، سائرين قُدماً في الفرح الروحي على طريق المحبة (138). وحالة الحياة هذه نظراً إلى تركيب الكنيسة الإلهي والتسلسلي، ليست في منزلةٍ وسط بين الحالة الإكليريكية والحالة العلمانية. لكن الله يدعو بعض المؤمنين بالمسيح من كِلتا الحالتين لينعموا في حياة الكنيسة بالهبة الخاصة ويخدموا، كلٌّ حسب طريقته، رسالة الكنيسة الخلاصية (139).
طبيعة الحالة الرهبانية في الكنيسة وأهميتها
-44- يُلزم المؤمن المسيحي نفسه بممارسة المشورات الإنجيلية الثلاث المشار إليها بالنذور أو بالتزامات أخرى مقدسة تشبه النذور حسب شكلها الخاص، ويسلّم نفسه هكذا بالكليَّة إلى الله الذي يُحبه فوق كل شيء، فيصبح مُعداً لخدمة الرب وإكرامه بصفة جديدة وخاصة. لقد أماته العِماد عن الخطيئة وكرّسه لله، ولكن كي يتمكن من أن يجني بأكثر وفرة ثمرة نعمة العماد يريد، بإعتناقه المشورات الإنجيلية في الكنيسة، أن يتحرر من أتعابٍ من شأنها أن تعيق تفتيشه عن محبةٍ حارة لله، وعبادة كاملة له، وتكريسه نفسه تكريساً صحيحاً للخدمة الإلهية (140). ويبلغ هذا التكريس أقصى كماله بمقدار ما تنقل هذه الروابط المتينة الثابتة صورة المسيح المتحد اتحاداً لا ينفصم بالكنيسة عروسه. ولكن بما أن المشورات الإنجيلية توحِّد، بشكلٍ خاص، مَن يمارسها مع الكنيسة وسرّها، وذلك بفضل المحبة التي تقودهم إليها (141)، وَجَب أن يكرّسوا أيضاً حياتهم الروحية لخير الكنيسة جمعاء. وبالتالي ينبع للجميع واجب العمل، كلٌّ حسب قواه، وحسب شكل دعوته الذاتية إمّا بالصلاة، إمّا بالنشاط الفعّال على ترسيخ دعائم ملكوت الله في النفوس وتقويته ونشره في الكون كلّه. لهذا تدافع الكنيسة عن الميزة الخاصة لمختلف المؤسسات الرهبانية وتدعمها.
وبالنتيجة يظهر الإعتناق للمشورات الإنجيلية علامةً يمكنها ويجب عليها أن تجذب بصورةٍ فعّالة كلّ أعضاءِ الكنيسة لكي يتمِّموا بشجاعة واجبات دعوتهم المسيحية. وبما أن شعب الله ليس له هنا مدينة ثابتة، بل يفتش عن حاضرةِ المستقبل، فالحالة الرهبانية التي تُؤَمِّنُ لأتباعها حريةً أكبر تجاه الأعباء الأرضية، تُبْرِزُ من جهةٍ وعلى نطاق أوسع الخيور السماوية، التي هي حاضرةُ الآن في هذا الزمن أمام أعين المؤمنين أجمعين، ومن جهةٍ أخرى تشهد بوجودِ حياة جديدة وأزلية اكتُسِبَت بفضل سر الفداء، وتنبئ أخيراً بالقيامة المرجوَّة، وبمجدِ ملكوت السماوات. فوق ذلك تجتهد هذه الحال أن تقلّد عن كثب وتُمثِّل في الكنيسة دوماً نمط هذه الحياة التي أخذها ابن الله يوم جاءَ إلى العالم ليتمّم إرادة الآب، والتي عرضها على التلاميذ الذين تبعوه، وتُعرِبُ أخيراً وبطريقةٍ خاصة كيف أن ملكوت الله يسمو على كلِّ الأشياء الأرضية وعلى الحاجات القصوى. وتُظهر للجميع العظمة المتعالية، عظمةَ قوَّةِ المسيح المَلك، وقدرة الروح القدس اللامتناهية التي تعمل في الكنيسة بشكلٍ عجيب. إذاً فالحالة التي تنشأ بإعتناق المشورات الإنجيلية، وإن كانت لا تمتُّ بصلة إلى تركيب الكنيسة التراتبي، إنما تتعلق دونما إنفصال بحياتها وقداستها.
سلطة الكنيسة وعلاقتها بالرهبان
-45- لمّا كانت مهمة السلطة الكنسية تقوم برعاية شعب الله وقيادته إلى مراعٍ خصبة (حزقيال 34 / 14)، فإليها يعود أن تُدبِّر شرائعها (142) الحكيمة ممارسة المشورات الإنجيلية، التي تعزِّزُ بصورة فريدة كمال المحبة لله وللقريب. وفي طاعتها لدوافع الروح القدس، تقبل القوانين التي يعرضها عليها رجالٌ ونساءٌ مُعتَبرون، وتوافق عليها رسمياً بعد ضبطها. أخيراً تسهر بالسلطة التي لها، وتبسط حمايتها، على المؤسسات المنشأة هنا وهناك لبنيانِ جسدِ المسيح، حتى تنمو تزدهر وفقاً لروحمؤسسيها. من ناحية أخرى، نظراً إلى حاجات قطيع الرب بكامله، يمكن للحبر الأعظم، بصفته رئيساً أول على الكنيسة الجامعة، ونظراً إلى الخير العام، أن يعصم كل مؤسسة من مؤسسات الكمال وكلّ عضو من أعضائها من ولاية الرئيس المكاني، وأن يُخضعَها له وحده (143). كما أنه يمكن أن تُترَك هذه المؤسسات أو توكَل إلى السُلطات البطريركية الخاصة بها. أما الأعضاء نفسهم فعليهم بإنجاز واجباتهم نحو الكنيسة، وفقاً لشكلِ حياتهم الخصوصية، أن يُعربوا للأساقفة حسب الشرائع القانونية، عن الإحترام والخضوع الواجب لهم، بسبب سلطتهم الراعوية على الكنائس الخاصة ولأجل الوحدة والتآلف الضروريين في العمل الرسولي (144). أمّا الكنيسة فإنها لا ترفع إعتناق الحياة الرهبانية إلى شرف الحالة القانونية بمصادقتها عليها فحسب، ولكنها تعرضها أيضاً في طقسياتها كحالة تكريس لله. فالكنيسة نفسها تقبل نذور الناذرين بسلطة الله الموكلة إليها. وهي تطلب لهم من الله في صلواتها العَلنيّة المعونة والنعمة، توصي الله بهم، وتمنحهم بركتها الروحية، ضامّةً تقدمتهم إلى ذبيحة الإفخارستيا.
عظمة التكريس الرهباني
-46- على الرهبان أن يعملوا بكلِّ قواهم لتُظهِر الكنيسة بواسطتهم المسيح للمؤمنين ولغير المؤمنين، ذلك بصورةٍ أكثر كمالاً وحقّاً: إمّا في تأملاته على الجبل، وإمّا بتبشيره الشعوب عن ملكوت الله، وإمّا أيضاً عندما كان يشفي المرضى وأصحاب العاهات، ويردّ الخطأة إلى حياة خصبة، عندما كان يبارك الأطفال ويوزّع خيراته على الجميع متمماً دوماً، في الطاعة، إرادة الآب الذي أرسله (145). وفي النهاية ليعتبر الجميع أن إعتناق المشورات الإنجيلية، وإن تتضمن تركَ خيراتٍ تستحق بلا شك التقدير، لا يقوم حاجزاً أمام تقدُّم الشخص البشري، بل بالعكس فهو له بطبيعته مجلبة للخير العميم. فالمشورات إذا ما قُبِلَت عن رضى، حسب دعوةِ كلِّ واحدٍ الشخصية، لتسهم إسهاماً كبيراً في تنقية القلب وتحرير الروح، وهي تحثّ على حرارةٍ دائمةٍ للمحبة، لا سيما أنها تستطيع، كما يتبين ذلك من مثال القديسين المؤسِّسين، أن تؤمِّن للمسيحيين إمتثالاً أكبر لنوعِ حياةِ التبتل والفقر الذي إختاره المسيح ربنا لنفسه وإعتنقته العذراء أمه. ولا يفكرنّ أحد أنَّ الرهبان يغدون بتكريسهم غرباءَ عن الناس وغير نافعين في المدينة الأرضية. لأنه إذا كانوا غير حاضرين دوماً ومباشرة إلى جانب معاصريهم، فهم حاضرون لهم حضوراً أعمق في أحشاء المسيح، معهم روحياً حتى يقوم بنيان المدينة الأرضية دوماً على أساس في الرب، وحتى يوجّه إليه، فلا يتعب عبثاً الذين يبنونه (146). وأخيراً، يمتدح المجمع المقدس ويشجع هؤلاء الرجال والنساء، الإخوة والأخوات الذين يزينون عروس المسيح في الأديار، والمدارس، والمستشفيات، والرسالات بالأمانة الدائمة و المتواضعة، وبالخدمات العديدة التي يقدمونها بسخاء إلى الناس.
خاتمة
-47- أمّا كل الذين دُعوا لإعتناق المشورات، فعليهم أن يسهروا بعنايةٍ ليَثْبَتوا في الدعوة التي دعاهم الله إليها، وأن يتساموا فيها لتتوافر للكنيسة قداسةً متزايدةً، ولمجدِ الثالوث الواحد غير المنقسم أعظم تمجيد، ذلك الثالوث ينبوع كل قداسة وأساسها بالمسيح وفيه.
الفصل السابع: في ميزة كنيسة الأرض السائرة إلى الأخرة وإتحادها بكنيسة السماء
مقدمة
-48- إن الكنيسة التي إليها كلّنا مدعوون في المسيح، والتي فيها نحصل على القداسة بنعمة الله، لن تبلغ التمام إلا في المجد السماوي عندما يأتي الزمان الذي فيه كل شيء يتجدد (أع 3 / 1)، كما يتجدد تماماً في المسيح العالم بأسره مع الجنس البشري، ذلك العالم الذي يتَّحد إتحاداً وثيقاً بالإنسانِ وبه يبلغ إلى غايته (راجع أف 1 / 10)، (كول 1 / 20)؛ (2 بط 3 / 10 – 13). فالمسيح الذي رفع الأرض جذب إليه كلَّ البشر (راجع يو 12 / 32 يوناني). وقد قام من بين الأموات (راجع رو 6 / 9) أرسل روحه المحيي إلى تلاميذه وأقام بواسطته جسده، الذي هو الكنيسة، بمثابة سرِّ الخلاص الشامل وقد جلس عن يمين الآب، يعمل دوماً في العالم ليقود الناس إلى الكنيسة، ويضمّهم إليه بواسطتها ضمّاً حميماً، ويشركهم في حياته الممجدة إذ يعطيهم غذاءً جسده ودمه. فالتجديد الذي وعدنا به ونترجّاه، قد إبتدأ في المسيح، ويتزايد بإرسال الروح القدس وبه يُكَمَّل في الكنيسة، حيث يُعلمنا الإيمان أيضاً معنى حياتنا الزمنية، بينما نتمِّمُ العمل الذي أوكله الآب إلينا، مترجين الخيرات المقبلة وعاملين هكذا خلاصنا (فيل 2 / 12). هكذا إذاً قد بلغت إلينا نهاية الأيام (1 كو 10 / 11). وتجديد العالم قد بدأ بدون رجعة، وبصورةٍ حقيقيةٍ قد سبق ظهوره منذ الآن: فالكنيسة على هذه الأرض تتميز بالقداسة الحقة وإن غير كاملة.
إنَّما إلى أن تتحقق السماوات الجديدة والأرض الجديدة حيث يسكن البر(2 بط 3 / 13) فالكنيسة في غربتها لَتحملُ، في أسرارها ومؤسساتها المنوطة بهذا الدهر، وجهَ هذا الدهر الزائل. إنَّها تعيش بين الخلائق التي تئن وتتمخض حتى الآن وتتوقع تجلي أبناء الله (رو 8 / 22 و19). وبما أنّا إتحدنا بالمسيح في الكنيسة وخُتِمنا بالروح القدس “الذي هو عربون ميراثنا” (أف 1 / 14)، فإننا نُدعى أبناء الله حقاً، وإنّا لكذلك (1 يو 3 / 2)، ولكن الساعة لم تأتي بعد لنتجلَّى مع المسيح في المجد (كو2 / 4) حيث نصير شبيهين بالله لأننا سنراه كما هو (1 يو 3 / 2)، ولذلك “ما دمنا مستوطنين في الجسد، فنحن متغرِّبون عن الرب” (2 كو 5 / 6) وقد حصلنا على بواكير الروح نئنُّ في باطننا (رو 8 / 23)، ونرغب في أن نكون مع المسيح (فيل 1 / 23)، والمحبة عينها تدفعنا لنحيا للذي مات وقام لأجلنا (2 كو 5 / 15) ونحرص أن نرضي الرب في كلِّ شيء (2 كو 5 / 9)، ونلبس سلاح الله لنستطيع أن نقاوم مكايد إبليس ونقف في وجهه يوم الشر (أف 6 / 11 – 13). ولمّا كُنا لا نعلم اليوم والساعة، يجب أن نكون دوماً متيقظين، حسب تنبيه الرب لنستحق، وقد أكملنا المجرى الوحيد لحياتنا الأرضية (عب 9 / 27) أن ندخل معه في العرس ونكون أهلاً أن نُعَدَّ مع المباركين (مت 25 / 31 – 46) بدل أن نكون مثل العبيد الأشرار الكسإلى (مت 25 / 26) مُبعَدين بأمرٍ من الله إلى النار الأبدية (مت 25 / 4) وإلى الظلمة البرّانية “حيث البكاء وصريف الأسنان” (مت 22 / 13 و25، 30). وبالفعل قبل أن نملك مع المسيح الممجد، سنظهر كلنا “أمام منبر المسيح لينال كلّ واحدٍ على حسب ما صنع وهو في الجسد خيراً كان أم شراً” (2 كو 5 / 10). وفي نهاية العالم “سيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة” (يو 5 / 29؛ مت 25 / 46). لهذا بما أننا نَعتبر “أن آلام هذا الدهر لا تقاس بالمجد المزمَع أن يتجلى فينا” (رو 8 / 18؛ 2 تيم 2 / 11 – 12) وأننا ننتظر ثابتين في الإيمان “الرجاء السعيد وتجلي مجدَ إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح” (تي 2 / 13) “الذي سيُعدُّ جسد تواضعنا ليكون على صورة مجده” (فيل 3 / 21) والذي سيأتي “ليتمجَّدَ في قديسيه ويَظهر بالعجب بين جميع المؤمنين” (2 تسا 1 / 10).
الشركة بين كنيسة السماء وكنيسة الأرض
-49- فإلى أن يأتي الرب في مجده وجميع ملائكته معه (مت 25 / 31) وإلى أن يُخضِع كلّ شيء له، بعد أن يُلاشى الموت (1 كو 15 / 26 – 27) يكمل البعض من رسله غربتهم على الأرض، والبعض وقد أكملوا حياتهم يُطهَّرون، والبعض الآخر، وقد أصبحوا في المجد، يتأملون “بالله الواحد المثلَّث الأقانيم كما هو في ملء الضياء” (147). إنّما نشتركُ كلُّنا، وإن على درجات وتحت أشكالٍ متنوعة، في المحبة ذاتها لله وللقريب، مرنِّمين لإلهنا نشيد المجد عينه. وفعلاً، إنَّ كل مَن هم للمسيح وقد قَبِلوا روحه، يؤلِّفون كنيسةً واحدةً ويتناسقون فيما بينهم ومعه (أف 4 / 16). إذاً إنَّ الوحدة التي تربط بين الذين لا يزالون في غربةٍ، وبين إخوتهم الذين رقدوا في سلام المسيح، لا تعرف أيَّ إنفصامٍ، بل بالعكس تتقوى هذه الوحدة بتبادل الخيرات الروحية (148)، بمقتضى إيمانِ الكنيسة الدائم. أمَّا وقد إتَّحد سكانُ السماء إتحاداً صحيحاً مع المسيح، فإنهم يوطِّدون الكنيسة كلّها توطيداً قوياً في القداسة، ويزيدون من قدر العبادة التي تؤدِّيها الكنيسة لله على الأرض، ويساعدون بطرقٍ شتّى في رفع بُنيانها(1 كو 12 / 12 – 27) (149) لأنَّهم، وقد قُبلوا في الوطن وحضروا عند الرب (2 كو 5 / 8) لا ينفكّون يضرعون لأجلنا إلى الرب، به ومعه وفيه (150)، مقدّمين الإستحقاقات التي نالوها على الأرض بالوسيط الواحد بين الله والناس، يسوع المسيح (1 تيم 2 / 5)، خادمين الرب في كلِّ شيء، ومتمّمين في جسدهم ما ينقص في آلام المسيح لأجل جسدِه الذي هو الكنيسة (كول 1 / 24) (151). وهكذا إن عنايتهم الأخوية هي عضد كبير لضعفنا.
علاقة كنيسة الأرض بكنيسة السماء
-50- أمَّا وقد إعترفت كنيسةُ المسافرين على الأرض إعترافاً قوياً بهذه الشركة الموجودة داخل جسد المسيح السري كله، قد أحاطت بتقوى زائدة ذكر الموتى وذلك منذ العصور المسيحية الأولى (152)، وقدمت عن نيَّتهم التقادم “لأن فكرة الصلاة لأجل الموتى كي يخلصوا من خطاياهم هي فكرة مقدسة تقوية” (2 مكا 12 / 45). ولقد آمنت الكنيسة دوماً أن رسلَ المسيح وشهداءَه الذين أعطوا بسفكِ دمِهم شهادةَ الإيمانِ والمحبةِ العظمى، هم أشدُّ إتحاداً بنا في المسيح، ولقد أحاطتهم مع العذراء الطوباوية مريم والملائكة القديسين بمحبةٍ خاصة (153)، ملتمسة بورعٍ عون شفاعتهم. إلى هؤلاء أضيفَ فيما بعد آخرون غيرهم أي مَن تمَثَّلوا عن قربٍ بتبتُّلِ المسيحِ وفقره (154)، وأخيراً مَن امتازوا بممارستهم الرائعة للفضائل المسيحية (155) ونِعَمُ الله الشهيرة، ما جعل الكنيسة توصي بهم ليكونوا قدوةً للمؤمنين، وموضوعاً لإكرامهم بتقوى (156). وفعلاً إن التأمّلَ في حياة الناس الذين تبعوا المسيح بأمانةٍ، هو دافعٌ يحثُّ على السعي إلى المدينة المقبلة (عب 13 / 14 و 11 / 10). وفي الوقت عينه نتعلم هكذا أن نعرف الطريق التي بها يُمكننا البلوغ إلى الوحدة الكاملة مع المسيح، أعني إلى القداسة (157)، وسط ظروفِ العالم وحسب حالة كلّ واحد منا وأوضاعه الخاصة. ففي حياة الذين يشاركوننا طبيعتنا الإنسانية وقد تحولوا تحولاً أكمل إلى صورة المسيح (2 كو 3 / 18)، يُظهر الله للبشر في ضياءٍ ساطعٍ حضوره ووجهه. والله يكلّمنا عن طريقهم، ويرينا آيةَ ملكوته (158) ويجذبنا إليهِ بقوّة، إذ لدينا مثل هذا السحاب الكثيف من الشهود يحدق بنا (عب 12 / 1)، ومثل هذه الشهادة لحقيقة الإنجيل. ولكننا لا نُكرِّمُ ذكرَ سكان السماء من أجل مثالهم فحسب، بل حتى تتوثق بهذا توثقاً أكثر وحدة الكنيسة كلها في الروح القدس (أف 4 / 1 – 6) وذلك بممارسة المحبة الأخوَّية. فكما أن الشركة بين المسيحيين الذين على الأرض تُقرِّبنا أكثر من المسيح، هكذا توحِّدنا شركة القديسين إلى المسيح الذي منه تفيض، كما من ينبوعها ورأسها، كلُّ نعمةٍ وحياةُ شعب الله بالذات (159). وإنه ليليق جداً أن نحبَّ أحباءَ يسوع المسيح هؤلاء وورثته، الذين هم أيضاً إخوتنا والمحسنون العظماء إلينا، وأن نشكر الله من أجلهم (160) “ولنَدْعُهم بإنسحاقٍ، ولنَلتجأ إلى صلواتهم، وإلى إسعافاتهم وعونهم من أجل الخيرات التي علينا أن نطلبها من الله، بواسطة إبنه يسوع المسيح ربنا الذي هو فادينا ومخلصنا الوحيد” (161). لأن كلَّ شهادة حب أصيلة نقدمها إلى سكان السماء، إنّما تتجه في طبيعتها بالذات كما في نهايتها إلى المسيح “إكليلُ كل القديسين” (162) وبواسطته إلى الله الذي هو عجيبٌ في قديسيه وممجَّدٌ فيهم (163).
ووحدتنا مع الكنيسة لتتحقق بأسمى طريقة، عندما نُنشد، بفرحٍ مشترك، المديحَ للعظمة الإلهية (164)، لا سيما في الليترجيا المقدسة حيث تفعل فينا قوة الروح القدس بعلامات الأسرار، وعندما نمجِّد العظمة الإلهية في ترتيلة مديحٍ واحدة وفي فرحٍ مشترك، وقد إفتُدِينا بدمِ المسيح نحن الذين من كل قبيلة، ولسان، وشعب، وأمّة (رؤ 5 / 9). إذاً الإحتفال بذبيحةِ الإفخارستيا هو الوسيلة الأوثق لإتّحادنا بعبادةِ كنيسة السماء، “مكرِّمين أولاً وقد إتحدنا معاً ذكرَ الطوباوية مريم الدائمة بتوليتها والقديس يوسف، والرسل المغبوطين، والشهداء، وكل القديسين (165).
توجيهات راعوية
-51- إنَّ هذا المجمع المقدس ليقبل بتقوى شديدة إيمان آبائنا المكرَّم هذا في شركة الحياة مع إخوتنا الذين حصلوا على المجد السماوي، أو أنَّهم يُطهَّرون بعد موتهم. وإنه ليَعرُضُ من جديد قرارات المجامع المقدسة النيقاوي الثاني (166)، والفلورنسي (167)، والتريدنتي (168). وفي الوقت عينه، وبما له من غيرة راعوية، يحثُّ كل المسؤولين كي يداووا كلَّ خَرْقٍ، وكلَّ زيادةٍ، وكلّ نقصانٍ يحدث هنا وهناك، وأن يجتهدوا في إبعادها أو إصلاحها، وأن يجدِّدوا كلَّ شيءٍ، حتى يتمجد المسيح والله بطريقة أكمل. وليُعلِّموا المؤمنين أن إكرامَ القديسين الأصيل لا يَقوم بالإكثار من الأعمال الخارجية، بل بالأحرى بممارسة حبٍّ حارٍّ وحقيقي، به نسعى لخيرنا الأعظم ولخير الكنيسة، “عن المثل في العلاقة مع القديسين، وعن الإتحاد في شركتهم، وعن العضد في شفاعتهم” (169). ومِن ناحيةٍ أخرى ليُدرِّبوا المؤمنين جيداً على أن علاقتهم مع سكان السماء، إذا فُهمت بمقتضى نور الإيمان البهي، هي أبعد من أن تنقص العبادة الواجبة لله الآب بالمسيح في الروح، بل بالعكس تغنيها بسخاء (170).
وعندما تُشركنا المحبة المتبادلة، والمديح الواحد للثالوث الأقدس مع بعضنا بعضاً، نحن كلّنا أبناء الله الذين نؤلّف في المسيح عائلةً واحدة، إنما نجاوب على دعوة الكنيسة الصميمة، ونأخذ مسبقاً حصة لذيذة في ليترجيَّة المجد الكامل (171). وفي الساعة التي يظهر فيها المسيح، وعندما تتمُّ قيامة الموتى المجيدة، سيُضيء بهاء الله المدينةَ السماويةَ، ويصيرُ الحَمَلُ مصباحها (رؤ 21 / 24). عندئذ تَعبُدُ كنيسةُ القديسين بأسرها، في غبطةِ المحبة الشاملة، الله “والحمل المذبوح” (رؤ 5 / 12) هاتفةً بصوتٍ واحد “للجالس على العرش وللحَمَل التسبيح، والكرامة، والمجد، والعزة إلى دهر الدهور” (رؤ 5 / 13 – 14).
الفصل الثامن: الطوباوية مريم أم الله في سر المسيح والكنيسة
أولاً: مقدمة
العذراء القديسة في سر المسيح
-52- أمَّا وقد قرَّرَ الله بصلاحِهِ المتسامي وحكمته الفائقة أن يفتدي العالم “لمّا بلغ ملءُ الزمان أرسل إبنه مولوداً من إمرأة… لننال التبني” (غل 4 / 4 – 5) “الذي لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء” (172). فَسِرُّ الخلاص الإلهي هذا يَظهر لنا ويستمر في الكنيسة، التي أقامها الرب بمثابة جسده، وفيها يجب على المؤمنين المنضمّين إلى المسيح الرأس، والمتَّحدين في الشَرِكَة عينها مع كل قديسيه أن يُكَرِّموا “في الطليعة ذكر المجيدة مريم الدائمة بتوليتها، والدة إلهنا وربنا يسوع المسيح” (173).
العذراء القديسة والكنيسة
-53- فالعذراء مريم التي قَبِلَت، عند بشارة الملاك، كلمةَ الله في قلبها وفي جسدها، وقدَّمَت الحياة للعالم، هي معروفة ومكرمة كأمّ الله الحقة، وأم المخلص. وقد إفْتُدِيَت بطريقةٍ ساميةٍ نظراً إلى إستحقاقات إبنها، المرتبطة به برباطٍ وثيقٍ لا ينفصم. إغتنت بهذه المهمّة الفائقة، وهذا الشرف، بأن تكون أم إبن الله، وبالتالي إبنة الآب المفضَّلة، وهيكلَ الروح القدس، بهذه العطية عطية النعمة غير العادية، تسامَت إلى حدٍ بعيد فوق كلِّ الخلائق في السماء وعلى الأرض. ولكنها في الوقت عينه متحدة مع كل الناس الذين هم بحاجةٍ إلى الخلاص، لأنها من ذرية آدم، بل بالأكثر هي بالتمام “أم لأعضاء المسيح، لأنها ساهمت بمحبتها كي يولد في الكنيسة المؤمنون الذين هم أعضاء ذلك الرأس” (174). لهذا أيضاً هي محياة كعضوٍ فائقٍ وفريدٍ لا مثيل له في الكنيسة، وصورة ًومثالاً باهراً في الإيمان والمحبة، وهي موضوعَ عاطفةٍ بنويَّةٍ تُكرِّمها الكنيسة الكاثوليكية، بإلهام من الروح القدس، كما يليق بأم حبيبة.
نية المجمع
-54- لهذا يتوخى المجمع المقدس، وهو يقدّم تعليم الكنيسة التي فيها يتم الفادي خلاصنا، أن يوضح بعناية، من جهة، دور الطوباوية العذراء في سر الكلمة المتجسد، والجسد السري؛ ومن جهة أخرى واجبات المفتدين نحو أم الله، أم المسيح، وأم البشر وفي طليعتهم المؤمنين. ودون أن يهدف المجمع إلى أن يُقدم عن مريم تعليماً كاملاً، وإلى أن يقول الكلمة النهائية في المسائل التي لم يوضحها اللاهوتيون إيضاحاً تاماً، فمن حق المدارس الكاثوليكية أن تحافظ على الآراء التي تُعلِّمها بحرية حول من تحتل في الكنيسة المقدسة المنزلة الرفيعة بعد المسيح مع كونها قريبة منا جداً (175).
ثانياً: دور الطوباوية العذراء في تدبير الخلاص
أم المسيح في العهد القديم
-55- تُظهر الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد، والتقليد المكرَّم، بطريقةٍ تزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، دورَ أمِّ المخلص في تدبير الخلاص، وتعرضها أمام ناظرينا. فكتب العهد القديم تصف تاريخ الخلاص الذي فيه تَهيأ تدريجياً مجيء المسيح إلى العالم. وهذه الوثائق القديمة كما تقرأها الكنيسة وتفهمها على نور الوحي اللاحق والتام، تُظهر شيئاً فشيئاً وفي ضياءٍ زائد وجهَ المرأة، أم المخلص.
في هذا الضوء، هي نفسها التي لوَّحَ عنها آنذاك بطريقةٍ نبويّة في الكلام على الوعد بالإنتصار على الحية، الوعد الذي قطعه الله للأبوين الأولين بعد سقوطهما بالخطيئة (تك 3 / 15). وهي كذلك العذراء التي ستحبل وتلد إبناً يُدعى اسمه عمانوئيل (إش 7 / 14؛ مي 5 / 2 – 3؛ مت 1 / 22 – 23). وهي نفسها التي تحتلُّ المنزلة الأولى بين وُدعاء الرب ومساكينه، الذين كانوا يرجون منه بثقةٍ الخلاص وينالونه.
أخيراً مع إبنة صهيون الفريدة نفسها تَمَّت الأزمنة، بعد إنتظار للوعدِ طويل، وإبتدأ التدبير الجديد عندما أخذ منها إبن الله الطبيعة الإنسانية، ليحرِّرَ إنسان الخطيئة بأسرار جسده.
مريم في البشارة
-56- ولقد حَسُن لدى أبي النعم أن يسبق التجسد رضى هذه الأم المختارة، حتى أنه كما ساهمت إمرأةٌ في عمل الموت، تساهم أيضاً إمرأةٌ في الحياة. وهذا ما يَصحُّ بنوعٍ عجيب في أم يسوع التي أعطت العالم الحياة، حياةً منها تجدَّدَ كلُّ شيء، وقد حَباها الله نِعماً على مستوى مهمة عظمى كهذه. وبالتالي فليس من الغرابة بأمر، أن تكون راسخةٌ العادةُ المتَّبَعة عند الآباء القديسين أن يَدعوا أمَّ الله كليَّة القداسة وبريئةً من كلِّ دنسِ الخطيئة، وكأنَّ الروح القدس قد جَبَلَها وجعل منها خليقة جديدة (176).
وقد زهت عذراء الناصرة، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، بقداسةٍ وهّاجة وفريدة جداً، فحيَّاها ملاك البشارة المنتدب من الله ممتلئةً نعمة (لو 1 / 28). فأجابت البشير السماوي: “ها أنذا أمةُ الربِّ، فليكن لي حسب قولك” (لو 1 / 38). وهكذا قد أعربت مريم، بنت آدم، عن قبولها كلمة الله، فأصبحت بذلك أم يسوع وقد تجاوبت بملء رضاها وإرادة الله الخلاصية دون أن تعيقها أيةُ وصمةِ خطيئةٍ، بتقديم ذاتها كلياً أمةً للربِّ لشخصِ إبنها وعمله، لتُسهِم معه وتحت أمره في سرِّ الخلاص وذلك بنعمة الله القدير. وهكذا يَعتبر الآباء القديسون بحقٍّ أنَّ مريم لم تسهم في خلاص البشر كأداةٍ سلبية بين يدي الله فقط، وإنّما بحرَّيةِ إيمانها وطاعتها. وبالفعل هي نفسها بطاعتها، على حسب قول القديس إيريناوس “قد غدت سبب خلاصٍ لِذاتها وللجنس البشري بأجمعه” (177) ولقد عبَّرَ عن ذلك معه وبرضى عددٌ غفيرٌ من آباءِ الكنيسة الأولين في مواعظهم إذ قالوا: “إن العقدة التي سبَّبَها عصيان حواء، حُلَّت بطاعةِ مريم؛ وما ربطته العذراء حواء بقلَّة إيمانها، حلَّته مريم العذراء بإيمانها” (178)؛ وبمقارنتهم مريم بحواء، يسمون مريم “أمَّ الأحياء” (179) ويصرِّحون مِراراً “على يد حواء كان الموت، وبمريم كانت الحياة” (180).
العذراء القديسة وطفولة يسوع
-57- إنَّ الإتحاد الذي يربط الأم بإبنها في عمل الخلاص لظاهرٌ منذُ ساعة الحَمْل البتولي بيسوع حتى موته، ويبدو أول ما يبدو ساعةَ ذهبت مريم مسرعةً لتزورَ أليصابات؛ فحَيَّتها هذه بالمباركة التي آمنت بالخلاص الموعود به، في حين إرتكض السابق في أحشاء أمه (لو 1 / 41 – 45) ثم في الميلاد عندما أرت أم الله بفرحٍ إلى الرعاة والمجوس، إبنها البكر الذي كانت ولادته تكريساً لبتوليَّتها الكاملة وليس فقداناً لها (181)، وأيضاً في الهيكل بعدما قدَّمت ذبيحةَ الفقراء، إذ قرَّبَت إبنها للربِّ؛ فسمعت سمعان يتنبأ في الوقت عينه، أن الإبن سيكون علامةَ خلافٍ، وإنَّ نفسَ الأمِّ سيَنفذ فيها سيفٌ، وهكذا ستظهر أفكارُ الكثيرين (لو 2 / 34 – 35). أمَّا وقد ضاعَ الطفل يسوع ففتش عنه والداه حزينين، ووجداه في الهيكل منشغلاً بأعمالِ والده، لكنّهما لَمْ يفهما كلمة الصبي. أمّا أمه فكانت تحفظ كل هذا في قلبها وتتأمل فيه (لو 2 / 41 – 51).
العذراء القديسة في حياة يسوع العامة
-58- في حياة يسوع العامَّة تظهر أمُّه بكل وضوحٍ منذ البدء عندما حصلت بشفاعتها، وقد حرَّكَتها الشفقة، على أن يبدأ يسوع المسيح عجائبه في عرس قانا الجليل (يو2 / 1 – 11). وطيلة كرازة يسوع قَبِلَت الكلام الذي به وَضَعَ الإبنُ الملكوتَ فوق كلِّ إعتباراتِ وعلاقاتِ اللحم والدم، وذلك عندما أعطى الطوبى للذين يسمعونَ كلمةَ الله ويحفظونها (مر 3 / 35؛ لو 11 / 27 – 28)، كما كانت تعملُ هي بكلِّ أمانةٍ (لو 2 / 19 و51). هكذا تقدَّمَت العذراء مريم في غُربة الإيمان مُحافظةً بكلِّ أمانةٍ على الإتحاد مع إبنها حتى الصليب حيث كانت واقفة (يو 19 / 25) – ولم يكن ذلك بدون تصميمٍ إلهي – تتألَّم بقوّةٍ مع إبنها الوحيد، مشتركةً بقلبها الأمومي في ذبيحته، معطيةً إلى تقدمة الذبيح، المولودِ من لحمها، رِضى حبِّها، إلى أن يُعطيها يسوع المسيح بالذات، المُنازع على الصليب، إلى تلميذه أُمَّاً له بهذه الكلمات “يا إمرأة هذا إبنك” (يو 19 / 26 – 27) (182).
العذراء القديسة بعد الصعود
-59- ولكنَّ الله الذي أراد ألا يظهر سرَّ خلاص البشر بجلاءٍ إلا في الساعة التي يُرسل الروح الذي وَعَدَ به المسيح، نرى الرسلَ قبل يوم العنصرة “مثابرين بقلبٍ واحدٍ على الصلاة مع النساء ومريم أم يسوع ومع أخوته” (أع 1 / 14). ونرى مريم تطلب هي بصلواتِها عطيَّةَ الروح الذي كان حلَّ عليها يومَ البشارة. أخيراً إنَّ العذراء البريئة وقد وقاها الله من كلِّ دنسِ الخطيئةِ الأصلية (183)، بعد أن كَمَّلت مجرى حياتها الزمنية، صَعِدت بالنفس والجسد إلى مجدِ السماء (184)، وعظَّمها الرب كملكةَ العالمين حتى تكون أكثرَ مشابهة لإبنها ربِّ الأرباب (رؤ 19 / 16) المنتصر على الخطيئة والموت (185).
ثالثاً: العذراء الطوباوية والكنيسة
مريم، أمة الرب
-60- إنَّ وسيطَنا وحيدٌ وفقاً لكلمات الرسول القائل: “لأنَّ الله واحد، والوسيط بين الله والناس واحد، الإنسان، المسيح يسوع، الذي بَذل نفسه فداءً عن الجميع” (1 تيم 2 / 5 – 6). لكنَّ دورَ مريم الأمومي نحو البشر لا يَحجُب ولا يُنقِص بشيءٍ وساطة المسيحِ الوحيدة هذه بل يُظهر قوَّتَها. لأنَّ كلَّ تأثيرٍ خلاصيٍّ للطوباويةِ مريم في خلاص البشر، لا يُولد عن حتميَّةٍ ما، بل يَنبع عن رضى الله ويَصدر عن فيضِ إستحقاقات المسيح. إنه يرتكز على وساطته، ويتعلق بها تماماً، ويستمدُّ كلَّ قوته منها؛ ولا يعيق إتحاد المؤمنين المباشر مع المسيح بطريقةٍ ما، بل بالعكس يعززه.
إشتراك مريم في سر الفداء
-61- إنَّ العذراء الطوباوية التي أُعِدَّتْ منذُ الأزل، في تصميم تجسُّد الكلمة كي تكون أمَّ الله، غَدَتْ على الأرض، بتدبيرِ العناية الإلهية، أُمّاً حبيبةً للمخلِّص الإلهي، وشريكةً سخية في عمله بصفةٍ فريدةٍ أبداً، وأَمَةً للرب وديعة. بالحبلِ بالمسيح،
وبوضعها إياه في العالم، وبتغذيتها له، وبتقدمته في الهيكل إلى أبيه، وبتألمها مع إبنها الذي مات على الصليب، ساهمت في عَمَل المخلص مساهمةً لا مثيل لها بخضوعها وإيمانها، برجائها ومحبَّتها الحارة كي تعود الحياة الفائقة الطبيعة إلى النفوس. لهذا كانت لنا أُمَّاً في نطاقِ نظامِ النعمة.
دور مريم الخلاصي يربط بإبنها وإلهها
-62- إنطلاقاً من الرضى الذي حَمَلَته بإيمانها يوم البشارة وحافظت عليه دون ترددٍّ تحت الصليب، تستمرُّ أمومة مريم في تدبير النعمة دون ما إنقطاع حتى يبلغ المختارون الكمال الأبدي. وفعلاً إن دورها في الخلاص لم يتوقف بعد صعودها إلى السماء: إنها لا تزال تحصل لنا بشفاعتها على النِعَمِ التي تُؤكِّدُ خلاصَنا الأبدي (186). إنَّ حبَّها الأمومي يجعلها تصغي إلى أخوةِ إبنها الذين لم يُكملوا غربتهم، أو إنهم لا يزالون عرضةً للمخاطر والضيقات حتى يصلوا إلى الوطن السعيد. لهذا تُدعى الطوباوية العذراء في الكنيسة بألقابٍ عدّة منها الحامية، والمُعينة، والمساعدة، والوسيطة (187)؛ إنما يُفهم كلُّ هذا بنوعٍ أنه لا ينتج عنه أيُّ نقصان أو زيادة في شرفِ المسيح الوسيط الأوحد وفعاليته (188). وبالفعل لا يمكن لخليقةٍ أبداً، أن تُوضع على قدم المساواة مع الكلمة المتأنِّس والمخلص. ولكن كما أنه في كهنوتِ المسيح يشتركُ تحت أشكالٍ شتّى الخَدَمَةُ والشعب المؤمن، وكما أنَّ صلاحَ الله الواحد يفيض فعلاً على الخلائق بأنواعٍ مختلفة، كذلك وساطة المُخلِّص الفريدة لا تمنع، بل بالأحرى تَحثُّ الخلائق على التعاون المتنوِّع المشترَك، النابع من مصدرٍ واحد. وإنَّ الكنيسةَ لتعترف دون تردُّدٍ بمثلِ هذا الدور الذي تقوم به مريم مرتبطةً بإبنها، وإنها لا تبرح تختبره، كما أنها لتنصح قلوب المؤمنين، حتى إذا ما ساعدهم هذا العون الأمومي، أن يتمسَّكوا تمسكاً أوثق بالوسيط المخلِّص.
مريم مثال الكنيسة
-63- إنَّ الطوباوية مريم لتتَّحدُ أيضاً إتحاداً وثيقاً بالكنيسة وذلك بنعمةِ الأمومة ودورها اللذين يوحدانها بإبنها المخلص، وبفضل مهماتها الفريدة. وحسب تعليم القديس أمبروسيوس، إنَّ أمَّ الله هي صورة الكنيسة أعني في الإيمان، والمحبة، والإتحاد الكامل بالمسيح (189). وبما أن العذراء مريم تَظهر بصورة ساميةٍ وفريدةٍ مثلاً للبتولية والأمومة، فلها المكان الأول في سرِّ الكنيسة التي تُدعى بحقٍ أُمَّاً وعذراء (190). بإيمانها وطاعتها وَلدت على الأرض إبن الآب، يُظلِّلها الروح القدس، دون أن تخسرَ بتوليتها فكانت بمثابةِ حواءً جديدة تعطي لا للحية القديمة، بل لبشير الله، إيماناً لا يخامره شك. أمّا الإبن الذي ولدت فقد أقامه الله بكراً بين إخوةٍ كثيرين (رو 8 / 29) أي المؤمنين الذين تُسهم العذراء مريم بحبها الوالدي في ولادتهم وتربيتهم.
مريم والكنيسة
-64- لكن إذا ما تأمَّلت الكنيسةُ بقداسةِ العذراء الخفيّة، وتشبَّهت بمحبّتها بتتميمها إرادة الآب بكلّ أمانةٍ، تصبح نفسها أُمّاً بفضلِ كلمةِ الله التي قَبِلَت بالإيمان. فبالوعظِ والعِماد تلدُ لحياةٍ جديدةٍ غير فانية أبناءً حُبِلَ بهم من الروح القدس ومولودين من الله. هي أيضاً عذراء، إذ قطعت عهداً لعريسها، عهداً تحفظه صافياً وتاماً، محافظةً بقوة الروح القدس في الصفاء العُذري، متشبهة بأم ربّها، على إيمانٍ تامّ، ورجاءٍ ثابت، ومحبةٍ مخلصة (191).
فضائل مريم، مثال الكنيسة
-65- لمَّا كانت الكنيسة، بشخصِ العذراء الكلّية الطوبى، قد بلغت الكمالَ بلا كلف ولا غضن (أف 5 / 27)، فإنَّ المؤمنين لا يزالون يجدِّون لينعموا في القداسة بإنتصارهم على الخطيئة: لهذا فإنهم يرفعون عيونهم إلى مريم التي تتلألأ مثالاً للفضائل، أمام جماعة المختارين. وإذا ما فكَّرَت الكنيسة بتقوى في مريم وتأمَّلت فيها على ضوءِ الكلمة المتجسِّد، فإنها تُدخلها بكلِّ إحترامٍ وتَعَمُّقٍ إلى صميمِ سرِّ التجسُّد وتتمثل أكثر فأكثر بعريسها. فمريم هي الحاضرة فعلاً في الحميم من تاريخ الخلاص، لتُجمَعَ فيها وتُعْكَسَ بطريقةٍ ما متطلبات الإيمان العظمى؛ وإذا ما كانت بالنسبة إلى المؤمنين موضوعَ مديحٍ وتكريمٍ، فإنَّها توجِّههم إلى إبنها وذبيحته، وإلى محبة الآب. وإنَّ الكنيسة إذ تسعى لتمجيد المسيح، تصيرُ شبيهةً بمثالها الأكبر، متقدمةً تقدماً مُضطرداً في الإيمان، والرجاء، والمحبة، مبتغيةً الإرادة الإلهية في كلِّ شيء، ومتمِّمةً إياها. لهذا تنظر الكنيسة في عملها الرسولي بعينِ الصواب إلى تلك التي وَلَدَت المسيح، الذي حُبِلَ به من الروح القدس، ووُلِدَ من البتول، كي يولد وينمو أيضاً بواسطةِ الكنيسة في قلوب المؤمنين. والبتول كانت في حياتها مثالاً لذلك الحبِّ الأمومي الذي ينبغي أن ينتعشَ به كلُّ الذين، وقد إنضمّوا إلى خدمةٍ رسوليةٍ في الكنيسة، يعملون على ولادة الناس من الروح.
رابعاً: إكرام العذراء الطوباوية في الكنيسة
طبيعة إكرام العذراء القديسة وأساسه
-66- إنَّ مريمَ التي رَفِعَت بنعمةِ الله، بعد إبنها، فوقَ كلِّ الملائكةِ وكلِّ البشر أُمَّاً لله كلّيةَ القداسةِ وعاشت أسرار المسيح، لتكرِّمَها الكنيسة بحقٍ، إكراماً خاصاً. وبالواقع قد كُرِّمَت العذراء مريم بلقبِ أمِّ الله منذ أقدم الأجيال (192)، والمؤمنون يلجأون إلى حمايتها ضارعين إليها في كلِّ مخاطرهم وحاجاتهم. لا سيما منذ المجمع الأفسسي حيث عَرَفَ تكريم شعب الله لمريم نمواً غريباً تحت أشكال الإكرام والمحبة والتوسُّل إليها والتشبُّه بها حسب كلماتها النبوية “جميع الأجيال تطوبني، لأن القدير صنع بي العظائم” (لو 1 / 48). وإنْ كان هذا الإكرامُ، كما وُجِدَ دوماً في الكنيسة، يحملُ سِمةً فريدةً جداً في نوعه، فإنه يختلف إختلافاً جوهرياً عن السجود الذي يُؤدَّى بالتساوي للكلمةِ المتجسد، وللآب، وللروح القدس. والأشكالُ التقويَّة المختلفة نحوَ أم الله التي وافقت عليها الكنيسة ضمن حدود تعليمٍ صحيحٍ ومستقيم، مراعيةً ظروف الزمان والمكان، وميولَ الشعوب المؤمنة ومناقبهم، حملت على أن الإبن يُعرَفُ بحقٍّ، ويُحَبُّ، ويُمَجَّدُ، وتُحفَظُ وصاياهُ عبر إكرامِ أمِّه، الإبن الذي لأجله خُلِقَ الجميع (كول 1 / 15 – 16)، ورضي الآب الأزلي أن يَحلَّ فيه الملء كله (كول 1 / 19).
روح التبشير بالعذراء القديسة وإكرامها
-67- إنَّ المجمع المقدس يُعلِّمُ هذا التعليم الكاثوليكي بصراحة. ويحثُّ في الوقت نفسه كلَّ أبناء الكنيسة على أن يُعزِّزوا بسخاءٍ إكرامَ الطوباويةِ مريم لا سيما الليترجيّ منه؛ وأن يُقدِّروا الممارسات والأعمال التقويّة نحوها، تلك التي نَصَحَت بها السُلطة التعليمية عبر الأجيال، كما أنَّهُ يَنصح أن تُحفظ بكلِّ تديُّنٍ تلك المراسيم التي أُقِرَّتْ في الماضي حولَ إكرامِ صُوَرِ المسيح، والعذراء الطوباوية، والقديسين (193). إنَّهُ يحثُّ بحرارةٍ اللاهوتيين والذين ينشرون كلمةَ الله على أن يمتنعوا أيضاً بالتأنّي الشديد، عن كلِّ مغالاةٍ مضادةٍ للحقيقة، وعن قصرٍ في النظر غير مبرر، وعندما يتكلمون على كرامةِ أم الله الفريدة (194). ففي دروسهم الكتاب المقدس، والآباء القديسين، والمعلّمين، وطقسيات الكنيسة بقيادة السلطة التعليمية، يجب أن يُظهروا بجلاءٍ دور الطوباوية العذراء وإنعاماتها الموجهة دوماً إلى المسيح، ينبوع الحقيقة الكاملة، والقداسة والتقوى. وليَحرصوا كلَّ الحرص، على أن يُبعدوا في كلامهم وأعمالهم، كلَّ ما من شأنه أن يقودَ إلى الضلال، في تعليم الكنيسة الحق، إخوتنا المنشقّين أو أي شخص آخر. وليَذكر المؤمنون أن الإكرامَ الحقَّ لا يقومُ أبداً بالعواطف العقيمة العابرة، ولا في سذاجةِ إيمانٍ فارغة، ولكنه ينبع من إيمانٍ حقيقي يقودنا إلى أن نفقه الكرامةَ السامية التي لأمِّ الله ويدفعنا إلى محبةِ أمِّنا حُباً بنوياً، ويحثنا على الإقتداء بفضائلها.
خامساً: مريم علامة عزاء ورجاء أكيد لشعب الله في غربته على الأرض
مريم رمز الدهر الآتي ورجاء هذه الحياة
-68- كما أنَّ أمَّ يسوع في تمجيدها الآن في السماء بجسدها وروحها هي صورةُ وبَدءُ الكنيسة التي ستبلغ كمالها في العصر الآتي، هكذا إنَّها تزهو على هذه الأرض علامةَ العزاءِ والرجاء الأكيد لشعبِ الله في غربته إلى أن يأتي يوم الرب.
الشرقيّون يكرمون مريم العذراء
-69- إنَّ هذا المجمع المقدس ليفرحُ فرحاً عظيماً ويتعزّى، إذ يَجِدُ بين الأخوةِ المنفصلين من يُقدِّمُ التكريم الواجب لأم الرب والمخلص، لا سيما عند الشرقيين الذين يُساهمون في إكرامِ أمِّ الله الدائمة بتوليتها بإندفاعٍ حارٍّ ونفس متعبدة (195). وليُصعِد المسيحيون كلّهم إلى أم الله وأم البشر توسُّلات ملحّةٍ كي تشفع الآن أيضاً أمام إبنها في السماء، في شركة القديسين كلهم؛ هي التي إرتفعت فوق الملائكة والقديسين، وعَضَدَت بصلواتها الكنيسة في مَهدها حتى تجتمع بفرحٍ كلُّ عائلاتِ الشعوب سواء تلك التي تتشرف بحمل الإسم المسيحي، أو تلك التي تجهل بعدُ مخلّصَها، في سلامٍ ووفاقٍ في شعبِ الله الواحد لمجد الثالوث المقدس وغيرالمنقسم.
إن كلّ ما ورد في هذا الدستور العقائدي، جملة وتفصيلاً، قد حاز رضى آباء المجمع المقدّس. ونحن بمقتضى السلطة الرسوليّة التي عهد بها إلينا السيد المسيح، وبالاتحاد مع الآباء الأجلاء، نقبله ونثبّته ونقرّه بالروح القدس. وما تحدّد هكذا بصورة جماعية، نأمر بإعلانه لمجد الله.
روما، في كنيسة القدّيس بطرس، في 21 من تشرين الثاني (نوفمبر) 1964
أنا بولس أسقف الكنيسة الكاثوليكية
(تتبع توقيعات آباء المجمع)
مقتطفات من أعمال المجمع
ملاحظات أعلنها أمين السر العام للمجمع المقدس
أُبلِغَت في أثناء الجلسة العمومية المائة والخامسة والعشرين
المنعقدة في 16 تشرين الثاني 1964
1- الدستور الخاص بالكنيسة وقيمته اللاهوتية
طُرح سؤال عن “القيمة اللاهوتية” للتعليم المعروض في المشروع الخاص بالكنيسة والمقدم للإقتراع عليه. بعد البحث في التعديلات المتعلقة بالفصل الثالث من هذا المشروع أجابت لجنة التعليم عن هذا السؤال بما يلي:
“غني عن البيان أن نصوص المجمع يجب أن تُفسَّر دائماً وفقاً للقواعد العامة التي يعرفها الجميع” . وبهذه المناسبة أشارت اللجنة المذكورة إلى تصريحها الصادر في 6 أيار 1964، وهذا نصه:
“مراعاة للتقاليد المجمعية، وللغاية الرعائية التي توخاها المجمع الحالي، يُعلن المجمع إنه يجب على الكنيسة أن تتقيد فقط بالأمور المتعلقة بالإيمان والأخلاق التي أعلن عن تحديدها بوجه صريح”.
وفي ما يختص بالمواضيع الأخرى التي يعرضها المجمع المقدس بوصفها تعليم الكنيسة في سلطتها العليا فإنه يجب على المؤمنين – جماعات وأفراد – أن يقبلوها ويتمسَّكوا بها وفقاً لروح هذا المجمع ذاته. وقد تظهر جلياً إما من موضوع البحث وإما من طريقة التعبير وفقاً لقواعد التفسير اللاهوتي”.
2- معنى “الجماعة الأسقفية”
إن السلطة العليا تبلّّغ الآباء بمذكرة تفسيرية تمهيدية تتعلق “بالتعديلات” المقترحة على الفصل الثالث من المشروع الخاص بالكنيسة. وعليه فإنه يجب تفسير التعليم المعروض في هذا الفصل نفسه وفهمه وفقاً لروح هذه المذكرة ومضمونها.
3- مذكّرة تفسيرية
قررت اللجنة أن يمهد للبحث في “التعديلات” المقترحة بالملاحظات العامة التالية:
أ- عن عبارة “جماعة الأساقفة”، فإنها لم تُستعمل بالمعنى القانوني الحصري، أي بمعنى جماعة مؤلَّفة من أعضاء متساوين يمكنهم أن يفوِّضوا سلطتهم إلى رئيسهم، بل بمعنى جماعة ثابتة يجب أن يستخلص نظامها وسلطتها من الوحي. لذلك جاء صراحة في الجواب عن التعديل 12 الخاص بالرسل يُقال: “إن الرب أقامهم” بمثابة جماعة أو مجموعة ثابتة (أيضاً التعديل 53). ولنفس هذا السبب فقد استعمل في أماكن متفرقة لفظ “النظام” أو لفظ “جسد”. إن المقابلة بين بطرس وسائر الرسل من جهة، والحبر الأعظم والأساقفة ، من جهة أخرى، لا تتضمّن انتقال سلطة الرسل الخارقة للعادة إلى خلفائهم، ولا المساواة – وهذا بديهي – بين رئيس الجماعة وأعضائها، بل فقط تناسباً بين العلاقة الأولى (بين بطرس والرسل) والثانية (بين البابا والأساقفة). لذلك قررت اللجنة أن تكتب في السطر الثاني من المقطع رقم 22 لا “للسبب ذاته” بل “كذلك وعلى هذا النحو” (التعديل 57).
ب- ويُعتَبر عضواً في “جماعة الأساقفة” بسيامته الأسقفية وبإشتراكه مع رئيس الجماعة وأعضائها في السلطة الكنسية. (المقطع 22). فالسيامة الأسقفية تمنح الإشتراك الكياني في الوظائف المقدسة، كما يتّضح ذلك جلياً من التقليد ومن المراسيم الطقسية، وقد استعمل لفظ “وظائف” عن قصد ولم يستعمل لفظ “سلطات” لأن هذا الأخير يمكن أن يُفهم بمعنى السلطة المعدّة للتطبيق عملياً. ولكي تقوم السلطة بهذا المعنى الأخير، فإنه يجب أن يُلازمها التحديد القانوني أو الشرعي من قبل الرئاسة الكنسية. أما تحديد السلطة هذا فيمكن أن يكون عن طريق تفويض مهمة خاصة أو تعيين المرؤوسين وفقاً للقواعد التي اعتمدتها السلطة العليا. ومثل هذه القاعدة التي ظهرت فيما بعد تقتضيها طبيعة الحال ما دام الأمر يتعلّق بوظائف يمكن أن يمارسها أشخاص متعددون، ويجب أن يتعاونوا بناء على إرادة المسيح تعاوناً نظامياً في السلطات الكنسية. ومن البديهي أن هذه “الشركة” قد عاشتها الكنيسة حسب ظروف الزمان قبل أن تدون في القانون. لذلك قيل صراحة أنه لا بدّ من الشركة مع هيئة السلطات الكنسية ومع رئيس الكنيسة وأعضائها. فالشركة مفهوم ذو اعتبار هام في الكنيسة القديمة (وهو لا يزال كذلك خاصة في الشرق إلى يومنا هذا). وهذا المفهوم لا يدل على شعور غامض بل على حقيقة عضوية، تقتضي صيغة قانونية تنعشها المحبة في الوقت نفسه. لذلك قررت اللجنة في شبه إجماع أن تذكر تعبير “الشركة في هيئة السلطات الكنسية” (التعديل 40 وأيضاً ما قيل في الإنتداب القانوني في المقطع 24). وعليه فإنه يجب تفسير الوثائق التي أصدرها الأحبار الرومانيون حديثو العهد حول ولاية الأساقفة، على ضوء هذا التحديد الضروري للسلطات. أما عن الجماعة الأسقفية التي لا وجود لها بدون رئيسها، فقد قيل “إنها هي أيضاً صاحبة السلطة العليا التامة في الكنيسة الجامعة”. ولا بدّ من التسليم بذلك حتى لا يصبح تمام السلطة التي تخص الحبر الروماني موضوع جدل. فجماعة الأساقفة تفهم حتماً ودائماً على أنها متحدة برئيسها “الذي يحتفظ بها احتفاظاً تاماً بوظيفة نائب المسيح وراعي الكنيسة الجامعة”. وبعبارة أخرى، فإن التمييز لا يكون بين الحبر الروماني على انفراد والحبر الروماني بمعية الأساقفة. وبما أن الحبر الروماني هو رئيس الجماعة الأسقفية، فإنه وحده يستطيع أن يقوم بأعمال لا يمكن للأساقفة أن يقوموا بها. مثال ذلك: دعوة الجماعة الأسقفية إلى الإجتماع وإدارتها والموافقة على قواعد عملها… إلخ (التعديل 81). والحبر الأعظم، الذي عُهد إليه بالعناية برعية المسيح كلها، أن يقرّر – وفقاً لإحتياجات الكنيسة المتغيرة حسب الأزمنة – كيف يحسن وضع هذا التدبير موضع التنفيذ، وهل يكون ذلك بطريقة شخصية أو جماعية. وله أيضاً أن يتبيّن الأعمال الملائمة لتدبير هذه الممارسة الجماعية والرجوع إليها والموافقة عليها، وذلك وفقاً لخير الكنيسة. ويستطيع الحبر الأعظم – بصفته الراعي الأعلى للكنيسة – أن يُمارس سلطته في أي وقت كان، حسبما يتراءى له، فقاً لما تقتضيه وظيفته ذاتها. أما الجماعة الأسقفية فهي باقية، ولكنها بحكم بقائها لا تعمل بإستمرار عملاً جماعياً بالمعنى الحصري كما يتّضح ذلك من تقليد الكنيسة. وبعبارة أخرى، فإنها لا تُمارس دائماً سلطاتها ممارسة كاملة، بل إنها لا تمارس هذه السلطات إلا بعمل جماعي حصري إلا من حين لآخر، وذلك فقط بموافقة رئيسها. وقيل “بموافقة رئيسها” حتى لا يُفهم ذلك بالمعنى التقيد بشخص غريب عنها. فلفظ “موافقة” يشير بالعكس إلى الشركة بين الرئيس والأعضاء ويتضمن ضرورة وجود العمل الذي يكون من اختصاص الرئيس شخصياً. وقد ذكر ذلك صراحة في المقطع 22، في السطر الثاني منه كما تمّ شرحه في آخر هذا المقطع نفسه. والتعبير السلبي “لا يمكن … إلا بـ …” يتضمن الحالات كلها مما يجعل من البديهي ضرورة التقيُّد، على كل حال “بالقواعد” التي توافق عليها السلطة العليا (التعديل 84). ويتضخ من ذلك كله أن المقصود هو الإتحاد الوثيق بين الأساقفة ورئيسهم، وليس عمل الأساقفة “بمعزل” عن البابا، لأن الأساقفة، إذا ما فاتهم عمل الرئيس، لا يستطيعون القيام بعمل جماعي، كما يتضح ذلك من مفهوم “الجماعة الأسقفية”. وهذه الشركة، شركة جميع الأساقفة مع الحبر الأعظم في هيئة السلطات الكنسية هي الأمر الجاري في التقليد بدون أدنى شك.
ملاحظة
بدون الشركة في هيئة السلطات الكنسية لا يمكن ممارسة الوظيفة السرّية الكيانية التي ينبغي تمييزها عن الناحية القانونية الشرعية، ولكن اللجنة اعتبرت أنه لا مجال للدخول في القضايا المتعلقة بما هو جائز أو صحيح، وتركت هذا لأبحاث اللاهوتيين، لا سيّما فيما يتعلّق بالسلطة التي تمارس في الواقع عند الشرقيين المنفصلين، والتي تعددت الآراء في تفسيرها.
بريكلس فيليشي
رئيس أساقفة صميصاط الشرفيّ
أمين عام المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني
المراجع
1- راجع القديس كبريانوس رسالة 64، 4: آباء الكنيسة اللاتينية 3، 1017، (هارتيل) الجزء الثالث، ب، ص، 720، القديس هيلاريوس عن إنجيل متى 23 – 6: آباء الكنيسة اللاتينية 9، 1047، القديس أغسطينوس متفرقات، القديس كيرلس الإسكندري شرح في تكوين 2 – 10 آباء الكنيسة اليونانية 69، 110.
2- راجع القديس غريغوريوس الكبير: شرح في الإنجيل 19، 1: آباء الكنيسة اللاتينية 76، 1154 ب، القديس أغسطينوس: عظة 341، 9، 11: آباء الكنيسة اللاتينية 39، 1449، القديس يوحنا الدمشقي ضدّ محطمي الأيقونات 11: آباء الكنيسة اليونانية 96، 1357.
3- راجع القديس إيريناوس ضد الهراطقة: 24، 1: آباء الكنيسة اليونانية 7، 966 ب، هارفيه 2، 131، طبعة سانيار، المصادر المسيحية ص 398.
4- القديس كبريانوس: الصلاة الربانية 23: آباء الكنيسة اللاتينية 4، 553، هارتل الجزء الثالث أ، ص 285، القديس أغسطينوس: عظة 71، 20، 33: آباء الكنيسة اللاتينية 38، 463، القديس يوحنا الدمشقي ضدّ محطمي الأيقونات 12: آباء الكنيسة اليونانية 96، 1358 ب.
5- راجع أوريجانوس في متى 16 ، 21: آباء الكنيسة اليونانية 13، 1443 ج، ترتليانوس ضد مارسيانوس 3، 7: آباء الكنيسة اللاتينية 2، 357 ج، مجموعة كتابات الكنيسة اللاتينية 47: 3 ص 386. لأجل المراجع الطقسية، راجع كتاب خدمة الأسرار الغريغوري: آباء الكنيسة اللاتينية 78، 160 ب، أو س. موهلبرج: كتاب خدمة أسرار الكنيسة الرومانية، روما 1960 ص 111، 90: “أراد الله أن يبني له مسكناً أبدياً من كل طبقات القديسين” نشيد إلى مدينة أورشليم الطوباوية في الأجبية الرهبانية، ومدينة أورشليم السماوية في الأجبية الرومانية.
6- راجع القديس توما المجموعة اللاهوتية الجزء الثالث السؤال 62 البند الخامس الإجابة عن الإعتراض الأول.
7- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة عن الجسد السرّي في 29 حزيران 1949: أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 208.
8- راجع لاون الثالث عشر الرسالة العامة التي تبدأ بعبارة: ماهو إلهي، 9 أيار 1897: أعمال الكرسي الرسولي 29 (1896 – 1897) ص 650. بيوس الثاني عشر، رسالة عامة عن الجسد السري الفصل الأول ص 219 – 220، دنتسنغر 2288 (3808). القديس أغسطينوس: العظة 268، 2: آباء الكنيسة اللاتينية 38، 1232، وفي مكان آخر. القديس يوحنا فم الذهب في رسالة أفسس عظة 9، 3: آباء الكنيسة اليونانية 62، 72. ديديموس الإسكندري: الثالوث 2، 1 آباء الكنيسة اليونانية 39، 449 وتابع. القديس توما عن كولوسي 1، 18، قراءة 5: طبعة مارييتي جزء 2 برقم 46: “كما أن الجسد هو واحد بوحدة النفس كذلك الكنيسة هي واحدة بوحدة الروح”..
9- راجع لاون الثالث عشر رسالة عامة عن الحكمة المسيحية، 10 كانون الثاني 1890: أعمال الكرسي الرسولي 22 (1889 – 1890) ص 392 وأيضاً رسالة عامة “المعروف بما فيه الكفاية” صادرة في 29 حزيران 1896، أعمال الكرسي الرسولي 28 (1895 – 1896) ص 710، 724 وتابع. بيوس الثاني عشر، رسالة عامة عن الجسد السري الفصل الأول المرجع السالف الذكر ص 199 – 200.
10- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة عن الجسد السري المرجع السالف الذكر ص 221، وأيضاً الرسالة العامة الجنس البشري 12 آب 1950: أعمال الكرسي الرسولي 42 (1950) ص 571.
11- لاون الثالث عشر رسالة عامة “المعروف بما فيه الكفاية”، المرجع السالف الذكر ص 713.
12- راجع قانون الإيمان الرسولي: دنتسنغر 6-9 (10-13) قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني: دنتسنغر 86 (150) مع قرار إيمان المجمع التردنتي: دنتسنغر 994 و 999 (1862 و 1868).
13- العبارة: الكنيسة المقدسة (الكاثوليكية الرسولية)، الرومانية: توجد في: اعتراف الإيمان الذي وضعه المجمع التردنتي، المرجع السالف الذكر ثم المجمع الفاتيكاني الأول الجلسة الثالثة، المجموعة العقائدية عن الإيمان الكاثوليكي دنتسنغر 1782 (3001).
14- القديس أغسطينوس: كتاب المدينة الإلهية فصل 18، 51، 2: آباء الكنيسة اللاتينية 41، 614.
15- راجع القديس كبريانوس الرسالة 69، 6 مجموعة الآباء اللاتين 3، 1142، ب هارتيل 3 ب ص 754 “سر الوحدة غير المنفصل”.
16- راجع بيوس الثاني عشر: خطاب “عظّموا الرب” 2 تشرين الثاني 1954: أعمال الكرسي الرسولي 46 (1954) ص 669، رسالة عامة “وسيط الله”، في 20 تشرين الثاني 1947: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) ص 555.
17- راجع بيوس الحادي عشر: رسالة عامة “الفادي الجزيل الرحمة”، في 8 أيار 1928: أعمال الكرسي الرسولي 20 (1928) ص 176 وتابع. بيوس الثاني عشر: خطاب “أنتم لنا” 22 أيلول 1956: أعمال الكرسي الرسولي 48 (1956) ص 714.
18- راجع القديس توما: المجموعة اللاهوتية الجزء الثالث السؤال 63 للإجابة على الإعتراض رقم 2.
19- راجع القديس كيرلس الأورشليمي: التعليم المسيحي 17 عن الروح القدس الجزء الثاني عدد 35 – 37، آباء الكنيسة اليونانية 33، 1009 – 1012، نيقولا كاباسيلاس: عن حياة المسيح، الكتاب الثالث: عن فوائد المواهب الخاصة: آباء الكنيسة اليونانية 150، 569 – 580. القديس توما المجموعة اللاهوتية، الجزء الثالث السؤال 65 الإجابة على الإعتراض رقم 3 ثم السؤال 72 الإجابة على الإعتراض 1 و 5.
20- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “وسيط الله” في 20 تشرين الثاني 1947: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) خاصة ص 552.
21- 1 كورنثوس 7 / 7 لكلّ أحد من الله موهبة تخصّه فبعضهم هكذا وبعضهم هكذا. راجع القديس أغسطينوس: عن موهبة الثبات 14، 37: آباء الكنيسة اللاتينية 45، 1015 “إن العفة هي ليست فقط موهبة من الله ولكن أيضاً طهارة المتزوجين”.
22- راجع القديس أغسطينوس عن بشارة القديسين 14، 27: آباء الكنيسة اللاتينية 44، 980.
23- راجع القديس يوحنا فم الذهب العظة 65، 1 عن إنجيل يوحنا، آباء الكنيسة اليونانية 59، 361.
24- راجع القديس هيرونيموس: ضد الهراطقة الجزء الثالث 16، 6، الجزء الثالث 22، 1 – 3، آباء الكنيسة اليونانية 7، 925، 926 ثم 955، 958، هارفيه 2، 87 ثم 120 – 123، سانيار طبعة المصادر المسيحية 290 – 292 ثم 372 وتابع.
25- راجع القديس أغناطيوس الشهيد مقدمة رسالة إلى الرومانيين: طبعة فونك الجزء الأول ص 252.
26- راجع القديس أغسطينوس: العماد، ضد دوناتوس الجزء الخامس 28، 29: آباء الكنيسة اللاتينية 43، 197 “إنه من الواضح حقاً أن ما يُقال: داخل الكنيسة أو خارجها، أو في روح الكنيسة لا يجب أن يُفهم جسدياً” وأيضاً في نفس الكتاب راجع الفصل الثالث 19: 26 عمود 152 ثم الجزء الخامس 18، 24 عمود 189، وفي كتابه عن إنجيل يوحنا 61، 2 آباء الكنيسة اللاتينية 35، 1800 وكثيراً في مواضع أخرى.
27- راجع لوقا 12 / 48: “كل من أُعطيَ كثيراً يُطلب منه الكثير” راجع أيضاً متى 5 / 19 – 20 و 7 / 21 – 22 و 25 : 41 – 46، يعقوب 2 / 14.
28- راجع لاون الثالث عشر، رسالة رسولية الأمور الشهيرة الخاصة بالتهنئة: في 20 حزيران 1894: أعمال الكرسي الرسولي 26 (1893 – 1894) ص 707.
29- راجع لاون الثالث عشر، رسالة عامة “المعروف بما فيه الكفاية” في 29 حزيران 1896: أعمال الكرسي الرسولي 28 (1895 – 1896) ص 738 ثم رسالة عامة في درس المحبة، في 25 تموز 1898: أعمال الكرسي الرسولي 31 (1898 – 1899) ص 11: بيوس الثاني عشر: خطاب إذاعي في البيضاء، 24 كانون الأول 1941: أعمال الكرسي الرسولي 34 (1942) ص 21.
30- راجع بيوس الحادي عشر، رسالة عامة: الأشياء الشرقية في 8 كانون الأول 1928: أعمال الكرسي الرسولي 20 (1928) ص 287، بيوس الثاني عشر رسالة عامة: في الكنيسة الشرقية 9 نيسان 1944: أعمال الكرسي الرسولي 36 (1944) ص 137.
31- راجع تعليم مجمع التفتيش المقدس 20 كانون الأول 1949: أعمال الكرسي الرسولي 42 (1950) ص 142.
32- راجع القديس توما المجموعة اللاهوتية الجزء الثالث السؤال الثامن البند الثالث الإجابة عن السؤال الأول.
33- تعليمات مجمع التفتيش المقدس إلى رئيس أساقفة بوسطن، راجع دنتسنغر 3869 – 3872.
34- راجع أوسابيوس القيصري الإعداد الإنجيلي 1، 1، آباء الكنيسة اليونانية 21، 28، أ – ب.
35- راجع بندكتس الخامس عشر: رسالة رسولية “هذا العظيم”: أعمال الكرسي الرسولي 11 (1919) ص 440 وخاصة ص 451 وتابع. بيوس الحادي عشر: رسالة عامة “الأشياء المختصّة بالكنيسة”: أعمال الكرسي الرسولي 18 (1926) ص 68 – 69. بيوس الثاني عشر، رسالة عامة موهبة الإيمان 21 نيسان 1957: أعمال الكرسي الرسولي 49 (1957) ص 236 – 237.
36- كتاب الديداكيه 14، طبعة فونك الجزء الأول ص 32. القديس يوستينوس ندوة 41: آباء الكنيسة اليونانية 7، 1023، هارفيه 2 ص 199وتابع. المجمع التردنتي الجلسة 22 الفصل الأول، دنتسنغر 939 (1742).
37- راجع المجمع الفاتيكاني الأول الجلسة الرابعة، الدستور العقائدي: “الراعي الأزلي”: دنتسنغر 1821 (3050) وتابع.
38- راجع مجمع فلورنس: مرسوم لليونانيين: دنتسنغر 694 (1307) والمجمع الفاتيكاني الأول: دنتسنغر 1821 (3050) وتابع.
39- راجع كتاب الأسرار للقديس غريغوريوس، المقدمة في ميلاد القديس متى والقديس توما: آباء الكنيسة اللاتينية 78، 51، 152 راجع مجموعة قوانين الفاتيكان اللاتينية 3548، ورقة 18، القديس هيلاريوس في المزمور 67: 10، آباء الكنيسة اللاتينية 9، 450، القديس هيرونيموس ضد أتباع يوفينوس 1، 26: آباء الكنيسة اللاتينية 23، 247 أ، القديس أغسطينوس في المزمور 86، 4: آباء الكنيسة اللاتينية 37، 1103، القديس غريغوريوس الكبير تأمل في أيوب 28، 5: آباء الكنيسة اللاتينية 76/ 455 – 456، بريماسيوس شرح سفر الرؤيا: آباء الكنيسة اللاتينية 68، 924 ب، ج، باكازيوس رادبير في القديس متى الجزء 8 فصل 16: آباء الكنيسة اللاتينية 120، 561 ج، راجع لاون الثالث عشر رسالة “والسليم” في 17 – 12 – 1888: أعمال الكرسي الرسولي 21 (1888) ص 321.
40- راجع سفر الأعمال 6 / 2-6 و 11/ 30 و 13 / 1 و 14 / 23 و 20 / 17، تسالونيكي الأولى 5 / 12 – 13، فيليبي 1 / 1 وكولوسي 4 / 11 وغيرها.
41- راجع أع 20 / 25 – 27 و 2 تيم 4 / 6 وتابع. قارن مع 1 تيم 5 / 22 و 2 تيم 2 / 2، وتي 1 / 5 القديس اكليمنضس الروماني شرح في الرسالة إلى كورنثوس 44: 3، طبعة فونك 1 ص 156.
42- القديس اكليمنضس الروماني شرح في الرسالة إلى كورنثوس 44 / 3، طبعة فونك 1 ص 154 وتابع.
43- راجع ترتليانوس ضد الهراطقة 32، آباء الكنيسة اللاتينية 2، 52 وتابع ثم القديس أغناطيوس الشهيد متفرقات.
44- راجع ترتليانوس ضد الهراطقة: 32، آباء الكنيسة اللاتينية 2، 53.
45- راجع القديس إيريناوس ضد الهراطقة الجزء الثالث 3، 1: آباء الكنيسة اليونانية 7، 484 أ، هارفيه 2، 8 سانيار ص 100 وتابع “مبينة”.
46- راجع القديس إيريناوس ضد الهراطقة الجزء الثالث 3، 2: آباء الكنيسة اليونانية 7، 847، هارفيه 2، 7، سانيار ص 100 “احتفظ به” راجع في نفس المكان الجزء الرابع 26، 2، عمود 1053، هارفيه 2، 236، ثم الجزء الرابع 33، 8، عمود 1077، هارفيه 2، 262.
47- القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل فيلادلفيا: المقدمة، طبعة فونك الجزء الأول ص 264.
48- القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل فيلادلفيا 1، 1: وإلى مجنيزيا 6: 1، طبعة فونك الجزء الأول ص 264، ص 234.
49- القديس إكليمنضس الروماني: في المكان الذي ذكرناه: 42، 3 – 4، 44، 3 – 4، 57، 1 – 2، طبعة فونك الجزء الأول 152، 156، 171، تابع. القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل فيلادلفيا، إلى أهل أزمير، وإلى أهل مجنزيا 3 وإلى أهل ترالا، طبعة فونك الجزء الأول ص 265 وتابع، ص 282، ص 232، ص 246 وتابع إلخ… القديس يوستينوس: الدفاع 1، 65: آباء الكنيسة اليونانية 6، 428، القديس كبريانوس، رسائل متفرقات في أمكنة مختلفة.
50- راجع لاون الثالث عشر، رسالة عامة “المعروف بما فيه الكفاية” في 29 حزيران 1896: أعمال الكرسي الرسولي 28 (1895 – 1896) ص 732.
51- راجع المجمع التردنتي الجلسة 23: قرار عن الدرجة المقدس الفصل الرابع، دنتسنغر 960 (1768)، المجمع الفاتيكاني الأول الجلسة الرابعة: دستور عقائدي عن كنيسة المسيح الفصل الثالث: دنتسنغر 1828 (3061). بيوس الثاني عشر، رسالة عامة عن الجسد السري في 29 حزيران 1943: أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 209، 212: القانون الكنسي رقم 329، البند الأول.
52- راجع لاون الثالث عشر، رسالة “والسليم” 17 كانون الأول 1888: أعمال الكرسي الرسولي 21 (1888) ص 321 وتابع.
53- القديس لاون الكبير: عظة 5، 3: آباء الكنيسة اللاتينية 54، 154.
54- المجمع التردنتي الجلسة 23 الفصل الثالث يذكر كلمات 2 تيم 1 / 6 – 7 حتى يثبت أن درجة الكهنوت هي سر حقيقي: دنتسنغر 959 (1766).
55- في التقليد الرسولي 3، طبعة بوت: المصادر المسيحية ص 27 – 30. للأسقف “رئاسة الكهنوت”. راجع خدمة الأسرار اللاوني، طبعة موهلبرج: خدمة أسرار الفيروني، روما 1955 ص 119: “إلى خدمة الكهنوت السامية..تمم في كهنتك كمال السر”. وأيضاً خدمة اسرار الكنيسة الرومانية: روما 1960 ص 121- 122 “أعطهم يا رب كرسي الأسقفية ليرعوا كنيستك وشعبك بأسره” راجع آباء الكنيسة اللاتينية 78، 224.
56- التقليد الرسولي 2، طبعة بةت ص 27.
57- المجمع التردنتي الجلسة 23 الفصل الرابع يعلم أن سر الدرجة يطبع وسم لا يُمحى، دنتسنغر 960 (1767): راجع يوحنا الثالث والعشرين، حديث “هللوا للرب” 8 أيار 1960: أعمال الكرسي الرسولي 52 (1960) ص 466: بولس السادس عظة في الكاتدرائية الفاتيكانية 20 تشرين الأول 1963: أعمال الكرسي الرسولي 55 (1963) ص 1014.
58- القديس كبريانوس رسالة 64، 14: آباء الكنيسة اللاتينية 4، 386، هارتل الجزء الثالث ب ص 713: “إن الكاهن يقوم حقاً مقام المسيح”: القديس يؤحنا فم الذهب في 2 تيم عظة 2، 4: آباء الكنيسة اليونانية 62، 612: “الكاهن هو رمز المسيح”. القديس أمبروسيوس في المزمور 38 / 25 – 26: آباء الكنيسة اللاتينية 14، 1051 – 1052 مجموعة كتابات الكنيسة اللاتينية 64، 203 – 204، كتاب منسوب للقديس أمبروسيوس في 1 تيم 5 / 29: آباء الكنيسة اللاتينية 17، 479 ج وفي أف 4 / 11 – 12 عمود 387 د. ثيودوروس المبسيوستي عظة في التعليم المسيحي 15: 21 و 24: طبعة تونوص 497 و 503، هيزيكيوس الأورشليمي: في أح 50 / 2، 9، 23: آباء الكنيسة اليونانية 93، 894 ب.
59- راجع أوسابيوس: تاريخ الكنيسة الجزء الخامس 24، 10: مجموعة المؤلفين المسيحيين اليونانيين الجزء الثاني، 1 ص 495، طبعة باردي: المصادر المسيحية، الجزء الثاني ص 69، ديونيسيوس مذكور في اوسابيوس: المكان المذكور الجزء السابع 5، 2: مجموعة المؤلفين المسيحيين اليونانيين الجزء الثاني 2 ص 638 وتابع. باردي الجزء الثاني ص 168 وتابع.
60- راجع ما يتعلّق بالمجامع القديمة: أوسابيوس: تاريخ الكنيسة الجزء الخامس 23 – 24: مجموعة المؤلفين المسيحيين اليونانيين، الجزء الثاني 1 ص 488 ةتابع، باردي الجزء الثاني ص 66 ومتفرقات، مجمع نيقيا القانون الخامس: قرارات المجامع المسكونية ص 7.
61- ترتليانوس: عن الصوم 13، آباء الكنيسة اللاتينية 2، 972 ب، مجموعة كتابات الكنيسة اللاتينية 30 ص 292 سطر 13 – 16.
62- القديس كبريانوس الرسالة 56، 3: هارتل الجزء الثالث ب ص 650، بايار ص 154.
63- راجع العلاقة الرسمية زينيللي في المجمع الفاتيكاني الأول: ما نسي 52، 109 د.
64- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: مشروع للدستور العقائدي 2: عن كنيسة المسيح الفصل الرابع: ما نسي 53، 310، راجع علاقة كليتجين عن المشروع المصحح: ما نسي 53، 321 ب، 322 ب وتصريح زينيلي: ما نسي 52، 1110 أ. أنظر أيضاً القديس لاون الكبير: عظة 4، 3: آباء الكنيسة اللاتينية 54، 151 أ.
65- راجع القانون الكنسي قانون 227.
66- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: الدستور العقائدي: “الراعي الأزلي”: دنتسنغر 1821 (3050) وتابع.
67- راجع القديس كبريانوس: رسالة 66، 8: هارتل الجزء الثالث 2، عن 733 “الأسقف في الكنيسة والكنيسة في الأسقف”.
68- راجع القديس كبريانوس: رسالة 55، 24: هارتل ص 642 سطر 13 “كنيسة واحدة في العالم بأسره متناسقة في أعضاء كثيرين”: الرسالة 36، 4: هارتل ص 575 سطر 20 – 21.
69- راجع بيوس الثاني عشر: رسالة عامة “موهبة الإيمان” 21 نيسان 1957، أعمال الكرسي الرسولي 49 (1957) ص 237.
70- راجع القديس هيلاريوس من بواتييه في المزمور 13، 3: آباء الكنيسة اللاتينية 9، 206. مجموعة الكنيسة اللاتينية 22 ص 86، القديس غريغوريوس الكبير في الآداب المسيحية الجزء الرابع 7/ 12: آباء الكنيسة اللاتينية 75، 643، الكتاب المنسوب إلى باسيليوس، في إشعيا 15، 296: آباء الكنيسة اليونانية 30، 637 ج.
71- القديس سليستينوس: رسالة إلى مجمع أفسس 18، 1 – 2: آباء الكنيسة اللاتينية 50، 505، أ، ب، شفارتز: أعمال المجامع المسكونية الجزء الأول 1، 1 ص 22 راجع بندكتس الخامس عشر: رسالة رسولية “هذا العظيم” أعمال الكرسي الرسولي 11 (1919) ص 440. بيوس الحادي عشر: رسالة عامة، “أمور الكنيسة”، 28 شباط 1926: أعمال الكرسي الرسولي 18 (1926) ص 69. بيوس الثاني عشر: رسالة عامة “موهبة الإيمان” المذكورة آنفاً.
72- لاون الثالث عشر: رسالة عامة “وظيفة كبيرة” 30 أيلول 1880: أعمال الكرسي الرسولي 13 (1880) ص 145، راجع الحق الكنسي قانون 1327 وقانون 1350 بند 3.
73- حقوق الكراسي البطريركية، راجع مجمع نيقيا قانون رقم 6 عن الإسكندرية وأنطاكية وقانون رقم 7 عن أورشليم – قرارات المجامع المسكونية ص 8 – المجمع اللاتيراني الرابع عام 1215 الدستور الخامس: كرامة البطاركة: في نفس المكان ص 212 – مجمع قرار فلورنس في نفس المكان ص 504.
74- راجع القانون الكنسي للكنيسة الشرقية قانون 216 – 314: عن البطاركة، قانون 324 – 329 عن رؤساء الأساقفة، رؤساء الكنائس الخاصة، قانون 362 – 391 عن الدرجات الأخرى، وخاصة قانون 238، بند 2، وقانون 216، 240، 251، 255: عن ترشيح البطاركة للأساقفة.
75- راجع المجمع التردنتي: قرار عن الإصلاح، الجلسة الخامسة قانون 2 رقم 9 والجلسة الرابعة والعشرين قانون 4، قرارات المجامع المسكونية ص 645، 739.
76- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: الدستور العقائدي “ابن الله” 3 دنتسنغر 1712 (3011) راجع المذكرات الملحقة بالمشروع رقم 1 عن الكنيسة (مقتبسة عن القديس روبير بلارمينو) مانسي 51، 579 ج، ثم المشروع المصحح عن الدستور الثاني في كنيسة المسيح مع تعليق كليتجين: مانسي 53، 313، أ، ب. بيوس التاسع رسالة “لك بكل طيبة” دنتسنغر 1683 (2879).
77- راجع القانون الكنسي قانون 1322 – 1323.
78- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: الدستور العقائدي “الراعي الأزلي”: دنتسنغر 1839 (3074).
79- راجع شرح جاسر في المجمع الفاتيكاني الأول: مانسي 52، 1213، ج أ.
80- جاسر في نفس المكان: مانسي 1214، أ.
81- جاسر في نفس المكان: مانسي 1215، ج، د، 1216 – 1217، أ.
82- جاسر في نفس المكان: مانسي 1213.
83- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: الدستور العقائدي “الراعي الأزلي” 4: دنتسنغر 1836 (3070).
84- صلاة الرسامة الأسقفية في الطقس البيزنطي: كتاب مجموع الصلوات، روما 1873 ص 139.
85- راجع القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل أزمير 8، 1: طبعة فونك الجزء الأول ص 282.
86- راجع أع 8 / 1، 14 / 22 – 23، 20 / 17 وغيرها.
87- الصلاة ذات الطابع العربي: آباء الكنيسة اللاتينية 96، 759 ب.
88- راجع القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل أزمير 8، 1: طبعة فونك الجزء الأول ص 282.
89- القديس توما: المجموعة اللاهوتية الجزء الثالث السؤال 73 الجواب عن 3.
90- القديس أغسطينوس: ضد فوستوس 12، 20: آباء الكنيسة اللاتينية 42، 265، عظة 57، 7: آباء الكنيسة اللاتينية 38، 389… إلخ.
91- القديس لاون الكبير، عظة 63، 7: آباء الكنيسة اللاتينية 54، 357 ج.
92- التقليد الرسولي لهيبوليتس 2 – 3: طبعة بوت ص 26 – 30.
93- راجع نص الفحص في بداية الرسامة الأسقفية والصلاة في نهاية قداس هذه الرسامة بعد: لك يا رب نمجّد.
94- بندكتس الرابع عشر منشور في الكنيسة الرومانية 5 تشرين الأول 1752 المقطع الأول، قرارات بندكتس الرابع عشر الجزء الرابع، روما 1758، 21: “الأسقف يقوم مقام المسيح ويُمارس مهام المسيح”، بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “الجسد السري” المكان المذكور آنفاً ص 211: “إنهم يرعون ويدبرون بإسم المسيح كل الخراف الموكولة إلى كل واحد منهم”.
95- لاون الثالث عشر: رسالة عامة “المعروف بما فيه الكفاية”، 29 حزيران 1896: أعمال الكرسي الرسولي 28 (1895 – 1896) ص 732 ثم في رسالته: الفرض الجزيل القداسة، بتاريخ 22 أيلول 1887: أعمال الكرسي الرسولي 20 (1887) ص 264، بيوس التاسع رسالة رسولية إلى أساقفة ألمانيا 12 آذار 1875 ثم خطاب في مجمع الكرادلة بتاريخ 15 آذار 1875: دنتسنغر 3112 – 3117. (في الطبعة الجديدة فقط).
96- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: الدستور العقائدي: “الراعي الأزلي” 3: دنتسنغر 1828 (3061) راجع تعقيب زينللي: مانسي 52، 1114 د.
97- راجع القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل أفسس 5، 1: طبعة فونك الجزء الأول ص 216.
98- راجع القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل أفسس 6، 1: طبعة فونك الجزء الأول ص 218.
99- راجع المجمع التردنتي الجلسة 23 عن سر الدرجة الكهنوتية، الفصل الثاني: دنتسنغر 958 (1765) والقانون رقم 6: دنتسنغر 966 (1776).
100- راجع أنوشنسيوس الأول رسالة إلى ديسنتيوس: آباء الكنيسة اللاتينية 20، 544، أ، مانسي 3، 1029 دنتسنغر 98 (215): “إن الكهنة وإن كانوا معاونين لا يتمتّعون بملء الكهنوت”. القديس كبريانوس، الرسالة 61، 3: طبعة هارتل ص 696.
101- راجع المجمع التردنتي المكان السالف الذكر: دنتسنغر 956، أ 9680 (1763 – 1778) وبالأخص القانون رقم 7: دنتسنغر 967 (1777). بيوس الثاني عشر: الدستور الرسولي، عن سر درجة الكهنوت: دنتسنغر 2301 (3857 – 3861).
102- راجع أنوشنسيوس الأول في المكان المذكور أعلاه، القديس غريغوريوس النازيانزي في كتاب الدفاع الجزء 2: 22، آباء الكنيسة اليونانية 35، 432 ب. الكتاب المنسوب إلى ديونيسيوس: الكنيسة ذات الرتب الرئاسية 1، 2: آباء الكنيسة اليونانية 3، 372 د.
103- راجع المجمع التردنتي الجلسة 22: دنتسنغر 940 (1743). بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “وسيط الله” في 20 تشرين الثاني 1947: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) ص 553، دنتسنغر 2300 (3850).
104- راجع المجمع التردنتي الجلسة 22: دنتسنغر 938 (1739 – 1740). المجمع الفاتيكاني الثاني: دستور في الليترجيا المقدسة رقم 7، 47.
105- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “وسيط الله”: المكان المذكور أعلاه رقم 67.
106- راجع القديس كبريانوس رسالة 11، 3: آباء الكنيسة اللاتينية 4، 242 ب. هارتل الجزء الثاني، 2 ص 497.
107- ترتيب الرسامة الكهنوتية في وضع الملابس.
108- ترتيب الرسامة الكهنوتية في المقدمة.
109- راجع القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل فيلادلفيا 4، طبعة فونك الجزء الأول ص 266. القديس كورنيليوس الأول الذي ذكره القديس كبريانوس في الرسالة 48، 2: هارتل الجزء الثالث 2 ص 610.
110- قوانين الكنيسة المصرية الجزء الثالث، 2، طبعة فونك: الدسقولية (تعليم الإثني عشر رسول) الجزء الثاني ص 103: قرارات الكنيسة القديمة 37 – 41، مانسي 3، 954.
111- راجع القديس بوليكاربوس: إلى أهل فيلادلفيا 5، 2: طبعة فونك الجزء الأول ص 300: قيل عن المسيح إنه “جعل خادم الجميع”، راجع تعليم الإثني عشر رسول 15، 1 وأيضاً ص 32. القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل ترلا 2، 3 وأيضاً ص 242 – قوانين الرسل 8، 28، 4، طبعة فونك: الدسقولية الجزء الأول ص 350.
112- القديس أغسطينوس: عظة 340، 1: آباء الكنيسة اللاتينية 38، 1483.
113- راجع بيوس الحادي عشر، رسالة عامة “السنة الأربعون”: 15 أيار 1931: أعمال الكرسي الرسولي 23 (1931) ص 221. بيوس الثاني عشر: خطاب “من أي تعزية” 14 تشرين الأول 1951: أعمال الكرسي الرسولي 43 (1951) ص 790 وتابع.
114- راجع بيوس الثاني عشر، خطاب “ست سنوات انقضت” في 5 تشرين الأول 1957: أعمال الكرسي الرسولي 49 (1957) ص 927.
115- مقدمة القداس في عيد المسيح الملك.
116- راجع لاون الثالث عشر: رسالة عامة “الخالدة، الخاصة بالله” 1 تشرين الثاني 1885: أعمال الكرسي الرسولي 18 (1885) ص 166 وتابع، وأيضاً رسالة عامة “الحكمة المسيحية”، 10 كانون الثاني: أعمال الكرسي الرسولي 2 (1889 – 1890) ص 397 – بيوس الثاني عشر، خطاب “إلى بنوتكم” في 23 آذار 1958: أعمال الكرسي الرسولي 50 (1958) ص 220 “علمانية الدولة الشرعية”.
117- القانون الكنسي رقم 682.
118- راجع بيوس الثاني عشر، خطاب “من أي تعزية” في المكان المذكور آنفاً: ص 789: “في المعارك الحاسمة تأتي بعض الأحيان من جبهة القتال أعمال تلقائية ناجحة جداً”، وأيضاً خطاب عن اهمية الصحافة الكاثوليكية، في 17 شباط 1950: أعمال الكرسي الرسولي 42 (1950) ص 256.
119- راجع 1 تسا 5 / 19؛ 1 يو 4 / 1.
120- رسالة إلى ديونيوتوس 6: طبعة فونك الجزء الأول ص 400 راجع القديس يوحنا فم الذهب عظة في متى 46 (47) 2: آباء الكنيسة اليونانية 478: الخمير في العجين.
121- الخولاجي الروماني: المجد لله في الأعالي. راجع لو 1 / 35، مر 1 / 24، لو 4 / 34، يو 6، 96، “قدوس الله” النص اليوناني، أع 3 / 14، 4 / 27، 30، عب 7 / 26، 1 يو 2 / 20، رؤ 3 / 7.
122- راجع أوريجانوس شرح رسالة إلى أهل روما 7 / 7: آباء الكنيسة اليونانية 14، 1122، ب – كتاب منسوب إلى مكاريوس عن الصلاة 11: آباء الكنيسة اليونانية 34، 861، أ، ب – القديس توما، المجموعة اللاهوتية القسم الثاني من الجزء الثاني السؤال 184 الإجابة عن 3.
123- القديس أغسطينوس: استدراك الجزء الثاني، 18: آباء الكنيسة اللاتينية 32، 637 وتابع. بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “الجسد السري” في 29 حزيران 1943: أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 225.
124- راجع بيوس الحادي عشر، رسالة عامة “الخاص بكل الأشياء”، في 26 كانون الثاني 1923: أعمال الكرسي الرسولي 15 (1923) ص 50، 59، 60 – رسالة عامة “عن الزواج” 31 كانون الأول 1930: أعمال الكرسي الرسولي 22 (1930) ص 548. بيوس الثاني عشر: الدستور الرسولي “الأم ذات العناية” 2 شباط 1947: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) ص 117 – خطاب: “السنة المقدسة” 8 كانون الأول 1950: أعمال الكرسي الرسولي 43 (1951) ص 27 – 28، خطاب: “بمناسبة منحكم” 1 تموز 1956: أعمال الكرسي الرسولي 48 (1956) ص 574 وتابع.
125- راجع القديس توما: المجموعة اللاهوتية القسم الثاني من الجزء الثاني سؤال 184 إجابة 5، 6: في كمال الحياة الروحية 18 – أوريجانوس، في إشعيا، عظة 6، 1: آباء الكنيسة اليونانية 13، 239.
126- راجع القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل مغنيزيا 13، 1: طبعة فونك الجزء الأول ص 241.
127- راجع بيوس العاشر: عظة في “التمسُّك بالروح” 4 آب 1908: أعمال الكرسي الرسولي 41 (1908) ص 560 وتابع – القانون الكنسي رقم 124 – بيوس الحادي عشر: رسالة عامة “إلى الكهنة الكاثوليك” في 20 كانون الأول 1935: أعمال الكرسي الرسولي 28 (1936) ص 22 وتابع.
128- ترتيب الرسامة الكهنوتية: في الوصية الأولى.
129- راجع القديس أغناطيوس الشهيد، إلى أهل ترلا 2، 3: طبعة فونك الجزء الأول ص 244.
130- راجع بيوس الثاني عشر، خطاب “عناية الأم” في 9 كانون الأول 1957: أعمال الكرسي الرسولي 50 (1958) ص 36.
131- راجع بيوس الحادي عشر، رسالة عامة “عن الزواج” في 31 كانون الأول 1930: أعمال الكرسي الرسولي 22 (1930) ص 548 وتابع – راجع يوحنا فم الذهب عظة في رسالة أفسس 20: 2: آباء الكنيسة اليونانية 62، 136 وتابع.
132- راجع القديس أغسطينوس: مجموع النصوص 121، 32: آباء الكنيسة اللاتينية 40، 288، القديس توما: المجموعة اللاهوتية 2، 2 سؤال 184 إجابة 21. بيوس الثاني عشر خطاب “في تفكيرنا”، 23 أيلول 1950: أعمال الكرسي الرسولي 42 (1950) ص 660.
133- عن النصائح عامة راجع أوريجانوس شرح رسالة روما 10/ 14: آباء الكنيسة اليونانية 14، 1275، ب – القديس أغسطينوس: عن البتولية المقدسة، 15، 15: آباء الكنيسة اللاتينية 40، 403، القديس توما المجموعة اللاهوتية 1-2 السؤال 100 إجابة عن 2 ج (في الآخر)؛ 2، 2 السؤال 44 إجابة عن 4 الفقرة الثالثة.
134- سمو البتولية المقدسة، راجع ترتليانوس عظة عن الطهارة 10، آباء الكنيسة اللاتينية 2، 925 ج. القديس كبريانوس حالة البتولية 3، 22، آباء الكنيسة اللاتينية 4، 443 ب ثم 461، أ، وتابع. القديس أثناسيوس (؟) عن البتولية: آباء الكنيسة اليونانية 28، 252 وتابع. القديس يوحنا فم الذهب: عن البتولية آباء الكنيسة اليونانية 48، 533 وتابع.
135- الفقر الروحي راجع مت 5 / 13؛ 19 / 21؛ مر 10 / 21؛ لو 18 / 22 – المسيح مثال الطاعة: يو 4 / 34 ثم 6 / 38؛ فيل 2 / 8 – 10؛ عب 10 / 5 – 7 وكثير في هذا الصدد لدى الآباء ومؤسسي الرهبانيات.
136- عن الممارسة العملية للنصائح التي لا يلتزم بها الجميع راجع يوحنا فم الذهب عظة في مت 7 / 7: آباء الكنيسة اليونانية 57، 81 وتابع – القديس أمبروسيوس: عن الأرامل 4 / 33: آباء الكنيسة اللاتينية 16، 241، وتابع.
137- راجع روزوايدوس: حياة الآباء، انتوبربيا 1628. أحكام الآباء: آباء الكنيسة اليونانية 65. تاريخ لوزياك بلاديوس: آباء الكنيسة اليونانية 34، 995 وتابع: طبعة باتلبر، كابريدج 1898، (1904) بيوس الحادي عشر: الدستور العقائدي: “المظلل” 8 تموز 1924: أعمال الكرسي الرسولي 16 (1924) ص 386 – 387، أ. بيوس الثاني عشر: خطاب “نحن سعداء” 11 نيسان 1958: أعمال الكرسي الرسولي 50 (1958) ص 238.
138- بولس السادس: خطاب “بفرح عظيم” في 23 أيار 1964: أعمال الكرسي الرسولي 56 (1964) ص 566.
139- راجع القانون الكنسي، قانون رقم 487، 488 (رابعاً): بيوس الثاني عشر، خطاب: “السنة المقدسة” 8 كانون الأول 1950: أعمال الكرسي الرسولي 43 (1951) ص 27 وتابع. بيوس الثاني عشر الدستور العقائدي: “عناية الأم”، 2 شباط 1947: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) ص 120 وتابع.
140- بولس السادس: المكان المذكور آنفاً ص 567.
141- راجع القديس توما المجموعة اللاهوتية 2، 2 السؤال 184 إجابة عن 3 والسؤال 188 إجابة عن 2. القديس بونافنتوره: الكتيب رقم 11: الدفاع عن الفقراء الفصل 2: 3 طبعة “مؤلفاته”، كراتشي، الجزء 8، 1898 ص 245، أ.
142- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: مشروع عن كنيسة المسيح الفصل 15 تعليق 48: مانسي 51، 549 وتابع 619 وتابع. لاون الثالث عشر رسالة: “في وسط التعزيات” 23 كانون الأول 1900: أعمال الكرسي الرسولي 33 (1900 – 1901) ص 361. بيوس الثاني عشر الدستور العقائدي: “عناية الأم”، 2 شباط 1947: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) ص 114 وتابع.
143- راجع لاون الثالث عشر: الدستور: الأحبار الرومانيون 8 أيار 1881: أعمال الكرسي الرسولي 13 (1889 – 1881) ص 483. بيوس الثاني عشر: خطاب “السنة المقدسة” 8 كانون الأول 1950: أعمال الكرسي الرسولي 43 (1951) ص 28 وتابع.
144- راجع بيوس الثاني عشر: خطاب “السنة المقدسة” المكان المذكور آنفاً ص 28. بيوس الثاني عشر: الدستور الرسولي: “كرسي الحكمة” 31 أيار 1956: أعمال الكرسي الرسولي 48 (1956) ص 355. بولس السادس: المكان المذكور آنفاً ص 570 – 571.
145- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “الجسد السري” في 29 حزيران 1943: أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 214 وتابع.
146- راجع بيوس الثاني عشر: خطاب “السنة المقدسة” المكان المذكور آنفاً ص 30، وخطابه “تحت حماية الأم” 9 كانون الأول 1957: أعمال الكرسي الرسولي 50 (1958) ص 39 وتابع.
147- مجمع فلورنس: قرار لليونانيين: دنتسنغر 693 (1305).
148- إلى جانب المستندات القديمة ضد أي صورة من صور استحضار الأرواح الخاصة بالبابا اسكندر الرابع (27 أيلول 1258) راجع الرسالة العامة لمجمع التفتيش المقدس عن سوء استخدام التنويم المغناطيسي (4 آب 1856): أعمال الكرسي الرسولي (1865) ص 177 – 178 دنتسنغر 1653 – 1654 (2823 – 2825) إجابة مجمع التفتيش المقدس، 24 نيسان 1917: أعمال الكرسي الرسولي 9 (1917) ص 268، دنتسنغر 2182 (3642).
149- أنظر العرض الإجمالي لهذه العقيدة للقديس بولس في بيوس الثاني عشر: رسالة عامة “الجسد السري” في 29 حزيران 1943: أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 200 وأمكنة أخرى.
150- راجع القديس أغسطينوس، تأملات في المزامير 85، 24: آباء الكنيسة اللاتينية 37، 1099. القديس هيرونيموس: كتاب ضد فيجيلانس 6: آباء الكنيسة اللاتينية 23، 344. القديس توما في الحكم الرابع من أحكام القديس توما مميزة 45 السؤال الثالث إجابة عن 2 – القديس بونافنتوره في الحكم الرابع الجزء الرابع من أحكام القديس بونافنتوره مميزة 45 بند 3 سؤال 2 … إلخ.
151- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “الجسد السري” في 29 حزيران 1943: أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 245.
152- راجع كتابات كثيرة في الدياميس الرومانية.
153- راجع جيلازيوس الأول: قرار عن الكتب التي يجب قبولها 3: آباء الكنيسة اللاتينية 59، 160، دنتسنغر 165 (353).
154- راجع القديس ميتوديوس، “الوليمة” الجزء السابع 3: مجموعة الكتبة اليونان المسيحيين ص 74.
155- راجع بندكتس الخامس عشر، قرار بشأن الإعتراف بفضائل خادم الله يوحنا نيبوموشينوس نيومان في دعوة تطويبه وقداسته: أعمال الكرسي الرسولي 14 (1922) ص 23. كثير من خطب بيوس الحادي عشر عن القديسين: الدعوة إلى البطولة، خطب، الجزء 1-3، روما 1941، 1942 ومتفرقات. بيوس الثاني عشر، خطب وإذاعة، الجزء العاشر 1949 ص 37 – 43.
156- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “وسيط الله”: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) ص 581.
157- راجع عب 13 / 7؛ تث 44 / 50؛ عب 11 / 3 – 40. راجع أيضاً بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “وسيط الله”: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947) ص 582 – 583.
158- راجع المجمع الفاتيكاني الأول: الدستور عن الإيمان الكاثوليكي، الفصل 3: دنتسنغر 1794 (3013).
159- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “الجسد السري” في 29 حزيران 1943: أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 216.
160- بخصوص العرفان بالجميل نحو القديسين أنفسهم راجع ديال: الكتابات الحفرية اللاتينية المسيحية القديمة، الجزء الأول، بيروليني 1925 رقم 2008، 2382 ومتفرقات.
161- المجمع التردنتي الدورة 25: الإلتجاء … إلى القديسين: دنتسنغر 984 (1821).
162- كتاب الفرض الروماني: ابتهالات مكررة بمناسبة عيد جميع القديسين.
163- راجع مثلاً 2 تسا 1 / 10.
164- المجمع الفاتيكاني الثاني: دستور في الليترجيا المقدسة الفصل الخامس رقم 104.
165- القداس اللاتيني: في الصلاة التي تتضمن الكلام الجوهري.
166- مجمع نيقيا الثاني، أعمال 7: دنتسنغر 302 (600).
167- مجمع فلورنس: قرار من أجل اليونانيين: دنتسنغر 693 (1304).
168- المجمع التردنتي الدورة 25: الإبتهال إلى ذخائر القديسين والصور المقدسة وإكرامها، دنتسنغر 984 – 988 (1821 – 1824) الدورة 25: قرار عن المطهر، دنتسنغر 983 (1830)، الدورة 6: قرار في التبرير، قانون 30، دنتسنغر 840 (1580).
169- صلاة في مقدمة القداس مسموح بها في بعض الأبرشيات.
170- راجع القديس بطرس كانزيوس: كتاب التعليم المسيحي الكبير أو مجموعة التعاليم المسيحية الفصل 3 (طبعة ونقدف. سترايش) الجزء الأول ص 15، 16 رقم 44 ص 100 – 101 رقم 49.
171- راجع المجمع الفاتيكاني الثاني: دستور في الليترجيا المقدسة الفصل الأول رقم 8.
172- قانون الإيمان في القداس الروماني: قانون الرسل القسطنطيني: مانسي 3، 556. راجع مجمع أفسس في المكان المذكور 4، 1130 (وأيضاً 2، 665، 4، 1071). مجمع خلقيدونية في المكان المذكور 7، 111-116. مجمع القسطنطينية الثاني في المكان المذكور 9، 75: 396.
173- صلوات الكلام الجوهري في القداس اللاتيني.
174- القديس أغسطينوس عن البتولية المقدسة 6، آباء الكنيسة اللاتينية 40، 399.
175- راجع البابا بولس السادس: خطاب في المجمع يوم 4 كانون الأول 1963: أعمال الكرسي الرسولي 56 (1946) ص 37.
176- راجع القديس جرمانوس القسطنطيني: عظة في بشارة أم الله: آباء الكنيسة اليونانية 98، 328، أ: في رقاد العذراء 2: عمود 357. أنستاسيوس الأنطاكي عظة 2 عن البشارة 2: آباء الكنيسة اليونانية 89، 1377، أ، ب، عظة 3، 2 عمود 1388ج. القديس أندراوس الكريتي: نشيد في ولادة العذراء 14: عمود 812، أ: عظة في رقادها عمود 1068 ج. القديس سفرونيوس: آباء الكنيسة اليونانية 97 (1312) في ميلاد العذراء: 1، الصلاة الثانية في البشارة 18: آباء الكنيسة اليونانية 87 (3). 3237 ب، ج.
177- القديس إيريناوس ضد الهراطقة الجزء الثالث 22، 4: آباء الكنيسة اليونانية 7، 159، أ. هارفيه 2، 123.
178- القديس إيريناوس في المكان المذكور آنفاً، هارفيه 2، 124.
179- القديس إيبيفانوس: الهراطقة 78، 18: آباء الكنيسة اليونانية 42، 728 ج، د 729، أ، ب.
180- القديس هيرونيموس: رسالة 22، 21: آباء الكنيسة اللاتينية 22، 408. راجع القديس أغسطينوس عظة 51، 2، 3: آباء الكنيسة اللاتينية 38، 335، عظة 232، 2 عمود 108. القديس كيرلس الأورشليمي: تعليم مسيحي 12، 15: آباء الكنيسة اليونانية 33، 741، أ ب. القديس يوحنا فم الذهب في المزمور 44 / 7: آباء الكنيسة اليونانية 55، 193. القديس يوحنا الدمشقي: عظة 2 في رقاد العذراء مريم 3: آباء الكنيسة اليونانية 96، 728.
181- راجع مجمع اللاتيران عام 649 قانون 3: مانسي 10، 1151. القديس لاون الكبير: رسالة إلى فلافيوس: آباء الكنيسة اللاتينية 54، 759. مجمع خلقيدونية: مانسي 7، 462. القديس أمبروسيوس: تأسيس البتولية: آباء الكنيسة اللاتينية 16، 320.
182- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “الجسد السري” في 29 حزيران 1943:أعمال الكرسي الرسولي 35 (1943) ص 247-248.
183- راجع بيوس التاسع: منشور “الفائق الوصف”، 8 كانون الأول 1854: أعمال بيوس التاسع 1، 1، ص 616، دنتسنغر 1641 (2803).
184- راجع بيوس الثاني عشر: الدستور الرسولي: “الكثير السخاء”، في 1 تشرين الثاني 1950: أعمال الكرسي الرسولي 42 (1950)، دنتسنغر 2333 (3903). راجع القديس يوحنا الدمشقي: في رقاد أم الله عظة 2و 3: آباء الكنيسة اليونانية 96، 721 – 761 خاصة عمود 728 ب. القديس جرمانوس القسطنطيني: في رقاد أم الله، عظة رقم 1، آباء الكنيسة اليونانية 98 (6)، 340 – 348، عظة 3،عمود 361. القديس مودستوس الأورشليمي: في رقاد القديسة أم الله، آباء الكنيسة اليونانية 86 (22، 3277 – 3312).
185- راجع بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “إلى ملكة السماء”، 11 تشرين الأول 1954: أعمال الكرسي الرسولي 46 (1954)، ص 633 – 636، دنتسنغر 3913 وتابع. راجع القديس أندراوس الكريتي، عظة في رقاد أم الله الفائقة القداسة: آباء الكنيسة اليونانية 97، 1089 – 1109. القديس يوحنا الدمشقي: في الإيمان الأرثوذكسي، الجزء الرابع 14، آباء الكنيسة اليونانية 49، 1153 – 1161.
186- راجع كليتجن، النص المصحح عن سر الكلمة المتجسِّد، الفصل الرابع: مانسي 53، 290. راجع القديس أندراوس الكريتي “في ميلاد مريم” عظة 4: آباء الكنيسة اليونانية 97، 865 أ. القديس جرمانوس القسطنطيني “في بشارة أم الله”: آباء الكنيسة اليونانية 98، 321 ب، ج، في رقاد أم الله، الجزء الثالث عمود 361 د. القديس يوحنا الدمشقي “في رقاد العذراء مريم الطوباوية” عظة 1، 8: آباء الكنيسة اليونانية 96، 712 ب، ج، 713، أ.
187- راجع لاون الثالث عشر، رسالة عامة “معينة الشعب” في 5 أيلول 1895: أعمال الكرسي الرسولي 15 (1895 – 1896) ص 303. القديس بيوس العاشر رسالة عامة “إلى هذا اليوم” في 2 شباط 1904: أعمال الجزء الأول ص 154، دنتسنغر 1978، (2370). بيوس الحادي عشر، رسالة عامة “الكثير التعاسة” في أيار 1928: أعمال الكرسي الرسولي 20 (1928) ص 178. بيوس الثاني عشر، خطاب بالإذاعة 13 أيار 1946: أعمال الكرسي الرسولي 38 (1946) ص 266.
188- القديس أمبروسيوس، رسالة 63: آباء الكنيسة اللاتينية 16، 1218.
189- القديس أمبروسيوس، في شرح إنجيل لوقا 2 / 7: آباء الكنيسة اللاتينية 15، 1555.
190- راجع الكتاب المنسوب إلى القديس بطرس الدمشقي عظة 63: آباء الكنيسة اللاتينية 144، 1861، أ، ب. جود فروا للقديس بقطر: في ميلاد مريم الطوباوية: مخطوط باريس، مازارين 1002 ورقة 109 ظهر. جرهوه رايشنو: عن مجد وإكرام ابن الإنسان 10: آباء الكنيسة اللاتينية 194، 1105، أ، ب.
191- القديس أمبروسيوس، المكان المذكور ثم تفسير عن لو 10 / 24-25: آباء الكنيسة اللاتينية 15، 1810. القديس أغسطينوس في يوحنا 3 / 12: آباء الكنيسة اللاتينية 35، 1499، راجع عظة 191، 2، 3: آباء الكنيسة اللاتينية 38، 1010 إلخ. راجع أيضاً الطوباوي بيدا، تفسير في لوقا الجزء الأول الفصل الثاني: آباء الكنيسة اللاتينية 92، 330. إسحق دي ستلا: عظة 51: آباء الكنيسة اللاتينية 194، 1863، أ.
192- راجع كتاب الفرض الروماني، انتيفونة “تحت ذيل حمايتك”، صلاة الغروب الأولى لخدمة الطوباوية مريم العذراء.
193- مجمع نيقيا الثاني عام 787: مانسي 13، 378 – 379: دنتسنغر 302 (600 – 601). المجمع التردنتي الدورة 25: مانسي 33، 171 – 172.
194- راجع بيوس الثاني عشر: خطاب إذاعي يوم 24 تشرين الأول 1954: أعمال الكرسي الرسولي 46 (1954) ص 679. ورسالة عامة “إلى ملكة السماء” 11 تشرين الأول 1954: أعمال الكرسي الرسولي 46 (1954) ص 637.
195- راجع بيوس الحادي عشر، رسالة عامة “كنيسة الله”، 12 تشرين الثاني 1923: أعمال الكرسي الرسولي 15 (1923) ص 581. بيوس الثاني عشر، رسالة عامة “التاج اللامع” في 8 أيلول 1953: أعمال الكرسي الرسولي 45 (1953) ص 590 – 591.
الموسوعة العربية المسيحي
Discussion about this post