تقليد الصلاة (2650-2758)
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
الفصل الثاني
تقليد الصلاة
2650- لا تقصير الصلاة على أن تكون تفجرا تلقائيا داخلي: لا بد أن نريد الصلاة لكي نصلي ولا يكفي كذلك أن نعلم مايكشفه الكتاب عن الصلاة ، يجب أيضا أن نتعلم الصلاة. وفي الواقع إن الروح القدس، بنقل حي ( التقليد المقدس) ،في الكنيسة المؤمنة والمصلية (1) يعلم أولاد الله أن يصلوا.
2651- تقليد المسيحية هو وجه ومن جوه نمو تقليد الإيمان، خصوصا بالتأمل والبحث لدى الؤمنين الذي يحفظون في قلوبهم الأحداث وكلام تدبير الخلاص وبتعمقهم في الحقائق الروحية التي يختبرونها (2).
المقال الأول
ينابيع الصلاة
2652- الروح القدس هو” الماء الحي” الذي ، في قلب من يصلي ” يتفجر حياة أبدية” .(3) وهوم الذي يعلمنا أن نتقبله من الينبوع نفسه أي المسيح . وهناك في الحياة الميسحية أماكن فيها ينابيع ينتظرنا عندها المسيح ليروينا من الروح القدس.
كلام الله
2653- الكنيسة” تحرص تحريصا ملحا خصوصا جميع المسيحين(…) على أن يدركوا بالمواظبة على القراءة الكتب الإلهية،” معرفة يسوع المسيح السامية” (في 3:8) (…) ولكن يجب أن يقرنوا الصلاة بقراءة الكتب المقدسة، لينشأ حوار بين الله والناس ، ” فإلى الله نتحدث عندما نصلي ، وإليه نستمع عندما نقرأ آيات الوحي الإلهي(4) .
2654- لقد علق الآباء الروحيون على متى 7:7 فلخصوا هكذا استعدادات القلب المغتذي بكلام الله في الصلاة: ” اطلبوا وأنتم تقرأون فتجدوا وأنتم تتأملون. اقرعوا وأنتم تصلون ففيفتح لكم بالتأمل”.(5)
ليترجيا الكنيسة
2655- إن الرسالة الكنسية والروح القدس، التي تعلن سر الخلاص وتجعله حاضرا وتبلغه، في الليترجيا الأسرارية وتستمر في قلب من يصلي. وقد شبه الآباء الروحيون أحيانا القلب بالمذبح. فالصلاة ،تدخل الليترجيا في الصميم وتتمثلها قبل الاحتفال بها وبعده. والصلاة ، حتى عندما يحياها الإنسان ” في الخفية” (متى 6:6) ، هي دائما صلاة الكنيسة وهي اتحاد مع الثالوث الأقدس (6).
الفضائل الإلهية
2656- يدخل الإنسان في الصلاة كما يدخل في الليترجيا ، أي من باب الإيمان الضيق ونحن من خلال علامات حضور الرب إنما نلتمس وجهة ونتوق إليه ، ونريد أن نسمع كلامه ونحفظه.
2657- إن الروح القدس، الذي يعلمنا القيام بالليترجيا في انتظار عودة المسيح، يربينا على الصلاة في الرجاء. وبالعكس، إن الصلاة الكنسية والصلاة الشخصية تغذيان فينا الرجاء . والمزامير على الخصوص ، بلغتها الحسية والمتنوعة ، تعلمنا أن نضع رجاءنا في الله: ” رجوت الرب رجاء فحنا علي وسمع صراخي ” ( مز 40:2). ” ليؤتكم إله الرجاء ملء الفرح والسلام في الإيمان ، حتى تفيضوا رجاء الروح القدس”( رو 15:13).
2658- ” الرجاء لا يخزي ، لأن محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه ” (رو 5:5) . والصلاة التي تنشئها الحياة الليترجية تستمد كل شئ من المحبة التي أحبنا بها المسيح، والتي تولينا الإجابة عنها بأن نحبه كما أحبنا هو. المحبة هي ينبوع الصلاة ، ومن اغترف منها قمة الصلاة :
” أحبك يا إلهي ، ورغبتي الوحيدة هي في أن أحبك حتى آخر نفس في حياتي . أحبك يا إلهي الجدير بالحب اللامتناهي ، وأفضل أن أموت وأنا أحبك على أن أحيا دون أن أحبك . أحبك يا رب، والنعمة الوحدة التي التمسها منك أن أحبك مدى الأبد.(…) يا إلهي ، إذا عجز لساني عن أن يقول في كل لحظة إني أحبك فمرادي أن يكرر لك قلبي على عدد أنفاسي ” (7)
” اليوم”
2659- نتعلم الصلاة أحيانا بالاستماع لكلام الرب، وبالاشتراك في سره الفصحي. ولكن روحه يعطي لنا لينبع فينا الصلاة ، في كل وقت ، وفي أحداث كل يوم. وتعليم يسوع عن الصلاة إلى أبينا هو ذات سياق تعليمه عن العناية الإلهية (8) الزمان هو بين يدي الآب . ونحن نلتقيه في الحاضر ،لا البارحة ولا غدا وإنما اليوم: “اليوم إذا سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم ” ( مز 95:8)
2660- الصلاة وسط أحداث كل يوم ، وكل لحظة، هي واحد من أسرار الملكوت المعلنة ” للصغار “، لخدام المسيح ، لمساكين التطويبات . من القويم والصالح أن نصلي لكي يؤثر في مجرى التاريخ مجيء ملكوت العدالة والسلام. ولكن من المهم أيضا أن نعجن بالصلاة عجينة الأحوال اليومية الوضيعة. ويمكن أن تكون جميع صيغ الصلاة تلك الخميرة التي يشبه بها الرب الملكوت.(9)
بإيجاز:
2661- إن الروح القدس يعلم أبناء الله الصلاة في كنيسة بنقل حي هو التقليد.
2662- كلام الله ، وليتورجيا الكنيسة ، وفضائل الإيمان والرجاء والمحبة هي ينابيع الصلاة.
المقال الثاني
طريق الصلاة
2663- كل الكنيسة ، في الصلاة الحية ، تعرض على مؤمنيها ، بحسب القراءات التاريخية والاجتماعية والثقافية ، لغة صلاتهم من الكلام، وأنغام ، وحركات وأيقونات ويعود إلى السلطة التعليمية(10) أن تتميز بالأمانة ، في طرق الصلاة هذه لتقليد الإيمان الرسولي ، ويعود إلى الرعاة ومعلمي الدين شرح معانيها المرتبطة دائما بالمسيح.
الصلاة إلى الآب
2664- ليس من الطريق للصلاة المسحية غير المسيح. فسواء كانت صلاتنا جماعية أو شخصية ، كلامية أو قلبية ، فهي لن تصل إلى الآب إلا إذا صلينا ” في اسم ” يسوع. فبشرية يسوع المقدسة هي إذن الطريق الذي يعلمنا به الروح القدس أن نصلي لله أبينا .
الصلاة إلى يسوع
2665- تعلمنا صلاة الكنيسة، التي يغذيها كلام الله والاحتفال بالليترجيا، الصلاة الى الرب يسوع. وهي، وإن وجهت خصوصا إلى الآب، تحوي في جميع التقاليد الليترجية صيغ صلاة موجهة إلى المسيح. بعض المزامير، بحسب جعلها انية في صلاة الكنيسة، والعهد الجديد يضعان على شفاهنا ويحفران في قلوبنا أدعية هذه الصلاة الى المسيح: يا ابن الله وكلمة الله، والمخلص، حمل الله، والملك، والابن والحبيب، وابن العذراء، والراعي الصالح، وحياتنا، ونورنا، ورجاءنا، وقيامتنا، ومحب البشر….
2666- ولكن الاسم الذي يحوي كل شيء هو الذي قبله ابن الله في تجسده” يسوع. الاسم الإلهي يستحيل النطق به على الشفاه البشرية ولكن الكلمة، باتخاذه بشريتنا سلمه إلينا وأصبحنا قادرين على أن ندعو به: “يسوع”، “يهوه يخلص”. واسم يسوع يحوي كل شيء : الله والإنسان وكل تدبير الخلق والخلاص. والصلاة إلى “يسوع” هي أن ندعوه ونناديه فينا. واسمه هو الوحيد الذي يحوي الحضور الذي يعنيه. لقد قام يسوع، وكل من يدعو باسمه يقبل ابن الله الذي أحبه وبذل نفسه لأجله.
2667- هذا الدعاء الإيماني البسيط جدا قد توسعت به الصلاة التقليدية، وجعلته في صيغ كثيرة شرقا وغربا . والصيغة المألوفة أكثر، التي نقلها الروحيون من جبل سيناء ومن سوريا ومن آثوس هي الدعاء : “يا يسوع المسيح، ابن الله، الرب، ارحمنا نحن الخطأة”. وهي تجمع النشيد المسيحاني في فيليبي 2، 6- 11، مع نداء العشار ومُستَعطيي النور. وبها يطابق القلب بؤس البشر ورحمة مخلصهم.
2668- دعاء اسم يسوع القدوس هو السبيل الأبسط للصلاة المتواصلة. وعندما يكرر القلب بانتباه وتواضع، فلا يتشتت في كثرة “الكلام (متى 6، 7) متى 6 (7)، ولكن يحفظ الكلمة ويُثمر بالصبر وهو ممكن “في كل وقت”، لأنه ليس “شغلا ” إلى جانب شغل آخر ولكنه الشغل الوحيد الشغل بمحبة الله الذي يحيي ويبدل كل عمل في المسيح يسوع.
2669- صلاة الكنيسة تُجل وتكرم قلب يسوع كما أنها تدعو اسمه القدوس إنها تعبد الكلمة المتجسد وقلبه الذي تقبل الطعن لأجل خطايانا محبة للبشر . والصلاة المسيحية تحب أن تسير على درب الصليب وراء السيد المسيح. والمحطات من دار الولاية إلى الجلجلة وإلى القبر تكون إيقاعات مسيرة يسوع الذي افتدى العالم بصليبه المقدس.
2670- لا أحد يستطيع أن يقول : يسوع “رب” إلا بالروح القدس (1) كو ،12، 3). فكل مرة نشرع في الصلاة إلى يسوع، يكون الروح القدس، بنعمته السابقة، هو الذي يجتذبنا على طريق الصلاة. وبما إنه يعلمنا أن نصلي وهو يذكرنا بالمسيح، فكيف لا نصلي إليه هو ذاته؟ لذلك تدعونا الكنيسة أن نبتهل كل يوم الى الروح القدس، خصوصا في بدء كل عمل خطير ونهايته.
“إذا لم يكن من الواجب أن يُعبد الروح، فكيف يؤل هنا بالمعمودية؟ وإذا كان من الواجب أن يُعبد، أفليس من الواجب أن يكون موضوع عبادة خاصة؟”.
2671- الصيغة التقليدية لطلب الروح هي الدعاء إلى الآب بالمسيح ربنا لكي يعطينا الروح المعزي. وقد ألح يسوع على هذا الطلب باسمه في الوقت ذاته الذي وعد فيه بإعطاء روح الحق. ولكن الصلاة الأبسط والمباشرة بالأكثر هي أيضًا تقليدية: “هلم، أيها الروح القدس”، وكل تقليد ليتورجي طورها في ترانيم وأناشيد:
هي “هلم أيها الروح القدس، واملأ قلوب المؤمنين بك، وأشعل فيهم نار محبتك”.
“ايها الملك السماوي الروح المعزي روح الحق، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنز الصالحات وواهب الحياة، هلم واسكن فينا ، وطهرنا من كل دنس ، وخلص، أيها الصالح نفوسنا”.
2672- إن الروح القدس الذي تضمخ مسحته كل كياننا هو المعلم الداخلي للصلاة المسيحية. إنه صانع تقليد الصلاة الحي. أجل، هناك مسيرات للصلاة بعدد المصلين، ولكن الروح عينه هو الفاعل في الجميع ومع الجميع. وبالمشاركة مع الروح القدس تصير الصلاة المسيحية صلاة في الكنيسة.
في مشاركة والدة الاله القديسة
2673- إن الروح القدس يجعلنا في الصلاة متحدين بشخص الابن الوحيد في بشريته الممجدة. به وفيه تشترك صلاتنا البنوية في الكنيسة مع والدة يسوع.
2674- منذ الرضى الذي أظهرته مريم بالإيمان في يوم البشارة، والذي احتفظت به على ثباته قرب الصليب، تمتد أمومتها إلى إخوة ابنها وأخواته الذين لم يَنتهِ شوطهم بعد، وإنما يعانون وطأة المشاق والمحن”. إن يسوع، الوسيط الوحيد، هو طريق صلاتنا. ومريم أمه وأمنا، هي شفافة أمامه : إنها تدل على الطريق” (الهادية أو المرشدة)، إنها “آيته”، بحسب رسم الايقونات التقليدي في الشرق والغرب.
2675- فبالانطلاق من مساهمة مريم هذه الفريدة في عمل الروح القدس طورت الكنائس الصلاة إلى والدة الإله القديسة، بتركيزها على شخص المسيح البادي في أسراره، وتتعاقب عادة على الأناشيد والترانيم المرددة الكثيرة، التي تعبر عن هذه الصلاة، حركتان إحداهما “تعظم” الرب لأجل “العظائم” التي صنعها لأجل أمته المتواضعة، وبها لأجل البشر جميعهم ، والثانية تُودِع أمَّ يسوع تضرعات أولاد الله وتسابيحهم، إذ أنها تعرف الآن الإنسانية التي تزوجها ابن الله فيها.
2676- هذه الحركة المزدوجة في الصلاة الى مريم وجدت تعبيرا عنها ممتازا في صلاة “السلام عليك يا مریم:
“السلام عليك (افرحي) يا مريم. تحية الملاك جبرائيل تفتح صلام “السلام”. إنه الله نفسه مَن يُحَيِي مريم بلسان ملاكه وصلاتنا تتجرأ على ترديد تحية مريم بالنظرة التي نظر بها الله أمته المتواضعة، وعلى الابتهاج الذي يجده فيها.
“الممتلئة نعمة، الرب معك”. هاتان العبارتان من السلام الملائكي توضح إحداهما الأخرى فمريم هي ممتلئة . نعمة لأن الرب معها. والنعمة التي ملأها هي حضور من هو ينبوع كل نعمة. “افرحي يا ابنة أورشليم في وسطك الرب إلهك صف 3، 14 (17) إن مريم التي جاء الرب عينه ليسكن فيها، هي بذاتها ابنة صهيون، تابوت العهد الموضع الذي يُقيم فيه مجد الرب: “إنها مسكن الله مع الناس” (رؤ 21، 3). إنها، وهي الممتلئة نعمة، موهوبة كلها لذاك الذي جاء ليسكن فيها والذي ستعطيه للعالم.
مباركة أنت في النساء، ومباركة ثمرة بطنك يسوع”. بعد تحية الملاك، نجعل من تحية أليصابات تحيتنا: “إن اليصابات الممتلئة من الروح القدس” (لو 1، (41) هي الأولى في تعاقب الأجيال التي تُعلن مريم ذات طوبى: “طوبى للتي آمنت” (لو 1 (45) ، ومريم هي المباركة في النساء ” ، لأنها آمنت بتحقق كلام الرب. إن إبراهيم قد صار بإيمانه بركة لجميع أمم “الأرض” (تك (12 (3 ومريم بإيمانها صارت أما للمؤمنين، بها تتقبل جميع أمم الأرض من هو بركة الله عينُها: “يسوع، ثمرة بطنك المباركة”.
2677- “يا قديسة مريم، يا والدة الله، صلي لأجلنا …” إننا نتعجب مع أليصابات: “من أين لي أن تأتي أم ربي إلي ؟ (لو) 1 (43). ولأن مريم تعطينا ابنها يسوع فهي والدة الإله وأمنا، وبإمكاننا أن نودعها كل همومنا وطلباتنا. فهي تصلي لأجلنا ما صلت لأجلها هي: “ليكن بحسب قولك” (لو 1، 38). فاتكالنا على صلواتها نوكل أنفسنا معها مشيئة الله: “لتكن مشيئتك”.
“صلي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا” . عندما نسأل مريم أن تصلي لأجلنا، نعترف بأننا خطأة مساكين ونتوجه إلى “أم الرحمة”، الكاملة القداسة. نستودعها ذواتنا “الآن” في الحاضر من حياتنا. ويتسع مجال ثقتنا لنكل إليها منذ الآن “ساعة موتنا . لتكون حاضرة فيها كما في موت ابنها على الصليب، ولتقبلنا مثل أمنا في ساعة عبورنا لتقودنا إلى ابنها يسوع في الفردوس.
2678- لقد طورت تقوى الغرب في القرون الوسطى صلاة الوردية، كبديل شعبي لصلاة الساعات. وفي الشرق، بقيت صيغة صلاة الابتهالية في “الأكاتستوس” و “الباركليسي” أقرب إلى الفرض الجماعي، في الكنائس البيزنطية . أما التقاليد الأرمنية والقبطية والسريانية فقد فضلت الأناشيد والترانيم الشعبية لوالدة الإله. ولكن في “السلام عليك يا مريم” والمقطوعات الخاصة بوالدة الإله (ثاوتوكيا) وأناشيد القديس أفرام أو القديس غريغوريوس النيركي، تقليد صلاة هو هو في أساسه.
2679- مريم هي المصلية الكاملة رمزُ الكنيسة. وعندما نصلي إليها ، نعتنق معها قصد الآب الذي يرسل ابنه ليخلص جميع البشر. وكالتلميذ الحبيب، نقبل عندنا أم يسوع التي صارت أمّ جميع الأحياء. فنستطيع أن نصلي معها وإليها . وصلاة الكنيسة كأنها محمولة بصلاة مريم وهي تتحد بها في الرجاء.
بإيجاز
2680- الصلاة توجه بطريقة رئيسة إلى الآب، وهي كـ كذلك تتجه نحو يسوع، خصوصا بالدعاء باسمه القدوس: “يا يسوع المسيح ابن الله الرب، ارحمنا نحن الخطأة”. 2681- “لا أحد يستطيع أن يقول: “يسوع رب ” إلا بالروح القدس (2) كو 22، 1). والكنيسة تدعونا إلى التماس الروح القدس كمعلم للصلاة المسيحية في الداخل.
2682- تحب الكنيسة أن تصلي بالاشتراك مع العذراء مريم لمساهمتها الفريدة في عمل الروح القدس، لتعظم معها العظائم التي صنعها فيها، ولتودعها التضرعات والتسابيح.
المقال الثالث
أدلاء للصلاة
سحابة شهود
2683- إن الشهود الذين سبقونا إلى الملكوت، ولاسيما أولئك الذين تعترف بهم الكنيسة “كقديسين”، يساهمون في تقليد الصلاة الحي، بمثال حياتهم، وبنقل كتاباتهم، وبصلواتهم في يومنا هذا. إنهم يُعاينون الله، ويسبحونه ولا ينقطعون عن الاهتمام بمن تركوهم على الأرض. وهم عند دخولهم في “فرح” معلمهم “قد أقيموا على الكثير . وشفاعتهم هي أسمى خدمة لقصد الله. فنستطيع لا بل علينا أن نصلي إليهم لكي يشفعوا فينا وفي العالم كله.
2684- في شركة القديسين نمت على مدى تاريخ الكنائس روحانيات متنوعة. وقد أمكن نقل الموهبة الشخصية لدى أحد شهود محبة الله للبشر ، من مثل “روح” إيليا إلى أليشع، وإلى يوحنا المعمدان، لكي يكون لتلاميذ لهم نصيب في هذا الروح والروحانية كذلك تقوم على ملتقى تيارات أخرى، ليتورجية ولاهوتية، وتشهد باندماج الإيمان في ثقافة محيط بشري وتاريخه والروحانيات المسيحية تساهم في تقليد الصلاة الحي، وهي بمثابة أدلاء لا يُستغنى عنهم للمؤمنين. وهي تعكس، في غنى تنوعها، نور الروح القدس الصافي والوحيد.
“الروح هو حقا مكان القديسين، والقديس هو للروح مكان خاص، لأنه يقدم ذاته ليسكن. مع الله وهو يُدعى هيكله”.
خدام الصلاة
2685- الاسرة المسيحية هي المكان الأول للتربية على الصلاة. وبكونها مؤسسة على سر الزواج، فهي “الكنيسة المنزلية” حيث يتعلم اولاد الله الصلاة “كنسيا ” والمواظبة على الصلاة والصلاة العائلية اليومية هي، بالنسبة إلى الأولاد الأحداث خصوصا الشاهد الأول على ذاكرة الكنيسة الحية التي يوقظها الروح القدس بصبر.
2686- الخدّام الذين نالوا الرسامة هم أيضًا مسؤولون عن تنشئة إخوتهم وأخواتهم في المسيح على الصلاة. وبما أنهم خدام الراعي الصالح، فهم مرسومون لكي يدلوا شعب الله على ينابيع الصلاة الحية: كلام الله، والليتورجيا، والحياة اللاهوتية، وآنية الله في الأوضاع الواقعية.
2687- لقد كرس كثيرون من الرهبان حياتهم كلها للصلاة فمنذ صحراء مصر، وقف نساك ومتوحدون ومتوحدات وقتهم على تسبيح الله والشفاعة لشعبه. والحياة المكرسة لا تبقى ولا تنتشر دون الصلاة، فهذه هي أحد الينابيع الحية للتأمل وللحياة الروحية في الكنيسة.
2688- إنّ التعليم الديني للأولاد والأحداث والراشدين يهدف إلى جعل كلام الله موضوع تأمل في الصلاة الشخصية، وآنيا في الصلاة الليتورجية، وداخليا في كل وقت ليحمل ثمره في حياة جديدة. والتعليم الديني هو أيضًا الأوان الذي يُمكن فيه تمييز التقوى الشعبية وترتيبها واستظهار الصلوات الأساسية يكون دعامة لا غنى عنها لحياة الصلاة، ولكن من المهم أن نجعل الإنسان يتذوق معناها.
2689- جماعات الصلاة بل “مدارس” الصلاة” هي اليوم واحدة من الدلالات على تجدد الصلاة في الكنيسة، وأحد المنشطات له، إذا ما ارتوت من الينابيع الصحيحة للصلاة المسيحية والعناية بالمشاركة هي دلالة على صلاة الكنيسة الحقيقية.
2690- يولي الروح القدس بعض المؤمنين مواهب حكمة وإيمان وتمييز في سبيل هذا الخير العام، الذي هو الصلاة (الإرشاد الروحي). والرجال والنساء الذين كانت لهم تلك المواهب خدام حقيقيون لتقليد الصلاة الحي:
لذلك، على النفس التي تريد التقدم في الكمال، بحسب مشورة القديس يوحنا الصليب، “أن تتبصر جيدا في أية أيد تضع نفسها، لأنه كما يكون المعلم يكون التلميذ، وكما يكون الأب يكون الأبن”. أيضا، “على المرشد أن يكون لا عالما وفطينا فحسب، وإنما صاحب خبرة كذلك. وإذا أعوزت الدليل الروحي خبرة الحياة الروحية، فهو عاجز عن أن يوصل إليها تلك النفوس التي يدعوها الله، بل هو يعجز عن فهمها”.
أماكن مؤاتية للصلاة
2691- إن الكنيسة، بيت الله، هي المكان الخاص بالصلاة الليتورجية للجماعة التي تكون الرعية. وهي أيضًا المكانُ المؤاتي لعبادة حضور المسيح الحقيقي في القربان المقدس. واختيار المكان المؤاتي ليس خاليا من التأثير في حقيقة الصلاة:
– فبالنسبة إلى الصلاة الشخصية، يمكن ان تقام في زاوية” صلاة مع الكتاب المقدس والأيقونات، حتى تكون “هناك في الخُفية”. مع أبينا. وفي الأسرة المسيحية، هذا النوع من المعبد الصغير يشجع الصلاة الجماعية.
– في المناطق التي يقوم فيها اديار ، تكون دعوة هذه الجماعات أن تعزز المشاركة في صلاة الساعات على المؤمنين، وأن توفر العزلة الضرورية لصلاة شخصية أقوى.
أما الحج فيذكر بمسيرتنا على الأرض نحو السماء. وهو تقليديا زمن لتجدد الصلاة بقوة. والمعابد هي، بالنسبة إلى الحجاج الساعين إلى ينابيعهم الحية، أماكن استثنائية ليعيشوا” “كنسيا ” أنماط الصلاة المسيحية.
بإيجاز:
2692- الكنيسة المترحلة على الأرض تشترك في صلاتها مع كنيسة القديسين الذين تلتمس شفاعتهم.
2693- تساهم الروحانيات المسيحية المختلفة في تقليد الصلاة الحي، وهي بمثابة أدلاء ممتازين على الحياة الروحية.
2694- الأسرة المسيحية هي ا المكان الأول للتربية على الصلاة.
2695- الخدام المرسومون، والحياة المكرسة، والتعليم الديني، وجماعات الصلاة، و “الإرشاد الروحي تؤمن في الكنيسة عونا على الصلاة.
2696- الأماكن الأكثر صلاحا للصلاة هي المعبد الشخصي والعائلي، والأديار، ومعابد الحج، وخصوصا الكنيسة التي هي المكان الخاص بالصلاة الليترجية لجماعة الرعية، والمكان المتميز للعبادة الافخارستية .
الفصل الثالث
حياة الصلاة
2697- الصلاة هي حياة القلب الجديد. ولا بد من أن تنعشنا في كل لحظة. وفي الواقع نحن ننسى من هو حياتنا وكل شيء لنا. لذلك يلح الآباء الروحيون، في سياق تثنية الاشتراع والأنبياء، في الصلاة “كذكر لله”، وإيقاظ متكرر “لذاكرة القلب”: “يجب أن نتذكر الله تكرارا أكثر مما نتنفس” . ولكن لا يستطيع الإنسان أن يصلي “في كل وقت”، إن لم يصل في بعض الأحيان، بإرادته إنها أوقات الصلاة المسيحية القوية بشدتها ومدتها.
2698– يعرض التقليد الكنسي على المؤمنين إيقاعات صلاة معدة لتغذية الصلاة المتواصلة. بعضها يومي: صلاة الصبح والمساء، والتي قبل تناول الطعام وبعده، وليترجيا الساعات. ويوم الأحد المرتكز على الافخارستيا، تقدسه خصوصا الصلاة. ثم أن دورة السنة الليترجية وأعيادها الكبيرة هي إيقاعات أساسية في حياة الصلاة المسيحية .
2699- لرب كل إنسان في السبل وبالطريقة التي ترضيه.وكل مؤمن يجيبه أيضا بحسب عزم قلبه وتعابير صلاته الشخصية. ومع ذلك فقد حفظ التقليد المسيحي ثلاثة تعابير كبرى عن حياة الصلاة: الصلاة الشفوية، والتأمل ، والصلاة العقلية. وبينها رابط أساسي مشترك هو خشوع القلب. وهذا التيقظ للحفاظ على كلام الله والمكوث في حضرته يجعل من هذه التعابير أوقاتا مكثفة لحياة الصلاة .
المقال الأول
تعابير الصلاة
1 . الصلاة الشفوية
2700- يخاطب الله الإنسان بكلامه. وبالكلام الذهني أو الصوتي تتخذ صلاتنا كينونة لها. ولكن الأهم هو حضور القلب لذلك الذي نكلمه بالصلاة . “الاستجابة لصلاتنا تتعلق لا بكمية الكلام وإنما بحرارة نفوسنا” .
2701- الصلاة الشفوية هي معطى لا بد منه للحياة المسيحية. إن التلاميذ الذين اجتذبتهم صلاة معلمهم الصامتة قد لقنهم هو صلاة شفوية هي “الأبانا” . ويسوع لم يصل الصلوات الليترجية في المجمع فحسب، وإنما نراه في الأناجيل يرفع صوته ليعبر عن صلاته الشخصية، من مباركة الآب بابتهاج ، إلى ضيقة الجسمانية .
2702- إن الحاجة إلى إشراك الحواس في الصلاة الداخلية تتوافق وما تقتضيه طبيعتنا البشرية. فنحن جسد وروح، ونشعر بالحاجة إلى التعبير عن عواطفنا تعبيرا خارجيا. ويجب أن نصلي بكل كياننا لندعم ابتهالنا بكل القوة الممكنة .
2703- هذه الحاجة تتوافق أيضا تتوافق أيضا وما تقتضيه الله. فالله يطلب عبادا بالروح والحق، وبالتالي صلاة ترتفع حية من أعماق النفس. وهو يريد أيضا التعبير الخارجي الذي يشرك الجسد في الصلاة الداخلية، لأنه يحمل إليه ذلك الإكرام الكامل من كل ما له حق فيه .
2704- بما أن الصلاة الشفوية خارجية ومتجذرة في الطبيعة البشرية، فهي صلاة الجماهية بامتياز. ولكن حتى الصلاة عمقا في النفس لا تستطيع إهمال الصلاة الشفوية. وتصبح الصلاة الداخلية بمقدار وعينا لذاك “الذي نخاطبه” . وعندئذ تصبح الصلاة الشفوية صيغة أولى للصلاة التأملية .
2. التأمل
2705- التأمل هو على الخصوص سعي. فيسعى الذهن إلى إدراك الحياة المسيحية : لماذا هي، وكيف هي، حتى يعتنق ما يطلبه الرب ويستجيب له. ويجب لذلك انتباه ليس من السهل ضبطه. ويستعين الإنسان عادة بكتاب، والكتب متوفرة للمسيحيين: من الكتب المقدسة، إلى الإنجيل بنوع خاص، إلى الأيقونات المقدسة، والنصوص الليترجية اليومية أو الموسمية، وكتابات الآباء الروحيين، والمؤلفات الروحية، وكتاب الخلق الكبير والتاريخ، وصفحة “حاضر” الله.
2706- التأمل في ما نقرأ يقود إلى تملكه بمقابلته مع الذات. وهنا كتاب آخر مفتوح ، إنه كتاب الحياة. فنعبر من الفكر إلى الواقع. فنكتشف فيه بمقياس التواضع والإيمان الحركات التي تختلج في القلب ونستطيع تمييزها. والمقصود أن نعمل الحقيقة لنبلغ النور:” يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟” .
2707- طرائق التأمل متنوعة بعدد المعلمين الروحيين. ومن واجب المسيحي أن يريد التأمل بانتظام، وإلا فهو يشبه أنواع الأرض الثلاثة الأولى في مثل الزارع . ولكن الطريقة ليست سوى دليل. المهم هو التقدم، مع الروح القدس، على طريق الصلاة الوحيد، يسوع المسيح .
2708- التأمل يحرك الفكر والمخيلة والانفعال والرغبة. وهذا التجييش ضروري لتعميق اليقين الإيماني، وبعث توبة القلب ودعم إرادة اقتفاء المسيح. والصلاة المسيحية تؤثر العكوف على تأمل “أسرار المسيح”، كما في “القراءة الإلهية” أو الوردية. وهذه الصيغة أبعد، أي المعرفة المحبة للرب يسوع والاتحاد به.
3. الصلاة العقلية
2709- ما هي الصلاة العقلية؟ تجيب القديسة تريزيا :” الصلاة العقلية ليست في نظري سوى علاقة صداقة حميمة، يتحدث فيها الإنسان مرارا مع الله وحده، مع ذاك الإله الذي يعرف أنه يحبه” . الصلاة العقلية تسعى إلى “ذاك يحبه قلبي” (نش 1: 7) . إنه يسوع، وفيه الآب. نسعى إليه لأن الرغبة فيه هي دائما بدء المحبة، والسعي يكون في الإيمان المحض، الذي يجعلنا نولد منه ونعيش فيه. وبالإمكان التأمل أيضا في الصلاة العقلية، إلا أن النظر يحدق إلى الرب.
2710- يتعلق اختيار وقت الصلاة العقلية ومدتها بإرادة محددة، تكشف أسرار القلب. لا يقوم الإنسان بهذه الصلاة عندما يتوفر له الوقت، وإنما يتخذ الإنسان الوقت ليكون للرب، مع التصميم الثابت على عدم استرجاعه في خلال المسيرة، مهما كانت المحن ويبوسة اللقاء. لا يستطيع الإنسان أن يتأمل دائما. ولكنه يستطيع أن يصلي دائما صلاة عقلية،بمعزل عن أوضاع الصحة، والعمل والنوازع النفسية. فالقلب هو مكان السعي واللقاء، في الفقر وفي الإيمان .
2711- الدخول في الصلاة العقلية يشبه الدخول في الليترجيا الافخارستية: “تجميع” القلب، وحشد كل كياننا في الخضوع للروح القدس، والإقامة في مسكن الرب الذي هو نحن، وإيقاظ الإيمان للدخول في حضرة ذاك الذي ينتظرنا ، وإسقاط أقنعتنا، وإعادة قلبنا إلى الرب الذي يحبنا لنسلم له ذاتنا كتقدمة لينقيها ويغيرها .
2712- الصلاة العقلية هي صلاة ابن الله، والخاطىء الذي حصل على المغفرة ووافق على قبول المحبة التي أحب بها، وأراد أن يجيب عنها بأن يحب أكثر أيضا . ولكنه يعلم أن حبة بالمقابل هو الذي يفضيه الروح القدس في قلبه، لأن كل شيء نعمة من لدن الله. الصلاة العقلية هي التسليم المتواضع والمسكين لإرادة الآب المحبة، باتحاد يزداد عمقا بابنه الحبيب .
2713- وهكذا تكون الصلاة العقلية التعبير الأبسط عن سر الصلاة . إنها موهبة ونعمة، ولا يمكن قبولها إلا في التواضع والفقر. الصلاة العقلية علاقة عهد يقيمه الله في أعماق كياننا . إنها مشاركة، فيها يطابق الثالوث الأقدس الإنسان، صورة الله، “على مثاله”.
2714- والصلاة العقلية هي ايضا زمن الصلاة المكثف بامتياز. وفيها الاب يؤيدنا بقوة روحه في الانسان الباطن، ليحل المسيح بالايمان في قلوبنا حتى نتأصل في المحبة ونتأسس عليها .
2715- المشاهد نظرة إيمان، تحدق إلى يسوع .”انظر إليه وانظر إلي”، هذا ما كان يقوله في زمن خورية القديس فلاح أرس المصلي أمام بيت القربان . وهذا الانتباة إليه هو تخل عن “الأنا” . نظرته تنقي القلب. ونور نظرة يسوع يضىء عيون قلبنا، ويعلمنا أن نرى كل شيء في نور حقيقته وإشفاقه على جميع الناس .والمشاهدة تحدق أيضا إلى أسرار حياة يسوع، فتعلم هكذا “المعرفة الداخلية للرب” لتزداد حبا واقتفاء له .
2716- الصلاة العقلية هي إصغاء إلى كلام الله. وليس هذا الإصغاء سلبيا، إنما هو طاعة الإيمان، وقبول العبد غير المشروط، والتصاق الابن المحب. إنه يشارك في “نعم” الابن الذي صار عبدا، وفي “ليكن لي” التي قالتها الأمة المتواضعة .
2717- والصلاة العقلية هي صمت، هذا “الرمز للعالم الآتي” أو هي “محبة صامتة” . والكلام في الصلاة العقلية ليس خطابا وإنما غصينات تغذي نار المحبة. ففي هذا الصمت، الذي لا يطيقه الإنسان “الخارجي”، يقول لنا الآب كلمته المتجسد في الأمة وموته وقيامته، ويجعلنا الروح النبوي نشارك في صلاة يسوع .
2718- الصلاة العقلية هي اتحاد بصلاة المسيح بمقدار ما تجعلنا نشترك في سره. وسر المسيح تحتفل به الكنيسة في الافخارستيا، والروح القدس يحييه في الصلاة العقلية حتى تظهره المحبة الفاعلة .
2719- الصلاة العقلية هي شراكة محبة تحمل الحياة للكثيرين، بمقدار ما هي موافقة على البقاء في ليل الإيمان. فليل القيامة الفصحية يمر بليل النزاع والقبر. فهذه الأوقات الثلاثة المكثفة في ساعة يسوع هي التي يحييها روحه (وليس الجسد الذي هو ضعيف)في الصلاة العقلية. ويجب أن نوافق على “السهر ساعة معه” .
بإيجاز:
2720- تدعو الكنيسة المؤمنين إلى صلاة منتظمة: صلوات يومية، ليترجيا الساعات، الافخارستيا في الآحاد، وأعياد السنة الليترجية .
2721- التقليد المسيحي يحوي ثلاثة معايير كبرى عن حياة الصلاة: الصلاة الشفوية، والتأمل، والصلاة العقلية. ويجمع بينها خشوع القلب .
2722- الصلاة الشفوية المؤسسة على اتحاد الجسد والروح في الطبيعة البشرية تجعل الجسد يشترك في صلاة القلب الداخلية، على مثال المسيح الذي صلى إلى أبيه وعلم تلاميذه “الأبانا” .
2723- التأمل سعي تصحبه الصلاة تحرك الفكر والمخيلة والانفعال والرغبة. وغايته التملك في الايمان لموضوع التفكير بالمقابلة مع واقع حياتنا .
2724- الصلاة العقلية هي التعبير البسيط عن سر الصلاة. إنها نظرة إيمان تحدق إلى يسوع، وإصغاء إلى كلام الله، ومحبة صامتة. إنها تحقق الاتحاد بصلاة يسوع بمقدار ما تجعلنا نشترك في سره .
المقال الثاني
جهاد الصلاة
2725- الصلاة موهبة من النعمة وجواب ثابت من قلبنا. إنها تفترض دائما جهدا. وذلك ما يعلمنا إياه المصلون الكبار في العهد القديم قبل المسيح، وكذلك أم الله، والقديسون : إن الصلاة جهاد. ضد من؟ ضد أنفسنا، وحيل المجرب الذي يعمل كل ما في وسعه ليصرف الإنسان عن الصلاة، والاتحاد بإلهه. يصلي الإنسان كما يعيش، لأنه يعيش كما يصلي. فإذا لم يرد الإنسان أن يعمل عادة بحسب روح المسيح، فلن يستطيع أن يصلي عادة باسمه . “الجهاد الروحي” في حياة المسيحي الجديدة لا ينفصل عن جهاد الصلاة .
1. الاعتراضات على الصلاة :
2726- في جهاد الصلاة، علينا أن نجابه فينا وحولنا مفاهيم خاطئة للصلاة. فبعضها يرى فيها نفسية لا غير، وبعضها الآخر جهدا في التركيز الداخلي للوصول إلى الفراغ الذهني. بعضها يقوننها في وقفات وكلمات شعائرية. وفي لاوعي الكثيرين من المسيحيين إن الصلاة شغل لا يتفق مع كل ما عليهم ان يعملوا : فليس لديهم الوقت. ومن يسعون إلى الله بالصلاة تهن عزيمتهم سريعا لأنهم يجهلون أن الصلاة تأتي أيضا من الروح القدس وليس منهم وحدهم .
2727- وعلينا أيضا أن نجابه عقليات من “هذا العالم” . وهي تنفذ إلينا إذا لم نكن متيقظين، من مثل أن الحقيقي هو فقط ما يحققه العقل والعلم (والصلاة تتجاوز وعينا ولاعينا)؛ومثل قيم الإنتاج والمردود (والصلاة غير منتجة ، فهي إذن لا فائدة منها)، والاعتداد بالمحسوس وبالرخاء كمقاييس للحق والخير والجمال (والصلاة “حب الجمال” فيلوكاليا مشغوفة بمجد الله الحي الحقيقي)؛ وفي ردة فعل على الفعلانية تبدو الصلاة كهروب من العالم (والصلاة المسيحية ليست خروجا من التاريخ ولا طلاقا من الحياة).
2728- على جهادنا أخيرا أن يجابه ما نشعر به كأنه إخفاقات في الصلاة : من فتور الهمة أمام ما ينتابنا من يبوسة، وحزن لأننا لا نعطي كل شيء للرب، إذ لدينا “خيرات كثيرة” ، وخيبة لعدم الاستجابة لنا بحسب إرادتنا الخاصة، وجرح كبريائنا التي تتأبى ذل كوننا خطأة، وحساسية بالنسبة إلى مجانية الصلاة، الخ. والنتيجة هي دائما: ما الفائدة من الصلاة؟ ولا بد، للتغلب على هذه العراقيل،من المجاهدة للحصول على التواضع والثقة والثبات .
2. يقظة القلب المتواضعة
إزاء مصاعب الصلاة
2729- الصعوبة العادية في صلاتنا هي التشتت، الذي قد يصيب الكلمات ومعناها في الصلاة الشفوية؛ وقد يكون له عمق أشد فيصرف عن ذلك الذي نصلي إليه، في الصلاة الشفوية (الليترجية او الشخصية)، وفي التأمل والصلاة العقلية . والسعي إلى مطاردة هذا التشتت يكون وقوعا في فخاخة، بينما يكفي أن نعود إلى قلبنا: فالتشتت يكشف لنا ما نحن متعلقون، وهذا الوعي المتواضع أمام الرب يجب أن يوقظ محبتنا وتفضيلنا له، فنقدم له قلبنا بعزم حتى ينقيه . هنا موضع الجهاد واختيار المعلم الذي تجب خدمته .
2730- ومن الناحية الإيجابية يكون جهاد الأنا المتملك والمتسلط بالتيقظ وقناعة القلب. وعندما يلح يسوع في طلب التيقظ، فهذا مرتبط دوما به، وبمجيئة في اليوم اليوم الأخير وفي كل يوم: “اليوم” . فالعروس يأتي في نصف الليل، والنور الذي يجب أن لا ينطفىء هو نور الإيمان :” فيك قال قلبي: ” التمسوا وجهي” (مز 27: 8).
2731- هناك صعوبة أخرى خصوصا للذين يريدون أن يصلوا بصدق وهي اليبوسة. وهي جزء من الصلاة العقلية حيث يفطم القلب، فلا يتذوق الأفكار، والذكريات والعواطف حتى الروحية. إنه أوان الإيمان الخالص، الذي يقف بأمانة مع يسوع في النزاع والقبر.”إن ماتت، فإنها تأتي بثمر كثير” (يو 12: 24). وإذا كانت اليبوسة لانعدام التأمل ، إذ وقع الكلام على الصخر، فالجهاد يرتبط بالتوبة .
إزاء تجارب الصلاة
2732- التجربة الأكثر شيوعا والأخفى هي قلة الإيمان، التي تبدو في تفضيل واقعي أكثر مما في عدم إيمان معلن. فعندما نبدأ بالصلاة، تحضرنا، وكأن لها الأولية، آلاف الأعمال والهموم التي نعدها ملحة. وهذا هو، من جديد، أوان حقيقة القلب وما تفضله محبته. وحينا نلتفت إلى الرب كملاذنا الأخير: ولكن هل نؤمن بذلك؟ وحينا نتخذ الرب كحليف، ولكن القلب لا يزال بالاعتداد. وفي كل حال تظهر قلة إيماننا إننا لسنا بعد في استعداد القلب المتواضع :” إنكم بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئا” (يو 15: 5).
2733- هناك تجربة أخرى يفتح لها الاعتداد بالنفس الباب وهي السأم. ويعني بذلك الآباء الروحيون شكلا من أشكال سقوط الهمة سببه التراخي في الرياضة الروحية، والضعف في التيقظ، وإهمال القلب :” إن الروح نشيط، أما الجسد فضعيف” (متى 26: 41).وكلما سقط الإنسان من الأعلى كان الأذى اللاحق به أكبر. وهبوط العزم الأليم هو الوجه الخلفي للاعتداد: فمن كان متواضعا لا يتعجب من شقائه، الذي يحمله على مزيد من الثقة، وعلى الصمود في الثبات .
3. الثقة البنوية
2734- الثقة البنوية تمتحن- وتبرهن عن ذاتها- في الشدة . والصعوبة الكبرى هي في صلاة الطلب لأجل الذات أو لأجل الآخرين في الشفاعة. وبعضهم يتوقف حتى عن الصلاة لأنهم يحسبون أن سؤلهم لم يستجب. وهنا يطرح سؤالان : لماذا نحسب أن سؤلنا لم يستجب؟ وكيف تستجاب صلاتنا وتكون “فاعلة” ؟
لماذا نشتكي من أننا لم نستجب ؟
2735- هناك أمر يدعو أولا إلى العجب. عندما نسبح الله أو نشكره لأجل إحساناته عموما،لا تقلق لمعرفة هل صلاتنا مرضية لدية. وبإزاء ذلك نقتضي أن نرى نتيجة طلبنا. فما هي إذن صورة الله التي تحملنا على الصلاة؟ وسيلة نستعملها أو أبو ربنا يسوع المسيح؟
2736- هل نحن متيقنون “أننا لا نعرف كيف نصلي كما ينبغي” (رو 8: 26)؟ هل نسأل الله “الخيرات الموافقة”؟ وأبونا يعلم جيدا بما نحتاج إليه،قبل أن نسأله ، ولكنه ينتظر سؤالنا لأن كرامة أولاده هي في حريتهم. ومن الواجب أن نصلي مع روحه، روح الحرية لكي نستطيع أن نعرف في الحقيقة رغبته .
2737- “ليس لكم شيء لأنكم لا تطلبون. تطلبون ولا تناولون لأنكم تسيئون الطلب، إذ تبتغون الإنفاق في ملذاتكم” (يع 4: 2-3) . فإذا سألنا بقلب مقسم “فاجر” ، لا يستطيع الله الاستجابة لنا، لأنه يريد خيرنا، وحياتنا. “أو تظنون أن الكتاب يقول عبثا: إن الله يحب، حتى الغيرة، الروح الذي أحله فيكم؟ ” (يع 4: 5). إلهنا “غيور” علينا، وهذا هو الدليل على صدق محبته لندخل في رغبة روحه فيستجاب لنا: “لا تجزع إذا لم تتلق من الله على الفور ما تسأله ؛ فهو يزيدك خيرا بمواظبتك على البقاء معه في الصلاة ” . إنه يريد “أن يمتحن رغبتنا في الصلاة . إنه يهيئنا لتقبل ما هو مستعد لمنحنا ” .
كيف تكون صلاتنا فاعلة ؟
2738- إن الكشف عن الصلاة في تدبير الخلاص يعلمنا أن الإيمان يستند إلى عمل الله التاريخ. والثقة النبوية مبعثها عمله المتميز أي الأم ابنه وقيامته. والصلاة المسيحية هي مساهمة في عنايته، وفي تصميم حبة للبشر .
2739- هذه الثقة هي، عند القديس بولس، جريئة ، مرتكزة على صلاة الروح فينا، وعلى محبة الآب وأمانته، هو الذي أعطانا ابنه الحبيب ، وتبدل القلب الذي يصلي هو الجواب الآول عن سؤالنا .
2740- صلاة يسوع تجعل الصلاة المسيحية طلبا فاعلا . إنه مثالها، فهو يصلي فينا ومعنا. وبما أن قلب الابن لا يلتمس إلا ما يرضي الآب، فكيف يتعلق قلب الأولاد بالتبني بالعطايا أكثر مما بالمعطي ؟
2741- يسوع يصلي أيضا لأجلنا، وبدلا منا ولمصلحتنا. وكل طلباتنا قد جمعت مرة واحدة عن الكل في صراخه على الصليب، واستجابها الآب في قيامته . لذلك فهو لا ينب يشفع فينا عند الآب . وإذا كانت صلاتنا متحدة بقوة بصلاة يسوع، في ثقة وجرأة بنوية، نحصل على كل ما نسأل باسمه، وأكثر من هذا وذاك، على الروح القدس عينه الذي يحوي جميع المواهب .
4. الثبات على المحبة
2742- “صلوا بلا انقطاع” (1 تس 5: 17)، “في كل وقت وعلى كل حال اشكروا الله الآب، باسم ربنا يسوع المسيح” (أف 5: 20). “صلوا كل حين في الروح كل صلاة ودعاء. اسهروا لهذا في مواظبة لا تني، وصلوا لأجل جميع القديسين ” (أف 6: 18). “لم يفرض علينا أن نعمل ونسهر ونصوم دائما، بينما ألزمنا بشريعة الصلاة بلا انقطاع” . وهذا النشاط الذي لا يكل لا يمكن أن يأتي إلا من المحبة. وجهاد الصلاة ضد ثقلنا وكسلنا هو جهاد المحبة المتواضعة ، الواثقة ، المثابرة . وهذه المحبة تفتح قلوبنا على ثلاث بينات منيرة ومحيية :
2743- الصلاة هي ممكنة دائما : فزمن المسيحي هو زمن المسيح القائم الذي هو “معنا كل الأيام” (متى 28: 20)، مهما كانت العواصف . زمننا هو بيد الله : “من الممكن حتى في السوق أو في نزهة منفردة أن تصلي صلاة كثيرة وحارة، وأنت جالس في حانوتك سواء للشراء أو للبيع ، أو حتى للطبخ” .
2744- الصلاة ضرورة حياتية . والبرهان بالعكس لا يقل إثباتا لذلك: فنحن إن لم ننقد للروح فسنقع تحت عبودية الخطيئة . كيف يستطيع أن يكون “حياتنا” إذا كان قلبنا بعيدا عنه؟ ” لا شيء تساوي الصلاة قيمة؛ إنها تجعل المستحيل ممكنا، والصعب سهلا. من المستحيل على الإنسان الذي يصلي أن يخطأ” . “من يصل يخلص بالتأكيد : ومن لا يصلي يهلك بالتأكيد ” .
2745- لا يمكن الفصل بين الحياة المسيحية والصلاة لأن موضوعهما هو المحبة ذاتها والتجرد ذاته الناتج عن المحبة؛ والمطابقة النبوية المحبة ذاتها لقصد محبة الآب؛ والاتحاد ذاته الذي يحولنا في الروح القدس، والذي يجعلنا نزداد دوما تطابقا مع المسيح يسوع؛ والمحبة ذاتها لجميع البشر، وهي من تلك المحبة التي أحبنا بها يسوع. “يعطيكم الآب جميع ما تسألونه باسمي. فما أوصيكم به إذن هو أن يحب بعضكم بعضا” (يو 15: 16-17). “ذاك يصلي بلا انقطاع من يقرن الصلاة بالأعمال والأعمال بالصلاة. هكذا فقط نستطيع أن نرى مبدأ الصلاة بلا انقطاع قابلا للتطبيق” .
صلاة ساعة يسوع
2746- عندما حانت ساعة يسوع، صلى إلى الآب . وصلاته، التي هي أطول ما نقله الإنجيل، تتناول كل تدبير الخلق والخلاص، وكذلك موته وقيامته. إن صلاة ساعة يسوع تبقى دائما له، مثلما فصحه الذي حدث “مرة فقط” يبقى حاضرا في ليترجيا الكنيسة .
2747- التقليد المسيحي يدعوها بحق صلاة يسوع “الكهنوتية” . إنها صلاة حبرنا الأعظم، وهي لا تنفصل عن ذبيحته، وعن “عبورة” (الفصح)إلى الآب حيث يكرس كله للآب .
2748- في هذه الصلاة الفصحية المرتبطة بالذبيحة، كل شيء “يستعاد مختصرا فيه” : الله والعالم، الكلمة والجسد، الحياة الأبدية والزمن، المحبة التي تسلم ذاتها والخطيئة التي تخونها، التلاميذ الحاضرون والذين يؤمنون به عن كلامهم، الاتضاع والمجد. إنها صلاة الوحدة .
2749- لقد أكمل يسوع كل شيء من عمل الآب.وصلاته، كذبيحته ، تمتد إلى انتهاء الزمن. وصلاة “الساعة” تملأ الأزمنة الأخيرة وتؤدي بها إلى نهايتها. إن يسوع، الابن الذي أعطاه الآب كل شيء ، قد سلم ذاته كلها للآب، وفي الوقت ذاته، هو يتكلم بحرية عظيمة ، بالسلطة التي أولاه الآب غياها على كل جسد. والابن الذي جعل نفسه عبدا هو الرب القدير (بانتوكراتور). وحبرنا الأعظم الذي يصلي لأجلنا هو أيضا الذي يصلي فينا، والإله الذي يستجيب لنا .
2750- بدخولنا في اسم الرب يسوع القدوس، نستطيع أن نتقبل من الداخل الصلاة التي يعلمنا إياها :” أبانا”. فصلاته الكهنوتية توحي من الداخل بطلبات الأبانا الكبرى: الاهتمام باسم الآب ، والهيام بملكوته (المجد) ، وإتمام مشيئة الآب، وتصميمه الخلاصي ، والتحرير من الشر .
2751- أخيرا يكشف لنا يسوع في هذه الصلاة ويعطينا “معرفة” الآب والابن التي لا يمكن فصلها،والتي هي سر حياة الصلاة بعينه.
بإيجاز:
2752- تفترض الصلاة جهدا وجهادا لأنفسنا ولحيل المجرب. وجهاد الصلاة لا يمكن فصله عن “الجهاد الروحي” الضروري للسلوك عادة بحسب روح المسيح: يصلي الإنسان كما يعيش لأنه يعيش كما يصلي.
2753- في جهاد الصلاة علينا أن نجابه مفاهيم خاطئة،وتيارات متنوعة من العقليات،واختبار إخفاقاتنا.فينبغي أن نجيب بالتواضع والثقة والثبات عن هذه التجارب التي تلقي الشك في فائدة الصلاة بل في إمكانها ذاته.
2754- المصاعب الكبرى في ممارسة الصلاة هي التشتت واليبوسة.والعلاج هو في الإيمان والتوبة وتيقظ القلب.
2755- هناك تجربتان تهددان مرارا كثيرة الصلاة: قلة الإيمان والسام، الذي هو شكل من أشكال سقوط الهمة ناتج عن التراخي في الرياضة الروحية ودافع إلى فتور العزم.
2756- توضع الثقة النبوية موضع الامتحان عندما نشعر بأننا لم نستجب دائما. فيدعونا الإنجيل إلى أن نتساءل عن تطابق صلاتنا ورغبة الروح.
2757- “صلوا بلا انقطاع”(1 تس 17:5).ان الصلاة ممكنة دائما، بل هي ضرورة حياتية ولا يمكن فصل الصلاة عن الحياة المسيحية.
2758- إن صلاة “ساعة يسوع” ،المسماة بحق “صلاة كهنوتية”،تستعيد وتختصر كل تدبير الخلق والخلاص.وهي توحي بطلبات “الأبانا” الكبرى.
Discussion about this post