الفصل الخامس عشر: الزواج
وستعرفون الحق والحق يحرركم
الفصل الخامس عشر: الزواج
يوحنا فمّ الذهب أحد آباء الكنيسة الكبار قال إنّ غاية الزواج هي المرأة لا النسل وهذا الرأي حكيم وصادر عن مؤلِّف كبير جداً جداً. طبعاً كل زوجين يحلمان في النسل ولكنّ إن حرما من النسل فهذا لا يعني أنّ ذلك يجيز الطلاق أو يجيز إستعمال المرأة. الأبناء الروحيون أهمّ من الأبناء الجسديين والكنيسة تكفل التبنّي. مَنْ يستطيعان أن يتبنيان إبناً أو أن ينصرفا إلى العمل الديني سيكون لهما أبناء روحيين كثيرين. وبولس الرسول إهتمّ بالعلاقات الزوجية بين الزوجين وبين الأبناء والآباء فتسير الأمور كلها بالعناية والمحبة والإحترام المتبادل. الأبناء يطيعون الآباء، والآباء يحترمون الأبناء ويؤدّبونهم بمحبة ورسف وللفائدة. والأمور تجري دائماً في جوّ من المحبة والصراحة، ولا ننسى أن المسيحية تحترم الحرية كثيراً ولكنّ حرية الحقّ لا حرية الفلتان المعاصرة، فأحترم حرية الحق الحرية في الحق، وخارج الحق تكون الحرية ظلماً وبهتاناً، الحقّ هو المعيار، الحرية مهمة جداً، أفعال الإنسان تصدر منه بمطلق حرياته.
الكنيسة تحترم الحرية وفي علاقات الأهل في الأسرة الإحترام المتبادل ضروري جداً وإحترام حرية الطفل مهمّة جداً جداً لئلّا يتعقّد الطفل كثيراً. التربية للأطفال هي المهمّة الرئيسية عند الأبوين، يصرفان الوقت عليها. إحترام المرأة فإذاً في الزواج مهمّة جداً. لا يعطى الزوج إمتيازات على حساب كرامة المرأة لذلك لا يجوز أن يقهرها بزواج آخر ولا أن يقهرها بالتواري، عليه أن يحترمها إحتراماً تاماً. الكنيسة إذاً ضدّ تعدد الزوجات ضدّ التواري ضدّ الزنى ضدّ الشذوذ الجنسي. اليوم كثيرون يناصرون شاذين جنسياً، الكنيسة ترحم ولكن تخضعهم وتخضع الزناة للتوبة وتمنعهم من المناولة حتى يتوبوا. الكنيسة رحمة ولكن الكنيسة أيضاً معلّم ومؤدّب ومربّي. لا تسلِّم المقدسات كيفما كان الأمر، فيسوع قال لا تعطوا المقدّسات للكلاب. الحرية والمساواة وهما عامل لا يؤثّر على مفاهيمنا الدينية.
الكنيسة تدعو الجميع إلى التوبة ولها حق إلقاء العقوبات على المؤمنين. لماذا المحاكم تعاقب المجرمين؟ ولا يحقّ للكنيسة أن تعاقب الخاطئين؟ يجب النظر الى الأمر بعين العدالة والمساواة. القضاء يطبّق قانون العقوبات على المجرمين والكنيسة تطبق قوانينها على الخاطئين، لا يعني هذا أنّها تميّز بين الخاطىء وغير الخاطىء تميزاً نوعياً، لا، التمييز هو تمييز التوبة، هي ترحم الخاطئين ولكنها تؤدِّبهم.
العطف هي حالة على الشاذين جنسياً بحجّة أن هذا مرض نفسي كما يقول المحللون النفسيون والأطباء العقليون، هذا شأنهم الطبّبي، أمّا شأننا اللاهوتي فهو الدعوة إلى التوبة والحرمان من المناولة والأسرار حتى التوبة. لا حلّ آخر، هناك ضعف نفسي، هناك أسباب نفسية، هناك مرض نفسي، هذا لا يمنع من فرض العقاب الروحي للتأديب ومطالبة الإنسان بالسيطرة على نفسه وبتقوية إرادته ليمتنع عن الشرور.
هذا ضعف، نعم هذا ضعف ولكن المسيحي مُطالب لأن يكون جباراً لأن يكون بطلاً. المفاهيم اللاهوتية شيء والتخبيص في المفاهيم عند الآخرين شيءً آخر، الكنيسة لا تتنازل عن حقوقها وإمتيازاتها ومبادئها ولاهوتها. ختاماً، أيها الرب يسوع المسيح إبن الله الوحيد إمنحنا أن نعيش كما عشت أنت بطهارة ونقاوة وفكر سليم وقلب سليم ونيّات سليمة آمين.
أمّا الخلافات الزوجية فليست مستعصية كلّ حين، ولذلك إن حسنت نيّات الأهل وإصطحب بالتعاون مع الكنيسة ممكن حلّ الكثير منها حبياً وعودة الزوجين الى العشّ الزوجي وإلى الأولاد. ولكن الأهل عندما يشعلون النيران، هذا خطأ فاحش. والأفضل إستشارة أب روحي وطبيب نفسي لتصفية الخلافات، فمن الحرام ثم الحرام أن يترك الزوجان أحدهما الآخر أو أن يتركا الأولاد سائبين، فأولاد الطلاق بائسون تعيسون، والمرأة حنون فتستطيع أن تحتمل بعض البؤس من أجل الأطفال. وإن كانت هناك حالات تستدعي مراجعة الطبيب العقلي فمراجعته ضرورية. في كتابي “فادي وذيسبينا” حوادث عديدة عن أزواج وزوجات تحمّلوا ما لا يطاق ورفضوا الإفتراق الزوجي وحافظوا على العش الزوجي رغم الصعوبات الهائلة. قُلتُ وأُكرر الزواج صليب، الرجل صليب للمرأة والمرأة صليب للرجل، إجمالاً الأصدقاء الحميمون كل منهما صليب للآخر، متى إجتمع إنسانان كانت حياتهما مجموعة من الصلبان. لا يمكن أن يجتمع إنسانان بدون أن تكون هناك أسباب للنفور، فالطلاق موجود في كليهما. متى ينقلب الحبّ الحميمي إلى عداوة مستحكمة؟ الله يعلم.
قديماً قال الشاعر طرفة إبن العبد:”وظلم ذوي القربة أشدّ مظاظة على المرء من وقع الحسام المهنّد”.
فقد ينقلب الزوجان المتحابان إلى عدوين لدودين وقد ينقلب الأهل المتحابون إلى أعداء ألدّة. التضاد موجود لا يجوز نكرانه ولا يجوز إهماله ولا يجوز تجاهله، هو موجود في كل إنسان ولدته أمه على الأرض ما عدا في ربنا يسوع المسيح. هذا السُقُمْ أعمى السرطان أعمى، التربية تعدّل من أثره فقط، لا يزيله إلا الربّ يسوع المسيح له المجد. ولذلك علينا أن ننتبه إلى الإنتكاسات السلبية التي تعترض حياة الزوجين وحياة الأهل وحياة الأصدقاء. فالأصدقاء الحميمون قد ينقلبون إلى أعداء لدودين. هذا وَقَعْ ويقع.
في التاريخ، الأولاد قتلوا آبائهم ليحتلوا العرش، زوجات تواريخ العروش قديماً وحديثاً لا تخلو من المآسي وهذا يكفي، التلميح يغني عن الكلام. فالمشكلة قائمة في التاريخ في كل بيت وفي كل حيّ وفي كل مدينة وفي كل دولة. السلام العالمي اليوم قبل سنوات كان سلام الرعب، الآن هو سلام الأزمة الإقتصادية التي فرضت على الدول الكبرى التعاون للخروج من أخطر أزمة عرفها تاريخ الإقتصاد العالمي.
الله له المجد يتدارك وجودنا على الكرة الأرضية، هي عمله الإلهي وقدرته الإلهية وإلا لإشتعلت الأرض بالقنابل الذرية والهيدروجينية. العناية الإلهية تتدارك الجنس البشري من الفناء الذرّي، تداركته مراراّ وستتداركه مراراً. العدالة موجودة لا نستطيع أن ننكرها المكبوتون ينكرونها لأنهم مكبوتون، نحن نتكلّم بالناس الأصحاء.
فإذاً المعالجة الحبيّة في الخلافات الزوجية أفضل بمئات المرات من الإفتراق، الحلّ ممكن، كمحامٍ عتيق أعرف أن الحلّ ممكن، ولكن أصابع الشرّ هي التي تخرّب الأمور متى وضع الشيطان يده وصرف كل زوجٍ إلى الشيطان، ولكن متى إلتجأ إلى يسوع حلّ السلام. لا شك أن هناك أسباب في حياة كل زوجين لشيءٍ من التنافر ولا يمكن أن تكون حياتهما على وتيرةٍ واحدة والإنسان يخترع شتّى الأسباب ليتخلّص من الوتيرة الواحدة التي ستملأ الإنسان ضجراً. الضجر يلاحق الإنسان من المهد حتى اللّحد. الحياة الروتينية بين الأزواج تبعث على الضجر والكلام والملال والسّأم. لا بدّ من التجديد الدائم في حياتهم ليبقيا معجبين أحدهما بالآخر وملتصقين أحدهما بالآخر ومتحدين أحدهما بالآخر. هذا يعود إلى حسن تصرفهما لكي يجددا حياتهما كل يوم، لا بدّ من التجديد في الحياة الزوجية، الروتين قتّال.
فالتجديد مهمّة الرجل والمرأة ليخلقا في كل يوم وفي كل لحظة شيءً جديداً يثير الإعجاب والإهتمام. هذا شأنهما. لا شك أن الخطيئة شوّهت كل شيء والشيطان يشوّه كل شيء، ووظيفة الآباء الروحيون والأطباء هي معالجة الإنسان ومعالجة الإنسان ليست بالأمر السهل لأن الإنسان معقّد جداً روحياً نفسياً جسدياً، هو معقد جداً جداً. لا أذكر للإفتخار بل للواقع التاريخي. مريضٌ مصابٌ بإضطراب يسمّونه وظائفي في الطبّ النفسي الجسدي، فشلوا في الغرب في فهمه. بناءً على طلبي سألوا الأطباء، هل نعرضه على الطبّ النفسي الجسدي فإستغربوا وقالوا لا لزوم له، إستشرت صديقي المرحوم الدكتور بيار مارتيم مؤسس ورئيس معهد الطبّ النفسي الجسدي ومستشفى الطبّ النفسي الجسدي في باريس فأيّد تشخيصي. فالأمراض تُعيي الأطباء فيشخّصون تشخيصاً خاطئاً، حتى في أوروبا وأميركا أخطاء الأطباء عديدة. أعرف حوادث عديدة من تشخيص كان خاطئاً في دير الصليب قبل سنوات شخّص مجنوناً فراجعني الأبُ لمرافقته إلى طبيبٍ عقلي آخر، زميل دراسة للطبيب في دير الصليب، شرحت له أمر الشاب فطلب أن يراه، دخل عليه، إستدعاني ثانيةً، قال: ماذا تعمل؟ قلت أنا محامٍ، قال ما دخلك في الطب العقلي؟ قلت له إنني أحبّ التسلية في العلوم والمعرفة، قال لي هذا ليس بمجنون ولا يحتاج إلى مستشفى أمراض عقلية هذا مريض نفسي كبير، وقال بالفرنسية لأنّه درس في سويسرا هذا un grand nevrosé أستطيع أن أفيده أنا. جرّبت أن أفيده فإذا به مشاكس كبير، وفاعَ عليّ، مع أني ما طلبت منه أن تُجرى له الجلسات الصحيحة بل معالجة نفسية عادية، حديث عادي.
ولكن بعد ذلك وقفت على حوادث في البسيكوباتيا فقلت هذا بسيكوبات وأنا مقتنع الآن أنه بسيكوبات تصرفاته تصرفات بسيكوباتية. حتّى الطبّ يمشي خطوة خطوة والمعارف الطبية تتقدم ولكن خطوة خطوة، وأخطاء التشخيص عديدة، فأعرف حوادث عدّة كان التشخيص فيها خطأً ونبّهت الأطباء إلى خطأ التشخيص، مع أني لست طبيباً ولكني مطالع. فإذاً الإنسان هو اللّغز الأكبر في هذا الكون. فلا الأطباء الروحيون ولا الأطباء العقليون ولا الأطباء الجسديون ولا الأطباء النفسيون ولا علماء الحياة إستطاعوا حتى الآن أن يسبروا أغوار المسائل البشرية. ما زلنا في بداية طريق طويل.
إنما المطلوب هو التواضع: الكبرياء والعجرفة والعنجهية والإعتزاز بالذات وكل عيوب الإنتفاخ يجب أن نتخلص منها، ولكن كيف الخلاص؟ الله وحده ينقذ كل إنسان على وجه البسيطة من العيوب؟ إصلاح الإنسان من الأمور المستحيلة إلاّ نسبياً، إصلاح الإنسان إصلاحاً تاماً مستحيل بدون الله ولذلك فالكنيسة المسيحية حكيمة وواعية، هي تعرف أن الإنسان موبوء منذ ولادته، يحتاج الى الروح القدس لتستقيم أحواله. ولذلك هي تعالج المرضى بالتوبة، المرضى الروحيون يحتاجون إلى التوبة.
التوبة هي التغيير الكامل للإنسان المتواصل. ما زمان التوبة؟ كم من الوقت تستلزم؟ التوبة عمل الإنسان الروحي طوال الليل والنهار، كل ثانية من حياته هي توبة لأنّ عليه أن يتغيّر بإستمرار وينقلب من حال الى حال ليغرس الفضائل مكان الرذائل. هذه عملية تستغرق العمر برمته، وتفشل بإستمرار ونعيد التجربة بإستمرار. نحارب الغضب كل لحظةٍ ونعود الى الغضب كل لحظةٍ، نحارب العجرفة والكبرياء والعنجهية والإنتفاخ كل لحظةٍ ونعود إليها كل لحظةٍ. ولكن المؤمن الحقيقي لا ييأس، يستمر في الحرب حتى يلفظ أنفاسه ويسلّم روحه الى الملائكة لينقلوه من النور الأزلي إلى النور الأبدي الذي لا نهاية له. في سبيل هذا النور في سبيل هذا التشعشع الحياة رخيصة، الأموال رخيصة، الكون برمته رخيص. قال يسوع ماذا يعطي الإنسان فداءً عن نفسه؟ لا فداء إلا دمّ ربنا يسوع المسيح له المجد والإكرام والسجود الى أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين ثم آمين ثم آمين يا ربنا آمين.
أعود فأنصح الأزواج بمراجعة الآباء الروحيين والأطباء النفسيين معاً لمعالجة الخلافات الزوجية. بدون اللجوء إلى المحاكم إلا في الحالات المستعصية جداً بعد عجز الأطباء النفسيين والآباء الروحيين فالقضاء ملزم بالقانون والمسائل النفسية لا تحل
بالقانون.
Discussion about this post