القسم الثاني
الوصايا العشر
“يا معلم، ماذا علي أن أفعل…؟”
2052- “يا معلم، ماذا علي أن أفعل من الصلاح لأحرز الحياة الأبدية؟” أجاب يسوع الشاب الذي طرح عليه هذا السؤال، أولا بالتذكير بضرورة الاعتراف بالله أنه “الصالح وحده”، أنه الخير الأسمى، وينبوع كل خير. ثم قال له يسوع: “إن شئت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا”. وذكر لمحدثه الوصايا المتعلقة بمحبة القريب: “لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمك”، وأخيرا لخص يسوع تلك الوصايا على نحو إيجابي: “أحبب قريبك كنفسك” (متى 19: 16-19).
2053- إلى هذا الجواب الأول أضاف جوابا ثانيا: “إن شئت أن تكون كاملا، فاذهب وبع ما لك، وأعطة للمعوزين، فيكون لك كنز في السماوات؛ ثم تعال اتبعني” (متى 21:19). وهو لا يلغي الجواب الأول. فاتباع يسوع المسيح يقتضي حفظ الوصايا. والشريعة لم تبطل ، ولكن الإنسان مدعو إلى أن يجدها في شخص معلمة الذي هو تحقيقها الكامل. في الأناجيل الثلاثة الازائية، تقارب دعوة يسوع الشاب الغني إلى اتباعه في طاعة التلميذ وحفظ الفرائض، الدعوة غلى الفقر والطهارة . فالمشورات الإنجيلية لا تنفصل عن الوصايا.
2054- لقد أعاد يسوع الوصايا العشر، ولكنه أظهر قوة الروح القدس العاملة في حرفها. لقد كرز بالبر الذي يزيد على ما للكتبة والفريسيين وما للوثنيين . وبسط كل ما تقتضيه الوصايا: “سمعتم أنه قيل للأقدمين: لا تقتل… أما أنا فأقول لكم: إن كل من غضب على أخيه يستوجب المحاكمة” (متى 5: 21-22).
2055- عندما يطرح عليه السؤال: “ما أعظم الوصايا في الناموس؟” (متى 36:22)، يجيب يسوع: “أحبب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل ذهنك، هذه هي الوصية الكبرى والأولى. والثانية تشبهها: أحبب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء” (متى 22: 37-40) . فالوصايا العشر يجب أن تشرح في ضوء هذه الوصية المزدوجة الواحدة، وصية المحبة، كمال الشريعة:
“إن هذه الوصايا: “لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تشته”، وكل وصية أخرى تلخص في هذة الكلمة: “أحبب قريبك كنفسك”. إن المحبة لا تصنع بالقريب شرا، فالمحبة إذن هي تمام الناموس” (رو 13: 9-10).
الوصايا العشر في الكتاب المقدس
2056- تعني كلمة “الوصايا العشر” حرفيا “كلمات عشر” (خر 34: 28؛ تث 4: 13؛ 4:10). هذة الكلمات العشر أوحى بها الله إلى شعبه في الجبل المقدس. لقد كتبها “بإصبعه” بخلاف الفرائض الأخرى التي كتبها موسى . إنها كلمات الله بوجه ممتاز، نقلت إلينا في سفر الخروج ، وفي سفر تثنية الاشتراع . والكتب المقدسة منذ العهد القديم ترجع إلى “الكلمات العشر” ، ولكن معناها الكامل إنما كشف عنه في العهد الجديد بيسوع المسيح.
2057- تفهم الوصايا العشر أولا في قرينة الخروج، الذي هو حدث الله التحريري الكبير وسط العهد القديم. وسواء اتخذت صيغة فرائض سلبية ناهية، أو صيغة وصايا إيجابية (مثل: “أكرم أباك وأمك”)، “فالكلمات العشر” تبين شروط حياة محرزة من عبودية الخطيئة. الوصايا العشر هي طريق حياة:
“إن أحببت إلهك، وسرت في طرقه، وحفظت وصاياه ورسومه وأحكامه، تحيا وتكثر” (تث 15:5).
قوة الوصايا العشر التحريرية هذة تظهر مثلا في وصية راحة السبت الموجهة أيضا إلى الغرباء والعبيد:
“أذكر أنك كنت عبدا في أرض مصر فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد قديرة وذراع مبسوطة” (تث 15:5).
2058- “الكلمات العشر” تختصر وتعلن شريعة الله: “هذه الكلمات كلم الرب بها جماعتكم كلها في الجبل من وسط النار والغمام والدجن بصوت عظيم، ولم يزد، وكتبها على لوحي الحجر ودفعها إلي” (تث 22:5). فهي تحوي بنود العهد الذي أقيم بين الله والشعب. و “ألواح الشهادة” هذه (خر 18:31؛ 15:32؛ 29:34) يجب أن تودع في “التابوت” (خر 16:25؛ 40: 1-2).
2059- نطق الله “بالكلمات العشر” وسط ظهور إلهي (“في الجبل، من وسط النار، كلمكم الرب وجها لوجه” : تث 4:5). إنها تخص ما كشفه الله عن ذاته وعن مجده . فعطية الوصايا هي عطية الله نفسه ومشيئته القدوسة. والله يكشف عن نفسه لشعبه عندما يعرف مشيئته.
2060- عطية الوصايا والشريعة جزء من العهد الذي قطعه الله مع شعبه. وبحسب سفر الخروج، فإن الكشف عن “الكلمات العشر” تم بين عرض العهد وبته ، بعد أن التزم الشعب “بفعل” كل ما تكلم به الرب و “الائتمار” به . ولم تنقل الوصايا العشر أبدا إلا بعد التذكير بالعهد (“إن الرب إلهنا قد بت معنا عهدا في حوريب”: تث 2:5).
2061- تتخذ الوصايا كامل معانيها في صميم العهد. فبحسب الكتاب، يتخذ تصرف الإنسان الأخلاقي كامل معناه في العهد وبه. والأولى بين “الكلمات العشر” تذكر بحب الله الأول لشعبه:
“بما أنه كان هناك لمعاقبة الخطيئة مرور من فردوس الحرية إلى عبودية هذا العالم، لذلك أول عبارة من الوصايا العشر، أول كلمة من وصايا الله، تتناول الحرية: “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية” (خر 2:20؛ تث 6:5)”
2062- الوصايا بالمعنى الدقيق تأتي في المرتبة الثانية. وتعبر عن مقتضيات انتمائنا الذي أقامه العهد الى الله. والوجود الأخلاقي هو جواب عن مبادرة الرب المحبة. إنها حمد وإجلال لله، وعبادة شكر، غنها مساهمة في ما لله من تدبير في التاريخ.
2063- يثبت أيضا العهد والحوار بين الله والإنسان كون جميع الواجبات معلنة بصيغة المتكلم (“أنا الرب…”) وموجهة إلى شخص آخر (“أنت”). في جميع وصايا الله يعين ضمير مفرد من توجه إليه. فالله يعلم بإرادته في آن واحد جميع الشعب وكل واحد خصوصا:
“لقد فرض الرب المحبة تجاه الله، وعلم العدل تجاة القريب، حتى لا يكون الإنسان ظالما أو غير أهل لله. وهكذا كان الله بالوصايا العشر يهيىء الإنسان ليصير صديقه، ولكي يكون له مع القريب قلب واحد. (…) وكلمات الوصايا العشر باقية كذلك عندنا (نحن المسيحيين). وهي ليس فقط لم تبطل بل إنها كبرت ونمت من جراء مجيء الرب في الجسد” .
الوصايا العشر في تقليد الكنيسة
2064- إن تقليد الكنيسة الأمين للكتاب والمتع مثل يسوع قد اعترف للوصايا العشر بأهمية ومدلول أساسيين.
2065- فمنذ القديس أوغسطينوس كان “للوصايا العشر” مكانة راجحة في التعليم الديني الذي يلقى على من سيعمد وعلى المؤمنين. وفي القرن الخامس عشر درج الناس على التعبير عن فرائض الوصايا العشر بصيغ مشجعة، سهلة الحفظ وإيجابية. ولا تزال قيد الاستعمال اليوم. وكتب التعليم الديني في الكنيسة كثيرا ما بسطت الأخلاقية المسيحية بحسب ترتيب “الوصايا العشر”.
2066- تقسيم الوصايا وترقيمها تغير من خلال التاريخ. وكتاب التعليم الديني هذا يتبع تقسيم الوصايا الذي وضعه القديس أوغسطينوس، وأصبح تقليديا في الكنيسة الكاثوليكية. وهو نفسه قائم في الجماعات اللوثرية. وقد أجرى الآباء اليونانيون تقسيما يختلف بعض الاختلاف، وهو قائم في الكنائس الأرثوذكسية وجماعات الإصلاح.
2067- تعلن الوصايا العشر مطالب محبة الله والقريب. الثلاث الأولى أكثر تعلقا بمحبة الله، والسبع الأخرى بمحبة القريب.
“بما أن المحبة تتضمن فريضتين يتعلق بها الناموس كلة والأنبياء (…)، فهكذا تقسم الفرائض العشر نفسها إلى لوحين، كتبت ثلاث على الواحد وسبع على الآخر” .
2068- يعلم المجمع التريدنتيني أن الوصايا العشر تلزم المسيحيين وإن الإنسان المبرر ملزم بحفظها . ويؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني: “إن الأساقفة خلفاء الرسل تسلموا من الرب (…) الرسالة بأن يعلموا جميع الأمم، ويبشروا بالإنجيل كل خليقة، لكي ينال جميع الناس، بالإيمان والمعمودية والعمل بالوصايا، خلاصهم” .
وحدة الوصايا العشر
2069- تؤلف الوصايا العشر كلا لا يتجزأ. وكل “كلمة” ترجع إلى كل واحدة أخرى وإليها جميعا؛ وهي مترابطة بعضها ببعض. واللوحان ينير أحدهما الآخر؛ وهما يؤلفان وحدة عضوية. ومخالفة أي وصية مخالفة لها كلها . فلا يمكن إكرام الآخرين دون مباركة الله خالقهم. ولا تمكن عبادة الله دون محبة جميع الناس خلائقه. إن الوصايا العشر توحد حياة الإنسان اللاهوتية وحياته الاجتماعية.
الوصايا العشر والشريعة الطبيعية
2070- الوصايا العشر هي من وحي الله. وهي تعلمنا، في الوقت ذاته، إنسانية الإنسان الحقيقية. إنها توضح الواجبات الأساسية، وبالتالي، بوجه غير مباشر، الحقوق الأساسية المتصلة بطبيعة الشخص البشري. فالوصايا العشر تحوي تعبيرا مميزا عن “الشريعة الطبيعية”:
“كان الله منذ البدء قد غرس في قلب البشر فرائض الشريعة الطبيعية. واكتفى بادىء الأمر بتذكيرهم بها. فكانت الوصايا العشر- التي إن لم يعمل بها الإنسان لا ينال الخلاص-، ولم يطلب شيئا آخر منهم” .
2071- الوصايا العشر، وإن كانت في متناول العقل، قد أوحى الله بها. فالبشرية الخاطئة كانت بحاجة إلى هذا الوحي لتبلغ معرفة كاملة وأكيدة لمقتضيات الشريعة الطبيعية:
“إن شرحا وافيا للوصايا العشر كان قد أضحى ضروريا في حالة الخطيئة، بسبب إظلام نور العقل وانحراف الإرادة” .
نعرف وصايا الله بالوحي الإلهي الذي تعرضه علينا الكنيسة، وبصوت الضمير الأخلاقي.
إلزام الوصايا العشر
2072- لأن الوصايا العشر تعبر عن واجبات الإنسان الأساسية تجاه الله وتجاه قريبه، فهي تبين في مضمونها الأولي واجبات خطيرة. إنها في جوهرها لا تقبل التغيير، وإلزامها ثابت أبدا وفي كل مكان. وليس في استطاعة أحد أن يعفى منها. لقد حفر الله الوصايا العشر في قلب كل كائن بشري.
2073- الطاعة للوصايا تتضمن أيضا واجبات مادتها في ذاتها خفيفة. فالشتيمة بالكلام مثلا تنهى عنها الوصية الخامسة، ولكنها لن تصبح خطيئة جسيمة إلا بالنظر غلى الظروف أو نية من يتلفظ بها.
“بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئا”
2074- قال يسوع: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان، من يثبت في وأنا فيه، فهو يأتي بثمر كثير؛ فإنكم بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئا” (يو 5:15). والثمر المذكور في هذا الكلام هو قداسة الحياة التي يخصبها الاتحاد بالمسيح. فعندما نؤمن بيسوع المسيح، ونشترك في أسراره ونحفظ وصاياه، يأتي المخلص بذاته ليحب فينا أباه وإخوته، وأبانا وإخوتنا. ويصبح شخصه، بفضل الروح القدس، القاعدة الحية والداخلية لعملنا. “هذه وصيتي: أن يحب بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا” (يو 12:15).
بإيجاز:
2075- “ماذا علي أن أعمل من الصلاح لأحرز الحياة الأبدية؟- إن شئت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا” (متى 19: 16-17).
2076- لقد أثبت يسوع، بسلوكه ووعظه، دوام الوصايا العشر.
2077- تمنح عطية الوصايا العشر في صميم العهد الذي قطعه الله مع شعبه. وتتخذ وصايا الله معناها الحقيقي في هذا العهد وبه.
2078- إن تقليد الكنيسة، الأمين للكتاب، والمتبع مثل يسوع، قد اعترف للوصايا العشر بأهمية ومدلول أساسيين.
2079- تؤلف الوصايا العشر وحدة عضوية، ترجع فيها كل “كلمة”، أو “وصية” إلى مجموعها. ومخالفة أي وصية مخالفة لها كلها .
2080- الوصايا العشر تحوي تعبيرا مميزا عن “الشريعة الطبيعية”. ونحن نعرفها بالوحي الإلهي والعقل البشري.
2081- تعلن الوصايا العشر، في مضمونها الأساسي، واجبات خطيرة. بيد أن إطاعة هذة الفرائض تتضمن أيضا واجبات مادتها في ذاتها خفيفة.
2082- ما يأمر به الرب يجعله بنعمته ممكنا.
الفصل الأول
“أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك”
2083- لقد اختصر يسوع واجبات الإنسان تجاه الله بهذا الكلام: ”أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك”(متى 22: 37) وهذا الكلام صدى مباشر للدعوة العظيمة :”اسمع يا اسرائيل :إن الرب إلهنا رب واحد(تث 6: 4).
الله أحب أولا .ومحبة الله الواحد تذكر بها أولى “الكلمات العشر”.والوصايا تشرح في ما بعد جواب المحبة المطلوب من الإنسان تأديته لإلهه.
المقال الأول
الوصية الأولى
“أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر،من دار العبودية .لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي .لا تصنع لك منحوتا ولا صورة شيء مما في السماء من فوق ولا مما في الأرض من أسفل ولا مما في المياه من تحت الأرض.لا تسجد لهن ولا تعبدهن”(خر 20: 2- 5) . “إنه مكتوب:للرب إلهك تسجد.وإياه وحده تعبد”(متى 4: 10).
1.”للرب إلهك تسجد وإياه تعبد”
2084- يعرف الله ذاته بالتذكير بفعله القدير والعطوف والمحرر في تاريخ من يتوجه إليه :”لقد أخرجتك من أرض مصر،من دار العبودية”(تث 5: 6) .والكلمة الأولى تتضمن أولى وصايا الشريعة :”للرب إلهك تسجد ،وإياه تعبد …لا تسيروا وراء آلهة أخرى “(تث 6: 13-14). فدعوة الله الأولى ومطلبه العادل هو أن يتقبله الإنسان ويعبده.
2085- لقد كشف الله الواحد والحقيقي عن مجده أولا لإسرائيل .والكشف عن دعوة الإنسان وحقيقته مرتبط بالكشف عن الله. فدعوة الإنسان هي أن يظهر الله بسلوكه سلوكا يتوافق مع خلقه “على صورة الله كمثاله”(تك1: 26).
“لن يكون هناك أبدا إله آخر، يا تريفون ،ولم يكن آخر،منذ القرون (…)سوى من صنع ونسق الكون. لا نفكر بأن إلهنا يختلف عن إلهكم .إنه هو هو الذي أخرج آباءكم من مصر “بيده القديرة وذراعه المبسوطة “.نحن لا ننوط بغيره رجاءنا ،وليس هناك غيره ،بل بإلهكم نفسه ،إله ابراهيم واسحق ويعقوب” .
2086- “الوصية الأولى تتناول الإيمان والرجاء والمحبة .فمن يتكلم على الله يتكلم على كائن دائم ،لا يتغير ،هو دائما ،أمين ، كامل العدالة .وينتج من ذلك أن علينا بالضرورة قبول كلامه ،ووضع إيمان وثقة كاملين فيه. ومن يستطيع أن لا يعلق عليه كل آماله؟ ومن يستطيع أن لا يحبه عندما يشاهد كنوز الجودة والحنان التي أفاضها علينا ؟من هنا العبارة التي يستعملها الله في الكتاب المقدس ،إما في بدء وصاياه وإما في ختامها: “أنا الرب” .
الإيمان
2087- تجد حياتنا الأخلاقية ينبوعها في الإيمان بالله الذي يكشف لنا محبته .ويتكلم القديس بولس عن “طاعة الإيمان” كالواجب الآول. ويبين أن “عدم معرفة الله” هو مبدأ كل الانحرافات الأخلاقية وشرحها .وإن واجبنا تجاه الرب هو أن نؤمن به وأن نشهد له.
2088- تتطلب منا الوصية الأولى أن نغذي إيماننا ونحفظه بفطنة وعناية ،وأن نقضي كل ما يعارضه .هناك طرائق متنوعة لارتكاب خطايا مخالفة للإيمان:
الشك الإرادي في الإيمان يهمل أو يرفض الاعتقاد بحقيقية ما أوحى به الله وتعرضه الكنيسة لنؤمن به. الشك غير الإرادي يعني التردد في الاعتقاد ،وصعوبة التغلب على الاعتراضات على الإيمان ،أو أيضا الجزع المتأتي من غموضه. وإذا غذي الشك عن عمد فهو قادر على أن يقود إلى عمى البصيرة.
2089- عدم الإيمان هو إهمال الحقيقية الموحى بها أو الرفض عمدا القبول بها.”البدعة (الهرطقة)هي الإنكار بإصرار،بعد قبول المعمودية ، لحقيقية يجب الإيمان بها إيمانا إلهيا وكاثوليكيا ، أو هي الشك بإصرار بتلك الحقيقية.والجحود (أو إنكار الإيمان) هو الرفض الكامل للإيمان المسيحي.والانشقاق هو رفض الخضوع للحبر الأعظم أو الشركة مع أعضاء الكنيسة الخاضعين له” .
الرجاء
2090- عندما يكشف الله عن ذاته ويدعو الإنسان ،لا يستطيع هذا الاستجابة استجابة كاملة لمحبة الله بقواه الذاتية .وعليه أن يرجوا الله منحه القدرة على محبته بالمقابل، وعلى السلوك بحسب وصايا المحبة. والرجاء هو الترقب الواثق للبركة الإلهية ولرؤية الله السعيدة. وهو أيضا خشبة إهانة محبة الله ، ونيل العقاب.
2091- والوصية الأولى تقصد أيضا الخطايا المخالفة للرجاء وهي اليأس والاعتداد المفرط بالنفس:
باليأس ينقطع الإنسان عن أن يترجى من الله خلاصية الشخصي ، والعون لبلوغه ، أو المغفرة لخطاياه .واليأس يتعارض مع جودة الله وعدالته –لأن الله أمين لعهوده ورحمته.
2092- وهناك نوعان من الاعتداد المفرط بالنفس: فإما أن يعتد الإنسان بإمكاناته (املا أن يستطيع الخلاص بدون العون من العلاء)، أو يعتد بقدرة الله ورحمته (املا الحصول على المغفرة بدون توبة، وعلى المجد بدون استحقاق).
المحبة
2093- الإيمان بمحبة الله يتضمن الدعوة إلى الاستجابة للمحبة الإلهية بمحبة صادقة، ووجوب ذلك .فالوصية الأولى تأمرنا بأن الله نحب الله أكثر من كل شيء ، والخلائق جميعا لأجله وبسببه.
2094- مخالفة محبة الله ممكنة بخطايا متنوعة: اللامبالاة تهمل أو ترفض تبصر المحبة الإلهية، وتتجاهل مبادرتها وتنكر قوتها. نكران الجميل يهمل أو يرفض الاعتراف بالمحبة الإلهية ومبادلة المحبة .الفتور هو تردد أو إهمال في الاستجابة للمحبة الإلهية ،وقد يتضمن رفض مسايرة حركة المحبة السام (اسيديا )أو الكسل الروحي يبلغ به الأمر إلى حد رفض الفرح الآتي من الله، وكراهية الخير الإلهي.الحقد على الله ينتج من الكبرياء .إنه يعارض محبة الله وينكر جودته ويدعي إلحاق اللعنة به، لكونه يحرم الخطايا وينزل العقوبات.
2.”إياه وحده تعبد”
2095- إن فضائل الإيمان والرجاء والمحبة الإلهية تولي الفضائل الأدبية صورتها وحياتها. وهكذا فالمحبة تحملنا على أن نعيد إلى الله ما له علينا بكل عدالة، بصفة كوننا خلائق. وفضيلة التدين تهيئنا لهذا المواقف.
العبادة
2096- العبادة هي العمل الأول من أعمال فضيلة التدين .وعبادة الله هي الاعتراف به إلها، وخالقا ،ومخلصا ، وربا وسيدا لكل ما هو موجود ،ومحبة لا متناهية ورحيمة.”للرب إلهك تسجد،وإياه وحده تعبد”(لو 4: 8)،هذا ما قاله يسوع مستشهدا بتثنية الاشتراع(تث 6:13).
2097- التعبد لله هو الاعتراف، في احترام وخضوع مطلقين ،”بعدم الخليقة” التي لا وجود لها إلا بالله .التعبد لله يقوم،على مثال مريم في نشيدها، بتسبيحه ،وتعظيمه ،والاتضاع أمامه، مع الاعتراف الشكور بأنه صنع عظائم وأن اسمه قدوس .التبعد الله الواحد يحرر الإنسان من الانطواء على ذاته ،ومن عبودية الخطيئة ،وعبادة العالم الصنمية.
الصلاة
2098- أفعال الإيمان والرجاء والمحبة التي تأمر بها الوصية الأولى تتم في الصلاة .ورفع الروح الى الله هو تعبير عن عبادتنا الله بصلاة التسبيح والشكر والاستشفاع والطلب.والصلاة شرط لا بد منه للتمكن من طاعة وصايا الله.”ينبغي أن نصلي في كل حين ولا نمل”(لو 18: 1).
الذبيحة
2099-إنه لحق إن نقدم الله ذبائح تعبيرا عن العبادة والشكر والطلب والشركة :”كل فعل يعمل للالتصاق بالله في الشركة المقدسة ،وللتمكن من السعادة إنما هو ذبيحة حقيقية ” .
2100-لا بد للذبيحة الخارجية ،كي تكون صادقة ،من أن تكون تعبيرا عن الذبيحة الروحية:”إنما الذبيحة الله روح منسحق”(مز 51: 19).لقد عاب مرارا أنبياء العهد القديم الذبائح التي تصنع دون مشاركة دخيلة ،أو دون علاقة بمحبة القريب .ويسوع ذكر بكلام النبي هوشع :”أريد الرحمة لا الذبيحة”(متى 9: 13، 12: 7) .الذبيحة الوحيدة الكاملة هي تلك التي قدمها المسيح على الصليب ، تقدمة كلية لمحبة الآب ولخلاصنا .ونستطيع باتحادنا بذبيحته أن نصنع من حياتنا ذبيحة الله.
وعود ونذور
2101-المسيحي مدعو في ظروف عدة إلى أن يعد الله وعودا، تتضمنها دائما المعمودية والمسح بالميرون، والزواج،والرسامة الكهنوتية .ويستطيع المسيحي ،بداعي العبادة الشخصية ،أن يعد الله بعمل ما،أو صلاة ،أو صدقة أو حج…والأمانة لما نعد به الله هي إبانه للاحترام الواجب للعزة الإلهية ،والمحبة الله الأمين.
2102-“النذر ،أي الوعد المعقود لله عن قصد واختيار بأمر ممكن ،يجب أن يقضى على أنه من موجبات الدين” . فالنذر عمل عبادة به يقدم المسيحي ذاته الله أو يعده بعمل صالح .وهو بإتمامه النذور يعيد إلى الله أذن ما وعده به وكرسه له. وأعمال الرسل تبين لنا أن القديس بولس كان حريصا على إتمام نذوره. .
2103-تعترف الكنيسة بقيمة مثالية للنذر القائمة على ممارسة المشورات الإنجيلية .
“تغتبط الكنيسة أمنا بأن يوجد في حضنها عدد كبير من الرجال والنساء ممن يريدون أن يقتفوا عن كثب آثار المخلص في تلاشيه،ويعلنوا هذا التلاشي بجلاء آوفى ،باعتناقهم ،في حرية آبناء الله،سنة الفقر،وتخليهم عن إرادتهم الذاتية :أي أنهم،رجالا ونساء،يخضعون لمخلوق بشري، من أجل الله، في شؤون الكمال إلى أبعد مما تقتضي الوصية ،ليكونوا أكثر تشبها بالمسيح الطائع .
في بعض الأحوال تستطيع الكنيسة لأسباب وافية الإعفاء من النذور والوعود .
واجب التدين الاجتماعي، والحق في الحرية الدينية.
2104-“على جميع الناس أن يطلبوا الحقيقية ، ولا سيما في ما يتعلق بالله وكنيسته ،حتى إذا ما عرفوها اعتنقوها وكانوا عليها محافظين” .هذا الواجب ناتج من “طبيعة البشر نفسها” .وهو لا يناقض “احتراما صادقا” للديانات المتنوعة التي “تحمل غير مرة قبسا من شعاع الحقيقية التي تنير جميع الناس ” ، ولا مقتض المحبة التي تحض المسيحيين على ”التحلي بالمحبة والفطنة والصبر في معاملة البشر الذين يعمهون في الضلال ،أو في جهل الحقيقية الإيمانية” .
2105-واجب تأدية عبادة حقيقية الله يلزم الإنسان فردا وجماعة .”هذا هو التعليم الكاثوليكي التقليدي في موضوع ما يقع على الأفراد والجماعات من واجب أدبي تجاه الديانة الحقيقية وكنيسة المسيح الواحدة” .والكنيسة ،بتبشيرها البشر دون انقطاع ، تعمل على أن يتمكن من”تلقيح الذهنية والأخلاقية والتشريع وبنى الجماعة التي تعيش فيها المرء، بلقاح الروح المسيحي” .وواجب المسيحيين الاجتماعي هو أن يحترموا في كل إنسان ويوقظوا فيه محبة الحقيقية والخير.وهو يتطلب منهم أن يعرفوا عبادة الدين الحقيقي الوحيد القائم في الكنيسة الكائوليكية الرسولية .المسيحيون مدعوون إلى أن يكونوا نور العالم .وهكذا تظهر الكنيسة ملكية المسيح على كل الخليقة وخصوصا على المجتمعات الشرية .
2106-“في أمور الدين لا يجوز لأحد أن يكره على عمل يخالف ضميره ،ولا أن يمنع من العمل ،في نطاق المعقول ،وفقا لضميره ،سواء كان عمله في السر أو في العلانية ،وسواء كان فرديا او جماعيا” .هذا الحق أساسه طبيعة الشخص البشري نفسها ،إذ تحمله كرامته على أن يعتنق بحرية الحقيقية الإلهية التي تسموا على النظام الزمني.لذالك “فهو باق حتى عند أولئك الذين لا يقومون بواجب تطلب الحقيقية واعتناقها” .
2107-“إذا قضت أحوال بعض الشعوب الخاصة بأن يعترف ،في النظام التشريعي المدني ، بإحدى الجماعات الدينية ،اعترافا مدنيا خاصا ،فلا بد ذاك من الاعتراف إيضا لجميع المواطنين وجميع الجماعات الدينية بالحق في الحرية الدينية واحترام ذلك الحق” .
2108-الحق في الحرية الدينية ليس الإباحة الأدبية باعتناق الضلال ولا الحق المفترض في الضلال ،وإنما هو الحق طبيعي للشخص البشري في الحرية المدنية ،أي الحصانة من الإكراه الخارجي ،ضمن حدود صحيحة، في الموضوع الديني ،من قبل السلطة السياسية .ويجب أن يعترف بهذا الحق الطبيعي في النظام القانوني للمجتمع بحيث يكون حقا مدنيا .
2109-الحق في الحرية الدينية لا يمكن أن يكون في ذاته بلا حدود ،ولا محدودا فقط “بنظام عام”ذي مفهوم وضعي أو طبيعي و”الحدود الصحيحة”الملازمة له يجب ان تحددها في كل وضع اجتماعي الفطنة السياسية بحسب مقتضيات الخير العام،وإن تثبتها السلطة المدنية “على سنن القواعد القانونية الموافقة للنظام الأدبي الموضوعي” .
3- “لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي”
2110-الوصية الأولى تمنع إكرام آلهة أخرى غير الرب الواحد الذي أظهر ذاته لشعبه .وهي تحرم الخرافات وإنكار الدين . والخرافة تكون نوعا من المغالاة الخبيثة في الدين ، وإنكار الدين عيب يتعارض وفضيلة الدين بانتقاصها.
Discussion about this post