الجزء الأول: الاعتراف بالإيمان – القسم الثاني: قوانين الإيمان – الفصل الثاني: بيسوع ابن الله الوحيد (422-682)
كتاب التعليم المسيحي الكاثوليكي
الفصل الثاني : أؤمن بيسوع المسيح ابن الله الوحيد :
المقال الأول : البشرى : الله أرسل ابنه
422- ” ولكن لما بلغ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة , مولودا تحت الناموس , ليفتدى الذين تحت الناموس, وننال التبني “(غل 4:3-5) . هوذا ” بدء إنجيل يسوع المسيح , ابن الله ” : الله افتقد شعبه . لقد أتم الوعود التي قطعها لإبراهيم ونسله. لقد صنع ذلك فوق كل انتظار : إنه أرسل ” ابنه الحبيب”.
423- نؤمن ونعترف بأن يسوع الناصري , المولود من فتاة من إسرائيل , في بيت لحم, في عهد الملك هيرودس الكبير والإمبراطور أوغسطس قيصر الأول , نجار الصنعة , الذي مات مصلوبا في أورشليم إبان حكم والي بنطس بيلاطس , وملك الإمبراطور تيباريوس , هو ابن الله الأزلي المتأنس , وبأنه “خرج من الله” (يو3:13)و”نزل من السماء”(يو13:3 , 33:6), وأتى في الجسد , لأن “الكلمة صار جسدا وسكن في ما بيننا , وقد شاهدنا مجده , مجدا من الآب لابنه الوحيد , الممتلئ نعمة وحقا (…) . أجل , من امتلائه نحن كلنا قد أخذنا ونعمة فوق نعمة ” (يو14:1 , 16).
424- بدافع من نعمة الروح القدس , وبجاذب من الآب نؤمن ونعترف في أن يسوع : “أنت المسيح ابن الله الحي” (متى16:16) . فعلى صخرة هذا الإيمان الذي أعلنه القديس بطرس , بنى المسيح كنيسته . “أن أبشر بغنى المسيح الذي لا يستقصي” (أف 8:3).
425- إن العقيدة المسيحية هي أولا التبشير بيسوع المسيح في سبيل الإيمان به . منذ البدء اضطرم التلاميذ الأولون رغبة في التبشير بالمسيح : “أما نحن , فإنا لا نقدر أن لا نتكلم بما عاينا وسمعنا ” (أع 20:4) وهم يدعون البشر من كل زمان إلى الدخول في فرح شركتهم مع المسيح” . ماسمعناه , وما رأيناه بأعيننا , وما تأملناه وما لمسته أيدينا في شأن ” كلمة الحياة” – لأن الحياة قد ظهرت لنا . إن ما رأيناه وسمعناه به نبشركم أنتم أيضا لتكون لكم أنتم أيضا شركة معنا وشركتنا نحن إنما هي مع الآب ومع يسوع المسيح ابنه , ونكتب إليكم بهذه الأمر ليكون فرحنا مكملا “(1يو 1: 1-4)
في قلب الكرازة : المسيح
426- ” في صميم الكرازة نجد شخصا , شخص يسوع الناصري , ” ابن الآب الوحيد” (…), الذي تألم ومات من أجلنا والذي, وقد قام الآن, يعيش معنا إلى الأبد(…), نقل الكرازة(…) هو كشف الله الأزلي كله في شخص المسيح. هومحاولة اكتناه مدلول حركات المسيح وأقواله , والعلامات التي حققها”. هدف الكرازة :” الإدخال في الشركة مع يسوع المسيح : هو وحده يستطيع أن يقود على محبة الرب في الروح , إلى جعلنا نشترك في حياة الثالوث الأقدس”
427- في الكرازة , المسيح , الكلمة المتجسد وابن الله , هو المعلم – كل سواه يعلم بالرجوع إليه, والمسيح وحده يعلم , وكل من يفعل سواه إنما يعلم بمقدار ماهو ينقل كلامه, تاركا للمسيح أن يعلم , وكل من يفعل لك سواه إنما يعلم المسيحي أن يطبق على نفسه كلمة يسوع العجيبة:” إن تعليمي ليس مني بل ممن أرسلني ” (يو16:7).
428- يجب على كل من دعي إلى “تعليم المسيح” , أن يبحث أولا عن ” هذا الربح الذي يفوق كل ربح, أعني معرفة المسيح” يجب ” القبول بخسران كل شيء(…) في سبيل ربح المسيح وفي سبيل أن يوجد الإنسان فيه” , وأن أعرفه هو مع قدرة قيامته والشركة مع آلامه , فأصبر على صورته في الموت , على أمل البلوغ إلى القيامة من بين الأموات” (فيل3: 8-11).
429- من هذه المعرفة الحبية للمسيح تتفجر الرغبة في التحدث عنه, في” التبشير” , وحمل الآخرين على ال”نعم للإيمان بيسوع المسيح . ولكن في الوقت نفسه تستيقظ الحاجة إلى معرفة هذه العقيدة معرفة أفضل على الدوام . وفي هذا الهدف, إذا اتبعنا نظام قانون الإيمان , نستعرض أولا ألقاب يسوع الرئيسية: المسيح, ابن الله, الرب(المقال2) . وقانون الإيمان يعترف بعد ذلك بأسرار حياة المسيح الرئيسية: أسرار تجسده(المقال3) , وأسرار فصحه( المقالان4و5), وأخيرا أسرار تمجيده(المقالان 6و7).
المقال الثاني
“وبيسوع المسيح، ابنه الوحيد، ربنا “
1- يسوع
430- “يسوع” في العبرانية يعني “الله يخلص”. وإبان البشارة أطلق عليه الملاك جبرائيل اسم يسوع، اسما علماً، يعبر عن هويته ورسالته معاً. وبما أن الله وحده يستطيع أن يغفر الخطايا” (مر 2، 7) فهو من، بيسوع، ابنه الأزلي المتجسد، “يخلص شعبه من خطاياهم” (متى 1، 21). وهكذا فبيسوع يلخص الله كل تاريخه الخلاصي في سبيل البشر.
431- لم يكتف الله، في تاريخ الخلاص، بأن ينقذ إسرائيل” من دار العبودية” (تث 5، 6) بإخراجه من مصر. إنه يخلصه أيضا من خطيئته. وإذا كانت الخطيئة دائما إهانة لله فهو وحده يستطيع أن يغفرها. ولهذا فإسرائيل، وهو يعي أكثر فأكثر شمولية الخطيئة، لن يستطيع من بعد طلب الخلاص إلا باستدعاء اسم الله الفادي.
432- إن اسم يسوع يعني أن اسم الله نفسه حاضراً في شخص ابنه الذي صار إنساناً لافتداءً شاملاً ونهائياً من الخطايا. إنه الاسم الإلهي الذي وحده يجلب الخلاص، وبوسع كل إنسان من الآن فصاعداً أن يدعوه لأنه اتحد بجميع البشر بالتجسد بحيث إنه “ليس تحت السماء اسم آخر أعطى في الناس به ينبغي أن نخلص “(رسل 4، 12).
433- كان اسم الله المخلص يدعوه الكاهن الأكبر مرة واحدة في السنة لتكفير معاصي إسرائيل ،عندما كان ينضح على غشاء قدس الأقداس من دم الذبيحة. وكان الغشاء مكان حضور الله .عندما قال القديس بولس عن يسوع أن الله “أقامه أداة تكفير بدمه” (رو 3، 25) أراد أن، في بشرية هذا، “صالح الله في المسيح، العالم مع نفسه “(2 كو 5، 19).
434- قيامة يسوع تمجد اسم الله المخلص، إذ إنه، من الآن فصاعداً، سيظهر اسم يسوع، إظها اًر كاملاً، القدرة السامية التي “للاسم الذي يفوق كل اسم” (فيل 2، 9- 10). إن الأرواح الشريرة تخشى اسمه، وباسمه يصنع تلاميذ معجزات، إذ إن كل ما يسألون الآب باسمه يعطيهموه.
435- اسم يسوع هو في قلب الصلاة المسيحية. جميع ابتهالات الليتورجيا تختم بهذه العبارة
“بربنا يسوع المسيح”. وصلاة “السلام عليك، يا مريم” تبلغ الذروة في القول “ويسوع، ثمرة أحشائك ،مبارك”. والابتهال القلبي الشرقي المدعو “صلاة يسوع” يقول: “يا يسوع المسيح، ابن الله ،ربىّ، ارحمني أنا الخاطئ”، عدد كبير من المسيحيين يموتون كالقديسة جان دارك، وعلى لسانهم الكلمة الوحيدة “يسوع”.
2- المسيح
436- “المسيح” لفظة مشتقة من اللفظة العبرانية “ماسيا” التي تعني “ممسوح” وهي لا تصبح اسماً علماً ليسوع إلا لأن يسوع يتم الرسالة الإلهية التي تعنيها إتماماً كاملاً ففي إسرائيل كان يمسح باسم الله أولئك الذي كرسوا له في سبيل رسالة آتيه من لدنه. تلك كانت حال الملوك (1 مل 1، 39) والكهنة، وفي بعض الحالات النادرة، الأنبياء. فكان لابد من أن تكون هذه، على وجه سام، حال المسيح الذي سيرسله الله ليقيم ملكوته على وجه نهائي. كان لابد للمسيح من أن يمسحه روح الرب ملكاً وكاهناً معا، ولكن بالإضافة إلى ذلك نبياً. لقد أتم يسوع رجاء إس ارئيل المسيحاني، في مهمته الثلاثية كاهناً، ونبياً، وملكاً.
437- لقد بشر الملاك الرعاة بميلاد يسوع على انه ماسياّ الذي وعد به إسرائيل “اليوم في مدينة داود ولد لكم مخلص هو المسيح الرب” (لو 2، 11). إنه منذ البدء ذاك الذي“قدسه الآب وأرسله إلى العالم” (يو 10، 36) وحبل به ”قدوساً“ في حشا مريم البتولي. وقد دعا الله يوسف “ليأخذ إلى بيته مريم زوجته” الحامل “للذي حبل به فيها من الروح القدس”(متى 1، 20)، حتى يولد يسوع “الذي يدعى المسيح” من امرأة يوسف في سلالة داود المسيحانية (متى 1، 16).
438- إن تكريس يسوع المسيحاني يظهر رسالته الإلهية “وهذا يدل عليه اسمه نفسه، إذ إن في لسم المسيح يضمر من مسح، ومن مسح، والدهن الذي به مسح: الماسح هو الآب، والمسموح هو الابن، وقد مسح بالروح الذي هو الدهن”. وقد تكشف تكريسه المسيحاني الأزلي في حياته الأرضية في أثناء تعميد يوحنا له عندما “مسحه الله بالروح القدس والقدرة “(رسل 10، 38) “لكي يظهر لإسرائيل” (يو 1، 31) على أنه مسيحه وأعماله وأقواله ستعلنه “قدوس الله”.
439- عدد كبير من اليهود وحتى بعض الوثنيين الذين كانوا يشاركونهم في الرجاء، هؤلاء جميعاً رأوا في يسوع العلامات الأساسية “لابن داود” المسيحاني الذي وعد الله به إسرائيل. لقد قبل يسوع لقب المسيح الذي كان من حقه، ولكن لا على سبيل الإطلاق، لأن فئة من معاصريه كانوا ينظرون إليه نظرة جد بشرية، نظرة سياسية في جوهره.
440- تقبل يسوع اعتراف إيمان بطرس الذي أعلن عنه أنه المسيح، مخبراً بآلام ابن البشر القريبة. لقد كشف المضمون الأصيل لملكه المسيحاني في الهوية السامية لابن الإنسان “الذي نزل من السماء” (يو 3، 13)، وفى رسالته الفدائية كخادم متألم: “لم يأت ابن الإنسان ليخدم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين” (متى 20، 28). ولهذا فإن المعنى الحقيقي لملكه لم يظهر إلا من على الصليب. وهكذا فبعد قيامته فقط يمكن لملكه المسيحاني أن يعلنه بطرس أمام شعب الله:
“فليعلم يقينا جميع بيت إس ارئيل أن الله قد جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم، رباً ومسيحاً”(رسل36 ،2)
3- ابن الله الوحيد
441- ابن الله، لقب كان يعطى في العهد القديم للملائكة، للشعب المختار، لأبناء إسرائيل ،ولملوكهم. وفي هذه الحالات يعني بنوة بالتبني تجعل بين الله وخليقته علاقات ألفة خاصة. عندما كان يقال للملك المسيح المنتظر “ابن الله” لم يكن ذلك يتضمن بالضرورة ـ على حسب المعنى الحرفي لتلك النصوص. انه أكثر من بشر وأولئك الذي دعوا يسوع هكذا على أنه مسيح إسرائيل ربما لم يقصدوا أكثر من ذلك.
442- ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى بطرس عندما يعترف بان يسوع هو “المسيح، ابن الله الحي”(متى 16، 16)، إذ إن يسوع يجيبه جواباً احتفالياً: “ليس اللحم والدم كشفا لك هذا، بل أبى الذي في السماوات” (متى 16، 17). وكذلك سيقول بولس في شأن اهتدائه على طريق دمشق:
“لما أرتضى الله، الذي فرزني من جوف أمي ودعاني بنعمته، أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم…” (غل 1، 15- 16). “أخذ للحال يكرز في المجامع بأن يسوع هو ابن الله” (رسل 9، 20). وهذا سيكون منذ البدء ركيزة الإيمان الرسولي الذي أعلنه أولا بطرس أساسا للكنيسة.
443- قد يكون بطرس عرف الميزة السامية للبنوة الإلهية في يسوع المسيح، لكون هذا قد ألح إليها بصراحة. أمام المجلس، ويطلب من المدعين عليه بقولهم “أفأنت إذًا ابن الله؟، أجاب يسوع: “أنتم تقولون، أنا هو” (لو 22، 70). وقبل ذلك أشار إلى نفسه بأنه “الابن” الذي يعرف الآب ،والذي هو غير “الخدام” الذي سبق الله وأرسلهم إلى شعبه، وفوق الملائكة أنفسهم. لقد ميز بنوته من بنوة تلميذه فلم يقل قط “أبونا” إلاّ عندما أمرهم قائلاً: “فأنتم إذًا صلوا هكذا: أبانا” (متى 6، 9)؛ وقد شدد على هذا التمييز بقوله “أبي وأبيكم” (يو 20، 17).
444-الأناجيل تروى، في فترتين احتفاليتين، عماد المسيح وتجليه، عن صوت الآب يعلنه “ابنا محبوباً”. والمسيح يعلن عن نفسه أنه “ابن الله الوحيد” (يو 3، 16)، ويؤكد بهذه الصفة كينونته الأبدية. وهو يطلب الإيمان “باسم الله الوحيد”(يو 3، 18) هذا الاعتراف المسيحي يظهر في تعجب قائد المائة أمام يسوع المصلوب: “في الحقيقة كان هذا الرجل ابن الله” (مر 15، 39). في السر الفصحى فقط يستطيع المؤمن أن يعطى بعده الأسمى للاسم “ابن الله.”
445- بعد قيامته تظهر بنوته الإلهية في قوة بشريته المجمدة: “… المقام بحسب روح القداسة ،في قدرة ابن الله، بقيامته من بين الأموات” (رو 1، 4) .وسيستطيع الرسل أن يعترفوا: “وقد شاهدنا مجده، مجداً من الآب لابنه الوحيد الممتلئ نعمة وحقاً” (يو 1، 14).
4- ربّ
446- في الترجمة اليونانية لأسفار العهد القديم، ترجم الاسم الفائق الوصف الذي كشف فيه الله نفسه لموسى أي يهوه، باسم “كيريوس”، أي (“رب”). وقد أصبح منذ ذاك الاسم رب أكثر ما يستعمل للدلالة على الألوهية نفسها لإله إسرائيل. والعهد الجديد يعمد إلى هذا المعنى القوى للاسم “رب” ويطلقه لا على الآب وحسب، ولكن وهنا الأمر الجديد على يسوع أيضا معترفاً به إلهاً.
447-يسوع نفسه يتسمى بهذا الاسم بطريقة خفية عندما يناقش الفريسين في معنى المزمور110، ولكنه يصرح أيضا بذلك في كلامه لرسله. وعلى مدى حياته العلنية كلها كانت مواقف هيمنته على الطبيعة، والأمراض، والشياطين، والموت، والخطيئة، تظهر سيادته الإلهية.
448- كثيراً ما كان الذين، في الإنجيل، يخاطبون يسوع يدعونه “رباً” وهذا الاسم يتضمن احتراما وثقة من قبل الذين يقتربون من يسوع ويترقبون منه عوناً أو شفاءً وبدافع من الروح القدس كان هذا الاسم يعبر عن الاعتراف بسر يسوع الإلهي وهو يصبح في اللقاء مع يسوع الممجد عبادة: “ربي وإلهي” (يو 20، 28) ويصطبغ مذ ذاك بصبغة المحبة والعطف التي ستبقى ميزة التقليد المسيحي: “هو الرب” (يو 21، 7).
449- بإطلاق اللقب الإلهي “ربّ” على يسوع تثبت اعترافات الإيمان الأولى في الكنيسة منذ البدء أن السلطة والكرامة، والمجد الواجبة لله الآب واجبة أيضا ليسوع القائم في “صورة الله” (فيل2، 6)، وأن الآب أظهر سيادة يسوع هذه ببعثة من بين الأموات وبرفعه إليه في مجده.
450- منذ بدء التاريخ المسيحي والاعت ارف بسيادة يسوع على العالم وعلى التاريخ يعنى أيضا الاعتارف بأنه لا يجوز للإنسان ان يخضع حريته الشخصية، إخضاعاً مطلقاً لأي سلطان أرضى، بل الله الآب وحده، وللرب يسوع المسيح: قيصر “الرب” والكنيسة “تؤمن بأن مفتاح تاريخ البشر، ومركزه، وغايته هي في ربها ومعلمها.”
451-الصلاة المسيحية موسومة باسم “الرب”، سواء كان ذلك في الدعوة إلى الصلاة “ليكن الرب معكم”، أو في ختام الصلاة “بيسوع ربنا”، أو أيضا في الهتاف المملوء ثقة ورجاء “ما ران أتى “(“الرب يأتي!”) أو “ما راناتا” (“تعال يارب!)“(1 كو 16، 22)؛ “آمين، تعال أيها الرب يسوع” (رؤ20 ،22)
بإيجاز:
452- اسم يسوع يعني “الله يخلص”. الطفل الذي ولدته مريم البتول دعي “يسوع”: “لأنه هو الذي سيخلص شعبه من خطاياه” (متى 1، 2): “ليس تحت السماء اسم آخر أعطى في الناس، به ينبغي أن نخلص”(رسل 4، 12).
453- الاسم “المسيح” يعنى “الممسوح”. يسوع هو المسيح لأن “الله مسحه بالروح القدس والقدرة “(رسل 10، 38). وكان “ذاك الذي يأتي” (لو 7، 19)، موضوع “رجاء إسرائيل “(رسل 28، 20).
454- الاسم “ابن الله” يعنى العلاقة الوحيدة والأزلية بين يسوع المسيح والله أبه: إنه ابن الآب الوحيد، والله ذاته. الاعتارف بأن يسوع المسيح هو ابن الله أمر ضروري لكي يكون الإنسان مسيحياً.
455-الاسم “رب” يعنى السيادة الإلهية. الاعتراف بيسوع رباً، أو الابتهال إليه بهذه الصفة، هما إيمان بألوهيته. “لا أحد يستطيع أن يقول “يسوع رب” إلا بالروح القدس” (1 كو 12، 3).
المقال الثالث
“كان الحبل بيسوع المسيح من الروح القدس، ولد من البتول مريم”
الفقرة 1 ابن الله صار إنسانا
1- لماذا صار الكلمة جسدا ؟
456- مع قانون إيمان نيقية-القسطنطينية، نجيب معترفين: “من أجلنا، نحن البشر وفى سبيل خلاصنا، نزل من السماء ،بالروح القدس تجسد من مريم البتول وصار إنساناً”.
457- صار الكلمة جسداً ليخلصنا بمصالحتنا مع الله: “هو نفسه أحبنا وأرسل ابنه كفارة عن خطايانا( “1 يو 4، 10). “الآبَ أرسلَ ابنَه مُخَ لِصًا للعالم” (1 يو 4، 14). “إن ذاك قد ظهر ليرفع الخطايا( “1 يو 3، 5):
“مريضة، كانت بيعتنا تطلب الشفاء، وساقطة، أن تقال عثرتها، وميتة، أن تبعث حية كنا فقدنا امتلاك الخير، فكان لابد من إعادته إلينا. وكنا غارقين في الظلمات فكان لابد من رفعنا إلى النور؛ وكنا أسرى ننتظر مخلصا؛ وسجناء عونا؛ وعبيداً محراًر. هل كانت هذه الد واعي بدون أهمية؟ ألم تكن تستحق أن تحرك عطف الله إلى حد أن تنزله حتى طبيعتنا البشرية كانت في حالة جد بائسة وجد تعسة؟.”
458- الكلمة صار جسداً لكي نعرف هكذا محبة الله: “بهذا ظهرت محبة الله في ما بيننا بأن الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لنحيا به” (1 يو 4، 9)؛ إذ إن الله “أحب العالم هكذا حتى إنه بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3، 16).
459- لقد صار الكلمة جسداً لكي يكون مثالاً لنا في القداسة: “احملوا نيري عليكم وتعلموا مني “…(متى 11، 29)”أنا الطريق والحق والحياة؛ لا يأتي أحد إلى الآب إلا بي” (يو 14، 6). والآب ،على جبل التجلي يأمر: “اسمعوا له” (مر 9، 7). فهو في الحقيقة مثال التطويبات وقاعدة الناموس الجديد: “أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا”(يو 15، 12). هذه المحبة تتضمن تقدمة الذات الفعلية في أثره.
460- صار الكلمة جسداً لكي يجعلنا “شركاء في الطبيعة الإلهية” (2 بط 1، 4): “فهذا هو السبب الذي من أجله صار الكلمة بشراً، وابن الله ابن الإنسان: لكي يصير الإنسان ابن الله بدخوله في الشرك مع الكلمة وبنيله هكذا البنوة الإلهية” إذ إن ابن الله صار إنساناً لكي يصيرنا إلها. “ابن الله الوحيد، إذ أراد أن نشاركه في ألوهته، تلبس طبيعتنا حتى إذا صار هو بشراً يصير البشر آلهة.”
2- التجسد
461- تعيد الكنيسة تعبير القديس يوحنا“الكلمة صار جسداً”: (يو 1، 14)وتدعو “تجسداً” كون ابن الله اتخذ طبيعة بشرية لكي يحقق فيها خلاصنا. في نشيد يثبته القديس بولس، تتغنى الكنيسة بسر التجسد:
“ليكن فيكم من الاستعدادات ما هو في المسيح يسوع: فإنه، هو القائم في صورة الله، لم يعتد مساواته لله ]حالة[ مختلسة؛ بل لاشى ذاته، آخذا صورة عبيد، صائ ار شبيها بالبشر، فوجد كإنسان في الهيئة. ووضع نفسه، وصار طائعاً حتى الموت، ]بل[ موت الصليب!” (في 2، 5- 8).
462- والرسالة إلى العبرانيين تتحدث عن السر نفسه: “فلذلك يقول المسيح عند دخوله العالم: ذبيحة وقرباناً لم تشأ، غير أنك هيأت لي جسداً. لم ترتض محرقات ولا ذبائح خطيئة؛ حينئذ قلت: هاءنذا آتى …لأعمل بمشيئتك” (عب 10، 5- 7 )مورداً (مز 40، 7- 9)، حسب السبعينية.
463- الإيمان بالتجسد الحقيقي لابن الله هو العلامة المميزة للإيمان المسيحي: “بهذا تعرون روح الله: إن كل روح يعترف بأن يسوع المسيح فد أتى في الجسد هو من الله( “1 يو 4، 2). ذلك هو يقين الكنيسة البهيج منذ البدء، عندما تتغنى “بسر التقوى العظيم”: “لقد أظهر في الجسد” (1 تي16 ،3)
3- إله حق وإنسان حق
464- إن الحادث الوحيد والفريد جداً لتجسد ابن الله يعنى أن يسوع المسيح إله في قسم منه وإنسان في قسم آخر، ولا أنه نتيجة المزيج المبهم للعنصرين الإلهي والإنساني. لقد صار إنسانا حقاً وبقي إلهاً حقاً. يسوع المسيح هو إله حق وإنسان حق هذه الحقيقة الإيمانية اضطرت الكنيسة إلى أن تدافع عنها وتوضحها خلال القرون الأولى في وجه هرطقات كانت تزروها.
465- الهرطقات الأولى أنكرت ناسوت المسيح الحقيقي أكثر مما أنكرت لاهوته (الظاهرية الغنوصية) ومنذ العهد الرسولي شددت العقيدة المسيحية على التجسد الحقيقي لابن الله “الآتي بالجسد” ولكن منذ القرن الثالث اضطرت الكنيسة إلى أن تناهض بولس السميصاطي، وتثبت في مجمع عقد في إنطاكية، ان يسوع المسيح هو ابن الله بالطبيعة لا بالتبني. ومجمع نيقية المسكونيالأول، سنة 325، اعترف في قانون إيمانه أن ابن الله “مولوداً لا مخلوق، وهو والأب جوهر واحدا” وأدان آريوس الذي ادعّى أن “ابن الله خرج من العدم”، وأنه من “جوهر غير جوهر الآب.”
466- كانت البدعة النسطورية ترى في المسيح شخصاً إنسانياً مقترناً بشخص ابن الله الإلهي.
في وجهها اعترف القديس كيرلس الإسكندري، والمجمع المسكوني الثالث المعقود في أفسس، سنة 431، أن “الكلمة، باتخاذه في شخصه جسداً تحييه نفس عاقلة، صار إنسانا”. ليس لناسوت المسيح شأن إلا في شخص ابن الله الإلهي، الذي اتخذه وخص به ذاته منذ الحبل به. ولهذا أعلن مجمع أفسس، سنة 431، أن مريم أصبحت في الحقيقة والدة الإله بالحبل البشر ي بابن الله في أحشائها: “والدة الإله، لا لكون كلمة الله اتخذ منها طبيعته الإلهية، ولكن لكونه اتخذ منها الجسد المقدس مقروناً بنفس عاقلة، والذي اتحد به الكلمة شخصياً، فكان أنه ولد بحسب الجسد”.
467- أصحاب الطبيعة الواحدة يذهبون إلى أن الطبيعة البشرية توقف وجودها في المسيح كطبيعة بشرية عندما تلبس بها شخصه الإلهي كابن لله. وتجاه هذه البدعة اعترف مجمع خلقيدونية المسكوني ال اربع، في سنة 451:
“على أثر الآباء القديسين نعلم بالإجماع الاعت ارف بابن واحد هو هو، سيدنا المسيح. هو هو الكامل في اللاهوت، والكامل في الناسوت، هو هو إله حق وإنسان حق، المركب من نفس عاقلة ومن جسد، الذي جوهره جوهر الآب من حيث اللاهوت، وجوهره جوهرنا من حيث الناسوت، الذي “يشبهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة”؛ الذي ولده الآب قبل جميع الدهور من حيث الألوهة، وفى هذه الأيام الأخيرة ولد من مريم البتول، والدة الإله، من حيث الناسوت ،لأجلنا ولأجل خلاصنا. واحد هو، وهو نفسه المسيح والرب والابن الوحيد، الذي يجب أن نعترف به في طبيعتين، غير مختلطتين، وغير متغيرتين، ولا منفصلتين. إن اختلاف الطبيعتين لم يلغه اتحادهما، بل بالح ر ي احتفظت كل واحدة بمميزاتها، واجتمعت كلها في شخص واحد وأقنوم واحد.”
468-من بعد المجمع الخلقيدوني، جعل البعض من الطبيعة البشرية في المسيح نوعاً من كيان شخصي وقد ندد بهم المجمع المسكوني الخامس، المنعقد في القسطنطينية، سنة 553، واعترف:
“ليس هنالك إلا شخص واحد، هو سيدنا يسوع المسيح، أحد الثالوث”. فكل ما في ناسوت المسيح يجب أن ينسب إلى الشخص الإلهي على أنه من عمله الخاص، ليس المعج ازت وحسب، ولكن الآلام أيضا، وحتى الموت: “إن الذي صلب بالجسد، سيدنا يسوع المسيح، هو إله حق، رب المجد وواحد من الثالوث الأقدس.”
469-الكنيسة تعترف هكذا أن المسيح إله حقاً وإنسان حقاً بغير انفصال إنه حقاً ابن الله الذيصار إنساناً، أخا لنا، وذلك من غير أن يتوقف عن أن يكو ن إلها، ربنا:
“لقد ظل ما كان، واتحد ما لم يكنه، على حد نشيد الليتورجيا الرومانية. وليتورجيا القديس يوحنا الذهبي الفم تعلن وتنشد: “يا كلمة الله الابن الوحيد، الذي لا يموت، لقد رضيت من أجل خلاصنا، أن تتجسد من والدة الإله القديسة مريم الدائمة البتولية، فتآنست بغير استحالة ،وصلبت أيها المسيح الإله، وبالموت وطئت الموت، أنت أحد الثالوث القدوس، الممجد مع الآب والروح القدس. خلصنا.”
4- كيف يكون ابن الله إنسانا ؟
470-بما أنه في اتحاد التجسد السري “الطبيعة البشرية متخذة لا ممتصة”، فقد ألجئت الكنيسة عبر القرون إلى الاعتراف بملء حقيقة نفس المسيح البشرية، مع أعمال عقلها وإرادتها، وبجسده البشري. ولكن بإزاء ذلك كان عليها كل مرة أن تذكر بان طبيعة المسيح البشرية هي خاصة شخص ابن الله الإلهي الذي اتخذها. فكل ما هو عليه، وكل ما يعمل فيها مرجعه “إلى أحد الثالوث”. ومن ثم فابن الله يبث ناسوته الطريقة الخاصة لوجوده الشخصي في الثالوث. وهكذا فالمسيح يعبر بشرياً، في نفسه وفي جسده، عن السلوك الإلهي للثالوث.
“اشتغل ابن الله بيدين بشريتين، وفكر بعقل بشري، وعمل بإرادة بشرية، وأحب بقلب بشري؛ وإنه ولد من العذراء مريم، وصار في الحقيقة واحداً مناّ، شبيها بنا في كل شيء ماعدا الخطيئة.”
نفس المسيح ومعرفته البشرية
471- ذهب ابوليتاريوس اللاذقاني إلى أن الكلمة في المسيح قام مقام النفس أو الروح. وضد هذا الضلال اعترفت الكنيسة بأن الابن الأزلي اتخذ أيضا نفساً بشرية عاقلة.
472- هذه النفس البشرية التي اتخذها ابن الله هي ذات معرفة بشرية حقيقية. ومعرفة بهذه الصفة لم تكن في ذاتها غير محدودة: كانت تستعمل في الأحوال التاريخية لوجودها في المكان والزمان .ولهذا ارتضى ابن الله، إذ صار إنساناً، أن “ينمو في الحكمة والقامة والنعمة” (لو 2، 52)، وحتى أن يكون في حاجة إلى تتبع ما يقتضيه الواقع البشر ي من تعلم عن طريق الاختبار. وهذا كان يتمشى وحقيقة تنازله الاختياري في” صورة عبد” (في 2، 7).
473- ولكن في الوقت نفسه كانت معرفة ابن الله البشرية الحقيقة هذه تعبر عن حياة شخصه الإلهية. “كانت طبيعة ابن الله البشرية، لا بذاتها بل باتحادها بالكلمة، تعلم وتظهر في ذاتها كل ما يليق بالله. من ذلك أولاً المعرفة الحميمة والمباشرة التي كانت لابن الله المتجسد عن أبيه. وكان الابن يظهر أيضا في عمله البشر ي ما كان له من نفاذ ألهى إلى الأفكار السرية في قلب البشر.
474- وكانت معرفة المسيح البشرية، بفضل اتحادها بالحكمة الإلهية في شخص الكلمة المتجسد ،تتمتع تمتعاً كاملاً بعلم المقاصد الأزلية التي جاء ليكشف عنها. وما يعترف بجهله في هذا المجال، يعلن في موضع آخر أن ليس له أن يكشف عنه.
إرادة المسيح البشرية
475-بموازاة ذلك اعترفت الكنيسة في المجمع المسكوني السادس بأن للمسيح إرادتين وفعلين طبيعيين، إلهي وبشري، لا متعارضين، بل متعاونين، بحيث إن الكلمة المتجسد أراد بشريا، في طاعة أبيه، كل ما أقره إلهيا مع الآب والروح القدس من أجل خلاصنا. إن أراده المسيح البشرية “تتبع إرادته الإلهية، بدون أن تكون معيقة ولا معارضة لها، بل بالحري بخضوعها لهذه الإرادة الكلية القدرة.”
جسد المسيح الحقيقي
476-بما أن الكلمة صار جسداً متخذا ناسوتاً حقيقياً فإن جسد المسيح كان محدداً. ولهذا كان بالإمكان “رسم” وجه يسوع البشري. وفى المجمع المسكوني السابع، اعترفت الكنيسة بأنه من الشرعي رسمه في صور مقدسة.
477- وفى الوقت نفسه اعترفت الكنيسة دائماً بان في جسد يسوع “أصبح الله غير المنظور بطبيعته منظوار لعيوننا”. وهكذا فإن ميزات جسد المسيح الفردية تعبر عن شخص ابن الله الإلهي .
وهذا اتخذ لذاته ملامح جسده البشري إلى حد إنها إذا رسمت في صورة مقدسة يمكن إكرامها، إذ إن المؤمن الذي يكرم صورته “يكرم فيها الشخص الذي رسم فيها .”
قلب الكلمة المتجسد
478-يسوع عرفنا وأحبنا جميعاً كما عرف وأحب كل واحد بمفرده، في حياته، وفي نزاعه وآلامه، وأسلم ذاته من أجل كل واحد منا: “أحبني ابن الله وبذل نفسه عني” (غل 2، 20). لقد أحبنا جميعاً بقلب بشر ي. لهذا السبب فقلب يسوع الأقدس، الذي طعن بآثامنا ولأجل خلاصنا، “أيعد العلامة والرمز الجليلين.. لهذه المحبة التي يحب بها الفادي الإلهي، محبة لا تنقطع، الآب الأزلي وجميع البشر في غير استثناء.
بإيجاز:
479-في الزمن الذي حدده الله تجسد ابن الآب الوحيد، الكلام الأزلي، أي كلمة الآب وصورته الجوهرية: بدون أن يفقد الطبيعة الإلهية اتخذ الطبيعة البشرية.
480- يسوع المسيح إله حقيقي وإنسان حقيقي، في وحده شخصه الإلهي؛ ولهذا فهو الوسيط الوحيد بين الله والبشر.
481- في يسوع المسيح طبيعتان، الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، غير ملتبستين بل متحدتين في شخص ابن الله الوحيد.
482- إذ كان المسيح إلها حقا وإنسانا حقا فهو يملك عقلا وإاردة بشريين متفقين كل الاتفاق، وخاضعين لعقله وإرادته الإلهيين اللذين يشترك فيهما مع الآب والروح القدس.
483-التجسد إذا سر الاتحاد العجيب للطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في شخص الكلمة الوحيد.
الفقرة 2
“.. كان الحبل به من الروح القدس، ولد من البتول مريم”
1- كان الحبل به من الروح القدس…
484- بشارة مريم تفتتح “ملء الزمان” (غل 4، 4)، أي إنجاز الوعود والتهييئات لقد دعيت مريم إلى الحبل بمن “سيحل فيه ملء اللاهوت جسدياً” (كول 2، 9) الجواب الإلهي عن سؤالها: “كيف يكون ذلك وأنا لا أعرف رجلا؟” (لو 1، 34) أعطته قدرة الروح: “الروح القدس يأتي عليك” (لو 1، 35).
485- رسالة الروح القدس ترافق دائما رسالة الابن وتواكبها. فقد أرسل الروح القدس لكي يقدس حشا العذراء مريم ويخصبه إلهياً، هو “الرب الذي يحيي”، فتحبل بابن الآب الأزلي في ناسوت متخذ من ناسوتها.
486- وبما أن ابن الآب الوحيد قد حبل به إنساناً في حشا العذراء مريم فهو “مسيح “أي ممسوح من قبل الروح القدس، منذ بدء وجوده البشر ي، وإن لم يظهر إلا تدريجيا: للرعاة، للمجوس، ليوحنا المعمدان، للتلاميذ. كل حياة يسوع المسيح ستظهر إذًا “كيف مسحه الله بالروح القدس والقدرة “(رسل 10، 38).
2- … ولد من البتول مريم
487-ما تؤمن به العقيدة الكاثوليكية بالنسبة إلى مريم يتركز على ما تؤمن به بالنسبة إلى المسيح، ولكن ما تعمله في ما يتعلق بمريم ينير بدوره إيمانها بالمسيح.
اختيار مريم
488-“الله أرسل ابنه” (غل 4، 4)، ولكنه هيّا له جسداً. فقد أ ارد الإسهام لحر من إحدى خلائقه.
ولهذا، فمنذ الأزل، اختار الله أما لابنه، إحدى بنات إسرائيل، فتاة من ناصرة الجليل، “عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف، من بيت داود، واسم العذراء مريم” (لو 1، 26- 27).
“لقد أراد أبو المراحم أن يسبق التجسد قبول من قبل مريم المختارة، بحيث إنه كما أسهمت امرأة في عمل الموت تسهم كذلك امرأة في عمل الحياة.”
489- على مدى العهد القديم هيأت رسالة مريم رسالة نساء قديسات. فأولا كانت حواء. فإنها ،وإن خالفت الوصية، نالت الوعد بنسل يتغلب على الماكر، وبأنها ستكون أما لجميع الأحياء. وبناء على هذا الوعد حبلت سارة بابن على تقدمها في السن. وخلافاً لكل انتظار بشر ي اختار الله ما كان يعد عاجزاً وضعيفاً لكي يظهر أمانته لوعده: حنة، أم صموئيل، دبورة، ارعوث، يهوديت، أستير، ونساء آخر كثي ارت. مريم “تحتل المكان الأول بين أولئك المتواضعين وفق ارء الرب الذين يرتجون منه الخلاص بثقة وينالونه. ومعها، هي ابنة صهيون المثلى، تتم الأزمنة، بعد انتظار الموعد طويلاً، ويبدأ التدبير الجديد”.
الحبل بلا دنس
490- لكي تكون مريم أم المخلص “نفحها الله من المواهب بما يتناسب ومثل هذه المهمة العظيمة” فالملاك جبرائيل يحييها إبان البشارة على أنها “ممتلئة نعمة”. ولكي تستطيع أن توافق موافقة إيمانها الحرة على البشارة بالدعوة التي دعيت إليها، كان لابد لها من أن تكون محمولة على نعمة الله.
491- على مر العصور وعت الكنيسة أن مريم: التي عمرتها نعمة الله” ، قد افتديت منذ حبل بها. هذا ما تعترف به عقيدة الحبل بلا دنس، التي أعلنها البابا بيوس التاسع، سنة 1854:
“إن الطوباوية العذ ارء مريم قد صينت، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، سليمة من كل لطخة من لطخات الخطيئة الأصلية، وذلك بنعمة من الله الكلى القدرة وبإنعام منه، نظراً إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشري”.
492- هذه “القداسة الرائعة والفريدة” التي “أغنين بها منذ اللحظة الأولى من الحبل بها” تأتيها كلهامن المسيح: لقد “افتديت بوجه سام، باعتبار استحقاقات ابنها”. فوق كل شخص آخر مخلوق، “باركها الآب بكل أنواع البركات الروحية في السماوات، في المسيح” (أف 1، 3). إنه “أختارها فيه عن محبة، من قبل إنشاء العالم، لتكون قديسة وبغير عيب أمامه” (أف 1، 4).
493- آباء التقليد الشرقي يدعون والدة الإله “بالكلية القداسة” ويحتفلن بها على أنها “معصومة من كل وصمة خطيئة، لأن الروح القدس عجنها وكونها خليقة جديدة” لقد لبثت مريم طول حياتها بريئة، بنعمة الله، من كل خطيئة شخصية.
“فليكن لي بحسب قولك” …
494- عندما بشرت مريم بأنها ستلد “ابن الله العلي” من غير أنها تعرف رجلاً، بقوة الروح القدس، أجابت “بطاعة الإيمان” (رو 1، 5) موقنة بأن “لا شيء مستحيل عند الله: “أنا أمة الرب، فليكن ليس بحسب قولك” (لو 1، 37- 38). وهكذا بإذعان مريم لكلام الله أصبحت أما ليسوع، وإذ اعتنقت بكل رضى، وبمعزل عن كل عائق إثم، الإرادة الإلهية الخلاصية، بذلك ذاتها كلياً لشخص ابنها وعمله، لتخدم سر الفداء، بنعمة الله، في رعاية هذا الابن ومعه.
“لقد صارت بطاعتها، على حد قول القديس إيربناوس، علة خلاص، لها هي نفسها وللجنس البشري كله” ومعه يقول كثيرون من الآباء الأقدمين: “إن العقدة التي نجمت عن معصية حواء قد انحلت بطاعة مريم؛ وما عقدته حواء العذ ارء بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بإيمانها “وبمقارنتهم مريم بحواء، يدعون مريم “أم الأحياء”، وكثيراً ما يعلنون: “بحواء كان الموت وبمريم كانت الحياة.”
أمومة مريم الإلهية
495-مريم التي دعيت في الإنجيل “أم يسوع”(يو 2، 1؛ 19، 25) نودي بها، بدافع من الروح القدس، ومن قبل أن تلد أبنها “أم ربي” (لو 1، 43). فهذا الذي حبلت به إنسانا بالروح القدس والذي صار حقاً ابنها في الجسد ليس سوى ابن الآب الأزلي، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس.
والكنيسة تعترف بأن مريم هي حقاً والدة الإله”.
بتولية مريم
496- منذ إعلان الصيغ الأولى للإيمان، اعترفت الكنيسة أن يسوع جرى الحبل به بقوة الروحالقدس وحدها، في حشا العذ ارء مريم، مثبته أيضا الناحية الجسدية في هذا الحدث: يسوع حبل به”من الروح القدس بدون زرع رجل” والآباء يرون في الحبل البتولي علامة لأن هذا هو حقاً ابن الله الذي آتى في ناسوت كناسوتنا:
قال في هذا المعنى القديس إغناطيوس الإنطاكي (أوائل القرن الثاني): “اتضح لي أنكم على أشد اليقين في ما يتعلق بربنا الذي هو في الحقيقة من ذرية داود بحسب الجسد، وابن الله بحسب إرادة الله وقدرته، ومولود حقاً من عذراء … وقد سمر حقاً من أجلنا في جسده في عهد بنطيوس بيلاطس.. فتألم حقا، وحقا قام أيضاً”.
497- الروايات الإنجيلية تري في حبل العذراء عملا إلهيا يفوق كل إدراك إنساني وكل قدرة بشرية: “لذي حبل به فيها إنما هو من الروح القدس”، هكذا قال الملاك ليوسف في شأن مريم خطيبته (متى 1، 20). والكنيسة ترى في ذلك إنجاز الوعد الإلهي الذي نطق به النبي أشعيا قائلاً: “ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا” (أش 7، 14)، على ما جاء في الترجمة اليونانية لمتى 1،23
498- أثار صمت إنجيل مرقس ووسائل العهد الجديد أحيانا القلق في شأن حبل مريم البتولي وكان من الممكن أن يتساءل المرء هل في الأمر خرافات أو تركيبات لاهوتية من النوايا التاريخية. فعن ذلك يجب أن يكون الجواب: لقد لقي الإيمان بالحبل البتولي بيسوع معارضة حادة، وهزءا أو سوء فهم من قبل غير المؤمنين، اليهود والوثنين: لم تكن هذه العقيدة معللة بالميثولوجيا الوثنية أو بأي مطابقة لآراء العصر. لم يكن إدراك معنى هذا الحادث ممكنا إلا للإيمان الذي يراه في هذه العلاقة التي تربط ما بين الأسرار، في مجموعة أسرار المسيح، من تجسده إلى فصحه والقديس إغناطيوس الإنطاكي يعرب عن هذه العلاقة ويقول: “لقد جهل سلطان هذا العالم بتولية مريم وولادتها، كما جهل موت الرب: ثلاثة أسرار باهرة تمت في صمت الله.”
مريم ـ دائمة البتولية
499- تعمق الكنيسة في إيمانها بالأمومة البتولية قادها إلى الاعتراف ببتولية مريم الحقيقة والدائمة، حتى في ولادتها ابن الله المتأنس. فميلاد المسيح “لم ينقص ببتولية أمه ولكنه كرس كمال تلك البشرية ،ليتورجيا الكنيسة تشيد بمريم على إنها دائمة البتولية.”
500-يعترض على هذا أحيانا بأن الكتاب المقدس يذكر أخوة وأخوات ليسوع والكنيسة أرت دائما أن هذه المقاطع لا تشير إلى أن للعذ ارء مريم أولادا آخرين: وهكذا فيعقوب ويوسى “أخوة يسوع “(متى 13، 55) هم أبناء امرأة اسمها مريم كانت تلميذة للمسيح، أشير إليها بطريقة معبرة على أنها “مريم الأخرى” (متى 28، 1) فالكلام كان على أقرباء ليسوع أدنين، على طريقة تعبيريةمعهودة في العهد القديم.
501-يسوع هو ابن مريم الوحيد. ولكن أمومة مريم الروحية تشمل جميع البشر اللذين أتى ليخلصهم: “ولدت ابنها الذي جعله الله “بكرا ما بين أخوة كثيرين”(رو 8، 29)، أي مؤمنين تسهم محبتها الأمومية في ولادتهم وفي تنشئتهم.”
أمومة مريم البتولية في تصميم الله
502- يستطيع نظر الإيمان، مرتبطا بمجمل الوحي، أن يكشف الأسباب الخفية التي لأجلها أراد الله، في قصده الخلاصي، أن يولد ابنه من بتول. هذه الأسباب تتعلق بشخص المسيح ورسالته الفدائية كما تعلق بتقبل مريم لهذه الرسالة من أجل جميع البشر.
503-“إن بتولية مريم تظهر مبادرة الله المطلقة في التجسد فأبو يسوع الوحيد هو الله والطبيعة البشرية التي اتخذها لم تبعده قط عن الأب …؛ فهو طبيعيا ابن الآب بلا هوته، وطبيعيا ابن والدته بنا سوته، وهو خصوصا ابن الله في طبيعته.”
504- يسوع حبل به من الروح القدس في حشا العذراء مريم لأنه آدم الجديد الذي يفتتح الخليقة الجديدة: “الإنسان الأول من الأرض من التراب، والإنسان الثاني من السماء( “1 كو 15، 47).
فناسوت المسيح، منذ الحبل به، “مملوء بالروح القدس، لأن الله يعطيه الروح بغير حساب” (يو 3، 34). فمن “ملئه” هو أرس البشرية المفتداة ،“أخذنا نعمة فوق نعمة” (يو 1، 16).
505-يسوع، آدم الجديد، يفتتح، بالحبل البتولي به، الولادة الجديدة لأبناء الله بالتبني في الروح القدس بالإيمان “كيف يكون ذلك؟” (لو 1، 34). الاشتراك في الحياة الإلهية لا يأتي “من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل بل منن الله”(يو 1، 13). فتقبل هذه الحياة بتولي لأن الحياة بكاملها عطية للإنسان من الروح القدس. والمعنى الزواجي في الدعوة البشرية بالنسبة إلى الله يكتمل اكتمالا وافيا في أمومة مريم البتولية.
506-مريم بتول لأن بتوليتها علامة إيمانها الذي “لا يشوبه شك” واستسلامها الكامل لمشيئة الله .فإيمانها هو الذي يخولها أن تصير أما للمخلص: “مغبوطة مريم لكونها نالت إيمان المسيح، أكثر مما لأنها حبلت بجسد المسيح.”
507-مريم بتول وأم معاً، إذ أنها معاً، إذ أنها صورة الكنيسة وأكمل تحقيق لها: “الكنيسة.. تصيرهي أيضا أما بكلام الله الذي تتقبله بإيمان: فبالك ارزة والمعمودية تلد، لحياة جديدة خالدة، أولادا يحبل بهم من الروح القدس، ويولدون من الله. وهي أيضا عذراء، إذ قطعت لعريسها عهداً تحفظه كاملا لا تشوبه شائبة.”
بإيجاز:
508- في نسل حواء اختار الله العذارء مريم لتكون أما لابنه. وإذ كانت “ممتلئة نعمة” فهي “خير ثمار الفداء”: فهي منذ لحظة الحبل بها الأولى، صينت على وجه كامل من وصمة الخطيئة الأصلية، ولبثت طول حياتها بريئة من كل خطيئة شخصية.
509- مريم هي حقا “والدة الإله” لأنها والدة ابن الله الأزلي المتجسد، الذي هو نفسه إله.
510- مريم “لبثت بتولا في الحبل بابنها، وبتولا في ولادتها له، وبتولا في حملها له، وبتولا في إرضاعه، بتولا أبدا”: كانت بملء كيانها “أمة الرب” (لو 1، 38).
511- “أسهمت العذارء مريم في خلاص البشر، بإيمانها وخضوعها الاختيارين. لقد فاهت بـ“نعمها”، “باسم الطبيعة البشرية كلها جمعاء”. بطاعتها صارت حواء الجديدة، أم الأحياء.
الفقرة 3- أسرار حياة المسيح
512- قانون الإيمان لا يتحدث، في موضوع حياة المسيح، إلا عن سري التجسد (حبل وميلاد)، والفصح (آلام، وصلب، وموت، ودفن، وانحدار إلى الجحيم، وقيامة، وصعود). ولا يذكر شيئا بصراحة عن أسرار حياة يسوع الخفية والعلنية، إلا أن بنود الإيمان المتعلقة بتجسد يسوع وفصحه تلقي نورا على حياة المسيح الأرضية كلها. كل “ما عمل يسوع وعلم به من البدء حتى اليوم الذي صعد فيه إلى السماء” (أع 1:1-2) يجب أن يؤخذ على نور سري الميلاد والفصح.
513- للكرازة أن تنشر، وفاقا للأحوال، كل غنى أسرار يسوع. تكفي هنا الإشارة إلى بعض العناصر المشتركة في أسرار حياة المسيح(1)، للوصول بعد ذلك إلى رسم الخطوط الكبرى من الأسرار المهمة في حياة يسوع الخفية(2)، والعلنية(3).
1. كل حياة المسيح سر
514-أمور كثيرة تستهوي معرفتها الفضول البشري في ما يتعلق بيسوع، ولا ترد في الأناجيل. فلم يقل شيء تقريبا عن حياته في الناصرة، وقسم كبير من حياته العلنية لم يرو خبره . فما كتب في الأناجيل “إنما كتب لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح، ابن الله، وتكون لكم، إذا آمنتم، الحياة باسمة” (يو 31:20).
515-الأناجيل كتبها أناس كانوا من الأولين في الإيمان وكانوا يريدون أن يشركوا الآخرين في ذلك الإيمان. فإذ عرفوا بالإيمان من هو يسوع، استطاعوا أن يروا ويروا آثار سره في حياته الأرضية كلها. فمن قمط ولادته إلى خل آلامه وإلى كفن قيامته ، كل شيء في حياة يسوع علامة سره. فمن خلال حركاته، ومعجزاته، وأقواله، كشف أن المسيح “يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديا” (كو 2: 9). وهكذا ظهر ناسوته أشبه “بالسر” أي العلامة والوسيلة للاهوته وللخلاص الذي يأتي به : ما كان منظورا في حياته الأرضية قاد إلى السر غير المنظور في بنوته الإلهية وفي رسالته الفدائية .
عناصر أسرار يسوع المشتركة
516- كل حياة المسيح كشف عن الآب : أقواله وأعماله، صمته وآلامه، طريقة كينونته وكلامه. يستطيع يسوع أن يقول:” من يرني ير الآب” (يو 14: 9)، والآب :” هذا هو ابني الحبيب، فاسمعوا له” (يو 9: 35). وإذ كان ربنا قد تجسد لإتمام مشيئة الآب ، فأصغر ملامح أسراره تظهر لنا “محبة الله لنا” (1 يو 4: 9).
517-كل حياة المسيح سر فداء. الفداء يأتينا قبل كل شيء بدم الصليب ، ولكن هذا السر يعمل على مدى حياة المسيح كلها: في تجسده الذي، إذ صار به فقيرا، يغنينا بفقره ؛ في حياته الخفية التي عوض فيها خضوعه عن عصياننا؛ في كلامه الذي يظهر سامعيه ؛ في أشفيته وإخراجه الشياطين التي بها “أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا” (متى 8: 17) ؛ في قيامته التي بها يبررنا .
518– كل حياة المسيح سر تلخيص. فكل ما عمله يسوع، وما قاله، وما تألمه، كان هدفه إعادة الإنسان الساقط إلى دعوته الأولى :
” عندما تجسد وصار إنسانا، لخص في ذاته تاريخ البشر الطويل، وحصل لنا الخلاص مختصرا، بحيث أن ما فقدناه بآدم، أي كوننا على صورة الله ومثاله، نستعيده في المسيح يسوع . وهذا الذي حمل المسيح على أن يمر بجميع أعمال الحياة، معيدا إلى جميع البشر الشركة مع الله” .
شركتنا في أسرار يسوع
519- كل غنى “معد لكل إنسان، وهو يؤلف خير كل واحد” . المسيح لم يحي حياته لنفسه، بل لنا منذ تجسده ” من أجلنا نحن البشر وفي سبيل خلاصنا” إلى موته ” من أجل خطايانا” (1 كو 15: 3)، وإلى قيامته “لأجل تبريرنا” (رو 4: 25).والآن أيضا هو“لنا شفيع لدى الآب” (1 يو 2: 1)، إذ أنه على الدوام حي ليشفع فينا” (عب 7: 25).فهو مع كل ما عانى في حياته وآلامه لأجلنا مرة واحدة يظل حاضرا أبدا” أمام وجه الله لأجلنا” (عب 9: 24).
520- يظهر يسوع في حياته كلها مثالا لنا : إنه “الإنسان الكامل” الذي يدعونا إلى أن نصير تلاميذه وإلى أن نتبعه: بتنازله قدم لنا مثالا لنتبعه ؛ وبصلاته يجذب إلى الصلاة ؛ وبفقره يدعو إلى قبول اختياري للفقر والاضطهادات .
521- كل ما عانى المسيح في حياته يعمل على أن نعانيه فيه على أن يعانيه فينا. “بالتجسد اتحد ابن الله نوعا ما بكل إنسان” . ونحن مدعوون إلى أن لا نكون إلا واحد معه؛ وما عاناه في جسده من أجلنا وكمثال لنا، يجعلنا نشترك فيه كأعضاء من جسده:
” يجب علنا أن نواصل ونكمل فينا حالات يسوع وأسراره، وأن نسأله غالبا أن يتمها ويكملها فينا وفي كل كنيسته (…)؛ إذ إن في قصد ابن الله أن يجعل لأسراره إشراكا ونوعا من امتداد ومواصله فينا وفي كل كنيسته، بالنعم التي يريد أن يمنحناها، وبالأثر الذي يريد أن يجريه فينا بهذه الأسرار. وبهذه الطريقة يريد أن يتمها فينا ” .
2. أسرار حداثه يسوع وحياته الخفية :
التهيئة
522-مجيء ابن الله على الأرض حدث بهذا العظم حتى أن الله أراد أن يهيئه سحابه قرون. طقوس وذبائح، صور “العهد الأول” ورموزه، كل ذلك وجهة الله إلى المسيح؛ إنه ينبىء به بلسان المتعاقبين في اسرائيل؛ ويوقظ في قلوب الوثنيين ترقب هذا المجيء الغامض .
523-القديس يوحنا المعمدان هو سابق الرب المباشر؛ أرسل ليهيىء له الطريق . “نبي العلي”(لو 1: 76)، يفوق جميع الأنبياء ، وهو آخرهم ، يفتتح الإنجيل ؛ يحيي مجيء المسيح ولما يزل في حشا أمه ، ويجد حبوره في أن يكون “صديق العريس” (يو 3: 29)، دالا أنه “حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” (يو 1: 29). سبق يسوع “في روح إيليا وقدرته” (لو 1: 17)، وشهد له بكرازته، ومعمودية التوبة، وأخيرا باستشهادة .
524-عندما تحتفل الكنيسة بليترجيا تهيئة الميلاد (المجيء) تجعل ترقب الماسيا هذا حاليا. بإشتراك المؤمنين في التهيئة الطويلة لمجيء المخلص الأول، يجددون تشوقهم الحار إلى مجيئه الثاني . والكنيسة عندما تحتفل بميلاد السابق واستشهاده تتحد برغبته:” له ينبغي ان ينمو ولي أن أنقص” (يو 3: 30).
سر الميلاد
525-ولد يسوع في ضعه مذود، في أسرة فقيرة ؛ رعاة بسيطون كانوا أول من شهد للحادث. ففي هذه المسكنة يتجلى مجد السماء . والكنيسة لا تألو جهدا في الإشادة بمجد هذه الليلة :
“اليوم البتول تلد الفائق الجوهر، والأرض تقدم المغارة لمن لا يدنى منه. الملائكة مع الرعاة يمجدون، والمجوس مع الكوكب يسيرون، لأنه من أجلنا ولد طفلا جديدا الإله الذي قبل الدهور”.
526- أن “يصير الإنسان طفلا”، بالنسبة إلى الله، هو الشرط لدخول الملكوت؛ ولهذا يجب الاتضاع، والتصاغر؛ وأكثر من ذلك: يجب أن “يولدوا من فوق” (يو 3: 7)، أن “يولدوا من الله” لكي “يصيروا أبناء الله”. سر الميلاد يتم فينا. الميلاد سر هذا “التبادل العجيب”:
“يا للتبادل العجيب! خالق الجنس البشري؟ باتخاذه جسدا ونفسا، يتنازل ويولد من عذراء، وبصيرورته إنسانا بدون وساطة إنسان، ينعم علينا بموهبة ألوهته”.
أسرار حداثه يسوع
527-ختان يسوع في اليوم الثامن لميلاده هو علامة دخوله في نسل ابراهيم، في شعب العهد، وخضوعه للناموس ، وانتدابه لشعائر اسرائيل الدينية التي سيشترك فيها سحابة حياته كلها. هذه العلامة هي صورة مسبقة “لختانه المسيح” أي المعمودية .
528- الظهور هو ظهور يسوع على أنه ماسيا اسرائيل، ابن الله ومخلص العالم. وهو، مع اعتماد يسوع في الأردن وعرس قانا يحتفل بالعبادة التي أداها ليسوع “المجوس” الاتون من المشرق . في هؤلاء “المجوس” الممثلين للديانات الوثنية المجاورة، يرى الإنجيل بواكير الأمم التي تتلقى بشرى الخلاص بالتجسد. فمجيء المجوس إلى أورشليم يظهر أنهم عرفوا في طفل بيت لحم، على ضوء النجمة الماسيوي ، ملك الأمم . مجيئهم يعني أن الوثنيين، باكتشافهم يسوع، وبالسجود له على أنه ابن الله ومخلص العالم، يتقبلون المواعيد الماسيوية ، كما احتواها العهد القديم . الظهور يعلن أن “جمهور الوثنيين يدخل في أسرة الأجداد” ، وبالمسيح يكتسب كرامة شعب الله .
529- تقدمة يسوع إلى الهيكل تظهره البكر الذي للرب . مع سمعان وحنة يأتي كل رجاء اسرائيل للقاء مخلصه (هكذا يدعو التقليد البيزنطي هذا الحديث). فيسوع هو الماسيا الذي طالما انتظر، “نور الأمم” و”مجد اسرائيل”، و”هدف المخالفة” أيضا. وسيف الألم الذي أنبئت به مريم ينبىء بتلك التقدمة الأخرى، الكاملة والفريدة، تقدمة الصليب، التي ستعطي الخلاص الذي “أعده الله أمام وجوه الشعوب كلها” .
530-الهرب إلى مصر وقتل الأبرياء يظهران معارضة الظلمات للنور: “أتى إلى خاصته ولم تقلبه” (يو 1: 11). كل حياة يسوع ستكون هدفا للاضطهاد . وسيكون أتباعه شركاء فيه . صعوده إلى مصر يذكر بالخروج ، ويظهر يسوع محررا نهائيا.
أسرار حياة يسوع الخفية
531- قاسم يسوع، في القسم الأكبر من حياته، أكثر الناس حالتهم ووضعهم: حياة يومية خالية من الأبهة الظاهرة، حياة عمل يدوي، حياة تدين يهودي خاضعة لناموس الله ، حياة مشتركة من هذه المرحلة كلها كشف لنا عن أن يسوع كان خاضعا لأبويه ، وأنه كان “ينمو في الحكمة والقامة والنعمة أمام الله والناس” (لو 2: 52).
532-خضوع يسوع لأمه وأبيه الشرعي يتم الوصية الرابعة إتماما كاملا. إنه الصورة الزمنية لطاعته البنوية لأبيه السماوي. خضوع يسوع اليومي ليوسف ومريم كان ينبىء ويعلن مسبقا خضوع المسيح في صلاته ببستان الزيتون:”لا مشيئتي …” (لو 22: 42). إن خضوع يسوع في يوميات حياته الخفية كان يفتتح عمل إصلاح ما دمره عصيان آدم .
533- حياة الناصرة الخفية تتيح لكل إنسان أن يشترك مع يسوع في طرائق الحياة اليومية :
“الناصرة هي المدرسة التي يبدأ فيها فهم حياة يسوع: مدرسة الإنجيل (…). درس صمت أولا. فليولد فينا تقدير الصمت، هذا الوضع العجيب والضروري للنفس (…). درس حياة عيلية. فلتعلمنا الناصرة ما العيلة، وما شركة محبتها، وما جمالها القشف والبسيط، وما طابعها المقدس وغير قابل الانتهاك (…) درس عمل. الناصرة، ويا لها من منزل “لابن النجار”! ههنا نود لو نفهم ونعلي القانون القاسي والفدائي للجهد البشري (…)؛ وكم نود أخيرا أن نحيي هنا جميع عمال العالم كله، وأن نريهم مثالهم العظم، وأخاهم الإلهي” .
534-وجود يسوع في الهيكل هو الحدث الوحيد الذي يقطع صمت الأناجيل في شأن سنوات يسوع الخفية. يسوع يجعلنا نستشف في هذا الحدث سر تكرسه الكامل لرسالة تنبع من بنوته الإلهية: “ألم تعلما أني ملتزم بشؤون أبي؟” و”لم يفهم” يوسف ومريم الكلام، ولكنهما تقبلاه بالإيمان، وكانت مريم “تحفظ جميع هذه الأشياء في قلبها” سحابة السنين التي لبث يسوع فيها متواريا وراء صمت حياة عادية.
3. أسرار حياة يسوع العلنية
تعميد يسوع
535- افتتحت حياة يسوع العلنية بالمعمودية التي تلقاها من يوحنا في الأردن . كان يوحنا يكرز “بمعمودية توبة لمغفرة الخطايا” (لو 3:3). وكان جمهور من الخطأة والعشارين والجنود ، والفريسيين والصدوقيين والبغايا أتوا ليعتمدوا منه. “حينئذ ظهر يسوع”. فيتردد المعمدان. ويلح يسوع: فينال المعمودية؛ وإذا الروح القدس ينزل بشكل حمامة ويحل عليه؛ وإذا صوت من السماوات يقول:” هذا ابني الحبيب” (متى 3: 13-17). إنه “ظهور” يسوع ماسيا اسرائيل وابن الله .
536-اعتماد يسوع هو، من جهته، قبول وافتتاح رسالته كخادم متألم. إنه يسمح بأن يعد في الخطأة . وهو منذ الآن “حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” (يو 1: 29)؛ وهو منذ الآن يستبق “معمودية” موته الدامي . إنه يأتي منذ الآن “ليكمل كل بر” (متى 3: 15)، أي ليخضع بكليته لمشيئة أبيه: إنه يرتضي بمحبة معمودية الموت هذه لمغفرة خطايانا . ويقابل هذا الرضى جواب صوت الآب الذي يجعل في ابنه كل مسرته . والروح، الذي يملكه يسوع بمثله منذ الحبل به، يأتي “ويستقر” عليه وهو سيكون ينبوعه لجميع البشر. فعند اعتماده“تنفتح السماوات” (متى 3: 16) التي أغلقتها خطيئة آدم؛ والمياة تتقدس بحلول يسوع والروح القدس، افتتاحا للخلق الجديد .
537-بالمعمودية يشبه المسيحي سريا بالمسيح الذي يستبق بمعموديته موته وقيامته؛ يجب عليه أن يدخل في سر التنازل الوضيع والتوبة، وأن ينزل في الماء مع يسوع، لكي يعود إلى الصعود معه، وأن يولد من الماء والروح لكي يصبح، في الابن، الابن الحبيب للآب، و”يحيا حياة جديدة” (رو 6: 4).
” لندفن ذواتنا بالمعمودية مع المسيح، لكي نقوم معه؛ لننحدر معه، لكي نرفع معه؛ لنصعد معه لكي نمجد فيه” .
“لكل ما جرى في المسيح يعلمنا انه، بعد حمام الماء، ينزل علينا الروح القدس من السماء، وإننا، بتبني صوت الآب لنا، نصبح أبناء الله” .
تجارب يسوع
538-الأناجيل تتحدث عن زمن عزلة ليسوع في البرية حالا بعد المعمودية التي نالها من يوحنا: “دفعه الروح إلى البرية” (مر 1: 22)، فأقام يسوع فيها أربعين يوما بغير طعام؛ عاش مع الوحوش وكانت الملائكة تخدمه . في آخر هذا الزمن جربه الشيطان على دفعات ثلاث محاولا أن يختبر موقفه البنوي تجاة الله. فيرد يسوع هذه الحملات التي تلخص تجارب آدم في الفردوس واسرائيل في الصحراء، وينصرف عنه ابليس “إلى الوقت المعين” (لو 4: 13).
539- الإنجيلييون يشيرون إلى المعنى الخلاصي لهذا الحادث العجيب. فيسوع هو آدم الجديد الذي ظل وفيا حيث سقط الأول في التجربة. ويسوع يتم دعوة اسرائيل على وجه كامل: فبخلاف أولئك الذين استفزوا الله قديما سحابة أربعين سنة في الصحراء ظهر المسيح خادما لله، خاضعا تمام الخضوع لمشيئته الإلهية. بهذا التغلب يسوع على ابليس: إنه “ربط القوي” لكي يسترجع أمتعته . إن انتصار يسوع على المجرب في الصحراء استباق لانتصار الآلام، أي خضوع محبته البنوية المطلق للآب.
540- تجربة يسوع تظهر الطريقة التي يعتمدها ابن الله ليكون ماسيا، خلافا للطريقة التي يعرضها عليه ابليس والتي يريد البشر أن ينسبوها إليه. ولهذا تغلب المسيح على المجرب من أجلنا :” فإن الحبر الذي لنا ليس عاجزا عن الرثاء لأسقامنا، بل هو مجرب في كل شيء، على مثالنا، ما خلا الخطيئة” (عب 4: 15). والكنيسة تتحد كل سنة بالصيام الكبير أربعين يوما، بسر يسوع في الصحراء .
“ملكوت الله قريب”
541- “بعدما أسلم يوحنا، أتى يسوع إلى الجليل. وقد أعلن فيه البشرى الآتية من الله بهذه الألفاظ: “لقد تم الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل” (مر 1: 14-15). و”لكي يتم المسيح مشيئة الآب، افتتح ملكوت السماوات على الأرض” ومشيئة الآب هي في “رفع البشر إلى الشركة في الحياة الإلهية” . وهو يفعل ذلك في جمع البشر حول ابنه يسوع المسيح. هذا التجمع هو الكنيسة التي هي على الأرض “بذار ملكوت الله وبدؤه” .
542- المسيح هو في قلب تجمع البشر هذا في “أسرة الله”. إنه يدعوهم إلى التحلق حوله بكلامه، وبإشاراته التي تظهر ملك الله، وبإرساله تلاميذه. إنه سيحقق مجيء ملكوته خصوصا بسر فصحه العظيم: موته على الصليب وقيامته. “وأنا متى رفعت عن الأرض اجتذبت إلي الجميع” (يو 12: 32). جميع البشر مدعوون إلى هذه الوحدة مع المسيح .
إعلان ملكوت الله
543- جميع البشر مدعوون إلى الدخول في الملكوت. هذا الملكوت المسياني الذي أعلن أولا لأبناء اسرائيل ، مؤهل لتقبل البشر من جميع الأمم . وللدخول فيه يجب تقبل كلمة يسوع:
” يشبه كلام الرب بالبذر يطرح في الحقل: من استمعوا إليه بإيمان وانضموا إلى قطيع المسيح الصغير تقبلوا الملكوت نفسه؛ ثم إن الزرعة تنمو بقوتها الذاتية إلى زمن الحصاد” .
544-الملكوت هو للمساكين والصغار، أي لأولئك الذين تقبلوه بقلب متواضع. لقد أرسل يسوع “ليحمل البشرى إلى المساكين” (لو 4: 18) . إنه يعلن الطوبى لهم “لأن لهم ملكوت السماوات” (متى 5: 3)؛ “فللأطفال ” ارتضى الآب أن يكشف ما ظل خفيا عن الحكماء وذوي الدهاء . ويسوع شارك الفقراء في حياتهم، من المغارة إلى الصليب؛ فقد خبر الجوع ، والعطش ، والعوز . وفضلا عن ذلك: صار مماثلا للمساكين في شتى فئاتهم، وجعل من العطف الفعال عليهم شرطا للدخول في ملكوته .
545- يسوع يدعو الخطأة إلى مائدة الملكوت: “إني لم آت لأدعو الصديقين بل الخطأة” (مر 12: 7) . إنه يدعوهم إلى التوبة التي بدونها لا يمكن الدخول إلى الملكوت، وهو يريهم بالقول والفعل رحمة أبيه غير المحدودة لهم ، و”فرح السماء العظيم بخاطىء واحد يتوب” (لو 15: 7). والبرهان الأعظم على هذه المحبة سيكون في بذل حياته الخاصة “لمغفرة الخطايا” (متى 26: 28).
546- يسوع يدعو إلى الدخول في الملكوت من خلال أمثاله التي هي ميزة تعليمه الخاصة . بها يدعو وليمة الملكوت ، ولكنه يطلب أيضا اختيارا جذريا: للحصول على الملكوت يجب التضحية بكل شيء ؛ والكلام لا يكفي، بل يجب العمل . الأمثال هي بمنزلة مرايا للإنسان: هل يتقبل الكلمة كالأرض الحجرة ام يتقبلها كالأرض الجيدة ؟ ماذا يفعل بالوزنات التي أخذها ؟ يسوع ووجود الملكوت في هذا العالم هما في قلب الأمثال سريا. يجب الدخول في الملكوت، أي أن يصير الإنسان تلميذا للمسيح لكي “يعرف أسرار ملكوت السماوات” (متى 13: 11). أما بالنسبة إلى الذين يبقون “خارجا” “(مر 4: 11) فكل شيء يظل معمى .
علامات ملكوت الله
547- يسوع يصحب أقواله كثيرا من “العجائب والمعجزات والآيات” (أع 2: 22) تظهر أن الملكوت حاضر فيه. إنها تثبت أن يسوع هو الماسيا الموعود به .
548-الآيات التي أتى بها يسوع تشهد أن الآب ارسله . إنها تدعو إلى الإيمان به . والذين يتوسلون إليه بإيمان يمنحهم ما يسألون . وهكذا فالمعجزات تقوي الغيمان بالذي يعمل أعمال أبيه: إنها تشهد بأنه ابن الله . ولكنها قد تكون أيضا “سبب عثرة” . فهي لا تريد أن ترضي الفضول والرغبات السحرية. ومع ما أتى به يسوع من معجزات باهرة فقد رفضه البعض ؛ وتوصلوا إلى اتهامه بأنه يعمل بالشياطين .
549-عندما حرر يسوع بعض البشر من الشرور الأرضية، من الجوع ، والظلم ، والمرض والموت ، قدم آيات مسيانية؛ وهو مع ذلك لم يأت ليزيل جميع شرور هذا العالم ، بل ليحرر البشر من العبودية الأشد خطورة، عبودية الخطيئة التي تعوقهم في دعوتهم كأبناء الله، وتسبب جميع مذلاتهم البشرية .
550- مجيء ملكوت الله هو انكسار لمملكة ابليس : “ان كنت بروح الله أخرج الشياطين فذلك أن ملكوت الله قد انتهى إليكم” (متى 12: 28). معالجات يسوع تحرر الناس من سيطرة الشياطين . إنها تستبق انتصار يسوع الأعظم على “رئيس هذا العالم” فبصليب المسيح يستقر ملكوت الله نهائيا: “الله ملك من أعالي الخشبة” .
“مفاتيح الملكوت”
551- يسوع اختار، منذ فجر حياته العلنية، اثني عشر رجلا لكي يكونوا معه ولكي يشتركوا في رسالته . إنه يشركهم في سلطانه، “ثم أرسلهم ليبشروا بملكوت الله ويجروا الأشفية” (لو 9: 2). إنهم سيظلون إلى الأبد شركاء في ملكوت المسيح، لأن المسيح يسوس بهم الكنيسة:
“أنا أعد لكم الملكوت كما أعده لي أبي، لكي تأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا عل عروش لتدينوا أسباط اسرائيل الاثني عشر” (لو 22: 29-30).
552-في مجمع الاثني عشر يحتل سمعان بطرس المحل الأول . لقد عهد اليه المسيح في رسالة خاصة. بفضل كشف آت من الآب كان بطرس قد اعترف: “أنت المسيح، ابن الله الحي” (متى 16:16). وقد آعلن له ربنا إذ ذاك: “أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” ( متى 16: 18).
والمسيح “الصخرة الحية” يؤكد لكنيسته، المبنية على الصخرة، انتصارها على قوات الموت. وبطرس، بالنظر إلى إيمانه الذي اعترف به، سيبقى صخرة الكنيسة التي لا تتزعزع. وسيكون في عهدته أن يحفظ هذا الإيمان سليما من أي عثرة، وأن يثبت فيه إخوته .
553- يسوع عهد إلى بطرس في سلطة نوعية: “سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات، وما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات” (متى 16: 19). “فسلطة المفاتيح” تعني سلطة سياسة بيت الله الذي هو الكنيسة. ويسوع، “الراعي الصالح” (يو 10: 11)، قد ثبت هذه المهمة بعد قيامته: “ارع خرافي” (يو 21: 15-17). وسلطان “الحل والربط ” يعني سلطة حل الخطايا، وإعلان أحكام عقائدية، واتخاذ قرارات تأديبية في الكنيسة. ويسوع عهد في هذه السلطة إلى الكنيسة عن طريق خدمة الرسل ، ولا سيما بطرس الذي سلم صراحة مفاتيح الملكوت اليه دون سواه.
استهلاك الملكوت: التجلي
554-من يوم اعترف بطرس بأن يسوع هو المسيح، ابن الله الحي، “شرع المعلم يبين لتلاميذه أنه ينبغي له أن يمضي إلى أورشليم، ويتألم (…) ويقتل، وأن يقوم في اليوم الثالث (متى 16: 21). فتأبى بطرس هذا الإعلان ، ولم يكن الآخرون أكثر فهما له . في هذا السياق يرد ذكر الحادث العجيب لتجلي يسوع على جبل عال، أمام ثلاثة شهود اختارهم هو: بطرس ويعقوب ويوحنا. فيصير وجه يسوع وثيابه متلالئة بالنور، ويظهر موسى وإيليا، “فيحدثانه عن السفر الذي سيقوم به إلى أورشليم” (لو 9: 31)، وتظلهم غمامة، وينطلق صوت من السماء قائلا:” هذا هو ابني ، مختاري؛ فاسمعوا له”(لو 9: 35).
555- لحين ما يظهر يسوع مجده الإلهي، مثبتا هكذا اعتراف بطرس. وهو يظهر إلى ذلك أن “الدخول في مجده” (لو 24: 26)يقتضي منه اجتياز الصليب في أورشليم. وكان موسى وإيليا قد شاهدا مجد الله على الجبل؛ وكان الناموس والأنبياء قد أنبأوا باآام الماسيا . وآلام يسوع كانت بمشيئة الآب: فالابن يعمل خادما لله . والغمامة تدل على حضور الروح القدس؛ “الثالوث كله يظهر”: الآب في الصوت، والابن في الإنسان، والروح في الغمامة المضيئة” :
” تجليت أيها المسيح الإله على الجبل، وبقدر ما استطاع تلاميذك شاهدوا مجدك، لكي يفهموا، إذا ما رأوك مصلوبا، أنك تتألم باختيارك، ويكرزوا للعالم أنك أنت حقا ضياء الآب” .
556- على عتبة الحياة العلنية: الاعتماد؛ وعلى عتبة الفصح: التجلي. باعتماد يسوع ” ظهر سر تجددنا الأول”: معموديتنا؛ والتجلي هو “سر التجدد الثاني”: قيامتنا الخاصة . فمنذ الآن نشترك في قيامة الرب بالروح القدس الذي يفعل في أسرار جسد المسيح. التجلي يجعلنا نستمتع مسبقا بمجيء المسيح المجيد الذي “سيحول جسد هواننا إلى جسد على صورة جسد مجده” (في 3: 21)؛ ولكنه يذكرنا أيضا أنه “بمضايق كثيرة ينبغي لنا أن ندخل ملكوت الله” (أع 14: 22).
” هذا الأمر لم يكن بطرس قد فهمة بعد عندما كان يتمنى أن يعيش مع المسيح على الجبل . لقد حفظ لك هذا، يا بطرس، إلى ما بعد الموت. وأما الآن فهو نفسه يقول:” انزل إلى الأرض لتكد وتتعب، لتخدم على الأرض، لتزدرى ، لتصلب على الأرض؛ “الحياة” ينزل لكي يقتل؛ “الخبز” ينزل لكي يجوع؛ “الطريق” ينزل لكي يتعب في الطريق؛ “الينبوع ” ينزل لكي يعطش؛ وأنت ترفض أن تشقى؟” .
صعود يسوع إلى أورشليم
557- “وإذ كان زمن ارتفاعه من هذا العالم قد اقترب، صمم أن ينطلق إلى أورشليم” (لو 9: 51) . بهذا التصميم كان يعني أنه كان يصعد إلى اورشليم مستعدا لأن يموت فيها. كان قد أنبا ثلاثا بآلامه وقيامته . وفما هو متوجه إلى أورشليم قال: “لا يليق أن يهلك نبي خارج أورشليم” (لو 13: 33).
558- يسوع يذكر باستشهاد الأنبياء الذين قتلوا في أورشليم . ومع ذلك فلا يزال يدعو أورشليم إلى التجمع حوله: ” كم من مرة أردت أن اجمع بينك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها (…) ولم تريدوا” (متى 23: 37). وعندما تظهر أمامه أورشليم يبكي عليها ويعبر مرة أخرى عن رغبة قلبه:” أوه! لو علمت أنت أيضا، في هذا اليوم، رسالة السلام، ولكن، وأسفاه قد خفي ذلك عن ناظريك ” (لو 19: 42).
دخول يسوع المسياني إلى أورشليم
559- كيف ستتقبل أورشليم ماسيها؟ في حين كان يسوع يتهرب دائما من المحاولات الشعبية لإعلانه ملكا ، فهو يختار الزمان ويهيىء تفاصيل دخول المسياني إلى مدينة “داود أبيه” (لو 1: 32). فيهتف به ابن داود، الذي يحمل الخلاص (“هوشعنا” تعني “إذن خلص”!، “امنح الخلاص!”). “فملك المجد” (مز 24: 7-10) يدخل مدينته “راكبا على جحش” (زك 9:9): انه لا يستولي على ابنة صهيون ، رمز كنيسته، بالحيلة أو بالعنف، بل بالتواضع الذي يشهد للحق . ولهذا فأبناء مملكته، في ذلك اليوم، هم الأحداث و”مساكين الله”، الذين يهتفون له كما كان الملائكة يبشرون به الرعاة . وهتافهم “مبارك الآتي باسم الرب” (مز 118: 26) تردده الكنيسة في “قدوس” الليترجيا الافخارستية لافتتاح ذكرى فصح الرب .
560- دخول يسوع إلى أورشليم يظهر مجيء الملكوت الذي سيتمه الملك الماسيا بفصح موته وقيامته. وبالاحتفال به في أحد الشعانين تفتتح ليترجيا الكنيسة الأسبوع العظيم المقدس.
بإيجاز:
561- “كانت حياة المسيح كلها تعليما متواصلا: صمته، معجزاته، حركاته، صلاته، محبته للإنسان، إيثاره للصغار والمساكين، قبول ذبيحة الصليب الكاملة لأجل فداء العالم، قيامته، كل ذلك تفعيل لكلمته، وتحقيق للوحي” .
562- يجب على تلاميذ المسيح أن يتمثلوا به إلى أن يتصور فيهم . “ولهذا فنحن مشتركون في أسرار حياته، وصورنا على مثاله، ونموت ونبعث معه، إلى أن نملك معه” .
563- لا يمكن للإنسان، سواء كان راعيا أو مجوسيا، أن يصل إلى الله على هذه الأرض إلا بالركوع أمام مغارة بيت لحم وبالسجود له متواريا في ضعف طفل.
564- بخضوع يسوع لمريم ويوسف، وبعمله الوضيع سنين طويلة في الناصرة، يعطينا مثالا للقداسة في حياة العيلة والعمل اليومية .
565- إن يسوع، منذ بدء حياته العلنية، في اعتماده ، هو”الخادم” المكرس بكليته لعمل الفداء الذي سيتم ب” معمودية” آلامه .
566- التجربة في الصحراء تظهر يسوع ماسيا متواضعا يتغلب على ابليس بانصياعه الكلي لتصميم الخلاص الذي أراده الآب
567- ملكوت السماوات افتتحه المسيح على الأرض، وهو “يتجلى على عيون الناس في كلام المسيح وأعماله وحضوره” . والكنيسة هي بذر هذا الملكوت وبدؤه. ومفاتيحه سلمت إلى بطرس.
568- تجلي المسيح هدفه تثبيت إيمان الرسل لأجل الآلام:” الصعود إلى “الجبل العالي” يهيىء الصعود إلى الجلجلة. والمسيح، رأس الكنيسة، يظهر ما يتضمنه وينفحه جسده في الأسرار:”رجاء المجد” (كو 1: 27) .
569-يسوع صعد باختياره إلى أورشليم وهو عالم أنه سيموت فيها قتلا بسبب مخالفات الخطأة .
570- دخول يسوع إلى أورشليم يظهر دخول الملكوت الذي سيتمه الملك- الماسيا، وقد استقبله في مدينته الأحداث ومتواضعو القلب، بفصح موته وقيامته.
Discussion about this post