المقالة السادسة: اشتياقات إلى وحدة الكنيسة
الطريق إلى الفردوس
من خطاب إلى إيفاجرياس القس:
خطابك العظيم الطويل لم يشعرني بالملل، بل بالحقيقة تمتعت به حتى بدى لي أنه قصير، لأنه لا توجد أخبار تدعو للسعادة لأي مسيحي، مثل أخبار السلام، ولا شيء يفرح الله أكثر من هذا.
يكافئك الله على مجهوداتك الشاقة الدقيقة التي فعلها في هذا العمل الرائع لصنع السلام.
تذكر يا صديقي العزيز أننا لا نكف عن الصلاة، حتى نرى اليوم الذي نكون فيه جميعاً واحداً غير منقسمين في الفكر وفى المجمع الواحد حقاً سنكون أناس غرباء عن الله إذا كنا نفرح في الانشقاقات والانقسامات التي تهدد الكنيسة، وإذا لم نعتبره إنجازاً عظيماً أن نرى أطراف المسيح المتشتتة تتجمع مرة أخرى.
إنسان حكيم مثل حكمتك العظيمة من المؤكد أنه يعلم جيداً أن الصعوبات التي ازدادت سوءاً بمرور الوقت، تحتاج أيضاً لوقت لإصلاحها، وإنها تحتاج إلى مثابرة عظيمة وعزم، حتى ننزع جذور الشر بالكمال، وبهذا نرجع المرضى إلى الصحة، وأنا واثق أنك تفهم تماماً ما أقصد.
تجنبوا الانقسامات
من خطاب إلى قساوسة ” ساموساتا “:
الله يوزع كل شيء علينا بمكاييل مناسبة، حتى لا يحمّلنا ألماً فوق ما نحتمل، ولكنه يختبر قوة إيماننا بامتحانات صعبة ولكنه لا يجعلها تتعدى طاقات تحملنا، وهو أيضا يكيل بمكيال دموع الذين قد استطاعوا أن يحتفظوا بإيمانهم في الرب وسط الضيقة، ويظهر محبته لنا، فلا يسمح لأعدائنا بأن يضطهدونا، إلى الحد الذي فيه تقدر الآلام التي نعانيها أن تزعزعنا عن الإيمان في المسيح له المجد.
هذا من جهة مواجهتنا مع الأعداء الظاهرين الذين يسهل أن ينهزموا أمامنا، حتى يهيأ لنا مكسب النصرة، ويعطينا مكافأة تحملنا.
ولكن العدو المشترك لحياتنا جميعاً هو واحد وهو يعمل بطرقه الخاصة ضد صلاح الله، ذلك هو الشيطان فعندما يرى أنك تصد أي هجوم عنيف ومفاجئ يأتي عليك من الخارج، فإنه يلجأ لوسيلة أخرى بالدسائس التي يغرسها في وسط الحبوب النافعة، التي هي الاحتقار للآخرين والانقسامات، هذان في البداية يبدوان كأنهما غير ضارين وسهل التعامل معهما، ولكن بمرور الوقت وبعد تكاثر هذه الحبوب الضارة تظهر الانشقاقات وتصبح آلامها لا تعالج.
هذا هو سبب إرسالي هذا الخطاب لك، راجياً أن تأخذ بنصيحتي هذه وتضعها في قلبك، وتنتصر على منازعتك مع الآخرين، وضع في قلبك أنك ستصبح ذو قامة عالية أمام الله، إذا أظهرت بعض الاتضاع أمامه، وتقبل – بدون خجل – التهمة الموجهة إليك، حتى ولو كانوا غير صادقين لأجل السلام، إن هذا سيكون عملاً عظيماً، وستفرح كنيسة الله، وإذا وجدت بعد ذلك بعض الخصومات، فعليك أن تزيلها بطرق حسنة وبمجهودك، لتوجد السلام، جاهد حتى تكون مستحقاً لتدعى ابناً لله.
أرجوك أن تضع في محاربتك لأجل كرامتك جانباً، لأنها تساعد أعدائنا وتفرحهم، وتدمر سمعة الكنيسة، لابد أن تتعاملوا مع بعضكم كأنكم نفساً واحدة وقلباً واحداً تعيشون في داخل جسد واحد. كل شعب الله، كل الكهنة والخدام الذين تحتضنهم في تقواك، نطلب أن يكونوا واحداً مع بعضهم البعض.
لا تفضل شيئاً أكثر من هذا، لأن المؤمنون في الماضي كانوا دائماً يظهرون أعلى درجة في الاستعداد، وقدموا مثالاً عظيماً في كل أعمالهم.
المشاركة في آلام الكنيسة
من رسالة إلى إيوسيبيوس أسقف ساموساتا:
أرجو المعذرة، فإني لست أريد أن أزيد متاعبك، إذ أرسل إلى محبتكم، شكوانا في رسائل، لأني أجد بعض التعزية في مخاطبتي إياكم، لأنه بمجرد أن أعبر عن حزننا العميق، يبدو وكأن الألم قد خف وأصبح من الممكن أن نتحمله بالأكثر، وأردت أيضاً أن أشجع غيرتك، لتصلى بالأكثر من أجل الكنيسة فإن موسى النبي صلى من أجل شعبه بدون توقف عندما كانوا في المعركة ضد عماليق، وأبقى هذا القديس يديه مرفوعتين في صلاته، من الفجر إلى انتهاء النهار، حتى انتصروا في نهاية المعركة.
رسالة تعزية لأم فقدت ابنها
من رسالة القديس باسليوس الكبير إلى زوجة نيكتاريوس:
إن أي نوع من الأدوية إذا وضعت على عين ملتهبة، حتى إذا كانت هذه الأدوية خفيفة فسوف تصيبها بالألم، وبالمثل إن النفوس المتألمة حتى كلمات العزاء تكون غير مرغوب فيها، لو قيلت في هذا الوقت الصعب، ولكني أعرف إنني أتكلم مع إنسانة مسيحية، وتعرف الله، وتعرف فناء هذا العالم بالحقيقة، ومن أجل هذا لن أفشل في مهمتي، أيتها المرأة الوقورة.
أول كلام أقوله لكي، حافظي على وقارك، وأنا عارف بالآلام التي تختبرها الأمهات، وأعرف مقدار حبك الشديد، وأعرف جيداً كم أنت تعانى في هذا الوقت الحاضر، لأنك فقدت ابناً محبوباً.
اعلمي أن التدبير الإلهي يعمل في حياتنا، لأن ربنا يسوع المسيح له المجد قال: ” أليس عصفوران يباعان بفلس، وواحد منها لا يسقط على الأرض بدون إذن أبيكم ” ( مت 10: 29 ).
لأجل هذا فكل شيء يحدث تبعاً لإرادة الله خالقنا، ومن يستطيع أن يقف ضد إرادة الله ؟، ليتنا نتقبل ما يحدث، حتى نستطيع أن نتعامل مع ما حدث، لأنه بدون هذا فأن نفوسنا ستتحطم، ويا ليتنا لا نطلب تصحيح حكم الله، لأننا ليس لنا قوة لنفهم حكمة قراراته الغامضة.
لعل الله يختبر حبك له، والآن جاء الوقت لتظهري صبرك مثل الشهداء. أم المكابيين رأت موت سبعة من أولادها وهى لم تتأوه أو تبكى، ولكنها كانت تشكر الله الذي نجاهم من النيران وعذابات آلام الجسد، لذلك هي مكرمة من الله ومن كل المؤمنين ( سفر المكابيين ).
أنا أعرف أن التجربة هي عظيمة، ولكني مؤمن أن الله سيعطى المكافأة للذين يتألمون بصبر.
عندما أصبحت أماً، ونظرت إلى طفلك وشكرت الله، عرفت أيضاً أنك سوف تموتي، وإنك ولدت إنساناً لابد أيضاً أن يموت، فما هو الغريب الآن أن يموت من هو لابد أيضاً أن يموت؟ لعل الحزن من أجل من مات قبل الوقت؟ لأننا لا نعرف الوقت المضبوط لولادة إنساناً، ولا نستطيع أن نعرف النهاية المحتمة لحياة هذا الإنسان.
أنظري للعالم من حولك، وسوف ترين إن كل شيء فيه مؤقت، أنظري إلى السماء فهي سوف تتحطم، والشمس التي سوف تسقط، كل النجوم، والحيوانات على الأرض، والأسماك في البحار، وكل شيء جميل، وحتى الأرض نفسها سوف يحدث في لحظة أن تصبح لا شيء.
هذه المعلومة لعلها تعطيك العزاء، لا تفكري في ألمك وأنه غير محتمل، ولكن قارنيه بحالة البشرية جمعاء، فستجدي تعزية عندئذ، وأرجوا أن تضعي زوجك في اعتبارك، وأطلب أن تعزوا بعضكم بعضاً، وساندوا بعضكم بعضاً.
لا أعتقد أن الكلمات وحدها تستطيع أن تقدم العزاء الكافي، ولكن أطلب منكم أن تهتموا بالصلاة في هذه الظروف الحالية، وأنا بدوري سوف أصلى من أجلكم، حتى يلمس الله قلوبكم بنعمته التي تفوق كل وصف، ويضئ قلوبكم بنوره، حتى تعرفوا السبب في موته المبكر فتجدوا تعزية في داخل نفوسكم.
Discussion about this post