عقيدة مريم العذراء “والدة الإله”
آمنت الكنيسة منذ البداية أنّ مريم العذراء هي والدة الإله, حسب تعليم الآباء وكما يؤكده لنا الكتاب المقدس. يروي لنا إنجيل لوقا (١ : ٣٢) أنّ الملاك جبرائيل بشّر العذراء بأنّ إبن العليّ سوف يولد منها. وقالت القديسة أليصابات بإلهام من الروح القدس: “من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ؟” وأعلن جوقة الملائكة يوم الميلاد: “اليوم وُلِدَ لكم مخلّص, هو المسيح الرّب” (لوقا ١ : ١١). وكذلك كتب بولس الرسول: ” أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة” (غلاطيه ٤ : ٤). هذه الأقوال التي نؤمن بصحّتها تدعم, وبكل تأكيد, الحقيقة الثابتة أن مريم العذراء هي والدة الإله. بسبب هذا الإتحاد المتين غير المدرك بين طبيعتي المسيح: الإلهيّة والإنسانيّة, فإن ما تتمتع به إحدى الطبيعتين يمكن أن يُنسب إلى شخص المسيح بشكل عـام. لهـذا قال بولس الرسول: “إنّ اليهود قد صلبوا ربّ المجد” (١ كو ٢ : ٨).
انتشرت هرطقة في القرن الخامس الميلادي عن طبيعة المسيح وشخصيته, وعن دور مريم العذراء في سر الخلاص. وقاد نسطوريوس البدعة الداعية إلى رفض تسمية العذراء بلقب “والدة الإله”. لكنّ العذراء ليست مجرد أم يسوع الانسان بل أم المسيح ابن الله الحيّ. فاستدعت أقوال نسطوريوس الكنيسة إلى عقد المجمع المسكوني الثالث في أفسس سنة ٤٣١م في ايام الامبراطور ثيودوسيوس الثاني, لتتخذ من أمومة مريم للمسيح الإله والإنسان عقيدة إيمانية كنسيّة ثابتة. تلك هي العقيدة المريمية الاساسية التي تجمع المسيحيين من كاثوليك واورثوذكس وإنجيليين (البروتستنت) علما بأنّ لقب “والدة الله” سبق مجمع أفسس ونجده في تعاليم آباء الكنيسة.
إن أبعاد الامومة الالهية ومعانيها تتجلّى بكون حبل مريم العذراء بالسيد المسيح لم ينتج شخصاً لم يكن موجوداً مسبقاً، كما هي الحال في تكوين سائر البشر, بل كوّن طبيعة بشرية إتخذها الاقنوم الثاني من الثالوث الاقدس، القائم منذ الازل في جوهر الهي واحد مع الآب والروح القدس. أن يسوع المسيح ليس إلا شخص ابن الله بطبيعتين لا ينفصلان، وهذا الشخص هو الذي اخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم العذراء, وصار بذلك ابناً لمريم وكائناً بشرياً حقيقياً. إن بتولية مريم هي علامة استسلامها لله، إله المحبة والحياة: “أنا أمة الرّب, ليكون لي بحسب قولك”. لقد استسلمت بكل كيانها لدعوى الله اليها لتصبح أماً لابنه الوحيد، فصار كيانها لله شعلة حب وينبوع حياة بشري.
Discussion about this post