كسوة الرهبان هي الإسكيم والثوب والزنار والرداء والحذاء. والدليل على أن هذه هي الكسوة وليس غيرها، فهو لأننا نلبسها وحدها في وقت نذرنا وعليها وحدها تقع الصلاة والتبريك ولها وحدها ينزعها الراهب المطرود من الرهبنة. وإن وجد غيرها من الكسوة، فما ذلك إلاّ زيادة سُمح بها لأجل الضرورة. وغاية الكسوة هي تلافي ضرورة الجسم. وهذا هو حد الفقر.
وقد أوضح ذلك القديس باسيليوس حيث قال: إن الكسوة هي الكفاية لسترة الجسد ودفع ألم البرد. ومن قوله – الكفاية لسترة الجسد – نفهم أن الكسوة يلزم أن تكون معتدلة طولاً وعرضاً، لأن الطويلة كثيراً، والعريضة كثيراً، هي أزيد من الكفاية. وكذلك، الضيقة كثيراً والقصيرة كثيراً، هي أنقص من الكفاية. ومثلها المخزقة كثيراً، بما أنها تفضح الجسد، فتنقص عن الكفاية. فينتج من ذلك أن الكسوة المعتدلة هي الضرورية المناسبة سترة الجسد. أما قول القديس – لتكن كافية لدفع ألم البرد- أي لدفع كل ألم جسماني، لما يناسب حفظ العافية اللائقة بالراهب. أعني: لا تكون كسوتنا لأجل لذة الدفء، ولذلك لم يقل لأجل دفع البرد، بل دفع ألم البرد، ليقطع بذلك حجج الرهبان المسترخين الذين، لأجل برد قليل لا ضرر فيه، يطلبون الكسوة الزائدة، نظير العالميين. وهذا إنما يطلبونه رغبة في اللذة، لا لأجل العافية الضرورية. ومن هذا، نفهم أيضاً، أنه لا يوافقنا أن نجعل كسوتنا من حيث كميتها، للكل بالسواء، لأن الأجساد والطباع غير متساوية في الكل. فقد يكون أحدنا حار المزاج والآخر بارداً وهذا شاباً وذاك شيخاً هرماً والواحد صحيح الجسم والآخر سقيماً.
– ثم يقع أيضاً الإختلاف من قبل المكان والصنائع، إذ الواحد يسكن جبلاً والآخر يسكن ساحلاً وغوراً. وهذا يلامس في صناعته النار، وذاك الماء. ثم يقع أيضاً الإختلاف من قبل التربية والعادة ومن قبل صحة العقل ونقصه، كون البعض، لنقص عقلهم، يتوهمون الضرر من أدنى ألم يمسهم، والبعض، لكمال شجاعتهم، لا يجبنون من الضرر الثقيل والبرد الشديد. والذي قلناه في البرد نفهمه في الحر أيضاً بالسواء ومن قبل هذه الإختلافات تدعو الضرورة بأن يدبر الرئيس واحداً فواحداً من المتضررين من قلة الكسوة وزائدها حسب إفرازه. وله أن يقيم واحداً ينوب منابه في هذا التدبير. لكن إن كان النائب مكانه الخياط، فليلاحظه دائماً لئلا ينسرق لراحة ذاته ويحزن الأخوة ويضيق عليهم.
– هذا ما قلناه في مقدار الكسوة وكميتها. أما ما نقوله في شكلها وزيها فيجب أن يكون:
– أولاً: مناسباً للفقر والحشمة معاً.
– ثانياً: متساوياً في الكل من غير تمييز بين رئيس ومرؤوس ولا بين شيخ وشاب وقوي وضعيف.
– وقد نبّه على ذلك القديس باسيليوس حيث قال: لتكن كسوة الأخوة وأحذيتهم متساوية بالكل، أي لا يلبس الواحد الزي الذي لنا والآخر الزي الذي لغيرنا، أو الشيء الذي ليس بمشاع للكل، كقولنا: إنه يلبس ثوبه من قماش غير قماش ثوبنا، أو يتردى برداء آخر غير شكلنا، ضيق الأكمام، أو يجعل لإسكيمه رأساً مستطيلاً، أو يكلف الخياط بأن يزيد أو ينقص في شكل ثيابه شيئاً ليس هو للجمهور، ولو أنها حركة جزئية. فهذه وأمثالها لا يجوز لأحدنا فعلها البتة. ومن تجاوز هذه الرسوم يخطئ ضد قانون الكسوة.
– وقد يجوز للرئيس أن يسمح بعض الأحيان، عند الضرورة، بقليل من الإختلاف في الكسوة، بالشكل الخارج، من غير نقض الشكل، كقولنا: أنه يسمح بقصر الثوب قليلاً للفلاحين والحطابين وأصحاب الوظائف الثقيل تعبها، الداعية إلى الحركة النشيطة. وكذلك الزيادة في عرض زنانيرهم قليلاً، لتقوى على الشد والحمل، وما أشبه ذلك. وليس هذا تغيير كسوة. بل تدبير يناسب ترتيب الدير المشترك معاشه.
– وجملة ما قلناه، إن كسوة الراهب هي الإسكيم والثوب والزنار والرداء والحذاء، بالشكل الضروري للدفء والحشمة معاً. وما عدا ذلك هو زيادة لا يجوز إستعماله إلاّ لضرورة الدفء والحشمة. ومن تجاوز ما قلناه يخطئ ضد القانون وفرائض الكسوة الآتي ذكرها وهي بالعدد خمس.
الفريضة الأولى: يجب على الراهب ألاّ يستعمل من الكسوة إلاّ ما كان معتم اللون
– قد سبق القول بأن الكسوة هي الإسكيم والثوب والزنار والرداء والحذاء. إذاً هؤلاء يجب أن يكونوا، بحكم القانون، معتمي اللون. واللون المعتم هو الأسود والمائل إلى السواد كثيراً. والغرض فيه مناسبة التوبة والنوح وتحفظ النفس، لأن المشهور عند الآباء، أنه حيث لا نوح فلا تحفظ، بل النوح والتحفظ هما خاصة الرهبان، كما قال الرب تعالى: إنّكم تبكون وتنوحون والعالم يفرح. وقيل عن الأب بيمين، أنه أبصر إمرأة تبكي بحرقة على قبر إبنها فقال: لو أتت الآن ملاهي الدنيا، لما أمكنها أن تشغل هذه الإمرأة عن البكاء. وهكذا يجب أن يكون الراهب دائماً.
– ولما كان ذلك كذلك وجب، لتمام المناسبة، أن تكون ثياب الراهب معتمة اللون، إذ العادة، عند من ينوح، أن يلبس الأسود. وقال في هذا القديس السلّمي: ليستميلك إلى عمل النوح لبوسك، إذ جميع النادبين أمواتهم يلبسون ثياباً مسوّدة. بل أيضاً من عادة النائحين، ليس تسويد الثياب فقط، بل وعدم ظرافتها الزائدة وعدم الإعتناء الزائد بها وحل العمائم واحتقار كل تشريف مطلقاً. وهذا هو تمام طقسنا في كسوتنا، إذا كنا قد طرحنا العمائم من رؤوسنا وغطيناها بالإسكيم الأسود اللون واستعملنا كسوتنا بالنسبة إلى أهل العالم، غير مهندمة واللون معتماً، أو على ما يتفق والعتم، ولم نعتبر ما بين الجديد والعتيق فرقاً، وعندنا المرقع والصحيح بالسواء.
– والمستسير بخلاف ذلك يخطئ ضد قانون الكسوة. أي لا يجوز للراهب أن يبتغي لنفسه اللون الذي تهواه حواسه، لأن هذا وجع ونوع من تظريف الكسوة يخالف رتبة النوح وقمع الحواس ويضر فاعله كثيراً. قال القديس أفرام: إن التباهي بالكسوة يدل على أننا مجردين من ذلك المجد الإلهي، مفتكرين بالأشياء الأرضية.
– ولا تقل لي أن القانون سمح باللون المعتم ولي أن ألبس أي لون شئت، بحيث أنه يكون معتماً. فأجيبك: إن القانون رسم باللون المعتم، بغرض أن يستميلك إلى النوح. فإن أنت استعملت اللون الذي يهواه قلبك، فقد خالفت عمل النوح وتجاوزت غرض القانون وصرت مثل الذين قيل عنهم أنهم يعترفون بخطاياهم الفجورية ويلتذون في إعترافهم نفسه. وهكذا أنت تلبس الأسود بغرض طرح الفرح وتفرح به.
– الراهب الحقيقي هو الذي يقنع راضياً بكل ثوب وقطعة من الكسوة يدفعها له الخياط أو الرئيس ويتسلم ذلك كأنه من يد الله من غير أن يفكر بما يوافقه أو لا يوافقه معتقداً بأن جميع ما يأكله ويشربه ويلبسه هو صدقة تصدق بها الغير عليه.
– من قال أنه يلبس السواد بحس قلب، لأجل غرض النوح، فذاك غير ممكن أن يفكر بتمييز ثوب من ثوب ولون من لون، لأن حد النوح عند آبائنا القديسين، هو نسيان طبيعتنا فكم بالحري كسوتنا. قال القديس المعروف بالشيخ: إن المحب زينة الثياب هو عمّال لشيطان الزناء. وقال القديس إسحق: المحب الثياب الرضية لا يقدر أن يقتني أفكاراً متضعة. وقد اتّفق جمهور الآباء الروحانيين على أنّ المستعمل الكسوة اللطيفة هو منفعل لشيطاني اللذة والمجد الفارغ.
– إذاً، سبيلنا أن نهرب من كل نوع تظريف الكسوة ونقتبل من يد الرئيس أو الخياط كل ثوب يدفعه لنا، أسود كان أم أسمر. بحيث أنه يكون معتم اللون. فهذا ما قلناه في الكسوة الحقيقية التي هي الإسكيم والثوب والزنار والرداء والحذاء.
– أما ما نقوله في الكسوة الزائدة الخفية التي تستعمل لأجل الضرورة، فقد يجوز أن تكون غير معتمة اللون بحيث أنها لا تضر وتخالف الفقر والحشمة، لأن الغرض، لما كان في المعتم اللون لأجل النوح فقط، والنوح لا ينظر إلاّ إلى الخارج، جاز إستعمال الكسوة الخفية بلون غير معتم. وقد استعملت بعض الرهبنات اللون الغير المعتم في الخارج أيضاً وقصدوا به معنى روحانياً. لكن الكسوة المعتمة هي الأصلح إذ الطبع يدلنا على أن سيرة التوبة والنوح تقتضي لبس السواد لا البياض. وكما أن أهل العالم يتباهون بلبس الأبيض والأحمر، هكذا، بعكس ذلك، يختص الرهبان بلبس الأسود والأسمر، لأنه تعالى قال: اخرجوا من بينهم وتميزوا منهم. والرسول يقول: غيروا شكلكم عما كنتم عليه أولاً.
– إذاً، الواجب هو أن تكون كسوتنا معتمة اللون، في الظاهر، حسب أمر القانون؛ وإن صار في الداخل أيضاً فهو الأجود. وإلاّ فلا.
الفريضة الثانية: والثوب يكن صوفاً والقميص خاماً
– قد سبق القول في أن الثوب هو من كسوتنا الحقيقية. وقد خصه القانون، في هذه الفريضة، بالصوف، لمقاصد لائقة، منها:
– إن الصوف، على ما يقول الآباء، له الدلالة على الوداعة بما أنه كسوة الغنم الوديع خلقهم. فيدعونا القانون، بلبس كسوتهم، إلى مماثلة سجيتهم. هذا على المعنى الرياضي. أما المعنى اليقيني، فهو لمناسبة حالتي الفقر والتواضع بما أن الصوف عندنا، بالنسبة إلى القطن والكتان، ثمنه أقل ويوافق لدفع البرد أكثر مما سواه من الكسوة؛ فيجزينا الثوب الواحد منه عن ثوبين مما سواه.
– ثم، منه أيضاً اكتسى الآباء القديسون، منذ زمن إيليا ويوحنا إلى الآن.
– أما القميص فخصه القانون بالخام لا بالصوف. والسبب في ذلك، لأنه استعمل لأجل الشفقة على الجسم فقط، وليس هو من الكسوة الحقيقية، كما سبق القول، فلذلك خص بالخام أي قطناً أم كتاناً، على ما يناسب الفقر. والقول فيه ليس بمعنى الأمر، بل بمعنى السماح. فإن قلت: أليس هذا رخاوة في السيرة؟ أجبتك، أنه رخاوة بتحقيق عند من يقدر على طرحه ولا يطرحه، لكن كون أغلب الأجسام تضطر إلى استعماله، رسمه القانون في هذه الفريضة، موضحاً لها أن غرضه راجع إلى الشفقة على الجسم، لا تلف العافية بحجة النسك، ومعه يتلف باقي عمل القانون.
– قال القديس باسيليوس: يجب على الراهب النسك بالمقدار الذي يحتمله جسده، بحيث لا ينقص عن قوته فيميل إلى الراحة واللذة، ولا أيضاً يبتدئ في أعمال تزيد على مقدار قوته فتنحل قوة الجسد ويبقى غير مفلح وآلة لا تكمل الأعمال الضرورية التي أعدت لعملها.
– ونتيجة كلام القديس هي أنه يجب أن تكون سيرتنا في النسك بمقدار ما يقوم الراهب بقانونه. ومن هذا نفهم أن قميص القطن أوفق لنا من الكتان كما يبان واضحاً من أخبارهم، وذلك لسهولة وجوده في بريتهم. إذاً يجوز للرئيس أن يستعمل في ديره القطن أم الكتان، بحسب ما يراه يناسب الفقر، لأن هذا هو غرض القانون بقوله: القميص خاماً. لأن لفظ الخام يدل على القطن والكتان معاً.
– فإن قلت: لماذا ذكر القانون مادة الثوب والقميص فقط وسكت عن الباقي؟ أجبتك: إن المشهور هو أن الإسكيم والرداء لا يكونان إلاّ من مادة الثوب، ولذلك سكت القانون عنهما. فإن قلت: أين هي وصية الرب القائلة: لا يكن لكم ثوبان؟ أجبتك: إن الوصية لا تحد حداً على الضرورة أبداً. وقد سبق القول أن كلما يزيد على الكسوة الحقيقية، إنما هو لضرورة العافية والحشمة. أما الرداء فلضرورة الحشمة خاصة. ولكون الحشمة به لازمة دائماً، صار الرداء كالكسوة الحقيقية، وأوصى به الآباء منذ القديم، كقول القديس أفرام: أنه ينبغي على للراهب ألاّ يخرج من قلايته خلواً من منتين على ظهره أو لبوسٍ آخر، فإن ذلك يمنحه وقاراً وتعففاً، لأن من يتعرى من لبوس طقس الرهبنة ويمشي متصابياً، فذلك خزي له. إنتهى كلام القديس.
– ومنه نستدل على أن الرداء حُسب من الكسوة لأجل الحشمة خاصة، لأن ضرورة الحشمة في الكسوة ليست بأنقص إعتباراً من ضرورة العافية. والشاهد بذلك الرب ذاته الذي هو عين كل فضيلة. فإن كسوته تعالى كانت أكثر من ثوب واحد كما يبان ذلك من إقتراع الجند عليها يوم صلبه الإلهي. وقال بعض العلماء أن ثيابه تعالى كانت ست قطع. والعقل يدلنا على أنها لم تكن كلها لضرورة العافية فقط، بل للحشمة أيضاً.
– إذاً لا بأس على الراهب إذا استعمل، لأجل الضرورة، أكثر من ثوب واحد، وإنما الضروري هو ملاحظة الفقر، أي لا يستعمل الراهب شيئاً من الكسوة الزائدة دون الضرورة، كما أوصى أبونا أنطونيوس بأن لا نلبس شيئاً من الفرو والحرير والأشياء الثمينة، ولنذكر قول الرب: إن لبس الثياب الناعمة هو للذين في بيوت الملوك، لا للذين في الأديار المقتدين بسيرة يوحنا وأنطونيوس اللابسين الصوف والشعر. إذاً من الواجب أن لا يكون ثوبنا إلاّ صوفاً، كما رسم القانون، وإن دعت الحاجة فليكن القميص خاماً.
الفريضة الثالثة: ويشد وسطه بسير أسود غير عريض والمبتدئ بحبل شعر
– شد الوسط بالزنار يراد به أولاً النشاط ثم ملاحظة الطهارة والحشمة معاً لأن كل رخاوة لا بد أن تؤذي الطهارة والحشمة.
– وجيد هو أن نتأمل عبارة لفظ القانون، كيف لم يقل: يتزنر أو يربط وسطه على الإطلاق، بل قال: يشد وسطه تنبيهاً على أن الزنار يجب أن يكون مشدوداً، أي لا مرتخياً بزيادة، بما أن الغرض فيه النشاط. وقد دلنا عليه ربنا تعالى نفسه، كما كُتب، أنه لما عزم على أن يغسل أرجل تلاميذه شدّ وسطه بمنشفة، قصده بذلك النشاط، إذ لا نشاط مع عدم شد الزنار. وخصه بالجلد دون غيره لأسباب منها: المناسبة للنشاط، أكثر من الصوف والقنب، ثم للإقتداء بالآباء القدماء منذ إيليا ويوحنا إلى الآن.
– أما التحديد بأنه لا يكون عريضاً فاحتراساً من العريض كثيراً والقليل العرض. فالعريض كثيراً لا يوافقنا من وجوه منها: أنه كثير الثمن يضاد الفقر، وفيه أيضاً زيادة عن الحاجة ضد القناعة، وفيه أيضاً نوع من الشجاعة الجاهلية والنشاط العالمي، ولا يوافق أيضاً كل أحد، لما فيه من الثقل والصعوبة. أما الزنار القليل العرض فهو أيضاً غير موافقنا من وجوه منها: أنه يسبب الرخاوة ويضاد النشاط. ثم، لعدم ثباته يضاد الفقر، وبالأكثر مع الرهبان المشتغلين بالأعمال المتعبة. ومنظره أيضاً غير لائق بالشكل العفيف. إذاً يجب أن يكون الزنار معتدل العرض. وهذا هو معنى قول القانون: غير عريض أي متوسط العرض.
– وقوله -أسود اللون- تبعاً للكسوة المعتمة اللون. وقوله -المبتدئ بحبل شعر- ، تمييزاً له عن أهل الإسكيم المقدس وإذلالاً له بما أنه مبتدئ. ولم يذكر لون الشعر، إعتماداً على أنه، تبعاً للكسوة، يقتضي اللون المعتم. وقد استعملت بعض الرهبنات الزنار حبلاً، نظراً إلى الإحتقار، لكن الجلد أصح بما أن الغرض الأول في الزنار النشاط لا التواضع. وكما أن الكسوة يجوز تقصيرها قليلاً، لأصحاب الخدم المتبعة، عن إذن الرئيس، هكذا يجوز للرئيس أن يسمح لأصحاب الخدم المتبعة بزيادة عرض الزنار قليلاً ليثبت للعمل. ودون ذلك، لا.
الفريضة الرابعة: لا يحل منطقته، ولا ينزع إسكيمه أم شيئاً من ثيابه، عند الرقاد، إلا ما كان فوق الزنار.
– قد تقدم القول أن رخاوة الزنار عدم نشاط واضح. هذا إذا كان في اليقظة. فكم بالأكثر حله وطرحه في حين الرقاد، إذا كان الجسم من عادته أن يستغرق، حين الرقاد، في الرخاوة ويشرف على التنازل نحو اللذة، أكثر من اليقظة! ولهذا يوصينا أبونا أنطونيوس قائلاً: لا تحل منطقتك إلا إذا كنت ضعيفاً. ومثله قال القانون. وقد يوجد أسباب أخرى كثيرة تدعونا إلى ذلك، غير التي ذكرناها.
– منها: إن حلّ الزنار في الرقاد يخترع التعويق عن سرعة المضي إلى الكنيسة، عند قرع الناقوس، وقت صلاة نصف الليل والسحر، ثم يخترع أيضاً الصعوبة في تقلبنا فوق فراشنا بثوبنا الذي لا سبيل لنا إلى قلعه، وربما يحدث من ذلك الضجر وصغر النفس، وننخدع ونقلعه، لسهولة قلعه عند عدم الزنار، ونتدرج بعده، من رخاوة إلى رخاوة، إلى ما يسكت عنه. ثم نوجد أيضاً في حلّنا الزنار في الرقاد عديمي كل ترتيب، من قبل أننا نستعد وننتبه في اليقظة، ونتغافل ونتهامل في النوم والليل، حيث يجب بالأكثر أن ننتبه ونستعد، لأن السهر يخص الليل، وشر اللصوص في الليل أكثر من النهار. والرب تعالى والآباء جميعاً يحرضوننا على الحرص في الليل.
– وهكذا كانت سيرتهم. وليس فقط ما كانوا يحلّون مناطقهم في النوم وحسب، بل بعضهم أيضاً ما كانوا ينامون إلاّ على الأرض أم على كراسيهم التي فوقها كانوا يعملون عمل أيديهم. وبلغ بعضهم في الجهاد، أن يناموا وقوفاً، منتصبين مستندين إلى زاوية الحائط، ولا يرقدون إلاّ بعد السهر المستطيل والإبتهال المديد. وكلّ ذلك حذراً من لصوص الليل.
– إذاً من الواجب هو أن نحذر نحن، الواهية قوتنا، من لصوص الليل ولا نحلّ مناطقنا ونتراخى في النوم، بل نستمع لما رسمه القانون، ولا ننزع أيضاً إسكيمنا ولا شيئاً من ثيابنا عند الرقاد، حسبما أوصى أبونا أنطونيوس لأولاده الذين في دير النطرون قائلاً: كن مرتبطاً بقلنسوتك وثوبك في الليل والنهار. وإذا كان الزنار لا يجوز لنا حلّه فبالنتيجة لا نقدر أن ننزع الثوب والإسكيم اللذين هما تحت الزنار.
– وبالأكثر لا ينبغي نزع الإسكيم، لأنه، على ما يقول الآباء، شكل ورسم الصليب الغالب الكريم. أي كما أنّ صليب مخلصنا كان محمولاً على منكبيه الشريفتين، هكذا إسكيمنا يمتد طويلاً ويرى محمولاً على منكبينا. فإن نحن نزعناه عند الرقاد، كم يكون عظم غلطنا، إذ نحمل رسم الصليب الكريم نهاراً ونطرحه ليلاً، حين الحاجة داعية إليه أكثر بكثير. وكما نلبس حين النذر المقدس إسكيمنا، قبل كسوة الرهبنة كلها، كذلك من الواجب ألاّ ننزعه، إلاّ بعد طرح الكسوة كلها. وحتى يبعد القانون هذا الإفتكار من عقلنا بعيداً، قال إجمالاً: لا ينزع الراهب شيئاً من ثيابه عند الرقاد إلاّ ما كان فوق الزنار أعني الرداء فقط لصعوبة النوم فيه.
– فإن قلت: لِما لم يأمرنا القانون بأن نتزنّر به ولا ننزعه عند الرقاد كونه من الكسوة هو؟ أجبتك أنه ليس هو من الكسوة الحقيقية، بل من الكسوة الضرورية للحشمة، كما سبق الكلام، ولذلك لا حاجة له في الرقاد ولا حين إنفرادنا في قلالينا. ولنا أن نقلعه متى شئنا، لأجل العمل أو الحر، في اليقظة والنوم، حين لا تدعو الحاجة إلى الحشمة الخارجية، خلافاً للثوب الذي لا يجب نزعه إلاّ في المرض الثقيل جداً، بعد الإذن من الرئيس. أما الإسكيم، ولا في حين المرض يجوز نزعه، بل يثبت علينا إلى أن ينزل معنا للقبر.
الفريضة الخامسة: ولتكن كسوته وفراشه وغطاؤه ما يناسب الفقر.
– جميع ما قلناه سابقاً، في هذا الباب، من معنى الكسوة، هو مناسب جداً لمعنى الفقر. غير أنه لم يقل لمعنى الفقر فقط، بل أيضاً لمقاصد أخرى غير الفقر. أما هذه الفريضة فقد أتت بذكر الكسوة لغرض الفقر فقط، حسب وصية أبينا أنطونيوس حيث قال: لتكن قلايتك وآنيتها وسيرتك كلها، زي الفقر والمسكنة.
– وهكذا قال القانون، لتكن كسوة الراهب وفراشه وغطاؤه يناسب الفقر، أي كسوته وكسوة قلايته وكسوة مائدته وكل شيء يستعمله لعيشته، فليكن زي الفقراء لا الأغنياء. وبهذه العبارة، حسم عنا القانون هموماً وأتعاباً كثيرة في إفراز ما يناسبنا إستعماله، فلا نكون فيما بعد متحيرين في تمييز: هل هذا الثوب وذاك الفراش وذاك الغطاء يجوز لنا إستعماله أم لا، لأن الحد المحدود، بما يناسب الفقر، أزال صعوبة الإفراز.
– فإن قلت: إن الصعوبة باقية، لأنه يوجد أشياء كثيرة يعسر إفرازها، هل هي مناسبة الفقر أم لا، أجبتك إن كنت تستصعب أيضاً إفراز ما يناسب الفقر فعليك بما يقول القديس باسيليوس، فإن العمل بحسب مشورته ينيحك من هذا التعب والشكوك:
– ينبغي للراهب أن لا يقصد ما حسن من اللباس والأحذية بل يختار التي هي دون، أي لا تطلب أن تشابه أخوتك في كل شيء يلبسونه ويضعونه في قلاليهم، بل أقصد دائماً الشيء الأقل والأدنى. فإن أنت عملت هذا، فإنك لا تتعب في إفراز عمل الفقر، ولن تغلط أبداً. وإذ جاهدت في هذا السعي وتعبت فيه، إحذر الضجر وكن أبداً متذكراً قول بعض الآباء: إن ثوب الراهب يجب أن يكون مثل الذي يطرح على المذبلة ثلاثة أيام ولا يأخذه أحد. وهذا معناه أنه مرقع كثيراً لا مخزق كثيراً إذ المخزق كثيراً لا يجوز إستعماله لما فيه من فضيحة الجسد، كما سبق القول في فاتحة هذا الباب. فلا تكره أنت الثوب المخزق والعتيق بالنسبة إلى كسوة إخوتك فما تغلط عن طريق الفقر البتة.
– وقد جاء في البستان عن الأب إسحق أنه طرد البعض من تلاميذه عندما رآهم يهوون الكسوة الجديدة. وحكي عن الأب أرسانيوس أن كسوته كانت أدنى كسوة أهل الأسقيط. وأخبرونا عن الأب القديس سابا صاحب السيق أنه لما أرسل من قبل بطريرك بيت المقدس إلى ملك القسطنطينية لقضاء أغراض تخص الأمانة منعه الحاجب عن الدخول إلى الملك لدناءة كسوته وظنوه خادماً لرفقته وكان هو أجلّهم وأقدسهم.
– وما أكثر القديسين الذين سعوا بمثل هذا السعي إستجاباً للفقر والتواضع. وهذا هو تمام غرض القانون اللازم كل راهب. وقد يوجد لمرض محبة الكسوة غش ومكر لا بد من الحذر منه وهو أننا مرات كثيرة نختار لأنفسنا الكسوة العتيقة لا لأجل التواضع والتمتع بلذة الفقر بل لأن ذاك الثوب يوافقنا طوله وعرضه فنتبع هوانا بشكل أننا نخالفه، ونخطئ ضد التواضع والفقر لأن بدء التواضع هو أن نقطع هوانا وبدء الفقر طرح وترك الشيء الذي نهواه. فإن أنت استعملت شيئاً فيه هواك لا تكون عاملاً بحسب الفقر والتواضع.
– قال القديس باسيليوس: يجب على المجاهد في العبادة أن يتضع في كل شيء وفي لباس الجسد أيضاً. وقال القديس إسحق: ودَّ السراويل الحقيرة في كسوتك لكي تطرح عنك أفكار العجب والإفتخار. فها قد إتضح من كلام الآباء إن لبسنا الأثواب الحقيرة ينبغي أن يكون بغرض التواضع لا بغرض موافقة هوانا وإلاّ فليس ذلك بتواضع البتة ولا هي الكسوة المناسبة الفقر.
Discussion about this post