المقال الخامس: سر مسحة المرضى (1499-1532)
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
المقال الخامس
مسحة المرضى
1499 – “بالمسحة المقدسة المقرونة بصلاة الكهنة ، الكنيسة كلها تشفع بالمرضى لدى الرب الذي تألم وتمجد ليعزيهم ويخلصهم ، وتحثهم على أفضل من ذلك : أن يشتركوا اشتراكا طوعيا في ألام المسيح وموته ، فيؤدوا بذلك قسطهم في ما يعود على شعب الله بالخير” .
1. ركائزها في تدبير الخلاص
المرضى في حياة البشر
1500 – لقد كان المرضى والعذاب دائما من أخطر المعضلات الملمة بالحياة البشرية . ففي المرضى يختبر الإنسان مدى عجزه وحدوده ومدوديته . وكل مرض يتراءى لنا الموت من خلاله .
1501 – وقد يقود المرضى إلى الجزع والانكفاء على الذات ، بل إلى اليأس والثورة على الله أحيانا . ولكنه قد يصير الإنسان أكثر نضجا ، ويساعده في تمييز ما ليس جوهريا في حياته ، فيرتد إلى ما هو جوهري . وقد يفضي المرض ، غالبا جدا ، إلى التماس الله والعودة إليه .
المريض تجاه الله
1502– إنسان العهد القديم عاش المرض في حضرة الله : يسكب أمامه شكواه من مرضه ، ومنه ، وهو سيد الحياة والموت ، يلتمس الشفاء . ويصبح المرضى سبيلا إلى الارتداد ، وصفح الله بدءا للشفاء . ويختبر اسرائيل المرضى ، بطريقة سرية ، مرتبطا بالخطيئة والشر ، والإخلاص لله ولشريعته طريق عودة إلى الحياة : “أنا الرب معافيك” (خر 15:26) . ويتراءى للنبي أن العذاب قد يكسب أيضا معنى فدائيا لذنوب الآخرين . ويتنبأ أشعيا أخيرا بأن الله سوف يؤتي صهيون زمنا ينزع فيه كل أثم ويشفي كل مرض .
المسيح الشافي
1503 – شفقة المسيح على المرضى وشفاؤه كثيرين بعلل من كل نوع هما الدليل الساطع على أن “الله قد افتقد شعبه” ، وأن ملكوت ألله قد أضحى قريبا جدا . ولم يكن يسوع ليملك سلطان الشفاء وحسب ، بل سلطان مغفرة الخطايا أيضا : لقد جاء ليبرىء الإنسان كله ، جسدا وروحا . إنه الطبيب الذي يحتاجه المرضى . وقد أوغلت به شفقته على كل المعذبين إلى حد التماهي وأياهم : “كنت مريضا فعدتموني” (متى 25:36). هذه المحبة التي أثر بها الشقماء ما زالت توقظ لدى المسيحيين ، عبر الأجيال ، تنبها خاصا لجميع المعذبين جسما وروحا ، وهي مصدر الجهود المتواصلة للتخفيف عنهم.
1504 – كثيرا ما كان يسوع يطلب الإيمان من المرضى ، ويستعين وسائل حسية للشفاء : الريق ووضع اليدين والطين والغسل . وكان المرضى يحاولون أن يلمسوه “لأن قوة كانت تخرج منه وتبرىء الجميع” (لو 6:19) . هكذا لا يزال المسيح “يمسنا” بواسطة الأسرار ليشفينا .
1505 – وكان المسيح تتحرك مشاعره لكل هذه الأوصاب ، فلا يرق للمرضى وحسب ، بل يعتنق أسقامهم : “لقد أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا” (متى 8:17) . إنه لم يبرئ كل المرضى ، لأن الأشفية كانت من أيات مجيء ملكوت الله ، التي تنبىء بشفاء أعمق : وهو الانتصار بفصحه على الخطيئة والموت . لقد أخذ المسيح على عاتقه ، وهو على الصليب ، كل ثقل الشر “ورفع خطيئة العالم” (يو 1:29) ، التي ما المرض سوى نتيجة لها . فالمسيح ، بألامه وموته ، قد أضفى على العذاب معنى جديدا : وهو أن العذاب يستطيع أن يجعلنا على صورته ويضمنا إلى آلامه الخلاصية .
“أشفوا المرضى ….”
1506- يدعو المسيح تلاميذه إلى اتباعه حاملين ، هم أيضا ، صليبهم ، وباتباعه يكتسبون نظرة جديدة إلى المرض وإلى المرض . ويشركهم يسوع في حياته الفقيرة الخادمة ، ويدعهم يساهمون في رسالة الشفقة والشفاء التي يقوم بها : “مضوا يدعون الناس إلى التوبة ، وطردوا كثيرا من الشياطين ودهنوا بالزيت كثيرا من المرضى فشفوهم” (مر 6:12-13) .
1507 – وينتدبهم الرب ثانية من بعد قيامته ، لهذه الرسالة : “والذين يؤمنون تصحبهم هذه الأيات : فباسمي […] يضعون أيديهم على المرضى فيتعافون” (مر 16:17-18) ، ويثبتها بالآيات التي تصنعها الكنيسة باستدعاء أسمه . هذه الآيات تعلن ، بطريقة خاصة ، أن يسوع هو حقا “الإله الذي يخلص” .
1508 – إن الروح القدس يجود على البعض بموهبة شفاء خاصة ، ليعلن قوة النعمة الصادرة عن القائم من بين الأموات . ولكن أحر الصلوات قد لا تؤدي أحيانا إلى شفاء كل الأمراض. وهكذا تعلم القديس القديس بولس من الرب أن: “حسبك نعمتي، ففي الضعف يبدو كمال قدرتي” ( 2 كو 9:12)، وإن احتمال الآلام قد يعني أني “أتم في جسدي ما ينقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة” ( كو 24:1).
1509- “اشفوا المرضى” (متى 8:10). هذه المهمة، تلقتها الكنيسة من الرب وتسعى إلى تحقيقها بكل ما توفره للمرضى من وسائل العناية، وما ترافقهم به من أدعية وتشفعات. إنها تؤمن بحضور المسيح الحي، طبيب النفوس والأجساد. هذا الحضور يفعل فعله بطريقة خاصة عبر الأسرار، وخصوصا عبر الافخارستيا، وهي الخبز الذي يعطي الحياة الأبدية والذي يلمح القديس بولس إلى علاقته بالصحة البدنية .
1510- إلا أن الكنيسة الرسولية مارست طريقة طقسية خاصة لفائدة المرضى، يشير إليها القديس يعقوب: “هل فيكم مريض؟ فليدع كهنة الكنيسة ليصلوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الرب. إن الصلاة مع الإيمان تخلص المريض، والرب ينهضه. وانه من أسرار الكنيسة السبعة .
سر للمرضى
1511- إن الكنيسة تؤمن وتعترف بوجود سر من الأسرار السبعة، يهدف خصوصا إلى مساندة المبتلين بالمرض، وهو مسحة المرضى.
“هذه المسحة المقدسة قد وضعها المسيح ربنا سرا من أسرار العهد الجديد، بالمعنى الحقيقي والحصري وقد ألمح إليه مرقس ، وأعلنه يعقوب الرسول أخو الرب، وأوصى به المؤمنين” .
1512- في التقليد الليترجي، شرقا وغربا، نجد منذ القدم شهادات تثبت استعمال الزيت المقدس لمسح المرضى. وعلى توالي القرون، أخذت الكنيسة تقصر مسحة المرضى ، أكثر فأكثر، على المشرفين على الموت. ولذا سميت “بالمسحة الأخيرة”. ولكن الليترجيا، بالرغم من هذا التطور، لم تكف يوما عن الصلاة إلى الرب ليرد إلى المريض عافيته، إذا كان مفيدا لخلاصه .
1513- إن الدستور الرسولي في “مسحة المرضى المقدسة” الصادر في 30 تشرين الثاني 1972، في أعقاب المجمع الفاتيكاني الثاني ، قد قرر اعتماد القواعد التالية، في الطقس الروماني:
“يمنح سر مسحة المرضى للمرضى المخطرين، فيدهنون على جبهتهم ويديهم بزيت مبارك حسب الأصول- بزيت زيتون أو أي زيت آخر مستخرج من النبات – مع القول مرة واحدة: “بهذه المسحة المقدسة، يشددك الرب العظيم الرحمة بنعمة الروح القدس. ويخلصك وينهضك، بعد أن يحررك من خطاياك” .
2. من ينال هذا السر ومن يمنحه؟
في حال المرض الخطير…
1514- مسحة المرضى ” ليست سرا محصورا على من بلغوا الغاية القصوى من الحياة. ومن ثم ، فالوقت المناسب لقبولها هو، في الحقيقة، عندما يبدأ المؤمن يتعرض لخطر الموت من جراء المرض أو الشيخوخة” .
“… فليدع كهنة الكنيسة”
1516- الأساقفة والكهنة هم وحدهم خدمه سر مسحة المرضى . وواجب الرعاة أن يحيطوا المؤمنين علما بفوائد هذا السر. وليحث المؤمنون المرضى على أن يستدعوا الكاهن ليقبلوا هذا السر. وليستعد المرضى لقبوله بحسن التأهب بمعاونة رعاتهم وكل الجماعة الكنسية المدعوة الى أن تحيط المرضى إحاطة خاصة جدا بصلواتها والتفاتاتها الأخوية.
3. كيف يحتفل بهذا السر؟
1517- مسحة المرضى، ككل الأسرار، يحتفل بها ليترجيا وجماعيا ، سواء في الأسرة أقيمت أم في المستشفى أم في الكنيسة، لمريض واحد أو لمجموعة من السقماء. ومن المناسب جدا أن يحتفل بها في إطار الافخارستيا، تذكار فصح الرب. ويمكن أن يسبق المسحة سر التوبة ويعقبها سر الافخارستيا إذا دعت الظروف إلى ذلك. ولا غرو فالافخارستيا، باعتبارها سر فصح المسيح، يجب أن تكون آخر سر نقبله في ختام رحلتنا الأرضية، والزاد الذي يتيح لنا “العبور” إلى الحياة الأبدية.
1518- الكلمة والسر يؤلفان حقيقه لا تنفصم. ليترجيا الكلمة تفتتح الاحتفال، مسبوقة بفعل التوبة. فأقوال المسيح وشهادة الرسل توقظ إيمان المريض والجماعة، فيلتمسان من الرب قوة روحية.
1519- ويتضمن الاحتفال بهذا السر، بصورة رئيسة، العناصر التالية: “فكهنة الكنيسة” يضعون أيديهم- في الصمت- على المرضى، ويصلون عليهم بإيمان الكنيسة ، وهذه هي صلاة “الاستدعاء” التي يختص بها هذا السر. ثم يمنحون المسحة بالزيت الذي يباركه الأسقف اذا أمكن. هذه الأعمال الليترجية ترمز إلى النعمة التي ينالها المرضى من هذا السر.
4. مفاعيل الاحتفال بهذا السر
1520- موهبة خاصة من الروح القدس. أولى نعم هذا السر هي نعمة تعزية وسلام وصبر للتغلب على الصعاب التي تلازم حالة المرض الثقيل أو وهن الشيخوخة. هذه النعمة هي عطية من الروح القدس، تجدد الثقة والإيمان بالله وتقوي النفس في مواجهة وساوس الشيطان واجتذاب النفس إلى اليأس والجزع من الموت . معونة الرب هذه، بقوة روحة، تهدف، ولا شك، إلى شفاء نفس المريض، ولكن إلى شفاء جسده أيضا، إذا كانت تلك مشيئة الله . “وإن كان قد اقترف خطايا، تغفر له” (يع 15:5) .
1521- الاتحاد بآلام المسيح. بنعمة هذا السر يتلقى المريض من القوة والموهبة ما يمكنه من الاتحاد بآلام المسيح اتحادا أوثق: فهو مكرس، نوعا ما، ليؤتي ثمرا بتشبهه باآام المخلص الفادية. فالعذاب الذي ينجم عن الخطيئة الآصلية يكتسب معنى جديدا، ويصبح اشتراكا في عمل يسوع الخلاصي.
1522- نعمة كنسية. المرضى الذين يقبلون هذا السر، “باشتراكهم الطوعي في آلام المسيح وموته”، يؤدون “قسطهم، في ما يعود على شعب الله بالخير” . إن الكنيسة، باحتفالها بهذا السر، في شركة القديسين، تشفع إلى الله لخير المريض، كما أن المريض يساهم هو أيضا، بنعمة هذا السر، في تقديس الكنيسة وخير كل الذين تتألم الكنيسة لآجلهم، وتقرب ذاتها، بالمسيح، إلى الله الآب.
1523- تأهب للعبور الأخير: لئن كان سر مسحة المرضى يمنح لجميع الذين يعانون من أمراض وأسقام ثقيلة، فهو يمنح، بأولى حجة، للمشرفين على النزوح من هذه الحياة ، مما دفع إلى تسميته أيضا “بسر المنتقلين” . إن مسحة المرضى تتم شبهنا بموت المسيح وقيامته، كما ابتدأت المعمودية بذلك، وتتوج المسحات المقدسة التي تتخلل مختلف مراحل الحياة المسيحية: فمسحة المعمودية تثبت فينا الحياة الجديدة، ومسحة التثبيت أو الميرون تقوينا في جهاد هذه الحياة. وأما المسحة الأخيرة فتحصن نهاية حياتنا الأرضية بسور متين، تأهبا للصراعات الأخيرة قبل دخولنا بيت الآب .
5. الزاد: آخر سر في حياة المسيحي
1524- إن الكنيسة تقدم الافخارستيا زادا للمشرفين على مغادرة هذه الحياة، بالإضافة إلى مسحة المرضى. الاشتراك في جسد المسيح ودمه في هذه اللحظة، لحظة العبور إلى الآب، يكتسب معنى لافتا وأهمية خاصة. فهو بذار حياة أبدية وقوة وقيامة، على حد قول الرب: “من أكل جسدي وشرب دمي، فله الحياة الأبدية، وأنا أقيمة في اليوم الأخير” (يو 54:6). فالافخارستيا، بالإضافة إلى كونها سر موت المسيح وقيامته، هي هنا سر الانتقال من الموت إلى الحياة، ومن هذا العالم إلى الآب .
1525- فكما أن أسرار المعمودية والتثبيت والافخارستيا تؤلف وحدة متكاملة هي “أسرار التنشئة المسيحية”، كذلك أسرار التوبة والمسحة المقدسة والافخارستيا، يمكن اعتبارها زادا أخيرا، في اللحظة التي تبلغ فيها الحياة المسيحية أجلها. “هذه الأسرار تعد للانطلاق الى الوطن” وتنهي رحلتنا الأرضية.
بايجاز:
1526- “هل فيكم مريض؟ فليدع كهنة الكنيسة ليصلوا علية بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الرب. إن الصلاة مع الإيمان تخلص المريض والرب ينهضه. وإن كان قد اقترف خطايا تغفر له” (يع 5: 14-15).
1527- الهدف من سر مسحة المرضى تزويد المسيحي بنعمة خاصة عندما يعاني من الصعاب ما يلازم حالة المرض الثقيل أو الشيخوخة.
1528- الوقت المناسب لنيل المسحة المقدسة هو، في الحقيقة، الوقت الذي يجد فيه المؤمن نفسه في خطر الموت بسبب مرض أو شيخوخة.
1529- كل مرة يصاب المؤمن بمرض خطير، يستطيع أن يقبل المسحة المقدسة، ويستطيع أن يقبلها مرة ثانية، عند تفاقم المرض.
1530- يجوز للأساقفة وللكهنة وحدهم أن يمنحوا سر مسحة المرضى، ويستعملون، في منحة، الزيت الذي يباركه الأسقف أو، عند الحاجة، الكاهن الذي يحتفل به.
1531- قوام الاحتفال بهذا السر السر دهن جبهة المريض ويديه بالزيت (في الطقس الروماني) وأجزاء أخرى من الجسم (في الشرق). ويرافق المسحة صلاة ليترجية يتلوها الكاهن المحتفل ويلتمس فيها النعمة الخاصة المرتبطة بهذا السر.
1532– النعمة الخاصة التي ترافق سر مسحة المرضى لها عده مفاعيل:
– اتحاد المريض بآلام المسيح، لخيرة وخير الكنيسة كلها؛
– التعزية والسلام والصبر في تحمل آلام المرض أو الشيخوخة، تحملا مسيحيا؛
– مغفرة الخطايا التي لم يستطع المريض أن ينالها بواسطة سر التوبة؛
– استرداد العافية إذا توافق ذلك مع الخلاص الروحي؛
– التأهب للعبور إلى الحياة الأبدية.
Discussion about this post