الفصل الرابع : الكنيسة و العائلة
وستعرفون الحق و الحق يحرركم
الفصل الرابع: الكنيسة والعائلة
الأسرة كنيسة صغيرة. نرى في العهد الجديد البيوت كنائس، فمثلاً أكيلا وبروسكيلا الزوجان القديسان كان بيتهما كنيسةً يجتمع فيها المؤمنون. لا شكّ أن الأسرة كانت خلية هامة في حياة الكنيسة ولم تزل كذلك، لماذا؟ الزوجان رجل وأنثى من بيئتين مختلفتين كثيراً أو نسبياً، تلاقيا تحابّا تزاوجا أسسا بيتاً، اللقاء بينهما يوميٌ، كلّ منهما يواجه الآخر يومياً، والإنسان معقّدٌ، كلاهما معقّد للإحتكاك اليومي تتبلور أخلاقهما فيقترب أحدهما من الآخر شيئاً فشيئاً حتى تقوم بينهما حميمية كاملة. ولكن قد لا ينجح ذلك، لماذا؟
المسألةُ هنا أضحت مسألة تحليل روحي نفسي. الطفلُ أنانيٌ. القديس مكسيموس المعترف إعتبر الأثَرَ أيّ حب الذات المفرط المرتبط بالجسد هي أم الأهواء جميعاً. الطفل يخرج الى العالم وهو لا يحس إلا بجسمه، يخرج من مكان دافىء إلى مكان آخر، تتبدل الدنيا من حوله، يعيش في جوٍ جديد تحتضنه أمّه ولكنه متمركزٌ حول نفسه، نرجيسيٌ بالتمام رقم واحد، متمركز على ذاته بصورةٍ مطلقةٍ، كل أحاسيسه ترتبط بجسده، ترتبط بطعامه ،ترتبط بلباسه. لا يرى ولا يسمع ولا يحُسّ الا من وراء جسده، جسده هو مركز كل شيء، لا يعرف بعض الاهتمامات ولكنه متمركزٌ على ذاته، أنانيٌ مطلق، يرتبط بدءاً بثدي أمه ولكن بمساعدة الأم والأهل يأخذ بالانفتاح شيئاً فشيئاً فيعشق الثدي ثم يبدأ بعشق أمه فيرضع وعيناه محدِّقتان إلى عيني أمه. سألت نساءٍ عديدات فأكّدنَ وجهة النظر هذه، ولكنه يبقى متمركزاً حول جسده وحاجات جسده. الأم أولا والأهل ثانياً يساعدونه على الانفتاح على العالم وعلى الغير. الطفل حسود غيور ولو كان عمره 9 أو 10 أشهر، والغيرة والحسد مرتبطان بالعدوانية ولذلك هو حسود غيور، ولكن كارِهٌ لأخته أو أخيه إن وُلِدَ في ذلك الزمان. إذاً هناك الأنانية والغيرة والحسد والكراهية والعدوانية. الأم والأهل يعلماه أن ينفتح على الآخرين شيئاً فشيئاً ولكن بصعوبة لأنّه أناني وبخيل وجبان فيخاف من العالم الخارجيّ ومن الغير، وإن أتى البيتَ غريبٌ صرخ خوفاً .
فالعيوب الملتصقة بالطفولة عديدة جداً، وبخيلٌ كبير لا يمدّ يده الى الغير بسهولة، ولا يعطي الغير كسرة خبز بسهولة ولا يعطي الغير قطعة شوكولا بسهولة. أمّه وأهله يدرّبانه شيئاً فشيئاً على الإنفتاح وعلى العطاء. لا يسلِّم بسهولة، يحتاج الأمر إلى التعليم بلطف ليتعود أن يمد يده الى الغير ويسلّم ويصافح الغير. الطفولة معقدة جداً ولكن الطفل صغير وتعقيداته على قدر سنّه، ولكنها كبيرة وعديدة جداً وهي أساس العيوب اللاحقة. الأنانية هي أم الأهواء، أم الرذائل، هي التي تتسبب بمشاكل الكون كله، هذه الأنانية تتعدد ملامحها فيما بعد عندما يشعر أن الغير أكبر منه، يريد أن يكبر ويسود على الغير. فالكبرياء مرتبطة بالطفولة، وحبّ الإستعلاء مرتبط بالطفولة، وحبّ الإستيلاء مرتبط بالطفولة، يريد أن يجذب كل شيء إليه وأن يمتلك كل شيء وأن يحصد كل شيء بنفسه، يريد أن يمتلك أمه برمتها، يغار من أبيه يغار من إخوته يغار من الأهل، الغيرة سمّ، وعاهةٌ مشحونة بالحقد والعداء والكراهيات، واليوم الغيرة مرض مستعصٍ في الإنسان. مَنْ لا يغار؟ وإن إختفت الغيرة بسبب الكبت فهذا لا يعني أنها قد صارت أدراج الرياح، الغيرة ترافق الإنسان من المهد الى اللحد ولا يخلصنا منها إلا الله وحده، وهي كاملة في اللاشعور.
في الطفولة تنشأ في اللاشعور مشكلة التضاد أي الحب والكراهية، يحب الثدي ويعضّه، يمتصه ويريد أن يبلعه ويمتص الحليب بشراهة فائقة، هذه الشراهة نوع من العدوانية، وفي العدوانية غضبٌ، الطفل غضوب يغضب كلما عُوكِسَ في أمرٍ من الأمور، والطفل طمّاع إن أمكنه ابتلع الكون برمته. أمّا البُخل فمشكلة كبيرة جداً. ترك الجاحظ كتاباً في البخل فيه المسلّيات الكثيرة لا يخلو من الظرافة أبداً، والغريب الغريب أن يوجد أُناس بخلاء بهذه الصور والكاتب الفرنسي المشهور موليير ألّف رواية هرباغونHarpagon البخيل. البخل يأخذ صور عديدة في الحياة. تاجران شريكان أَشعل أحدهما الثقاب ليشعل لفافة التبغ فانتهره أخوه :لماذا لم تشعل سيجارتك من سيجارتي، قد يأتي يومٌ تحتاج فيه الى هذا الثقاب. فكلّ ما رواه الجاحظ عن البخلاء لا أظن أن فيه حادثة تشبه هذه الحادثة، ما قيمة الثقاب اليوم؟ وهل هناك نقص في أعواد الكبريت؟ وهل هناك أرخص من ثقاب الكبريت؟ ولكن هو البخل. قد يصل البخل الى درجة تغادر الزوجة والأولاد البيت ويتركون الرجل وحده يعيش على النواشف ولا يبالون به لأن العيش معه مستحيل. وقد يكون البخيل كريماً ولكن أين كَرَمه؟ بالإنفاق على ملذاته وشهواته. ولذلك ليس الإنسان ملاكاً، الانسان معقدٌ جداً. الإنجيل هو الذي حسّن أخلاق الناس بنسبٍ مختلفة ولا نزال في المشكلةِ نفسها لأنّ كلّ مولودٍ يشبه المواليد منذ بداية التاريخ حتى اليوم.
الرقي الإجتماعي في الأسرة وفي المجتمع مهّد عبر التاريخ إلى إنفتاحٍ معيّن، يختلف جداً في حياة كل إنسان من لحظةٍ إلى لحظة، وبحياة المجتمع من لحظة إلى لحظة، ولكن في النهاية الإنسان أناني. قد تختفي الأنانية بسبب التربية بصور مختلفة ولكنها تبقى في اللاشعور وتظهر في الحياة بصور مختلفة. هذا التضاد في اللاشعور يخرّب العلاقات البشرية، قد ينتقل هذا التضاد إلى الحياة العامة، من الأمثال التي نلاحظها في العالم كله مثلاً التعصّب الديني والمذهبي، يتعصّب المرء لمذهبه أو لدينه ويكره المذاهب الأخرى والأديان الأخرى، يتعصّب لوطنه ويكره الأوطان الأخرى يتعصّب لعشيرته ويكره العشائر الأخرى، يتعصّب لحيّه ويكره الأحياء الأخرى، يتعصّب لمدينته ويذمّ المدن الأخرى، ما علينا إلا أن نراقب ذلك كثيراً لنشاهد في حياة الناس جميعاً ألوان من هذا التضاد، الحب والكراهية. أُحبّ الحي الذي أسكنه وأكره الحي الآخر، أُحب جاري فلان وأكره جاري فلان، أُميّز بين صديق وصديق، أستلطف بعض الناس وأشمئذ من البعض الآخر، أُحبّ صديقي فلان وأراقبه على الدوام وأنتقده. ففي الحياة تناوب هائل بين الحب والكراهية، بسبب التضاد الكامد في اللاشعور يخرج من اللاشعور بصور مختلفة، ولكنه موجود.
بعد 20 سنة من شفائي، فتاة أخذت تشكو لي من إخوتها، بالرغم من لطفها ومحبتها وحنانها وسخائها، وتكرَّرَ الأمر أكثر من مرة وكانت قد وصلت إلى درجة ممتازة في الفهم النفسي والعمق، قلت لها في آخر لقاء: أنتِ صرتي قادرة على التحليل الذاتي، هذه الشكاوى مرتبطة بطفولتك، في الطفولة كانت بينك وبين إخوتك محاسدات وإضطرابات وشيء من العداء فتستطيعين أن تتذكّري جيداً لتنبشي هذه العقد القديمة وتعرفي أن محبتك هي تغطية فقط وأن في اللاشعورك العميق ما زالت هناك آثار للعداوات والمشاحنات. لم أَرها بعد ذلك لأعرف إلى أين وصلت في تحليل ذاتها. فتطهير اللاشعورعملية قاسية عسيرة لا تتم إلاّ في القديسين والقداسة، لا تتوفر للإنسان إلا بعد حروب روحية مريرة ضد الأهواء والرذائل.
إذاً الأثرة أمٌ للأهواء، الكبرياء الطمع البخل العداوة الأنانية المطلقة الطمع حبّ الإستعلاء حبّ الرئاسة الغضب الغيرة الحسد والبخل له أنواع عديدة جداً، والطمع له أنواع عديدة جداً، فمهما عددنا من الأهواء فالحصر عسير. والأناني الكبير هو جبانٌ كبير يخاف على صحته يخاف على بَدَنه يخاف على أمواله يخاف على أحواله. الخوف مرافق للأنانية وإن بدا أحياناً شجاعاً ومقداماً ومحارباً فلأسبابٍ تعود لأنانيته، وكثيراً ما يكون الأناني مصاب بالوسواس الصحي، والوسواس الصحي مرض حقيقي، فتراه هذا الأناني الكبير مهتماً بالأكل والأبحاث الصحية والدراسات الصحية وتطبيقها على حياته اليومية ومُوسوس بشأن صحته.
والأمراض النفسية الناتجة عن الأنانية عديدة جداً، والطمع مرض مشهور، والأناني يفشل في الزواج الحقيقي لأنّه يعجز عن بذل ذاته إلاّ لمصلحته الذاتية أي نفاقاً وكذباً، فالنفاق والكذب عند الأناني المطلق واردان أيضاً، المكر والخبث والإحتيال والمراوغة، كذلك الأثرة تدخل في كل العيوب في كل الخطايا. ما من خطيئة لا علاقة لها بالأنانية، كل تصرّف باطل أناني تصرفاتنا برمتها مبنية على الأنانية وإنّ إتخذت شكلاً خيرياً أخلاقياً، كل هذا للظهور. الفرّيسيّون عشاق الظهور، أنانيون. الموضوع يستغرق مجلداً كبيراً إن أردنا التفصيل ولكن هذا المرض هو المرض الروحي رقم واحد. كيف نخلص منه؟ الخلاص منه عسير بدون الحياة الروحية. الإنسان الروحاني فقط هو الإنسان الذي يتطوّر ليصير إنساناً قادراً على بذل ذاته، الأناني لا يبذل ذاته أبداً إلاّ حيث يؤمّن لنفسه مصلحةً، هو رجل مصلحجي رقم واحد، المصلحة هي التي تحرّكه، ما نوع المصلحة؟
أنواع المصلحة لا تعدّ ولا تحصى، حسب الظروف هو يخترع لنفسه الاسباب ليخترع مصلحة لنفسه. كل تحركاته وأفكاره تدور حول المصلحة، ولكن التربية الدينية المسيحية تحوّل هذه الأهواء وتحوّل الأنانية إلى عطاء. فالشهداء القديسون الذين ضحّوا بحياتهم من أجل المسيح ما ضحوا بذلك إلاّ حبّاً بالمسيح وخروجاً من أنانيتهم. على الإنترنت بالإنكليزية بحثاً في شهداء الأرثوذكسية في القرن العشرين يزيد عدده على 45 و50 مليون والإحصائية غير نهائية. كيف مات هؤلاء من أجل المسيح ولا مصلحة لهم في العالم إلا الفوز بالملكوت السماوي الأخير؟ وهل لمسنا الملكوت السماوي الأخير؟ لم نلمسه ولكنّ نؤمن به. آمنّا بالمسيح فآمنّا بأقواله، يسوع قال إن الأبرار سيكونون شموساً مضيئة في ملكوت السماوات، آمنا بهذا الكلام فنعيش على هذا الأساس.
المؤمن الحقيقي يتمنّى من كل قلبه أن يموت شهيداً من أجل المسيح لكي يصبح شمساً مضيئة في ملكوت السموات. هذا الخروج من الذات المطلق في الشهادة هو أعمق ما في المسيحية، يموت من أجل شيء لا يراه ولا يلمسه ولا يحس به ولكنه آمن بيسوع وآمن بأن يسوع صادق وآمن بهذا الوعد الإلهي العظيم. فالشوق إلى ملكوت السماوات هو الذي يجذب المسيحي إلى المسيح والآخرة.
لنعد الى الموضوع إذاً الزوجان خليّة أولى من خلايا الكنيسة، إن أحسنت الكنيسة والأهل تربيتهما مال أحدهما إلى الآخر بنسب مختلفة، حياتهما المشتركة مَيدان كبير لإختبار التضاد فيتدافعان حيناً ويتجاذبان حيناً أخرى، وإذا كانت القوة فيهما للتجاذب تغلّب التجاذب على التضاد وعلى الكراهية والعدوانية والسلبيات، هذا يحتاج إلى جهاد كبير، فالزواج صليب كبير للزوجين، وامتحان كبير للزوجين لهما مصلحة في العيش المشترك. الزوج بحاجة إلى زوجة والزوجة بحاجة إلى زوج ليعيشا معاً ويتنادما ويتحابا ويؤلفان أسرةً ويتركا نسلاً ويتساعدا في شؤون الحياة ويسدّ كلّ منهما الفراغ عند الآخر، ففي كل إنسان فراغ وجودي كبير جداً، المرأة تسدّ هذا الفراغ في حياة الرجل والرجل يسدّ الفراغ في حياة المرأة، والمرأة أشدّ شعوراً بالحاجة إلى الرجل من الرجل إلى المرأة، فالرجل قد يضيع وقته هنا وهناك، ولكنّ المرأة تكون غالباً في البيت فلا تخرج إلى الأسواق والشوارع مثل البنات الخليعات، البنت المحافظة تبقى في البيت إجمالاً ولذلك تشعر بالفراغ والحاجة إلى الصديق. ولذلك فالزواج يسدّ في حياتها فراغاً كبيراً تخلص من سلطة الوالدين وأوامرهما لتلتقي رجلاّ يصادقها ويصبح صديقاً، الآباء والأمهات يعجزون في أغلب الأحيان عن مصادقة الأطفال والأولاد، وتجد الفتاة في الرجل صديقاً مجانساً لها فيقع تجانس بينهما.
التجربة مُرّة لا بدّ من الصبر، والصبر مسألة روحية مهمة جداً لا يأتي إلا بالتمرس الكبير، والصبر مرتبط بالمحبة، الإنسان العادي غضوب يُنَرْفز كثيراً ويضجر كثيراً وهو ملحاح كبير، والأناني ملحاح أكبر فلا بدّ إذاً من الصبر الجميل، واللطف مرتبط بالمحبة أمّا الخشونة فمرتبطة بالعدوانية والكراهيات، العنف مرتبط بالعدوانية فبالزواج تظهر السلبيات. والخلافات الزوجية معروفة، وفي أيامنا هذه تزداد الخلافات الزوجية بسبب المناخ العام العالمي الذي جعل الحياة الزوجية برودةً لا حرارةً، حرارة المحبة تنخفض في العالم، إسترجال النساء مضرّ جداّ، لماذا؟ لانّه يُضعف لديهما حرارة المحبة، حرارة الحاجة إلى الآخر.
الحرية بالمفهوم المعاصر سِمّ قاتل لأنها مرتبطة بالفردية والأنانية. نعم الحرية تعني اليوم الإستقلال عن الآخر، والحرية تعني الانفصال عن الآخر تعني الوقوف تجاه الآخر موقفاً متميزاً جداً. الحرية اليوم تعني التّمركز على الذات، الأنانية فيها واضحة جداً جداً، وتؤدّي الحرية اليوم إلى الفتور في العلاقات البشرية وإلى إستقلال الناس عن بعضهم بعضاً وبالنتيجة إلى تحوّل الحب البشري والعلاقات البشرية إلى مصلحة. فعلاقات الناس اليوم بعضهم ببعض علاقات مصلحة، والمعاملة بالمثل صارت هي القاعدة بينما في المسيحية بذل الذات هو الأساس. الفردية خطر كبير يجمّد العلاقات الإجتماعية ويقتل حميمية الحياة في الأسرة. فإذا كانت المرأة حرة والزوج حرّاً والأولاد أحراراً فأين المحبة؟ وأين الأصول الدينية؟ وأين التأثير الديني؟ وهل ينجذب الأولاد إلى أمهم أو إلى أبيهم كما يجب؟ أما ينفلت الأبناء من تراث الآباء والأجداد وينخلع الناس إنخلاعاً كبيراً، ويغرق الناس في الأنانيات والمصلحيات والفساد؟ فلماذا يَكثر الطلاق؟ لأنّ الروابط العائلية غير موجودة وصار الزواج في بعض الأمكنة وبخاصة في بعض البلاد معاشرة، تنفكّ المعاشرة في أيّ مناسبة كانت ولأي سبب كان، لا يعرف الرجل لماذا إنفصلت المرأة ولا تعرف المرأة لماذا إنفصل الرجل، طبعاً التضاد هو الأساس في هذا التدافع وبفقدان الجاذبية.
الجنس وحده لا يؤسس جاذبية دائمة، الجنس يمرّ في أطوارٍ عديدةٍ جداً وتختلف أحواله من إنسان إلى إنسان ولذلك لا يصبح أساساً لرابطة أبدية بين الزوجين، هو عنصر من عناصر الترابط الزوجي ولكنّه ليس كل شيء، وبعد أشهر من الزواج تصبح الرابطة الروحية هي الأهم من الرابطة الجسدية. الروح دائماً هي الأساس، الرابطة الروحية أبدية خالدة، الرابطة الجسدية تتفكك وتهترء لألف مليون سبب وسبب، ولذلك الخلافات الزوجية تحتاج إلى معالجة نفسية روحية في آن واحد لمعالجة التضاد الذي يفرّق بين الزوجين ويجعل أحدهما يكره الآخر أو يشمئِزّ من الآخر أو ينفُرْ من الآخر. طبعاً هناك ملايين الأسباب القائمة في نفس الزوج ونفس الزوجة للتنافر والتحابب لا يمكن إحصائها في كتاب ولا في شيء. كل حالة زوجية لها ملفها الخاص وظروفها الخاصة. لا ندري كلّ ما يتعلق بأطوار الإنسان الإنسان يختلف بين وقتٍ وآخر ثم يتطور بإستمرار سلباً وايجاباً. التضاد يعمل في تخريب حياة الإنسان في علاقاته مع الغير ولكن يبقى الزواج خليّة ممتازة للحميمية البشرية.
في الفصل 7 من رسالة كورنثوس الأولى جسد الرجل لإمرأته وجسد المرأة لزوجها، وطبعاً كما في كورنثوس الأولى وفي كل العهد الجديد يكون هذا بطهارة وقداسة وإحترام متبادل. فعلى الزوجين أن يحترم أحدهما الآخر وأن يكون دائماً أحدهما معجباً بالآخر. الروابط المادية بينهما كبيرة ولكن يجب أن يتجاوزا الروابط المادية والمعيشية إلى الروابط الروحية، إلى الحب الصافي الطاهر النقي المَكْوي بالروح القدس، وحينذاك يعيشان عيشاً إلهياً، عيشاً روحياً سالماً خالياً من المفاسد. الزواج امتحان كبير روحياً ونفسياً وجسدياً، المساوىء التي تتولد أثناء العلاقات الزوجية لا تُعدّ ولا تحصى ولكن بالمقابل الإيجابيات هي أكثر، وفي البلاد المحافظة الترابط بين الزوجين قوي جداً، إنّما حيث تنهار الروابط البشرية ينهار الزواج ويضحي الزواج معاشرة مؤقتة. تتزوج فلانا سنةً سنتين ثم يغادر كلٌ منهما الآخر ليفتش عن زوج جديد وزوجة جديدة وتنتهي الحياة سخيفة بلا طعم ولا لون ويعيش الإنسان هكذا دون قوام روحي. المطلّقون والمطلّقات ماذا لهم من الحياة الروحية؟
لا حياة روحية، طبعاً هناك البعض. عقود الزواج المريضة، هناك مرضى عقليون ومرضى نفسيون، هناك أزواج لا يطاقون وهناك زوجات لا تُطاق. في كتاب دانيل لاغاس Daniel Lagache “la jalousie amoureuse” حصص ونوابر عن الغيرة التي تؤدي إلى الأزمة. هناك أزواج غيّرون، هناك زوجات غيّورات، والغيرة تُربك الحياة الزوجية وتفسدها، بعض الغيورين وبعض الغيورات لا يمكن أبداً أن يحتملهم المرء. بعض الأزواج يعذبون الزوجات تعذيباً أليماً ويصبحون ساديّين، وبعض النساء لا يمكن للزوج ان يتحمّلهن هناك مثلاً المصابون بالبسيكوباتيا، والمصابون بالبسيكوباتيا لا تستطيع الزوجة أن تعيش معهم طويلاً. عام 1974 عرض عليّ المثلث الرحمان الأسقف الياس نجم دعوة أقامتها إمرأة على زوجها، قلبتُ الصفحة الأولى فوجدته مصاباً بالبسيكوباتيا، وصفته لها فإستغربت كيف أنني أعرفه ولكنني لم أسمع به ولم أعرفه فالحياة معه جهنم ولا تُطاق أبداً قطعياً ولذلك الحياة مع أزواج من هذا النوع تنتهي بالإنفراط حتماً لأن الحياة معهم مستحيلة.
قومٌ يعذّبون المرأة، أحدهم كان يعذّب زوجته تعذيباً هائلاً جداً فتركته، أحدهم خطير جداً، ولا شفاء للبسيكوبات ولا دواء له أبداً وقطعياً وتصرفاته غريبة جداً وأنانيته غريبة جداً، وهو رجل غير قابل للشفاء. ولذلك فالحياة الزوجية ليست في كل الأحيان نعيماً. ولكن في أغلب الأحيان طبعاً الحياة الزوجية ضرورية ومفيدة للإنسان، وأفضلّ دائماً أنّ يلجأ الشباب إلى الزواج الباكر أيّ ليس زواج الأطفال، الزواج الذي يستطيع معه الزوج أن يعيش مع الزوجة بشرف وإحترام وخدمات متبادلة، لا أقصد بالزواج الباكر زواج 15 و17 سنة يعني أن لا يُضيع الشاب حياته في العبث طويلاً أو قصيراً أو قليلاً. الأفضل من العبث أن يتزوج ويعيش مع الزوجة حياة شريفة طاهرة في أمانةٍ زوجية كاملة في عشٍ زوجيٍ قائم على الوفاء والإخلاص والمحبة والوئام والصدق والصراحة والشفافية.
بسبب التضاد يعتري الحياة الزوجية النقد والشك والظلم الخبيث والمراوغة والكذب، وهناك عيوب كثيرة، أمّا إذا كان الرجل والمرأة متّفقان على الشفافية الصحيحة فيرتاحان كثيراً جداً. الشفافية مهمة جداً جداً، ولكن ما العمل؟ الإنسان لا يستطيع أن يكون شفّافاً مئة بالمئة مع الآخرين لأن سوء الظن والشكّ وإلى آخره يدفعان الإنسان إلى ملاطفات سخيفة، إلى شيءٍ من الكذب، الى شيءٍ من الرياء. الحياة معقدة جداً والمهمّ في الزواج أن يكون الزوجان مُنصفان مُعادلان. الظلم من شِيَم النفوس كما قال المتنبي: “سبب الخطيئة في الإنسان إستعداد للعدوان للظلم للنقد للتجريح للاحتقار للتكبر للتعجرف للعنجهية للأذى بأيّ صورة ما من الصور”. مهما أسرفنا في اللّطف يبقى في اللاشعور أشياء غير سليمة، يبقى في اللاشعور أشياء ضدّ الآخر مثلاً الحسّاسون اللطفاء المفرطون في الحساسية واللطف، هؤلاء سريعون إلى الشك إلى الرَيْبَة لا يتجاسرون على التعاطي مع الغير بصراحة، تارةً خوفاً من أن يجرحوا مشاعره وأن يؤذوه وأن يظن السوء فيه، يركّبون في رؤوسهم تراكيب ما أنزل الله بها من سلطان. الإنسان معقّد جداً. التربية المسيحية الحقيقية الصالحة هي التي تجعل الإنسان شفّافاً صريحاً واضحاً صادقاً مستقيماً عادلاً منصفاً صريحاً.
إذاً فلنَعُدْ إلى المحبة.
المحبة في الحياة الزوجية هي الهدف الأسمى ولكن يجب ان تتطهّر المحبة من كل السلبيات التي يتسبب بها التضادّ. يجب ملاحقة التضاد، إن إختفى من الوعي ظهر في الأحلام، بعض الأحلام التي يرويها الناس تضحكني في السرّ أحياناً ولكن أكتشف فيها التضاد. أحدهم روى لي مرةً حلماً من أحلامه، التضاد فيه بلغ ذروته، الحب والكراهية فيه ممتزجان بشكل كبير جداً، وسواه روى لي أحلام أخرى. أسمع كثيراً احلام الناس، لا أفسرها لهم لأن ذلك ممنوع خارج عمليات التحليل النفسي. ولكن الأحلام تكشف اللاشعور. وقال فرويد الحلم هو الطريق الملوكية الى اللاشعور، ما لا نود فعله في اليقظة يظهر في الأحلام. روى لي أحدهم أحلام أحد الناس، تنطوي على الغرائب والعجائب. قصص الأحلام ومشاكلها هائلة جداً جداً، هي التي تكشف لنا عمق أعماق الإنسان. الكبت يوثر كثيراً في رمي المكبوتات في اللاشعور. التهذيب والرقي والمدنية والحضارة يؤثر كثيراً في إختفاء الأمور من اليقظة والإختفاء في اللاشعور، والمهذبون والمتمدنون هم الذين يخفي لاشعورهم أشياء كثيرة بسبب الكبت. الكبت لا يحلَ المشاكل بلّ يُعقّدها، الذي يحلّ المشاكل هو الصراحة الكاملة، الوضوح الكامل والشفافية. الإنسان الواضح الشفّاف الصريح يرتاح كثيراً من مشاكل اللاشعور، يركّز كثيراً على الشفافية لأن الشفافية تزيل الإزدواجية في الانسان، والإزدواجية في الإنسان سرطان خبيث جداً جداً.
فلنعد إذاً إلى الحياة الزوجية أيضاً.
المحبة الشفّافة الواضحة الصريحة الكاملة الطاهرة النقية هي الأساس والباقي مخفيات اللاشعور. الصراحة والشفّافية يساعدان المرء كثيراً على الخلاص من متاعب اللاشعور. ولكن هل يستطيع الزوجان ان يكونا صريحين مئة بالمئة في كل الأحوال؟ لا. الجاذبية الروحية مهمة جداً، الجاذبية الجسدية تمرّ في أطوار وقد تتلاشى، أمّا الجاذبية الروحية فتبقى حتّى بعد الوفاة، فيبقى كل منهما مرتبطاً بالآخر. وفي الحقيقة الرابط الأساسي للزوجين هو ربنا يسوع المسيح، فإن كانت الزوجة والزوج مرتبطين إرتباطاً متيناً بيسوع المسيح كان إرتباطهما متيناً جداً، فالنعمة التي أخذاها في الإكليل تفعل فيهما إن إستمرّا في التقوى والعبادة الحسنة. يسوع وحده الضمانة الكافية لإستمرار الحياة الزوجية في سلام وآمان. بدون يسوع المسيح كل الأمور زمنيّة.
كيف يتبدّل الطقس بين لحظة وأخرى؟ كيف رياح الصحراء تتغير بين لحظة وأخرى؟ هكذا حياة الإنسان، فالإنسان مثل رمال الصحراء تحرّكه الرياح شرقاً شمالاً جنوباً في كلّ الإتجاهات. يبقى يسوع وحده العامود الذي لا يتزحزح أبداً القائم في القلب بدون تزعزع. يسوع وحده الذي يُحيي قلوبنا بثبات دائم كالعامود الراسخ الذي لا يقع، بدون يسوع المسيح كلّ التقلّبات ممكنة، متى يخون الزوج؟ متى تخون الزوجة؟ متى يُثبت متى تُثبت؟ متى يندفع نحو الخير؟ متى تندفع نحو الخير؟ في النتيجة يسوع المسيح هو الضمان الوحيد. ولذلك فالأفضل لطلاب الزواج أن يفتّشوا عن إنسان تقيّ، فالمرأة الفاضلة التقيّة مَنْ يجدها كما قال صاحب الأمثال. هي أفضل من اللآلىء الثمينة بمليارات المرات، ولذلك على الرجل أن يفتّش عن المراة الصالحة فيعيش في كنفها عيشاً شريفاً سعيداً. الجمال يفنى المال يفنى الحال يفنى أمّا التقوى فباقية إلى الأبد، فالمراة كذلك عليها أن تسعى نحو الإنسان الجيّد نحو الرجل الجيّد الذي يحبّها بإخلاص وشرف وأمانة ويعاملها معاملة حسنة. بولس الرسول طالب الزوج بأن يبذل نفسه من أجل زوجته كما بذل المسيح نفسه من أجل الكنيسة، طبعاً بالمقابل وإن لم يذكر بولس ذلك يجب على المراة أن تبذل ذاتها من أجل زوجها، لم يُوْصِها بولس بذلك لأنّ من طبيعة المرأة أن تبذل ذاتها في سبيل زوجها وأولادها، هذا مهم جداً جداً. فإذاً الحياة الزوجية تقوم على بذل الذات في المسيحي سوى ربنا.
لا بدّ هنا من إشارة الى مساوىء التربية أيضاً. الأهل يدلّلون الطفل كثيراً، عندنا هذا الدلال مضرّ، المهم أن نربّي الولد تربيةً صالحةً للعيش في المجتمع، في الكنيسة. التدليل المفرط يؤدّي الى أنانية مفرطة لذلك التدليل والأنانية مرتبطان إرتباطاً وثيقاً، وهذا مضرّ جداً يجب الإعتدال في التدليل والإهتمام بشخصية الطفل لينمو إنساناً سليماً ناضجاً ونافعاً ومحباً ومخلصاً ومستقيماً. العطاء المفرط مضرّ، تعويد الأطفال على الصوم والصلاة والسجود والحرمان مفيد جداً. الحرمان يقوّي شخصية الطفل بينما العطاء الزائد يجعله مائعاً أنانياً لا يعترف بالجميل. نكران الجميل مرض هام، طبعاً هو مرتبط بالتضاد، تُحسن إلى فلان فيقابلك بالسوء، والسبب التضاد.
في المحاماة خلال 62 سنة من الإندماك في المحاماة والحياة الإجتماعية رأيت أشكالاً من نكران الجميل غريبة جداً. رجل أنقذته من الموت فلم يأتي اليّ شاكراً، أُناس أنقذتهم في المحاكم ما إعترفوا بالجميل، وبعضهم ذمّ لي، ولو وقعوا في يدّ محام آخر لكانت نتيجتهم سيئة، لطار رأس أحدهم لطار رأس إحداهنّ والى آخره. في الوقت الذي كُنت أخدم فيه بعض الناس كانوا يتذمرون عليّ. في إحدى المرّات دعوت إنساناً في دعوة فإذا به ينفر ويلومني ويكلمني كلاماً سخيفاً، تركته وشأنه نخدم الناس فيذمونا. في الوقت الذي كنت فيه أخدم فلاناً كان هو يتعاون مع خصومه، نكران الجميل له في حياتي تاريخ طويل كبير. أحدهم أنقذته من الجناية بصعوبة هائلة وبِدِفاعات عسيرة جداً لدرجة أن رئيس المحكمة قال للعضو: أنت صديق اسبيرو تفهم ما يكتب أكثر مني فاكتب أنت قرار الحُكم، فكتب قرار الحكم، وكان قد وكّل محامياً آخر في الجلسة الأخيرة فرفضت المحكمة أن تسمع دفاعه ورفضت الحكم وخرج من السجن، فإذا به يذمّني، أنقذته من جناية ورأى بعينه تصرّف المحكمة كيف رفضت دفاع المحام الآخر وقالت له إنتهت الدعوة وأغلق كل شيء ونفر الحكم فإذا في الحكم يحوي على 4 سطور يأخذ من دفاعي حرفياً، وذمني الرجل. إن أردت الإستفاض في تحليل الإنسان إحتاج الأمر الى عمرٍ جديد ومع ذلك أنا أؤمن بالانسان وبقدرة الانسان على الصلاة، ولكن ويا للأسف الشديد الإنسان هو نفسه ينتحر روحياً. الإنتحار الروحي هو عمل الانسان، نسبّ الشيطان ونتّهم الشيطان ولكن لا أستطيع أن أُنْكر أن الإنسان نفسه يميل الى الشرّ منذ حداثته كما يقول الفصل الثاني من سفر التكوين. في كتابي “الإعتراف والتحليل النفسي” أمور عديدة متعددة.
آباءنا القديسون فهموا النفس البشرية وعالجوها معالجة دقيقة وأثبتُّ في الكتاب المذكور أنهم سبقوا فرويد في ستة عشر قرناً، فالإنسان ضعيف جداً وأنا لا أنخدع بمظاهر التهذيب والحساسية واللطافة، أنا أنظر إلى أعماق الإنسان، أعماق الإنسان معقدة جداً جداً. يوحنا السلمي ذكر الوُدَعاء والهادئيين والأطهار بالطبيعة ولكنّه قال إن هؤلاء لا يجاهدون روحياً وتعجّب من أمرهم ولم يعرف سبيلاً لفهمهم، فقال مَنْ عنده علم بذلك فليوافنا به. بنظام التحليل النفسي اليوم صرنا نفهم هذه الحالات التي تعود إلى كبتٍ باكرٍ في الطفولة، أسباب تربوية سخيفة تؤدي إلى أنّ العدوانية عند الإنسان والغضب يختفيان، وبإختفائهما تختفي الطاقات الفعّالة النفّاذة عند الإنسان فيصبح هادئاً طاهراً صامتاً وديعاً في الظاهر ولكن لا يتقدم روحياً ولا يبدو عليه النشاط الروحي ولا حرب داخلية لديه ضد الأهواء والشرور.
التربية هي التي تؤثّر في الإنسان. صدمني مرة صديق لزيارة أربعة إخوة يعرفهم ويحبّهم ولكنّهم ليسوا بمائعين بالضبط ولكن بلا همّة بلا نشاط، ذهبت معه إلى البيت فوجدت الأم سيدة محترمة ولكنها متسلّطة جداً على أبنائها، ومتسلطة بدون عنف وجبروت وقسوة، وبضراوة خرجنا وقلت هؤلاء يحتاجون الى معالجة نفسية فنية صحيحة، قلت لديهم القوة الحيوية التي تدفعهم الى النشاط في الحياة. أتاني مرةً عزيزٌ يَطلب إليّ أن أرافقه إلى دير الصليب لعرض مريض من معارفه على الأطبّاء فقال له صديقٌ كبير، دَعْ اسبيرو يره أولاً، ذهبنا لرؤيته، فرأيت أمه فقلت له أمّه هي سببه، أخذت الشاب ألى الدكتور إسكندر حبيب، إعتنيت به أثناء الذهاب فصحّ التشخيص، طلبني الدكتور إسكندر فقلت له أمه هي سببه، متسلطة عليه لدرجة أنه لا يتكلم إلا إذا نظر إليها، يريد أن تلقّنه الكلام فأضحى إنساناً فاشلاً بدون أيّة حيوية بدون أيّة نخوة بدون أيّة جرأة، فالتربية في البيت مهمة جداً، الأم مهمة جداً. فاذاً أعود الى مقولتي: “الأم هي الرسول الأول”، إن أحسنت تربية الأولاد أعطتنا قديسين وإن لم تحسن التربية أعطتنا ما لا يعلمه الا الله. فأؤكّد أن الأم هي الرسول الأول والأخت في البيت مهمةً إن حسنت تربيتها، الأخت عندها كفاءة للتأثير على أبيها وإخوتها الشباب، إن كانت فتاة نموذجية ما يستطيع الأب الجاف أن يتخلص من لطف إبنته ولا يستطيع الأخوة الجافون أن يتخلصوا بسهولة من لطف إختهم. هذا مُجرّب، الأخت الحسنة التربية والقوام الروحي الناجح تؤثّر في البيت كثيراً حتى تؤثّر على أمها، أمها ربتها تربية حسنة فتعود هي بالنتيجة بالتأثير على أمها وعلى البيت برمته.
ولذلك على الكنيسة أن تهتمّ بتربية الصبايا والنساء وأن تعتمد عليهم لنشوء مجتمع مسيحي ناجح وكنيسة ناجحة. الحب الحقيقيّ مغروس في النساء أولاً لأن المرأة أمٌّ والأم كائن حنون لطيف، نحن مدينون لها بالوجود وهي التي أرضعتنا وربّتنا وإعتنت بنا، فإذاً بحنانها وعطفها تستطيع أن تجعل البيت فردوساً أرضياً وأن تجعل الكنيسة فردوساً أرضياً.
والأرثوذكسية منذ القديم تعتني بالنساء، قال كاتب فرنسي في المرأة البيزنطية القديمة هي صَدْرُ البيت تعتني بزوجها وتربّي أولادها وتعلّمهم، ومازالت المراة الأرثوذكسية إلى حدٍّ كبير هي عامود البيت. ففي رومانيا مثلاً النساء يلعبن دوراً مهماً في حياة الكنيسة الرومانية. وفي روسيا كانت النساء تلعب دوراً هاماً في حياة الكنيسة، وخلال القرن الماضي نفسه لعبت النساء في روسيا أهمّ الأدوار وأثّرت في روسيا أبعد الآثار في تاريخ روسيا كلها. فعلينا إذاً أن نهتم بالأسرة، الأسرة هي الخليّة الأولى في الكنيسة. على الكنيسة الأرثوذكسية في العالم كله أن تقود العالم المسيحي إلى الإعتناء بالأسرة. الكنيسة الارثوذكسية في العالم تستطيع خلال سنوات أن تبدّل وجه أوروبا وأميركا، وتعيد النساء إلى الكنيسة وإلى الحياة الزوجية الشريفة المستمرّة الخالية من نكبات الطلاق وتشريد الأطفال والعيش (الفلتان). أين يذهب الزوج وتذهب الزوجة بعد الطلاق؟ وما مصير الاطفال؟ ما هذا المصير الأسود؟
ذَكرتُ إسترجال النساء، إسترجلت النساء في إسكندينافيا، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة إنعدام الحياة العائلية. إسترجلت النساء وتخنّث الرجال وصارت الحياة عادية بدون دعم روحي بدون محبة حقيقية عميقة. يعيش الإنسان لجسده ولدولته ولا يعيش لربّه ولا لنفسه في النتيجة، ولا مجال هنا لتحليل نفسي مطوّل لهذا الأمر. فلديّ معلومات عن هذا الأمر ومفاسده. تبقى الكنيسة الأرثوذكسية من هذه الناحية خبيرة عالمية لحياة زوجية ناجحة وحياة روحية عميقة جداً جداً فالعالم المسيحي كلّه اليوم يعرِف أنّ الروحانية العميقة هي موجودة في الميلاد الأرثوذكسي في أوروبا، وهناك علم عام لما للكنيسة في رومانيا من أثر كبير في حياة الشعب في رومانيا، فالشعب في رومانيا متمسّك بكنيسته بقوة هائلة وكنيسته هي أهمّ إهتماماته، فالكنيسة في نظر الإنسان الروماني هي أهم شيء في حياته.
Discussion about this post