الفصل الثاني: الاحتفال أسراريا بالسر الفصحي من 1135 ـ 1209
الفصل الثاني : الاحتفال أسراريا بالسر الفصحي
1135 ـ التثقيف الليترجى يفترض أولاً فهم الخطة الإلهية في استعمال الأسرار (الفصل الأول). في هذا الضوء ينكشف معنى الاحتفال بها، ويتناول هذا الفصل الاحتفال بأسرار الكنيسة واعتبار ما هو مشترك فى طريقة الاحتفال بالأسرار السبعة، عبر التقاليد الليترجية المتنوعة. وأما ما يختص به كل سر فيأتي عرضه لاحقاً. هذا التعليم الأساسي في شأن الاحتفال بالأسرار، يجيب على الأسئلة الأولى التي يطرحها المؤمنين فى هذا المجال:
ـ من يحتفل بالسر ؟
ـ كيف نحتفل به ؟
ـ متى نحتفل به؟
ـ أين نحتفل به ؟
المقال الأول
الاحتفال بليترجيا الكنيسة
1ً. من يحتفل بالسر ؟
1136 ـ الليترجيا هي “عمل المسيح الكلي”. الذين يحتفلون بها، منذ الآن، ويوغلون إلى أبعد من رموزها، هم منذ الآن فى رحاب الليترجيا السماوية، حيث الاحتفال به شركة وعيد.
المحتفلون بالليترجيا السماوية
1137 ـ رؤيا القديس يوحنا، إذا قرأناه فى ليترجيا الكنيسة، تكشف لنا أولاً عن “عرش قد رفع فى السماء وعلى العرش واحد…” هو “الرب الإله” (أش 6: 1) وهناك أيضا “الحمل القائم وكأنه ذبيح” (رؤ 5: 6 ): هو المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات، الحبر العظيم الأوحد للمقدس الحقيقي، “هو نفسه المقدم والمقدم والقابل والموزع” هناك أخيراً “نهر ماء الحياة (…) المنبحس من عرش الله والحمل” (رؤ 22: 1 )، وهو من أروع رموز الروح القدس.
1138 ـ ويشترك فى خدمة التسبيح لله وإتمام قصده، “وقد تجددوا” فى المسيح: القوات السماوية، مع كل الخليقة (الأحياء الأربعة)، وخدمة العهدين القديم والجديد (الشيوخ الأربعة والعشرون)، وشعب الله الجديد (المئة والأربعة والأربعون الفاً)، ولا سيما الشهداء “الذين سفكت دماؤهم فى سبيل كلام الله” (رؤ 6: 9 ). ووالدة الإله الفائقة القداسة (المرأة؛ عروس الحمل)، وأخيراً “حشد كثير لا يحصى من كل أمة وقبيلة وشعب ولسان” (رؤ 7: 9 ).
1139 ـ هذه الليترجيا الأبدية هي التي يشركنا فيها الورح والكنيسة عندما نحتفل بسر الخلاص في الأسرار.
المحتلفون بليترجيا الأسرار
1140 ـ المحتلفون هم الجماعة كلها، جسد المسيح المتحد برأسه. “الأعمال الليترجية ليست أعمالاً فردية ولكنها احتفالات الكنيسة، التى هي “سر الوحدة”، أى الشعب المقدس مجتمعاً ومنتظماً تحت سلطة الأسقافة. فهى من ثم أعمال جسد الكنيسة كله تظهره وتؤثر فيه. إلا أنها تدرك كل واحد من أعضائه بطريقة تختلف باختلاف الدرجات والوظائف والاشتراك الفعلي”، ولذا “فكل مرة تتطلب الطقوس، كل وفقاً لطبيعته احتفالاً مشتركاً مع إقبال المؤمنين عليه واشتراكهم الفعل فيه، لابد من التنويه، قدر الإمكان، بأفضلية الاحتفال الجمهوري على الاحتفال الفردي وشبه الخاص”.
1141 ـ الجماعة المختلفة هي أسرة المعمدين الذين “تقدسوا بالولادة الجديدة ومسحة الروح القدس، ليصيروا بيتاً روحياً وكهنوتاً مقدساً ويقربوا بكل أعمال المسيحي ذبائح روحية”. هذا “الكهنوت المسيح، الكاهن الأوحد، الذي يشترك فيه كل أعضائه:
“إن الكنيسة الام ترغب أشد الرغبة في أن يشجع المؤمنين جميعهم على المشاركة الكاملة والواعية والفاعلة فى احتفالات الليترجيا هذه التى تقتضيها طبيعة الليترجيا نفسها، والتي أصبحت من حق الشعب المسيحي وواجبه، بفعل المعمودية”، ولأنه “جيل مختار وكهنوت ملكي وأمة مقدسة وشعب مفتدى (1 بط 2: 9)“.
1142 ـ ولكن “ليس لجميع الأعضاء عمل واحد” (رو 12: 4) ثمة أعضاء يدعوهم الله، فى الكنيسة وبواسطة الكنيسة، إلى أن يمارسوا خدمة خاصة فى الجماعة هؤلاء الخدام يختارون ويكرسون بسر الكهنوت الذي به يجعلهم الروح القدس أهلاً لأن يسعوا، فى شخص المسيح الرأس، إلى خدمة جميع أعضاء الكنيسة. الخادم المرسوم هو شبه “أيقونة” المسيح الكاهن. وبما أن سر الكنيسة يعتلن اعتلاناً كاملاً فى الافخارستيا فخدمة الأسقف تظهر أولاً فى ترؤس حفلة الافخارستيا، بالاشتراك مع الكهنة والشمامسة.
1143 ـ للاضطلاع بوظائف كهنوت المؤمنين العام، هناك خدمة خاصة أخرى، غير مكرسة بسر الكهنوت، يحدد الأسقافة مهامها وفاقاً للتقاليد الليترجية والحاجات الرعائية “حتى الخدام والقراء والشراح والمنضوون على جماعة المرتلين، جميعهم يقومون بخدمة ليترجية حقيقة”.
1144 ـ هكذا، فى الاحتفال بالأسرار، الجماعة كلها “تقيم الليترجيا”، كل بحسب وظيفته، ولكن فى “وحدة الروح” الذي يعمل فى الجميع. “في الاحتفالات الليترجية يطلب من كل شخص، سواء أكان خادماً للسر أم علمانياً، أن يعمل، لدى قيامة بوظيفته، العمل كله الذى يقع عليه من جراء طبيعة الأمور ومن جراء الأنظمة الليترجية، وأن لا يتعداه إلى سواه من الأعمال”.
2ً. كيف نحتفل بالسر
علامات ورموز
1145 ـ كل احتفال بالأسرار هو نسج من علامات ورموز. هذه العلامات والرموز تتجذر معانيها، وفاقاً لحظة الله الخلاصية وطريقته التربوية، فى عمل الخلق والثقافة البشرية، وتتضح فى أحداث العهد القديم، وتتجلى كاملة فى شخص المسيح وعمله.
1146 ـ علامات من عالم البشر. فى حياة البشر، تشكل العلامات والرموز حيزا لافتاً. فالإنسان، بوصفه كائناً جسدياً وروحياً، يعبر عن الحقائق الروحية ويدركها عبر علامات وموز مادية. وبوصفه كائناً اجتماعياً يحتاج إلى علامات ورموز تواصلية، عبر اللغة والحركات والأعمال. وهذا دأبة أيضا فى علاقته بالله.
1147 ـ إن الله يخاطب الإنسان بواسطة الخليقة المرئية. فالعالم المادي يتراءى للذهن البشري ليقرأ فيه آثار خالقه. فالنور والظلمة، والريح والنار، والماء والتراب، والشجر وثمارها، تتحدث عن الله، وترمز، في آن واحد، إلى عظمته وقربه.
1148 ـ هذه الأشياء الحسية المخلوقة، يمكن أن تصبح أداة للتعبير عن عمل الله الذى يقدس البشر وعمل البشر الذين يؤدون لله عبادتهم. على هذا المنوال أيضا نفهم علامات الحياة الاجتماعية ورموزها: فالغسل والمسح، وكسر الخبز وتقاسم الكأس، كلها تعبر عن حضور الله المقدس وشكر الإنسان لخالقه.
1149 ـ الديانات البشرية الكبرى تشهد، بطريقة مؤثرة غالباً، على هذا الطابع الكوني والرمزي الكامن فى الطقوس الدينية، وأما ليترجيا الكنائس فهي تفترض وتضم وتقدس عناصر الخليقة والثقافة البشرية، وتضفي عليها من الكرامة ما هو من آيات النعمة والخليقة الجديدة فى المسيح يسوع.
1150 ـ علامات العهد. لقد تلقى الشعب المصطفى من الله علامات ورموزاً فارقة تميز حياته الليترجية: فلم يعد ثمة فقط احتفالات مرتبطة بالمدارات الكونية والأحوال الاجتماعية، بل علامات العهد، ورموز عظائم الله لشعبه. من هذه العلامات الليترجية فى العهد القديم، نذكر الختان والمسح، وتكريس الملوك والكهنة، ووضع الأيدي، والذبائح، وخصوصاً الفصح. وترى الكنيسة فى هذه العلامات إيذاناً بأسرار العهد الجديد.
1151 ـ علامات تبناها المسيح لقد استعمل الرب يسوع غالبا، فى كرازته، علامات مستوحاه من الخيقة ليعرف الناس بأسرار ملكوت الله؛ وحقق شفاءاته وأيد كرازته بعلامات مادية وأفعال رمزية؛ وأضفى معنى جديداً على أحداث العهد القديم ورموزه، ولا سيما الخروج من مصر والفصح؛ ولا غرو فالمسيح هو نفسه لب جميع هذه الرموز ومغزاها.
1152 ـ علامات أسرارية. منذ العنصرة يجرى الروح القدس نعمة القداسة عبر العلامات الأسرارية فى الكنيسة. أسرار الكنيسة لا تلغى بل تظهر وتجبى كل ثروة الآيات والرموز الكامنة في الكون وفي الحياة الاجتماعية. وهي إلى ذلك تتمم رموز العهد القديم ورسومه وتفسر معنى الخلاص الذى صنعه المسيح وتحققه، وتؤذن بمجد السماء وتستبقه.
أقوال وأعمال
1153 ـ الاحتفال بالأسرار هو لقاء بين أبناء الله وأبيهم، فى المسيح والروح القدس ويترجم هذا اللقاء حوارا عبر اعمال واقوال لا شك ان الاعمال الرمزية هي بحد ذاتها لغة ولكن لابد ان يواكب هذه الاعمال وينعشها كلام الله وجواب الايمان لكي يؤتي زرع الملكوت ثمرة في الارض الطيبة الاعمال الليترجية ترمز الي ما يعبر عنه كلام الله أي ما يصدر عن الله من ابتدار مجانى وعن شعبه من جواب إيمانى، فى آن واحد.
1154 ـ ليترجيا الكلمة جزء لا يتجزأ من الحفلات الأسرارية فلابد، لتغذية إيمان المؤمنين، من التنويه بالعلامات التى ترافق كلام الله: كتاب الكلمة (كتاب الرسائل أو الانجيل)، تعابير الإجلال المرجه إليه (التطواف، البخور، الشموع)، مكان إعلانه (المنبر)، تلاوته بطريقة مسموعة ومفهومة، العظة التى يلقيها المحتفل بعد التلاوة، أجوبة الجماعة (الهتافات والمزامير التأملية، والطلبات واعلان الإيمان).
1155 ـ القول والعمل فى الليترجيا لا يفترقان من حيث هما علامات وتعليم، كما أنهما لا يفترقان لكونهما يحققان ما يرمزان إليه، فالروح القدس لا يكتفى بأن يفهمنا كلام الله، باعثا فينا نفخة الإيمان، بل يحقق أيضا بالأسرار ” عظائم الله المعلنة فى الكلمة: إنه يجعل عمل الآب الذي أنجزه الابن الحبيب آنيا وموزعاً على الجميع.
الترنيم والموسيقى
1156 ـ “التراث الموسيقى فى الكنيسة الجامعة كنز لا تقدر له قيمة، ولا يسمو إليه تعبير فنى آخر، وذلك خصوصاً بأن الترنيم المقدس مقترن بالكلام وأنه، من ثم، ، قسم ضروري من الليترجيا الاحتفالية ومتمم لها”. تلحين المزامير الملهمة وترتليها، وما يرافقهما غالباً من آلات موسيقية مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالاحتفالات الليترجية في العهد القديم. فالكنيسة تواصل هذا التراث وتنميه “رتلوا فيما بينكم مزامير وتسابيح وأناشيد روحانية رتلوا وسبحوا للرب من صميم القلب” (أف 5: 19 ): “من يرنم يصل مرتين”.
1157 ـ الترنيم والموسيقى “مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالعمل الليترجي”، وهذا ما يجعلهما من العلامات المميزه، انطلاقاً من مقاييس رئيسية ثلاثة: روعة الصلاة التعبيرية، اشتراك الجماعة بالإجماع فى الأوقات الملحوظة، والطابع الاحتفالي للصلاة: وهكذا يساهمان فى تحقيق الغاية المتوخاة من الأقوال والأفعال الليترجية: وهي تمجيد الله وتقديس المؤمنين.
“لكم بكيت لدي سماعي أناشيدكم وتسابيحكم والأصوات الرخيمة التى ملأ صداها كنيستكم ولكم تاثرت لذلك ! لقد كانت تنساب فى أدنى وتقطرا الحقيقة فى قلبي لقد شعرت بتيار عظيم من التقوى يشجعني؛ وبالدموع تسيل على وجنتي، وتصلح أمري”.
1158 ـ تتناغم العلامات (الترانيم والموسيقى، والأقوال، والأعمال) يشتد هنا تعبيراً ويزداد خصباً بمقدار ما يعتمد الثروة الثقافية التى يختص بها شعب الله المحتفل، أداة للتعبير ولذا “لابد من ان يعزز الترنيم الديني الشعبى تعبيراً ببصيراً، بحيث يتاح لأصوات المؤمنين” طبقاً لقوانين الكنيسة “من أن تسمع فى الممارسات التقوية المقدسة وفى الأعمال الليترجية نفسها” ولكن “النصوص المعدة للترنيم الكنسي، يجب أن تكون مطابقة للعقيدة الكاثوليكية، ومستقاة بالأحرى من الكتاب المقدس ومن الينابيع الليترجية”.
الرسوم المقدسة
1159 ـ الصورة المقدسة، والأيقونة الليترجية تمثل المسيح خصوصاً، ولا يجوز أن تمثل الله الذي لا يرى. عن ابن الله هو الذى افتتح بتجسده “نهجا” جدياً فى استعمال الصور:
“لم يكن ممكناً على الاطلاق قديماً ان يمثل بالصورة الله المنزه عن الجسد والشكل. ولكن وقد ظهر لنا اليوم فى الجسد وعاش مع الناس، يجوز لي أن ارسم صورة ما رأيت من الله (…) فنحن نعاين مجد الرب بوجهه المكشوف”.
1160 ـ الأيقونوغرافية المسيحية تنقل، بالصورة، الرسالة الإنجيلية التي ينقلها الكتاب المقدس بالكلمة. الصورة والكلمة تستنير أحداهما بالاخرى.
“لكى نعلن إيماننا ملخصاً بكل تقاليد الكنيسة المدونة وغير المدونة التي سلمت إلينا بلا تحوير. منها تمثيل الصور بالرسم وهو يتماشى مع كرازة التاريخ الإنجيلي. ونعتقد أن الله الكلمة قد تأنس حقاً، لا في الظاهر، وهذا يعود علينا بذات النفع وذات الفائدة، لأن الاشياء التى يستنير بعضها ببعض لها، بلا مراء، مغزى متبادل”.
1161 ـ جميع علامات الاحتفال الليترجى لها صلة بالمسيح: كذلك الصور المقدسة لوالدة الإله القديسة وصور القديسين لها أيضا علاقة به، وترمز إلى المسيح الممجد فيهم. بها تتجلى “سحابة الشهود” (عب 12: 1) الذين لا يزالون يشتركون فى خلاص العالم، ونحن متحدون بها ولا سيما فى الاحتفال بالاسرار هو الإنسان يتجلى لإيماننا من خلال الإيقونة، الإنسان المخلوق “على صورة الله” والمتحول “على مثاله”، بل هم الملائكة أيضا وقد تجددوا هم أيضا في المسيح:
“بموجب العقيدة الموحاة إلهيا لدى آبائنا القديسين وتقليد الكنيسة الكاثوليكية الذي نعرف أنه تقليد الروح القدس الساكن فيها، لقد حددنا بكل يقين وحق، أن الصور المقدسة وكذلك رسوم الصليب الكريم المحيي، أيا كانت طريقة رسمها، بالفسيفساء أو بأي مادة أخرى يجب أن توضع فى كنائس الله المقدسة، وعلى الأواني والحلل المقدسة، وعلى الجدران واللوحات، فى البيوت وفى الطريق، سواء صورة ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح، أم صورة سيدتنا الفائقة الطهارة والقداسة والدة الإله وصور جميع الأبرار والقديسين”.
1162 ـ “جمال الصور وألوانها تحفز صلاتي. أنها عيد لعيني، كما أن مشهد الريف يدفع قلبي إلى تسبيح الله” مشاهدة الأيقونات المقدسة، المقرونة بتأمل كلمة الله وترنيم الأناشيد الليترجية، تنسجم مع رموز الاحتفال فينطبع السر المحتفل به في ذاكرة القلب وينعكس بعدئذ في حياة المؤمنين الجديدة.
3ً. متى نحتفل بالسر ؟
الزمن الليترجي
1163 ـ “إن أمنا الكنيسة المقدسة تحسب من صلاحيتها الاحتفال بالعمل الخلاصي الذي أجراه عروسها الإلهي، وذلك في ذكرى مقدسة تحييها فى أيام معينة على مدّ السنة وطولها فكل أسبوع، فى اليوم الذي دعته “يوم الرب”، تحيي ذكرى قيامة الرب التى تحتفل به أيضا مرة فى السنة، كما تحتفل بذكرى آلامه المحيية فى الاحتفال الفصحى الأعظم. وهى تبسط سر المسيح كله على مدار السنة (…) وفيما تحتفل هكذا بأسرار الفداء، تفتتح للمؤمنين كنوز فضائل ربها واستحقاقاته، فكأن تلك الأسرار قد أصبحت أبداً حاضرة لديهم يحتكون بها ويمتلئون من نعمة الخلاص”.
1164 ـ لقد عرف شعب الله، منذ عهد الشريعة الموسوية، أعياداً ثابتة تبدأ من الفصح لإحياء ذكرى عجائب الله المخلص، وتأدية الشكر عليها، وتخليد ذكرها، وتدريب الأجيال الصاعدة على أن يسلكوا بموجبها. فى زمن الكنيسة. الممتد بين فصح المسيح الذي تم مرة واحدة وانقضائه فى ملكوت الله، تحمل الليترجيا التي يحتفل بها في أيام معينة طابع الهبة النابعة من سر المسيح.
1165 ـ عندما تحتفل الكنيسة بسر المسيح تستعمل لفظة تتردد دوماً فى صلاتها “اليوم!”، “وما ذلك سوى صدى” للصلاة التى تعلمتها من سيدها، ولنداء الروح القدس. هذا “اليوم”، يوم الإله الحي الذي يدعى الإنسان إلى ولوجه، هي “ساعة” فصح يسوع التي تخترق التاريخ كله وتحمله.
“الحياة شملت جميع الكائنات وقد امتلأت كلها نوراً عميماً، مشرق المشارق يجتاح البسيطة، ومن هو “قبل كوكب الصبح” وقبل النيرات، الخالد الذى لا حد له، المسيح الأكبر يشرق على جميع الكائنات أكثر من الشمس. ولذا فنحن المؤمنين به يبزغ علينا نهار من االنور، طويل وأبدي لا يغرب أبداً: إنه الفصح السري“
يوم الرب
1166 ـ “تمشياً مع تقليد رسولي يرتقي بجذوره إلى اليوم نفسه الذي قام فيه المسيح تحتفل الكنيسة بالسر الفصحي في كل يوم ثامن وهو يسمى بحق يوم الرب أو اليوم الرباني (يوم الأحد) يوم قيامة المسيح هو في آن واحد آول يوم من الآسبوع وهو تذكار اليوم الآول من الخليقة واليوم الثامن الذي فيه بدآ المسيح من بعد أن استراح راحة السبت العظيم اليوم الذي صنعه الرب والنهار الذي لا مساء له مائدة الرب هي محور هذا النهار فية تلتقي جماعة المؤمنين كلها الرب القائم من بين الأموات الذي يدعوهم إلى وليمته: “يوم الرب أو يوم القيامة أو يوم المسيحيين هو يومنا ولذا دعي يوم الرب لأن السيد في ذلك اليوم صعد ظافرا إلى أبيه فإذا كان الوثنيون يدعونه يوم الشمس فنحن أيضا نعترف بذلك بملء الرضي لأنه اليوم بزغ نور العالم اليوم طلعت شمس البر حاملة لنا الخلاص بأشعتها”.
1167 – يوم الأحد هو اليوم المشهود للاجتماع الليترجي فيه يلتئم المؤمنون ليسمعوا كلمة الله ويشتركوا في الافخارستيا ويستعيدوا ذكرى آلام الرب يسوع وقيامته ومجدة ويؤدوا الشكر لله الذي على حسب رحمته الكثيرة ولدهم ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من بين الآموات (1 بط 1: 3) آيها المسيح عندما نتآمل العجائب التي صنعتها في يوم الآحد هذا يوم قيامتك المقدسة نقول تبارك يوم الآحد ففيه كان بدء الخليقة وخلاص العالم وتجديد الجنس البشري فية جذلت السماء والآرض معا والخليقة امتلات نورا تبارك يوم الىحد ففيه انفتحت آبواب الفردوس ليدخله آدم بلا خوف وجميع المنفيين معه.
السنة الليترجية
1168 – إنطلاقا من الثلاثية الفصحية كما من نبع نوراني يملأ الزمن القيامي الجديد كل السنة الليتورجية بأضوائه وتتجلي السنة شيئا فشيئا انطلاقا من هذا الينبوع أنها حقا سنة نعمة عند الرب لا شك أن تدبير الخلاص يعمل في إطار الزمن ولكن منذ أن تحقق الخلاص بفصح يسوع وحلول الروح القدس بلغنا لقضاء الدهر قبل أوانه واستبقنا مذاقه وولج ملكوت الله في زماننا
1169 – ليس الفصح من ثم عيدا بين أعياد إنه عيد الأعياد وموسم المواسم كما إن الافخارستيا هي سرالأسرار (السر الأعظم) ويدعوه القديس اثناسيوس الأحد الكبير كما إن الأسبوع المقدس يدعي في الشرق الأسبوع العظيم إن سر القيامة الذي به داس المسيح الموت يدخل في مطاوي زمننا العتيق قوته المقتدرة إلى إن يخضع له كل شيء
1170 – في مجمع نيقية (سنة 325) أجمعت الكنائس كلها على أن يحتفل بالفصح المسيحي نهار الأحد بعد البدر (14 نيسان) الذي يلي الاعتدال الربيعي بسبب الطرق المختلفة المستعملة لحساب يوم 14 نيسان لا يقع تاريخ الفصح في الكنائس الغربية والشرقية دوما في اليوم عينه لذلك تسعى هذه الكنائس اليوم إلى اتفاق للتوصل ثانية إلى الاحتفال بعيد قيامة الرب في تاريخ موحد
1171 – السنة الليترجية هي امتداد السر الفصحي في مختلف وجوهه ويصح هذا على الأخص في دورة الأعياد التي تكتف سر التجسد (البشارة، الميلاد، الظهور) والتي تحي ذكرى بدء خلاصنا وتزودنا ببواكير سر الفصح.
سنكسار السنة الليترجية
1172 –إذ تحتفل الكنيسة المقدسة بأسرار المسيح في هذا المدار السنوي تكرم بمحبة خاصة لطوباوية مريم والدة الإله المتحدة بابنها في عمل الخلاص اتحادا وثيقا ففيها ترى الكنيسة بإعجاب وتعظيم ثمرة الفداء السامية وتتأمل بغبطة كما في صورة نقية جدا ما تشتهي وتأمل إن تحققة في كامل ذاتها
1173 – عندما تحيي الكنيسة في المدار السنوي ذكرى الشهداء وسائر القديسين فهي تعلن السر الفصحي في الذين واللواتي تألموا مع المسيح ونالوا المجد معه وتقدمهم للمؤمنين مثلا تجذبهم جميعا إلى الآب بالمسيح وتنال باستحقاقاتهم مواهب اله
ليترجيا الساعات
1174 – إن سر المسيح سر تجسده وفصحه الذي نحتفل به في الافخارستيا ولا سيما في محفل الأحد يداخل الزمن اليومي بإقامة ليترجيا الساعات أي الفرض الإلهي هذا الاحتفال الذي نقيمه امتثالا لتوصيات الرسل بأن نصلي بلا ملل قد وضع وضعا يتكرس معه مجري النهار والليل كله لمديح الله الفرض الإلهي هو صلاة الكنيسة العامة فيها يمارس المؤمنون (اكليروسا ورهبانا وعلمانين) الكهنوت الملكي الذي ينبع من معموديتهم إن ليترجيا الساعات إذ تم الاحتفال بها في الصفة التي وافقت عليها الكنيسة هي حقيقة صوت العروس نفسها تخاطب عريسها بل هي إلى ذلك صلاة المسيح مع جسده إلى الآب
1175 – ليترجيا الساعات تهدف إلى أن تصير صلاة شعب الله برمته بها يواصل المسيح نفسه ممارسة وظيفته الكهنوتية بواسطة كنيسته كل واحد يشارك فيها بحسب مكانته الخاصة في الكنيسة وظروف حياته الكهنة على أنهم متفرغون للخدمة الراعوية ومدعوون إلى أن يظلوا مثابرين على الصلاة وخدمة الكلمة والرهبان والراهبات من منطلق موهبة حياتهم المكرسة والمؤمنون كلهم بحسب إمكاناتهم ليحرص الرعاة الروحيون على أن يحتفل في الكنيسة بالساعات الرئيسة ولا سيما صلاة المساء بطريقة مشتركة وذلك في أيام الآحاد والأعياد الاحتفالية ويحرص العلمانيون أنفسهم على تلاوة الفرض الإلهي مع الكهنة أو في اجتماعاتهم الخاصة أو كلا على انفراد
1176 – الاحتفال بليترجيا الساعات يقتضى لا تناغم الصوت والقلب المصلى وحسب، بل ” تحصيل معرفة أوسع لليترجيا وللكتاب المقدس، ولا سيما المزامير “.
1177 ـ تسابيح صلاة الساعات وطلباتها تدخل صلاة المزامير في زمن الكنيسة، معبرة عن رمزية لحظة النهار، والزمن الليترجى أو العيد المحتفل به، أضف إلى ذلك إن تلاوة كلمة الله في كل ساعة (مع الردات والطروباريات التي تليها) وتلاوة نصوص من الآباء والمعلمين الروحيين، في بعض الساعات، تجلان، بطريقة أعمق، معنى السر المحتفل به، وتساعدان في فهم المزامير، وتمهدان للتأمل الصامت. التلاوة الإلهية، حيث نقرأ كلمة الله ونتمعن فيها لتصبح صلاة، تتأصل هكذا في الاحتفال الليترجي .
1178 ـ ليترجيا الساعات التي هي شبه امتداد للاحتفال الافخارستي، لا تنفي بل تستدعي، على سبيل التكامل، ما يقوم به شعب الله من أعمال تقوية متنوعة ولا سيما السجود والتعبد للقربان المقدس .
أين يتم الاحتفال بالسر ؟
1179 ـ العبادة ” بالروح والحق ” (يو 4: 24) في العهد الجديد، لا تتقيد بمكان دون آخر فالأرض كلها مقدسة وموكولة إلى أبناء البشر. فما هو أول، عندما يجتمع المؤمنين في مكان واحد، غنما هو “الحجارة الحية “الملتئمة” لبناء بيت روحاني” (1 بط 2: 5). جسد المسيح الناهض هو الهيكل الروحي، منه ينجس ينبوع الماء الحي. وبما أننا مندمجون في المسيح بالروح القدس فإنما نحن “هيكل الله الحي” (2 كو 6: 16) .
1180 ـ حيث ممارسة الحرية الدينية لا قيود لها، يشيد المسيحيون أبنية معدة للعبادة الإلهية هذه الكنائس المرئية ليست فقط مجرد أمكنة للتجمع بل هي رمز الكنيسة القاطنة في هذا المكان، وتظهرها مسكنا لله مع الناس المصالحين والموحدين في المسيح .
1181 ـ “إن بيت الصلاة الذي يحتفل فيه بالافخارستيا وفيه تحفظ، ويجتمع المؤمنون فيه، ويكرم فيه ابن الله مخلصنا، المقرب لأجلنا على المذبح، الحاضر سندا للمسيحيين ومشجعاً، يجب أن يكون جميلاً وأهلاً للصلاة والاحتفالات الافخارستية” في “بيت الله” هذا، يجب أن يظهر المسيح الحاضر والعامل فيه، من خلال العلامات الحسية في حقيقتها وتناغمها:
1182 ـ مذبح العهد الجديد هو صليب الرب الذي منه تنبع أسرار السر الفصحي على المذبح وهو النقطة المركزية في الكنيسة، يحقق حضور ذبيحة الصليب تحت العلامات السرية وهو أيضا مائدة الرب التى يدعى اليها شعب الله. وفي بعض الليترجيات الشرقية يعتبر المذبح رمزاً للقبر (المسيح الذي مات حقاً ونهض حقاً من بين الأموات) .
1183 ـ بيت القربان يجب أن يوضع في ” أليق مكان في الكنائس، محاطاً بأعظم الأكرام ” كرامة بيت القربان ووضعه وأمانة يجب أن تشجع المؤمنين على عبادة الرب الحاضر حقاً في سر المذبح المقدس .
زيت التثبيت (أو الميرون) الذي ترمز المسحة به إلى ختم موهبة الروح القدس، يحفظ تقليداً مع شعائر الاجلال في موضع أمين في المقدس، ويمكن أن يضم إليه زيت الموعوظين وزيت المرضى
1184 ـ كرسي الأسقف (الكاتدرا) أو الكاهن ” يجب أن يشعر بوظيفة من رئيس الاجتماع ويؤم الصلاة ” .
المنبر: ” كرامة كلمة الله تقضى بأن يقام في الكنيسة موضع يساعد في إعلان هذه الكلمة. وإليه يتجه عفوياً انتباه المؤمنين، أثناء ليترجيا الكلمة “.
1185 ـ تجمع شعب الله يبدأ بالمعمودية. يجب أن يقام إذن في الكنيسة مقام للاحتفال بالمعمودية (جرن المعمودية) ويشجع المؤمنين على أن يتذكروا وعود المعمودية (الماء المقدس) .
تجديد الحياة بالمعمودية يتطلب التوبة فعلى الكنيسة أن تشجع المؤمنين على التعبيرعن توبتهم وتقبل الغفران وهذا يستلزم مكانا لاستقبال التائبين .
ويجب أن تكون الكنيسة حيزاً يستدعى التخشع والصلاة الصامتة التي هى امتداد لللصلاة الافخارستية وعودة بها إلى الباطن .
1186 ـ وتنطوى الكنيسة أخيرً على معنى أخروى فدخول بيت الله يفترض اجتياز عتبة هى رمز العبور من العالم المثحن بالخطيئة الى عالم الحياة الأبدية التي دعي إليها الناس أجمعون فالكنيسة المرئية ترمز الى البيت الأبوي الذي يشخص إليه شعب الله، وحيث ” يمسح الأب كل دمعة من عيونهم ” (رؤ 21: 4). من هنا أن الكنيسة هى أيضا بيت أبناء الله كلهم، تفتح لهم على مصراعيها وترحب بههم .
بإيجاز:
1187 ـ الليترجيا هي عمل المسيح كله برأسه وجسده حبرنا الأعظم لا يكف عن الاحتفال بها في الليترجيا السماوية بشفاعة والدة الإله القديسة والرسل وجميع القديسين وحشد الناس الذين دخلوا الملكوت .
1188 ـ في كل احتفال ليترجى، الجماعة كلها ” تقييم الليترجيا “، كل بحسب وظيفته الكهنوت العمادي يشمل جسد المسيح بأجمعه، ولكن بعض المؤمنين يمنحنون سر الكهنوت ليمثلوا المسيح بصفته رأس الجسد .
1189 ـ يتضمن الاحتفال الليترجى علامات ورموزاً تمت إلى الخليقة (النور، الماء، النار )9، وإلى الحياة البشرية (الغسل، المسح بالزيت، كسر الخبز) والى تاريخ الخلاص (شعائر الفصح) هذه العناصر الكونية ، وهذه الطقوس البشرية، وهذه المآثر التى تذكرنا بالله، إذا اندمجت في عالم الإيمان، وتبنتها قوة الروح القدس، أصبحت آنية تحمل عمل المسيح المخلص والمقدس .
1190 ـ ليترجيا الكلمة جزء لا يتجزأ من الاحتفال. معنى الاحتفال يعبر عنه إعلان كلمة الله من جهة والتزام المؤمنين لها من جهة اخرى .
1191 ـ الترنيم والموسيقى مرتبطان ارتباطا وثيقاً بالعمل الليترجى: مقاييس حسن استعمالها هى: جمال الصلاة التعبيرية، واشتراك الجماعة بأجمعها ، وقدسية الطابع الاحتفالي .
1192 ـ الصور المقدسة في كنائسنا وبيوتنا تهدف إلى إيقاظ إيماننا بسر المسيح وتغديته، فنحن إنما نعبد المسيح من خلال إيقونته وأعماله الخلاصية ومن خلال الصور المقدسة التي تمثل والدة الإله القديسة والملائكة والقديسين نجل الأشخاص الذين تمثلهم ..
1193 ـ يوم الأحد ” يوم الرب “، هو اليوم الأهم للاحتفال بالافخارستيا لأنه يوم القيامة هو يوم المحفل الليترجي المميز، يوم الأسرة المسيحية، يوم الفرح والاستراحة من العمل إنه ركيزة السنة الليترجية كلها ونواتها “.
1194 ـ الكنيسة ” تبسط سر المسيح كله على مدار السنة، من التجسد والميلاد إلى الصعود إلى يوم العنصرة وإلى انتظار الرجاء الصالح ومجىء الرب ” .
1195 ـ إن الكنيسة الأرضية، إذ تحى ذكرى القديسين وفى طليعتهم والدة الإله القديسة ثم الرسل والشهداء وسائر القديسين، في ايام معينة من السنة الليتررجية، تعلن أنها متحدة بالليترجيا السماوية: إنها تمجد المسيح الذي أجرى خلاصه في أعضائه الممجدة وهم يحثونها بمثالهم، في طرقها إلى الله .
1196 ـ المؤمنون الذين يحتفلون بليترجيا الساعات يتحدون بالمسيح حبرنا الأعظم بصلاة المزامير وتأمل كلمة الله، والأناشيد والتسابيح، لكي يشتركوا في صلاة الدائمة الشاملة التى ترفع المجد إلى الآب وتستنزل موهبة الروح القدس على العالم بأسره .
1197 ـ المسيح هو هيكل الله الحقيقى، ” والموضع الذي يستقر فيه مجده “؛ بنعمة الله يصير المسيحيون، هم أيضا، هياكل الروح القدس والحجارة الحية التي تبنى بها الكنيسة .
1198 ـ الكنيسة، في حالتها الأرضية، بحاجة إلى أمكنة تلتئم فيها الجماعة وهى كنائسنا المرئية: أماكن مقدسة، رموزا المدينة المقدسة، أورشليم السماوية التى نشخص إليها حجاجاً .
1199 ـ في هذه الكنائس تقيم الكنيسة شعائر العبادة العامة، لمجد الثالوث القدوس، وفيها تسمع كلمة الله وتترنم بتسابيحه وترفع صلاتها وتقرب ذبيحة المسيح الحاضر سريا وسط الجماعة. هذه الكنائس هى أيضا أمكنة للتخشغ والصلاة الشخصية .
المقال الثاني :تنوع ليترجى ووحدة في السر
التقاليد الليترجية وشمولية الكنيسة
1200 – منذ عهد جماعة أورشليم الأولى وإلى أن يأتي المسيح تحتفل كنائس الله الوفية للإيمان بذات السر الفصحي في كل مكان فالسر الذي تحتفل به الليترجيا واحد ولكن طرق الاحتفال به متنوعة
1201 – إن ثروة سر المسيح لا يسبر غورها ولا يستطيع أي تقليد ليترجي أن يستنفد مؤداها تاريخ هذه الطقوس في نشاتها تطورها دليل تكامل مدهش عندما مارست الكنائس هذه التقاليد الليترجية في شركة الإيمان وأسرار الإيمان أغنت بعضها بعضا ونمت في الأمانة لما هو مشترك للكنيسة جمعاء من تراث ورسالة
1202- التقاليد الليترجية على أنواعها نشأت بدافع من الرسالة الكنسية نفسها فالكنائس القائمة على نفس الرقعة الجغرافية والثقافية توصلت إلى الاحتفال بسر المسيح من خلال تعابير خاصة لها طابعها الثقافي في تراث وديعة الإيمان في الرمزية الليترجية في تنظيم الشركة الأخوية في الاطلاع اللاهوتي على الأسرار وفي نماذج قداسة هكذا يتجلي المسيح وهو نور الشعوب طراً وخلاصها، عبر الحياة الليترجية في كنيسة ما، للشعب وللثقافة اللذين أرسلت إليهما وفيهما تجذرت فالكنيسة كنيسة جامعة، بإمكانها أن تستوعب، ضمن وحدتها، كل الثروات الثقافية الحقيقة وتطهرها .
1203 ـ التقاليد الليترجية أو الطقوس المستعملة اليوم في الكنيسة هى الطقس اللاتيني (خصوصاً الرومانى، يضاف إليه طقوس بعض الكنائس المحلية، كالطقس الامبروسى أو بعض المؤسسات الرهبانية)، والطقس البيزنطى والاسكندرى , القبطى، والسريانى، والأرمني، والماروني والكلداني ” إن المجمع المقدس، في مراعاته للتقليد بأمانة، يعلن أن الكنيسة الأم المقدسة تعبر جميع الطقوس المعترف بها شرعاً متساوية في الحقوق والكرامة، وتريد للمقبل من الأيام أن تحافظ عليها وتعزز شأنها بجميع الطرائق “.
الليترجيا والثقافات
1204 ـ الاحتفال بالليترجيا يجب إذن أن يتماشى مع عقبرية مختلف الشعوب وثقافتها ” فلكي يبلغ سر المسيح إلى جميع الشعوب … فتدين له بالايمان ” (رو 16: 26)، لابد من أن يعلن هذا السر ويحتفل به ويعاش في جميع الثقافات، بحيث لا تلغى بل تفتدى وتتحقق به. هذه الثقافة البشرية الخاصة، إذا تبناها المسيح وطهرها هي التي تدخل جماهيرأبناء الله إلى عند الآب، لتمجده بروح واحد .
1205 ـ ” في الليترجيا، ولا سيما ليترجيا الأسرار، قسم لا يقبل التغير، لأنه من وضع إلهي، تسهر الكنيسة عليه، وأقسام تقبل التغيير، يحق للكنيسة بل يجب عليها أحياناً أن تكيفها، بحكم ثقافات الشعوب الداخلة حديثاً في طاعة الإنجيل “.
1206 ـ ” التنوع الليترجى قد يكون مصدر غنى روحي، كما يمكن أن يمسى سبب مشادات وسوء تفاهم وشقاقات أيضا. في هذا المجال، من الواضح أن التنوع يجب ألا يسىء إلى الوحدة ولا يستطيع، من ثم، إلا أن يعبرعن التمسك بالإيمان المشترك وبالعلامات الأسرارية التي ورثتها الكنيسة من المسيح، والشركة الإيرخية. التكيف مع الثقافات يتطلب توبة القلب، وإذا اقتضى الأمر، التخلي عن عادات عريقة لا تنسجم مع الإيمان الكاثوليكي “.
بإيجاز:
1207 ـ يستحسن السعي، في الاحتفال الليترجي، إلى استعمال ثقافة الشعب الذي تقيم فيه الكنيسة، وسيلة للتعبير بدون التقيد بهذه الثقافة. والليترجيا، من جهة أخرى هي نفسها مولدة ثقافات ومهذبتها .
1208 ـ التقاليد الليترجية أو الطقوس، على اختلافها، إذا حظيت باعتراف شرعي، تظهر شمولية الكنيسة من حيث أنها تعبر عن سر المسيح الواحد وتبلغه .
1209 ـ القاعدة التى تكفل للتقاليد الليترجية وحدتها ضمن التنوعية هى الأمانة للتقليد الرسولي أي الشركة في الإيمان والأسرار الموروثة من الرسل، تلك الشركة التي تعبر عنها الخلافة الرسولية وتضمنها.
Discussion about this post