عقيدة مريم العذراء الدائمة البتوليّة
تُعتبر هذه العقيدة من أوائل العقائد المريمية في الكنيسة. ولم يكن داعٍ أن تعلنها الكنيسة عقيدة رسمية ولكنها كما قلنا هي عقيدة منذ البدء أي منذ أن نشأت الكنيسة. مريم العذراء هي “أم وبتول معا” بحسب ايماننا المسيحي. ويؤكد اللاهوت والليتورجيا أن مريم هي “دائمة البتوليّة”: بتول قبل الولادة وبعد الولادة وفي الولادة. أي انها حبلت بالسيد المسيح دون تدخل رجل. إن ما تكرز به المسيحية قد يعجز العقل البشري عن فهمه، ولكن ليس من أمر يستحيل على الله. فالذي وضع في البدء نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيّرها الآن في الحبل بابنه الوحيد وولادته جامعا في امه أروع مفخرتين تعتز بهما كل النساء:” البتولية والامومة”.
عندما استفسرت مريم من الملاك جبرائيل: “كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلا ؟” أجابها المُرسل السماوي: “روح العليّ تظللك, والمولود منك يُدعى ابن الله”. وهناك برهان لاهوتي يستند اليه ايرونموس وأمبروسيوس واوريجانوس آباء الكنيسة، لتأكيد بتولية مريم العذراء بعد الولادة فيقولون: هل يعقل أن التي حملت في احشائها ابن الله، الاقنوم الثاني في الثالوث الاقدس، دون تدخّل رجل, بل بقدرة الروح القدس، أن يراودها بعد ذلك الاختبار الديني الفريد ارادة العيش كسائر النساء ورغبة إنجاب أولاد آخرين؟ لكن الله قد امتلك كل كيان مريم العذراء فلا بد أن تكون قد كرست لله ذاتها بكل قوى جسدها ونفسها وروحها. ومما يؤكد عدم بنوتها لغير المسيح هو كلام يسوع لها وهو على الصليب: “يا امرأة, هذا هو ابنك…هذه هي امّك” موجهاً الكلام ليوحنا الحبيب, ومن خلاله للبشريّة جمعاء, حيث انتقلت العذراء من وقتها إلى بيته. فلو كان لمريم أبناء آخرين, فكم بالأحرى أن يتولوا رعاية أمهم وهي في منزلها, على أن تنتقل لمنزل رجل آخر!
إن كل ما تقدم عن القديسة مريم العذراء يزيد من معرفتنا لها, لا بل يزيدنا حبا وتكريما لها, وبذلك نعرف مكانة العذراء في مخطط الله وفي حياة البشر. إنّ موقف مريم من إحترامها سرّ إعدادها الأزليّ يجعلنا نقرّ أنّ عقيدة مريم الدائمة البتوليّة تنسجم مع دعوة مريم الفريدة, المكرّسة تماماً لخدمة الله, والممتلئة من نعمته, والمتجهة كلياً نحو ملكوته. مريم, في بتوليّتها, هي علامة الخليقة المصطفاة, والمكرّسة والممتلئة من ملء الله, التي لم تعد تنتظر شيئاً, سوى الإكتمال النهائي لملكوت الله الظاهر والخفيّ.
ندى الور
Discussion about this post