الفصل الثاني (50-141)
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة
الفصل الثاني
الله في ملاقاة الإنسان
50- الإنسان يستطيع بالعقل الطبيعي أن يعرف الله معرفة يقينة انطلاقا من صنائعه. إلا أن هنالك نظام معرفة آخر يعجز الإنسان عن بلوغة بقواه الطبيعية، هو نظام الوحي الإلهي . فإن الله، بقرار منه حر تماما، يكشف عن ذاته ويهبها للإنسان. إنه يقوم بذلك عندما يوحي بسره، بقصده العطوف الذي عقده في المسيح منذ الأزل لصالح جميع البشر. إنه يكشف عن قصده كشفا كاملا بإرساله ابنة الحبيب، سيدنا يسوع المسيح، والروح القدس.
المقال الأول
وحي الله
1. الله يوحي بـ “قصده العطوف”
51- “لقد حُسن لدى الله، لفرط حكمته ومحبته، أن يوحي بذاته ويعلن سر مشيئتة من أن البشر يبلغون الآب، في الروح القدس، بالمسيح، الكلمة المتجسد، فيصبحون شركاءه في الطبيعة الإلهية”.
52- إن الله الذي “يسكن نورا لا يدنى منه” (1 تي 16:6) يريد أن يشرك البشر في حياته الإلهية الخاصة، البشر الذين خلقهم بحرية، لكي يجعل منهم، في ابنة الوحيد، أبناء بالتبني . فعندما يكشف الله عن ذاته يريد أن يجعل البشر قادرين على الاستجابة له، وعلى أن يعرفوه ويحبوه أكثر من كل ما قد يستطيعونه بقواهم الذاتية.
53- إن قصد الوحي الإلهي يتحقق في الوقت نفسه “بأعمال وأقوال وثيقة الارتباط في ما بينها، وموضح بعضها للبعض الآخر” إنه يقدم على “نظام تربوي إلهي” خاص: الله يتصل بالإنسان تدريجيا، يعدة مرحليا لتقبل الوحي الفائق الطبيعة الذي يكشف فيه عن ذاته والذي سيبلغ أوجه في شخص الكلمة المتجسد، يسوع المسيح، وفي رسالته.
كثيرا ما يتكلم القديس ايريناوس أسقف ليون على هذا النظام التربوي الإلهي في شكل تعود متبادل بين الله والإنسان: “كلمة الله سكن في الإنسان وصير ذاته ابنا للإنسان لكي يعود الإنسان على إدراك الله، ويعود الله على الحلول في الإنسان، وفاقا لما يرتضيه الاب”.
2. مراحل الوحي
منذ البدء يعرف الله بذاته
54- “الله الذي خلق ويحفظ بالكلمة جميع الأشياء، يقدم للبشر في الأشياء المخلوقة شهادة على ذاته لا تنقطع؛ وإذا أراد فوق ذلك أن يفتح الطريق نحو خلاص أسمى، أظهر أيضا ذاته، منذ البدء، لأبوينا الأولين”. لقد دعاهما إلى شركة حميمة مع ذاته ملبسا إياهما نعمة واستقامة متألقتين.
55- هذا الوحي لم ينقطع بسبب خطيئة أبوينا الأولين؛ فان الله، “بعد عثرتهما، وعدهما بفداء، وبعث فيهما الشجاعة عندما أحيا فيهما الأمل بالخلاص؛ وبغير انقطاع أظهر اهتمامه بالجنس البشري، حتى يمنح الحياة الأبدية لجميع الذين يلتمسون الخلاص بثباتهم في الصلاح”.
“عندما خسر صداقتك بانحرافه عنك، لم تسلمه لسلطان الموت. (…) لقد عددت معهم العهود”.
العهد مع نوح
56- بعدما تمزقت بالخطيئة وحدة الجنس البشري، سعى الله أولا في تخليص البشرية معالجا أجزاءها كلا على حدته. فالعهد مع نوح، بعد الطوفان، تعبير عن مبدا التدبير الإلهي في شأن “الأمم”، أي في شأن البشر الذين عادوا الى التجمع “بحسب بلدانهم، كل بحسب لغته وعشائرة” (تك 5:10).
57- هذا النظام الكوني والاجتماعي والديني معا في تعددية الأمم، هو معد للحد من كبرياء بشرية عاثرة تود، وهي غارقة بمجملها في الفساد، لو تصنع بنفسها وحدتها على طريقة بابل. ولكن، بسبب الخطيئة، لا يفتأ الشرك وتعبد الأمة ورئيسها للأصنام، يهددان هذا التدبير الموقت بفساد وثني.
58- العهد مع نوح قائم ما دام زمن الامم، الى أن يعم اعلان الانجيل. والتوراة تشيد ببعض الشخصيات العظيمة في “الامم” من امثال “هابيل الصديق”، والملك الكاهن ملكيصادق، صورة المسيح، أو الصديقين “نوح ودانيال وأيوب” (حز 14:14).
وهكذا فالكتاب المقدس يعبر عن أي مستوى رفيع من القداسة يستطيع أن يصل اليه من يعيشون على حسب العهد مع نوح في انتظار أن “يجمع المسيح أبناء الله المتفرقين إلى واحد” (يو 52:11).
الله يختار ابراهيم
59- إن الله يختار أبرام لكي يجمع البشرية المشتتة، داعيا إياه “إلى خارج أرضه وعشيرتة وبيت أبيه” (تك 1:12)، حتى يجعل منه ابراهيم أي “أبا جمهور أمم” (تك 5:17): “يتبارك بك جميع عشائر الأرض” (تك 3:12).
60- الشعب سليل ابراهيم سيكون المؤتمن على الوعد المقطوع للأجداد، الشعب المختار، المدعو لإعداد تجمع جميع أبناء الله يوما في وحدة الكنيسة؛ سيكون الجذر الذي يغرس فية الوثنيون المهتدون.
61- الأجداد والأنبياء وأشخاص آخرون من العهد القديم كانوا وسيكونون أبدا موضوع إجلال كقديسين في جميع تقاليد الكنيسة الليترجية.
الله ينشىء اسرائيل
62- الله نشأ، بعد الأجداد، اسرائيل شعبا له عندما خلصه من عبودية مصر. فعقد معه عهد سيناء، وأعطاه، على يد موسى، شريعته، لكي يعرفة ويخدمه إلها واحدا، حيا وحقيقيا، أبا ذا عناية وقاضيا عادلا، ولكي ينتظر المخلص الموعود به.
63- اسرائيل هو شعب الله الكهنوتي، الذي “ألقي عليه اسم الرب” (تث 10:28). إنه شعب أولئك الذين “تكلم الله إليهم أولا”، شعب “الأخوة الأبكار” في إيمان ابراهيم.
64- بالأنبياء نشأ الله شعبة على رجاء الخلاص، على انتظار عهد جديد وأبدي معد لجميع البشر، ومكتوب على قلوبهم. والأنبياء يبشرون بفداء جذري لشعب الله، بتطهيره من جميع مخالفاته، بخلاص يشمل جميع الأمم. وسيكون البؤساء وودعاء الرب أكثر من يحملون هذا الرجاء. النساء القديسات من أمثال سارة، ورفقة، وراحيل، ومريام، ودبورة، وحنة، ويهوديت، واستير، هؤلاء حافظن على رجاء خلاص اسرائيل حيا. ووجة مريم هو أشد الوجوة نقاء.
3. المسيح يسوع “وسيط كل الوحي وكمالة”
الله قال كل شيء في كلمته
65- “إن الله بعد إذ كلم الآباء بالأنبياء مرارا عديدة وبشتى الطرق، كلمنا نحن، في هذه الأيام الأخيرة، بالابن” (عب 1: 1-2). فالمسيح، ابن الله الذي صار إنسانا، هو كلمة الآب الوحيدة والكاملة والتي لا يمكن أن يفوقها شيء. فيه يقول كل شيء، ولن تكون كلمة أخرى غير هذه. والقديس يوحنا الصليب، بعد كثيرين غيره، يعبر عن ذلك بطريقة نورانية وهو يفسر عب 1: 1-2:
“إذ أعطانا الله ابنه، الذي هو كلمته، لم يبق لديه كلمة أخرى يعطيناها. لقد قال لنا كل شيء معا ودفعة واحدة في هذه الكلمة الوحيدة، وليس له شيء آخر يقولة (…)؛ لأن ما كان يقوله أجزاء في الأنبياء قاله كاملا في ابنه، عندما أعطانا هذا الكل الذي هو ابنه. ولهذا فمن يود الآن أن يسأله، أو برج رؤيا أو وحيا، فإنه لا يركب مركب جنون وحسب، بل يهين الله لكونه لا يلقي بنظرة على المسيح وحدة، غير ملتمس أمرا آخر، أو أمرا جديدا” .
لن يكون وحي آخر
66- “إذ كان التدبير المسيحي هو العهد الجديد والنهائي، فهو غير زائل أبدا، ولن يرتقب بعده وحي آخر علني جديد، إلى أن يتجلى ربنا يسوع المسيح في مجده”. ومع ذلك، وإن أتى الوحي على تمامه، فهو لم يتم الإفصاح الكامل عن مضمونه؛ فيبقى على الإيمان المسيحي أن يدرك عبر الأجيال وتدريجيا ما ينطوي عليه من فحوى.
67- شهدت الأجيال حالات وحي دعيت “خاصة”، واعترفت سلطة الكنيسة ببعض منها، إلا أن هذا البعض لا يعد من وديعة الإيمان. وليس من شأنه أن “يحسن” أو “يكمل” وحي المسيح النهائي، بل أن يساعد على الحياة فيه بطريقة أوفى في مرحلة من مراحل التاريخ. وبقيادة سلطة الكنيسة التعليمية يعرف حس المؤمنين أن يميز ويتقبل ما يكون في حالات الوحي هذه دعوة صحيحة للكنيسة من المسيح أو من قديسيه.
إن الإيمان المسيحي لا يستطيع أن يتقبل “وحيا” يدعي أنة يفوق أو يصحح الوحي الذي كان المسيح نهايته. تلك حال بعض الأديان غير المسيحية وكذلك حال بعض البدع الحديثة التي تقوم على مثل هذا “الوحي”.
بإيجاز:
68- بدافع المحبه كاشف الله الإنسان بنفسه وأعطاه ذاته. وهو يقدم بذلك جوابا نهائيا ومستفيضا عن الأسئلة التي يطرحها الإنسان على نفسه في موضوع معنى حياته وغايتها.
69- كاشف الله الإنسان بنفسه وهو يلقي إليه بسره الخاص تدريجيا وذلك بأعمال وأقوال.
70- إالى الشهادة التي يقدمها الله عن ذاته في الأشياء المخلوقة، كاشف أبوينا الأولين بنفسه. لقد خاطبهما، وبعد العثرة، وعدهما بالخلاص وقدم لهما عهده.
71- أبرم الله مع نوح عهدا أبديا ما بينه وبين كل نفس حي ؛ ولسوف يدوم ما دام العالم.
72- اختار الله ابراهيم وقطع عهدا معه ومع نسله. ومن ابراهيم ونسله أنشأ شعبه الذي أوحى إليه بشريعته بوساطة موسى. فأعده بالأنبياء لتقبل الخلاص الذي خصت به البشرية كلها جمعاء.
73- وقد أوحى الله بنفسة الوحي الكامل عندما أرسل ابنه الخاص الذي أقام فيه عهده إلى الأبد. وهو كلمة الآب النهائية، بحيث لا يكون بعده وحي آخر.
المقال الثاني
تناقل الوحي الإلهي
74- الله “يريد أن جميع الناس يخلصون ويبلغون إلى معرفة الحق” ( ا تي 4:2) أي معرفة المسيح يسوع . فيجب إذن أن يبشر بالمسيح جميع الشعوب وجميع البشر، وأن يصل هكذا الوحي إلى أقاصي العالم:
“إن الله الذي كشف حقائق الوحي لتخلص به جميع الأمم، عاد فمن عليهم أيضا بترتيبات ملائمة، لكي يحافظ هذا الوحي على عصمته حتى منتهى الدهور، ويتمكّن من الوصول، عبر تناقلة، إلى جميع الأجيال”.
1. التقليد الرسولي
75- “المسيح السيد الذي فيه يكتمل كل وحي الله العلي، بعد أن حقق في حياته وأعلن بلسانه الإنجيل الذي مهد له الأنبياء بمواعيدهم، أمر رسله أن يبشروا الناس أجمعين بهذا الإنجيل، منبعا لكل حقيقة خلاصية، ومصدرا لكل نظام خلقي، ويسبغوا هكذا على الجميع المواهب الإلهية”.
الكرازة الرسولية…
76- نقل الإنجيل، وفقا لأمر الرب، جرى على وجهين:
شفويا: “على لسان الرسل الذين نقلوا، عن طريق بشارتهم الشفوية، أو سيرتهم النموذجية، أو تنظيمهم القانوني، كل ما تسلموه من المسيح من كلام سمعوه، أو عيش ألفوه، أو أعمال عاينوها. كما نقلوا أيضا كل ما تلقنوه من إيحاءات الروح القدس”.
كتابة: “على يد هؤلاء الرسل ومعاونيهم الذين دونوا بشارة الخلاص هذه، بإلهام من الروح القدس عينه”.
… مواصلة في التعاقب الرسولي
77- “لكي تحافظ بشارة الإنجيل على نقاوتها وحيويتها بلا انقطاع، استخلف الرسل أساقفة”، “وقلدوهم ما كانوا يضطلعون به من مسؤولية التعليم” . “وهكذا، ترتب على الكرازة الرسولية التي تعبر عنها بنوع خاص الأسفار الملهمة، أن تحفظ سالمة، بتعاقب غير منقطع حتى منتهى الدهر” .
78- هذا النقل الحي، الذي يتم في الروح القدس، يدعى التقليد في كونه متميزا من الكتاب المقدس وإن كان وثيق الارتباط به. به “تواصل الكنيسة ابدا، في تعليمها وحياتها وعبادتها، وتنقل إلى كل جيل كل ما هي عليه، وكل ما تؤمن به” . “إن تعليم الآباء القديسين يشهد على حضور هذا التقليد حضورا محييا: فهو يتحول بثروت كلها إلى عمل وحياة في الكنيسة، عند ممارستها الإيمان وإقامتها الصلاة”.
79- وهكذا فالمكاشفة التي كشف فيها الآب عن ذاتة، بكلمته، في الروح القدس، هذة المكاشفة لا تزال حاضرة وفاعلة في الكنيسة: “إن الله الذي أسمع صوته قديما ما زال يتجاذب الحديث مع عروس ابنه الحبيب، والروح القدس الذي جعل صوت الإنجيل يدوي في الكنيسة، ومنها في العالم كله، يدخل المؤمنين في الحقيقة كلها، ويمكن كلام المسيح من الاستقرار في قلوبهم بوفرة”.
2. العلاقة بين التقليد والكتاب المقدس
ينبوع واحد مشترك…
80- “التقليد المقدس والكتاب المقدس مرتبطان أحدهما بالآخر، ومتصلان اتصالا وثيقا؛ إذ إنهما ينبجسان من ينبوع إلهي واحد، ولا يؤلفان، إذا صح القول، إلا كلا واحدا، ويسيعان إلى غاية واحدة” . هذا وذاك يجعلان سر المسيح في الكنيسة حاضرا وخصبا، المسيح الذي وعد بأن يمكث مع خاصته “أبدا، إلى منتهى العالم” (متى 20:28).
طريقتان للنقل متميزتان
81- “الكتاب المقدس هو كلمة الله من حيث انها مدونة كتابة بالهام من الروح القدس”
“أما التقليد المقدس فانه يحمل كلمة الله التي ألقى بها المسيح السيد والروح القدس الى الرسل، وينقلها بحذافيرها الى خلفائهم، حتى اذا كرزوا بها، وهم في غمرة أنوار روح الحق، يحافظون عليها، ويعرضونها وينشرونها بأمانة”.
82- ينتج من ذلك ان الكنيسة التي أودعت نقل الوحي وتفسيره، “لا تقتصر على الكتاب المقدس في الوصول الى يقينها في جميع نقاط الوحي. ولهذا فمن الواجب تقبلهما وتوقيرهما كليهما بنفس عاطفة المحبة والاحترام”.
تقليد رسولي وتقاليد كنيسة
83- التقليد الذي نتكلم عليه هنا يصدر عن الرسل، وينقل إليهم من تعليم يسوع ومثله وما لقنوه من الروح القدس. فلم يكن بعد لدى جيل المسيحيين الأول عهد جديد مكتوب، والعهد الجديد نفسه يثبت نهج التقليد الحي.
يجب أن تميز منه “التقاليد” اللاهوتية، والتنظيمية، والليترجية أو التعبدية التي نشأت عبر الأزمان في الكنائس المحلية. إنها تؤلف صيغا خاصة يستمد منها التقليد الكبير تعبيرات توافق الأمكنة المختلفة والعصور المختلفة. وهي لا تستطيع الديمومة إلا في نورة، مبدلة أو مهملة في حكم سلطة الكنيسة التعليمية.
3. تفسير وديعة الايمان
وديعة الإيمان معهود فيها إلى كامل الكنيسة
84- وديعة الإيمان المحتواة في التقليد المقدس وفي الكتاب المقدس عهد فيها الرسل إلى مجمل الكنيسة. “إن شعب الله المقدس كله، بارتباطه به، في اتحاده برعاته، يظل شديد الأمانة لتعليم الرسل وللشركة الأخوية، لكسر الخبز وللصلوات، بحيث يقوم، بالحفاظ على الإيمان المنقول وممارسته والاعتراف به، بين الرعاة والمؤمنين وحدة روح فريدة”.
سلطة الكنيسة التعليمية
85- “مهمة تفسير كلمة الله، المكتوبة أو المنقولة، تفسيرا أصيلا، عهد فيها إلى سلطة الكنيسة التعليمية الحية وحدها، تلك التي تمارس سلطانها باسم يسوع المسيح” ، أي إلى الأساقفة الذين هم في شركة مع خليفة بطرس، أسقف رومة.
86- “إلا أن هذة السلطة التعليمية ليست فوق كلمة الله، ولكنها في خدمتها، فلا تعلم إلا ما نقل، إذ أنها، بتفويض من الله وبعون الروح القدس، تصغي لهذه الكلمة بمحبة، وتحافظ عليها بتقديس، وتعرضها أيضا بأمانة، وتستقي من هذة الوديعة الإيمانية الوحيدة كل ما تتقدم بة للإيمان على أنه من وحي الله”.
87- وإذ يذكر المؤمنون كلمة المسيح لرسله: “من سمع منكم فقد سمع مني” (لو 16:10) ، يتقبلون بخضوع التعاليم والتوجيهات التي يلقيها عليهم رعاتهم بصيغ مختلفة.
عقائد الإيمان
88- سلطة الكنيسة التعليمية تستعمل ملء الاستعمال السلطة التي تقبلتها من المسيح، عندما تحدد عقائد إيمانية، أي عندما تعرض، على وجه يلزم الشعب المسيحي باعتناق إيماني مبرم، لحقائق يحتويها الوحي الإلهي، أو عندما تعرض بوجه نهائي لحقائق لها بتلك الحقائق علاقة جوهرية.
89- توجد بين حياتنا الروحية والعقائد علاقة عضوية. العقائد أنوار في طريق إيماننا، تنيره وتوطده. وبعكس ذلك، إذا كانت حياتنا مستقيمة كان عقلنا وقلبنا على انفتاح لتقبل نور العقائد الإيمانية.
90- روابط العقائد المتبادلة وتوافقها يمكن الوقوع عليها في مجمل وحي سر المسيح . إذ يجب التذكر “أن التنوع في علاقاتها مع أسس الإيمان المسيحي يدل على نظام أو “هرمية” في حقائق العقيدة الكاثوليكية”.
الحس الفائق الطبيعة للإيمان
91 – لجميع المؤمنين نصيب في فهم الحقيقة الموحى بها ونقلها. لقد تقبلوا مسحة الروح القدس التي تعلمهم وترشدهم “إلى الحقيقة كلها” (يو 13:16).
92- من غير الممكن أن تضل مجموعة المؤمنين في الغيمان، وهي تظهر هذه الصفة بوساطة التحسس الفائق الطبيعة للإيمان الذي هو حس الشعب بكاملة عندما يولي كله، من الأساقفة الى اخر المؤمنين العلمانيين، الحقائق المتعلقة بالإيمان والأخلاق، قبولا شاملا”.
93- “فبفضل حس الإيمان هذا الذي يوقظه ويدعمه روح الحق، وبإرشاد السلطة التعليمية المقدسة (…) يتمسك شعب الله تمسكا ثابتا بالإيمان المنقول إلى القديسين نقلا نهائيا، ويدخل إلى أعماقه دخولا أوفى، عاملا على تفسيره كما ينبغي، ويطبقه في حياتة تطبيقا أكمل”.
النمو في فهم الإيمان
94- من الممكن، بفضل رعاية الروح القدس، أن ينمو، في حياة الكنيسة، فهم حقائق التراث الإيماني وأقواله:
– “بتأمل المؤمنين وتبخرهم اللذين يجرونهما في قلبهم” ؛ ولا سيما “البحث اللاهوتي الذي يعمق معرفة الحقيقة الموحى بها”؛
– “بالإدراك الداخلي للأمور الروحانية الذي يعرض للمؤمنين ” ؛ “تنمو الأقوال الإلهية والذي يقرأها معا”؛
– “بكرازة أولئك الذين نالوا مع التعاقب الأسقفي موهبة الحقيقة على وجه ثابت”.
95- “من الواضح إذن إن التقليد المقدس والكتاب المقدس وسلطة الكنيسة التعليمية بتدبير إلهي جد حكيم هي على ترابط وتضامن وثيقين فيما بينهما إلى حد أن واحدة من هذه الحقائق لا تثبت بدون الأخرى وأن جميعها معا وكل واحدة على طريقتها بفعل الروح القدس تسهم في خلاص النفوس إسهاما فعالا.
بإيجاز:
96- إن ما اودع المسيح الرسل نقلوه بكرازتهم وبالكتابة، بإلهام من الروح القدس إلى جميع الأجيال حتى عودة المسيح المجيدة.
97- “يؤلف التقليد المقدس والكتاب المقدس وديعة واحدة مقدسة لكلمة الله” تتأمل فيها الكنيسة الرحالة كما في مرآة الله ينبوع جميع الثروات.
98- “كل ما تقوم عليه الكنيسة وكل ما تؤمن به تحتفظ به أبدا وتنقله في عقيدتها وحياتها وعبادتها إلى كل جيل”.
99- لا يفتأ شعب الله كله بفضل حسه الفائق الطبيعة للإيمان يتقبل هبة الوحي الإلهي ويتعمق فيها على نحو أفضل ويحيا على نحو أوفى.
100- مهمة تفسير كلمة الله تفسيرا أصيلا عهد فيها إلى سلطة الكنيسة التعليمية وحدها إلى البابا وإلى الأساقفة الذين في شركة معه.
المقال الثالث
الكتاب المقدس
1. المسيح كلمة الكتاب المقدس الوحيدة
101- عندما يتنازل الله في صلاحه ويكاشف البشر بنفسه يكلمهم بكلمات بشرية:
“وهكذا فإن كلام الله، وقد عبرت عنه ألسنة بشرية، صار شبيها بكلام البشر، كما إن كلمة الآب الأزلي،عندما تلبس بوهن جسدنا صار شبيها بالبشر”.
102- في جميع أقوال الكتاب المقدس لا يقول الله إلا كلمة واحدة، كلمته الوحيد الذي يقول فيه كل ما هو:
“اذكروا أن كلمة الله الواحدة هي نفسها تنتشر في جميع الكتابات المقدسة، وإن كلمة الله الواحد هو نفسه يدوي على السنة جميع كتاب الوحي. هو الذي كان في البدء الله عند الله، ولم يكن من ثم بحاجة إلى مقاطع تعبيرية لكونه غير خاضع للزمن”.
103- ولهذا فالكنيسة قد أحاطت دوما الكتب الإلهية بالإجلال الذي تحيط به أيضا جسد الرب. وهي لا تفتأ تقدم للمؤمنين خبز الحياة من على مائدة كلمة الله وجسد المسيح.
104- في الكتاب المقدس تجد الكنيسة على الدوام غذاءها وقوتها، إذ أنها لا تتلقى فيه كلمة بشرية وحسب، بل تتلقاه هو حقيقته، أي كلمة الله.”ففي الكتب المقدسة يبادر الآب الذي في السماوات، بحنو عظيم، إلى لقاء أبنائه والتحادث معهم”.
2. وحي الكتاب المقدس وحقيقته
105- الله هو واضع الكتاب المقدس.”إن الحقيقة الموحى بها إلهيا، التي تحتويها وتقدمها أسفار الكتاب المقدس قد دونت فيها بإلهام من الروح القدس”.
“والكنيسة أمنا المقدسة، من جراء إيمانها الرسولي، تعد جميع الأسفار في كلا العهدين القديم والجديد مقدسة وقانونية بجميع أجزائها، إذ إنها دونت بإلهام من الروح القدس، وكان الله من ثم واضعها، وعلى هذا نفسه نقلت إلى الكنيسة نفسها”.
106- لقد ألهم الله كتاب الكتب المقدسة البشريين.”ولكي يضع الله هذه الكتب المقدسة، اختار أناسا استعان بهم، وهم في ملء عمل قواهم ووسائلهم، فعمل هو نفسه فيهم وبهم، لكي يدونوا كتابة، كمؤلفين حقيقيين، كل ما كان متفقا ورغبته، وهذا فقط دون سواه”.
107- كتب الوحي تعلم الحقيقة.” وبما أن كل تأكيدات المؤلفين الملهمين، أي كتاب الأمور المقدسة، يجب اعتبارها تأكيدات الروح القدس، فلا بد من الإعلان بأن أسفار الكتاب المقدس تعلم الحقيقة التي أراد الله أن يراها مدونة لأجل خلاصنا في الكتاب المقدس، تعليما ثابتا وأمينا ومعصوما من الخطأ”.
108- ومع ذلك فليس الإيمان المسيحي “دين الكتاب”. إن المسيحية هي دين “كلمة” الله،”لا دين كلمة مكتوبة وخرساء، بل دين الكلمة المتجسد والحي” .ولكي لا يبقى الكتاب المقدس حرفا ميتا، لا بد للمسيح، كلمة الله الحي الأزلية، من أن يفتح، بالروح القدس أذهاننا على فهم الكتب.
3. الروح القدس،مفسر الكتاب
109- في الكتاب المقدس يكلم الله الإنسان على طريقة البشر.فلكي يفسر الكتاب تفسيرا جيدا لا بد من تدبر ما أراد الكتاب البشريون، في الحقيقية، أن يثبتوه، وما حسن لدى الله أن يكشف لنا في كلامهم .
110- ولكي يستخلص المرء نية الكتاب الإلهيين لا بد له من النظر إلى أحوال عصرهم وإلى ثقافتهم، وإلى “الأساليب الأدبية” المتبعة إذ ذاك، وإلى طرائق الشعور والكلام ورواية الأخبار الشائعة لذلك العهد”. لأن هنالك طرقا جد مختلفة تعرض بها الحقيقة ويعبر عنها في نصوص تختلف تاريخيا، في نصوص نبوية، او شعرية، أو حتى في أنواع تعبيرية أخرى”.
111- وإذ كان الكتاب المقدس كتاب وحي كان هنالك مبدأ آخر للتفسير الصحيح، ليس دون السابق أهمية، وقد يبقى بدونه الكتاب حرفا ميتا: “يجب أن يقرأ الكتاب المقدس ويفسر في نور الروح نفسه الذي جعله بدون” .
والمجمع الفاتيكاني الثاني يشير إلى ثلاثة مقاييس لتفسير الكتاب المقدس تفسيرا يتفق والروح الذي أوحى به.
112- 1. أولا التنبه الشديد “لمضمون الكتاب كله ووحدته”. لأنه مهما اختلفت الأسفار التي يتألف منها الكتاب المقدس فهو واحد بسبب وحدة قصد الله الذي يكون المسيح يسوع مركزه، وقلبه المفتوح منذ فصحه.
“قلب المسيح يدل على الكتاب المقدس الذي يعرف بقلب المسيح. هذا القلب كان مغلقا قبل الآلام لأن الكتابة كانت غامضة. ولكن الكتابة قد تفتحت بعد الآلام، إذ إن الذين فقهوا من بعد كنهها يقدرون ويميزون الطريقة التي يجب اتباعها في تفسير النبوءات”.
113- 2. ثم قراءة الكتاب في “التقليد الحي للكنيسة كلها”. وعلى حد قول الآباء المأثور: يقرأ الكتاب المقدس في قلب الكنيسة أكثر مما يقرأ في مواد تعبيره .
فالكنيسة تحمل في تقليدها مجموعة كلمة الله الحية، والروح القدس هو الذي يعطيها التفسير الروحي للكتاب المقدس “… بحسب المعنى الروحي الذي ينعم به الروح على الكنيسة”.
114- 3. التنبه لمناسبة الإيمان. ونفهم ب “بمناسبة الإيمان” تلاحم حقائق الإيمان في ما بينها وفي مجمل تصميم الوحي.
معاني الكتاب المقدس
115- في تقليد قديم إنه الممكن تمييز معنيين للكتاب المقدس: المعنى الحرفي، والمعنى الروحي، على أن يقسم هذا الأخير إلى معنى مجازي، ومعنى أدبي، ومعنى تفسيري. والتوافق العميق للمعاني الأربعة يثبت كل غنى القراءة الحية للكتاب المقدس في الكنيسة:
116- المعنى الحرفي. هو المعنى الذي تدل عليه ألفاظ الكتاب، ويستخرجه الشرح الجاري على قواعد التفسير الصحيح. “جميع معاني الكتاب المقدس تجد تأييدها في المعنى الحرفي”.
117- المعنى الروحي. بسبب الوحدة في قصد الله، قد لا يكون نص الكتاب وحده، بل قد تكون معه الأمور والأحداث التي يوردها علامات.
1. المعنى المجازي. نستطيع الحصول على معنى أعمق للأحداث إذا وجدنا مدلولها في المسيح؛ وهكذا فاجتياز البحر الأحمر إشارة إلى انتصار المسيح، ومن ثم إلى المعمودية.
2.المعنى الأدبي. يجب أن تقودنا الأحداث الواردة في الكتاب المقدس إلى الاستقامة في العمل. لقد كتبت “لموعظتنا”(1 كو 11:10) .
3. المعنى التفسيري. إنه لمن الممكن أن نرى أمورا وأحداثا في مدلولها الأزلي، تقودنا إلى وطننا. وهكذا فالكنيسة على الأرض رمز أورشليم العلوية.
118- مقطوعة شعرية من القرن الوسيط تختصر مدلول المعاني الأربعة:
“المعنى الحرفي يعلم ما يحدث وما حدث، والمجازي يعلم ما يجب الإيمان به، والأدبي يعلم ما يجب عمله، والتفسيري يعلم الأم يجب الاتجاه”.
119- “في مهمة علماء التفسير أن يبذلوا قصاراهم،على سنن هذه المبادئ، فيتوغلوا أكثر فأكثر في تفهم وعرض معنى الكتاب المقدس بحيث تكون دراساتهم، التمهيدية نوعا ما، طريقا إلى انضاج حكم الكنيسة. فكل ما يتعلق بطريقة تفسير الكتاب هو في النهاية خاضع لحكم الكنيسة التي تقوم بالمهمة والرسالة اللتين القيتا إليها إلهيا في الحفاظ على كلمة الله وفي تفسيرها”.
“ما كنت لأؤمن بالإنجيل لو لم تحثني على ذلك الكنيسة”.
4. قانون الأسفار المقدسة
120- التقليد الرسولي هو الذي أرشد الكنيسة إلى تمييز الكتابات التي يجب أن تعد في لائحة الأسفار المقدسة .هذه اللائحة الكاملة تسمى “قانون” الأسفار.وهو يحتوي للعهد القديم 46 سفرا (45 اذا ضم ارميا الى المرائي)، وللعهد الجديد 27.
التكوين، الخروج، الأحبار، العدد، تثنية الاشتراع، يشوع، القضاة، راعوت، صموئيل الأول، صموئيل الثاني ، الملوك الأول، الملوك الثاني، الأخبار الأول، الأخبار الثاني، عزرا ونحميا، طوبيا، يهوديت،استير، المكابيين الاول، المكابيين الثاني، ايوب، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد، الحكمة، يشوع بن سيراخ، اشعيا، ارميا، المراثي، باروك، حزقيال، دانيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، نحوم، حبقوق، صفنيا، حجاي، زكريا، ملاخي، للعهد القديم؛
أناجيل متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، أعمال الرسل، رسائل بولس إلى الرومانيين،الأولى والثانية إلى أهل كورنثس، إلى أهل غلاطية، إلى أهل أفسس، إلى أهل فيلبي، إلى أهل كولسي، الأولى والثانية إلى أهل تسالونيكي، الأولى والثانية إلى تيموثاوس، إلى تيطس، إلى فيلمون، الرسالة إلى العبرانيين، رسالة يعقوب، الأولى والثانية لبطرس، رسائل يوحنا الثلاثة رسالة يهوذا، والرؤيا، للعهد الجديد.
العهد القديم
121- العهد القديم جزء من الكتاب المقدس لا يناله زوال. وأسفاره من وحي إلهي وهي تحتفظ بقيمة لا تزول لأن العهد القديم لم ينقض قط.
122- وهكذا “كان الهدف الرئيسي لتدبير العهد القديم أن يعد مجيء المسيح مخلص العالم”.وأسفار العهد القديم،”وإن احتوت أمورا ناقصة أو صالحة الى حين”، تثبت كل النهج الإلهي الذي تنهجه محبة الله الخلاصية:” غنها تحتوي تعاليم سامية عن الله، وحكمة مفيدة في شأن الحياة البشرية، وكنوزا رائعة من الصلاة؛ وفيها أخيرا يكمن سر خلاصنا”.
123- المسيحيون يوقرون العهد القديم على إنه كلمة الله الحقيقية. والكنيسة رفضت أبدا وبشدة فكرة التخلي عن العهد القديم بحجة أن العهد الجديد أبطله (المرقيونية).
العهد الجديد
124- ” ان كلمة الله، التي هي قدرة إلهية لخلاص كل مؤمن، تمثل في أسفار العهد الجديد، وقوتها تتجلى فيها على وجه فريد” إن هذه الأسفار تجعل بين أيدينا حقيقة الوحي الإلهي النهائية. أما موضوعها المركزي فيسوع المسيح، ابن الله المتجسد، وأعماله،وتعاليمه، وآلامه، وتمجيده، فضلا عن نشأة الكنيسة بفعل الروح القدس.
125- الأناجيل قلب الأسفار المقدسة كلها ” من حيث أنها الشهادة المثلى على حياة الكلمة المتجسد مخلصنا وتعليمه”.
126- يمكن تمييز ثلاث مراحل في نشأة الأناجيل:
1. حياة يسوع وتعليمه. إن الكنيسة تؤكد بإصرار أن الأناجيل الأربعة “التي تثبت تاريخيتها في غير تردد، تنقل بأمانة ما عمله في الحقيقة يسوع ابن الله، وما علمه، سحابة حياته بين البشر، في سبيل خلاصهم الأبدي، إلى اليوم الذي رفع فيه إلى السماء”.
2. التقليد المتناقل شفويا. “ما قاله الرب وما عمله، نقله الرسل، بعد صعوده، إلى مستمعيهم، مع ما نعموا به من فهم أعمق للأمور اكتسبوه من أحداث المسيح المجيدة وعلى ضوء روح الحق”.
3. الأناجيل المدونة. “دون الكتاب الغلهيون الأناجيل الأربعة مختارين بعضا من العناصر الكثيرة التي بلغتهم عن طريق الرواية، أو عن طريق كتابة سابقة، أو مدونيين خلاصة لما تبقى منها، أو مفسرين لها تبعا لأحوال الكنائس، وناهجين أخيرا النهج الإرشادي، بحيث يقدمون لنا أبدا عن يسوع أمورا حقيقية وصادقة”.
127- الإنجيل الرباعي النص يحتل في الكنيسة مكانة فريدة، يثبتها ما توليه إياه الليترجيا من توفير، والأثر العجيب الذي تركه في نفوس القديسين على مر العصور.
“ما من عقيدة أجود وأثمن وأروع من نص الإنجيل. تأمل واحفظ ما علمه المسيح سيدنا ومعلمنا بأقواله، وما حققه بأعماله”.
“الإنجيل هو الذي فوق كل شيء يحدثني في تأملاتي؛ فيه أجد كل ما نفسي البائسة بحاجة غليه. إني أكتشف فيه دائما أضواء جديدة، معاني خفية وعجيبة”.
وحدة العهدين القديم والجديد
128- الكنيسة، في العهد الرسولي أولا، ثم في تقليدها بطريقة مستمرة، أوضحت وحدة التصميم الإلهي في العهدين عن طريق النموذجية. فهذه النموذجية تلمح في أعمال الله إبان العهد القديم صورا مسبقة لما حققه الله، عند اكتمال الأزمان، في شخص ابنه المتجسد.
129- فالمسيحيون يقرأون اذا العهد القديم على ضوء المسيح الذي مات وقام. هذه القراءة على الطريقة النموذجية تظهر مضمون العهد القديم الذي لا يستنفد. وهي ليس من شأنها أن تنسي أن للعهد القديم قيمته الوحيية الذاتية التي كرر ربنا نفسه إثباتها.
ومن ناحية أخرى يتطلب العهد الجديد أن يقرأ على ضوء القديم أيضا. كانت الكرازة المسيحية الأولى دائمة اللجوء إليه .وفي قول عتيق مأثور أن العهد الجديد مخبأ في القديم، في حين يتكشف القديم في الجديد: “الجديد مختبئ في القديم، وفي الجديد يتكشف القديم”.
130- النموذجية تعني التحرك نحو إتمام التصميم الإلهي عندما “يصير الله كلا في الكل”( 1 كو 28:15).وهكذا فدعوة الآباء مثلا، والخروج من مصر لا يفقدان قيمتهما الذاتية في تصميم الله، إذ إنهما في الوقت نفسه مراحل وسيطة في ذلك التصميم.
5. الكتاب المقدس في حياة الكنيسة
131- “إن كلمة الله تنطوي على قوة ومقدرة عظيمتين إلى حد أنهما للكنيسة عمادها وحيويتها، ولأبناء الكنيسة منعة إيمانهم، وغذاء نفسهم، والينبوع الصافي لحياتهم الروحية” .يجب “أن يفتح المدخل إلى الكتاب المقدس واسعا أمام المسيحيين”.
132- “لتكن دراسة الكتاب المقدس إذا لعلم اللاهوت المقدس بمثابة روحه. ولتجد خدمة الكلمة أيضا في كلمة الكتاب المقدس نفسها غذاء سليما، وحيوية صحيحة، سواء أكانت موعظة راعوية، أو تعليما دينيا منتظما، أو وجها من وجوه التثقيف المسيحي حيث لا بد للموعظة الليترجية من أن تحتل محلا مختارا”.
133- الكنيسة “تحرض، بطريقة ملحة وخاصة، جميع المسيحيين (…) على تحصيل “معرفة يسوع المسيح”(في 8:3) بالمثابرة على قراءة الكتب المقدسة.”إذ إن في جهل الكتب المقدسة جهلا للمسيح”.
بإيجاز:
134- الكتابة الإلهية كلها كتاب واحد، وهذا الكتاب الواحد هو المسيح،” إذ إن الكتابة الإلهية كلها تتكلم على المسيح، والكتابة الإلهية كلها تتم في المسيح”.
135- “الكتب المقدسة تحتوي كلمة الله، وإذ كانت هذه الكتب من وحي الله كانت في الحقيقة كلمة الله”.
136- الله هو واضع الكتاب المقدس لكونه ألقى الوحي غلى كتابه البشريين؛ إنه يعمل فيهم وبهم. وهكذا يثبت أن كتاباتهم تعلم الحقيقة الخلاصية بدون خطأ.
137- تفسير كتب الوحي أن يتنبه قبل كل شيء لما يريد الله أن يوحي به لخلاصنا بوساطة الكتاب الإلهيين.”ما يأتي من الروح لا يفهم فهما كاملا إلا بفعل الروح”.
138- كتب الوحي المقبولة والموقرة لدى الكنيسة هي ال 46 سفرا في العهد الجديد.
139- للأناجيل الأربعة محل مركزي لأن المسيح يسوع مركزها.
140- وحدة العهدين القديم والجديد من وحدة قصد الله ووحيه. العهد القديم يهيئ الجديد، فيما يتم الجديد القديم؛ في الواحد منهما إيضاح للآخر، وكلاهما كلمة الله الحقيقية.
141- “وقرت الكنيسة الكتب الإلهية كما فعلت ذلك لجسد الرب نفسه”: في هذين غذاء الحياة المسيحية كلها وقيادها.”كلمتك مصباح لقدمي، ونور لسبيلي” (مز 105:119).
Discussion about this post