– عمل اليد الرهباني هو ما كان متصفاً بصفتين وشرطين:
– فالصفة الأولى هي أن يكون العمل بقدر القوة، لا أنقص ولا أزيد، لأن الزائد يذهب بعافية الجسم باطلاً. وهذا قد نكره الآباء وحكموا عليه بعدم الإفراز، كقول القديس باسيليوس: أنه لا يليق بالإنسان أن يأخذ بالعمل بما يفوق قوته، فيمرض جسده ويجعله كآلة لا نفع لها، عاجزاً عن الأعمال الضرورية الروحانية والجسدانية. بل يحفظه بإعتدال، ليثبت على ما خلقه الله تعالى، سالماً، عمالاً، لا بطالاً. ثم ولا يكون العمل بأنقص من القوة، كما قال أيضاً القديس المذكور: إن الله تعالى سيطالب كلاً منا يوم الحكم، عن عمل أيدينا، بمقدار القوة التي أعطيناها. وحكي عن الأب مكاريوس أنه ضفر في الليل خوصاً كثيراً لم يكن يحتاجه. ولما سئل عن السبب قال: لئلا يدينني الله ويقول لي: قد كنت تقدر أن تعمل ولم تعمل.
– أمّا الصفة الثانية اللازمة لعمل اليد، فهي الهذيذ الروحاني، أي ليقترن بعمل يدنا، عمل قلبنا، كما يعلّم جميع الآباء وكما هو مشهور عند الكل. وهذا الهذيذ أنواعه كثيرة، وأوله إستحضار الله ثم ملازمة ذكره تعالى في قلبنا، أو في قلبنا وفمنا معاً، وذكر الموت، وباقي العواقب الأربع، وتلاوة أقوال الروح، وغير ذلك من الهذيذ الروحاني الجزيلة أنواعه. فهذا تمام معنى الصفتين اللازمتين لعمل اليد.
– أما الشرطان اللازمان أيضاً له، فالأول، أن لا يعيق عمل يدنا عمل فرائضنا، لأن عمل الفرائض أولى من عمل اليد كقوله تعالى: إطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذا جميعه تزدادونه. أي ليُعَمل عمل اليد بالغرض الثاني، لا الأول. وقال القديس باسيليوس: أنه يجب علينا أن نكون أمناء فيما أعطانا الله من الزمان المعين لنا للصلوات وعمل القانون. وإن صار وحدث لنا عائق يعوقنا عن إتمام فرضنا، فيجب أن نرجع نتممه عند إستطاعتنا ذلك. فإن كنا نجد وقتاً نسترجع فيه ما فاتنا من الأكل والشرب، فكيف لا نجد وقتاً نسترجع فيه ما أضعناه من صلواتنا. ومضمون الكلام، إن عمل اليد يُعمل بعد عمل الروح القانوني.
– والشرط الثاني لعمل اليد هو ألاّ يفتخر العامل بما يعمل. قال القديس السلّمي: لا يفتخرن أحد في ذهنه متى عاين ذاته قد نيّح جماعة من إخوته. فإن المتلصصين محيطون به. وقال: تذكر تذكراً متصلاً القائل: إذا عملتم كل ما أُمرتم به، فقولوا أننا عبيد بطالون، إنما عملنا ما يجب علينا عمله. وقال القديس باسيليوس: إن المفتخر بعمله لا يقبل منه ولا يخلط مع عمل الإخوة لأنه نجس. وقد جاء عن أحد تلاميذ الأب باخوميوس أنه عمل في يوم من أيامه حصيرتين وحملهما ووضعهما أمام باب الكنيسة ليراهما الإخوة ويتمجد بعمله، لأن الرهبان كان كل منهم يعمل حصيرة واحدة فقط في يومه. فلما نظره الأب باخوميوس أمره أن يحمل الحصيرتين على كتفه ويسجد أمام مائدة الإخوة وقت أخذهم الطعام إلى أن يقوموا عن المائدة. ثم أمره أيضاً أن يحضر عند إجتماع الإخوة إلى الصلاة وهو حامل الحصيرتين على كتفه ويصيح نحوهم: صلوا لأجلي، يا أبهاتي، ليرحمني السيّد المسيح، لأني إعتبرت هاتين الحصيرتين أكثر من ملكوت السماء. ثم أمره بعد ذلك أن يجلس في قلايته ويأكل خبزاً وماء فقط، مدى خمسة أشهر، ويعمل كل يوم حصيرتين. تأمل أيها الأخ كم يجب أن يكون العمل غريباً من العجب والإفتخار.
– هذا ما قلناه في معنى الصفتين والشرطين اللازمين عمل اليد لكي يكون عملاً رهبانياً، أي يوافق لقيام عيشة الرهبان وقهر الضجر وباقي الرذائل المتولدة من البطالة. وهذا يتسهل لنا وجوده وإمتلاكه بواسطة الفرائض التي رسمها القانون الآتي ذكرها وهي بالعدد ثلاث.
الفريضة الأولى :يجب على الراهب، خاصة الصحيح الجسم، أن يلازم العمل روحانياً كان أم جسدانياً.
– ملازمة الراهب العمل هي ألا ينغلب للبطالة، لكي يفلت من شرها ومن الرذائل المتولدة منها. لأن الآباء حذرونا منها كثيراً، والقديس نيلوس يقول: إن البطالة هي مبدأ كافة الأعمال الشريرة وأول ظلمة النفس. وقال الأب بيمين: كما أن الدخان يطرد النحل ويُقطف عسله، هكذا نياح الجسد يطرد خوف الله من قلبنا ويتلف فضائله. وقال الأب كسيانوس: إن العمال يقاتله شيطان واحد والبطال يقاتله شياطين كثيرة. ومن هذه الأقوال الصادقة يتضح لنا إن نفس البطال ممتلئة شروراً.
– وقد نتحقق ذلك بزيادة من قول الرسول وحتمه على البطال بالنفي من بين المؤمنين، لأن هكذا كاتب أهل تسالونيكي قائلاً: نوصيكم بإسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ خبيث السعي والسيرة، لا يسير بالوصايا التي قبلها منا. فإنكم تعرفون كيف ينبغي أن يُتشبه بنا. فإننا لم نسلك بينكم بالشر ولا أكلنا من أحد منكم خبزنا مجاناً، بل كنا نعمل بالكدّ والتعب، النهار والليل، لئلا نثقل على أحد منكم” فقد سمعنا أن فيكم قوماً يسيئون السعي ولا يعملون شيئاً إلاّ الأباطيل. فنحن نوصي هؤلاء ونسألهم بالرب يسوع المسيح أن يكفّوا عمّا هم عليه ويعملوا ويأكلوا من كدّ أيديهم – فإذا كان هذا قوله لأهل العالم وهذه مذمة بطالتهم. فكم تكون إذاً مذمة بطالة الرهبان؟ وعن هذه الأقوال هتف كسيانوس قائلاً: إذا كان بولس الإناء المصطفى المرتقي إلى السماء الثالثة، قد كلف ذاته لعمل اليد وعاش من الكدّ، فمن هو الراهب الذي يتجاسر على البطالة ولا يريد أن يعمل ونحن نقول: إذا كان أبونا أنطونيوس أُمر من الله بالعمل لأن الملاك ظهر له وعلّمه، متى ما كلّ وضجر من الصلاة، أن يبتدئ بعمل اليد ولا يجلس بطالاً البتة. فمن هو الراهب المخدوع الذي يتوهم أنه يرضي الله بلبسه إسكيم أنطونيوس ولا يعمل بيده.
– وما أحسن ما قال الرسول بعد وضعه الوصية بالعمل قال: سمعنا أن فيكم قوماً يسيئون السعي والسيرة، ولا يعملون إلاّ الأباطيل. فنحن نوصي هؤلاء ونسألهم بالرب يسوع أن يكفّوا عمّا هم عليه ويعملوا ويأكلوا من كدّهم. فكأنه يقول للباطلين: يا هؤلاء لا تبطلوا عملكم. وإن أنتم لم تعتبروا وصيتنا لرداءة سيرتكم وغليظ طبعكم، فنحن نسألكم ونبتهل إليكم أن تتركوا البطالة ولا تعتبرونا كواضعي ناموس بل كمثل طبيب وحبيب يتوجع لوجعكم. يدلنا الرسول بهذا على أنّ شرّ البطالة يرعب القلب.
– ويجب الإجتهاد على الرؤساء في أن يخلّصوا من هم تحت يدهم منه. لأن كثيراً من القديسين والعلماء قالوا: إن البطال يتعلم الأعمال والأقوال الرديئة كرهاً ويصير يستقصي عن أحوال الناس ويتكلم فيما لا يعنيه ولا ينفعه، ويغتاب الكثيرين لعدم تعب جسمه. وبخلاف ذلك العمال المتعوب بالجسم. ولو لم يكن ذلك، لما كان الرسول حتّم على البطال بالعزل عن صحبة ومحبة الناس، أي لا أحد يعمل معه مودة كأخ بل يتجنبونه كمن فيه مرض يعدي الذي هو البطالة الرديئة جداً.
– وقد جاء في البستان عن الأب أمون، أن يوماً ما زاره جملة رهبان، صباحاً. فوجدوه قد ضفر في الليل خوصاً كثيراً. ولما سألوه أن ينفعهم بكلمة أجابهم: أني من العشية إلى هذه الساعة قد ضفرت عشرين ذراعاً ولست أحتاجها. ولكن، لئلا يسخط الرب عليّ قائلاً: قد كان يمكنك العمل فلمَ لم تعمل، أتعب طاقتي.
– وكذلك جاء عن الأب يوحنا القصير أنه، عندما كان شاباً، ضجر وملّ من عمل اليد. فقال لأخيه الذي كان أكبر منه: أني أشتهي أن أكون بغير همّ مثل ملائكة الله الذين ليس لهم عمل سوى خدمته تعالى. وفي تلك الساعة نزع ثوبه وطرحه وخرج إلى البرية. وبعد سبعة أيام ضجر، فرجع وقرع باب أخيه. فأجابه أخوه: من أنت؟ فقال: أنا أخوك يوحنا- فقال له أخوه: إن يوحنا صار مثل ملاك وليس هو الآن إنساناً. فصار يوحنا يهتف من خارج أنا يوحنا. فتركه أخوه معذباً على الباب إلى الصباح. ثم فتح له وأدخله وقال له: إن كنت إنساناً فينبغي لك أن تعمل بيديك، مثل إنسان، إلى آخر حياتك، لكيما تعيش. فأجابه: أخطأت إغفر لي.
– ونتيجة ما قلناه هي إن ملازمة العمل ضرورية لسيرة الرهبان، وإن البطالة رديئة جداً. وهذا هو تمام قول القانون في ملازمة العمل للراهب، وبالأكثر الصحيح الجسم. أي إن الصحيح الجسم تؤذيه البطالة أكثر مما تؤذي الضعيف الجسم، كقول القديس إسحق: إن الجسم القوي، إن أنت أرحته من العمل، فالرذائل كلها تدخل في نفسه، وينتزع منها الخير الذي كان مركوزاً فيها.
– ومنه نفطن، كما إن العمل فضيلة يجلب الفضائل، هكذا البطالة هي رذيلة تجلب الرذائل. والعمل- روحانياً كان، مثل تعليم ووعظ وتأليف كتب وسماع إعتراف وخدمة صلوات وقداديس وأمثال ذلك، أو جسدانياً، وهو معلوم- يقوم، بنوعيه على السواء، في غرض القانون الذي هو منع البطالة ودفع الضجر والقيام بالعيشة.
– فإن قلت إن العمل الروحاني لا يقوم بالعيشة، أجبتك: إذا كان نفعه متصلاً للشركة الأخوية، فلا فرق بين الروحاني والجسداني، لأن جسد الشركة واحد. فواحد يكون عيناً، وآخر رجلاً، والكل سعيهم واحد، وهو قيام الرهبنة المشتركة عيشتها. وإن إختلف عملهم فليس ذلك إختلافاً، كما قال الرسول، ولا لهذا فضل على ذاك وإنما فضل العمّال، على البطّال فقط، لا على سواه.
– والرب تعالى، على حسب قول الأب تلاسيوس، ينعم على من لا يقدر أن يعمل أكثر مما عمل، وينتقم ممن يقدر أن يعمل ولم يعمل. لأنه قال: بالكيل الذي به تكيل لجسمك يكيل لك الله به ضعفه. أي إن أتعبت جسمك قليلاً أم كثيراً، نيحك الله بمثله. وإن نيحته قليلاً أم كثيراً، عاقبك الله بمثله. وهذا العقاب والثواب نفهمه أن يكون ههنا وهناك. أي إن أنت أتعبت جسمك ههنا نيحك الله ههنا من تعب الآلام والشياطين وهناك من العقاب المريع. وإن أنت نيحت جسمك ههنا عاقبك الله ههنا بتعب الآلام وهناك بأليم العقاب. إذاً سبيلنا أن نستمع مرسوم القانون ونلازم العمل والتعب لنفلت من العقاب ونحظى ههنا وهناك بالراحة وحسن الثواب.
الفريضة الثانية : وليكن عمله مفيداً للإخوة.
– العمل الغير مفيد للإخوة نوعان: الأول يضاد الفقر، والثاني يضاد المحبة.
– فالعمل المضاد الفقر هو لما يسمح لنا الرئيس أن نعمل مهما شئنا من العمل، فنعكف نحن على العمل الذي فيه هوانا وليس منه فائدة للإخوة أو يفيد قليلاً بالنسبة إلى غيره. وهذا نهى عنه الآباء كثيراً. منهم القديس باسيليوس الذي قال: ليس للراهب الذي في المجمع، سلطان أن يتفرغ لعمل يخصه.
– فإن قلت: إن الرئيس قد سمح لي أن أعمل مهما أشاء أجبتك قد يلزمك أن تسعى ههنا، لا على ظاهر قول الرئيس، بل على حسب نيته التي هي أن تعمل العمل المفيد لإخوتك وإلاّ فتخطئ خطيئتين: الأولى، ضد الكفر بالذات بإستعمالك مشيئتك، والثانية، ضد الفقر بإستعمالك العمل المضر إخوتك. لأن من يعمل ما لا يفيد فقد أعدم إخوته ما يفيد جسدانياً كان أو روحياً. لأن الشركة، الرهبانية، هي في النوعين على السواء. وبالعمل الغير المفيد قد أضعت شيئاً كان لإخوتك، على التقدير، وأتلفته.
– أما النوع الثاني من العمل الغير المفيد فهو العمل المضاد المحبة. وذلك لما نعمل عملنا بإضطراب، ونقلق ونزعج إخوتنا بعبوسة وجهنا وتذمرنا، نحزن الذين يعملون معنا، ونجرح قلوبهم ونذل الذين نخدمهم، ونرعد جوارحهم. فمثل هذا العمل، وإن كان يُرى في الظاهر أنه مفيد، فهو بالكلية غير مفيد، لأنّه يضر الروحانيات ويفقدها، وخاصة المحبة والسلامة. فالذي هو هكذا ماذا يقدّم إلاّ الضرر والخسارة.
– وعن مثل هذا المعنى يقول القديس إسحق: لا تمدح الذي يتعب تعباً جسدانياً وهو منحل الحواس. وقال الرسول: إن أنا دفعت جسدي لحريق النار وليس فيّ المحبة فلست أنا شيئاً. فماذا ترى بقي لنا من الرجاء إن نحن عملنا وتعبنا في خدمتنا إخوتنا ولم نفد الرهبنة ولم نسعَ بواجب المحبة والسلامة مع إخوتنا؟ فحقاً إن هذا العمل ليس يتجه له إسم المفيد لنا ولا المفيد للرهبنة بل المضيّع والمبدّد فوائدنا وفوائد الرهبنة. لأنه أفاد جسماً وأذهب روحاً. فما الحاجة إلى جسم لا روح فيه؟ هكذا هو كل عمل لا محبة فيه.
– وقد حكم القديس باسيليوس على أن أشرف عمل رهباني هو ما كان داخل القلاية. وعلى ما نظن أن أعظم سبب لهذا الشرف ليس هو إلا لأن العامل في قلايته هو أكثر تحفظاً من قلق المحبة، لعدم الخلطة مع الإخوة.
– فإن قلت إن الرئيس قد أمرني بالعمل الجاذب إلى خلطة الإخوة وقلق المحبة، وأنا عارف بضرري، لكني مضطر إلى ذلك من قبل الطاعة، أجبتك: إن كنت ملتزماً إلى ذلك من قبل الطاعة، فالطاعة تدرّبك وتحكّمك. والله تعالى الذي أمر بالطاعة لن يتركك. لكني أخشى عليك لئلا تكون أنت السبب في عملك المزعج والمؤذي المحبة لا الرئيس. إذ الرئيس سبق فعرف أنك لضعفك، في إماتة نفسك، لا تقوى على غيره من العمل. ولذلك رتبك فيه تنازلاً مع هواك، كما جاء في البستان عن أحد الرهبان المنفردين، أنه سأل الأب بيمين عن حقلة كان يزرعها، هل جيداً يعمل أم لا. فأجابه الشيخ جيداً تعمل.
– ولما إنصرف قال الأب أنوب لأخيه الأب بيمين:
– أما تخاف الله فيما شرت على الأخ؟ فسكت الأب بيمين. وبعد يومين أرسل أتى بالراهب وسأله بحضرة الأب أنوب قائلاً: ماذا قلت لي يا ولدي في ذاك اليوم، لأن فكري وقت كلامك كان في موضع آخر. فقال الراهب: لي حقلة أزرعها وأنتفع من غلتها وأضع منها صدقات. فهل عمل هذا جيد أم لا؟ فأجابه القديس: هذا ليس عمل رهبان متوحدين، بل اللائق أن تجلس في قلايتك وفيها تعمل بيدك. فقال الراهب: إني لا أقدر أن أعمل غير هذا. وانصرف حزيناً. فلما رأى الأب أنوب ذلك، سجد لأخيه وإستغفر منه على دينونته له السابقة. فقال له الأب بيمين: أنا عارف أن هذا العمل لا يوافقه. لكني عارف أيضاً أنه لا بد أن يعمله، فلذلك أطلقته له. فكان أولاً يعمله بسلامة قلب، والآن صار يعمله وهو حزين.
– ومثل هذا، مرات كثيرة، يصنع الرؤساء مع الرهبان فيطلقون لهم العمل الذي لا يوافقهم تنازلاً وتلافياً لضعفهم. فدينونة النقص الصادر من الراهب في هذا العمل، هي على الراهب لا على الرئيس. وهذا الراهب لاحق بمن يعمل العمل غير المفيد.
– وجملة الكلام هو أن كل عمل في الدير الجامع إن لم يكن بتمام مشيئة الرئيس وبمحبةٍ أخوية فهو غير مفيد ومضر، جسدانياً كان أو روحياً.
الفريضة الثالثة: ولا يمس عملاً لم يتقلده إلا عن إذن الرئيس
– وإن دعت الحاجة فعن إذن صاحب الوظيفة.
– لم يشرط القانون تقليد العمل من الرئيس فقط، كون أكثر الأعمال يتقلدها الراهب من قبل الوكيل المعين من قبل الرئيس. فلذلك قال: لا يمس عملاً لم يتقلده على الإطلاق. لأن العمل الذي لم يقلدك إياه الذي له السلطان في ذلك، وتعمله، تخطئ ضد القانون. وأبونا أنطونيوس قد نهانا عن هذا بقوله: لا تعمل أي عمل كان إلا بمشورة أب الدير أي الرئيس.
– فإن قلت: إن الوكيل ليس هو الرئيس، إذاً الإستماع له ليس بواجب. أجبتك: إن قول الوكيل هو قول الرئيس ومشورة من له المشورة هي مشورة الرئيس. وكما نطيع الرئيس كالطاعة لله، بما انه نائبه، هكذا نطيع الوكيل وكل صاحب تدبير فيما يخصه تدبيره كالطاعة للرئيس بما أنه نائبه.
– وعن هذا المعنى يقول القديس باسيليوس: لا يطلب أحد أن يتعاطى من الإهتمامات ما لم يَرسم له ليكمل قول الرسول: لا تفكروا فيما لا ينبغي أن تفكروا فيه. وليثبت كل منكم كما هو عليه قدام الله.
– وقال أيضاً: من دفع ذاته للطاعة، ما بقي له سلطان، ولا على يديه، أن يستعملهما، إلاّ بحسب إختيار مدبريه.
– ومن هذا الكلام نفهم حقاً كلام القانون القائل: أنه لا ينبغي لنا من عمل لم نتقلده، وإن دعت الضرورة بأن نعمل عملاً ليس هو عملنا، لأجل حادث ضروري حدث، ولا وصول لنا حينئذ إلى الرئيس لنستشيره، فلنستأذن صاحب الوظيفة المأذون له أن يأذن- لأن ليس كل صاحب وظيفة له أن يأذن في عمل وظيفته- وبعض الأحيان يأذن بالعمل غير صاحب الوظيفة، على تقدير مشيئة الرئيس، إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
– وحيث نظن أن الرئيس لا يشاء ذلك العمل، وليس من له سلطان لأن يأمرنا به ونرى كأنه ضروري، فلا نمسه، لأن الطاعة أفضل البنيان. لكن إذا كان الوكيل، أو من له التدبير، حاضراً، وأمرنا أن نعمل ما نظنه خلاف مشيئة الرئيس فلنكشف له فكر الظن الذي نظنه وبعده نعمل حسب أمر من له الأمر والوظيفة.
Discussion about this post