الفصل السابع: ديانة خاصة
وستعرفون الحق و الحق يحرركم
الفصل السابع: ديانة خاصة
رأينا في الفصول السابقة بإختصار كيف أنّ التاريخ سار إلى يسوع المسيح في سبل مختلفة:
1- إمّا عبر أشخاصٍ تاريخيين مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب وإبن يهوذا… ويسمّى وإبنه داوود…حتى مريم العذراء.
2- عبر لرؤيات الأنبياء والأنبياء عديدون، إنّما أصحاب الكتب منهم هم الأربعة الكبار أشعيا وأرمياء وحذقيال ودانيال و12 الصغار عاموس… الى آخره.
3- عبر طقوس خيمة الإجتماع في البرية وسواها والهيكل في أورشليم فيما بعد، هذه الطقوس الدينية المعقّدة القائمة على الذبائح والدم وعلى رش الدم معقدة جداً وذات طقوس معقدة جداً وكلها إيحاءات وإيماءات إلى ذبيحة الصليب.
4- عبر ناموس موسى وفيه وصايا أخلاقية وقوانين مدنية وتعاليم متنوعة وشرائع. كل هذه تصبّ في قناةٍ واحدةٍ هي قناة الوصول إلى يسوع المسيح، الله له المجد يتنازل لضعف الإنسان البشري، فالإنسان ضعيف جداً، فكل هذه الأساليب وسائل تقرّبَ بها الله من الضعف البشري ليقبلوا السرّ العظيم، سرّ الأسرار، سرّ التجسد الإِلهي، هذا السر دوّخ التاريخ وأثار غضب التاريخ على المسيحيين، فكلّما كان يسوع يحاول التلميح إلى ألوهته كانت تقوم قيامة اليهود بالغضب حيناً وبالسعي للرجم حيناً آخر وفي النهاية صلبوه وسخروا به كشخص وبإدعائه الألوهة وشتموه وجّذّفوا عليه ما شاؤوا.
كل هذه الصعوبات ناتجة عن سقوط الإنسان آدم الأول وزوجته حواء فأضحى عقل الإنسان مفتولاً فتلاً غريباً جداً، لا يقرّ له قرار، ويمنطق الأمور على هواه كيفما شاء، لا يصل إلى الحقيقة لأنه صار أعوج، وفكره أعوج، فلا أفلاطون ولا سقراط ولا أرسطو إستطاعوا للفكر البشري الخارق أن يصلوا إلى المعرفة الإلهية الحقيقية، وخبطوا خبطة عشواء وسواهم مثلهم.
واليهود بالرغم من كتابهم المقدس العظيم خبطوا خبطة عشواء وتآمروا على المسيح وصلبوه وتآمروا على الرسل وتآمروا على الكنيسة، وإستمرّ التآمر على الكنيسة عبر التاريخ، فقدّمت في ماضيها السحيق آلاف الشهداء، وقدّمت في القرن التاسع عشر وحده أكثر من 45-50 مليون شهيد جُلُّهم في روسيا ويوغوسلافيا وتركيا، وكلّ ذلك بسبب العقيدة الدينية الراسخة. هذه الكمية الكبيرة من الشهداء هي خير شهادة على صحة هذه الديانة العظيمة جداّ التي مات الشهداء من أجلها بكل جرأة وبطولة وإعتراف حسن. ولكن في النهاية العهد القديم بكلِّ ما فيه كان استعدادات متنوعة في الأشكال، كما رأينا قبل حين من بلوغ الهدف الأسمى أيّ تجسد ربنا يسوع المسيح من مريم العذراء.
هذا التجسد العظيم قلب التاريخ رأساً على عقب، لماذا؟ لا نستطيع بعدَ التحليل العميق أن نعتقد بصلاح الجنس البشري. فالسقوط في الجنس البشري واضح، بالرغم من مرور ألفي سنة وأكثر على ميلاد ربنا يسوع المسيح فإلى أين وصل الكون؟ إلى أين وصل البشر؟ هل البشر اليوم في سعادة روحية؟ الإستعدادات العالمية للقتال، التسلّح العالمي، مَنْ بقي بدون سلاح؟ لمن هذا السلاح؟ ضدّ مَنْ؟ أليس ضدّ البشر أنفسهم لماذا يتسلّحون؟ أليس ليقتل بعضهم بعض؟ أين المسيح في كلّ هذه الإستعدادات القتالية؟ أين المسيح فيما يشاهد العالم من تفاوت هائل في الثروات بين بنك يملك آلاف المليارات من الدولارات وثلاثة مليارات إنسان جائع، والباقون ماذا؟ هذا التفاوت الكبير بين البشر، هذا الإستغلال الكبير للبشر، العالم كلّه عبيد عند المصارف، المصارف تحكم العالم، لم تأتي الأنظمة العالمية للسعادة فلا الرأسمالية أسعدت البشر ولا الإشتراكية أسعدت البشر، ورأينا سقوط الإتحاد السوفياتي المريع، أين الوعود؟ سقطت كلّها، حاربوا الكنيسة وإضطهدوها وأوقعوا عشرات الملايين من الشهداء وإنتزعوا الأموال من الكنائس وهدموا عشرات الآلاف من الكنائس والأديرة، هل أسعدوا الشعب؟ أما خرج الإتحاد السوفياتي من المعمعة للجوع والفقر والتشرّد والإنزلاق الى الدمار؟ فلولا صعود فلاديمير بوتين أين كان صار الإتحاد السوفياتي المطنطن؟ فإذاً لا خير يُرجى من الأنظمة العالمية، لا خير يرجى من رؤساءِ هذا العالم.
جرى تقدّم كبير جداً على الصعيد البشري، العلم تقدّم بصورة هائلة جداً جداً، والطبّ تقدم بصورة هائلة جداً جداً، ولكن بقي الشقاء واسعاً وصار الناس في همٍّ وغمٍّ يقضي الإنسان همّه ليلاً ونهاراً في السبل التي تكفل له العيش بشرف، وهل يعيش الناس بشرف؟ كلّ الناس في همّ وغمّ، يستيقظون على الهم وينامون على الهموم. ما أتت الدنيا في القرن العشرين للبشر بالسعادة. انجيلا ماركت إعترفت في 1 أيلول 2009 بسقوط 60 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية، ما عدد الجرحى؟ ما عدد اليتامى والأرامل؟ والمشردين؟ والمُهملين؟ والذين أكلهم الجوع والفقر والتشرّد؟ وما عدد البنايات والمؤسسات التي أصابها الهدم بالمدافع والطيران…؟ وأين المدن التي خَربت؟ وماذا جرى؟ هذا لا يدخل في حساب انجيلا ماركت لئلا وقع على شعبها تبيعة تدمير العالم. لو إستطاع هتلر أن يدمّر العالم لدمرّ العالم، بمَنْ؟ بشعبه الذي تجنّد له، بالمستشارين والخبراء والموظفين والجنرالات الذين تطوّعوا له، بالعلماء الذين إخترعوا له أدوات جهنم، لإنتفاخ البشر الباطل.
لو ترك البشر الكبرياء وشاهدوا عوراتهم كما هي، لإنسحقوا وذرّوا التراب على رؤوسهم وبلّلوا الأرض بدموعهم، الإنسان ساقطٌ خاطىء شرير، كل ما في العالم من شرور، من يحصيها؟ الله وحده يحصيها. كيف يعيش الإنسان 80-90 سنة؟ يعيشها في البِّر والتقوى والفضيلة والصلاة والصوم والتعبّد . كيف يعيش الناس؟ أين الله في حياة البشر اليوم؟ ما عدد الناس الذين يخافون الله من كل القلب؟ ويحبون الله بكل قلوبهم وكل قواهم؟ ما عدد الناس الذين تجندوا لله تجنداً كاملاً بروح قدسية؟ فالفراغ الديني يضرب أطنابه لأن هموم الدنيا تقتل البشر، تقتل أوقاتهم، تقتل عقولهم، تقتل حريتهم، تقتل سعادتهم.
هذا الإنجراف العالمي نحو الحياة الأرضية نحو نسيان الله في الحياة اليومية، إلى أين يسير بالبشر؟ لا نستطيع أن نؤثّر على الكون ليعود إلى الإنجيل. كلّ الناس يحتجّون بضيق الوقت، معهم الوقت ليقضوا الساعات على مشاهدة التلفزيون والفيديو والإنترنيت والكمبيوتر والسينما، معهم الوقت الكافي لينصرفوا إلى أعمالهم المادية ولكن ليس معهم ساعة من الوقت لينصرفوا إلى الله. من أجل هذا العالم البائس، من أجل هذا العالم المريض، من أجل هذا العالم الساقط جاء ربنا يسوع المسيح، جاء ليخلّصنا من سقطاتنا، جاء ليرفعنا إلى السماء. ولكن بعد ألفي سنة من مجيئه ما زالت رؤوسنا في الأرض، ما زالت رؤوسنا مطمورة في عبادة الأرض ومال الأرض.
هناك منْ يعبدون المال وهناك من يعبدون اللّذات وهناك من يعبدون المقتنيات وهناك من يعبدون المُسكرات وهناك من يعبدون المخدرات، والبشرية تسير نحو الهلاك واضعة الله في آخر إهتماماتها.
لا أُنكر أنَّ على الأرض أناساً صالحين ولكنَّ عددهم محدود، إنما الله يحفظ الكرة الأرضية بصلواتهم وإيمانهم وتقواهم. ما خَلَتْ الأرض من القديسين وإلا لدمرها طوفان جديد، ولكنّ العدد محدود لا يعلمه إلا الله، ولكنه موجود. هؤلاء القديسون الموجودون في كل مكان من العالم هم الخميرة التي تحفظ الأرض من الفساد والسوء، ولكن يجب أن يزيد عددهم. إذاً الفسادُ البشري كان عامّاً والطوفان سدوم وعمورة. ما ذكره بولس الرسول عن فساد منتشر في العالم كله، كل هذا جعل الحاجة إلى ربنا يسوع المسيح كبيرةً جداً، فتنازل الله في التاريخ ليهيء الطريق لعقولنا السقيمة، لنستطيع الإعتماد على العهد القديم، للوصول إلى الإيمان بيسوع المسيح.
وبالرغم من وجود الكتاب المقدس بين يدي اليهود فقد عجزوا عن فهم الكتاب والإهتداء به إلى يسوع المسيح، إلاّ أن قلة منهم إهتدت وآمنت وبشّرت بيسوع، وبولس يهودي وكان العدو الكبير للمسيحية ثم إهتدى وصار الخادم الأكبر لها، لا ننكر وجود أناسٍ بينهم حسنت نياتهم فآمنوا بيسوع وإهتدوا إليه وكانوا خداماً مخلصين له، فالرسل وتلاميذهم الأوائل يهود، والكنيسة ظهرت في أورشليم وإنتشرت في العالم إنطلاقاً من أورشليم. خيَّب اليهود الآمال وقال يوحنا الإنجيلي في مطلع إنجيله: إلى خاصّته جاء خاصّته لم تقبله. أنكروه وما زالوا ينكرونه وسيستمرون في النكران إلى ما شاء الله ومع ذلك فالمسيحية تجاوزتهم وإنتشرت في العالم، ولكنَّ هذا الإنتشار الجغرافي الإنتشار العددي لا يسدّ الرمق ولا يسرّ القلوب مئة بالمئة. الحاجةُ ماسةٌ إلى العودة إلى مبادىء المسيحية أيّ إلى دعوة المسيح البشر إلى التوبة.
التوبة مفقودة بنسبة كبيرة والتوبةُ أمرٌ هام، فالمسيحي الحقيقي هو التائب الحقيقي، لا مسيحية بدون التوبة، إذا أردنا أن نعرِّف المسيحي تعريفاً صحيحاً: هو المسيحي هو التائب المؤمن بيسوع المسيح المتمم لمشيئته. فالتوبة هي الأساس، بدون التوبة يبقى الإنسان ملوثاً بالأهواء والرذائل، لا خلاص من الأهواء والرزائل بدون التوبة، التوبة هي التي تغيّر الإنسان وتنقله من عالم الأهواء والرذائل والشهوات إلى عالم التقوى والفضيلة والعمل الصالح والتأله والإستنارة بنور الثالوث القدوس، التوبة هي معدن المسيحي وجوهره، هي التي تميز المسيحي، هي التي تقلب قواه جميعاً وتنقله من الدمار في الأرضيات إلى التلألؤ بالأنوار الإلهية، التوبة هي المقلب الرئيسي في حياة كل مؤمن وهي المقلب المستمر.
ليس للتوبة زمان ومكان التوبة تستمر منذ الوعيّة حتى الممات، آخر لحظة من لحظات المرء هي لحظة التوبة، تفيض روحه إلى الله بإعترافات التوبة والندامة والخشوع والركوع والسجود، إنّ مات الإنسانُ غير تائبٍ خسر المصير، الموت الصحيح هو موت التوبة. الإنسان عندما يلفظ أنفاسه يجب أن يكون تائباً توبةً كاملةً، وهذه التوبة لا تأتي في لحظة، هي عمل تاريخي معين إلا لمن شاء الله أن يتدبر أمورهم في أيامهم الأخيرة، مشيئته أكبر من مشيئتي وعلمه أكبر من علمي، لا أستطيع أن أضع حدوداً لله هو الذي يضع الحدود.
إذاً نحن أمام واقع تاريخي مرّ ألا وهو سقوط آدم وحواء أدّى بالجنس البشري إلى دمار داخلي، دمارٍ داخلي نسبيّ لأن وضع الإنسان يختلف عن وضع الشياطين. الشياطين كانوا ملائكة وسقطوا. الإنسان سقط بسبب خداع الشيطان فرحمه الله، والإنسان مركّب من روح وجسد، والجسد مصدر ضعف كان عند حواء وآدم فإشتهيا الثمرة وذاقاها وإستحبّا طعمها. والشهوات الجسدية إذاً كانت في بدء السقوط، إشتهيا الثمرة لوناً وطعماً وشكلاً… وكان الجسد نقطة الضعف في التجربة. هذا طبعاً إلى جانب الغشّ الشيطاني للكبرياء، دفعهما الى الكبرياء، خلعهما بالكبرياء ووعدهما بالتأله: إنّ أكلا الثمرة صارا معادِلينْ لله. أكلا الثمرة وسقطا بسبب الكبرياء وبسبب الشهوات، وكان السقوط مريعاً أدّى بالجنس البشري إلى قرون وقرون من التخلّف والضعف والفساد والإنحلال، الطوفان سدوم وعمورة صورتان عمّا جرى في التاريخ كقصاص لفساد البشر وإنحلال أخلاقهم وفسادهم.
لم يسقط الإنسان برمته بل بقي بين ميت وحيّ، بقي صورةً لله إنّما صورة مشوّهة جداً، ولكن بقي ذا قوى جبارة، بقي ذا قدرات جبارة، إن إستعملها أتى بالمعجزات، وما علينا إلا أن ننظر إلى ما أتت به الحضارة هذه الأيام من تقدمات علمية وسوى ذلك، فلو لم يكن الإنسان جباراً لما كان قادراً على كل هذه الإبتكارات الهائلة عن هذه الحضارة والمدنية الشاسعة الأبعاد، ولكنّ يضع الإنسان جبروته في ما لهذه الدنيا ولا يضعه في ما لله.
لو حوّلنا جبروت البشر إلى التقوى والفضيلة لأصبحت الأرض جنةً جديدةً أفضل من جنة آدم بما لا يقاس، لصارت الأرض سماءً وصار الناس على الأرض ملائكةً وأهم من الملائكة بسبب التجسّد الإلهي. التجسد الإلهي جعل البشر كما يقول الآباء القديسون وهذا ما ذكرته في الصفحات 46- 66 من كتابي “سر التدبير الإلهي” مستشهداً بالآباء القديسن ومعلّموا الكنيسة. فإذاً الإنسان جبّار ذو طاقات هائلة جداً إنما لا يستعملها في ميادين الإيمان، يستعملها في الميادين الدنيوية الأرضية. وهذا دليل على أن سقوط آدم كان سقوطاً مريعاً هائلاً.
سيطرت علينا الأهواء الساقطة والشهوات الساقطة فصرنا في حيرة من أمرنا ولا ندري كيف نخرج من هذه الفِخاخ، هذا فضلاً عن أن الناس مرتاحون إلى شؤونهم الأرضية بينما يرون في التقوى عُسراً لأن الشيطان ضدّهم.
رسالتنا الدينية تصطدم بعقول البشر تصطدم بمفاهيم البشر تصطدم بعادات البشر. الناس يريدون العيش الأرضي ولا يفكرون في الآخرة ولا يحبّون أن يذكرَ أحدٌ الموت أمامهم، الناس ينزعجون إن تحدثنا عن الموت إن وعظنا عن الموت، يريدون دائماً ما يسرّ جسدهم، يطلبون دائماً الراحة الجسدية، الوعظ الديني يعكّر صفيهم، لماذا؟
لأنهم يريدون أن ينصرفوا إلى ملذاتهم ومصالحهم الأرضية والجسدية ولا يريدون أن يرفعوا عقولهم إلى الله. مسألة رفع العقول إلى الله مسألة مهمة جداً وعسيرة جداً.
وهنا لا بدّ من التركيز على التربية في البيت، الامُّ هي الرسول الأول، الكهنة والمرشدون والمعلمون يقومون بوظائف ممتازة ولكنهم جميعاً يكملون وظيفة الأم. الأم هي الرسول الصامتُ المجهول، تَقمع بين أربعة حيطان لا أحد يعرف سرّها إلا مَنْ يراقبها. إن شاءت الأم أن تقوّم الطفل تقويماً روحياً قوّمته. وإن أهملت ذلك نشأ عالمياً. ولذلك إن أردنا أن نستعمل كلمة المسؤولية، وأنا محامٍ منذ أكثر من 62 سنة، أعرف أهمية المسؤولية في الحقوق ومسؤولية الإنسان عن أفعاله وما تستوجبه من عقاب في المحاكم. إن طرحنا موضوع المسؤولية وحاكمنا الأمهات لوجدنا أن الأمّ مسؤولة بالدرجة الأولى عن نشأة الطفل الدينية، إنّ لقنته الدين خرج متديناً وإن أهملت خرج… لا أريد أن أحكم على الناس بهذه السهولة. الأم هي التي تزرع يسوع المسيح في القلوب، إن زرعته باكراً نشأ الزرع جيداً.
هناك المفسدات اللاحقة في المجتمع، الدنيا في ظروف، هذا صحيح، ولكن إن نشأ الولد في حضن أمه نشأةً دينيةً أخلاقية سليمة، عواصف الدهر لا تستطيع أنّ تهزّه كما يجب. يبقى فيه ميلٌ الى الله، قد يبتعد عن الله دهراً ولكن سيعود يوماً الى الله. إنّ تربّى تربية صالحة في حضن أمّه لن تستطيع العواصف أن تبقيه إلى الأبد خارج دائرة الله إلا نادراً، مهما طال الزمن سيتوب سيندم، لماذا؟
لأنّ أمه زرعت فيه ضميراً صالحاً، هذا الضمير لن يموت إلى الأبد بسهولة سيعيش يوماً، سيقوم من القبر يوماً، سينهض من قعر الجحيم يوماً ليوبخه ويدعوه إلى الندامة والتوبة والعودة إلى الله. الأم إذاّ هي رسولٌ، ليست معلماً، هي بالفعل رسول يسوع المسيح.
قد تحتجّ النساء عليّ لأني أحمّلهن مسؤولية فاحشة جداّ، أقول أنّهن رسولات، مِنْ أين لهنّ هذه الرسالة؟ النساء الفاشلات يعتذرن ويحتججن عليّ بهذا القول لأنهنّ يرفضن أن يكنَّ رسولات لأنهن أردن خيانة رسالتهن. المرأة التي لا تربّي أولادها تربية مسيحية صالحةً هي رسولٌ خائن مثل يهوذا الاسخريوطي. لا تقل للنساء أنك زدّت في أعبائنا، إنّك حكمت علينا حكماً قاسياً، أنا لا أقسو على النساء أبداً لاني أعرف قدرتهن الهائلة على لعب دور الرسول الصالح القديس، وهنّ قادرات على فهم كلامي، لديهنّ القدرة على فهم كلامي وإستيعابه وتطبيقه، ولكن يجب أن تتوفر لديهن الإرادة الصالحة والتربية الصالحة. ولذلك كما يقول المثل العامي “طبّ الجرة على تمّا بتطلع البنت لإمّا” فإن كانت الأم والجدّة وجدّة الأم… جيّدات خرج النسل الجيّد، كما رأينا في أمر جدة باسيليوس الكبير ومكرينا القديسة الصالحة. بسبب تسلسل القداسة إلى الأسرة برمتها، فلذلك فجدّةٌ صالحة تُورث النسل كله الصلاح، ولا يخرج من الدائرة إلاّ من طغاه الشيطان والزمان. لذلك لا خروج لعالم اليوم من الفساد والإهمال والتواني إلاّ بعودة النساء إلى البيوت ليُربّيْنَ الاولاد تربيةً صالحةً. هذا الدشار الذي يزداد في العالم هو مخرّبٌ، هذا الإسترجال عند النساء أدّى الى الدشار والى خراب العائلة.
اليوم نرى العائلة شبه مفقودة في اسكندينافيا وسواها، هذا الإنتشار الواسع للطلاق سببه الدشار. لو كانت الأمهات محافظات لخرجت البنات محافظات. إندثار المحافظة اليوم بنسبة كبيرة سيؤدي في العالم إلى طوفان جديد، ما أبعاده؟ قد يكون القيامة العامة.
فمن يراقب العالم اليوم ويرى مسيرته الفاسدة لا يستبعد ان تكون القيامة قريبة، لا أقول فوراً، ولكن ستكون قريبة ليخلص العالم من الفساد المنتشر اليوم. لذلك كما كنّا في أيام نوح، نحن اليوم كذلك في حاجة إلى طوفان، ولكن لا أقول أنا بطوفان ماديّ أقول بطوفان روحاني يحتاج الى المبشّرين والمعلّمين والوعّاظ والقدّيسين والأبرار والصدّيقين إلى أمّهات قدّيسات شريفات آدميات محافظات يعيشنا الرب يسوع في العمق في العمق العمق أعمق العمق الداخلي.
إذاً العالم سار نحو ظهور ربنا يسوع المسيح وكان لظهوره إنقلاب عالمي هائل. دخل العالم فصلاً جديد، خرج في المسيحية من اليهودية كمَنْ يخرج من الظلّ إلى نور الشمس الساطع. فاليهودية كما ذكرنا ظلال ورموز وتهيِآت وصور متعددة الأشكال للإشارات الصريحة والغامضة والواضحة وغير الواضحة الى ظهور ربنا يسوع المسيح. ظهر ربنا يسوع المسيح فظهر الحق وزالت الظلال والرموز والإشارات وتنبّأ عنه الأنبياء وهيّأ له موسى والآباء، ظهر الآن. فيلبّس الرسول قال لصديقه نثنائيل: “وجدنا المسيّا الذي تكلّم عنه موسى في ناموسه وتكلّم عنه الأنبياء”. المطالعة العميقة للإنجيل والرسائل بالمقارنة مع العهد القديم، يرى كيف أنّ خطوط العهد الجديد الكبرى ممتدة في العهد القديم. وما العهد الجديد إلا ظهور الحقيقة التي كانت مغطاة بقطع شاش ما مغطاة بباطون مسلّح، رُفع هذا الشاش لظهور المسيح فظهرت الحقيقة فكان يسوع هو الحقيقة.
كلّ ما في العهد القديم يدور حول محورٍ هو يسوع المسيح، كلّه يغزُل عودة يسوع المسيح، المُغزل هو يسوع والباقي كلّه غَزِل بيسوع. رفعنا الغزِلْ فظهر المغزل، المغزل هو يسوع له المجد. بتجسد يسوع المسيح من العذراء مريم، تغيّر كل شيىء. ما هو هذا التجسد العظيم؟ هو أنّ إبن الله صار إبن الناس فأعلن لنا يسوع المسيح الديانة الحقيقية. ما هي هذه الديانة الحقيقية التي أعلنها يسوع المسيح وتلاميذه؟
لمجده تعالى
Discussion about this post