الفصل الثاني عشر: يسوع المسيح
وستعرفون الحق و الحق يحرركم
الفصل الثاني عشر: يسوع المسيح
يسوع المسيح هو الإقنوم الثاني من الثالوث القدوس، في كتابنا “يهوه أمْ يسوع”، وفي كراستنا “شهود يهوه معلِّموا الكتبة” أشركنا من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد أنَّ يسوع هو الله فهو يهوه. العهد القديم تنبّأ عن تجسّد يسوع المسيح فقال أشعياء: هوذا العذراء تحبل وتلِد إبناً ويسمونه عمّانوئيل”، عمانوئيل لفظة عبرانية تعني الله معنا أي الله صار مع البشر. في المزمور 83 يقول المرنّم ويظهر إله الآلهة في صهيون، الآيات عديدة ولا حاجة الى التكرار هنا.
الأناجيل الأربعة، وثائق أربعة تشهد لحياة يسوع المسيح على الأرض، المؤلّفون جدِّيون وصادقون، شخصية المسيح في هذه الأناجيل هي شخصية فوق المثالية، الأخلاقية في الأناجيل فوق المثالية. ما كان من الممكن لبشرٍ أن يصوّروا حياة إنسانٍ على الأرض بهذه الصورة الرفيعة جداً أبداً، وشخصية يسوع في الأناجيل أعلى بكثير من مستوى البشر، يبدو يسوع مثاليّاً فوق كلّ المثاليات، ما كان لهؤلاء الدراويش أن يخترعوا شخصيةً مثل هذه، وكيف إتفق الأربعة على ذلك؟ ويوحنا كان صيّاد سمك هو وأخوه، ومرقس رجل عادي لأن إنجيله مكتوب بلغة يونانية بسيطة جداً جداً ،لا يجيد اليونانية، وإنجيل يوحنا ذو أصول آرامية، لغة انجيل يوحنا آرامية، لغة مرقس آرامية، إنجيل متى لغته آرامية جيدة ولكنه عبراني، والأصول العبرية والآرامية فيه كثيرة، والعبارات كثيرة، ومعرفته للعهد القديم العبراني واليوناني جيّدة، يسجّل بالترجمة اليونانية ولكنّه غالباً يعرف العبرية أيضاً ويستشهد بالعهد القديم بمتانة قوية. لوقا يوناني من أنطاكيا يُجيد اللغة اليونانية ولكنّه يعرف جيداً الترجمة السبعينية، فتّش ونقض وبحث وسأل الذين شاهدوا المسيح وشاهد العنصرة وألّف إنجيله بعد تدقيقات واسعة، وذكر أن كثيرين أخذوا في تأليف قصة عن حياة الرب يسوع المسيح، ولكن الكنيسة بقيت عن هذه الروايات الأربعة.
ليس معدن لوقا الإنجيليون الثلاثة، ليسوا بالكتّاب الذين يفيدون اليونانية في كتاباتهم، علامات خاصة بسبب كلام يسوع والكلام عن يسوع، ولكن ليسوا من أهل الفصاحة والبلاغة. صيّاد سمك لا يستطيع أن يأتينا بإنجيل يوحنّا، فهذه الأناجيل الأربعة شهادات أربعة على حياة يسوع المسيح. متّى ويوحنا كانوا من التلاميذ، مرقس إبن مريم أحد المشاهدين غالباً ولكنّه تلميذ لبطرس أولاً ولبولس ثانياً ونسيب الربّ، رجل من المحيط، لوقا رفيق بولس في آثاره ومقرَّب جداً من بولس، وفي الأيام الأخيرة حين محاكمات بولس لم يكن إلى جانبه سوى لوقا كما نرى في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس.
هذه الأناجيل الأربعة الموثوقة عند المسيحيين تروي لنا قصّة ربنا يسوع المسيح، هناك نقّاد مُلحدون ألمان، أخفوا نسبياً أحياناً نفحات باطنية، طرق تفسيرهم وتأويلهم غريبة جداً، ينطلقون من مبدأ باطل وهو إهمالهم تاريخ الكنيسة ومسلّمات الكنيسة، فنقدهم سطحي، لا يأخذون التاريخ بعين الإعتبار بينما تاريخ الكنيسة يذكر أنّ متّى كتب أولاً بالآرامية ثم تُرجم الى اليونانية والكنيسة منذ البداية تعتبر إنجيله هو الإنجيل الأول، وأعمال الرسل تنتهي عند خروج بولس الرسول من السجن أي حوالي العام 63 وكان قد ألّف قبله الإنجيل، فإذاً الإنجيل والرسائل مدوّنة قبل العام 63 .
إنجيل يوحنا متأخّر حسب الروايات التاريخية، الكنيسة كلّها تشهد منذ القديم بهذه الأناجيل الأربعة ولترتيبها الحالي في القِدم ولتسلسلها التاريخي متّى مرقس لوقا يوحنا، هؤلاء النقّاد ماهرون في دراسة التاريخ ولكنّهم لا يطبّقون المبادىء التاريخية على دراسة الأناجيل، يأخذون التاريخ بعين الإعتبار ويرفضون التاريخ بالنسبة للأناجيل، يدرسونها كما هي منفردة وهم لا يؤمنون بالوحي الإلهي ولا يؤمنون بقدسيتها، يدرسونها بكتب مستقلة عن التاريخ في حدّ ذاتها، هذا ضلال مبين.
العين الغير صحيحة ترى كل شيء مريض، العين المريضة ترى كل شيء حسب مرضها. في هذه الأناجيل نرى يسوع هكذا، أمّه حبلت به وهي في الناصرة، بشّرها الملاك جبرائيل، حبلت به، وُلد في بيت لحم، سافر إلى مصر، عاد إلى الناصرة، عاش نجاراً إبن نجار في الناصرة، كان يذهب بعد الثانية عشر من العمر إلى القدس لحضور الأعياد، ظهرت رسالته في الثلاثين بعد يوحنا المعمدان، بشّر في منطقة القدس، وإتجاهها في شرق نهر الأردن ثم إنتقل الى منطقة كورازين وسواها، تناقل ما بين الجليل شمالاً واليهودية عاصمة القدس جنوباً، بشّر، الإختصاصيون يقدّرون زمن البشارة بثلاث سنوات وبعض الأشهر، إصطدم بالسلطات اليهودية، ألقوا القبض عليه، حاكموه وقدموه إلى الوالي الروماني ليعطي الأمر بصلبه لأن السلطة اليهودية لم تكن تملك حقّ الإعدام، قدّموه إلى السلطة الرومانية بتهم مختلفة، لفّقوا عليه التهم، متّى ومرقس ذكرا أن ذلك كان حسداً، يوحنا ذكر أنهم إعترفوا بعجيبة إقامة لعازر من بين الأموات، ولكنّهم حسودون غيّورون. أرادوا القضاء على يسوع لأن سلطاتهم أخذت تهتزّ أمام دعوات يسوع المقدّسة، وكلّ شيىء في الأناجيل يدلّ على أنّهم أقدموا على العمل وهم يعلمون أنه يصنع العجائب الكثيرة. يعترفون بذلك فيما بينهم وينكروها علناً.خدعوا أنفسهم وخدعوا الشعب وورّطوا السلطة الرومانية في العملية. والمعروف بتاريخ Pondiosبيلاطس أنّه يقبض، مرتشٍ كبير. لا ينكر اليهود صلب المسيح بل يتهمون السلطة الرومانية بذلك، وقامت محاولات عديدة لتبرّءهم الكنيسة من صلب المسيح باءت جميعها بالفشل لأننا لا نستطيع ذلك.
كتاب أعمال الرسل واضح، الرسل يتهمون المجلس اليهودي لأنه هو الذي تسبّب بصلب يسوع وهم الذين قتلوه. نحن لا نستطيع أن نتراجع وهم في حيرة من أمرهم، يريدون أن ينتزعوا منا خبراً للتبرئة هذا مستحيل لأنهم لا ينكرون صلبه إنما يتهمون السلطة الرومانية التي نفّذت القرار، ولكن المجلس اليهودي الأعلى هو الذي حكم أولاً على يسوع بالموت لأنّه إدعى في نظرهم بأنه المسيح إبن الله الحي. ثمّ دُفن وقام من القبر في اليوم الثالث وصعد إلى السماء في اليوم الأربعين وأرسل الروح القدس في اليوم الخمسين. فهنا يبدأ الرسل الرسالة والتعليم والتبشر بيسوع المسيح في كلِّ مكانٍ من هذه المنطقة، ووصلوا إلى روما واسبانيا وثم انشروا البشارة في كلّ حوض المتوسط وتجاوزته شيئاً فشيئاً، ولاقت البشارة صعوبات عديدة، فاليهود كانوا يحيكون مؤامرات علينا في كل مكان ويسلمونا الى السلطات بتهم مختلفة، والسلطات الرومانية أيضاً تآمرت علينا وإضطهدتنا، وإنتهى الأمر في القرن الأول والثاني والثالث الى سقوط عدد كبير جداً من الشهداء في كل مكان من حوض البحر الأبيض المتوسط.
هذه الرسالة المسيحية المختومة بدماء الشهداء مهما أراد النقاد والطاعنون أن يلفقوا من الأخبار ومن التعابير فهم فاشلون لأن دماء الشهداء كانت أكبر شهادة على صحّة هذه الديانة وقيامها في القرن الأول من الميلاد. كلّ الشهداء ماتوا من أجل إيمانهم بيسوع المسيح، الإيمان بيسوع المسيح إذاً أصيل منذ القرن الأول. بولس وبطرس ماتا في الستينات من القرن الأول وهكذا دواليك، يعقوب إبن زَبدا أخو يوحنا مات بحدّ السيف باكراً، استيفانوس مات باكراً، وسوى ذلك كثير جداً. إجمالاً الرسل ماتوا بالتعذيب، يُقال إن يوحنا الإنجيلي وُضع في برميل زيت يغلي، الله أعلم. الشهداء في القرن الأول والقرن الثاني عديدون جداً، في القرن الثالث زاد العدد كثيراً جداً. في نيقوميزيا إضطهادات قضت على ألوف الناس، كانت إضطهادات وحشية، هذه الدماء ختمت التعبير المسيحي بختمها، تشهد بذلك على صحته وعلى أصالته، ما ماتوا لأنهم رجال حرب ماتوا لأنهم رجال إيمان، وهكذا إنتشرت المسيحية في العالم شيئاً فشيئاً حتى عمّت المسكونة بنفوذ إنجيلها الطاهر الذي أثّر في التاريخ تأثيراً عجيباً غريباً وحسّن الأخلاق في التاريخ ومدّن التاريخ ومدّن الشعوب المتخلفة.
يسوع المسيح بحسب الأناجيل وبحسب بشارة الرسل منْ هو؟ هو أولاً الإقنوم الثاني من الثالوث القدوس، بسبب خطايانا، بسبب سقوطنا لكي ينقذنا من الهلاك، لكي يصل بنا الى ملكوت السموات، لكي يخرجنا من الجحيم في ملء الزمان صار إنساناً، فأتى ملاك جبرائيل مريم العذراء يبشّرها بالحبل بإبن الله بإبن العليّ يسوع المسيح الذي سيجلس على عرش داوود إبيه ويملك على بيت يعقوب الى الأبد. في لحظةٍ واحدة صنع الروح القدس من أحشاء مريم البتول جسداً، ووضع فيه روحاً بشرية، فضمّ يسوع هذه الطبيعة البشرية المؤلفة من جسد ونفسٍ عاقلة إلى أقنومه الإلهي بصورة لا يعلمها إلا الله، فلا الإله تحوّل إلى إنسان ولا الإنسان تحوّل إلى إله، إتّحدت الطبيعتان بدون إمتزاج بدون إختلاط بدون تغيّر، لأن الإله لا يتبدل ولا يتغير أبداً، إن صار إنساناً سقطت ألوهته، والإنسان لا يستطيع أن يصير إلهاً ولكنّه يستطيع أن يدخل في إتحاد مع الإله، هذا الإتحاد العظيم هو سرّ الأسرار لا يفهمه إلا الله، ولكن لا يمكن أن تتحد الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية بدون أن تمتلىء الطبيعة البشرية من أنوار الطبيعة الإلهية وإلا تجاورا مثل الزيت والماء، نعم ليس الأمر مجاورةً، المسألة هي مثل الحديد الذي نضعه في النار فيكتسب من حرارة النار بدون ان يصير ناراً، وهكذا طبيعة المسيح البشرية بإتحادها بالطبيعة الإلهية في إقنوم يسوع المسيح إمتلأت من الإشعاعات الإلهية، إمتلأت من النعمة الإلهية، وهذا ما جاء يسوع من أجله لكي يعيدنا إلى نوع من الإتحاد بالله، طبعاً أقوى من وضع آدم في الفردوس بما لا يقاس.
فإذاً مريم العذراء حبلت بفعل إلهي، الله جعلها تحبل بدون رجل، لا يقول المسيحية إن الله تزوج العذراء هذا كفر، ولا يقول المسيحيون إن مريم صارت إلهاً أو هي إله وإنّ الزواج تمّ بين الإله الأب والإله مريم، مريم مخلوقة في الزمن من أبوين هما واكيم وحنه بينما يسوع في إقنومه الإلهي هو أزلي مثل الأب والروح القدس، لا بداية ولا نهاية له.
يحبّ أن يفهم المرء العقيدة المسيحية كما يعطيها المسيحيون، لا كما يتصوّر سواهم، فيسوع يوم البشارة كان إلهاً أزلياً سرمدياً، ثمّ إتخذ طبيعةً بشريةً في يوم البشارة. خَلق الطبيعة البشرية وضمّها إلى يسوع، تمّا في لحظةٍ واحدة بدون إنفصال، فلم تكن الطبيعة البشرية موجودة ثم ألصقها يسوع بطبيعته الإلهية. التجسّد هو إتخاذ طبيعة بشرية وضمّها إلى الطبيعة الإلهية، بعبارة أخرى لم تكن هناك طبيعة إلهية وطبيعة بشرية ثم إنضمّتا وإلتصقت إحداهما بالأخرى، لهذا نسقط نوعاً ما في الفلسفة اليونانية. يسوع المسيح إقنومٌ واحد في طبيعتين لأن لديه طبيعة إلهية، الآن صارت لديه طبيعة بشرية، كيف يتم هذا الإتحاد بدون أن تكون الطبيعة البشرية طبيعة للآب وطبيعة للروح القدس؟ هذا سرّ إلهي، المسيحية ديانة سماوية هيّأ لها العهد القديم لكي يستطيع الناس أن يقبلوه.
أنا أعرف أن العقائد المسيحية تفوق الطبيعة ولكن العهد القديم هيأ الأجواء لظهور المسيح وللعقائد المسيحية. الأنبياء والناموس وكل العهد القديم، هذه الشهادات الهائلة جعلتنا نقبل المسيحية. عندما كانوا يبشرون كانوا يقيمون دليل على بشارتهم من العهد القديم وكانت بشارتهم تتأيد بالعجائب والآيات والمعجزات، فكان الوثنيون يهتدون بسرد الآيات والمعجزات أيضاً، المعجزات بكل أنواعها كانت بالنسبةِ للوثنيين علامة كبيرة جداً تساعد على الإهتداء كما قال بولس.
كان المؤمنون ينطقون بالألسنة ويتنبأون، ويظهر فعل الروح القدس رأساً فتتغير عقول الوثنيين ويهتدون، فإذاً هذا هو يسوع المسيح وهذا هو إيماننا بيسوع المسيح. هذا الإتحاد بين الطبيعتين في إقنوم يسوع مهمّ جداً لأنّه أعاد اللُحم بين الله والانسان، الله طرد آدم وحواء من الفردوس وتركهما وشأنهما يصنعان مصيرهما، فالآن يعود الله إلينا ليساعدنا على صنع مصيرنا، وأيّ مصير الفوز بالملكوت السماوي بعد الموت. أحبّنا كثيراً ولأنّه أحبنا أتى إلينا، هو نفسه قال يكون فرح عظيم في السماء بخاطىء واحد يتوب ،السماء تفرح بخاطىء واحد يتوب. أكثر من 99 خروف بقيت على الجبال ولم تضلّ، من هي هذه الخراف الباقية على الجبال ولم تضلّ؟ أليست الملائكة؟ يكون فرحاً في السماء بخاطىءٍ واحد يتوب أكثر من الفرح بال 99 . كم الدّهشة كبيرة في السماء بتوبة خاطىءٍ، فيسوع جاء كما قال هو ليدعو خاطئين لا صديقين الى التوبة.
التوبة عنصر هام في الإنجيل بواسطتها نهتدي إلى يسوع ونكسب رضاه، يسوع بشّر ثم بشّر تلاميذه يوم العنصرة. هناك مسألة صلب يسوع وموت يسوع وقيامة يسوع وصعود يسوع إلى السماء هذه الأمور ثابتة بالإنجيل. اليهود تسببوا بصلب يسوع، مات يسوع مصلوباً. كيف صُلب؟
يسوع ذكر مراراً إن ساعته لم تحن بَعد، وساعته التي لم تَحِنْ بعد هي الصليب، وأقدم إلى الصليب طوعاً لا كرهاً، هو قال: “وكما رفع موسى الحيّة في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع إبن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”، وقال أيضاً: “هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”، في الفصل الثالث من إنجيل يوحنا. وقال في الإصحاح 13 العدد 34: “كما أحببتكم أوصيكم بأن يحبّ بعضكم بعضاً”، وقال في الاصحاح 15 العدد 12: “ليس لأحد حبّ مثل هذا أن يبذل نفسه في سبيل الآخرين”، وكان قد قال في الفصل 10: “أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني وأبذل نفسي في سبيلها”. وقال أيضاً بعد القيامة: “أما كان ينبغي للمسيح أن يتألّم هذه الآلام فيدخل في مجده”، فإذاً يسوع خادم الأرض بتدبير إلهي قاطع له صفة الإلزام، “ينبغي له أن ورد في الاصحاح 3 من يوحنا، وورد في لوقا الفصل 24″، وهناك إشارات في موضع أخرى ومتى رُفعت رَفعت إلي الجميع، فسّر يوحنا هذا أيّ انّه يشير الى أية ميتة كان مزمعاً أن يموتها لذلك ما هو حمل الله الحامل خطايا العالم.
يوحنا المعمدان وأشعيا النبي واضحان، يسوع هو الخروف الفصحي الذبيح الذي يموت من أجلنا فتبطل ذبيحة اليهود. قدّم ذاته إلى الموت، كان قد تنبّأ ثلاث مرات على الموت فإستغرب التلاميذ ذلك ولم يفهموه وتنبأ في مواضع أخرى أيضاً في الفصل 12 من يوحنا: لما أتى النّاطق باليونانية إليه نطق بذلك وإستغربوا وهم يعلمون أن المسيح يبقى إلى الأبد. عبّروا بذلك عن إيمان اليهود بأنّ المسيح سيبقى إلى الأبد. المسيح عند اليهود هو غاية الغايات، صُلب المسيح وسُفك دمه على الصليب.
كلّ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يشير إلى أن الموت على الصليب كان صلباً للخطيئة صلباً لناموس موسى، وإنتهى صلباً لذبائح موسى، إنتهت الذبائح ذبيحة المسيح صلباً للجحيم، فإن نزلت روحه البشرية إلى الجحيم وأخرجت منه الذين آمنوا ببشارة المسيح قهر الشياطين قهر الموت بموته ومن له سلطان الموت أي إبليس، كما تقول الرسالة إلى العبرانيين.
قهر أعداءنا كلّها، قهر الفساد والإنحلال في القبر قهر أعداء الإنسان جميعاً وسال دمه، ودمه هو الذي يطهّرنا من كل خطيئة، كما قال يوحنا في رسالته. ودمه هو الذي يغسلنا في المعمودية ويلدنا ثانيةً ولادة ثانية، ودُفنْ فمات الموت بموته ومات الفساد بموته وحصلنا على عدم الفساد بقيامته وقهر العدو وقام من بين الأموات منبعثاً فجدّد لنا الحياة وتحوّل جسده الترابي إلى جسدٍ روحاني وبذلك جرى التحويل من الإنسان الترابي إلى الإنسان السماوي.
بهذه الآلام والدفن والقيامة خلقَنا يسوع ثانية فعلَّمنا هو نفسه أن المعمودية ولادة ثانية. فلذلك بيسوع المسيح تجدّد الكون، تجدد إبداع الإنسان بُعيد تأسيس الكون، بُعيد تكوين الكون، وصرنا أمام ولادة جديدة لا من لحم ودم أيّ ليس من أبٍ وأمٍ بل من الروح القدس في المعمودية. في جرن المعمودية يغسلنا يسوع من خطايانا ويلدنا ولادة جديدة روحية لننمو فيه بنعمة الروح القدس حتى نبلغ درجة الكمال وننتقل بعد ذلك من عالم الموت هذا إلى عالم البقاء.
الرب يسوع المسيح هو المشيئة الإلهية، هكذا شاء الإله، لا أستطيع أن أفعل ذلك، أن أقوم بذلك لأن الأنبياء تنبّأوا على ذلك ويسوع هو المسيح المنتظر، ولا شك في أنّه هو المسيح المنتظر، وكما ذكرت سابقاً صعد إلى السماء في العام 34 من تاريخنا الميلادي ومنذ ذلك الحين حتى الآن لم يظهر أيّ مسيحٍ، وإنهدم الهيكل وبَطُلتْ الذبائح اليهوية الرمزية وبطل الكهنوت اليهودي ولم يعد لدى اليهود كهنوت ولا خدم كهنوتية، لديهم كنيس وقراءات ورئاسات لا تختلف كثيراً عن الرئاسات الدنيوية، وطال الزمان وطال الإنتظار وينتظرون مجيىء المسيح، ويفترون علينا شتّى الإفتراءات ويحاولون طمس المسيح والإنجيل عبثاً، ينتظرون ولن ينالوا شيئاً، فالمسيح جاء ولن يأتي مسيحٌ بعد الآن.
منذ ذلك الحين ليس لديهم لا كهنوت ولا هيكل ولا أنبياء ولا وقى ديني تَوراتي، فلا خيمة إجتماع. ولّى الهيكل ولم يقيموا مكانه خيمة إجتماع ولذلك فاليهودية لم تعد موجودة إلاّ نظرياً، هي تقوم على الهيكل والذبائح والكهنوت، فلا هيكل ولا ذبائح ولا كهنوت، فلذلك ما من مسيح إلا مسيحنا الذي أتى ولن يأتي بعده أحد.
من إبراهيم وحتى المسيح الزمان أقل من ألفي سنة، ومن المسيح حتى الآن حوالي ألفي سنة، فبقوا ألفي سنة بدون آباء بدون رؤساء كهنة بدون كهنوت بدون هيكل بدون خدم شخصية دينية هيكلية، هذه ديانةٌ قد أخذتها الرياح الى غير عودةٍ. ذبيحة يسوع على الصليب هي الذبيحة الحقيقية التي كفّرت عن خطايانا مَحت خطايانا، بها رضي الله عنّا وقبل عودتنا، ويسوع بالمعمودية أعاد الشركة بيننا وبين الله وصالحنا مع الله وإنتهى الصك اللذي كان مكتوباً علينا بفرائضه وقواعده، وصرنا نخضع لمشرِّعٍ جديد هو يسوع المسيح ولتعليمٍ جديد هو الإنجيل.
وبدلاً من شرائع العبودية صرنا الآن تابعين لشريعة الحرية، فيسوع حرّرنا من ربقة الناموس ومن المادة ومن الفرائض الفارغة المادية، فولدنا ثانية وعلّمنا ان نسلك سلوكاً جديداً مختلفاً تماماً عن السلوك القديم. بصعوده إلى السماء وإرساله الروح القدس جعل الروح القدس بنعمته يسكن فينا، يُعمِّدنا أيّ يطبع فينا إنساناً جديداً ينمو في يسوع حتى مدى إقامة يسوع كما يقول الفصل الرابع في الرسالة الى الأفسسيين.
المسيح جدد الطبائع، هناك إذاً خليقة جديدة في يسوع المسيح، هناك الكنيسة التي أسسها الروح القدس يوم العنصرة، والكنيسة هي في تعليم بولس الرسول جسد المسيح، والمؤمنون المعتمدون هم أعضاء في هذا الجسد وكلٌ منهم هو عضوٌ للآخرين، وصرنا جميعاً نحن المؤمنين مندمجين في شخص يسوع المسيح. كيف هذا؟ سرّ عظيم جداً لا يعلمه إلا الله، ولكن ظهور هذا السرّ قلب التاريخ، المسيح تجسّد وأخذ جسداً، صار إنساناً ثم صرنا نحن جسده بفعل الروح القدس الذي ضمّنا الى جسده، هذا الإنضمام الى يسوع مهمّ جداً، حركات الإتصال المفقودة بين الله والإنسان عادت وبصورة أمتن من الإنسان العتيق بما لا يقاس لأن الله إنحضر إلينا وإتصل بنا وكلّمنا وسار الى جانبنا.
يسوع دُفنَ فكان الموت موتاً حقيقياً تاماً وقام في اليوم الثالث، وقيامته هامة جداً لأنها تعني بالنسبة إلينا الولادة الجديدة فنحن مولودون من قبل المسيح، المسيح الموجود في القبر والذي نهض من القبر هو الذي وجدنا ولادةً ثانيةً. وهكذا يكون التجسد تجديد الخليقة.
في سفر التكوين: فإن الله في صورة أدبية، يجبل الإنسان هناك جَبِلْ من تراب، هنا خِلقة جديدة من الروح القدس، يسوع اليوم خلقنا خِلقة جديدة روحية لا جسدية وقال لينقوديموس: “المولود من الجسد جسد هو المولود من الروح روح “. وقال للسامرية: “لا في هذا الجبل ولا أورشليم يُعبد بل يتم السجود له في الروح والحق”.
نحن إذاً أمام عالم جديد، أهمّ من عالم آدم بما لا يقاس وفردوسنا أيّ الكنيسة أهمّ من فردوس آدم بما لا يقاس، عرجّه الله علينا فأصعدنا معه على الصليب ليخلقنا خلقةً جديدةً تختلف جذرياً عن خليقة آدم وحواء. ونحن المشدّدون نلبس المسيح وصرنا أمّة المسيح وشعب المسيح وخصائص المسيح، هذا الأخذ بيسوع المسيح يعني كثيراً، صرنا شيئاً منه، له المجد.
ولذلك فالصليب سرّ المسيحية، كل حياة المسيحية صليب، كل بؤسه وشقاءه وعذابه في العالم هو صليب، وطالب يسوع بأن نحمل هذا الصليب بجرأة ومثالة متكلين على الله له المجد. الصليب سرّ حياة المسيحيين كل مسيحي مصلوب عن الآثام والجرائم والخطايا والأمور العبثية، هو مصلوب في الجلجله ونحن مصلوبون. لا حياة لنا ان لم نسمَّر معه على الصليب. وكل إنسان يحمل صليبه، المؤمن للخلاص والغير المؤمن للهلاك، فنحن بملء حريتنا إخترنا أن نُصلب.
حادثة الصلب ثابتة تاريخياً بالأناجيل وبإعتراف اليهود. ومكان الصلب معروف في أورشليم، والصليب صليب يسوع جلب لنا مئة نِصح لا تُعدّ ولا تُحصى، صرنا بالتوية نغتسل دوماً بدم المسيح.إنجيل يوحنا واضح إن عترفنا بخطايانا يغفر لنا وبدمه يطهّر لنا كل خطايانا. ما مات المسيح مرة واحدة في التاريخ ليعطي خلاصاً نظرياً، مات ليعطي خلاصاً عملياً.
كيف هذا الخلاص العملي؟ بالمعمودية نغتسل بدمّ المسيح فلولا المعمودية لبقي الخلاص نظرياً، ولكن بالمعمودية صار الخلاص شيئاً حسيّاً ملموساً مدركاً، بالمعمودية نغسل خطايانا، وليس هذا فقط بالتوبة يجدّد كياننا بإستمرار. ولذلك لدينا سرّان هامان التوبة والمعمودية هما متلازمان، المؤمن يتوب ثم يعتمد، وبعد المعمودية تبقى حياته كلّها توبةً، فتجدُد معموديته بالتوبة والدموع والخشوع والصلوات والديانات.
وهكذا يكون مفعول تجسّد المسيح مستمراً في حياة المؤمنين، يُولدون في جرن المعمودية يعيشون عيشاً حميداً وحياتهم مغفورة بسرّ الصليب بسبب دم ربنا يسوع المسيح.
الصليب صار عنوان الحياة المسيحية، المسيحي يعيش الصليب يومياً ليتقدّس بالصليب. ما عمله يسوع عمله لأجلنا، كيف؟ لنقلّده سطحياً، لا لنعيش فيه داخلياً باطنياً، ونولد فيه ولادةً ثانيةً لا عيب فيها ولا دنس، ولادة روحية تنتهي بنا الى ملكوت السموات.
هذا الحبّ الإلهي الظاهر في الصليب هو الذي يدوّخ عقول المؤمنين ويزيدهم ثقةً وإيماناً بيسوع المسيح. فمع المسيح الإنسان المسيحي دائماً يفتّش عن شيء جديد في يسوع المسيح. الحياة تتجدد في يسوع المسيح، يسوع المسيح هو الكلّ في الكلّ.
Discussion about this post