البروتستانتية
protestantism
protestantisme
protestantesimo
مدخل
كلمة لاتينيّة الأصل تعني الشهادة العلنيّة. وهي اسم أطلق على مجموعة الكنائس المسيحية المنتمية إلى ما سُمي بالإصلاح، باستثناء الاتّحاد الأنكليكانيّ. في القرن السادس عشر أراد مارتن لوثر(Martin Lether) مع أشخاص آخرين أن “يُصلحوا” الكنيسة بالعودة إلى إيمان الكنيسة الأولى كما كانوا يتصوّرونه. كانوا جميعهم يتّفقون في رفض سلطة بابا روما وارتكازهم على سلطة الكتاب المقدس وحدها والتركيز على الإيمان الشخصي كطريقة وحيدة للتبرير والخلاص. تعود كلمتا “بروتستانتي” و”بروتستانتيّة” إلى شهادة الإيمان الإنجيليّ التي شهدها اللوثريون في مجلس سبيرا في 19/4/1529، وإلى احتجاجهم على الحلّ الوسط الذي جاء في قرار ذلك المجلس، والذي اتّخذه شارل الخامس والأمراء الكاثوليك.
لوثر والإصلاح البروتستانتي
بدأت حركة الإصلاح البروتستانتي عندما نشر مارتن لوثر عقيدته المعروضة في 95 نقطة. أهم ما يميّز هذه العقيدة النظرة السلبية للطبيعة البشرية ورفض أي دور للإنسان في الخلاص، وبالنتيجة رفض وساطة الكنيسة بأي شكل من الأشكال. من جهة ثانية كان لوثر يحتجّ على صكوك الغفران التي كانت تُعطى للمتبرعين لبناء كنيسة القديس بطرس في روما.
وعندما رأى بأن تعاليمه لم تُقبل من الكنيسة الكاثوليكية وبأنه حُرِمَ نتيجة إصراره على مواقفه، لجأ إلى الملك فيديريك الساسوني الذي رأى في العقيدة الجديدة وسيلة ناجعة في الإنفصال عن روما، فشجّع على انتشارها وحمى مارتن لوثر من كل إضطهاد. بهذا الشكل انتشرت البروتستانتية في كل أنحاء ألمانيا، كما نشأت في سكاندينافيا كنائس وطنية ذات طابع بروتستانتي.
زوينكلي
بعد بضعة أعوام نشأت في زوريخ حركة أكثر أصولية قادها هولدريخ زوينكلي (Huldrych Zwingli)، الذي قام بتبسيط الليترجيا إلى أقصى الحدود، وكان يرفض أسرار الكنيسة كما فهمها لوثر، فكان يقول بأن الإفخارستيا هي عبارة عن طقس لا يتعدّى كونه رمزاً. رغم رفض لوثر لهذه الأفكار انتشر مذهب زوينكلي سريعاً في أنحاء سويسرا.
كالڤين
يُعتبر يوحنا كالڤين (Jean Cauvin) من أهم شخصيات الإصلاح بعد لوثر وزوينكلي. مؤسسالكالڤينية ولاهوتي فرنسي جاء إلى جينيف عام 1536 حيث أقام كنيسة وحكومة ثيوقراطية، تميّزت بالتزمّت. كان ينادي بالإختيار السابق وبسمو الله اللامحدود. وهو أول لاهوتي يعرض العقيدة البروتستانتية بشكل منظّم.
الكنيسة الأنكليكانية
نشأت هذه الكنيسة عام 1534 بقرار من الملك هنري الثامن بفصل السلطة الكنسيّة الإنكليزية عن سلطة روما. بعد ذلك قامت هذه الكنيسة بتأليف قانون إيمان خاص بها يتألف من 39 نقطة، يميل إلى البروتستانتية أكثر منه للكاثوليكية. ومع ذلك فقد احتج الطهوريون على الاحتفاظ ببعض الأمور كالليترجيا.
جماعات أصولية
بعد نشوء الكنائس البروتستانتية التقليدية (لوثرية، كالفينية، أنكليكانية)، قام بعض الجماعات بإتهامها بعدم الأمانة للمسيحية الأصلية، البعض استخدم العنف أما البعض الآخر فرفض هذا المبدأ: على سبيل المثال كان لتجديدي العماد دوراً بارزاً في حرب الفلاحين، أما المِنونيون فقد أسسوا جماعات قرويّة مُسالمة. في إنكلترة قام نظام دُعِي بالجمهوري تأسس على أفكار روبرت براون (Robert Brown). بعض هذه الجماعات هاجر إلى القارة الأمريكية وأسس هناك كنائس مستقلة.
حقائق تاريخية
اتسمت المرحلة الأولى من البروتستانتية بالحروب التي لعبت فيها الأسباب السياسية دوراً أساسياً إلى جانب الأسباب العقائدية. من هذه الحروب نذكر حرب الفلاحين في ألمانيا (القرن السابع عشر)، والحرب بين الأوغونيين والكاثوليك في فرنسا (القرن السادس عشر). عام 1685 اضطر الأوغونيون للهجرة من فرنسا بعد إلغاء قرار نانت الذي كان قد ضمن لهم حرية العبادة عام 1598. أما في إنكلترة فقد كانت الخلافات قائمة بين الطهوريون والأنكليكان. مع سلام ڤيستفاليا بدأ البروتستانت بترتيب عقيدتهم بشكل منظّم فحدّدوا الإيمان القويم من وجهة نظرهم، لكن ظهرت جماعة جديدة هي التَقَوِيّون الذين رفضوا وضع الإيمان في عقائد وكانوا يؤكدون أهمية التقوى الشخصية.
العقلانية
بسبب تأثير العلم ومذهب التنوير، نمت في العالم البروتستانتي في أواخر القرن السابع عشر وبدايات الثامن عشر، نزعة عقلانية أرادت وضع عقائد الإيمان في مختبر العقل والعلم. من هنا نشأ مذهب التأليه الذي رفض العقائد الكنسية وأشكال العبادة ليجعل من الإيمان أمراً أقرب للعقل فيقبله عدد أكبر من الناس.
القرن التاسع عشر
في القرن التاسع عشر اتّسم نشاط الكنائس البروتستانتية على اختلاف طوائفها بالإرساليات التي جعلت من هذه العقيدة تنتشر في العالم انتشاراً واسعاً. في هذا القرن ظهرت المدرسة اللاهوتية الليبيراليّة، التي أرادت الجمع بين الدين والعِلم والمجتمع الحديث، فكانت تعتمد النقد الكتابي لكوسيلة للتعرّف على شخص يسوع التاريخي بمعزل عن العقيدة.
أمّا في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظهرت جماعات جديدة كالمجيئيين وجماعة أوكسفورد. أمّا الكنيسة الأنكليكانية فقد خسرت العديد من أتباعها بسبب اعتناقهم العقيدة الكاثوليكية، وكثيرون ممن استمروا في الأنكليكانية أرادوا العودة للإيمان التقليدي.
القرن العشرون
كردّة فعل على اللاهوت الليبيرالي نشأت من جهة عدة حركات أصولية كانت تركّز على عصمة الكتاب المقدس عن الخطأ، ومن جهة أخرى ظهر “لاهوت الأزمة” أو “اللاهوت الجَدَلي” للاهوتي السويسري كارل بارث (Karl Barth) وذلك كردة فعل على الحرب العالمية الأولى، أراد بارث العودة إلى أصول العقيدة البروتستانتية مع التركيز على أولية الكتاب المقدس دون أن يرفض نتائج النقد الكتابي.
بعد الحرب العالمية الثانية نمت جماعة الإنجيليين التي تمثّل تياراً معتدلاً من الأصولية بشكل ملحوظ، كما تنامى الإهتمام بالمشاكل السياسية والإجتماعية وحقوق الإنسان بقيادة الراعي المعمداني مارتن لوثر كينغ (Martin Luther King).
في هذا القرن نشأت أيضاً الحركة المسكونية والتي أدّت إلى توحيد الكثير من الكنائس البروتستانتية، كما أُسس عام 1948 مجلس الكنائس العالمي الذي يعمل في مجال حوار الكنائس وحوار الأديان.
التبرير بالإيمان وسلطة الكتاب المقدس
يجتمع أتباع البروتستانتية على اختلاف طوائفهم على فكرة مارتن لوثر القائلة بأن خلاص الإنسان لا يعتمد ولا بأي شكل من الأشكال على استحقاقاته، بل على النعمة التي يمنحها الله لمن يشاء، وما الأعمال الصالحة إلا علامة النعمة في الإنسان. بهذه النقطة التي تَمَحْوَر حولها كل اللاهوت البروتستانتي أراد المُصلِحون معارضة الكاثوليك الذين كانوا يُشدّدون على دور الإنسان في الخلاص، فكان البروتستانت يرون في هذا انتقاص من قيمة ذبيحة المسيح وإعلاء لشأن حرية الإنسان الخاطئ.
أمّا فيما يختص بمصادر الإيمان فقد رفض البروتستانت كل ما هو غير وارد في الكتاب المقدس معتبرينه المرجع الوحيد للإيمان، دون الرجوع لأي سلطة تعليمية يحق لكل مؤمن أن يفسِّر كلمة الله. بهذا شجب المُصلِحون التقليد المقدّس وكل عقيدة لم يجدوا لها دليل واضح في الكتاب المقدس. لكن هذا أدّى إلى سهولة ظهور تفاسير متعددة ومختلفة للنص المقدس بعضها ذهب أيضاً بعيداً عن العقيدة القويمة.
القيادة في الكنيسة والعبادة
بالرغم من رفض البروتستانت لدرجة الكهنوت المقدس الموجودة في الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية وسائر الكنائس الرسولية، وتشديدهم المطلق على كهنوت المؤمنين المُشترك، كثير من الكنائس البروتستانتية تقوم بسيامة خادم للقيام بالكرازة وخدمة العبادة. أمّا قيادة الكنيسة فهي ذات طابع ديمقراطي مع الحفاظ على الدور الأهم للأساقفة (الأنكليكان، الأسقفيون، الميتوديون)، للشيوخ (المشيخيون والكنائس المُصلَحة) أو للمجالس (الجمهوريون والمعمدانيون).
تتّسم اجتماعات البروتستانت بقراءة الكتاب المقدس وتفسيره، وهي تعتمد بشكل أساسي على العظة، أمّا الصلاة فلا تتبع أي كتاب طقسيّ بل تكون عفوية وتتخذ في بعض الكنائس أشكالاً من الإنخطاف الروحي والنبوءة. فيما يخص الأسرار تتفق كل الكنائس البروتستانتية في قبول المعمودية وعشاء الرب (الإفخارستيا) مع اختلاف التفسيرات التي تعطيها كل كنيسة لهذه “العلامات”.
Discussion about this post