المصباح الرهباني
الخاتمة والفهرست
– ولنختم هذا الكتاب بقليل من الخطاب، نحوك أيها الأخ الراهب، الواقف على هذه الثمانية عشر باباً، ونقول لك: كن مجتهداً بأبلغ نشاط فيما ابتدأت واشكر الله بفرح على ما إليه اهتديت. واعلم أيها الحبيب أنك لسعيد وهل تعلم كم أنت سعيد! لأن الله قد انتخبك أفضل إنتخاب وشرّفك على الكثيرين من الأباعد والأقارب والأصحاب، من حيث دعاك إلى الرهبنة التي هي، على رأي جميع الآباء والعلماء، حال الكمال والقداسة.
– والدليل الصادق على ذلك هو أنها سيرة الرب يسوع، وقد رسمها، تعالى، علماً وعملاً. فتعليمه أنه قال لأحد الناس: إن شئت أن تكون كاملاً بِع ما لك وأعطه للمساكين واحمل صليبك واتبعني، أي كن راهباً طائعاً، طاهراً، فقيراً. وعمله أنه أطاع أباه إلى الموت وسلك بأعلى درجات الطهارة، ولم يملك على الأرض شيئاً البتة حتى ولا مكاناً يسند إليه رأسه المقدّس. فمن هذا العمل وذاك التعليم حصل تمام اليقين بأن الرهبنة هي الكمال وأفضل مجال وأشرف حال.
– وقد أكّد لنا الآباء القديسون هذا المعنى بما اطّلعوا عليه من الإعلانات الإلهية والأقوال الصادقة الروحية التي سنذكر بعضها. وذلك أن أحد الآباء لما أراد أن يصف الرهبنة بصفة تناسب فخرها قال: إنها أرض الميعاد المختارة من الله مورثاً لشعبه، ومن دخلها يظفر بقتل السبع الأمم، أي السبع الخطايا الرئيسية، ويملك في أورشليم مدينة عدم الآلام.
– وقال آخرون: إن الرهبنة تشبه سلّم يعقوب لأنها تحوي في ذاتها درجات الفضائل المبلغة، الصاعدين عليها، إلى السماء.
والبعض مثلوها بالميناء الكثير الهدوء والسكون، ومن حصل داخلها نجا من أهوال بحر العالم المتموج دائماً.
– وغيرهم قال: أنها تشبه جسراً مبنياً فوق نهر هذا العمر المختبط دائماً، والعابرون عليه يجوزون من هذا العالم إلى ذاك العالم بسلامة وأمان.
وآخرون قالوا: أنها تماثل الجبل الرفيع المشرف على بحر هذا العالم المضطرب، والقاطنون في هذا الجبل، يشاهدون من البعد مخاطرات المسافرين في البحر، وهم مغتبطون بما هم عليه من السلامة.
– وغير هؤلاء قالوا أن الرهبنة تشاكل الفردوس، من حيث أنها تحوي في ذاتها أنواع أشجار الفضائل وروضات الكمالات الرائق منظرها. وفي وسطها شجرة الحياة، أي محبة الله البديعة لذّتها وفائدتها، المانحة، لمن يأكل منها، عدم الموت.
والبعض قالوا: أنها صورة الملكوت، لامتلاكها دوام عبادة الله ومواصلة الترتيل والتسبيح، على نحو ما سمع صاحب الرؤيا، دوام أصوات التسبيح في أورشليم العليا، من حيث أنها لا تخلو البتة من عمل الفرح الروحي، والمسرّة بالحب، وسعي السلامة الراسخة، كما بين الملائكة العلويين.
– أما القديس السلّمي فقال: إن الرهبنة هي رتبة القرب إلى الله. ثم يدعو الرهبان بأسماء مختلفة دالة على زيادة شرفهم. منها: أنهم خاصة الملك السماوي والواقفون بحضرته، وعبيده الخالصون، وأحباؤه ونور العالم، وملح الأرض، وأناس سماويون، وملائكة أرضيون. ثم يناشدهم كمن يريد أن يوضح عظم التمييز ما بينهم وبين أهل العالم ويقول، في مقالته المختصّة بالزهد، هكذا: إخرجوا من بينهم وتميزوا منهم ولا تمسّوا نجاسة العالم، لأنه من اجترح عند أولئك، في وقت من الأوقات، عجائب؟ من أقام أمواتاً؟ من طرد جناً؟ ليس ولا واحد من الناس. لأن هذه كلها جوائز الرهبان التي لم يستطع العالم أن يسعها.
– أما القديس برناردوس فإنه يقول نحو الرهبان: إن مقامكم أيها الرهبان لسامٍ غاية السموّ، ويعلو على السماوات نظير الملائكة، ويزهو نقاء على مثال نقاء الأرواح القدسية، لأنكم نذرتم لله، لا القداسة فقط، بل كمالات القداسة كلها. فغيركم يخصه الخدمة لله، أما أنتم فيخصكم دوامالإتحاد بالله. فلذلك لست أعلم بأي إسم أدعوكم. فهل أدعوكم أناساً سماويين أم ملائكة أرضيين؟ لأنه وإن كنتم قاطنين الأرض، إلاّ أن سيرتكم وسعيكم في السماء. إذاً لستم من هذا العالم بل أنتم شركاء أهل مدينة القديسين وأهل بيت الله، ولكم المشابهة بتلك الأرواح الطوباوية المرسلة لمعونتنا وحراستنا، والمشتغلة معنا بهذه الخدم، دون أن تكفّ عن معاينة الله تعالى أبداً.
– وقال أحد الآباء: أني رأيت النعمة التي يعطاها الإنسان، وقت العماد في المعمودية. تلك نفسها تعطى للراهب وقت لبسه الإسكيم وإبتداء رهبنته. وقد جاء في سيرة أبينا أنطونيوس، أنه في ساعة موته، حملت الملائكة روحه إلى السماء. فتبعها الشياطين وهم يصيحون ويشتكون على القديس بزلات صدرت منه في العالم، قبل أن يترهّب. فالتفتت الملائكة إليهم وقالت لهم: إن كان عندكم زلاّت له في الرهبنة أتوا بها؛ وإن كان لا، فالزلاّت التي قبل الرهبنة، غفرها الله وقت دخوله الرهبنة. فلما سمع الشياطين هذا الكلام غابوا. ومن هذا الخبر صحت رؤيا الشيخ السابق ذكره، وتحققنا أن الدخول في الرهبنة يمنح غفراناً كاملاً عن الخطايا أجمع. وهذه من جملة دلائل شرف الرهبنة.
– وقد جاء عن شيخ آخر من مشائخ الرهبان، أن قسطنطين الملك الكبير، ظهر له بشكل المتندّم، وقال: لو علمت أن هذا شرف الرهبان، لتركت ملكي وترهّبت.
– وقد جاء أيضاً في البستان عن أحد الآباء أنه حكى عن نفسه وقال: إن أباه كان كاهن الأصنام. فدخل معه، يوماً ما، إلى هيكل الأصنام، فرأى رؤيا، وهي جماعة شياطين يخبرون رئيسهم بما فعلوه من الشرور مع الناس، ولم يرض الأركون بعمل واحد منهم البتة، بل كان يأمر بضربهم وأدّبهم كالمتهاونين بعملهم. أخيراً تقدّم إليه أحدهم وقال: أنه منذ أربعين سنة متقلّد بمحاربة راهب. وفي ذاك اليوم أسقطه في الزناء. فلما سمع الأركون هذا الخبر نهض لوقته عن كرسيه وعانقه ونزع التاج عن رأسه ووضعه على رأسه، وأجلسه بجانبه، ومدحه كثيراً على ما عمل. وغابت الرؤيا. قال الشيخ الراوي: إن من هذا المنظر عرفت أن الرهبنة شريفة جليلة المحل، وهذا كان السبب حتى صرت راهباً.
– تأمل أيها الراهب رتبتك وكم هو مقدار شرفك واحكم على ذاتك كم يلزمك أن تعتبر الرهبنة، وكم ينبغي أن تسعى فيها بجد وفرح، وكم يلزم أن تحرص لئلا تفقدها، ويبتدل الفخر العظيم بالذلّ الوخيم. حينئذ تكون الحسرة والكسرة اللتان ليس لهما مثيل، كما قال أحد الآباء: إن حزني كثير على راهب ألزم نفسه بالغربة، وترك اللذة وفارق الأهل والوطن، وتهامل قليلاً فهلك.
– أجارنا الله وإياك من مثل هذا العطب المريع، بشفاعة سيّدة العالمين وأبينا أنطونيوس صاحب الإسكيم وجميع القديسين. آمين!.
– بلغ تحريراً في أواخر شباط سنة ١٧۲١ أذكر الكاتب في صلاتك لأجل السيّد المسيح.
– وكان تمام هذه النسخة بقلم المؤلف
-هذه مسودة شرح قانون الرهبان اللبنانيين تأليف المطران عبدالله الحلبي اللبناني وهو وقف مؤبد برسم أخوته الرهبان اللبنانيين سنة ١٧۲١.
– الفهرس:
المقدمة
الباب الأول: في الطاعة
الباب الثاني: في العفة.
الباب الثالث: في الفقر.
الباب الرابع: في التواضع.
الباب الخامس: في المحبة الأخوية.
الباب السادس: في الصبر.
الباب السابع: في كسوة الرهبان.
الباب الثامن: في سكنى القلالي.
الباب التاسع: في السفر.
الباب العاشر: في المائدة.
الباب الحادي عشر: في عمل اليد.
الباب الثاني عشر: في الصمت.
الباب الثالث عشر: في الصلاة العقلية.
الباب الرابع عشر: في الصلاة اللفظية.
الباب الخامس عشر: في الإعتراف.
الباب السادس عشر: في تناول الأسرار المقدسة.
الباب السابع عشر: في الأدب.
الباب الثامن عشر: في المرضى.
الخاتمة
لمجده تعالى
Discussion about this post