اخلاقية الافعال البشرية
1749- ان الحرية تجعل من الانسان كائنا اخلاقيا. وعندما يفعل الانسان فعلا عن روية يكون كالاب لافعاله. والافعال البشرية، أي تلك التي يختارها الانسان بحرية، بعد ان يحكم فيها الضمير، هي ذات صفة اخلاقية. انها صالحة او سيئة .
1. مصادر الاخلاقية
1750- اخلاقية الافعال البشرية منوطة :
– بالموضوع المختار .
– بالغاية المقصودة او النية .
– بظروف الفعل .
فالموضوع والنية والظروف هي “المصادر” او العناصر التي تتألف منها اخلاقية الافعال البشرية .
1751- الموضوع المختار هو خير تبتغيه الارادة عن روية. انه مادة الفعل البشري. والموضوع المختار يحدد نوع الفعل الارادي من الناحية الاخلاقية، بحسب معرفة العقل ورؤيته له مطابقا للخير الحقيقي او مخالفا له. ان قواعد الاخلاقية الموضوعية تعلن النظام العقلي للخير والشر، الذي يشهد به الضمير .
1752- تقع النية، في مواجهة الموضوع، ناحية من يفعل الفعل. ولانها تقوم في مصدر الفعل الارادي ، وتحدده بغايته، فهي عنصر اساسي في صفة الفعل الاخلاقية. والغاية هي المقصد الاول للنية، وهي تعني الهدف الذي يرمي اليه الانسان في فعله. النية نزوع الارادة إلى الغاية، وهي تطلع إلى مقصد الفعل. انها مطمح الخير المرتقب من القيام بالفعل. انها لا تقف عند حدود توجيه افعالنا الفردية، بل بامكانها توجيه افعال متعددة إلى هدف واحد، وبامكانها توجيه الحياة بكاملها نحو الغاية القصوى. وعلى سبيل المثال ان الخدمة التي يؤديها الانسان غايتها مساعدة القريب، ولكن من الممكن ان يكون الحافز عليها، في الوقت عينه، محبة الله، الغاية القصوى في جميع أفعالنا. ويمكن كذلك ان يصدر فعل واحد عن نيات متعددة، من مثل تأدية خدمة للحصول على حظوة او للتباهي بها .
1753- النية الصالحة (كمساعدة القريب، مثلا)لا تجعل صالحا او قويما سلوكا هو بحد ذاته قبيح (كالكذب والافتراء). ان الغاية لا تبرر الوسيلة. وهكذا لا يمكن تبرير الحكم على بريء بكونه وسيلة شرعية لخلاص الشعب. وفي المقابل، ان النية السيئة المضافة (كالمجد الباطل)تجعل سيئا العمل الذي قد يكون بحد ذاته صالحا (كالاحسان) .
1754- الظروف، وبضمنها النتائج، هي العناصر الثانوية في الفعل الاخلاقي. ولها اثرها في جعل اخلاقية الافعال البشرية تزداد او تنقص صلاحا او سوءا (مثلا مبلغ السرقة). وبامكانها كذلك انقاص مسؤولية الفاعل او زيادتها (كمن يأتي فعلا خوفا من الموت). ولا تستطيع الظروف بحد ذاتها تغيير الصفة الاخلاقية الملازمة للافعال البشرية نفسها. فلا يمكنها ان تجعل من فعل سيء بحد ذاته فعلا صالحا او قويما .
2.الافعال الصالحة والافعال السيئة
1755- يقتضي الفعل الصالح اخلاقيا ان يكون موضوعة وغايته وظروفه كلها صالحة. فالغاية السيئة تفسد الفعل، ان كان موضوعة صالحا في ذاته (كما هي الحال عندما يصلي الانسان او يصوم “ليراه الناس” ). وبامكان موضوع الاختيار ان يفسد وحده كل الفعل. فهناك انماط من السلوك الواقعي – كالزنى- يكون اختيارها دائما خاطئا، لان اختيارها ينطوي على انحراف في الارادة، أي على شر اخلاقي .
1756- فمن الخطا اذن الحكم على اخلاقية الفعل البشري بالاستناد فقط إلى النية التي يصدر عنها او الظروف التي تحيط به (البيئة، الضغط الاجتماعي، والفعل بتأثير المضايقة او الاضطرار ، الخ). هناك افعال هي بذاتها وفي ذاتها محرمة تحريما ثقيلا من جراء موضوعها، بغض النظر عن الظروف والنيات. تلك هي حال التجديف والحنث والقتل والزنى، فلا يجوز فعل الشر لكي ينتج منه الخير .
بايجاز
1757- الموضوع والنية والظروف هي التي تكون “مصادر” الاخلاقية الثلاثة في الافعال البشرية .
1758- يحدد الموضوع المختار من الناحية الاخلاقية نوع الفعل الارادي بحسب معرفة العقل ورؤيته له صالحا او سيئا .
1759- “لا يمكن تبرير فعل سيء يصدر عن نية صالحة” . لان الغاية لا تبرر الوسيلة.
1760- يقتضي الفعل الصالح اخلاقيا ان يكون موضوعه وغايته وظروفه صالحة .
1761- هناك أنماط من السلوك الواقعي يكون اختيارها دائما خاطئا، لان اختيارها ينطوي على انحراف في الارادة أي على شر اخلاقي . فلا يجوز فعل الشر لكي ينتج منه خير.
المقال الخامس
اخلاقية الاهواء
1762- يتوجه الشخص البشري نحو السعادة بأفعاله الصادرة عن روية . وبامكان ما يشعر به من أهواء وعواطف ان يهيئه لذلك ويساعده فيه .
1. الاهواء
1763- كلمة “الاهواء” هي من التراث المسيحي. والعواطف او الاهواء تدل على الانفعالات او حركات الاحساس التي تجعل الانسان يميل إلى الفعل او يحجم عنه في سبيل ما يحسه او يتخيله صالحا او سيئا .
1764- تؤلف الاهواء العناصر الطبيعية للنفسية الانسانية، وهي مكان العبور والرابط بين الحياة الحسية وحياة الروح. ويشير ربنا إلى ان قلب الانسان هو مصدر حركة الاهواء .
1765- الاهواء كثيرة. والاعمق اصلا بينها هو الحب الناتج من جاذبية الخير. الحب يولد الرغبة في الخير الغائب، وأمل الحصول عليه . وتكون نهاية تلك الحركة في اللذة والفرح بالحصول على الخير. التخوف من الشر يسبب البغض والكراهية، وخشية الشر الاتي. وتنتهي هذه الحركة في الحزن الناتج من الشر الحاضر او الغضب الذي يقاومه .
1766- “محبة شخص ما، تعني اننا نريد له الخير ” . وكل النوازع الاخرى انما مصدرها حركة القلب البشري الاصلية هذه نحو الخير. “فالخير وحده يحب” . “الاهواء سيئة اذا كان الحب سيئا وهي صالحة اذا كان صالحا” .
2. الاهواء والحياة الاخلاقية
1767- ليست الاهواء بحد ذاتها صالحة او سيئة. ولا تكون لها صفة اخلاقية الا بمقدار ارتباطها الفعلي بالعقل والارادة. وتدعى الاهواء ارادية “اما لان الارادة اثارتها، واما لان الارادة لم تعقها ” . ومن خصائص كمال الخير الاخلاقي او الانساني ان ينظم العقل الاهواء .
1768- ليست العواطف الكبرى هي التي تقرر اخلاقية الاشخاص او قداستهم. انها المخزن الذي لا يفرغ للصور المعبرة عن الحياة الاخلاقية. الاهواء صالحة اخلاقيا عندما تساعد على عمل صالح، وهي سيئة في خلاف ذلك. والارادة المستقيمة توجه نحو الخير والسعادة الحركات الحسية، وتضطلع بالمسؤولية عنها، اما الارادة السيئة فتسقط في الاهواء المنحرفة وتهيجها. ويمكن ان تكون الانفعالات والعواطف مؤانية في الفضائل، او فاسدة في الرذائل .
1969- في الحياة المسيحية، يتمم الروح القدس نفسه عمله، بتجييش الكائن كله بما ينطوي عليه من الام ومخاوف واحزان، كما بدا ذلك في نزاع الرب والامه. ويمكن، في المسيح، ان تبلغ العواطف البشرية كمالها في المحبة والسعادة الالهية .
1770- الكمال الاخلاقي يكون بأن يتحرك الانسان نحو الخير لا بارادته فقط وانما برغبته الحسية ايضا ، بحسب كلمة المزمور “يرنم قلبي وجسمي للاله الحي” (مز 84: 3).
بايجاز
1771- تدل كلمة “الاهواء” على الانفعالات والعواطف. ويستطيع الانسان من خلالها ان يستشعر الخير ويستشف الشر .
1772- الاهواء الرئيسة هي الحب والبغض، والرغبة والخوف، والفرح والحزن والغضب.
1773- ليس في الاهواء، بكونها حركات حسية، خير او شر اخلاقي. ولكنها، بارتباطها او انفصالها عن العقل والارادة، يكون فيها خير او شر اخلاقي.
1774- يمكن ان تكون الانفعالات والعواطف مؤاتية في الفضائل، او فاسدة في الرذائل.
1775- كمال الصلاح الاخلاقي ان لا يتحرك الانسان نحو الخير بارادته وحدها ولكن ايضا “بقلبه”.
المقال السادس
الضمير الاخلاقي
1776- “يكتشف الانسان في ذات ضميرة ناموسا لم يصدر عنة، ولكنة ملزم بطاعتة، وصوتة يدعو أبدا ذلك الانسان الى حب الخير وعملة، والى تجنب الشر، ويدوي أبدا في اذان قلبة (…) انة ناموس حفرة الله في قلب الانسان. والضمير هو المركز الاشد عمقا وسرية في الانسان، والهيكل الذي ينفرد فية الى الله، ويسمع فية صوت الله” .
1. حكم الضمير
1777- ان الضمير الاخلاقي ، الموجود في قلب الشخص، يوعز الية في الوقت المناسب ان يفعل الخير ويتجنب الشر. وهو يحكم أيضا في شأن الاختيارات الواقعية، فيستحسن الصالح منها وينكر السيىء . ويؤكد سلطان الحقيقة بالرجوع الى الخير الاعظم الذي الية ينجذب الشخص البشري ومنة يتقبل الوصايا. وعندما يصغي الانسان الفطن الى الضمير الاخلاقي، يصبح بامكانة سماع الله الذي يتكلم.
1778- الضمير الاخلاقي حكم صادر عن العقل يعرف بة الشخص البشري الصفة الاخلاقية للفعل الواقعي الذي سيفعلة، أو يفعلة الان، أو قد فعلة. وعلى الانسان، في كل ما يقول أو يفعل، أن يتبع بأمانة ما يعلم أنة قويم وحق. والانسان انما يدرك ويعرف رسوم الشريعة الالهية بحكم ضميرة:
الضمير “شريعة من روحنا ولكنة يتجاوز روحنا، ويصدر الينا أوامر، ويشعر بالمسؤولية والواجب، والخوف والرجاء (…) انة رسول ذاك الذي يكلمنا من وراء الستار، في عالم الطبيعة كما في عالم النعمة، ويعلمنا ويحكمنا. الضمير هو الاول بين جميع نواب المسيح” .
1779- ينبغي لكل واحد أن يكون له من الحضور في ذاتة ما يجعلة يسمع صوت ضميرة ويتبعة. ومطلب الحضور الداخلي هذا تشتد ضرورتة بسبب ما تعرضنا له الحياة مرارا، من تجنب التفكير والمحاسبة، أو الرجوع الى الذات:
“عد الى ضميرك وسائلة (…) عودوا، أيها الاخوة، الى الداخل، وانظروا، في كل ما تفعلون، الى الشاهد، الى الله” .
1780- كرامة الشخص البشري تتضمن وتقتضي استقامة الضمير الاخلاقي. والضمير الاخلاقي ينطوي على ادراك المبادىء الاخلاقية، وتطبيقها في ظروف معينة، بالتمييز العملي للاسباب والخيور، وبالنتيجة، على الحكم الصادر على أفعال واقعية فعلت أو ستفعل. والحقيقة في شأن الخير الاخلاقي، المعلنة في شريعة العقل، تعرف عمليا وواقعيا بالحكم الفطن الذي يصدرة الضمير. ويدعى فطنا الانسان الذي يختار ما يتوافق مع ذلك الحكم.
1781- يتيح الضمير تحمل مسؤولية ما يؤتى من الافعال. فاذا صنع الانسان الشر، لخبث اختيارة الفردي. وقرار حكم الضمير يبقى عربون رجاء ورحمة. وهو، اذ يؤكد الذنب الذي ارتكب، يذكر بالغفران الذي يجب أن يطلب، والخير الذي يجب أن يمارس أيضا، والفضيلة التي يجب أن تتوخى بلا انقطاع وبنعمة الله:
“نسكن قلبنا أمامة، اذا ما بكتنا قلبنا، بأن الله أعظم من قلبنا، وعالم بكل شيء” (1 يو 3: 19-20).
1782- ان الانسان له الحق في ان يسلك بضمير وحرية ليتخذ هو شخصيا القرارات الاخلاقية. “ليس من الجائز أن يكرة الانسان على ما لا يبيحة ضميرة. وليس من الجائز أن يمنع من عمل ما يقتضية ضميرة ولا سيما في أمور الدين” .
2. تنشئة الضمير
1783- لا بد من أن يكون الضمير مطلعا، والحكم الاخلاقي مستنيرا. فالضمير الذي أحسنت تنشئتة يكون قويما وصادقا. فيصدر أحكامة وفاقا للعقل، ومتوافقة مع الخير الحقيقي الذي أرادتة حكمة الخالق. ولا بد من تربية الضمير عندما يتعلق الامر بكائنات بشرية خاضعة لمؤثرات سلبية، ومجربة بخطيئة تفضيل حكمها الخاص، ورفض التعاليم الصحيحة.
1784- تربية الضمير هي عمل الحياة كلها. فتوقظ الولد منذ السنوات الاولى، لمعرفة الشريعة الداخلية التي يعترف بها الضمير الاخلاقي، وللمارستها. التربية الفطنة تعلم الفضيلة، وهي تصون وتشفي مما ينجم عن الضعف والذنوب البشرية، من الخوف والانانية والكبرياء، والتضايق الناتج من الذنب، ونزوات الرضى عن الذات. ان تربية الضمير تكفل الحرية وتولد سلام القلب.
1785- في تنشئة الضمير يكون كلام الله النور الذي يضيء طريقنا. ولا بد لنا من تقبلة في الايمان والصلاة، وممارستة عمليا. وعلينا أيضا امتحان ضميرنا بالنسبة الى صليب الرب، تؤازرنا مواهب الروح القدس، وتساعدنا شهادة الاخرين وارشاداتهم، ويكون لنا دليلا تعليم الكنيسة الصحيح .
3. الاختيار بحسب الضمير
1786- يستطيع الضمير، في مواجهه اختيار أخلاقي، أن يصدر حكما يكون اما مستقيما متوافقا مع العقل والشريعة الالهية واما، على العكس، حكما خاطئا يبتعد عنهما.
1787- يحدث أحيانا ان يواجه الانسان حالات تجعل الحكم الاخلاقي أقل ثباتا، والقرار صعبا. ولكن علية دوما أن يبحث عما هو قويم وصالح، وأن يميز مشيئة الله التي تعبر عنها الشريعة الالهيه.
1788- لذلك يسعى الانسان الى تفهم معطيات الخبرة وعلامات الازمنة، مستندا الى فضيلة الفطنة، والى نصائح الاشخاص الفهماء والى مؤازرة الروح القدس ومواهبة.
1789- هناك بعض قواعد يعمل بها في جميع الحالات:
– لا يسمح اطلاقا أن يصنع الشر لينتج منة الخير.
– “القاعدة الذهبية”: “كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم فافعلوة أنتم أيضا بهم” (متى 12:7) .
– المحبة تكون دائما في سياق احترام القريب وضميرة: “اذا ما خطئتم هكذا الى الاخوة وجرحتم ضميرهم (…) فانما تخطأون الى المسيح” (1 كو 12:8).
4. الحكم الخاطىء
1790- ان الكائن البشري ملزم دوما بالخضوع لحكم ضميرة الاكيد. واذا خالفة عن رؤية فهو يحكم على نفسة بنفسة. وقد يحدث أن يكون الضمير الاخلاقي في حالة جهل، فيصدر أحكاما خاطئة على أفعال ستفعل أو فعلت.
1791- يمكن ان ينسب هذا الجهل مرارا الى المسؤولية الشخصية. تلك هي الحال “عندما الانسان قلما يعنى بالبحث عن الحق والخير، وعندما تكاد الخطيئة تعمي ضميرة شيئا فشئا” . وفي هذة الحالة يكون الشخص مذنبا بالشر الذي صنعة.
1792- جهل المسيح وانجيلة، وما يصدر عن الاخرين من أمثلة سيئة، وعبودية الاهواء، وادعاء استقلال ذاتي خاطىء للضمير، ورفض سلطة الكنيسة وتعليمها، وفقدان التوبة والمحبة، تلك أمور يمكن أن تكون مصدر انحرافات الحكم في السلوك الاخلاقي.
1793- اذا كان الجهل، على العكس، مطبقا، أو كان الحكم خاطئا دون أن يتحمل الانسان مسؤولية أخلاقية، لا يمكن ان ينسب الى الشخص ما صنع من شر. ولكن ذلك يبقى شرا، وحرمانا، وانحرافا. فلا بد من السعي الى اصلاح ضلالات الضمير الاخلاقي.
1794- الضمير الصالح النقي ينيرة الايمان الحقيقي، لان المحبة تصدر في الوقت ذاتة “عن قلب طاهر وضمير صالح وايمان لا رئاء فية” (1 تي 5:1) .
“بقدر ما يتغلب الضمير القويم، يبتعد الافراد كما تبتعد الجماعات عن القرار الاعمى، ويعملون على تطبيق النظم الاخلاقية الموضوعية” .
بايجاز
1795- “الضمير هو المركز الاشد عمقا وسرية في الانسان، والهيكل الذي ينفرد فية الى الله ويسمع فية صوت الله” .
1796- الضمير الاخلاقي هو حكم صادر عن العقل يعرف بة الشخص البشري الصفة الاخلاقية للفعل الواقعي.
1797- بالنسبة الى الانسان الذي صنع الشر، يبقى قرار الضمير عربون توبة ورجاء.
1798- يكون الضمير الذي أحسنت تنشئتة قويما وصادقا. فيصدر أحكامة متطابقة مع العقل ومتوافقة مع الخير الحقيقي الذي أرادتة حكمة الله. وعلى كل انسان ان يتخذ الوسائل لتنشئة ضميرة.
1799- يستطيع الضمير، في مواجهه اختيار أخلاقي، أن يصدر حكما يكون اما مستقيما متوافقا مع العقل والشريعة الالهية، واما، على العكس، حكما خاطئا يبتعد عنهما.
1800- ان الكائن البشري ملزم بالخضوع لحكم ضميرة الاكيد.
1801- يمكن أن يبقى الضمير الاخلاقي في حالة الجهل، أو أن يصدر أحكاما خاطئة. وهذان الجهل والخطأ ليسا دائما خاليين من المسؤولية.
1802- كلام الله هو نور لخطواتنا. ولا بد لنا من تقبلة في الايمان والصلاة، ومن ممارستة عمليا. وهكذا ينشأ الضمير الاخلاقي.
المقال السابع
الفضائل
1803- “كل ما هو حق وكرامة، وعدل ونقاوة، ولطف وشرف، وكل ما هو فضيلة وكل ما يمتدح، كل هذا فليكن محط أفكاركم” (في 8:4).
الفضيلة هي استعداد عادي وثابت لفعل الخير. وهي تتيح للشخص ليس فقط أن يفعل أفعالا صالحة وانما أن يعطي أفضل ما فية. والشخص الفاضل يسعى بكل قواة الحسية والروحية الى الخير، ويمضي وراءة ويختارة في أفعال واقعية.
“هدف الحياة الفاضلة هو في أن نصير مثل الله” .
1. الفضائل الانسانية
1804- الفضائل الانسانية هي مواقف راسخة، واستعدادات ثابتة، وكمالات عادية في العقل والارادة تنسق أفعالنا، وتنظم أهواءنا، وتقود سلوكنا بحسب العقل والايمان. وهي تمنح السهولة، والتسلط على الذات، والفرح، لسلوك حياة أخلاقية صالحة. الانسان الفاضل هو الذي يمارس الخير بحرية.
الفضائل الادبية يكتسبها الانسان. انها ثمار الافعال الصالحة أخلاقيا وبذارها، وهي تهيىء جميع قوى الكائن البشري للمشاركة في الحب الالهي.
تمييز الفضائل الرئيسة
1805- فضائل أربع لها دور محوري، فتدعى لذلك “رئيسة”؛ وتتجمع حولها سائر الفضائل. انها الفطنة، والعدل، والقوة، والقناعة. “اذا كان أحد يحب البر، فالفضائل هي ثمار أتعابة، لانة يعلم القناعة والفطنة والعدل والقوة” (حك 7:8). والكتاب يمتدح هذة الفضائل بألفاظ أخرى في مقاطع عديدة.
1806- الفطنة هي الفضيلة التي تهيىء العقل العملي لتمييز خيرنا الحقيقي في كل ظرف، ولاختيار الوسائل القويمة لاتمامة. “ذو الدهاء يفطن لمسيرة” (مثل 15:1). “الزموا التعقل والقناعة (للقيام) بالصلوات” (1 بط 7:4). كتب القديس توما بعد ارسطو أن الفطنة هي “القاعدة القويمة للعمل”. وهي تتميز في التهيب أو الخوف أو المخادعة أو النفاق. وتدعى حوذية الفضائل، لانها تقود الفضائل الاخرى مبينة لها القاعدة والقياس. الفطنة هي الدليل المباشر لحكم الضمير. والانسان الفطن يقرر وينظم سلوكة بحسب ذلك الحكم. وبالاعتماد على هذة الفضيلة نطبق تطبيقا صحيحا المبادىء الاخلاقية على الحالات الخاصة، ونتغلب على الحيرة في شأن الخير الذي فعلة والشر الذي يجب تجنبة.
1807- العدل هو الفضيلة الاخلاقية، التي قوامها ارادة ثابتة وراسخة، لاعطاء الله والقريب ما يحق لهما. والعدل تجاه الله يدعى “فضيلة العبادة”. وهو تجاه البشر، يهيىء لاحترام حقوق كل واحد، وجعل العلائق البشرية في انسجام يعزز الانصاف بالنسبة الى الاشخاص والخير العام. الانسان البار، الوارد ذكره مرارا في الكتب المقدسة، يتمييز باستقامة طبيعية في الافكار، وسلوك قويم تجاه القريب. “لا تحابوا صغيرا ولا تجلوا عظيما بل العدل تحكم لقريبك”(أح 19: 15). “ايها السادة، ادوا الى عبيدكم ما هو عدل وانصاف، عالمين ان لكم ، انتم ايضا، سيدا في السماء” (كو 4: 1).
1808- القوة هي الفضيلة الاخلاقية التي تؤمن، في المصاعب، الثبات والصمود في السعي الى الخير. انها تثبت العزم على مقاومة التجارب، والسيطرة على العقبات في الحياة الاخلاقية. فضيلة القوة تمكن من التغلب على الخوف، حتى الخوف من الموت، ومواجهة المحن والاضطهادات . انها تهيىء للمضي حتى نكران الذات والتضحية بالحياة للدفاع عن قضية عادلة. “الرب قوتي وتسبيحي” (مز 118: 14). “في العالم ستكونون في شدة، ولكن، لتطب نفوسكم، اني قد غلبت العالم” (يو 16: 33).
1809- القناعة هي الفضيلة الاخلاقية التي تكبح جماح شهوة الملذات وتمنح الاتزان في استعمال الخيرات المخلوقة. وهي تؤمن سيطرة الارادة على الغرائز،وتحفظ الرغائب في حدود الاستقامة. ان الرجل القنوع يوجه نحو الخير شهواته الحسية، ويحافظ على اعتدال مقدس،و”لا يتتبع هواء ليسير في شهوات قلبه” . القناعة يمتدحها مرارا العهد القديم:” لا تكن تابعا لشهواتك بل عاص اهواءك” (سي 18: 3). وهي تدعى في العهد الجديد “تعقلا” او “صحوا” . يجب ان “نحيا في الدهر الحاضر على مقتضى التعقل والعدل والتقوى” (تي 2: 12).
” الحياة الصالحة ليست سوى محبة الله بكل النفس وبكل الفعل. ونحتفظ له بمحبة كاملة (بالقناعة)لا يزعزعها سوء(وهذا ما يتعلق بالقوة)ولا تخضع الا له (وهذا هو العدل)، وتسهر للتمييز بين كل الاشياء حتى لا يفاجئها مكرا او كذب (وهذه هي الفطنة )” .
الفضائل والنعمة
1810- ان الفضائل البشرية المكتسبة بالتربية، وبالافعال الصادرة عن روية، وبالثبات المتجدد دائما، على الجهد، تنقيها نعمة الله وتسمو بها. وهي بعون الله تشدد الخلق، وتسهل ممارسة الخير. والانسان الفاضل يكون سعيدا بممارستها.
1811- ليس من السهل على الانسان الذي جرحته الخطيئة ان يحتفظ بالاتزان الاخلاقي. وعطية الخلاص بالمسيح تمنحنا النعمة الضرورية للثبات في السعي الى الفضائل. على كل واحد ان يلتمس دائما نعمة النور والقوة هذه، وان يلجأ الى الاسرار، ويتعاون مع الروح القدس، وان يلبي دعواته الى حب الخير والاحتزاز من الشر.
2. الفضائل الالهية
1812- تتأصل الفضائل الانسانية في الفضائل الالهية، التي تجعل القوى الانسانية ملائمة للمشاركة في الطبيعة الالهية . لان الفضائل الالهية تستند مباشرة الى الله. وهي تهيىء المسيحيين لان يحيوا في علاقة مع الثالوث الاقدس. فمصدرها وموضوعها الله الواحد والثالوث .
1813- الفضائل الالهية هي في أساس الفعل الاخلاقي المسيحي، وهي تنعشة وتميزة. وهي التي تعطي الفضائل الاخلاقية صورتها وتحييها. ينفح الله بها نفس المؤمنين ليجعلهم قادرين على أن يسلكوا كأبنائة، وأن يستأهلوا الحياة الابدية. انها عربون حضور الروح وفعلة في قوى الكائن البشري. والفضائل الالهية ثلاث: الايمان والرجاء والمحبة .
الايمان
1814- الايمان هو الفضيلة الالهية التي بها نعتقد وجود الله، وكل ما كلمنا بة وأوحى، وتعرضة الكنيسة المقدسة علينا لنعتقدة، لان الله هو الحق ذاتة. بالايمان “يسلم الانسان أمرة كلة لله” . لذلك يسعى المؤمن الى معرفة ارادة الله والى فعلها. “البار بالايمان يحيا” (رو 17:1). والايمان الحي “يعمل بالمحبة” (غل 6:5).
1815- عطية الايمان تبقى في من لم يخطىء اليها . ولكن “بدون الاعمال يكون الايمان ميتا” (يع 26:2). واذا فقد الايمان الرجاء والمحبة فهو لا يجعل المؤمن متحدا اتحادا كاملا بالمسيح، ولا يجعلة عضوا حيا في جسدة.
1816- تلميذ المسيح ملزم لا بأن يحافظ على الايمان ويحيا بة فقط، وانما أيضا بأن يعترف بة، ويشهد له باطمئنان، وينشرة: “على الجميع أن يكونوا مستعدين للاعتراف بالمسيح أمام الناس، وأن يتبعوة على درب الصليب، وسط الاضطهادات التي لا تفارق الكنيسة أبدا” . خدمة الايمان والشهادة له لا بد منهما للخلاص: “كل من يعترف بي قدام الناس، أعترف أنا أيضا بة قدام أبي الذي في السماوات. وأما من ينكرني قدام الناس، فاني أنكرة، أنا أيضا، قدام أبي الذي في السموات” (متى 10: 32-33).
الرجاء
1817- الرجاء هو الفضيلة الالهية التي بها نرغب في ملكوت السماوات، والحياة الابدية، رغبتنا في سعادتنا، واضعين ثقتنا بمواعيد المسيح، ومستندين لا الى قوانا بل الى عون نعمة الروح القدس. “لنتمسك باعتراف الرجاء على غير انحراف، لان الذي وعد أمين” (عب 23:10). هذا الروح “أفاضة علينا بوفرة، بيسوع المسيح مخلصنا، حتى اذا تبررنا بنعمة المسيح نصير ورثة على حسب رجاء الحياة الابدية” (تي 3: 6-7).
1818- أن فضيلة الرجاء تلبي التوق الى السعادة الذي وضعة الله في قلب كل انسان، وتضطلع بالامال التي تبعث الناس على العمل، وتنقيها لتوجهها نحو ملكوت السماوات. انها تصون من تخاذل العزم، وتساند حين التخلي، وتطيب النفس في ترقب السعادة الابدية. أن حافز الرجاء يمنع الانانية، ويقود الى سعادة المحبة.
1819- الرجاء المسيحي يعيد ويكمل رجاء الشعب المختار الذي أصله ومثاله رجاء ابراهيم، وقد أوفت به في اسحق مواعيد الله وطهرته محنة المحرقة . “لقد امن على خلاف كل رجاء فصار ابا لامم كثيرة” (رو 4: 18).
1820- ينبسط الرجاء المسيحي منذ بدء كرازة يسوع في اعلان التطويبات. فالتطويبات تسمو برجائنا الى السماء كما الى ارض الميعاد الجديدة؛ وترسم طريقها عبر ما ينتظر تلاميذ يسوع من محن. ولكن الله يحفظنا، باستحقاقات يسوع المسيح والامه في “الرجاء الذي لا يخذل” (رو 5:5). أن الرجاء هو “مرساة النفس” الامينة والراسخة “التي تنفذ… الى حيث دخل يسوع لاجلنا كسابق” (عب 6: 19-20). وهو ايضا سلاح يحرسنا في معركة الخلاص:” فلنلبس الايمان والمحبة درعا، ةرجاء الخلاص خوذة” (1 تس 5: 8). وهو يعطينا الفرح في المحنة نفسها:” وليكن فيكم فرح الرجاء، كونوا صابرين في الضيق” (رو 12:12). وهو يعبر عنه ويغذى في الصلاة، وخصوصا صلاة “الابانا” ، التي هي موجز ما يحملنا الرجاء على أن نرغب فيه .
1821- نستطيع اذن أن نرجو مجد السماء، الذي وعد به الله محبيه والعاملين مشيئته . ويجب على كل واحد في كل ظروف، أن يرجو، بنعمة الله، “الثبات الى المنتهى” ، والحصول على فرح السماء، كمكافأة من الله ابدية، على الاعمال الصالحة المعمولة بنعمة المسيح. والكنيسة، في الرجاء، تصلي لكي “يخلص جميع الناس” (1 تي 2: 4). وهي تتوق الى أن تكون، في مجد السماء، متحدة بالمسيح عريسها:
“ترجي، يا نفسي، ترجي. تجهلين اليوم والساعة. اسهري بدقة، فكل شيء يمر بسرعة، على كون نفاد صبرك يجعل الاكيد موضوع ارتياب، والقصير جدا من الوقت طويلا. فكري أنك كلما ازددت انخراطا في المعركة يقوى برهانك على ما لالهك عندك من حب، وتزداد مسرتك ذات يوم مع حبيبك، في سعادة ونشوة ليس لهما من نهاية” .
المحبة
1822- المحبة هي الفضيلة الالهية التي بها نود الله فوق كل شيء لاجل ذاتة، ونود القريب كنفسنا لاجل الله.
1823- جعل يسوع من المحبة وصية جديدة . ولقد أظهر محبة الاب التي يتقبلها، بمحبتة لخاصتة “حتى النهاية” (يو 1:13). والتلاميذ يقتدون بمحبة يسوع التي يتقبلونها هم أيضا في ذواتهم بمحبتهم بعضهم لبعض. لذلك قال يسوع: “كما أحبني الاب أنا أيضا أحببتكم، فاثبتوا في محبتي” (يو 9:15). وأيضا: “هذة وصيتي: أن يحب بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا” (يو 15:12).
1824- أن المحبة التي هي ثمرة الروح وكمال الناموس تحفظ وصايا الله ومسيحة: “أثبتوا في محبتي. أن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي” (يو 15: 9-10) .
1825- لقد مات المسيح محبة لنا عندما كنا “أعداء” (رو 10:5). والرب يطلب منا أن نحب مثلة حتى أعداءنا . وأن نكون القريب للابعد ، وأن نحب الاولاد والفقراء مثلة .
لقد رسم القديس بولس لوحة فريدة للمحبة: “المحبة تتأنى وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتباهى، ولا تنتفخ. لا تأتي قباحة، ولا تطلب ما هو لنفسها. لا تحتد ولا تظن السوء. لا تفرح بالظلم بل تفرح بالحق. تتغاضى عن كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء” (1 كو 13: 4-7).
1826- ويقول الرسول أيضا: “بدون محبة لست بشيء…” وكل امتياز وخدمة حتى الفضيلة… “بدون محبة لا تنفعني بشيء” . المحبة تسمو على الفضائل كلها، هي الفضيلة الالهية الاولى: “الان يثبت الايمان والرجاء والمحبة، هذة الثلاثة. لكن أعظمهن هي المحبة” (1 كو 13:13).
1827- المحبة هي التي تحيي وتلهم ممارسة جميع الفضائل. انها “رباط الكمال” (كو 14:3)، هي صورة الفضائل، تربطها وتنسق بعضها مع بعض. انها مصدر ممارستها المسيحية ومنتهاها. المحبة تثبت وتنفي قوة حبنا الانسانية، وتسمو بها الى كمال محبة الله الفائقة الطبيعة.
1828- ممارسة الحياة الاخلاقية التي تنعشها المحبة تعطي المسيحي حرية أبناء الله الروحية. فلا يقف أمام الله كعبد، يخاف خوف العبد، ولا كمرتزق يسعى الى أجر، ولكن كابن يبادل بحبة حب “من أحبنا أولا” (1 يو 19:4).
“اننا اما نحيد عن الشر خوفا من العقاب فنكون مثل العبيد، واما نجري وراء اغراء المكافأة فنكون مثل المرتزقة. واما أخيرا نخضع لاجل الخير ذاتة ومحبة لصاحب الامر… فنكون عندئذ مثل الابناء” .
1829- ثمر المحبة الفرح والسلام والرحمة؛ وهي تقتضي الاحسان واصلاح القريب؛ انها تريد الخير؛ وتحمل على المعاملة بالمثل، وتبقى نزيهة سمحاء؛ هي صداقة ومشاركة:
“منتهى جميع أعمالنا هو المحبة. هنا الخاتمة؛ فاذا كنا نعدو فللحصول عليها، اننا نعدو اليها؛ وعندما نصل، فيها نجد راحتنا” .
3. مواهب الروح القدس وثمارة
1830- مواهب الروح القدس هي التي تساند حياة المسيحيين الأخلاقية . وهذه المواهب هي استعدادات دائمة تجعل الانسان يتبع حوافز الروح القدس بطواعية
1831- مواهب الروح القدس السبع هي الحكمة ، والفهم ، والمشورة ، والقوة والعلم ، والتقوى ، ومخافة الله . انها بكمالها تخص المسيح ابن داود . وهي تتم فضائل من يتقبلونها وتقودها الى الكمال بطواعية وسرعة الالهامات الالهية .
“ليهدني روحك الصالح في أرض مستقيمة” (مز 10:143).
“أن جميع الذين يقتادهم روح الله هم أبناء الله… أبناء فاذن ورثة أيضا، ورثة الله، ووارثون مع المسيح” (رو 14:8، 17).
1832- ثمار الروح هي كمالات ينشئها فينا الروح القدس كبواكير المجد الابدي. والتقليد الكنسي يعدد منها اثنتي عشرة: “المحبة والفرح والسلام، والصبر وطول الاناة واللطف والصلاح، والمسامحة والامانة والوداعة والعفاف، والطهارة” (غل 22:5- 23).
بايجاز
1833- الفضيلة هي استعداد عادي وراسخ لعمل الخير.
1834- الفضائل البشرية هي استعدادات ثابتة في العقل والارادة، تنسق أفعالنا وتنظم أهواءنا وتقود سلوكنا بحسب العقل والايمان. ويمكن جمعها حول أربع فضائل رئيسة: الفطنة، والعدل، والقوة والقناعة.
1835- الفطنة تهيء العقل لتمييز خيرنا الحقيقي في كل ظرف، ولاختيار الوسائل القويمة لاتمامة.
1836- العدل قوامه ارادة ثابته وراسخة لاعطاء الله والقريب ما يحق لهما.د
1837- القوه تؤمن في المصاعب الثبات والصمود في السعي الى الخير.
1838- القناعه تكبح جماح شهوة الملذات الحسيه وتمنح الاتزان في استعمال الخيور المخلوقه.
1839- الفضائل الادبيه تنمو بالتربيه، وبالافعال الصادرة عن روية، وبالثبات على الجهد. والنعمة الالهيه تنقيها وتسمو بها.
1840- الفضائل الالهيه تهيء المسيحيين لان يحيوا في علاقه مع الثالوث الاقدس. مصدرها وعلتها وموضوعها الله معروفا بالايمان ومرجوا ومحبوبا لذاته.
1841- الفضائل الالهيه ثلاث، هي: الايمان والرجاء والمحبة . وهي تعطي جميع الفضائل الاخلاقية صورتها وتحييها.
1842- بالايمان نعتقد وجود الله، وكل ما أوحى به الينا، وتعرضة الكنيسه علينا لنعتقدة.
1843- بالرجاء نبتغي من الله وننتظر بثقه راسخة الحياه الابديه والنعم لاستحقاقها.
1844- بالمحبه نود الله فوق كل شيء، والقريب كنفسنا لاجل الله. انها “رباط الكمال” (كو 14:3) وصورة الفضائل كلها.
1845- مواهب الروح القدس السبع المعطاة للمسيحيين هي الحكمة والفهم والمشهورة والقوة والعلم والتقوى ومخافة الله..
المقال الثامن
الخطيئة
1. الرحمة والخطيئة
1846- الانجيل هو الكشف، بيسوع المسيح، عن رحمة الله للخطأة . وقد اعلن ذلك الملاك ليوسف : “تسميه يسوع، لانه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم” (متى 1: 21). وكذلك بالنسبة إلى الافخارستيا سر الفداء : ” هذا هو دمي، دم العهد الجديد، الذي يهراق عن كثيرين لمغفرة الخطايا” (متى 26: 28).
1847- “لقد خلقنا الله بدوننا، ولا يريد ان يخلصنا بدوننا” . وتقبل رحمته يقتضينا الاقرار بذنوبنا . “ان نحن قلنا : انا بغير خطيئة، فانما نضل انفسنا، وليس الحق فينا. وان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل: فانه يغفر خطايانا ، ويطهرنا من كل اثم” ( 1 يو 1: 8-9).
1848- كما يقول القديس بولس : ” حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة” (رو 5: 20). ولكن على النعمة، لكي تقوم بعملها، ان تكشف الخطيئة لترد قلبنا وتمنحنا “البر للحياة الابدية، بيسوع المسيح ربنا” (رو 5: 21). ومثل الطبيب الذي يسبر الجرح قبل ان يلامه هكذا يلقي الرب بكلمته وروحه ضوءا شديدا على الخطيئة .
” التوبة تقتضي وضع الخطيئة في النور، وتحوي في ذاتها حكم الضمير الداخلي.ويمكن ان نرى فيها الدليل عل فعل روح الحق في اقصى اعماق الانسان، ويصير ذلك في الوقت عينه بدء عطية جديدة من النعمة والمحبة : ” خذوا الروح القدس”. وهكذا نكتشف ، في “وضع الخطيئة في النور” هذا، عطية مضاعفة : عطية حقيقة الضمير، وعطية صحة الفداء. روح الحق هو المعزي” .
2. تحديد الخطيئة
1849- الخطيئة اساءة إلى العقل والحقيقة والضمير المستقيم. وهي اجحاف بالمحبة الحقيقية لله والقريب، بسبب تعلق اثيم ببعض الخيور. انها تجرح طبيعة الانسان وتؤذي التضامن البشري. وقد حددت بأنها “كلمة او فعل او شهوة تخالف الشريعة الازلية”
1850- الخطيئة اهانة لله :” اليك وحدك خطئت والشر امامك صنعت” (مز 51: 6). وهي تقف في وجه محبة الله لنا، وتبعد عنها قلوبنا. وهي كالخطيئة الاولى معصية وثورة على الله، بارادة ان نصير “كالهة” (تك 3: 5)نعرف ونحدد الخير والشر. وهكذا فهي “محبة الذات حتى احتقار الله” . وبتعظيم الذات المتعجرف هذا تكون الخطيئة مخالفة تماما خضوع يسوع الذي حقق الخلاص .
1851- ففي الالام تحديدا، حيث تتغلب رحمة الله على الخطيئة، تظهر هذه على أفضل وجه عنفها وكثرتها : من عدم ايمان، وحقد قاتل، ورفض، واستهزاءات من قبل رؤساء الشعب، وجبانه بيلاطس، وقساوة الجنود، وخيانة يهوذا الشديدة الوطأة على يسوع، وانكار بطرس، وتخلي الرسل. ولكن تضحية المسيح قد صارت، على وجه خفي، في ساعة الظلمة ورئيس هذا العالم نفسها ، ينبوعا دائما يتفجر منه غفران خطايانا.
3. انواع الخطايا
1852- تنوع الخطايا كبير . والكتاب المقدس يذكر منها سلاسل متعددة. فالرسالة إلى الغلاطيين تقابل اعمال الجسد بثمار الروح :” اعمال الجسد بينه : الفجور والنجاسة والعهر، وعبادة الاوثان والسحر والعداوات والخصومات والاطماع والمغاضيات والمنازعات والمشاقات والبدع والمحاسدات والسكر والقصوف . وما اشبه ذلك . وعنها اقول لكم كما قلت سابقا ان الذين يفعلون امثال هذه لا يرثون ملكوت الله ” (غل 5: 19-21)
1853- يمكن تمييز الخطايا بالنسبة الى موضوعها كما هي الحال في شأن كل فعل بشري او بالنسبة الى الفضائل التي تخالفها زيادة او نقصانا او بالنسبة الى الوصايا التي تتعداها . ويمكن تنسيقها ايضا بحسب مل اها من علاقة بالله او بالقريب او بالذات . ويمكن تقسيها الى خطايا روحية وخطايا بالفكر او القول او الفعل او الاهمال . اصل الخطيئة هو في قلب الانسان في ارادته الحرة بحسب تعليم الرب : “فمن القلب تخرج الافكار الشريرة والقتل والزنى والفسق والسرقة وشهادة الزور والتجديف . وذلك هو ما ينجس الانسان ” (15:19-20) . وفي القلب ايضا تقيم المحبة ، مبدأ الافعال الصالحة والنقية التي تجرحها الخطيئة .
4- جسامة الخطيئة : الخطيئة المميتة والعرضية
1854- ينبغي تقدير الخطيئة بحسب جسامتها . والتمييز بين الخطيئة المميتة والخطيئة العرضية الذي يلمح في الكتاب المقدس قد استتب في التقليد الكنسي . وخبرة الناس تدعمه .
1855- الخطيئة المميتة تقضي على المحبة في قلب الانسان بتعد كبير لشريعة الله . وتصرف الانسان عن الله الذي هو غايته القصوى وسعادته بتفضيل خير ادنى عليه .
الخطيئة العرضية تبقي المحبة وان اساءت اليها وجرحتها .
1856- الخطيئة المميتة تهاجم فينا المبدأ الحيوي الذي هو المحبة فتقتضي مبادرة جديدة من رحمة الله وتوبة قلب تتم بوجه اعتيادي في اطار سر المصالحة :
“عندما تعمد الارادة الى شيء هو بجد ذاته مناف للمحبة التي توجهنا نحو الغاية القصوى تكون الخطيئة بموضوعها ذاته مميتة (…) سواء كان مخالفا لمحبة الله كالتجديف والحنث الخ . او المحبة القريب كالقتل والزنى الخ (…) وبالمقابل عندما تعمد ارادة الخاطيء احيانا الى شيء فيه انحراف ولكنه ليس مضادا لمحبة الله ومحبة القريب . كلغو الكلام وفضول الضحك الخ . مثل هذه الخطايا هي عرضية .
1857- حتى تكون الخطيئة مميتة لا بد من ثلاثة شروط متلازمة : “تكون خطيئة مميتة كل خطيئة مادتها ثقيلة ويرتكبها الانسان بكامل وعية وبقصد صادر عن روية ” .
1858- المادة الثقيلة توضحها الوصايا العشر بحسب جواب يسوع للشباب الغني : “لا تقتل ، لا تزن ، لا تشهد بالزور ، لا تتعد على احد ، اكرم اباك وامك” (مر 10:19).
والخطيئة متفاوتة في جسامتها : فالقتل اعظم من السرقة . وصفة الاشخاص الذين لحق بهم الاذى تحسب ايضا : فممارسة العنف على الاقرباء هي بحد ذاتها جسيمة اكثر منها على الغرباء .
1859- تقتضي الخطيئة المميتة معرفة كاملة ورضي تاما . وتفترض معرفة سابقة ان في الفعل خطيئة وانه مخالف لشريعة الله . وتتضمن ايضا رضي فيه من الروية ما يكفي ليكون اختيارا شخصيا . والجهل المتصنع وتصلب القلب لا ينقصان بل يزيدان السمة الارادية في الخطيئة .
1860- يمكن الجهل الذي لا يتاتى عن الارادة ان ينقص المسؤولية عن اثم جسيم ان لم يعذر عليها . ولكن لا يفترض ان يكون احد جاهلا مباديء الشريعة الاخلاقية المكتوبة في ضمير كل انسان . كذلك يمكن نزوات الحس والاهواء ان تنقص ما في الاثم من سمة ارادية وحرة وكذلك الضغوط الخارجية والاضطرابات المرضية والخطيئة عن خبث باختيار مترو للشر هي الاعظم.
1861- الخطيئة المميتة هي امكانية اصلية للحرية الانسانية كما المحبة نفسها . وهي تؤدي الى خسارة المحبة والحرمان من النعمة المقدسة ، أي من حال النعمة . واذ لم تفد بالندامة وغفران الله فهي تسبب الاقصاء عن ملكوت المسيح والموت الابدي في جهنم بما ان حريتنا تستطيع القيام باختيارات ابدية لا رجوع عتها . ولكن اذ كان باستطاعتنا ان نحكم بأن فعلا ما هو بذاته اثم كبير علينا في الحكم على الاشخاص ان نترك ذلك لعدالة الله ورحمته .
1862- يخطأ الانسان خطيئة عرضية عندما لا يحافظ في مادة خفيفة على القدر الذي تفرضه الشريعة الاخلاقية او عندما يخالف الشريعة لاخلاقية في مادة ثقيلة ولكن بدون معرفة كاملة او رضي تام .
1863- الخطيئة العرضية تضعف المحبة انها تعني تعلقا منحرفا بالخيرات المخلوقة وتمنع تقدم النفس في ممارسة الفضائل والصلاح الاخلاقي فتستأهل عقوبات زمنية.
والخطيئة العرضية المتأتية عن ترو ولم تحظ ىبالندامة تهيئنا رويدا رويدا لارتكاب الخطيئة المميتة . ولكن الخطيئة العرضية لا تقطع العهد مع الله . وهي قابلة للاصلاح بنعمةو الله . “انها لا تحرم من النعمة المقدسة او المؤلهة ومن المحبة الالهية وبالتالي من السعادة الابدية ” .
“لا يستطيع الانسان ما دام في الجسد ان يتجنب كل خطيئة وعلى الأقل الخطايا الخفيفة . ولكن هذه الخطايا التي ندعوها خفيفة لا تحسبها بلا اهمية : فان كنت تحسبها بلا اهمية عندما تزنها فارتعد عندما تعدها . مجموعة من الحبات تعمل كومة . فما هو عندئذ رجاؤنا؟ انه قبل كل شيء الاعتراف” .
1864- “كل خطيئة وتجديف يغفر للناس اما التجديف على الروح القدس فلن يغفر ” (متى 12:31) . ان رحمة الله لا حد لها ولكن منيرفض عن روية تقبل رحمة الله بالندامة بأبي غفران خطاياه والخلاص الذي يقدمه الروحر : القديس غريغوريوس الكبير اخلاقيات في اي القدس . ويمكن ان يقود مثل هذا التصلب الى انتفاء التوبة الاخيرة والى الخسارة الابدية .
5- تكاثر الخطيئة
1865- الخطيئة تستجر الى الخطيئة وتولد الرذيلة بتكرار الافعال ذاتها . فينتج من ذلك اميال اثيمة تظلم الضمير وتفسد التقويم العملي للخير والشر . وهكذا تسعى الخطيئةو الى التكاثر والاستقواء ولكنها لا تستطيع استئصال الحس الاخلاقي من جذوره .
1866- يمكن تقسيم الرذائل بحسب الفضائل التي تضادها او ربطها بالخطايا الارئيسية التي ميزتها الخبرة المسيحية في اثر القديس يوحنا كاسيان والقديس غريغوريوس الكبير . وتدعى رئيسة لأنها تولد خطايا اخرى ورذائل اخرى . وهي الكبرياء والبخل والحسد والغضب والنجاسة والشراهة والكسل (او الاسيديا).
1867- يذكر التعليم الديني اتقليدي ايضا ان هناك “خطايا تصرخ الى السماء” . فيصرخ الى السماء ” دم هابيل وخطيئة السدوميين وهتاف الشعب المظلوم في مصر وشكوى الغريب والارملة واليتيم وظلم الأجراء .
1868- الخطيئة فعل شخصي . وعلاوة على ذلك نتحمل مسؤولية عن خطايا الاخرين عندما نشارك فيها :
– بالمشاركة المباشرة والطوعية ؛
– بالأمر او المشورة بها ، او الثناء او الموافقة عليها ؛
– بعدم الكشف عنها او منع حدوثها ، عندما يكون ذلك لزاما علينا ؛
– بحماية من يصنعون الشر .
1869- هكذا تجعل الخطيئة الناس متواطئين بعضهم مع بعض وتسلط بينهم الشهوة والعنف والظلم . وتحدث الخطايا اوضاعا اجتماعية ومؤسسات مخالفة للجودة الالهية . “وهيكليات الخطيئة” هي التعبير عن الخطايا الشخصية ونتيجتها . انها تحمل ضحاياها على ان يصنعوا هم ايضا الشر . وهي على سبيل التشبيه تكون خطيئة اجتماعية ” .
بايجاز
1870- “ان الله قد اغلق على الجميع في المعصية لكي يرحم الجميع ” (رو 11:32).
1871- الخطيئة هي “كلمة او فعل او شهوة تخالف الشريعة الأزلية” . انها اهانة لله وهي تقف في وجهة في عصيان يخالف خضوع المسيح .
1872- الخطيئة فعل يخالف العقل ويجرح الطبيعة البشرية ويسيء الى التضامن البشري .
1873- اصل كل الخطايا هو في قلب الانسان . وتقاس انواعها وجسامتها خصوصا بالنسبة الى موضوعها .
1874- الاختيار الصادر عن روية أي معرفة وارادة لشيء يخالف مخالفة كبيرة شريعة الله والغاية القصوى للانسان هو خطيئة مميتة . وهذه تقضي فينا على المحبة التي بدونها تكون السعادة الابدية مستحيلة . وهي بدون الندامة تسبب الموت الابدي .
1875- الخطيئة العرضية هي انحراف اخلاقي يمكن ان تصلحه المحبة التي تبقيها فينا تلك الخطيئة .
1876- تكرار الخطايا حتى العرضية يولد الرذائل التي نميز بينها الخطايا الرئيسية.