الفصل الثلاثون: عدم الهوى
وستعرفون الحق والحق يحرركم
الفصل الثلاثون: عدم الهوى
جاء يسوع ينقلنا إلى حالات روحية ناجية من سيطرة الأهواء والشهوات. علّمنا أن نسيطر على النفس أن نذهب في كلّ ما هو أرضي وزمني وباطل لنعيش عالم الفضائل، والفضائل المسيحية متعدّدة.
المسيحية تعلّم الطهارة بينما كانت النجاسات هي التي تسيطر كانت الإباحيات مسيطرة، جاء يسوع يعلّمنا الطهارة أيّ أن نتطهّر من كلّ ما هو جسدي لنرتفع إلى العُلويات، علّمنا أن نتخلّص من أهوائنا وشهواتنا الأرضية الفاسدة لنقتني الفضائل السماوية الإلهية الملائكية، علّمنا أن ننتقل من العيش الحيواني البهيمي الأرضي إلى العيش السماوي في الفضائل، علّمنا أن نحيي الجسد بالفضائل، أن ننقل جسدنا الترابي من ترابيّته الى اللّمعان في الفضائل، علّمنا أن النور الإلهي الساكن فينا يمتدّ من روحنا إلى جسدنا إن سلكنا سلوكاً فاضلاً ملائكياً، علّمنا أن نتجلّى بالإيمان والمحبة والرجاء وأن نتغيّر كلياً، يتغير عقلنا الباطل وينتقل من أباطيل هذه الدنيا وسخافتها الى المعرفة الإلهية، تنتقل عواطفنا من الأرض إلى السماء، تنتقل أفكارنا إلى السماء، تنتقل ميولنا الى السماء، تنتقل رغباتنا الى السماء، بدلاً من الطمع في الأرض نطمع في الآخرة، بدلاً من أن نضع رجائنا كلّه في الأرض نضع رجائنا كلّه في السماء، ونعيش على الأرض كغرباء كمسافرين لا قرار لنا لأنّ القرار الحقيقي هو في الملكوت السماوي الأبدي.
فكلّ شيءٍ على الأرض باطل، علّمنا أن الأرض وكلّ ما عليها للفناء، وأنّ البقاء هو وحده في الملكوت السماوي لديه. إذاً حرّرنا تحريراً كاملاً، خلّصنا من الناموس اليهودي الذي يربطنا بأشياء أرضيّة عادية، ختام ومآكل ومشارب وملابس هذا دنس وهذا طاهر ومن كلّ الأوهام اليهودية وسخافاتها، حرّرنا من الفرّيسيين وتعاليمهم، حرّرنا من أحلامهم، حررنا من أحلام اليهودية في ملكوت أرضي.
في أيام ربنا يسوع المسيح كلّ أحلام اليهود محصورة في مجيء مسيح يملّكهم العالم ويجعلهم مُلوكاً على الأرض كلّها ويخضع الأرض كلّها لسطانه، هذا دين؟ هذا هو المسيح الحقيقي؟ المسيح الحقيقي هو الذي قال أمام بيلاطس: “مملكتي هي ليست في هذا العالم”.
كانوا هم يحلمون في مملكة عالمية باطلة لم يملّكهم إيّاها الرب وها قد مضى على مجيء المسيح أكثر من ألفيّ عام ولم يظهر مسيحهم ولن يظهر إلى الأبد أيّ مسيح لهم. المسيح الذي جاء هو مسيحنا فقط ولن يظهر سواه إلا المسيح الدجّال.
فإذاً ينتظرون المسيح الدجّال وهم لا يعلمون، يعيشون في أوهام باطلة منذ ألفي سنة حتى الآن ولا يهتدون إلى الحقيقة ليعلموا أنّ المسيح الحقيقي قد جاء وأسس مملكته السماوية على الأرض. فيسوع المسيح له المجد هو المسيح الحقيقي. ينتظرون من المسيح أن يملّكهم الأرض برمتها، ما هذه العرقية الفاسدة؟ ما هذا الحب الفاسد للسيطرة على شعوب الأرض عرقياً؟.
المسيح أنقذنا من التعصّب العرقي تماماً فجعل شعوب الأرض كلّها له، كما قال بولس في الرسالة الى رومية: “الله إله الناس جميعاً ليس إلهاً محصوراً بإسرائيل”، وقال في غلاطية وكلوسي: “ليس من عبدٍ ولا حرّ ولا من وثني ولا من يهودي ولا رجل ولا إمراة ولا ذكر ولا أنثى ولا ولا، الكلّ واحدٌ في المسيح”. العهد القديم بشّر بإهتداء الأمم ولكن ليس إلى مسيحاً أرضيّ، إلى مسيحنا السماوي، فتوهّموا هم أن الأرض كلّها ستصبح لهم. شعبٌ مادي يعبد المال، هذا معروف في الدنيا كلّها، اليهودي يعبد المال، فتوهموا أن الأرض ستصبح لهم، وهذا توهّم غريب ليس من شأن الله أن يملّكهم الأرض كلّها بجشعهم الكبير وبطمعهم الكبير.
الله يملّكنا ملكوت السماوات لا يملّكنا ملكوت الأرض، الأرض وملؤها للربّ لا لليهود ولا لفلان، هي لعبيده أجمعين أعطانا إياها لنقضي العمر فيها ثم ننتقل إلى ملكوت السماوات. لذلك الإيمان بالآخرة هو الأساس في المسيحية، والسبح لله دائماً أبدياً.
Discussion about this post