الاحتفال بالسر المسيحي (1066-1134)
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة
الجزء الثاني
الاحتفال بالسر المسيحي
لماذا الليترجيا؟
1066- في قانون الإيمان ،تعترف الكنيسة بسر الثالوث الأقدس “وقصد محبته”(اف 1: 9) في شأن الخليقة كلها: فالآب يحقق “سر مشيئته” بإرساله ابنه الحبيب وروحه القدوس لخلاص العالم ومجد اسمه . ذاك هو سر المسيح الذي كشف وحقق في التاريخ، بمقتضى خطة ورسم محكم التنسيق، يسميه القديس بولس “تدبير السر”(اف 3: 9)، وسوف يسميه التقليد الأبوي “تدبير الكلمة المتجسد” أو ”تدبير الخلاص”.
1067- “وهذا العمل الذي كان به الفداء للبشر والتمجيد الأكمل الله، والذي مهدت له العظائم الإلهية في شعب العهد القديم، أتمه السيد المسيح خصوصا بالسر الفصحي ، سر آلامه الحميده ،وقيامته من مثوى الأموات وصعوده المجيد ،بالسر الفصحي الذي”قضى فيه على موتنا بموته، وبعث الحياة في حياتنا بقيامته. ”إذ أنه من جنب المسيح الراقد على الصليب تفجر السر العجيب ،سر الكنيسة بأسرها”. ولذلك فالكنيسة ،في الليترجيا، تحتفل خصوصا بالسر الفصحي الذي أتم به المسيح عمل خلاصنا.
1068- سر المسيح هذا ،تبشر به الكنيسة وتحتفل به في الليترجيا، ليحيا به المؤمنين ويشهدوا له في العالم:
“فالليترجيا، ولا سيما ذبيحة الافخارسيا الإلهية ،التي بها “يتم عمل فدائنا” تساعد المؤمنين الى ابعد حد في ان يبينوا ويعلنوا للاخرين ،بسيرتهم ،سر المسيح وهوية الكنيسة الحقيقية ومفهومها الصحيح”.
ما معنى لفظة ليترجيا؟
1069- لفظة “ليترجيا”، تعني أصلا “عملا عموميا” “خدمة من الشعب وللشعب”. وهي تعني، في التقليد المسيحي، أن شعب الله يشترك في “عمل الله”. بالليترجيا يتابع المسيح، فادينا وعظيم كهنتنا، في كنيسته ومعها وبها،عمل فدائنا.
1070- لفظة”ليترجيا”،في العهد الجديد، درج استعمالها في الدلالالة، لا على الاحتفال بشعائر العبادات الإلهية وحسب ، بل على البشارة بالإنجيل والمحبة الفاعلة .في كل هذه الأحوال نجد إشارة إلى خدمة الله والناس.في الاحتفال الليترجي، تقف الكنيسة خادمة ، على صورة ربها “الكاهن الأوحد” ،تشاركه الكهنوت (شعائر العبادة)النبوي (البشارة)والملوكي (خدمة المحبة).
“بحق إذن تعتبر الليترجيا ممارسة لوظيفة يسوع المسيح الكهنونية .بهذه الممارسة يتقدّس الإنسان، عبر الرموز الحسية،بنعمة منوطة بكل هذه الأسرار،وذلك في احتفال ديني متكامل يقوم به جسد يسوع المسيح السري إلى رأس الجسد وأعضاوه. ومن ثم فكل احتفال ليترجي، بصفته عمل المسيح الكاهن وعمل الكنيسة جسده ،إنما هو ذروة الأعمال المقدسة الذي لا يوازي فاعليته ، قيمة ودرجة أي عمل آخر من أعمال الكنيسة” .
الليترجيا ينبوع حياة
1071- الليترجيا هي عمل المسيح وهي أيضا عمل كنيسته. إنها تحقق وتعلن الكنيسة علامة ظاهرة للشركة القائمة، بالمسيح، بين الله والبشر ،وتولج المؤمنين في حياة الجماعة الجديدة ،وتفترض لدى الجميع مشاركة “واعية وفاعلة ومثمرة”.
1072-“الليترجيا لا تستغرق كل العمل الكنسي” .بل يجب أن يسبقها البشارة والإيمان والتوبة، وعندئذ تؤتي ثمارها في حياة المؤمنين: وهي الحياة الجديدة في الروح ،والتطوع لرسالة الكنيسة وخدمة وحدتها.
الصلاة والليترجيا
1073- الليترجيا هي أيضا اشتراك في صلاة المسيح، يرفعها الآب في الروح القديس. فيها تجد كل صلاة مسيحية مصدرها وغايتها. بالليترجيا يتأصل الإنسان الباطن ويتأسس “في الحب العظيم به أحبنا الآب”(اف 2: 4)، في ابنه الحبيب. إنها “آية الله العجيبة” نحياها داخليا في كل صلاة نرفعها “في الروح في كل وقت” (اف 6: 18).
الكرازة والليترجيا
1074- “الليترجيا هي القمة التي يرتقي إليها عمل الكنيسة. وهي، إلى ذلك المنبع الذي تنبع منه كل قوتها”. وهي، بالتالي، المكان الميز لإلقاء الكرازة على شعب الله. “الكرازة مرتبطة ارتباطا صميما بكل عمل ليترجي وأسراري، ففي الأسرار ولا سيما في الافخارستيا، يعمل المسيح يسوع ملء عمله لإصلاح البشر” .
1075- هدف الكرازة الليترجية أن تولج المؤمنين في سر المسيح (الميستاغوجية”، منطلقة من المرثي إلى اللامرثي ، ومن الدال إلى المدلول عليه ،ومن “الأسرار إلى الغيوب”.هذه الكرازة تدخل في نطاق كتب التعليم الديني المحلية والإقليمية. أما كتاب التعليم الديني هذا فهو في خدمة الكنيسة كلها ،بمختلف طقوسها وثقافاتها ،ويتضمن عرضا لكل ما هو أساسي ومشترك في الكنيسة في شأن الليترجيا من حيث هي سر واحتفال (القسم الأول)، ثم نأتي على تفصيل الأسرار السبعة وأشباه الاسرار (القسم الثاني).
1076- يوم العنصرة أظهرت الكنيسة للعالم بفيض من الروح القدس ، .عطية الروح هذه افتتحت عهدا جديدا ”لتعلميم السر”: إنه زمن الكنيسة ،فيه يعلن المسيح عمله الخلاصي ويفعله ويوزعه ،من خلال ليترجيا كنيسته ،”أي أن ياتي”(1كو 11: 26).على امتداد زمن الكنيسة هذا، يحيا المسيح ويعمل في كنيسة ومع كنيسته بوجه جديد يلائم هذا الزمن الجديد .إنه يعمل بواسطة الأسرار ،وهذا ما يسميه التقليد المشترك ،في الشرق ،”التدبير الأسراري “، وقوامه “توزيع” ثمار سر المسيح الفصحي في الاحتفال الكنسي بالليترجيا “الأسرارية”.
من الأهمية إذن بمكان أن نوضع اولا “توزيع الأسرار”هذا (الفصل الأول).وهكذا تتضع، بأكثر جلاء، طبيعة الاحتفال الليترجي وملامحمه الجوهرية (الفصل الثاني).
القسم الأول :التدبير الإلهي في حياة الأسرار
الفصل الأول : السر الفصحي في زمن الكنيسة
المقال الأول :
الليترجيا –عمل الثالوث الأقدس
1.الآب، مصدر الليترجيا وغايتها
1077- “تبارك إله ربنا يسوع المسيح وأبوه. باركنا في المسيح كل بركة روحية في السماوات .ذلك بأنه اختارنا قبل إنشاء العالم، لنكون عنده قديسين بلا عيب في المحبة، وقدر لنا أن يتبنانا بيسوع المسيح على ما ارتضته مشيئته ،لحمد نعمته السنية التي أنعم بها علينا في الحبيب”(اف 1: 3- 6).
1078- البركة عمل إلهي يفيض الحياة ويصدر من الآب. بركته كلمة وعطية معا طبقت هذه اللفظة على الإنسان فمعناها العبادة والتسليم للخالق في الشكر.
1079- من البداية وحتى نهاية الآزمان ،عمل الله كله بركة: ابتداء من النشيد الليترجي في مطلع الخليقة وحتى أناشيد أورشليم السماوية ،نرى الكتاب الملهمين يعلنون قصد الخلاص بركة إلهية لا حد لها.
1080- منذ البدء ،بارك الله الأحياء ،وبخاصة الرجل والمراة .عهد الله مع نوح ومع جميع الكائنات الحية جدد هذه البركة المخصبة،بالرغم مما ارتكبه الإنسان من خطيئة أمست بها الأرض “لعنة”.بيد أن هذه البركة الإلهية بدأت منذ ابراهيم تتغلغل في التاريخ البشري الزاحف نحو الموت، لتعيده ثانية إلى الحياة ، وإلى ينبوعه الأول :وهكذا بزغ تاريخ الخلاص بقوة إيمان “أبي المؤمنين” الذي تقبل البركة.
1081- نجلت البركات الإلهية عبر أحداث عجيبة ومخلصة :مولد اسحق ،النزوح من مصر (الفصح والخروح)،موهبة أرض الميعاد ،اختيار داود،حضور الله في الهيكل المنفى المطهر وعودة “البقية الباقية”.ان الناموس والانبياء والمزامير التي تحبك ليترجيا الشعب المصطفى تذكر بهذه البركات الالهية كما انها تصدي لها بتبريكات حمد وشكر.
1082- في ليترجيا الكنيسة ، تتجلى البركة الإلهية تجليا كاملا وتوزع على المؤمنين : فالآب يعلن فيها ويعبد بوصفه مصدرا وغاية لكل بركات الخليقة والخلاص .إنه يغمرنا ببركاته بكلمته الذي تجسد ومات وقام لأجلنا ،وبه يفيض في قلوبنا العطية التي تحوى كل العطايا :أي الروح القدس.
1083- بتنا نفهم ،الآن، الليترجيا المسيحية في بعديها :فهي استجابة إيمان وحب “للبركات الروحية”آالتي يمن بها الاب علينا . فمن جهة ،نرى الكنيسة ،متحدة بربها، وبدافع من الروح القدس ،تبارك الآب ”على هبته التي لا توصف”(2كو 9: 15)، عابدة حامدة شاكرة. ومن جهة آخرى ،وحتى انقضاء قصد الله، لا تني الكنيسة تقترب للآب “قربان عطاياها” وتتضرع إليه ليرسل الروح القدس على هذا القربان وعليها وعلى المؤمنين وعلى العالم أجمع، لكي تؤتي هذه البركات الإلهية، بالاشتراك في موت المسيح-الكاهن وقيامته، وبقدرة الروح ، ثمار حياة “لحمد نعمته السنية”(اف 1: 6).
2.عمل المسيح في الليترجيا
المسيح المجد…
1084- إن المسيح،”الجالس إلى يمين الآب”والمفيض الروح القدس على جسده إلى الكنيسة ،يعمل بواسطة الأسرار التي أقامها لتوزيع نعمته. الأسرار هي علامات حسية (كلمات وأعمال) قريبة المنال لبشريتنا في وضعها الراهن، تحقيق فاعلية النعمة التي ترمز إليها ،بقوة عمل المسيح وقدرة الروح القدس.
1085- في ليترجيا الكنيسة يعبر المسيح خصوصا عن سره الفصحي وبحققه .لقد كان المسيح ،في غضون حياته الأرضية ، يعلن سره الفصحي . بتعليمه ويستبق حدوثه بأعماله .فعندما حانت ساعته ، اختبر الحدث التاريخي الأوحد الذي لا يطويه زمان: لقد مات يسوع وقبر وقام من بين الأموات وجلس إلى يمين الآب ”مرة واحدة”(رو 6: 10، عب 7: 27، 9: 12).إنه حدث حقيقي طرأ على تاريخنا ،ولكنه حدث فرد: كل ما سواه من أحداث التاريخ يحدث مرة ثم يعبر ويبتلعه الماضي. وأما سر المسيح الفصحي فلا يمكن أن يتلبث فقط في الماضي لأن المسيح بموته إباد الموت، ولأن المسيح كله بهويته وبكل ما صنعه وكابده في سبيل الناس أجمعين يشترك في الأبدية الإلهية ويشرف هكذا على جميع الأزمان ويظل فيها حاضرا . إن حدث الصليب والقيامة يدوم ويجتذب إلى الحياة كل شيء .
… منذ عهد كنيسة الرسل
1086-“كما أن المسيح أرسله الآب، أرسل هو تلاميذه وقد ملاهم الروح القدس، كارزين بالإنجيل للخليقة كلها ،لا ليبشروا فقط بأن ابن الله حررنا بموته وبقيامته من سلطان ابليس ومن الموت ونقلنا إلى ملكوت أبيه،بل لينهضوا بهذا العمل الخلاصي الذي بشروا به، وذلك بالذبيحة والأسرار التي تدور حولها الحياة الليترجية بكاملها” ، .
1087-هكذا عندما وهب المسيح القائم من القبر الروح القدس لتلاميذه، وكل إليهم سلطان التقديس :فأصبحوا علامات المسيح السرية ،وبقدرة هذا الروح القدس عينه ،فوضوا هذا السلطان إلى خلفائهم .هذه “الخلافة الرسولية” هي قوام كل الحياة الليترجية في الكنيسة ،وهي نفسها تحمل الطابع الأسراري، لأنها تنتقل بواسطة سر الكهنوت.
…حاضر في الليترجيا الأرضية…
1088-“للقيام بعمل عظيم كهذا”-أي لتعميم العمل الخلاصي وابصاله –”ولا ينفك المسيح حاضرا إلى جانب كنيسته ولا سيما في الأعمال الليترجية. إنه حاضر في ذبيحة القداس ،وفي شخص خادم السر.”فالذي يقدم الآن على يد الكهنة هو الذي قدم ذاته على الصليب حينذاك “،وبأعلى درجة تحت اشكال الافخارستيا.انه حاضر بقوته في الاسرار ، فاذا عمد احد، كان المسيح نفسه هو المعمد ،وهو حاضر في كلمته،لأنه هو المتكلم عندما تقرأ الكتب المقدسة في الكنيسة .وهو حاضر أخيرا عندما تصلي الكنيسة ، وترتل المزامير ،لأنه هو الذي وعد قائلا :”حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي ،فأنا أكون هناك فيما بينهم”(متى 18: 20)” ..
1089-“وللقيام فعلا بهذا العمل العظيم الذي يتمجد به الله أكمل تمجيد، وبتقدس البشر، يتعاون المسيح دائما وكنيسته ،عروسه الحبيبة ،التي تبتهل إليه على انه سيدها، وبه تؤدي العبادة إلى الآب الأزلي ” ..
…الذي يشترك في الليترجيا السماوية
1090-“في الليترجيا الأرضية ،يكون اشتراكنا استعجالا لتذوق الليترجيا السماوية التي نسعى إليها في ترحالنا ،والتي يحتفل بها في أورشليم المدينة المقدسة حيث يجلس المسيح إلى يمين الله خادما للأقداس والمسكن الحقيقي ،وحيث – مع جميع أجناد الجيش العلوي – نشيد للرب نشيد المجد. وإننا بتكريمنا ذكر القديسين ،نأمل أن يكون لنا نصيب في مجتمعهم ،كما إننا ننتظر سيدنا يسوع المسيح مخلصنا لنا، إلى أن يتجلى ،هو حياتنا ، ونتجلى نحن معه في المجد” .
3.الروح القدس والكنيسة في الليترجيا
1091- الروح القدس ،في الليترجيا ،هو الذي يثقف إيمان شعب الله وهو الذي يصنع “روائع الله”، أعني بها اسرار العهد الجديد.انه رغبة الروح وعمله في قلب الكنيسة هما أن نحيا المسيح الناهض .وعندما يلقى فينا جواب الإيمان الذي هو باعثه، يتم تعاون حقيقي ، به تصبح الليترجيا عملا مشتركا بين الروح القدس والكنيسة.
1092- في هذه الطريقة التي يتم فيها توزيع سر المسيح عبر الأسرار ،يعمل الروح القدس نفس عمله في سائر أزمنة التدبير الخلاصي :فهو يعد الكنيسة للقاء سيدها ،ويعيد ذكرى المسيح ويعلنه لإيمان الجماعة ،ويجعل سر المسيح ،بقدرته المحولة حاضرا لدينا ومزامنا لنا. وبما أنه روح الشركة فهو يضم الكنيسة إلى حياة المسيح ورسالته.
الروح القدس يعدنا لاستقبال المسيح
1093- إن الروح القدس يحقق، من خلال التدبير الأسراري، رموز العهد القديم. فالكنيسة قد “هيئت بوجه عجيب، بتاريخ شعب إسرائيل وفي العهد القديم”. ومن ثم فليترجيا الكنيسة تحتفظ بعناصر من شعائر العهد القديم، وتتبناها جزءا مكملا لا بديل منه:
– أهمها قراءة العهد القديم
– صلاة المزامير
– وخصوصا ذكرى الأحداث المخلصة والحقائق المغزوية التي تحققت في سر المسيح (الوعد والعهد ،الخروج والفصح الملكوت والهيكل ،المنفى والعودة).
1094- هذا التناغم بين العهدين هو المحور الذي تدور حوله كرازة الرب الفصحية ثم كرازة الرسل والآباء من بعده .هذه الكرازة تكشف ما كان مطويا في حرفية العهد القديم ،أعني به سر المسيح ،وتعرف بالكرازة “الإيماثية “،لأنها تكشف جدة المسيح انطلاقا من”النماذج” التي اومات إليها في الأحداث والأقوال والرموز المتضمنة في العهد الأول. هذه القراءة الجديدة للعهد القديم في روح الحقيقية ،ومن منطلق المسيح، تكشف القناع عن الرموز . فالطوفان وفلك نوح هما رمز الخلاص بالمعمودية ،وكذالك الغمامة واجتياز البحر الأحمر ،والماء المتفجر من الصخرة ،كلها ترمز إلى مواهب المسيح الروحية ،كما يرمز من الصحراء إلى الافخارستيا “الخبز الحقيقي النازل من السماء “(يو 6: 32).
1095- ولذا فالكنيسة ولا سيما في الزمن الاعدادي للميلاد ،وفي فترة الصوم ، وخصوصا في ليلة الفصح، تقرأ وتعيش ثانية هذه الأحداث الكبرى في تاريخ الخلاص في “انية “ليترجيتها .ولكن في ذلك ما يوجب على الكارز أن يساعد المؤمنين في الانفتاح على هذا الفهم “الروحي” للتدبير الخلاصي كما تعلنه ليترجيا الكنيسة وتمكننا من أن نعيشه .
1096- الليترجيا اليهودية والليترجيا المسيحية.وقوفنا بوجه أفضل على إيمان الشعب اليهودي وحياته الدينية ،كما يعلمنا ويمارسها حتى اليوم ،قد يساعدنا في فهم بعض ملامح الليترجيا المسيحية .ففي نظر اليهود كما في نظر المسيحيين ،الكتاب المقدس هو جزء جوهري في ليتورجياتهم لإعلان كلمة الله.ليترجيا الكلمة، في هيكليتها الذاتية ،تمتد جذورها إلى الصلاة اليهودية .صلاة الساعات وغيرها من النصوص والصيغ الليترجية لها ما يوازيها في الصلاة اليهودية ،وكذالك التعابير التي يعتمدها أجل ما لدينا من صلوات ومنها صلاة “الأبانا”. الصلوات الافخارستية تستوحي ،هي أيضا ،نماذج من التقليد اليهودي. العلاقة بين الليترجيا اليهودية والليترجيا المسيحية ،وكذالك الفرق بين محتواهما، نلاحظهما خصوصا في أعياد السنة الليترجية الكبرى ،كعيد الفصح مثلا .فالمسيحيون واليهود يحتفلون بالفصح :فصح التاريخ ،المشدود إلى المستقبل عند اليهود،والفصح الناجز يموت المسيح وقيامته عند المسيحيين ،مع الترقب الدائم لإنقضائه الحاسم.
1097- في ليترجيا العهد الجديد،كما عمل ليترجي ،ولا سيما الاحتفال بالافخارستيا والأسرار ،هو لقاء بين المسيح والكنيسة . وتستمد الجماعة الليترجية وحدتها من “شركة الروح القدس” الذي يجمع أبناء الله في جسد المسيح الواحد، متخطية الوشائج البشرية والعرقية والثقافية والاجتماعية.
1098- على الجماعة أن تتهيأ للقاء ربها، وتكون “شعبنا مستعدا” .استعداد القلوب هذا هو العمل الذي يشترك فيه الروح القدس والجماعة ،ولا سيما خدمتها. نعمة الروح القدس تعمل على إيقاظ الإيمان وتوبة القلب وامتثال إرادة الآب.هذه الاستعدادات يفترض قيامتها تمهيدا لتقبل النعم الآخرى المعطاة في الاحتفال نفسه ،والثمار الحياة الجديدة التي ستؤتيها لاحقا.
الروح القدس يذكر بسر المسيح
1099- الروح والكنيسة يتعاونان في إعلان المسيح وعمله الخلاصي في الليترجيا . فالليترجيا هي تذكار سر الخلاص ،في الافخارستيا خصوصا،وفي سائر الأسرار قياسا. الروح القدس هو، في الكنيسة ، ذاكراتها الحية .
1100- كلام الله. يذكر الروح القدس الجماعة الليترجية أولا بفحوى الحدث الخلاصي ، فيضفي حياة على كلام الله المعلن ليكون موضوع قبول وحياة:
“للكتاب المقدس في احتفالات الليترجيا أهمية كبيرة جدا.فمنته النصوص التي تتلى وتفسير في العظة ،ومنه المزامير التي ترتل ومن وحيه ودفقه تنهل الصلوات والأدعية والأناشيد الطقسية ،ومنه تستقي الأعمال والرموز معانيها” .
1101- الروح القدس هو الذي يهب القراء والسماع، كلا بحسب استعدادات قلبه ،أن يفهموا كلام الله فهما روحيا. فهما روحيا . فمن خلال الأقوال والأعمال والرموز التي تؤلف حبكة الاحتفال ،يضع الروح القدس المؤمنين والخدمة في علاقة حية بالمسيح كلمة الآب وصورته ،لكي يفرغوا في حياتهم معنى ما يسمعونه ويتأملونه ويفعلونه في الاحتفال .
1102- “كلمة الخلاص هي التي تغذي الإيمان في قلوب المسيحيين وهي التي تلد وتنتمي شركة المسيحيين”
ولا تقتصر البشارة بكلمة الله على التعليم بل تستدعي جواب الإيمان ،إذعانا وإلتزاما لإقامة العهد بين الله وشعبه .والروح القدس هو الذي يهب أيضا نعمة الإيمان ويقويها وينميها في الجماعة. وما الاجتماع الليترجي إلا شركة في الإيمان ،قبل أي شيء آخر.
1103- “الاستذكار”.الاحتفال الليترجي يعيدنا دوما إلى تدخلات الله الخلاصية في التاريخ .”فالمكاشفة الإلهية تتم بواسطة أعمال أجراها الله وأقوال ساقها ،وكلاهما وثيق الارتباط (…).فالأقوال نشيد بالأعمال وتساعد في استشفاء السر المكنون فيها” في ليترجيا الكلمة “يذكر”الروح القدس الجماعة بكل ما صنعه المسيح لأجلنا .ففي كل احتفال ،وقفا لطبيعة الأعمال الليترجية والتقاليد الطقسية المرعية في الكنائس ،نأتي على “ذكر”عظائم الله في صلاة “تذكارية” على قليل أو كثير من الإسهاب .والروح القدس الذي يوقظ هكذا ذاكرة الكنيسة ،يبعث فيها عندئذ مشاعر الشكر والحمد (الذوكسولوجيا).
الروح القدوس يجعل سر المسيح انيا
1104- لا تكتفي الليترجيا المسيحية بأن تعيد إلينا ذكرى الأحداث التي خلصتنا،بل تجعلها انية حاضرة .سر المسيح الفصحي نحتفل به ولا نكرره .فالاحتفالات هي التي تكرر، وفي كل منها فيض الروح القدس،ويجعل من السر الأوحد حدثا انيا.
1105- الاستدعاء ،هو الصلاة التي يضرع بها الكاهن الى الله أن يرسل الروح المقدس لكي يحول القرابين الى جسد المسيح ودمه،ولكي يصير المؤمنون الذين يتناولون منها قربانا حيا الله.
1106- تحتل صلاة الاستدعاء مع صلاة الاستذكار مكان القلب في كل احتفال بالأسرار ،ولا سيما سر الافخارستيا:
“تتساءل كيف يصير الخبز جسد المسيح ،والخمر (…)دم المسيح؟ أنا أقول لك :إن الروح القدس يهب بغتة ويحقق ما يفوق كل كلام وكل فكر (…)وحسبك أن تسمع أن هذا من عمل الروح القدس، كما أن الرب، بذاته وفي ذاته ،قد اتخذ جسدا من العذراء القديسة بقوة الروح القدس” .
1107- إن قوة التحويل التي يمارسها الروح القدوس في الليترجيا، تسرع مجيء الملكوت ، وانقضاء سر الخلاص. وفيما ننتظر ونرجوا ،يجعلنا الروح القدوس نستبق حقا ملء الشركة مع الثالوث الأقدس. وهو الذي أرسله الآب الذي يستجيب “دعاء” الكنيسة ،يهب الحياة اللذين يستقبلونه ،ويكون لهم ،منذ الآن، بمثابة “عربون” ميراثهم.
شركة الروح القدس
1108- هدف رسالة الروح القدس ،في كل عمل ليترجي ،هو إدخالنا في شركة مع المسيح لبناء جسده .فالروح القدوس هو بمثابة الماوية في كرمة الآب التي تؤتي الأغصان ثمرها .في الليترجيا يتحقق التعاون الأوثق بين الروح القدس والكنيسة .فهو بوصفه روح الشركة ،يلبث في الكنيسة لا يفارقها ،ومن ثم فالكنيسة هي السر العظيم ،سر الشركة الإلهية الذي يجمع شمل أبناء الله المشتتين .ثمر الروح في الليترجيا هو ، في آن واحد، شركة مع الثالوث الأقدس وشركة أخوية .
1109- صلاة استدعاء الروح القدس من أهدافها أيضا تحقيق ملء اشتراك الجماعة في سر المسيح :”نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس”(2كو 13: 13)،يجب أن تظل دائما معنا وتؤتي ثمارا حتى من بعد الاحتفال الافخارستي .الكنيسة تصلي إلى الآب إذن ليرسل الروح القدس فيجعل من حياة المؤمنين تقدمة حية الله ويحولهم إلى صورة المسيح، ويجعلهم يهتمون بوحدة الكنيسة ويشتركون في رسالتها بشهادة السيرة وخدمة المحبة .
بإيجاز:
1110- في ليترجيا الكنيسة نبارك الله الآب ونعبده بوصفه مصدر كل بركات الخليقة والخلاص ،التي باركنا بها في ابنه، ليهبنا روح التبني.
1111- عمل المسيح في الليترجيا من خلال الأسرار، لأن سر خلاصه يتحقق فيها بقدرة روحه القدوس، ولأن جسده، أي الكنيسة، هو بمثابة سر (علامة واداة) به يعمم الروح القدس على الناس ثمار سر الخلاص، ولأن الكنيسة المترحلة، من خلال اعمالها الليترجية، تستبق، منذ الآن، طعم الاشتراك في الليترجيا السماوية.
1112- رسالة الروح القدس في ليترجيا الكنيسة أن يهيئ للقاء المسيح، وان يعلن المسيح ويعيد ذكره إلى الجماعة المؤمنة، وأن يجعل من عمل المسيح الخلاصي حدثا حاليا وانيا بقدرته الباعثة على التحول، وأن يثمر عطية الشركة في الكنيسة.
المقال الثاني
السر الفصحي في أسرار الكنيسة
1113- الحياة الليترجية في الكنيسة تدور كلها حول الذبيحة الافخارستية والأسرار . في الكنيسة أسرار سبعة: المعمودية والتثبيت او الميرون، الافخارستيا، التوبة، مسحة المرضى، الكهنوت، الزواج . في هذا المقال نعالج ما هو مشترك بين أسرار الكنيسة السبعة من الناحية العقائدية. وأما ما هو مشترك بينها من ناحية الاحتفال بها، فسيعرض في الفصل الثاني، وأما ما يخص كلا منها فسيعالج في القسم الثاني.
1. أسرار المسيح
1114- “في تقيدنا بعقيدة الكتب المقدسة والتقاليد الرسولية (…) وإجماع رأي الآباء” ، نعترف “بأن اسرار العهد الجديد قد أنشأها كلها ربنا يسوع المسيح” .
1115- إن أقوال يسوع وأعماله مدة حياته المستترة ورسالته العلنية، بات لها، مذ ذاك، فعلها الخلاصي. وكانت بمثابة استباق لقدرة سره الفصحي، وبمثابة أنباء وتمهيد لما كان مزمعا أن يمن به على الكنيسة عندما يتم كل شيء. إن مكنونات حياة المسيح هي مرتكزات النعم التي بات المسيح يوزعها في الأسرار، على يد خدمة الكنيسة، لأن “ما كان مرئيا في مخلصنا أصبح كامنا في أسراره” .
1116- الأسرار هي “القوى التي تخرج” من جسد المسيح ، الحي أبدا والمحيي، وهي أيضا أفعال الروح القدس العامل في جسد المسيح أي الكنيسة، وهي أخيرا “روائع الله” في العهد الجديد الأبدي.
2. أسرار الكنيسة
1117- لقد اكتشفت الكنيسة شيئا فشيئا، بالروح الذي “يرشدها إلى الحق كله” (يو 3:16) هذا الكنز الذي نالته من المسيح، وأوضحت طريقة “توزيعه”، كما فعلت ذلك في تحديد لائحة الكتب المقدسة وعقيدة الإيمان، بصفتها وكيلة أسرار الله . هكذا ميزت الكنيسة، على مدى الأجيال، من بين الاحتفالات الليترجية التي تحتفل بها، سبعة أسرار، بالمعنى الحصري، أنشأها الرب.
1118- الأسرار هي “من الكنيسة” بهذا المعنى المزدوج إنها “بها” و “لها”. فالأسرار هي “بالكنيسة”، لأن الكنيسة هي سر عمل المسيح الذي يعمل فيها بالروح القدس المبعوث إليها. وهي “للكنيسة”، لأن “الأسرار هي التي تصنع الكنيسة” : ولا بدع، فهي تعلن للناس وتبلغهم، ولا سيما في الافخارستيا، سر الشركة مع الله المحبة الواحد في ثلاثة أقانيم.
1119- الكنيسة التي تؤلف مع المسيح الرأس “شبه شخص واحد سري” ، تعمل، بواسطة الأسرار، عمل “أسرة كهنوتية” ، “مركبة تركيبا عضويا” : فبالمعمودية والتثبيت يصبح الكهنوتي اهلا لأن يحتفل بالليترجيا. وهناك، من جهة أخرى، مؤمنون “قد اتشحوا بكرامة الكهنوت المقدس، وأقيموا ليرعوا الكنيسة، باسم المسيح بالكلمة ونعمة الله” .
1120- الخدمة المرسومة أو “كهنوت الخدمة” هي في خدمة الكهنوت العمادي وهي كفيلة بأن المسيح، في الأسرار، هو الذي يعمل بالروح القدس لخير الكنيسة. رسالة الخلاص التي وكلها الآب إلى ابنه المتجسد، وكلت إلى الرسل وبهم إلى خلفائهم: فهم يتلقون روح يسوع ليعملوا باسمه وفي شخصه . وهكذا فالخادم المرسوم هو الصلة التي تربط، من خلال الأسرار، العمل الليترجي بما قال الرسل وعملوه، وبواسطتهم بما قاله وعمله المسيح منبع الأسرار ومرتكزها.
1121- الأسرار الثلاثة : المعمودية والتثبيت والكهنوت تولي المؤمن، مع النعمة “طابعا” أسراريا أو “خاتما” يشركه في كهنوت المسيح ويجعله جزءا من الكنيسة وفقا لأحوال ووظائف متنوعة. هذا التطبع بطابع المسيح والكنيسة الذي يحققه الروح، له أثر لا يمحى ، ويرسخ أبدا في المسيحي بمثابة استعداد إيجابي للنعمة، ووعد وضمانة للحماية الإلهية ودعوة إلى ممارسة العبادة الإلهية وخدمة الكنيسة. ومن ثم فهذه الأسرار لا تكرر أبدا.
3. أسرار الإيمان
1122- لقد أرسل المسيح رسله “ليعلنوا باسمه التوبة وغفران الخطايا في جميع الأمم” (لو 47:24). “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 19:28). رسالة التعميد، وبالتالي رسالة منح الأسرار، متضمنة في رسالة التبشير، لآن الاستعداد للسر يتم بكلمة الله وبالإيمان الذي هو انقياد لهذه الكلمة :
“يجتمع شعب الله أولا بكلمة الله الحي. (…) فلا بد لخدمة الأسرار من إعلان الكلمة، وذلك بأننا في صدد أسرار الإيمان، والإيمان تعوزه الكلمة ليولد ويترعرع”.
1123- “تهدف الأسرار إلى التقديس البشر وبنيان جسد المسيح وتأدية العبادة لله، وهي، بصفتها علامات، تهدف أيضا إلى التعليم. إنها لا تفترض الإيمان وحسب، ولكنها تغذية أيضا وتقويه وتعبرعنه بالألفاظ والأفعال، ولذا تدعى أسرار الإيمان” .
1124- إيمان الكنيسة يسبق إيمان المؤمن المدعو إلى اعتناقه. وعندما تحتفل الكنيسة بالأسرار فهي تعترف بالإيمان الموروث من الرسل. من هنا القول المأثور : “قاعدة الصلاة هي هي قاعدة الإيمان” (أو “قاعدة الإيمان تقرر قاعدة الصلاة”، على حد قول بروسبير الاكيتاني من القرن الخامس) . قاعدة الصلاة هي قاعدة الإيمان، ومفاد ذلك أن الكنيسة تؤمن على منوال ما تصلي. الليترجيا هي إذن من مقومات التقليد الحي المقدس .
1125- ولذا لا يجوز لأي خادم أو جماعة أن يغيرا أو يحورا على هواهما طريقة الاحتفال بالأسرار . وحتى السلطة العليا في الكنيسة لا يجوز أن تغير الليترجيا وفق رغبتها بل في طاعة الإيمان وفي شعور من الورع والاحترام لسر الليترجيا.
1126- وبما أن الأسرار، من جهة أخرى، تعبر عن شركة الإيمان في الكنيسة وتنميها، فقاعدة الصلاة هي من المقاييس الجوهرية للحوار الهادف إلى اعادة الوحدة بين المسيحيين .
4. أسرار الخلاص
1127- إن الأسرار ، إذا احتفل بها في الإيمان احتفالا لائقا، فهي تولي النعمة التي تومئ إليها . وهي أسرار فاعلة لأن المسيح نفسه يعمل من خلالها: فهو الذي يعمد، وهو الذي يفعل الأسرار ويمنح بها النعمة التي تدل عليها.
ويستجيب الآب دائما لصلاة كنيسة ابنه التي تعرب عن إيمانها بقدرة الروح، في استدعاء الروح القدس الذي يرافق كلا من الأسرار. فكما تحول النار كل ما تمسه، يحول الروح القدس إلى حياة إلهية كل ما يسلس لقدرته.
1128- وهذا ما تؤكده الكنيسة بقولها : إن الأسرار تعمل تلقائيا (أي بمجرد القيام بها)، أعني بقوة عمل المسيح الخلاصي الذي حققه دفعة واحدة. ويتبع ذلك أن “السر لا يتحقق ببر من يمنحه أو يناله، بل بقدرة الله” . فكل مرة يحتفل بالسر وفقا لنية الكنيسة، فإن قدرة المسيح وروحه يعملان فيه بمعزل عن قداسة القائم به. بيد أن ثمار الأسرار رهن باستعدادات من ينالها.
1129- تؤكد الكنيسة أن أسرار العهد الجديد ضرورية لخلاص المؤمنين . “فنعمة السر” هي نعمة الروح القدس يمنحها المسيح خصيصا لكل سر. فالروح يشفي ويغير الذين ينالونه ويصورهم على صورة ابن الله؛ وثمرة الحياة التي نستمدها من الأسرار هي أن روح التبني يؤله المؤمنين ويضمهم ضما محييا إلى الابن الوحيد المخلص.
5. أسرار الحياة الأبدية
1130- تحتفل الكنيسة بسر ربها “إلى أن يأتي” وإلى أن يصير الله “كلا في الكل” ( 1 كو 26:11؛ 28:15). منذ عهد الرسل نرى الليترجيا مشدودة إلى غايتها بانين الروح في الكنيسة: “مارانا تا”، (1 كو 22:16). وتشاطر الليترجيا هكذا رغبة يسوع: “اشتهيت شهوة شديدة أن آكل هذا الفصح معكم (….) إلى أن يتم في ملكوت الله” (لو 15:22-16). في أسرار المسيح، تحظى الكنيسة منذ الآن بعربون ميراثها، وتشترك منذ الآن في الحياة الأبدية، “منتظرة السعادة المرجوة وتجلي مجد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح” (تي 13:2). “يقول الروح والعروس : “تعال ! (….) تعال، أيها الرب يسوع” (رؤ 20:17:22).
يلخص القديس توما، في ما يلي، مختلف أبعاد علامة السر: “السر هو العلامة التي تذكر بما سبق، أي بآلام المسيح، وتبين بوضوح ما يتم فينا بفعل آلام المسيح، أي النعمة، وتستشرف أي تؤذن بالمجد الآتي” .
بايجاز:
1131- الأسرار هي علامات تحقق النعمة، وضعها المسيح ووكلها إلى الكنيسة وبها تسبغ علينا الحياة الإلهية.
الطقوس المرئية التي يتم بها الاحتفال بالأسرار، تبين وتحقق النعم التي يتميز بها كل سر، وهي تؤتي ثمرا في الذين يناولونها بالاستعدادات المفروضة.
1132- تحتفل الكنيسة بالأسرار بوصفها أسرة كهنوتية تستمد هيكليتها من الكهنوت العمادي وكهنوت الخدمة المرسومين.
1133- الروح القدس يعد المؤمنين لتقبل الأسرار بكلمة الله وبالإيمان الذي يستقبل الكلمة في قلوب مستعدة. إذ ذاك تصبح الأسرار أداة قوة وتعبير عن الإيمان.
1134- ثمرة الحياة المستمدة من الأسرار فردية وكنسية. هذه الثمرة تخول من جهة كل مؤمن أن يحيا لله في المسيح يسوع. وهي، من جهة أخرى، للكنيسة سبب نمو في المحبة وفي رسالتها الشاهدة.
Discussion about this post