مواقع أثرية رئيسية في منطقة الشرق اﻷوسط
خرائط الكتاب المقدس
من خلال القرنين اﻷخيرين تم أكتشاف حفريات عديدة في أراضي الكتاب المقدس و في الخريطة نجد أهم هذه المواقع منها على سبيل المثال اﻷبلية ( حيث وجدت 15000 لوحة فخارية ) . و أوغاريت في شمال سوريا , و قمران شمالي البحر الميت ( حيث وجدت المخطوطات المعروفة بمخطوطات البحر الميت ), و أريحا .
أتّالية:
مرفأ في بمفيلية عند مصب اكسو الحالي. أسّسها الملك أتالوس الثاني ملك برغامس. هي اليوم انتالية. زارها بولس خلال رحلته الرسولية الأولى (أع 14 : 25)
أثينا:
مدينة يونانية. كانت في الزمن البيبلي مركز الفنون والعلوم في العالم القديم. بعد الاحتلال الروماني (146 ق.م.)، خسرت كل أهميّتها السياسيّة. يمتدح 2 مك 9 : 15 نُظمها الديمقراطيّة. كان أهلها يُعتبرون ممن يحبّون أن يقولوا أو يسمعوا شيئًا جديدًا (أع 17 :21) ولا سيّمـا في أمور الدين (أع 17 :22). ويشهد على اهتمامهم بأمور الدين عدد (3000) المعابد والصور، ومنها مذبح “للإله المجهول” (أع 17 :23). لم نجد بعدُ هذه العبارة، ولكننا نعرف واحدة وُجدت في برغامُس تعود إلى الزمن الامبراطوري وهي تقول : مكرَّس للالهة المجهولين. يشير عدّة كتّاب قدماء (مثلاً بوسانياس) إلى وجود مذابح مكرّسة للالهة المجهولة، يبنيها الناس ليُبعدوا كارثة لا يمكن ان ننسبها إلى إله محدّد. ويذكر سفر الأعمال أيضاً “الاريوباغوس” الذي يعني تلة تقع جنوبي الساحة، أو مجلس المدينة، كما يذكر المجمع وسوق الفخارين الواقع شمالي غربي الاريوباغوس(أع 17 :17). زار بولس أثينا خلال رحلته الرسوليّة الثانية ووعظ في المجمع أمام اليهود والخائفين لله. وقال خطابه الشهير على الاريوباج أمام فلاسفة ابيقوريين ورواقيين. توسّع الرسول في ثلاثة أفكار : ^ أولاً : أمام الآلهة المتعدّدة عند اليونان، ليس إلاّ إله واحد هو خالق السماء والأرض، غير منظور وحاضر في كل مكان، وهو لا يحتاج إلى خدمات البشر. ^ ثانيًا : هذا الإله خلق جميع البشر وحدّد مصيرهم ليطلبوه ويجدوه. والأمر ممكن لأنه ليس ببعيد عنهم. ففيه يحيون ويتحرّكون ويُوجدون. ^ ثالثًا : والآن يدعو الله جميع البشر إلى التوبة، لأنه سيدينهم يومًا بذلك الذي تثبّتت رسالته بالقيامة من بين الأموات. كانت نتيجة هذه الخطبة محدودة، لأن اليونانيين لا يعتبرون القيامة من بين الأموات خلاصاً. آمن فقط ديونيسيوس الاريوباغي وامرأة اسمها داماريس (أع 17 :32-34؛ رج 1تس 3 :1). وهناك قراءة رمزية تبرز وجود “عيلة” جديدة من المؤمنين في عالم الفلسفة الذي اشتهرت به أثينا، بشكل بذار سيعطي ثلاثين وستين ومئة.
أردن:
يُسمّى الاردن في العهد القديم : يَردن، دومًا مع أداة التعريف : ها يردن، ما عدا في أي 40 :23؛ مز 42 :7. يتكوّن الاردن (في لبنان) في جنوبي حرمون من نهر بانياس (نبعه في حرمون) ونهر اللدان (نبعه قرب تل القاضي). وينضم إليهما نهر الحاصباني (نبعه في حرمون). يعبر الاردن سهلاً خصبًا فيكوّن بحيرة الحولة أو بحيرة ميروم. ويترك بحيرة ميروم ويجري انطلاقًا من جسر بنات يعقوب نحو الجنوب عبر مجرى صخرّي، فيصب في بحيرة جنّاسرت. ويخرج من الزاوية الجنوبية الغربية لبحيرة جنّاسرت ويصل عبر تعرّجات طويلة إلى البحر الميت. في طريقه يصب فيه روافد أهمها يرموك، يبوق. هناك 110 كلم بين بحيرة جنسارت والبحر الميت، ينزل فيها النهر من 208 م تحت سطح البحر إلى 390 مترًا. هذا القسم من نهر الاردن، يسمّى الغور (غور العرب)، وفيه سلسلة من الواحات الخصبة التي كان يسكنها في الماضي الأُسود (إر 49 :19؛ 50 :44؛ رج 12 :5). يسمي العهد القديم هذه المنطقة أعالي “كبرياء، زهو” (زك 11 :3). ونحسّ بالبحر الميت من بعيد فيتحوّل المنظر إلى صحراء مقفرة. فبين بحيرة جنّاسرت والبحر الميت نستطيع أن نعبر الاردن عند مجازات خاصة قرب بيت شان وأريحا (يش 2 :27؛ قض 3 :28؛ أم 19 :19، 32)، الدامية (أدمة : قض 12 :5)، بيت بارة (قض 7 :24) بيت عنيا (يو 1 :28). وإن الاردن يشكّل حدودًا بين كنعان وشرقي الاردن. وخلال التاريخ البيبلي نراه يفصل بين سكان الضفتين ولا يوحّد. شكّل الأردن حدود الأرض المقدّسة، فصار بدوره مقدّسًا. فهناك موضوع بيبليّ (موضوع الأردن) يمتزج بنصوص الشريعة والاخبار التاريخيّة، ويتلوّن بلونها بانتظار أن يفرض نفسه عليها. ففي البنتاتوكس وبعض نصوص يشوع، يظهر دور الأردن بشكل واضح كالحدّ الفاصل بين أرض الموعد وغيرها (عد 34 :11-12؛ رج يش 23 :4؛ حز 47 :18). وهو بالتالي يشكّل حدود القبائل التي أقامت في كنعان : ابنا يوسف (يش 16 :7)، بنيامين (يش 18 :12، 19، 20)، يساكر (يش 19 :22). وشمالي بحر طبرية نجد نفتالي (يش 19 :35). في أخبار سفر التكوين، اعتُبر سهل الأردن خصبًا، فشكّل للوط تجربة سقط فيها. أما ابراهيم فلم يسقط (تك 13 :10-13). وكانت لابراهيم مغامرة حربيّة شرقيّ الأردن عاد بعدها إلى غربيّ الأردن (تك 14 :14-15). أمّا موقع المذابح والأشجار المقدّسة فهي كلّها في كنعان، في غربيّ الأردن. ويعقوب الذي كان في الشرق لم يبنِ هناك أي مذبح (تك 32 :3، 31)، وذلك بعد صراعه مع الربّ. فإقامته الطويلة والمفيدة في عبر الأردن، لم تكن بالنسبة إليه سوى منفى سوف يتركه سريعًا (تك 32 :11). والطقوس الجنائزيّة التي تتمّ في شرق الأردنّ تنتهي بالدفن في حبرون (تك 50 :10-13). كلّ هذا يعكس فكرة ثابتة عن أرض الموعد وحدودها. ففي أخبار الاحتلال مع يشوع، يحاول النصّ مرارًا أن يبيّن أنّ إقامة قبيلتين ونصف قبيلة في شرق الأردنّ أمرٌ شرعيّ. فقد تمّ بأمر موسى ومساعدة كل بني اسرائيل (عد 32 :5-32؛ تث 3 :8-9؛ يش 13 :8-32). هكذا تمّ وهكذا تنظّم كما يقول تث 4 :41-49؛ يش 20 :8؛ 21 :27، 36-39. فالمحاربون تبعوا يشوع متضامنين تضامنًا كلّيًّا، وتابوت العهد في المقدّمة نحو الضفّة الغربيّة، فردّوا لإخوتهم الخدمة التي نالوها منهم (يش 1 :12-18). ولكن بما أنه ليس للضفة الشرقيّة ذات الطابع القدسيّ، فقد بنت القبائلُ هناك مذبحًا (يش 22 :4-34). إذن، الحدود القدسيّة لا تفرض نفسها على سكن بني اسرائيل وحياتهم اليوميّة. لهذا، يُسمح لهم أن يعيشوا خارج الأرض المقدّسة. أن نكون هنا أمام نظرة مثاليّة، فواضح من عدد كثير من النصوص في قض وفي 1-2صم. فكل ما نستطيع قوله هو أن التضامن بين بني اسرائيل يتّضح حين يذهب أبناء ضفّة لمساعدة أبناء ضفّة أخرى كما حدث في جلعاد. ولكن بجانب المغامرات القبليّة، هناك مغامرات أخرى يقف فيها الأنبياء بشكل له دلالته، بالنسبة إلى الأردنّ. فموسى ما استطاع أن يعبر النهر رغم توسّلاته الدامعة (تث 3 :25-27؛ 4 :21-22؛ 31 :2). وذلك في نهاية حياته. وهكذا بدا سفر التثنية وكأنه وصيّته الأخيرة، وقد قال ما قال عند الضفّة الشرقيّة (تث 1 :1-5؛ 11 :30-31). حُذِّر بنو اسرائيل من تجارب يتعرّضون لها (تث 9 :1). وحين يبنون المعابد يدلّون على أنهم صاروا شعبًا ناضجًا (تث 12 :10؛ 27 :2، 4، 12). عندئذٍ تكون الخيارات حاسمة (تث 30 :8-19). لهذا، لا بدّ من تعليم الأجيال الآتية، لأن حياتهم ستكون على المحكّ (تث 31 :3؛ 32 :47). يبدو أنّ هذه النصوص دوّنت بعد المنفى، في أرض بابل. ساعة زالت قبائل وراحت أخرى نحو الزوال. ولكن يبقى أن شريعة موسى تأخذ في ذاتها الماضي البعيد والمستقبل القريب، فتقدّم الأرض المقدّسة كوعد ومحنة، وتنظّم حياة الشعب في كل زمان ومكان. أتمّ يشوع المواعيد أولاً حين عبّر بني اسرائيل الأردن (يش 1 :2؛ 2 :7-10؛ 3 :1-17؛ 24 :11). وقد روت كرونيكة من القرون الوسطى كيف أن الجبل انهارَ، وقُطع النهر ساعات عديدة سنة 1267. ولكن مهما يكن من أمر (وقد يكون الكاتب الملهم أبرز الأمور وعظّمها فجعل الشعب يمرّ في الربيع وفيضان النهر، لا في الخريف وجفافه)، فالخبر البيبليّ لعبور الأردن قد جاء في أسلوب خاص واستلهم تطوافات تابوت العهد في حياة الشعب. وهو قريب جدًّا من خبر عبور البحر الأحمر الذي يتقابل معه : فالدخول إلى أرض الموعد يقابل الخروج من أرض العبوديّة. وإيليا وُلد في عبر الأردن، في شرقيّ الأردن، في جلعاد، واستعدّ هناك لرسالته النبويّة (1مل 17 :1-7). وبعد أن طهّر الأرض المقدسة من عبادة بعل بأقواله وأعماله، عبر النهر من جديد ليأخذه الله إليه بعد أن أخذته عاصفة رمليّة (2مل 2 :6-13). ومعجزة المياه التي انفتحت لتترك إيليا يمرّ، سوف تنفتح أيضاً من أجل تلميذه أليشع. هذا ما يدلّ على أنّ للخبر معنًى روحيًّا : فإيليا يشبه موسى في أمور عديدة (1مل 19). فالنبوءة، شأنها شأن الشريعة، تأتي من الخارج ولا تزال تحمل الخلاص للشعب العائش في المنفى. غير أنّ خبر نعمان الأرامي يدلّ على أن لمياه الأردن طابعًا مقدّسًا يتيح لها أن تطهّر الغريب من برصه. وهكذا عاد ذاك الذي هو “عدوّ” إلى بيته بعد أن حمّل على بغليه ترابًا من الأرض المقدّسة (2مل 5 :1-17). وفي الأسفار الحكميّة، نجد تلميحات نادرة إلى الأردن، وهذا ما يدلّ على أنّ هذا النهر لا يحتلّ في ذاكرة اسرائيل الناشطة، المكانة التي يحتلّها البحر (مز 141 :3-5؛ سي 24 :26). ونقول الشيء عينه عن الكتابات المنحولة، حيث لا يُذكر النهر إلاّ بصورة عابرة وبمناسبة توسّع في التوراة. وحدها “سيرة آدم وحواء” تقدّم إشارة أصيلة : تاب آدم وحواء عن خطيئتهما فغطسا في المياه أيامًا طويلة، هي في دجلة وهو في الأردن. هنا نتذكّر عماد المهتدين إلى اليهوديّة، واغتسالات الأسيانيّين اليوميّة، والتوضؤ الطقسيّ الذي ما زال يُعمل به في العالم اليهوديّ. غير أنّ ذكر الأردن هنا قد يكون مدسوسًا بيد مسيحيّة. في العهد الجديد، يمكن أن نعتبر كرازة المعمدان على شاطئ الأردن كتنشئة توضح دوره كإيليّا الجديد (مت 3 :5؛ لو 3 :3؛ رج يو 1 :28؛ 3 :26). وحين يقول مت ومر إنّ يوحنا يعمّد التائبين في النهر (مت 3 :6؛ مر 1 :5)، نفهم أنّ الخاطئ يبدو كمنفيّ، ولو أقام في أرض إسرائيل. فعليه أن يتطهّر من خطيئته عابرًا النهر من جهة إلى أخرى : فالحدود الماديّة ترمز إلى الحدود الروحيّة. وحين يتبع يسوع بدوره الطريق عينها، يصبح المشهد معبّرًا سواء ارتبط بالحدث أو بمبادرة الإنجيليّين (مت 3 :13؛ مر 1 :9؛ لو 4 :1). لهذا قام أوريجانس وتبعه آباء كثيرون وأسرة من المخطوطات اليونانيّة، فجعلوا محل “بيت عنيا” (يو 1 :28)، “بيت عبارة” الذي قد يكون مجازًا ارتبط بمرور يشوع. وفي شكل مماثل، جعل متى ومرقس يسوع يصل إلى عبر الأردن قبل أن يبدأ مسيرته الملوكيّة نحو أورشليم لينال فيها معموديّة أخرى مؤلمة (مز 10 :38-39؛ رج مت 19 :1؛ لو 12 :50). وفي التقليد المسيحيّ، احتلّ الأردنّ مكانة هامة في العبادات التي تمارس في الأرض المقدّسة. يكفي أن نذكر الأديرة والمناسك بجانب النهر، حيث الرهبان يتذكّرون موسى وإيليا. كما نشير إلى اغتسال المسيحيّين الشرقيّين الذي كانت روسيا ترسلهم جماعات. وفي أيامنا، يتابع العرب والقبارصة واليونان التقليد عينه بقدر ما تسمح لهم السلطات العسكريّة. وفي الفنّ المسيحيّ ولا سيّما في الإيقونوغرافيا، يصوّر النهر بشكل بشريّ على مثال الأنهر التي ألّهها الوثنيّون.
إزمير:
مدينة مذكورة في رؤ 1 : 11 (سميرنة) على أنها مركز ِ إحدى الجماعات المسيحية في آسية الصغرى. وُجهت إليها رسالة (رؤ 2 :8-11) تمدح المؤمنين وتشجّعهم من أجل الاضطهاد الآتي. كانت إزمير مستوطنة إيوليّة لا أهميّة لها على مصب هرموس. ولكن لاحظ الاسكندر الكبير أهميّتها (نهاية الطرق التجارية في الشرق) فأعاد بناءها حسب مخططه الخاص بيد انطيغونوس وليسيماكوس وصارت إزمير بسرعة أنشط مرفأ في آسية الصغرى وأهم مدينة تجارية هناك. منذ سنة 133 ق.م. صارت إزمير رومانيّة وألفّت مع برغامس المركز الرئيسي لعبادة الامبراطور في آسية الغربية. تأسّست فيها جماعة من المسيحيين المتهودين على يد بولس نفسه. وعرف التقليد اسم بوليكربوس الازميريّ الذي توفي حوالي سنة 170.
أفسس:
مدينة إيونية. تأسّست في الزمن السابق للعهد الهليني. أعيد بناؤها سنة 336 ق.م. بعد سنة 33 ق.م. صارت عاصمة (مدينة حرة) لمقاطعة آسية الرومانيّة، ونعمت بوضع خاص على مصب نهر كايستريس وعلى ملتقى الطرق التجاريّة من اليونان وآسية الصغرى (كل هذا كان مصدر غنى كبير). وكانت مركز القنصل الرومانيّ. إلى ذلك عُرفت المدينة بسَحرتها العديدين. فبرديات أفسس السحريّة أشتهرت في العالم كله. كانت تعدّ ربع مليون نسمة، وكان بين السكان عدد كبير من اليهود ينعمون بوضع مميّز. زار بولس أفسس خلال رحلته الثانية (أع 18 : 19-21) ورحلته الثالثة (أع 19 :1-20 :21). وفي هذه المناسبة الأخيرة أقام ثلاث سنين حتى أجبرته قلاقل أثارها الصائغ ديمتريوس على ترك المدينة. نعرف أشخاصًا عديدين من العهد الجديد سكنوا أفسس أو أقاموا في أفسس : اسكندر، ابلوس، أكيلا، أسس، هرموجينيس، هيمينايس، أونيسفوروس، فيجلس، برسكلة، سكاوا، تيموتاوس، تروفيمس، تيخيكس.
أنطاكية:
1) أنطاكية بسيدية أو القريبة من بسيدية. تقع على الحدّ الفاصل بين بسيدية وفريجية، على شاطئ نهر مياندريس. أسّستها مغنيزية في آسية الصغرى وصارت مدينة حرة سنة 190 ق.م. ومستوطنة رومانيّة يسودها الحق الإيطالي المعمول به منذ أيام أوغسطوس قيصر. هي اليوم يلواص إلى الشمال الشرقي من بحيرة أغردير. كان فيها جماعة يهوديّة هامة استقبلت بولس وبرنابا خلال الرحلة الرسولية الأولى. بدأ اليهود فاستقبلوا الرسولين استقبالاً طيبًا ثم أثاروا عليهما اضطهادًا أجبرهما على الهرب إلى أيقونية (أع 13 : 14-52). ولكن ظلّت في المدينة جماعة مسيحيّة مؤلفة من وثنيين مهتدين، وسيزورها الرسولان فيـما بعد (أع 14 :21 ي). 2) أنطاكية سورية. تقع على ضفتي نهر العاصي في سهل يقع بين كاسيوس وأمانوس. أسّسها سنة 300 ق.م. سلوقس الأول إكرامًا لأبيه أنطيوخس. كانت مدينة تجارة غنيّة ومركز المدنيّة الهلينية وعاصمة السلوقيين. بعد سنة 13 ق.م. صارت عاصمة مقاطعة سورية الرومانيّة ومركز الحاكم الرومانيّ. تألّف شعبها من أهل سورية ومن اليونانيين واليهود. كان اليهود أغنياء وقد نشروا ديانتهم فيها بغيرة وكان منهم نيقولاوس الدخيل الأنطاكيّ (أع 6 :5). كان حقّ الانتماء إلى مدينة أنطاكية امتيازًا مهمًا وقد أعطي ليهود المدينة (2مك 4 :9). ألّف مسيحيون من فلسطين وقبرص وقيريني جماعة مكوّنة من يهود مهتدين ومن وثنيين. وقد دعي أعضاء هذه الجماعة مسيحيين (أع 11 :26). زار أنطاكية أولاً برنابا (أع 11 :2ي) ثم بولس (أع 11 :25). وستكون نقطة انطلاق ووصول الرحلتين الأولى والثانية (أع 13 :1-3؛ 14 :26-28؛ 15 :40 ي؛ 18 :22). وان طريقة حياة وتفكير مسيحيّي أنطاكية فرضت عقد مجمع أورشليم وأبرزت الصراع بين بطرس وبولس. بُنيت أنطاكية على الضفّة اليسرى لنهر العاصي، وابتعدت 22 كلم عن شاطئ البحر، فوقعت في سهل غنيّ يمتدّ من جبل أمانوس. ربط هذه المدينة إلى مرفأها، سلوقية بيارية، نهر العاصي وطريق تحاذيه. وعلى الطريق الرئيسيّة التي تربط آسية الصغرى بسورية وفينيقية، وفي نهاية القوافل الآتية من بلاد الرافدين، كانت أنطاكية ملتقى الطرق. تأسّست في الأصل من أجل عشرة آلاف مستوطن مكدونيّ، فجذبت إليها أناسًا أقاموا في حيّ آخر. وكوّن أنطيوخس الثالث حيًّا ثالثًا سمّاه نيابوليس، وأنطيوخس الرابع حيًّا رابعًا سمّاه ابيفانيا. وهكذا صارت أنطاكية المدينة الثالثة في الإمبراطوريّة الرومانيّة بعد رومة والاسكندريّة. حاول أنطيوخس الثالث أن يؤسّس فيها مكتبة، ولكن هذه المكتبة لم تضاهِ أبدًا مكتبة برغامس أو مكتبة الاسكندريّة.
أور في كلداي:
(في العبريّة أور كسديم). مدينة في جنوب بابلونية. هي اليوم : مقيَّر. تبعد 9 كلم عن الفرات. وتمتد على تلال عديدة. إذا عدنا إلى التقليد البيبلي، نقول إن عائلة ابراهيم كانت من أور. ان تاريخ هذه المدينة صار معروفًا بعد الحفريات التي تمت منذ سنة 1853 وما بعد. تعود الحقبة السابقة للتاريخ أو البادئة للتاريخ إلى الألف الرابع والخامس ق.م. وتقسم إلى زمن تل العُبيد (اسم تل يبعد 4 كلم إلى الشمال من أور. فهذا التل وأوروك وجمدت نصر تعطينا معايير كرونولوجية من أجل الاركيولوجيا في بلاد الرافدين) الذي تحوّل تدريجيًا (السومري الثاني) إلى زمن أوروك (مع أوّل آثار الكتابة) وزمن جمدت نصر (مع لوحات عديدة في كتابة مسمارية صورتية). في الزمن السومري (3100-2200) سيطرت أور ثلاث مرات على جنوب بلاد الرافدين. بعد هذا سيطر عليها الخارج حتى سنة 529. ولم تكن أور المدينة الثانية في المملكة البابلية الا في أيام سلالة لارسا وعهد نبونيد. خلال هذه الفترة عُرفت خاصة كمركز دينيّ. كانوا يعبدون فيها الإله القمري سين باسم نانة في هيكل أي – كسنو – غال الشهير. إن زقورة أور هي أفضل ما بقي لنا من زقورات في بلاد الرافدين. وحين وصل الفرس، صارت أور مدينة ثانوية فخسرت كل أهمّيتها. سنة 2500 بدأت أول سلالة في أور، وهناك اكتُشفت المدافن الملكيّة. إلى ذلك الوقت تعود الزقورة المشهورة التي نجدها اليوم على تل المقيّر، التي تعود إلى زمن أورنامو مؤسّس سلالة أور الثالثة، والذي معه بدأت نهضة سومريّة بعد أن هيمن ملوك أكاد الساميّون وسيطر الغوطيون. وأورنامو هو الذي ترك لنا أقدم مجموعة من الشرائع الشرقيّة وصلت إلينا حتى الآن، ونحن نجد بنيتها وسماتها في كودكس حمورابي. وامتدّ سلطان خلفاء أورنامو مع شولجي (2018-1971 ق.م.) وأبنائه الثلاثة أمارسين (1970-1962)، شوسين (1961-1953)، إيبي سين (1952-1929)، على بلاد الرافدين، بل إلى غرب الفرات. وهكذا أقرّ عبد هدّي سلطة أور أقلّه في زمن أمارسين. ونحن نعرف كيف تنظّمت مملكة أور الثالثة بواسطة عشرات آلاف الوثائق الإداريّة والاقتصاديّة التي وصلت إلينا من هذه الدولة البيروقراطيّة. كانت هزيمة عسكريّة،وانفصال إشبي إرّا الذي هو ضابط من أصل أموري جعل من إيسين مركز إمارته، وأزمة اقتصاديّة، وضربات متلاحقة من الأموريين والعيلاميّين والشوشيّين، كل هذا وضع حدًّا لمملكة أور حوالى سنة 1929 ق.م. أما أور المدينة المقدّسة للإله القمر نانه – سين، فصارت جزءً ا من مملكة إيسين، ثمّ مملكة لارسا سنة 1850، وأخيرًا تحت حكم حمورابي في بابل (1718-1676). وما عادت أور عاصمة دولة. بل ظلّت تنعم بهالة كبيرة بسبب معبد الإله سين. وفي نهاية القرن السابع وفترات قصيرة من الاستقلال النسبيّ، انتقلت أور إلى سلطة السلالة الكلدائيّة في بابل وصارت “أور الكلدائيين”، كما في التوراة (تك 11 :28؛ 31؛ 15 :7؛ نح 9 :7). أما التقاليد المتعلّقة بإقامة ابراهيم في أور فهي تعود إلى القرن السادس ق.م.، وقد وُلدت لدى منفيّين يهوداويّين أقاموا في بابلونية الجنوبيّة. فالمدينة الكلدائيّة التي كانت لهجتها لهجة أراميّة والتي كانت تعبد الإله الذي يُعبد في حاران، بدت للمنفيّين على أنها موطن إبراهيم الأوّل. فمسيرة إبراهيم من أور إلى حاران أتاحت لهم فيما بعد ربط التقليد الجديد بتقليد الأزمنة الغابرة (تك 11 :31) التي كانت تعتبر أن موطن ابراهيم هو حاران لا أور (تك 12 :1، 5؛ 24 :4؛ يش 24 :2). فالإشارة إلى موت هاران، أخي ابراهيم في أور الكلدائيّين، يجعلنا نفترض أنه كان هناك في القرن 6-5 مقام يكرّمون فيه ذكر أخي ابراهيم (تك 11 :28). وحسب فلافيوس يوسيفوس، كان هذا المقام موجودًا بعدُ في أيامه (العاديات 1 :150). لا يبدو أن اليهوديّة عرفت بأور قبل المنفى، لأن المدينة لا تظهر في لائحة الشعوب (تك 10 :1ي) رغم ماضيها المجيد وطابعها الدينيّ، ساعة ذُكرت أكاد وأوروك. في النهاية، لا يمزج النص البيبليّ بين أور وأورا، المدينة الأناتوليّة التي تحدّثت عنها النصوص الحثيّة.
أوغاريت:
لا تُذكر أوغاريت في التوراة، ولكن في النصوص القديمة مثل رسائل تل العمارنة، أرشيف بوغازكوي، أرشيف ماري. كانت أوغاريت مرفأ فينيقيًا هاما. أقام فيه الساميون منذ بداية الألف الثاني. عرفت المدينة أوج عظمتها بين القرن 16 و13، ثم طواها عالم النسيان مع هجمات شعوب البحر. تأثّرت هذه المدينة الفينيقية بالحضارة المصرية وفيما بعد بالحضارة الميتانية. اكتُشفت بعد أن طواها النسيان في * راس شمرا الحالية. والحفريات التي تمّت هناك كانت مهمة لأنها كشفت مدينة قديمة بمبانيها : قصر ضخم، هياكل لبعل صافون وداجون، المدافن (في مينة البيضاء) وأدوات عديدة. واكتشفت أيضًا نصوص أدبية تعطينا فكرة عن مركز حضارة فينيقي (وبالتالي كنعاني) حين كان بنو اسرائيل يدخلون أرض كنعان. أولًا : الاركيولوجيا. اسمها في المسماريّة المقطعيّة : أوغاريت أو أوغارات. في الاغاريتية : أ و غ ر ت، مدينة على شاطىء سوريا الشمالية. تكوِّن خرائبُها تل راس شمرا الذي يبعد 12 كلم إلى الشمال من اللاذقية. كانت مأهولة منذ النيوليتي (الالف 7). وصارت في عصر البرونز موقع عاصمة مملكة مزدهرت تراوحت مساحتها بين 2 كلم مربع و 5 كلم مربع. وهكذا تجاوزت الدويلات المدن في فينيقية في عصر الحديد. وُجد مرفأ اوغاريت في البرونز الحديث في مينة البيضاء، على بعد كلم واحد ونصف الكيلومتر، وقامت مدينة مع قصور ملكيّة في راس ابن هاني، على بعد 5 كلم إلى الجنوب الغربي من أوغاريت. وإذا عدنا إلى الاركيولوجيا، نرى أن الكلكوليتي والبرونز القديم والوسيط، حاضر في أوغاريت. في البرونز الحديث وهو العصر الذي نعرفه من سنة 1365 إلى سنة 1200، عرف أحياء للسكن الكثيف على مساحة 20 هيكتارًا، كما عرف الهياكل والقصور وملحقاتها. استعمل البناؤون الحجارة المقصوبة والدبش ودعامات الخشب. أما العمارة الأهم فهي القصر الملكيّ (7000 متر مربع) الذي ارتفع غربيّ المدينة، وجُعلت حوله حماية منظمه. حوى في الطابق الأرضي 90 قاعة وغرفة ترتّبت حول خمسة اروقة وحديقة، و11 سلمًا و 5 أبوابٍ كبيرة وأمكنة مختلفة مع الارشيف الملكي المدوّن في الابجدية المسمارية (الاوغاريتية) والمقطعيّة الأكاديّة. تضمّن أرشيف اوغاريت ما يتعلّق بإدارة مدن المملكة وقراها، والنصوص الاقتصاديّة، ومراسلات الملك والمدراء : رسائل دبلوماسيّة، أرشيف مركزيّ، نصوص المعاهدات، قرارات وأحكام دوليّة. وهناك فرن لطبخ اللويحات، احتفظ بمجموعة نصوص تعود إلى الأيام الاخيرة التي عاشتها المدينة. قدّمت لنا هذه النصوص جوهر النشاط الملكي، الادارة المركزية تجاه مواطنين يتعلّقون بالملك وقد اجتمعوا حول مختلف الصناعات. وهناك نصوص تستحق اهتمامًا خاصًا لأنها ترسم مسبقًا البحرية الفينيقية. لائحة السفن، والنصوص المتعلّقة بالابحار على طول الشاطىء السوري الفينيقي والفلسطيني مع ذكر المرافىء : جبيل، صور، عكا. بالاضافة إلى الارشيف، قدّم القصر الملكيّ بقايا أثاث مثل الأسرّة والمقاعد والأبواق العاجيّة والخزنات المطعّمة بالعاج وآنية المرمر الآتية من مصر. حسب إشارات متوافقة، يبدو أنه وُجدت مشاغل في إطار القصر الملكيّ. والموازين المتعدّدة التي وُجدت في الارشيف تدلّ على نشاط مكثّف وتجارة واسعة واهتمام بالضرائب لدى موظّفين يهتمون بماليّة الملك. وإلى جنوب القصر وجد بناء واسع يفصله عن القصر ساحة صغيرة : هو القصر الصغير. عاد إلى القرن 14-13، فكان مسكن عائلة وجيهة توضّحت شخصيّتها بواسطة الارشيف المحفوظ في قاعتين من القاعات. كما تميّز بوحود مدفنين مصنوعين بحجر مقصوب، تعلوهما قبّة. بين الجرار والخوابي، في الكرار، وجد أناءان كبيران من ايجه وباطيّة لمزج الخمر، من كريت… نصوص القصر الصغير تكمّل نصوص القصر الملكي، وهي بأكثرّيتها في الأكادي. تعالج تبادل المواد الغذائية والخشب والمعادن، ويتضمن بعض هذه النصوص لوائح بأهل أوغاريت المقيمين في مدن الشاطىء. أرواد، جبيل، صيدون، عكا، اشدود، اشقلون. وهذا ما يلقي ضوءًا على العلاقات الوثيقة بين الناس، والرباطات البحريّة والتجاريّة التي تجمع مدن الشرق في النصف الثاني من البرونز الحديث. وامتدّت شمالي القصر الملكي عدّة أبنية رسمية : هناك قصر. بُني بناء حسنا في القرن 16-15، ولكنه دمّر. تضمّن 29 قاعة وممرّات ورواقًا وسلّمًا واحدًا. أفرغ في القديم من أثاثه، فصار مقلعًا للحجارة في نهاية البرونز الحديث. على الهضبة الشمالية الغربيّة من التلّ، وُجدت عمارة متينة بُنيت بالحجارة المقصوبة، من أجل اجتماعات الوجهاء والخيّالة، الذين لعبوا في أوغاريت دورًا هامًا تحت سلطة الملك المباشرة. وارتفعت عمارة أخرى على الحدود الشمالية للتلّ من أجل قوّاد الجيش الذينن كانوا يرتدون دروعًا مكوّنة من قشر البرونز. في الحيّ السكنيّ الواقع شرقيّ قصر الملك، نلاحظ بيوتًا كبيرة، بينها بيت رَفانا، الكاتب والموظّف الرفيع في القصر، الذي كان يحتفظ بالارشيف الرسائليّ الهام من أجل تاريخ العلاقات السياسيّة بين أوغاريت وجيرانها، والنصوص الاقتصاديّة والدينيّة، ودوائر المصارف ولائحة بالموازين والمقاييس. في أخبار المدينة الجنوبيّة، كانت بيوت الصّناع مجموعة حسب كل مهنة. الصاغة، عمّال النحاس، النحّاتون، الحفّارون،العاملون في الخشب وفي الجلد وفي القماش.وما ساعد على التعرّف إلى هذه المهن، أدوات البرونز التي يستعملونها، وهناك نشاط آخر يصدر عن عالم الزراعة، انتشر في مدينة أوغاريت انتشارًا واسعًا، بسبب تواتر المطحنة والمعصرة : صنع زيت الزيتون. وهناك معاصر للخمر أيضًا. على الاكروبول وحدوده الجنوبيّة. كان الهيكلان العظيمان : هيكل بعل وهيكل داجان. والمكتبة الدينيّة التي تضمّ النصوص الليتورجيّة والميتولوجيّة التي اشتهرت بها اوغاريت. وتضمّن بيت كاهن ساحر مجموعة من النصوص الباراميتولوجيّة ونماذج من الأكباد وما يرتبط بالاثاث العباديّ (تمثال ايل). وبقرب سور هيكل بعل، في بناية ملحقة وُجد اناءان من ذهب، زيّنا بمشاهد ميتولوجيّة يعودان إلى القرن الرابع عشر ويكونان نموذجًا حقيقيًا لكاسات قبرصيّة وفينيقية ستنتشر في عصر الحديد من فينيقية إلى إترورية (ايطاليا). وفي الحيّ السكنيّ الواقع جنوبي غربيّ تلك العمارة، مسلّتان محفورتان في الحجر. الجديد عند كتبة اوغاريت هو خلق أبجديّة، سماويّة جُعلت على لويحات وُجدت مع الارشيف الملكي والديني. وفي مجال التجارة البحريّة، فتحت أوغاريت أيضًا الطريق للانتشار الفينيقي في الألف الأول ق م. فتدل الاركيولوجيا والنصوص على اتساع التبادل بين اوغاريت وقبرص وكريت. نشير هنا إلى الأواني الآتية من قبرص وبحر إيجه، والتي وُجدت في اوغاريت ومينة البيضاء والمنتوجات الاوغاريتيّة التي وُجدت في هذه المناطق. ثانياً : التاريخ. أول مرّة ذُكرت أوغاريت، في نصّ من إيبلا يعود إلى القرن 24، يقابل بقايا السور العائد إلى البرونز القديم II. لا تُذكر المدينة في وثائق سلالة أور الثالثة، ولكنها ترتبط بعلاقات متواصلة مع مصر السلالة 12. وما يدلّ على ذلك، المدوّنات الهيروغليفيّة لسيسوستريس الأول، وسيسوستريس الثاني وامنمحات الثالث ووجهاء مصر في تلك الحقبة. في القرن 18 ظهرت أوغاريت مرارًا في نصوص ماري، كوسيط تجاريّ لمنتوجات نفيسة بين كريت ووادي الفرات. مقابل هذا، لا تظهر سوى مرّة واحدة في ارشيف الالخ (القرن 17)، في المستوى 17 ومرتين في المستوى 4 (القرن 15) يوم كانت اوغاريت والالخ تدوران في فلك مملكة ميتاني. ولكن بعد حملات فراعنة السلالة 18 حتى الفرات (مدوّنة تحوتمس الثالث على إناء في اوغاريت) انتقلت اوغاريت إلى فلك مصر كما تقول رسائل كتل العمارنة (1 :39؛ 45 :35؛ 89 :51؛ 98 :9؛ 126 :6؛ 151 :55). هذا ما تشير اليه وثائق وُجدت في ارشيف اوغاريت وآنية من المرمر ترتبط بأسمينوفيس الثالث (1386-1349). في النصف الثاني من القرن 14، صارت أوغاريت خاضعة للمملكة الحثيّة،وارتبطت بشكل مباشر بنائب الملك في كركميش، مع استقلاليّة اتاحت لها أن تقيم علاقات رسميّة مع مصر، وتعرف ازدهارًا اقتصاديًا كبيرًا. عرفنا اقتصاد أوغاريت من خلال الأرشيف، وكان متنّوعًا جدًا، الزراعة وتربية المواشي في القرى والمزارع الملكية، صنع الارجوان، التعدين، النسيج والتجارة عبر البحر مع مرفأ محادو (اليوم مينة البيضاء). وصلوا إلى قبرص وبحر ايجه، كما إلى شاطىء فلسطين ومصر وداخل الأراضي السورية وبلاد الرافدين وأناتولية. وهكذا عرفت اوغاريت مزيجًا من السكان. ويُثبت هذا الواقع النصوص التي وردت في سبع لغات مختلفة. في بداية القرن 12 دُمِّرت اوغاريت على يد شعوب البحر ولن تقوم لها قائمة. أما رأس ابن هاني فعادت إليه الحياة فيما بعد. ثالثًا : الحضارة الاوغاريتيّة والفينقية. إن الحضارة الاوغاريتية في البرونز الحديث وجدت تعبيرها الممّيز في نصوص دوّنت، في معظمها، في الاكادية التي كانت اللغة الدبلوماسيّة في تلك الحقبة، أو في اللهجة الاوغاريتية القريبة من الفينيقية، في الالف الاول، التي استعملت ابجديّة مؤلفة من 30 حرفًا مرتبطًا على مستوى الولادة بالابجديّة الفينيقيّة الكلاسيكيّة. ويدلّ ارشيف أوغاريت على علاقات وثيقة ومتواصلة بين اوغاريت ومدن الساحل الفينيقي. فالوثائق الاكادية تذكر ارواد، جبيل، صيدون كمراكز ساحليّة أقام فيها الأوغاريتيون. ثم نجد لائحة بأسماء شخصين من أرواد يقيمان في اوغاريت. وهناك مراسلة بين ملك صيدون وملك اوغاريت حول “خطيئة” اقترفها في صيدون مواطنون من اوغاريت. ورسالة من ملك صور إلى ملك اوغاريت تتحدّث عن سفينة تحطّمت قرب عكا. وهناك نصّ إداريّ يلمّح إلى مرفأ جبيل. وحسب قصيدة كارت، مضى بطل الخبر إلى معبد أشيرت، إلاهة الصوريين والصيدونيين، لينذر نذرًا لا يفيه فيخطأ خطأ جسيمًا يسبب له كل الشقاوات. (العلائق المتواصلة مع ألاشية هي سابقة لإقامة الفينيقين في قبرص. والتقليد الأدبي والذيني في أوغاريت الذي يدك على حضارة أصلية في عصر البرونز، يكشف نقاط اتصال عديدة مع فينيقية في عصر الحديد. فهناك دورات ميتولوجيّة مثل دورة بعل الذي يختفي في الأسافل بسبب موت ثم ينتصر على الموت، إنه تقليدًا دينيًا هو صورة مسبقة عن ملقارت وسائر الأبطال الفينيقية الذين يحتفلون بموتهم وعودتهم إلى الحياة. وصورة الملك الاوغاريتي الذي هو في الوقت عينه ملك سياسي وخادم المعبد ولا سيّما الآباء. (رفائيم)، قد تلقي ضوءًا على التطوّر التاريخيّ الذي يميّز دور الملك في المدن الفينيقيّة. نلاحظ أيضًا أن أكثر الآلهة المعبودين في أوغاريت، وإن تحولّوا مع الوقت، قد نعموا بشعبيّة كبيرة في العالم الفينيقي والعالم الفونيقي : رشف، حورون، ايل، خوسور، شف (صار شمس – الشمس)، شليم، ملك عشتارت. وإن كان صحيحًا. أننا لم نجد ملقارت في أوغاريت حتى الآن، وأن اشمون لا يجد بُعده العباديّ الحقيقيّ إلّا في الديانة الفينيقية الفونيقية في الألف الاول، فإن صورة شدرافا ترتبط ب ش د ق د ش” في راس ابن هاني. أما عنات التي عرفت في العالم الفينيقي والفونيقي، فقد امّحت أمام عشتار التي ارتبطت بدورها بتانيت. وفي النهاية، هناك تواصل عميق بين الحضارتين الاورغاريتيّة الفينيقية رغم التقلّبات التي طبعت بطابعها العبور من البرونز الحديث إلى عصر الحديد، في سورية وفينيقية وفلسطين. رابعًا : الأدب الاوغاريتي (أ) اللغات : عُرفت في أوغاريت لغات العالم القديم الرئيسية : السومرية، الأكادية، المصرية، الحورية، القبرصية، الحثية. أما اللغة المحلية فهي لغة سامية تنتمي الى المجموعة الكنعانية وهي قريبة من العبرية. (ب) الكتابة : دُوِّنت النصوص السومرية والأكادية في الحروف المسمارية المقطعيّة، واللغة المصرية والحثية في الحروف الهيروغليفية، والحورية في المسمارية الأبجدية. ودونت الاوغاريتيّة في هذه الأبجدية المسمارية. كان انتقال من الكتابة المعقّدة الى نظام أبسط مبنيّ على الأبجدية المستوحاة من المسمارية. ولكن هذه المحاولة لم تعرف النجاح ولم تثبت أمام الأبجدية الفينيقية التي كانت أبسط منها. خامسًا : دوِّنت النصوص الأوغاريتية في نهاية القرن 15 أو بداية القرن 14. هي نصوص ميتولوجية (أناشيد ملحمية) وإدارية. أما النصوص التاريخية فهي قليلة. وإن النصوص الميتولوجية تساعدنا على فهم العهد القديم : 1) سطرة بعل وموت. تألّفت من نصوص عديدة. تروي صراع بعل ابن ايل واله الخصب مع موت اله حَرّ الصيف والجفاف. هُزم بعل بطريقة مؤقتة (نزل الى الجحيم، أو الشيول) ولكنه انتصر انتصارا نهائيا (القيامة) على خصمه وقتلَه. 2) نشيد آلهة النعمة والجمال. يروي ولادة شحر وشلم اللذين يرمزان الى تبدّل الفصول. 3) نشيد نكال. خبر زواج الاله القمر (يريح) والالاهة نكال ابنة بعل. ويصوّر المهرُ المطلوب في هذه المناسبة. 4( أسطورة كارت. أخبار الصعوبات البيتية لكارت ابن ايل. إن كارت (ك ر ت) فقدَ زوجته وأولاده. أمره إيل فسار على رأس جيش كبير إلى “أودم” (لا أدوم) مدينة حميّه “ف ب ل”. فأجبره على إعطائه ابنته “ح ر ي” زوجة له. ويتحدّث النصّ بعد ذلك عن مرض كارت، ولكنّه لا يقول لنا شيئًا عن موته ولا عن الذي خلفه. 5( أسطورة دانيل أو أقهات. أقهات الراعي الشاب هو ابن دانيل. نال قوسًا من إله الصناعة “ك ش ر. و. ح س س”. وعدَتْه عناتُ بالحياة الأبديّة إن هو أعطاها القوس. رفض أن يعطيها فقتله “ي ت ف ن” الذي أرسلته عنات… ولكن نهاية الخبر ظلّت غير معروفة. 6( ووُجدت كتب طقوس تذكر أسماء الآلهة، وتعدّد الذبائح والطقوس المختصّة بكلّ ظرف مع مشاركة الملك. وهناك نصوص حول السحر والعرافة. 7) والنصوص غير الدينيّة هي نصوص تتحدّث عن الطب والخيل. والرسائل (ما عدا ما هو شخصيّ) في مجملها رسائل بين الملك وموظفيه، بين ملك أوغاريت وسائر الملوك. وهناك الوثائق الإداريّة والاقتصاديّة من الضرائب إلى تنظيم ماليّة المدن والمقاطعات، إلى الهبات الملكيّة والتشريع بشكل خاصّ. دوّنت هذه الوثائق بشكل لوائح أسماء وأماكن ومهن وتوزيع إعاشة، فأعطتنا المعلومات الكثيرة عن اقتصاد مملكة أوغاريت وبنيتها الاجتماعيّة. هناك عدد من الرسائل والوثائق الاقتصاديّة والقانونيّة (مثل العقود) والدوليّة، قد دوّنت في الأكاديّة التي حوت أيضاً نصوصًا حكميّة وأجزاء من خبر الطوفان. ونشير في النهاية إلى نصوص الألفباء، إلى قاموس سومري وحوريّ… سادسًا : الديانة في أوغاريت. إنّ نظام تعدّد الآلهة في أوغاريت يبدو معقّدًا، بحيث لا نستطيع أن نحصر كل المعطيات في نظام موحّد ومتماسك كل التماسك. وقد نجد تعارضًا بين النصوص الميتولوجيّة وشعائر العبادة التي نجدها في كتب الطقوس وفي لوائح ذي طابع دينيّ. ومع ذلك، فالصور الدينيّة في أوغاريت قد حملت إلينا توثيقًا غنيًّا حول ديانة سورية ولبنان وفلسطين في الألف الثاني ق.م.، وهي ديانة عرفناها قبل ذلك الوقت بشكل سطحيّ انطلاقًا ممّا وجدناه في التوراة. نذكر هنا : * إيل، * بعل، * عناة، * أثتارت. 1) إيل. هو رئيس الآلهة. معه تُكوّن الآلهةُ “جماعةَ الآلهة” (ف ح ر. ا ل ي م) هو أبو الآلهة. ويصوّر بشكل ملك مُلكه أبديّ وثابت، وهو يختلف عن مُلك بعل الذي يرتبط بفصول السنة. يسمّى “ثور إيل” (ت ر. ا ل. الثور هو حيوان يرمز إليه). هو “أبو السنين” (اب. ش ن م). “أبو البشر” (ا ب. ا د م). “خالق الخلائق” (ب ن ي. ب ن و ت). ومع أنه سمّي الخالق، فلا نجد أسطورة نشوء الكون (كوسموغونيا) في النصوص. يحافظ إيل على التوازن في الكون، وهو المحامي عن النظام السياسيّ في نصوص الملاحم. هو الإله اللطيف ويسمّى “اللطيف الإله الذي له قلب” (ل ط ف ن، والنون للتنوين، إ ل. د ف ي د، رج في العربيّة : فؤاد). يبدو أن إيل أقام تحت المياه، في ينابيع الأنهار، ووسط تيارات المحيطين. زوجته هي “أثيرة” (رج أشيرة في التوراة) “أ ث ر ت” التي هي “والدة الآلهة” (ق ن ي ت. ا ل ي. رج فعل قنى في العبريّة وفي العربيّة، أم 8 :22). اسم هذه الإلاهة الكامل : “اثيرة البحر”، وهذا ما يدلّ على ارتباطها بالماء. 2) بعل. السيّد. الربّ. هو محور النصوص الميتولوجيّة. هو ابن ايل. ويُسمّى في موضع آخر ابن داجون. هو إله العاصفة والمطر وبالتالي إله الخصب. اسمه الخاص هدد (هـ د). ويحمل أيضاً لقب أمير (ز ب ل أو رئيس، رج بعلزبول في مت 10 :25). ويعبّرون عن صفته كإله العاصفة بعبارة “الراكب على الغمام” (ر ك ب. ع ر ف ت)، وهو لقب سيُعطى ليهوه في مز 68 :5 (ر ك ب. ب ع ر ب و ت). وما يشدّد على قدرته لقبه الذي يرد بشكل متواتر : “اليتين” من “لأى” أي كان قديرًا، غلب. يرمز إليه العجل (ع ج ل) ومقامه هو على جبل صفون (جبل الاقرع (ص ف ن) الذي يبعد 40 كلم إلى الشمال من أوغاريت (جبل كاسيوس لدى اليونان). صوته الرعد، سلاحه الصاعقة، وهو يحارب “ي م” و”أبناء أثيرة”. هو محارب وصيّاد… صور عديدة تدلّ على شعبيّته الواسعة. 3) عناة. هي الالاهة المرتبطة ببعل، وقد سمّيت أخته. لقبها “البتولة” (ب ت ل ت). ثمّ “ي ب م ت. ل إ ي م “. هي ترتبط بالأمم. هي قريبة الأمم. 4) أثيرة أو اثتارت. لا تحتلّ في السطر الأوغاريتيّة الكبرى المكانة التي تحتلّها عشترت في الديانة الساميّة في الألف الأول. 5( يم أي البحر. قُدّمت له الذبائح، ولكنه لم يشتهر مثل بعل. 6) موت أي الموت. قد حارب بعل. بل ابتلعه. قطّعته عناة وشتّتت أجزاء جسده. 7( شفش (رج ش م ش في العبريّة) : الشمس. هي إلاهة ربّما تجاه القمر “ي ر ح”. هي “سراج الآلهة” (ن ر ت. ا ل م، منارة). هي ينبوع النور والحرارة. وهي تدور كلّ يوم دورتها حول الأرض فتحمل رسائل إيل. وقد تكون الحكمة والمعرفة الكليّة التي لـ “ش م ش” في الديانة البابليّة. وهي خلال سفرتها الليليّة تراقب ما يحدث في العالم السفليّ. لهذا فهي تعرف أرواح الموتى وستقود عناة الذاهبة لتبحث عن بعل. 8( كوثر حسيس. له وظيفة الصائغ والحدّاد والمهندس. يقدّم السلاح لبعل، والمصاغ الذي يقدّمه بعل وعناة لأثيرة. وهو يبني قصر يم وقصر بعل. كما يصنع القوس التي قدّمها لدانيل، فرغبت بها عناة. وقد يكون هذا الإله أوّل من ركب البحر واستنبط الموسيقى. اسمه اسمان. الأول يدلّ على النجاح (ك ش ر، رج كشرو في الأكاديّة). والثاني على الحكمة (حسسو في الأكاديّة. وهنا : ح س س). سابعًا : أوغاريت والعهد القديم (أ) هناك تقارب عظيم على مستوى اللغة. استطعنا أن نفهم إش 3 :18 (شفيشيم، شموس صغيرة. رج ش ف ش)؛ مز 68 :5 (ركب بعربوت : راكب على الغمام)؛ 2مل 15 :5 وز (بيت هاهو فشيت : المسكن السفلي) وغيرها. (ب) على مستوى التاريخ. تبيّن أن دستور حمورابي أثّر على جيرانه فوصل تأثيره الى ساحل فينيقية. فهمنا بطريقة أصح تأثير مصر على الشرق الأوسط الآسيوي. تبيّن التماثلُ بين ساغاز مع عابيرو (أي العبرانيين). وان معرفة بعل صفون اله جبل صفون وانتشار عبادته حتى جبل كاسيون قرب سين، ألقيا ضوءا على طوبوغرافية خروج بني اسرائيل من مصر. (ج) على مستوى الديانة. فهمنا الدور الأوّل لايل في ديانة أوغاريت. الوحش الاسطوري لاويثان ظهر في سطرة بعل وموت بصورة لوثان كما في إش 27 :1. انّ دانيال الذي نتعرّف إليه في حزقيال (14 :14، 20؛ 28 :3) كمثال للحكمة والتقوى، هو دانيل أوغاريت الذي دخل في التوراة. وفكرة إش 14 :12، 15 (ملك بابل يطلب التأليه) تعود مرارا في نصوص أوغاريت. وهناك عبارات : هلال بين شحر (نجمة السحر)، جبل الجماعة. وفيما يخصّ العبادة، نجد تشابها في التعابير عن مئات الذبائح والحيوانات المقدّمة. وقد عرف أهل أوغاريت نظما ظلّت لغزًا لنا على مستوى التوراة : ترافيم، أفود. وعرفوا بلا شكّ عيد الحزمة الأولى (لا 23 :10). ونص خر 23 :19 (لا تطبخوا الجدي بلبن امه) هو ردة فعل ضد عادة أوغاريتية. ولكن رغم هذه التشابهات، هناك خلافات عديدة ولا سيما على مستوى التوحيد.
اسكندريّة، (الـ):
أولاً : نظرة عامة. مدينة هلينيّة واقعة في آخر نقطة في غربيّ الدلتا المصريّ تجاه جزيرة فاروس على قطعة أرض ضيّقة تفصل البحر المتوسّط عن بحيرة مريوط. أسّسها اسكندر الكبير سنة 332-331، فصارت مركز اتّصال بين الشرق والغرب وعاصمة البطالسة وملتقى العلوم الهلينيّة واليهوديّة (مكتبات، ترجمة العهد القديم المسمّاة سبعينيّة، ترجمة ابن سيراخ. تدوين سفر الحكمة وأسفار أخرى منحولة). نشير هنا إلى أن مكسر أمواج طوله 1300 متر (هبتاستاديون، أي 7600 قدم) فصل حوضي المرفأ اللذين هما من البحر جزيرة أوستوس في الغرب وفي الشرق المرفأ الكبير حيث حلّت سفن البطالسة الحربيّة. والمنارة المشهورة، التي بُنيت سنة 297 ق.م. على طرف الجزيرة، كانت صنع سوستراتيس إبن كنيدوس (في آسية الصغيرى). ارتفعت 12 مترًا، فاعتبرها الأقدمون إحدى عجائب العالم السبع. كان الاسكندر قد سلّم تصميم المدينة إلى المهندس المكدوني داينوكراتيس الذي أخذ برسمة ملعب سباق الخيل مع شوارع مستقيمة، فامتدت ثلاثة أحياء من الغرب إلى الشرق : راكوتيس الذي أقام فيه المصريون، حول سيرابيوم حيث سيرتفع في نهاية القرن الثالث عمود بومبيوس. ثم بروخايون الذي هو حيّ غنيّ خاص باليونانيين. وأخيرًا، الحيّ اليهوديّ، حيث عاش بنو اسرائيل بعد أن تنظموا في مجموعة إثنيّة. كان لهم مجمع مشهور بجماله وكبره. غير أن المباني الرئيسية وُجدت في بروخايون : هيكل بوسيدون، القريب من المرفأ الكبير. المتحف والمكتبة اللذين خلقهما بطليموس الأول سوتر من أجل العالم الشامل. ومدفن الاسكندر كما قال الأقدمون. لا نستطيع اليوم أن نرى المنارة ولا المتحف ولا موقع المكتبة، ولكننا نستطيع أن نزور سيرابيوم أي هيكل الاله سيرابيس، الذي بُني ليوحِّد بين اليونانيين والمصريين في عبادة واحدة. كان سكّان الاسكندريّة مزيجًا من أمم مختلفة. وكان اليهود عديدين (يجعلهم فيلون مليونًا مع بعض المبالغة). عاشوا في حيّ محفوظ لهم كما عاشوا خارج ذلك الحيّ. لا يذكر العهد القديم اسكندريّة (نو أمون؟) ويشير إليها العهد الجديد على أنّها المكان الذي وُلد فيه أبلوس (أع 18 :24) ومرفأ اتّصال السفينة التي ستقود بولس إلى ميرة في إيطالية (أع 27 :6) بتلك التي ستنقله من مالطة في إيطالية (أع 28 :11-13). كان للاسكندرانيّين مع المحرّرين والقيرينيّين مجمع في أورشليم، وسيجادلون استفانوس (أع 6 :9) قبل موته رجمًا. ثانيًا : الحياة الاقتصاديّة. ما زالت الاسكندريّة تنمو خلال الحقبة اليونانيّة والرومانيّة. في عهد بطليموس الثاني والثالث، أصبحت حاضرة غنيّة جدًّا بما فيها من أعمال تجاريّة. وحسب ديودورس الصقلي (1752 :15) كانت المدينة تعدّ في أيامه (أي 58 ق.م.) 300000 رجلاً من الأحرار و 600000 من العبيد والمرتزقة. وهكذا كانت تصل إلى المليون فتضاهي رومة بعدد سكانها. اعتمد اقتصادها على الحياكة وصناعة الورق، والمصاغ والفخاريات. ولكن غناها الأساسيّ كان التجارة. وشارك اليهود في حياة المدينة ولا سيّمَا في جباية الضرائب على المرفأ (فلافيوس يوسيفوس، العاديات 20 :147)، كما في تنظيم رحلات البواخر. هنا نشير إلى أنّ المشناة اعتبرت أنّ بعض البضائع التي تنقلها بعض السفن الاسكندرانيّة ليست بنجسة (كلائيم 15 :1؛ أهلوت 8 :1). فأصحابها هم من اليهود. وكانت الاسكندريّة أيضاً مرفأ هامًا. أما روح التجارة التي نجدها عند أهل الاسكندريّة فنكتشفها في سؤال طرحه الاسكندرانيّون على رابي يشوع حول تقدمة يقوم بها أبرصان، واحد غني وآخر فقير (مش نجعيم 14 :13). كما نكتشفها في هذه العبارة التي تلفّظ بها طبيب يهوديّ اسمه “توداس” أو “تيودورس” : “لا تترك البقرة ولا الخنزيرة الاسكندريّة دون أن يُقطع ثديها لئلا تضع” (مش، بكوروت 4 :4). وقد قال كيرلس الاسكندراني في “تفسير إشعيا” (18 :1-2) عن أبناء بلدته : “العمل العاديّ لأهل هذه المدينة هو أن يصعدوا النهر وينزلوه، أن يستسلموا إلى التصدير والاستيراد، وأن ينعموا بما ربحوا في تجارتهم”. ثالثًا : الحياة الثقافيّة. منذ القرن الثالث ق.م. كانت الاسكندريّة موضع الثقافة الهلنستيّة مع مكتبتها ومتحفها حيث كان يعلّم أشهر علماء اليونان. وفي الوقت عينه تفتّح الفكرُ اليهوديّ في محيط تشرّب الحضارة اليونانيّة وتكلّم اليونانيّة. ففي الاسكندريّة نُقلت السبعينيّة بين القرن الثالث والقرن الأول ق.م. ودوّنت الكتب العديدة مثل سفر الحكمة، المكابيّين الثالث، المكابيّين الرابع، رسالة أرستيس، ومؤلّفات فيلون. ولا ننسَ أن أبلوس اليهوديّ الاسكندراني، قد وصفه سفر الأعمال بأنه رجل فصيح اللسان قدير في شرح الكتب المقدّسة (18 :24). أما الفن الاسكندراني فأثّر على التصوير الروماني كما على الفسيفساء. وأثّر على مجمع دورا اوروبوس، وعلى الفنّ المسيحيّ القديم. والمكتبة التي كانت تضمّ سنة 50 ق.م. سبعمئة ألف مجلّد، قد أحرقت سنة 47 ق.م. خلال الحرب بين بومبيوس ويوليوس قيصر. أعاد تكوينها انطونيوس، فجاء بمئتي ألف مجلّد وضعها في “سيرابيوم”. ولكن اختفت هذه المكتبة الجديدة سنة 389، حين أمر تيودوسيوس الأول، امبراطور بيزنطية، بإغلاق هيكل سيرابيس. رابعًا : يهود اسكندرانيّون في أورشليم. عاشت في أورشليم جماعة هامة من يهود الاسكندرية. تذكر توسفتا (مجلوت 3 :6) مجمعهم فتقول : “اشترى اليعازر بن صادوق مجمع الاسكندرانيّين في أورشليم”. وتحدّث أع 6 :9 عن جدالهم مع استفانوس. لا شكّ في أن أعضاء هذا المجمع كانوا يتكلّمون اليونانيّة. فاحتلّ عدد منهم مراكز مرموقة في أيام هيرودس. هناك بوئاثيوس، وابنه سمعان الذي عيّن رئيس كهنة (يوسيفوس، العاديات 15 :319-322؛ 17 :316). وهناك أخواه يوآعازر واليعازر (العاديات 17 :164، 339؛ 18 :3). ونكانور الذي قدّم الأبواب المسّماة “أبواب نكانور” في هيكل أورشليم (مش شقليم 6 :3؛ سوطه 1 :5؛ مدّوت 1 :4؛ 2 :3، 6؛ نجعيم 14 :8)، بعد أن جلبها في السفينة من الاسكندريّة إلى يافا (توسفتا، يوما 2 :4؛ تل بابل، يوما 38 أ ). وقد وُجد مدفنه على جبل سكوبوس (في أورشليم) مع عظامه، ومدوّنة يونانيّة تقول : “عظام أبناء نكانور الاسكندراني الذي صنع الأبواب”. وعظيم الكهنة حناميل الذي عيّنه هيرودس كان مصريًّا (مش، فره 3 :5). ونقول الشيء عينه عن “بيت فيابي” (أصله من مصر) الذي خرج منه ثلاثة رؤساء كهنة : يشوع في زمن هيرودس (العاديات 15 :122). اسماعيل الأول الذي عُيّن سنة 15 ب.م. (العاديات 18 :34) واسماعيل الثاني الذي صار رئيس كهنة سنة 59 ب.م. (العاديات 20 :179؛ مش سوطه 9 :15؛ فره 3 :5). وكان الاسكندرانيّون يأتون للحجّ إلى أورشليم كما يقول حكماء ورد اسمهم في المشناة (حله 4 :10) : “حمل أهل الاسكندريّة تقادمهم من كعك الاسكندريّة ولكنّهم لم يقبلوها”، لأن الدقيق الذي صُنع منه لم يكن من الأرض المقدّسة. وماهى كيرلكس الاسكندراني (376-414) الذي كان اسقف المدينة منذ سنة 412. بين نو والاسكندرية (الآباء اليونان 70 :441 أب). إن قراءة النصوص البيليّة قراءة مُحدثة تعكس أيضًا هجمة زنوبيا، ملكة تدمر، كالصاعقة، حين احتلت جيوشها الاسكندرية سنة 269 ق.م.، ودمّرت ما دمّرت. وفي سنة 618، احتلّ الفرس الساسانيون المدينة، قبل أن يستعيدها الامبراطور هرقليوس سنة 629. وفي سنة 642، احتلها العرب، فانحطت تجاه روزبت أو إشيد. خامسًا : العالم اليهوديّ الاسكندراني. في الحقبة الرومانيّة، أقام اليهود في حيَّين من أحياء المدينة الخمسة، وكان لهم عدد من المجامع. حاولوا بسبب عددهم وتأثيرهم أن ينالوا كلّ الحقوق الوطنيّة، شأنهم شأن اليونان، فغضب عليهم السكان اليونان، ونتج عن ذلك قلاقل في المدينة سنة 38 ب.م. وسنة موت كاليغولا (41 ب.م.) ثار اليهود في الاسكندريّة على الرومان حين علموا بالتمرّد الذي حصل في أورشليم. فسحق طيباريوس الاسكندر الذي كان والي الاسكندريّة، هذا التمرّد، وقتل خمسين ألفًا من يهود الاسكندريّة (يوسيفوس، الحرب اليهودية 2 :497). وكان تمرّد آخر سنة 115-117، انتهى بحرق الحيّ اليهوديّ. عند ذاك ترك المدينة عدد كبير من اليهود. لهذا سُمّيت الاسكندريّة في الأدب اليهوديّ “ثيبة” (هو في الأصل الاسم العبريّ لمدينة طيبة، إر 46 :25؛ نا 3 :8 : نوأمون أو الاسكندريّة). قال الربّ. “سوف أنتقم من النزاعات في الاسكندريّة… سوف أفني زمرة الاسكندريّة… فيكون سور الاسكندريّة مشقّقًا ويدمّر” (ترجوم يوناتان حول حز 30 :14-16).
ايلات:
مرفأ أدومي على الذراع الشرقيّة للبحر الأحمر. يرتبط اسمه بشجرة مقدسة (السنديان). احتُفظ بذكرها في ايل فاران (تك 14 : 6 : شجرة مقدسة في فاران). وإن القبيلة الادومية ايلة ارتبطت بإيلات. كانت إيلات وعصيون جابر مرفأين بحريين، وشكّلتا مركزا تجاريا هاما باتجاه الجزيرة العربية. ولهذا كان امتلاك ايلات مهمًّا لبني اسرائيل. فكانت الحروب ضد الأدوميين (داود : 2صم 8 :14). جعل سليمان ويوشافاط المرفأ في عصيون جابر، وجهّزا فيه اسطولا تجاريا (1مل 9 :26؛ 22 :48 ي). لن تذكر إيلات فيما بعد إلا في زمن عزريا (2مل 14 :22؛ 2أخ 26 :2؛ رج إش 2 :16). خسر بنو اسرائيل نهائيا مرفأ ايلات في أيام أحاز (2مل 16 :6). في أيام الرومانيين سميت المدينة أيلا. بالنسبة الى حفريات تل الخليفه رج * عصيون جابر.
بابل:
عاصمة بابلونية. في الأكاديّة : باب ايلي. في السومريّة. كا دنجر را بيت الله. إن الاسم بابيلا سابق للعالم السامي والعالم السومريّ. أما الاشتقاق الشعبيّ فيقابل الكلمة مع العبريّة بلل (بلبل). كانت مدينة بابل تمتدّ على ضفتيّ نهر الفرات، وامتدت خرائبها على 10 كلم مربع. وتل بابل قد احتفظ بالاسم القديم وسط هذه الانقاض. وُجدت معظم الأبنية على الضفّة الشرقيّة للفرات التي ارتبطت بالأحياء الغربية بواسطة جسر بُنيَ في أيام نبوخذ نصر الثاني. تُشرف على المدينة زقورة إيساجيل وهيكل مردوك. ارتفعت هذه الزقورة 90 مترًا فوق السهل، وكانت تهاجم السماء بطبقاتها السبع (صشو 763). كانت “باب الاله ” والنموذج الأول لبرج بابل في تك 11 :1-9. كانوا يصلون إلى الهيكل عبر طريق التطوافات، التي تنطلق من باب عشتار (صشو 760-762). زيّن البابَ 575 تنينًا وثورًا توزعت في 13 صفًا، كما زُينت طريق التطوافات بـ 120 أسدًا. يسمّي إرميا (25 :26؛ 51 :41) بابل شيشاك (يعود إلى الأكادي شيشكو : تلاعب على الكلمات باسم خفيّ، وكأنه لا يريد أن يذكر الاسم الحقيقيّ). في العهد الجديد، بابل هي الاسم الرمزيّ لرومة (1بط 5 :13؛ رؤ 14 :8؛ 16 :9؛ 17 :5؛ 18 :2؛ 10، 21). موقع بابل القديمة يقع على تلال عديدة ومنها تل إلى الشمال يدعى اليوم تل بابل وقد تمّت فيه حفريات عديدة. تأسّست بابل على يد السومريّين وسمّيت كذلك للمرّة الأولى سنة 2700 تقريبًا في أيام الملك شركليشاري، ولكنّها لم تلعب دورًا كبيرًا، بل ظلّت تابعة لأور. لم تتّخذ المدينة أهميّة كبيرة إلاّ في أيّام سلالة بابل الأولى. أسّس بابل شومو أبو (حوالي 1830) ورفع أسوارها الأولى. أمّا تاريخ بابل حتى سنة 539 فيرافق تاريخ بابلونية، وقد ظلّت معروفة حتى في الزمن الفارسيّ. ورغم الأبنية الجديدة التي شُيّدت فيها، انحطّت في العهد الهلينيّ لأنّ سلوقس الأول نقل عاصمته إلى سلوقية. احتلّها الفراتيّون سنة 127 ق.م. وهكذا زالت من التاريخ.
بافوس:
مرفأ على الشاطئ الجنوبي لقبرص. جاء بولس وبرنابا ومرقس من سلاميس والتقوا في بافوس بالقنصل الروماني سرجيوس بولس. آمن سرجيوس رغم مقاومة الساحر عليما (أو بريشوع). ومن بافوس ذهب المرسلون الى بمفيلية. ان مرفأ بافوس القديمة صار داخل الأرض
بحر (الـ):
افترق بنو اسرائيل عن الفينيقيين واليونان، فما غامروا في البحر. وهذا ما يفهمنا أن لفظة “ي م” تعني البحر (تالاسا في اليونانية) والبحيرة (لمني). تحدّثت البيبليا عن البحر * المتوسط الذي سُمِّي في اللغة الاصلية “البحر الكبير” (عد 34 :6؛ يش 1 :4)، “بحر الفلسطيين” (خر 23 :31)، “بحر يافا” (عز 3 :7)، “البحر الغربي” (تث 11 :24). وتحدّثت عن البحر * الميت، و* البحر الأحمر (بحر * القصب)، و”بحر” الجليل (مت 4 :18؛ مر 7 :31) أو بحيرة * جنسارت (لو 5 :1). يذكر أع 27 :27 البحر * الادرياتيكي : نحن في الواقع أمام البحر الايوني، حسب عادة الاسكندرية. وسمّي النيل “ي م” (نا 3 :8) وكذلك الفرات (إر 51 :36). البحر هو معجزة الخلق (مز 93 :3-4). خلقه الله (مز 95 :5؛ 461 :6)، ونظّمه، ورسم له حدودًا (تك 1 :9). وهكذا يتسلّط الله على البحر (إش 51 :9؛ أي 38 :8-11). وعبور البحر الأحمر هو أوضح مثال على ذلك (خر 14 :16؛ مز 106 :9). دلّ يسوع أن سلطان الله هو بين يديه، لأن البحر يخضع لكلمته (مر 4 :39)، كما أنه يسير على المياه (يو 6 :19). منذ قديم الزمان أثّر البحر على مخيّلة الشعوب بسبب قوّة الدمار التي فيه (حز 26 :3-4)، وبسبب هيجانه (أي 38 :8) واتساعه (أي 11 :9) وعمقه (يون 2 :6-7) والوحوش التي فيه (دا 7 :2؛ رؤ 13 :1). في نهاية الأزمنة، لن يعود هناك من بحر (رؤ 21 :1، إذن، يزول الشرّ)، بل يبقى بحر البلّور (رؤ 4 :6؛ 15 :2) رمز النقاء والسلام.
بحر الأحمر:
هذا الاسم (تالاسا اروترا من الارتريّين الذين يسكنون قرب البحر الأحمر) لا يرد إلاّ في أسفار التوراة اليونانيّة وفي أسفار العهد الجديد (أع 7 :36؛ عب 11 :29). إنه يترجم الكلمة العبريّة : يم سوف التي ترجمها اليونانيّون مرّة واحدة تالاسا سيف أي بحر القلزم (البحر الاحمر) (قض 11 :16). حسب الرأي التقليدي المعبّر عنه في عد 14 :23؛ 21 :4؛ تث 1 :40؛ 2 :1؛ قض 11 :16؛ 1مل 9 :26؛ ار 49 :21 حيث يم سوف (بحر القصب) تدلّ على خليج العقبة، علينا أن نماثل بين يم سوف والبحر الأحمر الحالي. إن ترجمة البحر الأحمر لعبارة بحر اروترا ترجمة غير كافية. فبحر اروترا تضمّن البحر الأحمر مع خليجي السويس والعقبة (أو إيلات) والمحيط الهنديّ والخليج الفارسيّ. في السبعينيّة وفي العهد الجديد “بحر اروترا” هو ترجمة “يم سوف”. أما البحر الأحمر في المعنى الحديث للكلمة فيمتدّ من مضيق باب المندب (عرضه 33 كلم) حتى السويس، بطول 200-250 كلم، وهو يحتلّ منخفضاً يقع بين عرابية وافريقية. لهذا السبب سمّاه الرومان “الخليج العربيّ”.
بحر سوف:
أو بحر القصب. رج بحر الأحمر.
برجة:
عاصمة بمفيلية. تقع شمالي شرقي آتالية. زارها بولس مرّتين خلال رحلته الرسوليّة الأولى. في الذهاب (أع 13 :13 ي) فارق يوحنا مرقس الفريق الرسوليّ وعاد إلى أورشليم. وفي الاياب بشّر برنابا وبولس بالكلمة ثم انحدرا إلى أتالية (أع 14 :25).
برسابوليس:
مدينة الفرس. في الايرانية : فارسية. عاصمة الفرس القديمة. مقام الأخمينيّين وموضع دفنهم. تبعد 65 كلم إلى الشرق من شيراز. أسّسها داريوس الأول (521-486)، ودمّرها الاسكندر المقدونيّ سنة 331، بعد أن أقام فيها أربعة أشهر. في سنة 316، كانت برسابوليس بعدُ عاصمة المقاطعة الفارسيّة، ولكنها بدأت تنحطّ بشكل تدريجيّ. يذكر اسمها في 2مك 9 :2 (حاول أنطيوخس أن يحتلّ برسابوليس ويسلب هيكلها). لسنا هنا أمام برسابوليس القديمة بل أمام مدينة واقعة في مملكة فارس. يتكلّم 1مك 6 :1-4 عن المايس. اكتشف في تخت أبي جمشيد خرائب لقصر ومدفن داريوس. كما اكتشفت آلاف اللويحات العيلاميّة ومئات المدوّنات الأراميّة في ارشيف القصر.
برغامس:
عاصمة ميسية (آسية الصغرى) في وادي كانيكس شمالي أفسس. في أيام سلالة الأتاليّين، كانت مأهولة في الحقبة الفارسيّة، فحصّنها ليسيماكوس بعد احتلاتل الاسكندر لها، وجعل فيها كنوزه التي سلّمها إلى فيليتايروس. استعمل فيليتايروس، بعد موت سيّده، هذا المال واستقلّ ضاربًا عرض الحائط ما يطلبه انطيوخس الاول. وتابع اتاليس الاول هذه السياسة فاعتمر التاج بعد أن غلب الغلاطيين. ظلت المدينةُ تنعم بالاستقلال مدّة طويلة. وتحالف الأتاليون مع رومة على السلالة السلوقيّة الذاهبة إلى الانحطاط، ولعبوا دورًا هامًا على المستوى الدبلوماسيّ في الشرق الاوسط. سنة 129، سلم اتاليس الثالث، آخر ملك في برغمس، ملكته إلى رومة. يقول بلينوس إن الملك الأتالي أومينوس (قد يكون أومينوس الثاني : 197-159) قد شجّع صناعة البردي (يعود اسمه إلى برغامس). منذ سنة 129 ق.م. كانت برغامس عاصمة مقاطعة آسية الرومانيّة وعاصمة القنصل ومركزًا هامًّا لعبادة الإمبراطور (هيكل لرومة، هيكل لأوغسطس). بدأت الحفريّات فيها سنة 1879، فكشفت مذبحًا جميلاً لزوش على الأكروبول. تُذكر برغاموس في رؤ 1 :11 بين الكنائس المسيحيّة في آسية الصغرى. هناك عرش الشيطان (رؤ 2 :13). إنّ رؤ 2 :12-17 يمتدح المسيحيّين المقيمين في مركز عبادة الإمبراطور ولكنه يحذّرهم من تبّاع بلعام ومن النيقولاويّين.
بسيدية:
منطقة في آسية الصغرى. كان البسيديون والليكيون والكاريّون ينعمون بحماية الجبال. لهذا حافظوا مدّة طويلة على استقلالهم. ولكن في سنة 25 ق.م. خضعوا للرومان. كانت مدينتهم الأولى أنطاكية التي زارها بولس مرّتين خلال الرحلة الرسوليّة الأولى : مرّة في الذهاب (أع 13 :14-51) ومرّة في الاياب (أع 14 :24). يبدو أنّ البسيديّين تكلّموا لغة هندو أورويّة بقيت منها بعض كتابات على المدافن.
بيبلوس:
رج جبيل
تانيس:
مدينة مصريّة رج صوعن
تسالونيكي:
نصر تسالية. مدينة تجاريّة في مكدونية. تقع على خليج ترميس وعلى الطريق الأغناطيّة. إنّها في الواقع مستوطنة ترميس اليونانيّة التي أسّسها في نهاية القرن 4 ق.م. كساندريس ملك مكدونية. ولكنه سمّاها باسم امرأته تسالونيكي شقيقة الاسكندر الكبير (كما يقول سترابون 7 : 20-21). ازدهرت تسالونيكي على أيام الرومان الذين احتلّوا المدينة بعد معركة فدنة (168 ق.م.). وجعلوها (سنة 146) عاصمة مكدونية. بعد معركة قرب فيلبّي (42 ق.م.)، صارت تسالونيكي مدينة حرّة مع مجلس شيوخ خاص بها (أع 17 : 8، رج المدوّنات). في أيام بولس كانت جماعة يهوديّة في تسالونيكي. وعظ الرسول في المجمع ولكنّه لم يلق نجاحًا. فتوجّه إلى الوثنيّين وأسّس معهم جماعة مسيحيّة مؤلّفة بشكل خاص من الصنّاع والتجّار الصغار. فأثارت هذه الرسالة غضب اليهود. حينئذ أجبر بولس على الهرب (سنة 51) (أع 17 : 1-9). زار بولس المدينة، على ما يبدو، خلال رحلته الرسوليّة الثالثة (أع 20 : 1 ي). كتب بولس (أو تلاميذه) إلى جماعة تسالونيكي رسالتين هما 1 تس و 2تس. كان له رفيقان من تسالونيكي هما أرسترخس وساكوندوس. تسالونيكيّين (الرسالتان الى الـ ~) أولاً : المناسبة. حين ترك بولس تسالونيكي بصورة مفاجئة، أبقى معاونيه تيموتاوس وسيلا في مدينة بيرية المجاورة (أع 17 : 9-14). بعد هذا، تبعاه وحملا إليه أخبارًا غير مطَمئنة (أع 17 : 14 ي). أراد بولس أن يزور الجماعة شخصيًّا، فعاقه الشيطان (1تس 2 : 18). لهذا أرسل تيموتاوس ليثبّت المسيحيّين في الإيمان (1تس 3 : 2). وفي السنة التالية حمل تيموثاوس تقريرًا إلى بولس الموجود في كورنتوس (أع 18 : 5)، وأرفقه ببعض الأسئلة (رج 1كور 7 : 1، 2، 5؛ 8 : 1. ان 1تس 4 : 9، 13؛ 5 : 1 هي جواب على أسئلة مطروحة). حينئذ أرسل بولس رسالتين، الواحدة بعد الأخرى بقليل وذلك سنة 51. يظنّ بعض الشرّاح أن 2تس دوّنت قبل 1تس. ولكن القانون القديم (مرقيون، موراتوري) لايعرف إلاّ الترتيب الحالي : 1تس ثمّ 2تس. أما الدراسات الاخيرة فتجعل 2تس بعيدة في الزمن عن 1تس. ففي 1تس مجيء الربّ قريب أما في 2تس فيعتبر المؤمنون أن الرب جاء، بحيث ما عادوا ينتظرون شيئًا، فيعيشون دون رادع يردعهم. ثانيًا : المضمون والتصميم. المواضيع الرئيسيّة في 1تس و2تس هي الاسكاتولوجيا ومجيء المسيح الأخير. تألم التسالونيكيّون كثيرًا من عداوة اليهود الذين أفرغوا بغضهم لبولس على المسيحيّين (1تس 1 : 6). حينئذ أحسّ المسيحيّون في ألمهم برغبة جامحة نحو عودة الربّ. ولكن بعض أهلهم مات قبل أن يشارك في عودة المسيح. كان بولس قد اكتفى في كرازته بما نجده في الأناجيل الإزائيّة التي لا تعالج هذه المسألة. ثمّ إنّ هذه الوجهة لم تُطرح قبل موت المؤمنين الأولين. (أ) لهذا قدّم بولس عرضًا عن عقيدة القيامة ومجيء الربّ (4 : 13-18). إنّ قيامة المسيح هي عربون قيامتنا (4 : 14؛ رج 2كور 4 : 14). فالذين يبقون أحياء وقت المجيء لن يكون لهم فضل على الموتى (1تس 4 : 5). فالموتى سيقومون أوّلاً ثمّ يأتي الأحياء الذين يدخلون معهم في السعادة (4 : 17). إذن، لن يموت هؤلاء (رج 1كور 15 : 51؛ 2كور 5 : 1-5). وعبارة “نحن الذين نبقى أحياء” (1تس 4 : 15، 17) لا تعني أنّ بولس سيكون حيًّا في زمن المجيء. إنّها تدلّ على أناس يكونون أحياء في ذلك الوقت. وهذا واضح من الطريقة التي بها يعالَج السؤال التالي : متى يكون المجيء (1تس 5 : 1-11)؟ يذكر بولس تعليم الإنجيل : نحن نجهل الزمن. فعلى الإنسان أن يكون دائم الاستعداد. التصميم. بعد المقدّمة (ف 1) يتحدّث الرسول في 1تس عن إقامته لدى التسالونيكيّين وعن رغبته في أن يراهم من جديد وعن فرحه بثباتهم (ف 2-3). يعالج في القسم التعليميّ واجبات المؤمنين (1تس 4 : 1-12) ومصير الموتى (1تس 4 : 13-18) والمجيء (1تس 5 : 1-11). وتنتهي الرسالة بسلسلة من التنبيهات القصيرة وبسلامات (1تس5 : 12-22). (ب) ويعود بولس (أو تلاميذه) في 2تس إلى مسألة المجيء. لم يفهم بعضهم الرسالة الأولى. وظنّ بعض المتحمّسين أن المجيء قريب فما عادوا يشتغلون (3 : 6-15؛ رج 1تس 4 : 6-11). هم يتجوّلون ويتسوّلون ويلطّخون اسم الجماعة. وهم لايتردّدون، على ما يبدو، بإرسال كتابات كاذبة ليعطوا قوّة لأفكارهم. خاف منهم بولس (1تس 2 : 2)، ولهذا نبّه المؤمنين إلى توقيعه (2تس 3 : 17). وإذ أراد أن يعيد الطمأنينة إلى المسيحيّين، حدّثهم عن بعض علامات تسبق النهاية (2تس 2 : 1-12). هذا لا يتناقض مع 1تس التي تذكر جهلنا لزمن المجيء : تشكّل العلامات مع المجيء وحدة تامّة تحدث فجأة. يعود بولس إلى كرازته الشفهيّة السابقة (2تس 2 : 5) ويعبّر عن فكرته بالرموز. وهذا هو معنى المقطع : إنّ قوّة الشرّ تعمل منذ الآن (2تس 2 : 7). ولكن هناك حاجزًا يمنع الشرّ من التوسّع بحريّة (2تس 2 : 7). في نهاية الأزمنة سيعرف الشرّ “مجيئًا” (عبر المسيح الدجال – انتيكرست) وينتصر خلال فترة قصيرة من الزمن (2تس 2 : 9 ي). ثمّ تأتي المعركة الحاسمة التي تنتهي بانتصار المسيح (2 : 8). ما هي طبيعة هذا الحاجز؟ هناك نصوص موازية (رؤ 11 : 9-12؛ مت 24 : 14) تقول : كرازة الإنجيل. لا يعلّم بولس في هاتين الرسالتين أن المجيء قريب. ولكننا نشعر أنه يحسب حساب إمكانيّة مجيء قريب (1تس 1 : 10؛ 3 : 13؛ رج 1كور 16 : 22) ويرغب فيه. وأسلوبه الرسوليّ يسير في الخطّ عينه. فهو لا يُعنى بممارسة سرّ المعموديّة (1كور 1 : 14، 16). ثمّ إنّه يجعل في الكنائس التي أسّسها تنظيمًا دائمًا. تصميم 2 تس. بعد التحيّة والشكر لله (ف 2)، يأتي القسم التحريضيّ وفيه يحثّ بولس التسالونيكيّين على الصلاة من أجل عمله وعلى الاحتفاظ من البطالة (3 : 1-5). وتنتهي الرسالة بالسلام والتوقيع. ثالثاً : المواضيع الرئيسية : 1) الحياة المسيحية. شدّد بولس على الفضائل الالهيّة الثلاث، الايمان، الرجاء، المحبّة (1تس 1 : 3؛ 5 : 8؛ 2تس 1 : 3-4) التي يحيا بها التسالونيكيون بحيث صاروا مثالًا لكل الجماعات (1تس 1 : 7). نجد أن بولس يرى أن هذه الفضائل يمكن أن تنمو دائمًا، ويجب أن تنمو. لهذا صارت الحياة المسيحيّة في هذه الصورة لأن المسيحيين قد اختارهم الله ودعاهم (1تس 1 : 4؛ 2 : 12؛ 4 : 7؛ 5 : 27؛ 2تس 1 : 11؛ 2 : 13-14)، وهذا لأنه أحبّهم (1تس 1 : 4؛ 2تس 2 : 13). وهكذا يتمجّد الله بالمسيح، والمسيحيون بالله (2تس 1 : 2). 2) الرسالة. تعطينا هاتان الرسالتان تعليمًا حول عمل الرسول، وحول روحانيّة الرسالة. فمن أجل الانجيل (البشارة) عمل بولس ويعمل (1تس 1 : 5) الانجيل ليس كلامًا وحسب، بل “بقوّة الله والروح القدس، واليقين التام ” (1تس 1 : 5). ورغم الجهاد والاضطهادات، لا يستطيع بولس أن ينفلت من هذه القوّة التي يمنحها الله له ليكرز بالبشارة (1تس 2 : 1-2) فيقبل، إذا وجب، أن يبذل حياته (2 : 8). وسيقول بولس في 1كور 9 : 16. “الويل لي إن كنتُ لا أبشّر”. هذه الكلمة يجب أن تنتقل بحرية تامّة، بدون ممالقة، بدون طمع (1تس 2 : 5). وإن عرف بولس أن يصوّر نفسه كأمّ تحنو على أولادها (1تس 2 : 7)، إلّا أنه لا يخاف من أن يعطي بعض التوصيات من أجل الكسالى (2تس 3 : 7-8). فهو الذي كان بإمكانه أن يعيش من الانجيل، كما أمر الرب (1كور 9 : 13؛ رج لو 10 : 7)، اعتبر أنه يحسن أن لا يلجأ إلى هذا الحقّ ليأكل خبزًا لم يربحه بعرق جبينه (1تس 4 : 11؛ 2تس 3 : 7-9). 3) المجيء. جاء تعليم بولس من عند الربّ (1تس 4 : 15). فالجميع سوف ينضمّون إلى يسوع إلى الأبد (1تس 4 : 17). أمل بولس أن يكون بين الاحياء (4 : 17)، ولكنه جهل متى يكون المجيء (رج مر 13 : 32). إلّا أن جهله جعله يرجو أن مجيء الرب لن يتأخّر. هذا في 1تس. في 2تس، عاد أحد تلاميذه إلى 1تس فقدّم تعليمًا لمن ظنّ أن يوم الربّ قد جاء. فالمهم لا أن نكون أحياء أو أمواتًا، بل أن نكون متّحدين مع المسيح في إيمان واحد ومحبّة واحدة ورجاء واحد.
تيبة:
رج نو.
جبيل:
مدينة فينيقيّة قديمة تذكرها النصوص المصريّة ورسائل تل العمارنة. تقع على شاطئ البحر المتوسّط بين طرابلس وبيروت. لا يرد اسم جبيل إلاّ ثلاث مرّات في العهد القديم، ولا يرد أبدًا في العهد الجديد. يمتدح يش 13 :5؛ حز 27 :9 مهارة سكانها في عالم بناء السفن. ويذكر 1مل 5 :32 أهل جبيل مع عمال سليمان وحيرام الذين يستعدّون لبناء الهيكل. هذا يدلّ أن وجهة جبيل لم تكن فلسطين بل بلاد الغرب. في الألف الرابع، كانت جبيل مركزًا تجاريًّا على الشاطئ الفينيقيّ. وكان المصريّون يحملون منه الخشب والنحاس، ويصدّرون إليه الورق البردي. ويمكننا القول إنّ جبيل كانت في ذلك الوقت مدينة مصريّة. في نهاية الألف الثالث، حقبة البلبلة والانحطاط، كانت جبيل تابعة لمصر ولكن كان لها حكم خاص. في أيّام العمارنة، كان ملك جبيل ريب هدي. وهو في رسائله إلى أمينوفيس الثالث والرابع يطلب العون المصريّ ضدّ غزاة أغراب. في القرن الثالث عشر ملك جبيل هو أحيرام (عن نصوص وجدت في القرن الحادي عشر، والقرن العاشر). اكتشف مدفنه سنة 1925، وعليه كُتب اتبعل ملك جبيل. وأبرزت الحفريّات أيضاً ثلاث كتابات أخرى (أبجديّات) وكتابة هيروغليفيّة تعود إلى سنة 1280. واكتشفت كتابات أخرى. في القرن الثاني عشر بدأت جبيل تتأثّر بشعوب البحر. في القرن الثامن احتلّ الأشوريّون المدينة، وفي سنة 537 احتلّها الفرس. وفي زمن الفرس، شكّلت جبيل مدينة ومحافظة ترتبط بالمقاطعة الخامسة. إلى القرن الخامس تعود كتابة يحوملك. بعد هذا، خضعت جبيل للسلوقيّين ثمّ للرومانيّين. خلال ذلك الوقت ضعفت أهميّة المدينة الاقتصاديّة ولاسيّمَا بعد أن ضعف تصدير الخشب. إنّ أهميّة جبيل كمركز دينيّ تعود إلى الألف الخامس. فآلهة جبيل تُعبد حتى في مصر. وبنى المصريّون بدورهم هياكل في جبيل وربطوها بأساطيرهم. وإن تابوت أوزيريس الذي قتله أخوه قد رُحّل إلى جبيل. ثمّ نقلته أخته ايزيس من جبيل إلى مصر. وأرادت أسطورة ايزيس وأوزيريس أن تفسّر تتالي الفصول في أيام السنة كما في أدونيس. واشتهر هيكل أدونيس خاصة في الزمن الروماني. أبرزت الحفريّات قسمًا من السور القديم (جنوبيّ المدينة الحاليّة) وسور المدينة الرومانيّة وهيكلين. بُنيت المدينة الاولى على يد المصريّين في الألف الثالث، وكرّست لالهة جبيل. ولكنّها أحرقت فيما بعد. وجاءت المدينة الثانية بعد بضعة قرون. وقد اكتشف المنقّبون مدافن ملكيّة عديدة منها مدفن أحيرام الذي ذكرناه. نشير إلى أن جبيل سمّيت في العالم اليوناني “بيبلوس” أي الكتاب. ومن هنا كانت لفظة “بيبليا” أي الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد. ونذكر ملوك جبيل : * أحيرام، * إتوبعل، * يحملك، * إليبعل، * شفط بعل الأول، * شفط بعل الثاني، * أدريملك الأول، * شفط بعل الثالث، * أدريملك الثاني، * يحربعل، * يحو ملك، * الفعول، عزيبعل، أور ملك، عينئيل.
حاران:
(في العربيّة : حرّان) مدينة تجاريّة قديمة في بلاد الرافدين (حز 27 :23)، على نهر بليخ وعلى ملتقى طرق القوافل الآتية من بابل إلى سورية ومصر وآسية الصغرى. كانت حاران مركزًا هامًّا لعبادة الإله القمر. هي مدينة أجداد ابراهيم ونقطة انطلاقه في هجراته (تك 11 :31؛ 12 :5؛ 24 :4 ي؛ 27 :43). يذكر 2مل 19 :12 أن الأشوريّين احتلوا حاران. ترتبط حاران بالأكادي حارانو أي الشارع. موقع حاران هو اسكي حاران (أي حاران القديمة) شماليّ غربيّ حاران الحاليّة التي هي قرية صغيرة (اسمها التركي : التينباصاك) جنوبيّ شرقيّ أورفا (أو الرها). سنة 1951 بدأت الحفريّات، فاكتشف المنقّبون مكتبة مهمّة تعود إلى الزمن الأشوري. ما هو تاريخ حاران؟ ذُكرت مرارًا في وثائق إيبلا كموقع تجاريّ ذات أهمّية معقولة. إذن، يعود وجود المدينة أقلّه إلى القرن الرابع والعشرين ق.م. نجد حاران في أرشيف ماري، في القرن الثامن عشر، وكانت عاصمة مقاطعة يجول فيها البدو الاموريّون. حوالى سنة 1500، كانت حاران جزءً ا من الدولة الحوريّة الميتانيّة، وصارت بعد سنة 1100 مركز تجمّع أراميّ. في عهد شلمنصّر الثالث (858-824)، ضُمَّت إلى أشورية وظلّت مركزًا إداريًا وعسكريًا هامًا في المملكة حتى نهاية الاشوريين. سنة 610، احتل حاران البابليون والمادايون. ثم إن المادايين سلبوها بهياكلها بمعاونة الاسكوتيين. فأعاد نبونيد (555-539) بناءها خلال الحقبة البابليّة. وكانت المدينة للفرس الاخمينيّين، ثم للسلوقيين الذين جعلوا فيها مستوطنة مكدونيّة. جاءها كراسوس، القائد الروماني، سنة 53 ق.م.، ومنها اجتاح بلاد الرافدين الفراتي، فهُزم فيها شرّ هزيمة. ولكن المدينة ضُمّت إلى الامبراطوريّة الرومانية مع مرقس اوريليوس (161-180 ب.م.). وفي حاران قُتل الامبراطور كركلاّ (211-217 ب.م.)، ساعةَ كان يزور هيكل القمر “سين” الذي ظلّ يُعبد فيها أقلّه حتى عهد الخليفة عبد الملك (685-705)، بل حتى القرن العاشر. بما أن هذه المدينة كانت على حدود البيزنطيين والساسانيين، فقد ظلّت مركز حضارة هلنستية حتى احتلال العرب الامويين للمنطقة وبداية العهد العباسيّ. وماذا عن ديانة حاران؟ لعبت حاران دورًا هامًا في تاريخ بلاد الرافدين كمركز دينيّ. فقد كانت، شأنها شأن اور، مدينة مقدّسة للاله القمريّ سين، الذي سيطرت عبادته منذ القرن الثامن عشر ق.م. فهناك نصّ من ماري يعود إلى هذا التاريخ فيذكر “معاهدة” عُقدت في هيكل سين في حاران. وقد تعبّد الاراميون للاله سين وسموه “شيا” أو “بعل حاران”. زوجته كانت نكَّال التي يتفرّع اسمها من السومري “نين غال” (أي السيّدة الكبرى). هذا ما يدلّ على قدم عبادة القمر في حاران. والاله نوسكو الذي سمّاه الاراميون نسوخ، قد اعتُبر ابن سين ونكال. كان إلهَ الهلال القمريّ. ولقد تعبّد الملوك الأشوريون، ولا سيّمـا اسرحدون وأشور بانيبال (الذي كانت أمّه وجدته نقيّة زكوتو أرامية من بلاد الرافدين العليا)، تعبّدًا عظيمًا للاله العظيم في حاران. وكذلك فعل نبونيد الذي أعاد بناء هيكل أخلخل المكرّس للمثلّث القمري (كانت أم نبونيد الكاهنة العظمى فيه). وكان الملوك العظماء يسألون “سين” و “نوسكو” أقوالاً إلهية. وكان على الحالف كذبًا أن يدفع لخزانة سين ونكال غرامة من الذهب أو الفضّة أو الجياد. وقدِّمت في هياكل حاران ذبائحُ الأطفال كما يقول الكتّابُ المسلمون الأولون الذين يذكرون في هذه المناسبة السبأيين في حاران. تحمل زوجة اسحق (تك 25 :20) اسمًا أراميًا (ر ب ق هـ، رج “ر ب ض في العربية، رقد، “ر ب ض ت”). واسم أبشالوم (حوالى سنة 900) الذي هو اسم ملك جوزان، يوجّه أنظارنا إلى المنطقة عينها (2صم 3 :3؛ 13 :1-4، 22…) ويفترض اتصالات مُتشابهة بين أورشليم والعواصم الأراميّة في بلاد الرافدين العليا. ووجود بعض الاسرائيليّين المسبيّين بيد الأشوريين إلى جوزان، ثبّت الاعتقاد بعلاقات أجداديّة بين أهل أرام النهرين واسرائيل ويهوذا.
دجلة:
في العبريّة : حداقل. في الآراميّة : دقلة. في الفارسيّ : تغرا. ومن هنا في اليونانيّة تغريس. يجري شرقيّ الفرات. يتكوّن من مجريين ينبعان من جبل ارمينيا. روافده (من جهة الشرق فقط) : الزاب الكبير، الزاب الصغير، ديالة، خواسفيس (كرخا). في الزمن القديم كان مصب دجلة بعيدًا عن مصب الفرات. أما اليوم فيجتمعان قبل أن يصلا إلى الخليج الفارسيّ أو العربيّ. في التوراة : دجلة هو نهر في الفردوس (تك 2 :14، رج سي 24 :25) ويُذكر أيضاً في دا 10 :4 (ظهور ملاك) وفي طو 6 :1 (صيد سمكة كبيرة) وفي يه 1 :6. نشير إلى أن اليونان سمّوه “النمر” بسبب اندفاع مياهه وما تحدثه من فيضانات.
دمشق وثيقة:
رج وثيقة صادوق (الأدب القمراني).
سارديس:
عاصمة ليدية القديمة. اشتهرت بصناعة الاصواف. احتلها كورش سنة 546. صارت مركز الحاكم في أيام الفرس والسلوقيين. سنة 17 ب.م. دمَّرها زلزال. فاعاد بناءها طيباريوس قيصر. وُجِّهت إحدى رسائل رؤ 3 :1-6 إلى الجماعة المسيحية التي فيها يوبِّخها يوحنا على فتورها. كانت حفريات فيها منذ سنة 1910.
سلاميس:
رج سلامينة
سلامينة:
على الشاطئ الشرقي لجزيرة قبرص. بشّر بولس وبرنابا ومرقس في مجامع سلامينة بالانجيل (أع 13 :5)
سورية:
(أ) الاسم : لا نجد اسم سورية في التوراة. لكن النسخة اللاتينية تستعمل سورية لتترجم العبرية ارام (نجد ارام فقط في لائحة الشعوب لأنه اسم شخص). نجد مرة واحدة في العهد الجديد : نعمان السوري : لو 4 :27. وفي المواضع الأخرى من العهد الجديد تدل سورية على مقاطعة سورية الرومانية (لو 2 :2؛ أع 15 :23، 41؛ 18 :18؛ 20 :3؛ 21 :3؛ غل 1 :21). في مت 4 :24 سورية هي بلاد قريبة من الجليل. والمرأة السوريّة الفينيقيّة (مر 7 :26) هي فينيقية من مقاطعة سورية الرومانية. يشتقّ اسم سورية من أشوريا (اختصار). ونحن نجده أول ما نجده عند هيرودوتس، وهو يدل على المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط والصحراء السورية العربية. أما سورية فلم تشكل وحدة سياسية وإدراية الا بعد التسلّط الفارسي. (ب) التاريخ. قبل الزمن الفارسي تتحدّث النصوص فقط عن مدن. في أيام الفرس، صارت المنطقة جزءا من السترابية (أو : المرزبة) الخامسة (ابيرناري أو أبار نهرا). بما أن سورية هذه كانت تضم أيضًا المنطقة الواقعة بين دجلة والفرات، تكلّمت النصوص عن جنوبي بلاد الرافدين (بين النهرين) وعن سورية المنخفضة. بعد انفصال المنطقتين انفصالاً اداريًّا، صار اسم سورية يعني سورية المنخفضة. وبعد دمار مملكة فارس (331)، تقاتل السلوقيون والبطالسة لامتلاك شاطئ البحر المتوسط الى أن سيطر انطيوخس الثالث نهائيًّا عليه سنة 198. وصارت سورية في أيام السلوقيين قوَّة سياسية هامّة، وحاول السلوقيون أن يطبعوا اليهودية بالطابع الهليني ويضمّوها إلى أرضهم. ولكن سياستهم فشلت ولاسيّمَا بعد ثورة المكابيين. ولما جاء تغران ملك ارمينيا الفراتي (83-69)، وضع حدا لمملكة السلوقيين. ولكن لوكولوس الروماني هزم تغران وأعاد السلطة إلى السلوقيين مؤقتًا (انطيوخس الثالث عشر الاسيوي). ولكن احتلّ بومبيوس سورية احتلالها نهائيا وجعلها مقاطعة رومانية سنة 65 ق.م. (لو 2 :2).
شوشن:
عاصمة عيلام القديمة. تقع على نهر أولاي (اليوم : كرخة). كان ملوك الفرس يقيمون فيها بعض المرات (نح 1 :1؛ اس 1 :2). شوشن هي المكان الوحيد الذي اكتشف فيه المنقّبون أشياء عيلاميّة. احتلّ الفرس عيلام سنة 596، وبنى فيها داريوس قلعة وقصرًا. أعطاها أنطيوخس الأول سوتر (293-261) اسم سلوقية. ماذا قالت التنقيبات عن شوشن؟ نقسم الكلام بين الزمن السابق للأخمينيّين، ثمّ الزمن الممتدّ من الأخمينيّين إلى الفراتيّين. عُرفت شوشن منذ الألف الرابع في جماعات عاشت من الزراعة ومن الصيد، وتركت وراءها فخاريات جميلة وملوّنة. بعد ذلك، توسّعت حضارة على مستوى المدينة فولّدت كتابة صَوريّة (بكتوغرافيك) ثمّ سطوريّة (على السطر) استعملت منذ منتصف الألف الثالث. والحسابات التي وُجدت دلّت على أن دولة شوشن تنظّمت منذ ذلك الوقت على مثال سومر القريبة. اتّصلت شوشن بالسومريّين فأعطوها الكتابة المسماريّة التي عرفتها بلاد الرافدين. في القرن 22 ق.م.، أعلن أمير شوشن “كوتيك إن شوسيناك” الذي كان حتى ذلك الوقت تابعًا لملك أكاد، استقلاله عن الأكاديّين واجتاح بابلونية. باءت هذه المحاولة بالفشل. ولكنّها دلّت على أهميّة شوشن. في زمن سلالة أور الثالثة، ارتبطت المدينة بملوك أور. ولكن إنداتو الأول، حاكم شوشن، استطاع أن يكوّن دولة عيلاميّة قويّة. فشيّد الأسوار حول المدينة التي بنى فيها الأحياء وجمّلها. بعد ذلك، خضع الشوشنيّون لملوك لارسا (بابلونية). ولكنّهم، سنة 1800، أزاحوا النير الرافديني ونعموا باستقلال دام قرابة قرن من الزمن. وانكسفت شوشن قرونًا عديدة لتتحرّر سنة 1300 من الاحتلال البابلي. وما تأثّرت بصعود “دور أونتاش” العاصمة الجديدة التي شيّدها الملك “أوتاش خومبان” (1265-1245). انتصبت دور اونتاش (ابتعدت 42 كلم إلى الجنوب الشرقيّ من شوشن) على موقع “تشوغا زنبيل” حيث اكتُشفت زقورة وقصر يعودان إلى القرن 13. ولكن حوالى سنة 1100، سقطت مملكة عيلام بيد البابليّين وأكلها النسيان لحقبة امتدّت ثلاثة قرون. ولكنّها ظهرت من جديد في القرن 8 كعاصمة إمارة عيلاميّة تتبع مصير عيلام في السرّاء وفي الضرّاء. اجتاحها الأشوريّون بوحشيّة كبيرة سنة 646 ق.م. (رج إر 49 :35-38)، وانتهكوا حرمة المدافن الملكيّة، وأرسلوا الآلهة إلى أشورية، وسبوا السكان إلى السامرة (عز 4 :9-10). وحين سقطت أشورية، استعادت شوشن الحياة، وأعاد إليها ملك بابل نبو فلاسر (625-605) آلهتها. ولكنّ خلَفه نبوخذ نصر الثاني احتلّ شوشن سنة 596595 ق.م. ولمّا احتلّ كورش بابل سنة 538، ضُمَّت شوشن إلى الإمبراطوريّة الفارسيّة. في أيام الفرس الأخمينيّين، صارت شوشن إحدى عواصم الإمبراطوريّة. شيّد فيها داريوس الأول قصرًا فخمًا (أفادانا)، وجعل للمدينة بابًا شاهقًا كشفت عنه الحفريّات. وبنى فيها ارتحششتا الثاني قصرًا آخر على الضفّة المقابلة، الضفّة الغربيّة لنهر شادور. أقام نحميا في أحد هذه المقامات الملكيّة ومارس وظائف في أيام ارتحششتا الأول أو الثاني (نح 2 :1؛ رج 1 :1). وفي القصر الذي شيّده احشويروش الأول، أقام أحشويروش الذي يتحدّث عنه سفر أستير (أس 1 :2). بل إنّ خبر أستير كلّه يحصل في ذلك القصر، وقد دُوّن في فترة صارت شوشن مدينة كوسموبوليتيّة (مدينة على مستوى الكون)، في أيام السلوقيّين والفراتيّين. كان الاسم الرسمي للمدينة “سلوقية أولاي”. ولكننا نجد اسم “شوشن هابيرة” (مدينة شوشن القويّة) في المشناة (مدوت 1 :3؛ كلائيم 17 :9). اتّخذت المدينة الطابع الهلينيّ. واسم بطلة استير هو اسم يوناني (يعني النجمة). نحن بعيدون عن عشتار. هذا مع العلم إنّ إلاهة شوشن الكبرى هي نناية التي تماهت مع أرطاميس. أما الإله الذكر فهو نبو (يقابل أبولون في العالم اليونانيّ) الذي أنشد في اليونانيّة، في القرن الأول ق.م.، باسم “مارا” (السيّد).
صوعن:
في العبريّة : صوعن. في المصريّة : دعنت. في الشعبيّة اللاتينيّة : تانيس. مدينة في دلتا النيل الشرقيّة. يذكرها عد 13 :22 (بُنيت حبرون قبل صوعن) وإش 19 :11 (امرأة صوعن وحكماء مصر)، 13 (أمراء صوعن وأمراء نوف ممفيس)، حز 30 :14 (صوعن ونو طيبة). يذكر مز 78 :12 سهل صوعن مع أرض مصر. رج آ43. في السبعينيّة : تانيس. هي اليوم : صان الحجر على بحيرة منزلة. بدأت الحفريّات فيها منذ سنة 1929، فاكتشفت في المكان افاريس عاصمة الهكسوس الشهيرة، وفي رعمسيس عاصمةَ سلالة الرعمسيسيّين. واكتشف العلماء أيضاً مدفن الفرعون بسوسانيس الأوّل (حوالي 1000 ق.م.). ونتوقّف بشكل خاص عند التاريخ. نجد أقدم ذكر لصوعن في مغامرات وان أمون التي تعود إلى حكم رعمسيس الحادي عشر (1098-1070). هناك تفاصيل في الخبر تدلّ على أنّ التأليف تمّ سنة 1050-1025، ساعة تقاسم ملوك صوعن والكهنة السلطة في مصر. وفي الواقع، عادت الحفريات إلى بسوسانيس الأول الذي أسّس المدينة. هذه المدينة صارت عاصمة السلالة 21 (1070-945) وظلّت مركزًا ملكيًّا في أيام السلالات التالية. إن كان عد 13 :22 قد لاحظ أن حبرون تأسّست قبل صوعن بسبع سنوات، فهو يشير إلى سبع سنوات ملك داود في حبرون (1مل 2 :11؛ 1أخ 29 :27) ويمزجها بفكرة تقول إنّ بداية حكم سلالة داود في أورشليم يتوافق مع تأسيس السلالة 21 في مصر. كانت هناك علاقات بين أورشليم وصوعن، إن لم يكن في عهد داود (استقبل ملك صوعن عنده الأمير هدد الأدومي، 1مل 11 :14-22)، ففي بداية عهد سليمان. فإنّ سليمان تزوّج ابنة فرعون (1مل 3 :1؛ 7 :8؛ 9 :24؛ 2أخ 8 :11) الذي قدّم له كمهر العرس، مدينة جازر التي أخذها من الفلسطيّين (1مل 9 :16). إذا حدّدنا بداية مُلك سليمان سنة 965، فهذا الفرعون هو سيامون (978-959). ولكن إن جعلنا حكم سليمان يبدأ سنة 955، نكون أمام آخر ملوك صوعن، بسوسانيس الثاني (959-945) حميّ سليمان. ولكن يبقى أن سيامون هو الذي احتلّ جازر. وما يدلّ على ذلك جدرانيّة وُجدت في صوعن تصوّر الملك سيامون يقتل عدوًا يحمل فأسًا تجعلنا في إطار الفلسطيّين الذين جاؤوا من بحر إيجه. لقد تدخّل ملوك صوعن في آسيا رغم ضعف مواردهم. والفضّة واللازورد اللذان وُجدا في المدافن الملكيّة (وُجد مدفن بسوسانيس سالمًا سنة 1940) يدلاّن على نشاط سياسيّ وتجاريّ مع الفينيقيّين بشكل خاص. وسفر وان أمون من صوعن إلى دور و صور و جبيل تدلّ على ذلك. والدليل على ذلك، إهداء فينيقيّ لأمون حُفر سنة 1000 على كأس وُجدت في قبر قرب كنوسوس في كريت. إنّ بسوسانيس الثاني، خلف سيامون، استطاع أن يقاوم الليبيّين الذين أقاموا في فيباست (بوبستيس، تل بستا، قرب الزقازيق) وحانيس. سنة 945، جاء شيشانق الأول، رئيس الليبيّين، وأزاح السلالة الصوعنيّة، وأقام في صوعن. فأسّس السلالة 22 المصريّة. قدّم الحماية واللجوء للذي سيُصبح يربعام الأول، ملك اسرائيل (1مل 11 :40). وفي نهاية حكمه، اجتاح فلسطين، وسار على أورشليم، فتسلّم كنوز الهيكل والقصر الملكيّ (1مل 14 :25-26؛ 2أخ 12 :2-9). ووصل إلى الجليل تاركًا في مجدّو مسلّة حفر عليها اسمه، وأعاد جبيل إلى حضن مصر (نشو 242-243؛ حشو 349) إنّ “بلاد (بقعة) صوعن” التي صارت عاصمة مصر كلّها، ظهرت في مز 78 :12، 43، المنطقة التي فيها أجرى الله معجزاته ساعة خروج العبرانيّين من مصر (خر 7-14). وعبارة “حقول صوعن” هي ترجمة عبارة مصريّة تعني “حقول صوعن” ومستنقعاتها مع القصب. هي منطقة منزلة الحاليّة التي اجتاحتها المياه اليوم. إنّ الإشارة إلى صوعن في مز 78 هي أقدم محاولة لتحديد موضع أحداث الخروج، وهي تعود إلى القرن 10 أو 9. في منتصف القرن 9، سيطرت الفوضى في أرض مصر، وفقدت صوعن عظمتها كعاصمة فرعون الحقيقيّة. في ذلك الوقت، أي حوالى سنة 900، نضع خبر يوسف في مصر (تك 39-50) الذي يقدّم بشكل حكاية أحداث يربعام الافرايمي، ويستعمل أسماء مصريّة مثل فوطيفار أو فوطيفارع وأسنات وصفنات فعنيح التي ظهرت مع السلالة 22. ولمّح إش 19 :11، 13 إلى الفوضى التي سيطرت سنة 853 فقال : “ما أغبى امراء صوعن”. وجمعهم مع “أمراء نوف” (ممفيس) و”وزعماء الشعب” (19 :13). فدلّ هكذا على تفتّت مصر التي لا تستطيع أن تقاوم أشورية رغم بدايات المملكة الكوشيّة. ولمّح إش 30 :4 أيضاً إلى وفد أرسل من أورشليم إلى صوعن، وإلى وفد آخر أرسل إلى حانيس. ورغم قساوة الأيام، عرفت صوعن أيضاً حقبة ازدهار ولا سيّمَا في الحقبة السائيّة. لهذا، يجعلها حز 30 :14 بين المدن التي يهدّدها العقاب الإلهيّ والتي بدأت طلائعه في هجمة نبوخذنصر الثاني سنة 568 (رج يه 1 :10). ومع ذلك، ظلّت المدينة مزدهرة حتّى الحقبة الرومانيّة.
صيدون:
الصيد. كانت في أقدم الأزمان المدينة الرئيسيّة للفينيقيّين الذين سُمّوا صيدونيّين في رسائل تل العمارنة وفي نصوص أوغاريت. بعد هذا (حوالي بداية الألف الأوّل)، حلّت صور محلّ صيدون. ولكن استعادت صيدون مكانتها في العهد الفارسيّ. حمى الأشوريّون صيدون ليُضعفوا تأثير صور (التي ارتبطت بمصر)، ولكنّهم في النهاية دمّروها يوم ثارت عليهم. هناك كتابات تحتفظ لنا بأسماء الملوك التالية أسماؤهم : إمريدا (حقبة تل العمارنة)، توبعل (في أيام سنحاريب)، عبدي ملكوتي (في أيام أسرحدون)، تبنيت، أشمونصر (حوالي سنة 450)، تنيس (في أيام ارتحششتا أوخوس). تُميّز التوراة، شأنها شأن النصوص الأشوريّة، بين صيدون الصغيرة وصيدون الكبيرة. تمثّلت صيدون في لائحة الشعوب كبكر كنعان (تك 10 :15). يعدّها يش 19 :8 بين مدن أشير مع أن بني إسرائيل لم يمتلكوها يومًا. نقرأ في حز 28 :20-23 قولاً على صيدون. ويذكر الإنجيل (لو 6 :17؛ 10 :13ي؛ مت 11 :21ي) صيدون مع صور. زار بولس صيدون خلال رحلته إلى رومة (أع 27 :3). هي اليوم : صيدا في لبنان. هذا في الكتاب المقدّس. فماذا في التاريخ؟ ورد اسم صيدون منذ الألف الثالث، فبدت من أقدم مدن فينيقية (تك 10 :15؛ 1أخ 1 :13). سيطر عليها الفراعنة في السلالة 18، 19، ولكن سلطة أمرائها امتدّت على مواقع أخرى مثل صرفة صيدا (1مل 17 :9؛ لو 4 :26). إنّ رسائل تل العمارنة (144-145) دلّت على أن امريدا حاول أن يتحرّر من تبعيّة ملك مصر، ولكن مصر ظلّت مسيطرة وإن بشكل متقطّع حتى القرن 13. لعبت صيدون دورًا هامًّا في القرن 11-10 ق.م.، وذكرت مغامرات وان أمون وجودَ 50 سفينة في مرفأ صيدا، ترتبط بوركة إلي وهو سامي يُقيم في صوعن. بما أن اسمه اسم أكاديّ، فهذا يعني أن صيدون كانت تدفع الجزية لملك أشوري هو تغلت فلاسر الأول ( 1114-1076). نشير هنا إلى أن صور لم تذكر. وبما أنّ نشاط صيدون كان على ما كان، سمّى هوميروس الفينيقيّين “صيدونيّين”، وهذا ما نجده في بعض مقاطع الكتاب المقدّس (تث 3 :9؛ يش 13 :4، 6؛ قض 3 :3؛ 10 :12؛ 18 :7؛ 1مل 5 :20؛ 11 :1، 5؛ 16 :31؛ 2مل 23 :13؛ حز 32 :30). ولكن في القرن العاشر تفوّقت صور (على صيدون) مع حيرام الأول وبداية الحملات الأشوريّة التي قادت إلى فينيقية أشور بانيبال، شلمنصر الثالث، هدد نيراري الثالث، تغلت فلاسر الثالث، سرجون الثاني، سنحاريب وأسرحدون. وقد توخّت هذه الحملات أخذ الجزية (نشو 276؛ 280-281؛ حشو 94-95؛ يوسيفوس، العاديات 9 : 285). من المدن الفينيقيّة (صور، صيدا، جبيل). حتى نهاية القرن 10، تحمّلت المدن الفينيقيّة السيادة الأشوريّة. ولكن عند موت سرجون الثاني، ثار لولي، ملك صيدون، ولكنّه أجبر على الرجوع إلى قبرص حين وصل سنحاريب سنة 701. عند ذاك أقام الملك الأشوري على عرش صيدون اتبعل وفرض عليه جزية سنويّة. ولمّا ثار عبدي ملكوتي على أسرحدون، احتلّ أسرحدون (نشو 290-291؛ 302-303؛ حشو 126-127) صيدا سنة 677، وأعمل في المدينة السلب والنهب، وقطع رأس الملك المتمرّد، وجعل من صيدا مقاطعة أشوريّة وسمّاها “كار اسرحدون” أي رصيف أسرحدون. إلى هذه الأحداث يشير إش 23 الذي تحوّل إلى قول نبويّ ضدّ صور، وحز 28 :20-23، وهكذا نكون أمام قول سابق لحزقيال جُعل في سفر حزقيال. غير أنّ المدينة استعادت ازدهارها بعد أن حاصر نبوخذنصر صور حصارًا طويلاً (في ذلك الوقت كان ملك صيدون في بابل). في زمن الاخمينيّين، صارت صيدون مرّة أخرى المدينة الرئيسيّة في فينيقية، ووهب ارتحششتا الأول للملك أشمون عازر الثاني سهل الشارون من جبل الكرمل حتى يافا، ليجازيه عن الخدمات التي قدّمها الأسطول الصيدوني في حروب الفرس مع اليونان. في نهاية الحقبة الفارسيّة، سنة 351، ثار تنيس، فسحقه ارتحششتا الثالث. حين جاء الاسكندر الكبير وقاومته صور، فتحت له صيدون أبوابها سنة 332. إلاّ أنّ الفاتح عزل ملكها ستراتون الثاني وأحلّ محلّه عبد لونيمس (ذُكر في مدوّنة وُجدت في جزيرة كوس، في اللغة الفينيقيّة واليونانيّة). استفادت صيدون من سقوط صور، فاستعادت دورها المتقدّم في فينيقية وصار فيلولكيس ملكها، قائد الاسطول البطالسي. في القرن الثالث صارت صيدون مدينة مستقلّة يحكمها “القضاة”. سنة 198، تبعت السلوقيّين. ولكنّها استقلّت سنة 111 ق.م. اعترف بومبيوس الروماني بحقّها في ضرب العملة. ووسّع أوغسطس حدودها حتى جبل حرمون ظلّت الحفريات محدودة في صيدون. ومع ذلك، دلّت على أن الموضع كان مأهولًا في النصف الثاني من الألف الرابع. كما دلّت على قصر للاخمينيين يعود إلى القرن الرابع. كانت صيدون مدينة واسعة ومتشعبّة، فميّز فيها سنحاريب صيدون الكبرى (يوسيفوس، العاديات 11 :18؛ 19 :28) وصيدون الصغرى (نشو 287؛ حشو 119). والمدوّنة الفينيقية لأشمون عازر الثاني، تعدّد مختلف أحياء المدينة مع هياكلها (نصوص كنعانية وأراميّة 14). أما التنقيبات التي تمّت في المدافن كما في هيكل اشمون (أسكليبيوس)، في بستان الشيخ، فقد كشفت غنى كبيرًا من الماضي من نواميس أو أوستراكات ومدّونات. وهذه ملوك صيدون : لولي، إتوبعل، عبدي ملكوتي، أشمون عازر، تبنيت الاول، بد (بيد) عشتارت، يتن ملك، بعل شلم الاول، عبديمون، بعنا، بعلم شلم الثاني، مستراتون الاول، تبنيت الثاني، اوغراس الثاني، مستراتون الثاني، مستراتون الثالث، عبد إليم، فيلوكليس.
طرسوس:
في كيليكية. مدينة معروفة (أع 21 :39). موطن القديس بولس (أع 21 :39؛ 22 :3). أسّسها الفينيقيون على كدنوس بالقرب من البحر. وارتبطوا معها بعلاقات تجاريّة منذ القرن التاسع ق.م. وانطبعت بالطابع الهليني في أيام السلوقيين فصارت مركزا جامعيا. في أيام انطونيوس صارت مدينة رومانية وعاصمة مقاطعة كيليكية الرومانية. أقام فيها بولس بعض الوقت بعد اهتدائه (أع 9 :31؛ 11 :25).
طيبة:
رج تيبة.
عربيا:
عرب كان لاسم الجمع عرب معنى واسعٌ فدل في البداية على جميع البدو (إش 13 :20، ار 3 : 20) في صحراء سورية والجزيرة العربية (1مل 10 :15؛ 21 :13؛ 2أخ 9 :14؛ ار 25 :24؛ حز 27 :21). هنا نشير إلى أن “ع ر ب ي م” المذكورة في 1مل 17 :4 التي ترجمتها السريانية واليونانيّة “الغربان”، تعني في الواقع العرب الذين استضافوا إيليا أحسن صيافة (كما فعلت أرملة صرفة صيدا) فنحروا له غنمًا أو غيره وقدّموا لهم اللحم في الصباح وفي المساء. أما النصوص المتأخرة في العهد القديم (نح، أخ، 2أخ) فتستعمله في المفرد (عربي) أو الجمع (عربيم) لتدل على الادوميين الذين أقاموا في مقاطعة عربيا الفارسية. لا يعرف العهد القديم العرب بالمعنى الحديث الذي نعرفه. انه يدل على الحضر والبدو الذين اقاموا في الجزيرة العربية بالاسماء التالية : اسماعيليون، ابناء يقطان، ابناء قطورة وعشائرها : قيدار، سبأ، ددان، اوفير… وجدنا لوائح هذه القبائل في تك 10 :26-29؛ 25 :1-4، 12-16. ولقد نمت مملكة الانباط (غل 1 :17) في مقاطعة عربيا الفارسية وسمي سكانها عربا في العهد الجديد (أع 2 :11). وهذا ما يعنيه النصّ عندما يتحدث عن الصحراء القريبة من مناطق فلسطين الآهلة (غل 1 :17؛ 4 :25). لغة العرب هي العربية الشمالية التي صارت لغة ادبية بعد الفترة البيبلية. اما لغة العرب القديمة فهي العربية الجنوبية المعروفة بالكتابات التي وُجدت في جنوبي الجزيرة العربية. رج عرابية.
عمارنة (رسائل تل):
أولاً : الاكتشاف. على بعد حوالي 300 كلم إلى الجنوب من القاهرة وعلى شاطئ النيل الأيمن، اصطدمت امرأة من قبيلة البدو العمارنة بلوحات من الطين في نهاية سنة 1887. ولمّا تفحّصها العلماء وجدوا أنّهم أمام أرشيف السياسة الخارجيّة في عهد أمينوفيس الرابع (أمينحوتف الرابع 1372-1359). هذا الفرعون الشاب والمتعصّب، حرمه بعض اللاهوتيّين في مملكته. وذلك لأنّه قرّر أن يجعل من عبادة أتون، القرص الشمسيّ، الديانة الوحيدة في مصر. وكان صراع بينه وبين كهنة أمون في طيبة، عاصمة المملكة. وفي السنة الخامسة لملكه صار اسمه اخناتون (حبيب اتون) وأسّس مدينة أخيت أتون (أرض النور أو أفق أتون) جعلها عاصمته الملكيّة (بعد اكتشاف سنة 1887 سمّيت العمرنا. واسم تل العمارنة ينطبق على تل الركام الواقع على بضعة كلم إلى الجنوب). ولكن هذه العاصمة ستُترك بعد موته المبكر. أما غرفة الأرشي فالتي وُجدت فيها اللوحات فهي جزء من قصر أخيت أتون. ثانيًا : عدد اللوحات. ما انتشر خبر الاكتشاف حتى حاولت المتاحف أن تقتني اللوحات. اشترت برلين 200 لوحة (نشرت سنة 1889-1890)، ولندن (المتحف البريطاني) 80 لوحة (نشرت سنة 1892) وأوكسفورد 22 لوحة (نشرت سنة 1894). وبقي في القاهرة 50 لوحة تقريبًا. إذًا كان عدد اللوحات 358. نُسخت في حرف أوروبي وتُرجمت. ثمّ اكتشفت لوحات أخرى، فصار العدد الإجمالي 377 لوحة. ثالثًا : اللغة. دوّنت رسائل تل العمارنة في اللغة الأكاديّة مع تأثير مصريّ وحثيّ وحوريّ وكنعانيّ (حسب لغة كاتب الرسالة). هناك حوالي 300 رسالة دوّنها كتّاب كنعانيّون من فلسطين وفينيقية وسورية الجنوبيّة، ولهذا نجد فيها حواشي كنعانيّة. إنّها تعطينا فكرة عن اللغة المحكيّة في كنعان في ذلك الزمان والتي تختلف بعض الشيء عن العبريّة. هناك رسائل دوّنت كلّها في الكنعانيّة ما عدا بعض عبارات أكاديّة. وكُتبت رسالتان في لغة ارزاوا (دولة في آسية الصغرى) ورسالة في لغة ميتاني تساعدنا على التعرّف إلى اللغة الحوريّة. كل هذه الرسائل دوّنت في الخط المسماريّ. رابعًا : طبيعة الرسائل – هناك عدد من الرسائل تبدو عملَ تلاميذ يتدرّبون على المراسلات الدوليّة في إحدى الغرف الملحقة بالقصر. في هذه السلسلة نجد النصوص الميتولوجيّة. ولكن أكثر اللوحات هي رسائل حقيقيّة. 11 رسالة ترجع إلى وزارة الخارجيّة المصريّة : رسالتان وجّههما أمينوفيس الثالث إلى كدشمان إنليل الأول، ملك بابل، ورسالة وجّهها إلى ملك ارزاوا، ورسالة وجّهها أمينوفيس الرابع إلى بورنابورياش الثاني ملك بابل. ووجّه أمينوفيس الرابع سائر الرسائل إلى ملوك خاضعين له في فلسطين وفينيقية وسورية. وهناك مجموعة ثانية من الرسائل أرسلتها الممالك إلى مصر، نذكر اسم كدشمان انليل الأول، بورنابورياش الثاني، ملكي بابل. أشوروباليط ملك أشور، توشراتا ملك ميتاني، سوفيليليوماش ملك حاطي، ترحوندرابا ملك أرزاوا والملك الاشيا (قبرص؟). ولكن معظم الأسماء تعود إلى ملوك سورية وفينيقية وفلسطين الخاضعين لمصر (نذكر ريب ادي ملك جبيل). وتتضمّن المجموعة رسائل من عبدي اشيرتي وابنه أزيرو، ومن ملوك المدن الساحليّة وغيرها : أوغاريت، بيروت، صيدون، صور، عكا، أشقلون، حاصور (في نفتالي)، مجدو، بلا، جازر، أورشليم، لاكيش (لخيش)، حبرون. تتوجّه الرسائل إلى أمينوفيس الثالث وأمينوفيس الرابع وممثّليهم وموظّفيهم المصريّين. خامسًا : مضمون الرسائل. تشدّد مدن كنعان على تعلّقها بفرعون وتعلن أن أوامره نُفّذت. وتحاول أن تبرّئ ساحة الملوك وتتشكّى من الموقف المعادي الذي يقفه جيرانهم، ومن جبن بعض الموظّفين. وتطلب دومًا المساعدات العسكريّة. فإن تأخّرت المساعدات كانت سلطة فرعون في خطر. هناك رسالة بعثت بها ملكة وأرفقتها بإناء عطور إلى ملكة مصر. وفي رسالة ثانية يطلب نكمادا ملك أوغاريت خادمين وطبيبًا ليعملوا في البلاط. أما فرعون فيطلب في رسائله الأمانة له والخضوع لموفديه ويفرض تأمين الطعام لجيوشه وإرسال النساء إلى حرمه لقاء الفضة والذهب والحجارة الكريمة. وتتعّلق الرسائل مع الملوك جيرانه بالعلاقات السياسيّة ولا سيّمَا بالزواجات السياسيّة. كل هذا يعطينا فكرة ملموسة عن الوضع السياسي في الشرق الأوسط خلال القسم الأول من القرن الرابع عشر ق.م.
فارس:
قبيلة إيرانيّة. تأسّست في أيام كورش مملكة فارسيّة سيطرت على الشرق الأوسط من سنة 539 إلى سنة 333 ق.م. يظهر في التوراة اسم “فرس” للمرّة الأولى في حز 27 :10؛ 38 :5. ونجده خاصة في عز، نح، دا. أولاً : التاريخ. لا نعرف الكثير عن التاريخ القديم لماداي وفارس (أي إيران). فالكتابات الأشوريّة لا تذكرهم (جيران في الشرق) إلاّ صدفة. ثمّ إنّ المراجع الفارسيّة تكاد تكون معدومة. يقول العلماء إنّ الفرس جاؤوا من تركستان وسيطروا تدريجيًّا على السلطة السياسيّة في إيران. لم يكونوا دولة موحّدة في البداية بسبب طبيعة البلاد المكوّنة من بعض الواحات الهامّة. أمّا أوّل تنظيم سياسيّ فكان عمل المادايين. وصلت إلينا هذه المعلومات لا من المراجع الإيرانيّة بل من الوثائق الأشوريّة واليونانيّة (هيرودوتس، اكتاسياس). مؤسّس المملكة هو سياحار (حوالي سنة 700). وارتفعت تدريجيًّا سلالة أخرى هي سلالة الأخمينيّين وتقوّت خاصة في المنطقة التي ستُبنى عليها برسابوليس. وُلد كورش (538-529) في انشان فقهر المادايين الذين يقودهم استياجيس واحتلّ بابل فصار سيّد المملكة البابليّة الجديدة ومؤسّس مملكة الأخمينيّين. معلومات هذه الحقبة تعود إلى الكتابات البابليّة الجديدة، إلى كتابات كورش وداريوس، إلى التوراة (عز، نح، دا). وإنّ تكوين المملكة الفارسيّة حسّن مصير المسبيّين من يهوذا فاستطاعوا أن يعودوا إلى بلادهم التي صارت مقاطعة فارسيّة. ومات كورش خلال معركة حربيّة سنة 529. وقبل أن نذكر خلفاء كورش، نقول كلمة عن فلسطين خلال الحكم الفارسيّ. عادت الجماعة اليهوديّة من بابل، وأعادت تنظيم صفوفها، فبنت الهيكل ثم أسوار أورشليم. على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تُقسَم هذه الحقبة قسمين : خلال قرن من الزمن، وإذا وضعنا جانبًا فترة عابرة (520-515) كان فيها زربابل، الامير الملكي، حاكم اليهوديّة، كانت أورشليم وجوارها جزءًا من مقاطعة السامرة الفارسيّة التي كانت بدورها جزءً ا من مرزبة غربي الفرات. تبدّل هذا الوضع سنة 445 أو 385 (رج نح 2 :1) حين وصل نحميا إلى أورشليم وعُيِّن حاكمًا. صارت يهودا مقاطعة مستقلّة في الامبراطورية، فكان لها ختم خاص بها (ي هـ و د ا)، وظلّت النقود الفضيّة مع اسم الحاكم (مشلا : حزقيا فحه). عادت البلاد إلى العبريّة لترتبط بمملكة يهوذا في أيام داود وسليمان، مع أنها صارت صغيرة جدًا. أمّا خلفاء كورش فكانوا الملوك الآتية أسماءهم : 1) قمبيز (529-522) ابن كورش. لا يذكره العهد القديم. يقول دا خطأ إنّه داريوس المادايي. نظّم المملكة الكبيرة وقسّمها 20 مرزبة. فُصلت سورية وفلسطين أداريًّا عن بابلونية. وكوّنتا المرزبة الخامسة المقسّمة إلى محافظات (أو مدن) على رأسها حاكم (فحا). نعرف مقاطعات شمراين (السامرة)، يهود (يهوذا)، أشدود، دور، عرابية، أمنون. 2) داريوس الأوّل (522-486). 3) احشويروش (486-265). 4) ارتحششتا الأول (464-424). هو المذكور في عز، نح. 5) داريوس الثاني (423-405) لا تذكره التوراة ولا تذكر خلفاءه. 6) ارتحششتا الثاني (404-359). 7) ارتحششتا الثالث (359-338). في أيامه سقطت مملكة فارس بيد الاسكندر المقدونيّ بعد معركة إيسوس. أما مراجعنا لهذه الحقبة فالكتابات الفارسيّة وضرائب قصرَي برسابوليس وشوشن والمؤرّخون اليونانيّون (هيوردوتس، بلوترخس، سترابون). رج الفرس الأخمينيين. ثانيًا : الحضارة. (أ) اللغة والأدب. تنتمي اللغة الفارسيّة إلى مجموعة اللغات الآريّة أو الهندوأريّة من العائلة الهندو اوروبية. وهي تتضمّن الفارسيّة القديمة، الفارسيّة المتوسّطة (زند)، لغة الأفستا. بقيت لنا الفارسيّة القديمة في كتابات دوّنت بالحرف المسماري القديم الذي هو تبسيط للحرف السومريّ. استُعملت هذه الكتابة، على ما يبدو، قبل داريوس الأول. وتكوّنت الأفستا من بقايا التقليد الأدبيّ والدينيّ لدى الإيرانيّين. دُوّنت مرّة أولى في القرن الأول ب.م. وأعيد تدوينها في أيام أرداشير الأول (224-240) وصارت قاعدة وقانونًا في أيام شهبور الثاني (منتصف القرن الرابع). (ب) الديانة. كان الإيرانيّون القدماء يعبدون الآلهة الآريّين (اندرا…). وكان المجوسُ الكهنةَ المرتبطين بالعبادة التي أسّسها زرداشت الذي كرز بتوحيد ثنائي. أهورا مزدا (الشكل لدى المادايين. عند الفرس : أورمزدا) هو الرب العاقل والسيّد السامي. خصمه هو الروح الشرّير : انجرو ماينيوس (اهريمان) الذي يجسّد آلهة الديانة القديمة. يُعبد أهورا مزدا على أنّه خالق الكون وحافظه. وهو يطلب من عباده الحق والرحمة. والذين يتبعونه يصلون إلى درجة سامية من الكمال. إنّهم ينتظرون العقاب أو الثواب في هذه الدنيا وفي الآخرة التي يصلون إليها بعد الدينونة. حينئذ يهبطون إلى الظلمة أو ينالون الخلود والغبطة في أهورا مزدا. إذًا تنشد هذه الديانةُ عقلانيّة أخلاقيّة مطبوعة بالطابع الاسكاتولوجي. ويخضع لاهورا مزدا الجن “اميشا سفننا” (الملائكة في العالم اليهوديّ). فارش ابن ماكير ومعكة. من منسى (1أخ 7 :16). فارص : الثلمة. رج تك 38 :29. ابن يهوذا. والد فارص من زنى يهوذا مع كنته تامار الكنعانيّة. كان توأم زارح (تك 38 :27-30؛ را 4 :12) وهو خامس أبناء يهوذا (تك 46 :12؛ 1أخ 2 : 3-4؛ رج 4 :1). كان لفارص ابنان : حصرون، حامول (تك 46 :12؛ عد 26 :21؛ 1أخ 2 :5). وسُمّي نسله عشيرة الفارصيّين (عد 26 :20. نقرأ سلالة فارص حتى داود في را 4 :18-22؛ رج 1أخ 2 :5، 10-15؛ مت 1 :3-6؛ لو 3 :31-33). فارص هو جد داود عبر الحصرونيّين (را 4 :18-22). بعد المنفى عادت العائلة من العشيرة الحصرونيّة وأقامت في أورشليم (نح 11 :4، 6؛ 1أخ 9 :4). وفي أيام داود كان ياشبعام الفارصي قائد الفرقة الأولى في جيش داود (1أخ 27 :3).
فرات (الـ):
في الأكادي : فوراتو. الفرات هو أكثر الأنهر المشهورة في آسية السابقة. يتكوّن من رافد الفرات الغربيّ الذي ينبع قرب أرزاروم ويحمل اسم كرسو، ومن رافد الفرات الشرقيّ المسمّى كرانا. ينضمّ كراسو إلى كرانا قرب مليد. يعبر الفرات تشعّبات جبل طورس ويدخل في بلاد الرافدين العليا قرب تل برشيف ويتوجّه نحو الجنوب حتى تفساح ثمّ نحو الجنوب الشرقيّ إلى أن يصب في الخليج الفارسيّ قرب إريدو (اليوم : ينضمّ إلى دجلة قبل أن يصبّ في الخليج). روافده هي : باليخو، خابورو (الخابور)، ساغورو. على مدّ الزمن غيّر النهر مجراه بحيث إن مدنًا عديدةً لم تعد واقعة على ضفافه (سفّار، مقور، سوروفاك، أوروك، لارسا، أور، اريدو، بابل). في التوراة يسمّى الفرات مرارًا “النهر” أو النهر الكبير. في تك 2 :14، الفرات هو أحد أنهر الفردوس. في إر 13 :4-7، قرأت الترجمات القديمة “الفرات”. ولكن هناك من يقول إنّ النص يعني بلدة في بنيامين هي عفرة المذكورة في يش 18 :23 والتي هي اليوم تل فاره أو وادي فاره التي تقع جنوبيّ شرقيّ أورشليم.
فيلبي:
اسمها الحالي : فيليبوجيك. تأسست في القرن 7 ق.م. باسم كرنيديس (اي الينابيع). وسّعها فيلبس الثاني وسماها باسمه. سنة 168 أحرز بولس اميليوس نصرًا على فرساوس ملك مكدونية. وفي سنة 146 جعل مكدونية (ومعها فيلبي) مقاطعة رومانية قُسمت إلى اربعة اقضية. وكانت فيلبي في القضاء الأول الذي كانت عاصمته امفيبوليس. لهذا نجد صعوبة حين يقول أع 16 :12 ان فيلبي هي عاصمة قضاء مكدونية. بعد ان انتصر أوغسطس سنة 42 ق.م. على بروتوس وكاسيوس قرب فيلبي، توسعت المدينة. وفي سنة 31 رُفعت إلى درجة مستوطنة رومانية. منذ ذلك الوقت نعمت بالحق الايطالي. وبما أن الحامية التي فيها كانت كبيرة، فقد كان نصف سكانها من اللاتين بحيث اعتُبر الفيلبيون انفسهم من الرومانيين (اع 16 :21). وكان النصف الثاني من المدينة من اليونانيين والمكدونيين مع مهاجرين يهود (لم يكن لهم مجمع. أع 16 :13) وغيرهم. وكانت فيلبي مدينة مهمة من الناحية الجغرافية والتجارية بسبب موقعها بين جبلين (بانجايون، هاموس) وعلى الطريق الاغناطية. كانت مناجم الذهب والفضة في بانجايون ينبوع غنى عظيم. ولكنها نفدت في ايام بولس. غير أن فيلبي احتفظت باهميتها كمدينة تجارية ومركز روماني. في سنة 51، وخلال الرحلة الرسولية الثانية، أسّس بولس في فيلبي جماعة مسيحية (أع 16 :13-40؛ 1 تس 2 :2) تألّفت من الوثنيين المهتدين وأظهرت هذه الجماعة محبة كبيرة لبولس وتعلقا به (فل 1 :3-8؛ 4 :10-16). وأحبها هو بحيث إنه لم يقبل الا منها مساعدة مالية (فل 2 :25؛ 4 :10ي). من الاكيد أن بولس زار فيلبي في رحلته الرسولية الثالثة سنة 57 (أع 20 :1ي) وعاد إليها سنة 58 حيث احتفل بعيد الفصح (أع 20 :6).
قبرص:
جزيرة في البحر المتوسط. تستعمل البيبليا هذا الاسم للمرة الأولى في 2مك 10 :3 وهي تتحدّث عن زمن البطالسة الذين كانت الجزيرة تخصّهم. احتلّها أنطيوخس الرابع وأقام فيها مدّة من الزمن حوالي سنة 168 ق.م. (2مك 4 :29؛ 10 :3؛ 12 :2)، ثم احتلّها الرومانيّون سنة 58 ق.م. كانت قبرص أولاً مقاطعة متعلّقة بالأمبراطور. وفي سنة 22 ارتبطت بمجلس الشيوخ وحكمها قنصل (أع 13 :7). أقام يهود في قبرص (1مك 15 :15-23) ومنهم برنابا (اع 4 :36ي) ومناسون (أع 21 :16). حمل المسيحيّة إلى قبرص أشخاص هربوا من أورشليم (أع 11 :19ي). زار بولس وبرنابا الجزيرة خلال الرحلة الرسوليّة الأولى (أع 13 :4-13). ثمّ زارها برنابا ويوحنا مرقس (اع 15 :39). مدن قبرص المذكورة في البيبليا هي : سلامينة (أع 13 :5)، بافوس (أع 13 :6-16). هذا في الكتاب المقدس. فماذا يقول التاريخ عن هذه الجزيرة؟ ثالث جزر البحر المتوسط بكبرها (227 كلم طولاً، 95 عرضًا). يشرف عليها جبل ترودوس البركانيّ (1953م) وجبال بنتادكتيلوس. مناخها حار وصيفها لطيف. منذ القديم، اشتهرت بخصبها وغنى معادنها ولاسيّمَا النحاس (سترابون 4 :6). فسُمّيت “جزيرة ألف عطر”. كانت قريبة من آسية الصغرى (تبعد 65 كلم عن شاطئ كيليكية) والشاطئ السوريّ الفينيقيّ (95 كلم)، فشكّلت موقعًا مميّزًا للتبادل التجاري، وعرفت مزيجًا من السكان والحضارات. كانت مأهولة في العهد النيوليتي (الألف السادس). في البرونز الوسيط، سيطر عليها التأثير الشرقيّ والمصريّ. أما في البرونز الحديث فعالمُ اليونان بتجارته. عند ذاك دخلت اللغة اليونانيّة والكتابة المقطعيّة (مقطع الصوت، لا الحرف). في القرن التاسع، حلّ الفينيقيّون في شرقيّ الجزيرة. في نهاية القرن 7، سيطر عليها الأشوريّون. وبعد ذلك الفرس. وسنة 332، انضمّت إلى الاسكندر المقدونيّ. بعد موت الاسكندر، صارت مُلك اللاجيّين، ووجد السلوقيّون فيها المرتزقة الذين جعلوهم في جيشهم. سنة 169 احتلّها أنطيوخس الرابع وأجبِر على استردادها بسبب ضغط الرومان. ضمّتها رومة سنة 58 ق.م. إلى كيليكية. بعد هذه النظرة السريعة، نتوقّف عند تاريخ هذه الجزيرة في خمسة مقاطع : اتصال قبرص بالشرق. التأثير الفينيقي. السيطرة الأشوريّة والمصرية. الحقبة الفارسيّة. الحقبة الهلنستيّة. وننهي كل هذا بنظرة إلى الثقافة والدين. 1) علاقات قبرص بالشرق. تعود هذه العلاقات إلى النيوليتي (العصر الحجري الحديث). وما يدلّ على ذلك مناجم خيروكيتيا التي جاء سكانها من سورية حوالى سنة 7000 ق.م.، ومناجم كالافاسوس تنتا. ما شُيّد في ايريم، لمبا، كالافاسوس، يدلّ على التطوّر السريع في الحضارة القبرصيّة، خلال الحقبة الكلكوليتيّة (أي الانتقال من العصر الحجري إلى العصر البرونزي). كانت علاقات مع أناتولية التركيّة استعدادًا لحقبة البرونز، فصدِّر النحاس إلى بلاد الرافدين بواسطة المدن السوريّة. جاءت الوثائق عديدة في البرونز الحديث بسبب الاكتشافات الفنيّة في أنكومي، قرب سلامينة، وكيتيون، وهلا سلطان تكّي، وبالاي بافوس، ومواقع أخرى. عُرفت قبرص في ذلك الوقت باسم “ألاشية” وأقامت علاقات تجاريّة ودبلوماسيّة مع أناتولية (الأناضول)، بحر ايجه، مصر، سورية وفلسطين. ولكن الحضارة الساطعة في القرن 15-13 قد انقلبت سنة 1225 ق.م. بدخول أهل ايجه ثمّ أهل أخائية الهاربين من البلوبونيز بعد دمار المراكز الميسينيّة في أرض اليونان. وجاءت اكتشافات تلقي ضوءًا جديدًا على هذه الحقبة الصعبة من تاريخ قبرص : فهناك نصّ حثّي من شوفيلوليوما الثاني (1200 ق.م.) يتحدّث عن ثلاثة لقاءات مع “أعداء ألاشاية” و”سفن ألاشية”. ولكن ليس الموضوع ملك قبرص بل مجتاحون من أخائية استوطنوا جزءًا من الجزيرة منذ القرن 13. إليهم تشير رسالة قيّم قبرص العظيم إلى ملك أوغاريت، تعلمه بأن عشرين سفينة عدوّة أبحرت إلى هدف مجهول. انتصر اليونان في قبرص، بحيث صارت اللغة اليونانيّة محكيّة في قبرص في القرن 11 كما تقول لائحة أبجديّة وُجدت في بلايبافوس. وظهر الطابع الايجاوي (بحر إيجه) للجزيرة ولا سيّمَا على مستوى الفخاريّات. فالفخاريّات والهندسة دلّت على أنّ قبرص دخلت حقبة جديدة بين سنة 1200 وسنة 1050، فأقام فيها شعب جديد. وحدث تدمير على أثر ظاهرة طبيعيّة أو اجتياح جديد سنة 1075، فتراجع سكان الجزيرة القدماء إلى بعض المناطق وظلّوا يتعاملون بلغتهم حتى الزمن الهلنستي. كانت مواقع قد هُدمت مثل انكومي وكيتيون، فعاد السكّان إليها. وفي السنة 1050-950، نحن أمام فترة ظلام بعدها سيدخل الفينيقيّون إلى الجزيرة. 2) التأثير الفينيقيّ. من القرن 10إلى القرن 8 ق.م. هذه الحقبة السابقة للسيطرة الأشوريّة، هي حاسمة بالنسبة إلى انطلاقة المراكز الفينيقيّة التي بدأت مع اتصالات قديمة بالجزيرة، ومع الانتشار الفينيقيّ في الغرب. ولقد اتّفق الشرّاح على تحديد تاريخ إقامة الفينيقيّين في قبرص سنة 900. وما يدلّ على ذلك اللغة والكتابة. فهناك مدوّنة جنائزيّة تعود إلى بداية القرن 9 وتدلّ على أنّ الفينيقيّين الذين أقاموا سنة 900 في قبرص احتاجوا أن يملأوا مدفن أحد الوجهاء بدعوات على من يتجاسر ويتعدّى على القبر. دوِّن هذا النصّ في لغة فينيقيّة وكتابة فينيقيّة. منذ ذلك الوقت كان تمركزُ الفينيقيّين في الجزيرة واسعًا. وهناك أيضًا وثيقة فينيقيّة في ظاهرها تعود إلى سنة 850-750، من خيروكيتيا (تبعد 20 كلم إلى الشرق من أماتوس)، ومدوّنة فينيقيّة على إناء، تعود إلى القرن 9، وقد وُجدت في سلامينة جرّة فينيقيّة تتضمّن عظام طفل. وفي بلايوبافوس، دلّت مدوّنة ثالثة على انتشار الكتابة الفينيقيّة. ورابعة في كيتيون (سنة 800). وما اكتفى الفينيقيّون بالإقامة في موضع واحد، بل توزّعوا على عشرين موضعًا في الجزيرة : سوق تجاري، مستوطنة، حصن، أو مدينة مملكة. إذا كانت لفظة “م ل ك ت” على نصب نورا المهداة للاله فوماي، تدلّ على “ملك كيتيون”، فهذه المدينة كانت “دولة” فينيقية في القرن 9، أي في حقبة أولى المعابد الفينيقيّة في حي بامبولا، وفي زمن إعادة بناء الهيكل الكبير في حي كاتاري. في القرن 8، وحوالى سنة 735، قرطاجة قبرص هي مدينة، فيها مستوطنة تحت إمرة حاكم (س ك ن) أرسله حيرام الثاني، ملك صور. ثارت كيتيون ولكنّها عادت تخضع للومي ملك صيدون كما يقول يوسيفوس في العاديات (9 :284). ودلّت مقابر الأمراء في سلامينة على الأثر الفينيقيّ في الجزيرة. ووجود مدن ممالك في قبرص، برز في نهاية القرن الثامن بمدوّنات سرجون الثاني (721-705)، ساعة اتّصل الأشوريّون للمرّة الأولى بقبرص. تشير النصوص إلى “سبعة ملوك يا” وهي منطقة يادنانا التي هي اسم قبرص. 3) السيطرة الأشوريّة والمصريّة. من القرن 8 إلى القرن 6 ق.م. افتخر سرجون الثاني بأنّه تلقّى خضوع ملوك قبرص، البلد الذي لم يسمع به أسلافه (نشو 284). هذا ما تقوله المسلّة التي نُصبت سنة 707 في كيتيون التي كانت عاصمة السلطة الأشوريّة في قبرص. أبقى الأشوريّون على المدن الممالك التي كانت عشرًا سنة 673 حسب لائحة التابعين لأسرحدون في قبرص وأشور بانيبال (نشو 291ب، 294). نلاحظ أن ملوك إيداليون وخيزوي وبافوس وتنولوي وكوريون وتماسوس وليدرا تسمّوا باسم يونانيّ. ونقول الشيء عينه عن ملك نوريا، ماريون. أمّا قيش، ملك سلامينة، ودوموزي، ملك قرطاجة، فاحتفظا باسم فينيقيّ. إذا كانت المعلومات حول وصول النيوبابلونيين إلى قبرص قد غابت، فإنّ هيرودوتس (2 :182) يشير إلى احتلال الجزيرة على يد الفرعون أماسيس (568-526) الذي فرض عليها الجزية (ديودورس الصقلي، المكتبة التاريخيّة 1 :68). 4) الحقبة الفارسيّة (القرن 6-4). خضعت قبرص لقمبيز (529-522) سنة 526/525. ولكنّها انضمّت إلى الثورة الإيونيّة سنة 99 /498 (ما عدا أماتاتونتس، هيرودوتس 5 :104). احتلّ الفرس الجزيرة مرّة ثانية سنة 498 بعد أن حاصروا المدن الثائرة ولاسيّمَا سولومي وبافوس (هيرودوتس 5 :108-116). وخلال الحرب الفارسيّة اليونانيّة، راح القبارصة تارة مع الفرس وطورًا مع اليونان. سنة 480 قدّموا 150 سفينة إلى اسطول احشويروش الأول. ولكن باوسانياس ثار على الفرس سنة 478-470، ولا سيّمَا في ايداليون. فحاصرها الفرس بمساعدة الفينيقيّين في كيتيون. وهكذا زالت مملكة إيداليون وضُمّت إلى كيتيون التي ابتلعت أيضًا مملكة تاماسوس. وفعل الأخمينيّون كما سبق للأشوريّين أن فعلوا، فاستندوا في القرن 5-4 إلى العنصر الفينيقيّ في الجزيرة (وقد كان قويًّا جدًّا في كيتيون). وفي أي حال، كيتيون هي في يد الفرس خلال معركة أوريميدون سنة 468. وقام الاثينيّون بحملة جديدة على قبرص سنة 460. ثمّ سنة 450. فاحتلّوا ماريون وحاصروا كيتيون وأخضعوا سائر المدن. ولكن مات قائدهم تيمون، وحلّ الجوع بالجنود، فتركوا الحصار سنة 449. وظلّت قبرص خاضعة للأخمينيّين حتى ارتقاء افاغوراس الأول العرش سنة 412، فطرد الفينيقيّ عبد أمون من سلامينة. ولكن هُزم أفاغوراس رغم مساعدة اليونان والمصريين له، فقوّت موقع السلالة الفينيقيّة في كيتيون. والثورة المعادية للفرس التي قام بها تسعة ملوك قبارصة بمعاونة ثورة قام بها تبنيت الثاني في فينيقية، كان أمدها قصيرًا. سنة 333، انضمّت قبرص إلى الاسكندريّة وشارك أسطولها في حصار صور. 5) الحقبة الهلنستيّة. بعد موت الاسكندر انتقلت قبرص إلى حكم انطيغونيس ثمّ بطليمس الأول (113-110) الذي ألغى المدن الممالك. احتلّ ديمتريوس الأول الجزيرة سنة 306، فاستعادها بطليموس الأول سنة 295/294. وستظلّ قبرص خاضعة للاجيّين حتى سنة 58 ق.م. إذ ضمّتها رومة إلى ممتلكاتها وربطتها بمقاطعة كيليكية. على أيام اللاجيّين، حاول الحكّام فرض الثقافة الهلينيّة. ولكن المدوّنات دلّت على حضور الفينيقيّة في الجزيرة. وزينون ابن كيتيون هو فينيقيّ وهو ينتمي إلى الطبقة المتعلّمة في الجزيرة، بل الوجهاء. وظلّت أسماء العلم الفينيقيّة حاضرة في الجزيرة حتى القرن 4 ب.م. في آلام الشهداء القبارصة. 6) الثقافة والدين. كان التأثير الفنيقيّ واضحًا في اللغة والكتابة، في كاسات ايداليون المعدنيّة، والأثاث الرفيع المطعّم بالعاج والملوّن في مدافن سلامينة، والفخاريّات في أماتوس… والهندسة الموجودة في مقابر أمراء تاماسوس وكيتيون وغولغوي وتربيزا (قرب سلامينة)، تنبع من الهندسة الفينيقيّة في القرن 9-7 التي نجد آثارها في السامرة أو رامة راحيل قرب أورشليم. ونقول الشيء عينه عن زينة البيوت. أما الدين فنجد تعابيره من خلال الالهة التي عُرفت في قبرص : بعل، أشمون، ملقارت، رشف، عشتار، غات. وهناك آلهة قبرصيّة فينيقيّة مثل : فوماي، سَسم.
كركميش:
هي جرابلس اليوم. تقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات. بدأ التنقيب فيها سنة 1911. وُجدت أخبار كركميش في نصوص ايبلا من الالف الثالث ق.م. وفي نصوص ماري من القرنين 19 و 18 وفي النصوص الحثيّة بين القرن 14 وأواخر القرن 13. كانت كركميش مستوطنة كبيرة في عصر تل خلف (الالف 7، 6 ق.م.). أصبحت مدينة محصَّنة في مطلع الالف الثاني. احتلها الحثيون مرارًا ووصلت إلى القرب منها جيوش تحوتمس الثالث. تهدَّمت على يد شعوب البحر حوالي 1200 ق.م. ولكن أعيد بناؤها من جديد. احتلها الاشوريون سنة 717 ثم دمرَّها نبوخذ نصر سنة 605. هذه المدينة الواقعة على الحدود التركيّة الحاليّة، والمذكورة في نصوص مكتوبة من سنة 2400 إلى سنة 600، قد زالت لتُبنى من جديد في العهد الهلنستي باسم “أوروبوس”. تحدّثت وثائق ايبلا عن “كار-كميش” (رج الاله كاموش). هذا يعني أنّ المدينة اشتهرت بتجارتها وضمّت شعوبًا ساميّة. ولكن في القرن 18 هذا وفي زمن ماري، كان اسم الملك اسمًا لوفيا : بلا خندا أو بلا خنتا (أابلاخندا، مع الألف). أما ابنه يترعمّي فاسمه اسم ساميّ. في منتصف الألف الثاني، ارتبطت كركميش بحلب، بالحثيّين، بالميتانيّين. ومرّت فيها سنة 1520 وسنة 1473 جيوش تحوتمس الأول وتحوتمس الثالث. وسنة 1352، احتلّها شوفيلوليوما وجعل منها مركز نائب الملك الحثيّ في سورية الشماليّة. ولعبت كركميش هذا الدور حتى نهاية حكم الحثيّين، فسيطرت على أوغاريت وعلى إيمار. بالرغم مما حدث لأوغاريت وحتوسة (عاصمة الحثيّين)، فقد ظلّ الحثيّون أو النيوحثيّون يحكمون كركميش حتى سنة 717، يوم استولى عليها سرجون الثاني الأشوري. إلى هذا يلمّح إش 10 :9 (كلنو مثل كركميش، وحماة مثل أرفاد، والسامرة مثل دمشق). وكانت الأهميّة التجاريّة للمدينة كبيرة، بحيث ظلوا يستعملون، في سورية الشماليّة وبلاد الرافدين العليا، قياسات وأوزان كركميش. وارتبطت نهاية المدينة بتدخّل مصريّ سنة 610-605، توخّى تخليص أشورية. زحف الجيش المصريّ، وما استطاع الملك يوشيّا اليهوذاويّ أن يوقفه (2أخ 35 :20؛ رج 2مل 23 :29)، فجعل مركز القيادة في كركميش (هذا ما دلّت عليه الحفريّات، منها ختم بساميتيك الأول، 664-610، وختم نكو الثاني، 610-595، وبعض الأرشيف المصريّ). انتصر نبوخذ نصر البابليّ على المصريّين، واحتلّ المدينة، ولاحق الجيش المصريّ حتى حماة. هذا ما يلمّح إليه القول النبويّ في إر 46 :2-12. وعاد نبوخذ نصّر إلى المدينة فدمّرها. ولن تقوم من دمارها إلاّ بعد ثلاثة قرون من الزمن.
كورنثوس:
مدينة يونانيّة قديمة تبعد 8 كلم عن المضيق والقنال الحالي. هناك آثار بشريّة في الزمن السابق للتاريخ. لكن تأسيس المدينة يعود إلى الزمن التاريخيّ (أي بعد 1000 ق.م.). عرفت أول فترة ازدهار في أيام الحكام المستبدّين (القرن السادس)، وفترة ثانية في العهد الهلينيّ. ولكنها دُمّرت على يد الرومانيّين سنة 146 ق.م. فأخليت وأقفرت. ولكن يوليوس قيصر بنى سنة 44 ق.م. على دمار المدينة اليونانيّة، مستوطنة لاوس يوليا كورنتيانسيس. كانت عاصمة مقاطعة أخائيّة اليونانيّة. وصارت بعد سنة 44 مقاطعة مرتبطة بمجلس الشيوخ يحكمها قنصل. وبسبب موقعها الفريد بين مرفأين (المرفأ الشرقيّ كنخريّة على خليج سارونيك، المرفأ الغربيّ ليخايون على خليج كورنثوس) شكّلت كورنثوس مركزًا تجاريًّا هامًّا وملتقى الطرق بين الشرق والغرب. وكانت أيضاً مدينة الفوارق الاجتماعيّة الظاهرة (ثلثان من العبيد، عدد كبير من الفقراء، قلّة قليلة من الأغنياء)، ومدينة الفساد فصارت مضرب المثل بفسادها. فالكورنثيّة هي امرأة ذات أخلاق مشبوهة. وفعل “كرنتس” يعني عاش حياة الفحش. والكورنثيّ هو السكّير. كلّ هذه التجاوزات نمت بفضل البغاء المكرّس المعمول به في معبد أفروديت على قمّة كورنتوس حيث تعيش حوالي ألف امرأة مكرّسة لهذا العمل، كما يقول سترابون (8 :6، 20). في حفريات المسرح، اكتشف المنقّبون حجارة كانت مقاعد لهذه النساء (يحفظ لهنّ مكان خاص في المسرح). هذه التفاصيل تلقي الضوء على نص رو 1 :18-22 الذي كُتب في كورنثوس والذي يقابل معطيات 1كور 5 :1؛ 6 :9-20؛ 10 :8؛ رج 2كور 7 :1. كان سكان كورنتوس مزيجًا من الناس. بما أن كورنثوس كانت مستوطنة، كثُر فيها الرومانيّون، وكثر فيها أيضاً اليونانيّون وأهل المشرق مع عدد من اليهود لا يستهان به (أع 18 :4 : كانوا يقومون بالدعوة الى الدين). وكانت الحياة الدينيّة مزيجًا هي أيضاً. فهناك العالم اليهوديّ، وهناك العالم الوثنيّ الذي يجمع الديانات اليونانيّة إلى الديانات الشرقيّة. وهذا ما يشهد عليه الهياكل المتعدّدة : ملكارت، ايزيس، سرابيس، زوش، افروديت، اسكلابيوس، قيباليس. بدأ بولس يبشّر في كورنتوس خلال الرحلة الرسوليّة الثانية (أع 18 :1). فردّ كرسبوس، رئيس المجمع، ويوستوس، أحد خائفي الله (أع 18 :7-8). بعد ذلك، توجّه إلى الوثنيين (أع 18 :6). عاداه اليهود فجرّوه أمام القنصل غاليون الذي رفض أن يتدخّل في مثل هذه القضيّة (أع 18 :12-17). بعد ذلك، تابع أبلوس تعليم الكورنثيين (أع 18 :27-28). أما بولس فتعلّق تعلّقًا كبيرًا بهذه الجماعة التي لا تعرف الهدوء. وذكّرها خلال إقامته في كورنتوس، أنه سدّ حاجاته بنفسه (2كور 11 :9) حين عمل مع أكيلا وبرسكلة (أع 18 :2-3). ندّد بولس بفساد بعض أعضاء الجماعة في كورنتوس (1كور 1 :13)، ولامهم لأنهم شوّهوا عشاء الربّ (1 ور 11 :17-34). ودعاهم إلى تشذيب المواهب التي تبلبل جماعاتهم (1كور 12-14). وحرّضهم على الفطنة في ما يتعلّق بأكل اللحوم المذبوحة للأصنام (1كور 8؛ 10 :14-30).
لبنان:
الأبيض. سلسلة جبليّة طولها 170 كلم (يش 9 :1). يتجاوز ارتفاع بعض قممها 3000 م. احتلّه الحثيّون (قض 3 :3. في العبريّة : الحويون). يُعتبر لبنان الحدود الشماليّة لأرض الميعاد (تث 1 :7؛ 3 :25؛ 11 :24؛ يش 1 :4؛ 13 :5-6؛ 1مل 9 :19؛ زك 10 :10). اشتهر لبنان بغاباته، اشتهر بأرزه وسروه. اشتهر بمياهه وثلوجه وحيوانه ونباته. يوجّه نبوخذ نصر رسالة إلى أهل لبنان وانتي لبنان أو السلسلة الشرقيّة التي يفصلها سهل البقاع عن السلسلة الغربيّة (يه 1 :7). ونشير إلى أن الأشوريّين أخذوا من أرزه كما أخذوا من غابات أمانوس، واستغلّ الاسكندر الكبير والسلوقيّون والرومانيّون أرز لبنان. قد بقي بعض الأرز في سفح جبل المكمل وعلى جبل باروك. رج البقاع (وادي لبنان أو عمق لبنان) : يش 11 :17؛ 12 :7. غابة لبنان (قاعة مؤلّفة من 45 عمودًا من أرز لبنان. رج 1مل 7 : 2). حين نتعرّف إلى لبنان الجغرافية والتاريخ (من خلال المدن التي نذكرها)، لا ننسى القيمة الاقتصادية والدينيّة للخشب الذي فيه. كان المصريون يستوردونه بحرًا. والأشوريون عن طريق البرّ. والبطل البابلي غلغامش، واجه الشيطان هومبابا الذي يحرس غابة الأرز، أرز لبنان، كما تقول بعض الترجمات. سمِّيت هذه الغابة بستان الوفرة والغزارة. وجعل معاهدة حثّية بين الجبال المقدسة. واعتبر ملك منتصر مثل تغلت فلاسر الأول، أن الدخول إلى غابة لبنان، هو أكثر من مغامرة عسكرية. هو قطعَ أرزَه. وسيقتدي به خلفاؤه ويأخذون لنفوسهم شهرة. من هنا ردّة فعل إش 37 :24 ( 2مل 19 :23) : “أهنت الرب بواسطة رسلك. قلت : بكل مراكبي صعدت رؤوس جبال لبنان، وقطعت أطول أرزه، وأفضل سروه، ووصلت إلى أقصى أعاليه وإلى مجاهل غابه”. وسيفعل نبوخذنصر الشيء عينه. فيهدّده حبقوق : “جورك على لبنان يغمرك، بل حتى هلاك بهائمه يُرعبك” (2 :17). يرد اسم لبنان في الكتاب المقدس 70 مرة، والارز 75 مرة، ومدينة صور 59 مرة، وصيدا وصيدون 50 مرة. وذكر الكتاب المقدّس نحو 35 مدينة وقرية، و 10 مقاطع (تقع جميعها في لبنان). وتحدّث عن عشر شخصيّات (رجال ونساء من لبنان)، عدا الكثير من الأسماء والكنايات التي يُراد بها لبنان وإن لم يُذكر بالحرف : الجبل، الوعر، فردوس الملك، كبرياء الاردن، فينيقية، وكنعان. على الصعيد التاريخي يشدّد الكتاب المقدس على عظمة صور واتساع نشاطها التجاري، على نشاط الفينيقيين التجاري والبحري الذي وصل إلى البحر الأحمر وشرقي افريقيا وحول جزيرة العرب أيام احيرام ملك صور، على انتشار العبادة الفينيقية في شعب اسرائيل، على بناء هيكل اورشليم، على دولة صوبة الارامية في سهل البقاع. وعلى الصعيد الجغرافي، يبرز لبنان جبلاً أبيض تكللّه الثلوج وتغطّيه الغابة ذات الرائحة البخوريّة، ويتزعّم أشجاره الارز العظيم مفخرة الملوك ومشتهى العظماء. في التوراة، يبدو لبنان الحدود لقبائل اسرائيل (تث 1 :7؛ 3 :25؛ 11 :24؛ يش 1 :4؛ 11 :17؛ 12 :7) الممتدّة من دان (في الشمال) إلى بئر سبع في الجنوب. ولكن هذه البلاد لم يصل إليها بنو اسرائيل كما يقول يش 13 :5-6 : “وأرض الجبليين (أي جبيل) وجميع لبنان شرقًا من بعل جاد تحت جبل حرمون إلى ليبو حماة” (أي اللبوة) (يش 13 :5؛ قض 3 :3). جاء سليمان بالخشب من أجل بناء الهيكل ومن أجل قصره الذي سُمّي “غابة لبنان” (1مل 5 :13-28؛ 7 :2؛ 9 :19؛ 10 :17-21). في وقت الضيق سيكتشف إشعيا (10 :34) أن الحدّاد “يقطع غاب الوعر بالفأس ولبنان بكلّ مجده يسقط”. وإرميا (22 :23) : “يا ساكنة لبنان التي صنعت من أرزه عشًّا لها، ثم تئنين حين يأتيك الوجع في مخاض كالتي تلد”. إن الكبرياء المرتبطة بهذا اللقب تستدعي الشقاء. وسيأخذون أيضًا من خشب لبنان لكي يبنوا هيكل زربابل (عز 3 :7 : “ليأتوا بخشب الأرز من لبنان إلى يافا بطريق البحر، بعد أن أذِنَ كورش ملك الفرس لهم”. وأعطى لبنان للنصوص الشعرية في التوراة أجمل صورها. فأرزاته هي تارة رمز الكبرياء (إش 2 :13 : أرز لبنان العالي المرتفع)، وطورًا مثال الجمال (مز 92 :13 : “الصدّيق كالنخل يزهو، وكأرز لبنان ينمو”. سي 24 :13 :” “ارتفعت كالأرز في لبنان “). مهابة لبنان ومجده هما موضوع انتقاد أو موضوع مديح. نقرأ في إش 33 :9 : “الأرض تنوح وترزح، ولبنان يذوي من الخجل”. وفي 35 :2 : “أوتيت (الأرض) مجد لبنان، وبهاء الكرمل والشارون”. وفي 60 :13 يبشّر النبيُّ أورشليم : “إليك يجيء مجد لبنان، السرو والسنديان والشريين جميعًا، فيكون زينة لمقدسي”. عطور لبنان تسكر النفوس. سيوله تبهج القلوب. وحيوانه المفترس يرعب البشر (نش 4 :11-15؛ 2مل 14 :9). وينشد الشعراء خمر لبنان وأثماره وأزهاره. فيصوّر هوشع عودة الشعب إلى الله فيقول : “أكون لبني إسرائيل (أي مملكة اسرائيل في الشمال بعاصمتها السامرة) كالندى، فيزهرون كالسوسن ويمدّون جذورهم كلبنان. فروعهم تنتشر. يكون بهاؤهم كالزيتون، ورائحتهم كلبنان. يرجعون ويسكنون في ظلّي، فيُحيون كما في جنة، يزهرون كالكرم، ويكون صيتهم كخمر لبنان” (هو 14 :6-8). وراح نش 4 :11 يقول في الخطّ عينه : “شفتاك (أيتها العروس) تقطران شهدًا، وتحت لسانك عسل ولبن، ومثل عبير لبنان عبير ثيابك” (رج مز 72 :16).
ماري:
مدينة واقعة على الضفة الغربية لمسيرة الفرات الاوسط على مستوى تدمر. لم تُذكر ماري في التوراة، ولكننا نعرفها في النصوص البابلية (ومنها نصوص حمورابي). اكتُشفت المدينة تحت تل الحريري قرب ابو كمال في سورية الشرقية وبدأت الحفريات منذ سنة 1933 فاعطت نتائج مهمة جدا. هناك عشرون ألف لوحة مكتوبة بالخط المسماري في ارشيف زمري ليم آخر ملوك ماري. فقد مات في حرب مع حمورابي في السنة 32 لعهد حمورابي. هذه النصوص (رسائل إلى زمري ليم، رسائل تجارية) تلقي ضوءا على تاريخ الحقبة القديمة في سلالة بابلونية وعلى تاريخ حمورابي. مثلا : دخلت كرونولوجية حمورابي في مرحلة جديدة واهتم العلماء بالحوريين. هناك 6 نصوص دينية مكتوبة في الحورية وهي أقدم من نصوص بوغازكوي (الحثيين) واوغاريت باكثر من 300 سنة. كانت ماري مركزا تجاريا هاما، وكانت تقيم علاقات مع شوشن وبابل وجبيل واوغاريت وقبرص وكريت. وان القصر الملكي الذي يغطي مساحة هكتارين، يشهد على هذه الحضارة الرفيعة المرتبطة بالسومريين والاكاديين. ماذا نعرف عن تاريخ المدينة ؟ تأسّست سلالة ماري على يد يجيد ليم الذي خلفه يحدون ليم وزمري ليم. وبين الملكين الأخيرين سيطرت فترة أشورية، كان فيها يسماح هدد حاكم ماري الذي أقامه والده شمشي هدد، ملك أشورية، ملكًا على المدينة. معلوماتنا الأهم تعود إلى زمن زمري ليم معاصر حمورابي (القسم الاول من القرن 18 ق.م.). احتلّ حمورابي عاصمة زمري ليم، ودمّرها في السنة 34 من حكمه. بين عبيد زمري ليم، هناك قبيلة “بني يمينا” (بنيامين). معنى اللفظة : أبناء اليمين، ابناء الظهيرة، أبناء الجنوب. هل هناك علاقة مع قبيلة بنيامين، وهي إحدى القبائل الاثنتي عشرة في أرض اسرائيل؟ يبقى الجواب معلّقًا. ما نلاحظه في هذه الكتابات هو أن أنبياء ماري يعلنون قولاً في حالة من الأزمة، في حالة الحرب، في شكل قريب ممّا نجده في النصوص النبويّة.
متوسط البحر، (الـ):
يُذكر مع البحر الميت ويدل على الحدود الغربية لكنعان او احدى القبائل المقيمة على الساحل. البحر الكبير : هـ ي م. غ د و ل (عد 34 :6-7؛ يش 1 :4؛ 9 :1) البحر الاقصى او الغربي : هـ ي م. هـ ا ح ر و ن (تث 11 :24، 34 :2) بحر الفلسطيين : ي م. ف ل ش ت ي م (خر 23 :31). تذكر البيبليا بحر ادرياتك، بحر كيليكية وبمفيلية (اع 27 :5). تذكر الجزر، المرافئ. ماذا نقول عمّا يُسمّى البحر الابيض المتوسط؟ يقع بين اوروبا في الشمال، وآسيا في الشرق، وافريقيا في الجنوب. يتّصل بالمحيط الاطلنطي عبر مضيق جبل طارق (عواميد هرقل)، وبالبحر الأحمر عبر قناة السويس منذ سنة 1869. مساحته ثلاثة ملايين كلم مربع. وأقصى عمقه 4400م. المدّ والجزر ضئيلان، والتيّارات لا تكاد تُذكر. أما الرياح فقد أثرت تأثيرًا كبيرًا على حركة الملاحة القديمة، بحيث لا يستطيع الناس أن يبحروا عكس الرياح. ففصلا الربيع والصيف كانا مؤاتيين للأسفار في البحر. أما عواصف أيلول وتشرين الأول ثم آذار ونيسان، فقد كانت تفرض على السفن إلاقامة في المرافئ. اذا كانت الريح مؤاتية، كان السفر من يافا إلى جبل طارق يتطلّب ثلاثة أسابيع. أما الطقس السيّئ وغياب الرياح المؤاتية، فكانا يطيلان السفر. أما المحطات في البحر المتوسط فهي الجزر : قبرص، رودس، جزر بحر ايجه، كريت، الجزر الايونيّة، مالطة، صقلية، سردينيا، الباليار. وبمختصر الكلام كان المتوسط وسيلة اتصال استفاد منه الميسينيون واليونان والفينيقيون.
مصر:
أولاً : الاسم. استعمله النص العبريّ (2مل 19 :24؛ إش 19 :16؛ 37 :25؛ مي 7 :12 : مصور) بعد أن أخذه عن الأكادية. ايغوبتوس الذي جاء من المصريّة عبر الفينيقيّة : حت كافتح : بيت الاله فتاح، أحد أسماء مدينة ممفيس. يسمّي المصريّون أرضهم : كمت أي السوداء. رج فتروس. ثانيًا : الأرض والشعب. مصر هي واحة طويلة. يمتدّ عرضها بين 5 و25 كلم. يقطعها في الطول نهر النيل، وهي تقع بين صحراوين : صحراء ليبيا والصحراء العربيّة. كان المصريّون القدماء من نسل حام (تك 10 :6). ورغم امتزاج المصريّين منذ زمن الهكسوس بشعوب أخرى، فالمصريّ الحاليّ يشبه أجداده الذين عاشوا منذ آلاف السنين. ثالثًا : التاريخ. لم يكن للمصريّين كرونولوجيا. لهذا وضع الباحثون رسمة كرونولوجيّة لتاريخ المصريّين. بدأت أول سلالة حوالي سنة 4200 ق.م. (أو قبل هذا الزمن). هذا ما قاله علماء القرن السابق. ولكنّهم عادوا اليوم إلى حوالي سنة 3000. واختلفوا على تواريخ الألف الثالث ولم يتّفقوا إلاّ على كرونولوجيا المملكة الحديثة. انتهت مرحلة ما قبل التاريخ حوالي سنة 3000. ثمّ بدأ التاريخ بالمعنى الحصريّ، وخلاله حكمت البلاد سلالات عديدة. فعلى خطى الكاهن المصريّ مناتون من سبانيتوس الذي كتب في القسم الأول من القرن الثالث ق.م. ثلاثة كتب عنوانها “مصريات” (ضاع القسم الكبير منها) نميّز 30 سلالة. ويقسم الباحث المصريّ اليوم هذا التاريخ إلى ثلاث حقبات كبيرة : المملكة القديمة (من السلالة 3 إلى السلالة 6 :2780-2400)، المملكة الوسيطة (السلالة 11-12 :2100-1800)، المملكة الحديثة (السلالة 18-20 : 1580-1085 ق.م.). وهناك فواصل تتوسّط هذه الحقبات. (أ) لا نستطيع أن نتكلّم عن علاقات بين مصر والتوراة إلاّ انطلاقًا من المملكة الوسيطة. فأوّل شخص بيبلي زار وادي النيل هو ابراهيم. تتميّز السلالة 12 بحقبة من الازدهار تشهد لها أعمال ريّ واسعة في الفيوم. وفي الوقت ذاته تراقب الدولة الحدود على طول جدار الأمير وهو حصن يقع في خليج السويس (كما يقول خبر سينوهي). وهذه المراقبة صارت ضروريّة بسبب دخول الساميّين المتزايد إلى البلاد. فهناك جدرانيّة تمثّل 37 اسيويًّا في وادي النيل. اسم رئيسهم ابشاي (رج ابيشاي من عائلة داود). قام سيسوستريس الثاني (1906-1888) بحملة على كنعان ووصل إلى شكيم. وعلى أيام امينمحات الثالث (1850-1800) بُني الهرم الأخير. وبعد هذا تقسّمت البلاد. (ب) الحقبة الثانية المتوسطة (هكسوس). واحتلّ الهكسوس مصر من دون صعوبة. دفعتهم الهجرة في سورية وفلسطين فأقاموا بطريقة مسالمة في الدلتا الشرقيّ. لم يعد العلماء يتحدّثون اليوم عن مملكة هكسوسيّة امتدّت على قسم كبير من الشرق الأدنى الآسيويّ. فإن لم يكن الهكسوس من الساميّين، فالعنصر السامي هو المسيطر كما تشهد على ذلك أسماء العلم : يعقوب هير (ايل)، عنات هير (ايل). كانت عاصمتهم افاريس المدينة التي ستسمّى فيما بعد تانيس. أخذوا بحضارة المصريّين وعلّموهم فيما علّموهم استعمال الخيل والمركبات. وجاءت ردّة الفعل من الجنوب (طيبة؟) فجرّت الدلتا إلى مقاومة الهكسوس. لا نعرف بالضبط كيف انهارت قوّتهم. (ج) المملكة الحديثة. طرد احموسيس (1580-1558) الهكسوس من افاريس ولاحقهم إلى كنعان. حاصر شروحن (شاروحين) (يش 19 :6) ثلاث سنوات وحارب على حدود مصر الجنوبيّة. بعده عرفت البلاد فترة من الراحة استفاد منها امينوفيس الأول (1557-1530) ليقوّي سلطته. وسار تحوتمس الأول (1530-1520) على خطى سلفه فقام بحملة على آسية أوصلته إلى الفرات. بعد هذا سيعتبر المصريّون أنّ سورية وفلسطين هما جزء من أرضهم، وسيركّز فراعنة المملكة الحديثة انتباههم على هاتين المنطقتين. وصلت إلينا بعض المواد الأركيولوجيّة من هذه الفترة، وبما أنّ الحاميات المصريّة تألّفت من مصريّين ومن أهل البلاد، لم تنتشر الحضارة المصريّة واللغة المصريّة كما كنا نظنّ. ولكن في كل حفريّة في فلسطين أو في سورية نجد الجعل الذي هو علامة الحضارة المصريّة للغرباء. وخلفت تحوتمسَ الأول ابنتُه حتشبسوت التي كان حكمها مضطربًا. نظّمت حملة على بلاد البخور (فونت). خلفها ابن أخيها تحوتمس الثالث (1504-1450) فحاول أن يخفي كل أثر لعمّته. قام بست عشرة حملة على سورية، وقد حُفظت حولياته المحفورة في الحجر. مع تحوتمس الثالث نجد على جدران الهياكل لوائح المدن والشعوب المقهورة. وهذه اللوائح مهمّة لتعرّفنا إلى فلسطين في ذلك الوقت. فخبر احتلال يافا وصل إلينا بشكل خبر يذكر عابيرو الذين هم العبرانيّون على ما يبدو. وكان امينوفيس الثاني (1450-1425) قائد الجيش قبل أن يخلف أباه. نجهل الكثير عن حكمه، ولكننا نعرف أنّه ذهب إلى آسية مرتين، فأوقفه الميتانيّون على الفرات. وجاء خلفه تحوتمس الرابع (1425-1408) فعقد معاهدة مع الميتانيّين وتزوّج أميرة ميتانيّة. وتوصّل إلى قمع ثورة في جازر. خلفه أخوه امينوفيس الثالث (1408-1372) الذي كان ملكًا حازمًا، ولكنّه فضّل أعمال البناء على الحرب. وقد بقي لنا قسم من أرشيفه في رسائل تل العمارنة التي اكتشفت في العاصمة الجديدة التي أسّسها خلفه امينوفيس الرابع (1372-1354). غيّر أمينوفيس اسمه إلى أخناتون لأسباب دينيّة. كان ضعيف البنية، ولكنه كان هو وزوجته نفرتيتي شخصيّتين قويّتين. غير أنّهما أهملا الأمور الخارجيّة فثارت المدن الآسيويّة ضدّ السلطة المصريّة. وجاء ملوك عابرون (منهم توتعنخ أمون). بعدها وضع القائد حوريمحب يده على السلطة. معه بدأت السلالة 19 (1314-1200) التي ظلّت مستعدّة للحرب في آسية خاصة مع رعمسيس الثاني. لهذا نُقلت العاصمة في ذلك الوقت إلى الدلتا. أوّلاً إلى ممفيس. وفي أيام رعمسيس الثاني إلى في رعمسيس. وقام سيتي الأوّل (1312-1298) بحرب ضدّ الحثيّ مواتاليش قرب قادش على العاصي. وهناك سيتابع رعمسيس الثاني حربًا ضروسًا. وفي النهاية عقد الخصمان عهدًا أبديًّا وصل إلينا نصّه في الحثيّة وفي المصريّة. وواجه رعمسيس الثاني وخلفه مرنفتاح (1234-1224؟) والملك الثاني من السلالة 20، خطرَ شعوب البحر. تغلّبوا عليهم وأوقفوا تقدّمهم، ولكنّهم لم يستطيعوا أن يمنعوا قبائل جديدة (الفلسطيّون) من الإقامة في كنعان. في كرونولوجيا الخروج القصيرة، رعمسيس الثاني هو الفرعون المضطهد، ومرنفتاح هو الفرعون الذي صار الخروج على أيامه. إلى عهد مرنفتاح تعود برديّة اناستاسي الأول التي تتضمّن تفاصيل عديدة عن سورية وفينيقية وفلسطين بشكل سؤال وجواب. في اسم معيّن في نفتوح (معين ماء نفتوح) احتفظ يش 15 :9؛ 18 :15 باسم مرنفتاح. وقد بقي لنا من هذا الفرعون النصب الشهير الذي نجد فيه اسم اسرائيل. وظلّت شعوب البحر على هجومها في أيام السلالة 20. وهاجم الليبيّون مصر. ولكن رعمسيس الثالث (1198-1166) سيطر عليهم خلال حملات عديدة. وجاء بعده خلفاء تسمّوا باسم رعمسيس ولكنّهم كانوا ملوكًا ضعفاء. فخسرت مصر نفوذها في آسية وانكفأت على نفسها. وهذا ما ساعد إسرائيل على التوسّع. (د) حافظت مصر على استقلالها خلال خمسة قرون (ما عدا فترات قليلة). ففراعنة السلالة 21 (كانوا كهنة طيبة) سيطروا على مصر العليا (الصعيد) ومصر الوسطى. وفي تانيس ( صوعن) سيطرت سلالة توصّلت سريعًا إلى أن تمدّ نفوذها إلى مصر العليا. وانحطاط السلطة المصريّة في فينيقية واضح من خبر الموظّف في هيكل أونامون. ذهب في بداية القرن 11 إلى جبيل (بيبلوس) ليجلب الخشب من أجل معبد طيبة. واتّصل سليمان بفرعون من تانيس (ربما بسوسينيس الثاني) وتزوّج ابنته. وصارت المراجع نادرة عن حقبة الليبيّين (السلالة 22) والكوشيّين (أي الأحباش. السلالة 25). إنّ أوّل ملك مصريّ يرد اسمه في التوراة (1مل 14 :25-26؛ 2أخ 12 :2-4) هو الليبيّ شيشق (شيشانق الأوّل : 950-929) الذي أقام في بوبستيس أي في الدلتا، وسار على يهوذا بإيعاز من يربعام. ليس من الأكيد أن الفرعون الكوشي زارح (2أخ 14 :8) هو ذاته خلف شيشق أوسوركون الأول (أو فرعون آخر). ففي سنة 715، سيطر الكوشيّون على مصر العليا، ثمّ احتلّوا وادي النيل. وفرعون سوا المذكور في 2مل 17 :4 ليس شباكا الذي حكم حتى سنة 701. قد يكون ملكًا من الدلتا. ويذكر 2مل 19 :9 ثاني خلف لشباكا، طهرقه (ترهاقة). ماذا نعرف اليوم عن الفرعون طهرقة؟ اجتاح الأشوريّون مصر، وفي سنة 663 عاثوا خرابًا في طيبة. ولكن استعادت الأمّة قواها في السنة نفسها. فمع بساميتيك الأوّل صعدت السلالة 26 (سلالة وطنيّة) على العرش وتحالفت مع الأشوريّين لتحارب بابل. وتابع نكو (609-594) السياسة عينها في آسية ولكن لم يحالفه النجاح (2أخ 35 :20، 22؛ 36 :4). وآخر فرعون تذكره التوراة هو خفرع. ظلّ أمينًا لسياسة مناهضة لبابل. وبعد دمار أورشليم (586 ق.م.) استقبل العديدَ من اليهوذاويين الذي جرّوا معهم إرميا (إر 42-44؛ 2مل 25 :26). أقاموا في تفنيس، في الدلتا الشرقيّ. وبعد ستين سنة هجم قمبيز على الفرعون اماسيس (586-526). توفّي الفرعون وغُلب ابنه بساميتيك الثالث (525 ق.م.) وصارت مصر مرزبة فارسيّة. ورغم أوقات قصيرة من الحكم الذاتي (بفضل الثورات) ظلّت الحالة هي هي حتى مجيء الاسكندر الكبير سنة 332. وبعد موته، صارت مصر في يد يطليموس لاجوس مؤسّس سلالة البطالسة (اللاجئين). وازدهرت الحضارة الهيلينيّة وبالأخص في الاسكندريّة. وفي سنة 30 ق.م. احتلّ أوكتافيوس أوغسطس مصر (انتحرت كليوبترة) وجعلها مقاطعة ضمّها إلى إمبراطوريّة رومة. رابعًا : الديانة. تتحدّث التوراة عن إله مصر ولكنّها لا تذكر إلاّ إلهًا واحدًا : امون (إر 46 :25). وهناك أسماء آلهة أخرى حفظت في أسماء الأشخاص أو الأمكنة. أمون في نوامون، بست في بوبستيس، رع في رعمسيس وفوطيفارع، اتوم في فيتوم، نيت في اسنات. وحاول البعض أن يقرأ أسماء الهيّة في تك 16 :13 وإش 10 :4 (اوزيريس) كما في خر 10 :10؛ 30 :16 (رع). مع أن بني اسرائيل أخذوا ببعض عادات مصر (التحنيط)، فهذه العادات لم تؤثّر على ديانة التوراة. وتحدّث الشرّاح عن وحدانيّة الله عند اخناتون، كما قابلوا بين نشيد اخناتون ومز 104. مصر – العصور والاسرات المالكة العصر العتيق، الاسرتان الأولى والثانية 3200-2780 الدولة القديمة، الاسر 3-6 2780-2280 عصر الفترة الأولى، الاسرات 7-10 2280-2052 الدولة الوسطى، الاسرتان 11-12 2134-1778 عصر الفترة الثانية، الاسرات 13-17 1778-1570 الدولة الحديثة، الاسرات 18-20 1570-1080 العصر المتأخّر، الاسرات 21-30 1085-332 ايام الاضمحلال، الاسرة 21-24 1085-715 عصر اليقظة، الاسرة 25-30 715-332 الأسرة الأولى 3200-2980 مفا – نعرمز اتى الأول – عما اتى الثاني – جر اتى الثالث – واجيت خاستي – دن مربي با – عج اب ارينتر – سمرخت قاع سيتي – قــاع الأسرة الثانية 2980 – 2880 حوتب – حتب سخموي نوب نفر – رع نب ني نتر – ني نتر ونج —- – بري اب سن – خع سخم حتب، نبوى – امف – خع سخموي. الأسرة الثالثة 2780-2280 زوسر الاول – ارسي خت نتر زوسر الثاني – سانخت تتي – خع با نب كاوو —- حوني —- الأسرة الرابعة 2680-2560 سنفرو خوفو (خنوم خوفوي)، في اليونانيّة : كيويس جدف رع خفرع (خفرن) منكاو رع شيسسكاف الأسرة الخامسة 2560-2420 او سر كاف ساحو رع نفر ارع كارع شيسسكارع نفرف رع ني وسر رع منكا و هور جدكارع (اسيسي) اوناس (ون اس ونيس) الأسرة السادسة 2420-2280 تتي اوسر كارع ببي الاول مرزع (مري ان رع) الاول ببي الثاني مرنرع الثاني منكا ورع – فيت اقرتي (نيتوكريس) الأسرة السابعة 2280 ق.م. حسب رواية مانيتون. سبعون ملكا حكموا سبعين يومًا الأسرة الثامنة 2280-2242 نفر كارع (الاصغر) نفر كارع نبي جد كارع شماي نرف كارع خندو مرسى ان حور نفركا مين ني كارع نفر كارع تررو نفر كاحور نفر كارع ببي سنب نفر كامين عنو قاكارع ابي واج كارع نفر كا حور (حورس) اتري بارو نفر إر كارع (حورس) دمج اب تاوي الأسرة التاسعة 2242-2133 اختوي الاول مري إب رع نفر كارع اختوي الثاني ستوت اختوي الثالث الأسرة العاشرة مرى حتحور نفركا رع اختوي الرابع – واح كارع مري كارع اختوي الخامس – نب كارع اتى ايمحوتب سخم كارع جسر نوب هنا تنتهي المملكة القديمة التي كانت عاصمتها ممفيس. امتدّ تأثير مصر الى فلسطين وهذا ما كشفته تنقيبات عراد وتل عيراني (الذي سمّي خطأ جت). ووُجدت فخاريات مصريّة وأغراض من الحقبة التينيّة (في تيس التي هي البربة التي تبعد بضعة كلم عن ابيدوس، موطن السلالة 1-2). جاء المصريون إلى فلسطين بطريق سيناء الشمالية وتل عيراني الذي يبعد 45 كلم إلى الشمال الغربي من أورشليم، والذي كان مركز نشاط تجاري وحربي استعمله المصريون في جنوب كنعان. وكان للمصريّين حضور في مناجم وادي مغاره في الجنوب الغربي لجزيرة سيناء. وُجد نقشان بارزان للفرعون سخموي (سخمخت) في سيناء. كان الازدهار واضحًا في تلك الحقبة. وما يدلّ على ذلك مدافن الملوك في أهرام عالية، ومنها أهرام الجيزة التي تعود إلى السلالة الرابعة (2680-2560). وتابع ساحورع، الملك الثاني في الاسرة الخامسة (2560-2420) تقليد استغلال المناجم في سيناء، فأقام في وادي مغاره نصبًا يذكر السيطرة الحربيّة على قبائل البدو العائشين في المنطقة. وأنشدت جدرانيات مدفنه عودة اسطوله من فينيقية وهو يحمل المال والأسرى. إن العلاقات المتواصلة مع جبيل التي تؤمّن الخشب، تعود أقله إلى خع سخموي، آخر ملوك تيس (السلالة الثانية). ولكن هذه العلاقات اتسعت مع ملوك ممفيس، من خفرع (خفرن) إلى بيبي الثاني. وُجد غرضان مصريّان في ايبلا يحملان اسم خفرع (2300) وبيبي الأول (2300). ولكن لا يبدو أنه كانت في أيام المملكة القديمة علاقات مباشرة بين ممفيس وايبلا. فالوسيط كانت مدينة جبيل التي كشفت قطع من المرمر حُفرت عليها أسماء ملوك ممفيس. إن قبري انتي (تتي) في ديشاشة، كايمحاست (اوسركارع) في سقاره، الفرعونين اللذين يبدأان السلالة السادسة، يدلاّن على الجيوش المصرية التي تهاجم الحصون في فلسطين الجنوبيّة. هذه الأخبار تعطي صورة عن حملة الفرعون أونا (2350) ضد “عامو” أو الاسيويين المقيمين في الصحراء. ولكن تبدّلت الأمور، فرُفضت سلطة الفرعون في مصر. وحلّت الفوضى بعد حكم بيبي الثاني. فكانت الحقبة المتوسطة (2180-2040) التي استفاد منها البدو فاجتاحوا الدلتا وزرعوا الرعب فيها، فقسمّت مصرُ دويلات صغيرة متنازعة. الأسرة الحادية عشرة 2134-1991 إينوتف (انتف) الأول (سهر تاوي) 2134-2131 إينوتف الثاني (واح عنخ) 2131-2082 إينوتف الثالث (نخت نب تبي فقر) 2082-2079 مونتوحوتب الأول (سعنخ اب تاوي) 2079-2061 مونتوحوتب الثاني (نب جت رع) 2061-2010 مونتوحوتب الثالث (سعنخ كارع) 2010-1998 سنوسرت (وآخرون) 1998-1993 منتوحوتب الرابع 1993-1991 الأسرة الثانية عشرة 1991-1778 امنمحات الأول (سحتب اب رع) 1991-1972 سنوسرت الأول (خبر كار رع) 1972-(عشر سنوات مع والده)-1928 امنمحات الثاني (نوب كارع) 1930-1895 سنوسرت الثاني (خع خبر رع) 1898-1879 سنوسرت الثالث (خع كا رع) 1879-1841 امنمحات الثالث (ني ماعط رع) 1848-1792 امنمحات الرابع (ماعط خرو رع) 1792-1782 سوبك نفرو (سوبك كا رع) 1782-1778 نحن هنا في المملكة الوسيطة. بدأت مع أمير من طيبة منتوحوتب الأول، مؤسّس السلالة 11. ولكن توحّدت المملكة وأعيد بناؤها مع أمنمحات الأول والثاني والثالث والرابع، وسنوسرت (سيوتري، من السلالة 12). هي الحقبة الأعلى في المملكة الوسيطة، بل في التاريخ المصريّ القديم. أسّس امنمحات الأول في لشت، قرب الفيوم، عاصمة ستبني حولها السلالةُ 12 أهرامها. وتجاه البدو الذين يُقلقون سيناء وأرض كنعان، شيّد امنمحات الأول أيضاً قلعة قوية، “حائط الامير” في وادي طوميلات. وفي الوقت نفسه استعاد استغلال المناجم في جنوب سيناء، وضمّ منطقة سرابيت الخادم. خلفه سنوسرت الأول فاهتمّ بشكل خاص بجيران مصر في الجنوب. وفي أيامه، كان “خبر سينوهي” الذي كان في آسية قبل أن يقيم في قبيلة بدويّة في فلسطين. هذا الخبر المليء بالألوان، قد دوّن بلا شكّ في عهد أحد خلفاء سنوسرت الأول : إمّا امنمحات الثاني (1929-1895) وإما سنوسرت الثاني (1897-1878) اللذين ارتبطا بعلاقات دبلوماسيّة مع ملوك آسية. فالتماثيل المصرية التي أهديت في عصرهما إلى هيكلي اوغاريت و قطنه، تدلّ على سعة نفوذ السلالة 12 في سورية. بالإضافة إلى ذلك، اعتاد الاسيويون المجيء بقطعانهم إلى الدلتا في أوقات الجفاف. فكان مدفن مائير الذي يعود إلى حكم امينمحات الثاني، والذي يحمل صورة احدى القطعان مع عبارة “بقر الاسيويين”. وهناك رسم بني حسن الذي يعود إلى حكم سنوسرت الثاني ويصوّر الشيخ أبيشا مع عشيرته وقطيعه (حشو، 3). وفي عهد سينوسرت الثالث (1878-1843) تكاثرت الوثائق. فمع أن هذا الفرعون اهتمّ بالنوبة، فقد قام شخصيًا بحملة قصيرة إلى فلسطين انتهت بالاستيلاء على شكيم. وكشفت حفريات مجدّو ختم “كاتب يحسب القطعان” وتمثال الملك تحوتحوتب الذي عاصر سينوسرت الثالث. فمدفن هذا الملك في دير البرشا يتضمّن صورة عن وصول القطيع إلى فلسطين. وصاحب الكلام الذي يرافق المشهد يتوجّه مباشرة إلى حيوانات القطيع : “سرتم عبر الرمال. والآن تسيرون على العشب”. سيطر تأثير مصر الحضاري والسياسي على كل ساحل فلسطين وفينيقية. وفي جبيل التي ارتبطت في القرن 20 بملك أور، كتب الاميران الاموريّان أبيشومو ويفع شومو أبي لقبيهما كأميري جبيل، وحملا في قبريهما ما يتعلّق بامنمحات الثالث (1842-1797) وامنمحات الرابع (1798-1790). ووُجد في بيروت تمثال صغير لأبي الهول وصدرية امنمحات الرابع. كل هذا يعكس الحضور المصريّ في تلك المنطقة. الأسرة الثالثة عشرة 1778-1625. عاصمتها طيبة. ملوكها : 60 نذكر منهم سوبك حوتب الأول (سخم رع، خوتاي امنمحات) امنمحات سنبف (سخم كارع) امنمحات (سحتب اب رع) امنمحات (سمنخ اب رع، اموني إينوتف) سوبك حوتب الثاني ابن منتوحوتب حور (اوا اب رع) امنمحات (سجف كا رع كاي) وجاف (خو تاوي رع) سنوسرت الرابع (سنفر اب رع) جنجر الأول (وسر كارع) سمنح كارع نفر كارع خنجر الثاني (ني خع ني ماعط رع) سوبك حوتب الثالث (سخم رع سواز تاري) نفر حوتب (خع سخم رع) سوبك حوتب الرابع (خع نفر رع) سوبك حوتب الخامس (خع حوتب رع) ايع اي (داح اب راع) ابي (مر نفر رع) دودي مس الأول (جد نفر رع حوالي 1675) الأسرة الرابعة عشرة عاصمتها سخا الملوك : 76. حكموا 184 سنة الأسرة الخامسة عشرة 1675-1567 الهكسوس ششي (مع اب رع) يعقوب هر (مر وسر رع) خيان (سا أوسر ان رع) ابيبي الاول أو ابوفيس (عا اوسر رع) ابيبي الثاني (عا قنن رع) خامودي (عا سح رع) الأسرة السادسة عشرة – الهكسوس الأسرة السابعة عشرة 1660 (؟)-1570 الأسرة الطيبيّة رع حوتب (سخم رع واح خاعو) اينوتف الخامس (سخم رع وب ماعط) اينوتف السادس (سخم رع حرو حر ماعط) سوبك ام ساف الثاني تحوتي مونتو حوتب الخامس نب اري ار اوت الاول (سو اج ان رع) نب اري ار اوت الثاني (نفر كارع) اينوتف السابع سقنزع (تاعا الاول – الأكبر) سقنزع (تاعا الثاني – الشجاع) بعد امنمحات (امينيميس) الرابع، انهارت مملكة آسية المصريّة انهيارًا سريعًا وصارت الآنية والتماثيل الصغيرة علامات سابقة للأخطار التي تهدّد المملكة الوسيطة. إنّ نصوص اللعنات هذه، هي كلام يوجّه ضد الملوك والقبائل، الذين خافوا من ثورتهم وعدائهم. ومنهم ملك ايبلا، شمشو يفوع ليم. وعدد كبير من المدن والقبائل الفلسطينيّة التي رفضت الخضوع، بل الحياد في علاقتها مع مصر. في تلك الحقبة عينها، ظهرت في مصر أسماء مع “ع ب ر” (عابيرو). “المعفّر”. هناك معفّر بعل، معفَّر رشف، معفَّر إيل. تدلّ هذه المعطيات على أنّ مصر دخلت في الحقبة الثانية المتوسّطة (1786-1570). ظلّ نفوذها ظاهرًا مع الملوك الأولين في الأسرة 13 (1786-1570). وهكذا تضمّن مدفن في ايبلا صولجان الفرعون حوتب رع “الاسيوي” الذي حكم سنة 1765. ووُجد في بعلبك حوالى سنة 1750 تمثال سوبك حوتب. وظلّ ينتين (عمو)، ملك جبيل، يعترف بسلطة نفر حوتب الأول (1740-1730). ولكن مصر لم يرد ذكرُها في أرشيف ماري الملكيّ، الذي يذكر نيتين عمو. ما استطاع الملوك الضعفاء في السلالة 13-14 أن يمنعوا القبائل الساميّة الآتية من آسية، من الإقامة في الدلتا، ثمّ في وادي النيل. هم الهكسوس الذين أسّسوا سلالتين غريبتين، 15 و16. وظلّت سلالة مصريّة مقيمة في طيبة (1650-1570). الأسرة الثامنة عشرة 1570-1304 احمس الاول (نب بحتي رع) 1570-1546 امنحوتب الاول (جسر كارع) 1546-1525 تحوتمس الاول (عا خبر كارع) 1525-1495 تحوتمس الثاني (عا خبر ان رع) 1495-1490 حتشبسوت (ماعط كارع) 1490-1469 تحوتمس الثالث (من خبر رع) 1490-1436 امنحوتب الثاني (عا خبرو رع) 1436-1411 تحوتمس الرابع (من خبرو رع) 1412-1397 امنحوتب الثالث (نب ماعط رع) 1397-1360 امنحوتب الرابع – أخناتون (نفر خبرو رع) 1370-1349 سمنخ كارع (عنخ خبرو رع) 1351-1348 توت عنخ امون (نب خبرو رع) 1348-1337 آي (خبر خبرو رع) 1337-1334 حور محب (جسر خبرو رع) 1334-1304 مع السلالة 18، تمّ طرد الهكسوس على يد أموسيس (أحمس) الأول (1570-1546) الذي هو مؤسّس السلالة 18 (1570-1293) والمملكة الحديثة، التي امتدّت سحابة خمسة قرون، وتركت وراءها عددًا من الابنية والمصادر المكتوبة. وضع أموسيس وخلفه امينوفيس الأول (امنحوتب) (1551-1524) خلال خمسين سنة، أسُس دولة نرى قوّتها وغناها في المباني الضخمة في طيبة. هذه المدينة، مدينة أمون، إله مصر العظيم، صارت عاصمة المملكة. وحكمَ تحوتمس الأول (1524-1518) وتحوتمس الثاني (1518-1504) مملكة وُلدت من جديد، فانطلقا في سياسة توسّعية، ومدّا حدود المملكة حتى الفرات الذي اجتازه تحوتمس الأول في نهاية عهده ليسحق فجأة ملك ميتاني. بعد أزمة السلالة التي حرّكتها حتشبسوت (1498-1483) خالة تحوتمس الثالث (1504-1450) وزوجته، استعاد الملك سياسة أسلافه. فواجه حلفًا مؤلفًا من 330 ملكًا (أو أميرًا) كنعانيًّا وسوريًّا. شتّتهم في مجدو سنة 1483، واحتلّ المدينة بعد سبعة أشهر من الحصار. هذا الانتصار تبعه زيارة موفدين أشوريّين. وأمّن الهيمنة المصريّة على فلسطين. واتّسع استغلال المناجم في سرابيت الخادم. وفي هذا الوقت، استعمل الساميّون العاملون في هذه المناجم، وللمرة الأولى، حروفًا متفرّعة من الهيروغليفيّة المصريّة : هي السينائيّة الأولى. وبين سنة 1480 وسنة 1465، كان تحوتمس الثالث يأتي كلّ سنة إلى فينيقية أو سورية، كما لدى البدو في النقب، الذين ظهر اسمهم (شرشو أو شوشو) للمرة الأولى في وثائق تعود إلى حكمه. والحدث الرئيسيّ الذي يفسّر هذه الحملات هو بداية عداء مباشر مع ملك ميتاني. سنة 1473، استولى الفرعون على قطنة، وحاصر حلب ثم كركميش، وعبر الفراتَ في قوارب نقلتها مركبات تجرّها البقر، ورأى المسلّة التي نصبها جدّه تحوتمس الأول شرقيّ كركميش، ثمّ مضى يسلب بعض مدن ميتاني. لم تضع هذه المغامرة حدًّا للحرب. غير أنّ الحثيّين (في أناتولية) والكاسيين (في بابلونية) أرسلوا هدايا إلى مخيَّم تحوتمس الثالث في “نيع” ( هيناع العبريّة، 2مل 18 :34). وهكذا كان تعادل في ميزان القوى. غير أنّ الملوك السوريّين والفلسطينيّين لم يقبلوا بالهيمنة المصريّة، فقام امينوفيس الثاني (1433-1419) بعدّة حملات يعاقب بها آسية، ولاسيّمَا ضد شوشو المقيمين في النقب، وضد قبيلة أخرى (س م ع ت) قورب اسمها من اسم قبيلة قينيّة هي قبيلة الشمعيّين (1أخ 2 :55). وأجبر تحوتمس الرابع (1419-1386) على فرض الهدوء في فلسطين الوسطى، فحاصر جازر وأخذها. ووصلت المملكة إلى الذروة في عهد امينوفيس الثالث (1386-1349) الذي ما احتاج إلى التدخّل تدخلاً حربيًّا في آسية، بعد أن خضع الجميع لمصر بمن فيهم ملك أوغاريت. ولكن بدأت تظهر أولى العلامات لتدهور الوضع. ولم يكن باستطاعة امينوفيس الرابع (1350-1334 أو اخناتون) أن يوقف الخطر الآتي، وهو المنشغل بالإصلاح الدينيّ وبناء مدينة أتون الجديدة في موقع تل العمارنة. إنّ الأرشيف الذي وُجد هناك يدلّ بشكل ملموس ودراماتيكيّ على تدهور سريع للمملكة في سورية وفلسطين، حيث تخلّت مصر عن الملوك الأمناء لمصر. ملك مع اخناتون سمنخ كارع (1336-1334). ثمّ جاء توت عنخ أمون (1334-1325)، وقائد عسكري شيح هو آي (1324-1321). كادت الكارثة تقع لولا حورمحب القوي، الذي استولى على الحكم بقوّة السلاح، وأعاد النظام في البلاد بعد أن اشتهر بانتصاراته في آسية. الأسرة التاسعة عشرة 1304-1195 رعمسيس الأول (من بحتي رع) 1304-1303 سيتي الأول (من ماعط رع) 1303-1290 رعمسيس الثاني (اوسر ماعط رع) 1290-1223 منفتاح امري ان بتاح (با ان رع) 1223-1211 امون مس سي (من مي رع) 1211-1207 سيتي الثاني (اوسر خبرو رع) 1207-1202 تاوسرت (سيت رع، مرت امون) سي بتاح (اخ ان رع، مري ان بتاح) 1202-1195 بدأت السلالة 19 (1293-1185) مع رعمسيس الأول (1293-1291) الذي خلف آي. ثمّ جاء سيتي الأول (1291-1279). وُجد نصب انتصار سيتي في بيت شان، فأنشد استعادة حدود المملكة في سورية وفلسطين، حتى حماة (نشو، 253-254). وظلّت مناجم سرابيت الخادم تُستغلّ في سيناء. وشرع المصريّون منذ عهد سيتي الأول أو خلفه رعمسيس الثاني (1279-1212) يستغلّون مناجم تمناع، شمالي إيلات. كانت هذه المنطقة على خطّ حربيّ وتجاريّ يمرّ في النقب الأوسط. ونشاط مناجم تمناع الفرعونيّة منذ بداية السلالة 19، يُفسّر لماذا ذُكر “شوشو” مرارًا في وثائق تلك الحقبة. فالمسألة الكبرى التي طُرحت على سيتي الأول ورعمسيس الثاني، هي التزام بين مصر والمملكة الحثيّة على سورية. استعاد رعمسيس الثاني الحرب التي بدأها سيتي الأول ضدّ الحثيّين، فكانت معركة حامية عند قادش على العاصي سنة 1275. لم تُحسم المعركة، فكانت معاهدة سلام بين رعمسيس الثاني و حتوسيلي الثالث، كرّست الوضع القائم في سورية. وحقبة السلام الطويلة التي نتجت عن هذه المعاهدة، أتاحت للفرعون بأن يهتمّ بالابنية في الكرنك والأقصر، وبأن يشيّد عاصمته في الدلتا الشرقيّة : في رعمسيس. ورث مرنفتاح (1212-1202) وضعًا صعبًا على حدود المملكة حيث تراخى السهر خلال السنوات الأخيرة من حكم والده. فواجه بقوّة، منذ اعتلائه العرش، هذا الوضع، فأعلن بافتخار على مسلّة نصبها سنة 1207 أنّه “اجتاح ليبيا وهدّأ حطّي، وسلب كنعان كلّها : أخذ عسقلان. استولى على جازر. صارت ينوعام كلا شيء. وأعدم اسرائيل بحيث زال نسله. وصارت حورو أرملة بسبب مصر”. مع هذا النصب، دخلت قبائل اسرائيل المقيمة في وسط فلسطين، في التاريخ. والمعركة التي جعلتهم أمام المركبات المصريّة، قد صوِّرت على جدار في هيكل أمون في الكرنك. وأحد المشاهد الأربعة التي تروي انتصار مرنفتاح، يقدّم النسخة المصريّة للمعاهدة التي عُقدت بين رعمسيس الثاني وحتوسيلي الثالث (نُسب النصر في هذه اللوحة إلى رعمسيس الثاني، وهذا خطأ). ونجد سقوط عسقلان (ذُكرت في الكتابة)، ومعركة المركبات المصريّة ضد اسرائيل في السهل، سقوط جازر وينوعام. حصل القتال ضد اسرائيل في سهل كنعان الساحليّ. ولكن بما أنّ الوقائع كذّبت أقوال مرنفتاح، نتساءل : أما انتهت هذه المعركة بغرق مركبات مصر في الوحول. هذا ما يشير إليه خر 15 :21 : “الخيل وفرسانها رماهم في البحر”. في هذه الفرضيّة، يصبح بحر القصب في خر 15، مصبّ يرقون. وهناك وثيقة أخرى تعود إلى زمن مرنفتاح، بردية أنستاسي 6 :54-56، وهي تتحدّث عن شوشو أدوم : “أنهينا من تمرير قبائل شوشو في حصن مرنفتاح حوتب هرماعط، الذي هو في جكو. حتى مستنقعات فيراتوم، لكي نبقي على حياتهم وحياة قطعانهم”. هذا النصّ من رسالة تعود إلى النصف الثاني من حزيران سنة 1204 ق.م.، لا تعطي اسم القبائل التي تتحدّث عنها. ولكننا نستطيع أن نفترض أن قبيلة “ي هـ و” كانت بينها، لأنّها هي التي أقامت في مصر حسب خر 3 :18؛ 5 :3 : “أطلقنا لنذهب مسيرة ثلاثة أيام في البريّة ونذبح ليهوه إلهنا”. إنّ الأسماء التي من أصل مصري في عشائر لاوي، مثل موسى، أشير، حفني، فشحور. فنحاس، فوتئيل، هرون، قد ثبَّتت هذا القول، لأنّ هذه العشائر (أو قلّة تقاليدهم) تعود إلى النقب حيث أقام شوشو الأدومي. ولكن يبقى أن نص بردية أنستاسي 6، تشير إلى تحرّكات انتجاع ولا علاقة لها بأحداث دراماتيكيّة حصلت في زمان رعمسيس الثالث، الملك الثاني في السلالة العشرين. فإن السلالة 19 قد انتهت سريعًا بعد موت مرنفتاح وحكم قصير لكلّ من “أمون محاسي” (1202-1199)، وسيتي الثاني (1199-1193) وسي بتاح (1193-1187) والملكة تاوسرت (1193-1185). الأسرة العشرون 1195-1080 سي نخت (اوسر خعو رع) 1195-1192 رعمسيس الثالث (اوسر ماعط رع، مري امون) 1192-1160 رعمسيس الرابع (حق ماعط رع) 1160-1154 رعمسيس الخامس (اوسر ماعط، رع سخيران رع) 1154-1150 رعمسيس السادس (نب ماعط رع) 1150-1145 رعمسيس السابع (اوسر ماعط رغ، اخ امون) 1145-1144 رعمسيس الثامن (اوسر ماعط رع، مري امون) 1144-1137 رعمسيس التاسع (نفركا رع) 1137-1118 رعمسيس العاشر (خبر ماعط رع) 1118-1110 رعمسيس الحادي عشر (من ماعط رع، ستب ان بتاح) 1110-1080 بعد فترة متوسطة امتدّت بضعة أشهر، أسّس سيت نخت السلالة 20 (1184-1070) التي كان رعمسيس الثالث (1182-1151) وحده الملك العظيم فيها. تغلّب على القبائل الليبيّة سنة 1178، وخلّص مصر من اجتياح شعوب البحر المدمّر. وجعل قسمًا منهم ( الفلسطيون) يقيمون في الساحل الجنوبيّ لكنعان. وبعد انتصارات جديدة على الليبيّين سنة 1172، تدخّل بجيشه في سيناء وفي كنعان. وبسبب الأهميّة الستراتيجيّة لطريق سيناء التي تقود إلى مناجم النحاس في تمناع، والتي ظلّت ناشطة حتى رعمسيس الخامس (1145-1141)، قام رعمسيس بضربة قاسية ضدّ شوشو المقيمين في جبل سعير الذين هدّدوا شغل المعادن في تمناع. وبردية هاريس 176 :9-11 التي دوّنت في زمن رعمسيس الرابع (1151-1140)، نسبت إلى رعمسيس الثالث خبر الحملة هذه على الأدوميّين في سعير : “دمّرتُ أهل سعير وسط قبائل شوشو، وسلبت خيامهم والرجال مع الأموال، وأخذت قطعانًا لا عدّ لها. قيّدتهم وأخذتهم سلبًا وجزية لمصر فاعطيتهم للتاسوعة ( الآلهة التسعة في هليوبوليس) عبيدًا في الهياكل”. بعض هؤلاء الشوشو جُعلوا في الجيش المصريّ. والبعض الآخر عمل في تشييد هيكل سيت في رعمسيس. والآخرون أقاموا غربيّ النيل في “فن شوشو” حيث كانوا، في أيام رعمسيس الخامس، في خدمة هيكل حاتور، أو في منطقة طيبة حيث سنجد بعضًا منهم في أيام رعمسيس التاسع (1126-1108) في خدمة هيكل أمون. بين هؤلاء الشوشو نبحث عن نواة أناس تركوا مصر بقيادة موسى، في نهاية حقبة الرعامسة (رج الخروج). شدّد رعمسيس الثالث قبضة مصر على مناطق في كنعان. وهذا ما تدلّ عليه آنية جازر و لاكيش، وعاج مجدو، وتمثال بيت شان، واوستراكة (تعود إلى سنة 1160) تل سرعة التي تبعد 20 كلم إلى الشمال الشرقيّ من بئر سبع. كلّ هذه الوثائق تحمل اسم الفرعون. إن الانتصارات التي حازها رعمسيس الثالث في كنعان وربّما في سورية، قد تخلّدت في نصوص ملحميّة طويلة، وفي جدرانيّات “مدينة خبو”. ولكن انحطاط المملكة بدأ يظهر. ورعمسيس الخامس (1145-1141) هو آخر ملك يُذكر اسمه في تمناع. وخلفُه رعمسيس السادس هو آخر ملك يظهر في مجدّو وفي سرابيت الخادم. وبعد حكم مع ابنيه رعمسيس السابع ورعمسيس الثامن (1134-1126) جاء حكم رعمسيس التاسع (1126-1108) الذي ظهر اسمه في جازر مع عبدة اسمها تاشوشو. هي آخر شوشو يُذكر في حقبة الرعامسة. في النصف الثاني من القرن 12، نرى شوشو الذين أجلوا سعير إلى مصر (على ما يبدو)، يعود نسلهم من أرض النيل إلى أرض الأجداد في سيناء والنقب حيث لم يعد من وجود للفراعنة. وانتهى نزاع السلالة 20 مع رعمسيس العاشر (1108-1098)، ومع رعمسيس الحادي عشر (1098-1070) الذي تفتّتت مملكته. الأسرة الحادية والعشرون 1085-950 سمندس (نسو بانب جدت) في تانيس حريحور في طيبة 1085-1054 بسوسينيس (باسبا ضع ان نيوت) في تانيس بينزم في طبيبة 1054-1009 امنحأوبت (في تانيس) 1009-1000 سي امون (في تانيس) 1000-984 بسوسينيس الثاني (في تانيس) 984-950 نحن هنا في الحقبة الثالثة المتوسطة. فقبل أن ينتهي رسميًّا حكم رعمسيس الحادي عشر، أسّس سمندس في ممفيس، وحريحور عظيم الكهنة، في طيبة، بيتين ملكيين، تقاسما مصر من سنة 1070 إلى سنة 945. أقام نسل سمندس في تانيس (صوعن) واحتفظوا بالشارات الملكيّة خلال هذه الحقبة كلّها. ولكن بوسينيس الثاني وآخر ملك في تانيس في السلالة 21، كان في الواقع كاهن طيبة. زاحه شيشنق الأول، القائد الليبيّ الذي أسّس السلالة 22، وشرّع استيلاءه على الحكم إذ زوّج ابنه اوسوركون بابنة بسوسينيس الثاني. دام ازدهار سلالة شيشانق قرنًا من الزمن. ثمّ بدأت فترة من الفوضى قسمت مصر مملكتين. ولكن وُلدت في السودان (في أرض كوش) قوّة ثالثة. الأسرة الثانية والعشرون 950-730 شاشنق الأول 950-929 اوسوركون الأول 929-893 تكلوت الأول 893-870 اوسوركون الثاني 870-847 شيشانق الثاني 847 شيشانق الثالث 823-772 بامو 772-767 شيشانق الرابع 767-730 الأسرة الثالثة والعشرون 817 (؟)-730 (تل بسطة) شيشانق الخامس 763 (؟)-757 (؟) اوسوركون الثالث 757 (؟)-748 (؟) تلكوت الثالث امون روو 748 (؟)-730 اوسوركون الرابع الأسرة الرابعة والعشرون 730-765 (صا الحجر) تف نخت 730-720 بكوريس (باك ان رنف) 720-715 الأسرة الخامسة والعشرون 751-516 الاسرة الكوشيّة بعنخي 751-716 شاباكا 716-701 شبتاكا 701-689 طهرقا 689-663 تانوت امون 663-656 إنّ سلالة ناباتا الأولى التي صارت السلالة المصريّة 25، قد بدأت مع بعنخي (746-716) مسيرة سياسيّة وحضاريّة، منطلقة من البلاط الفرعوني. إلاّ أنّ بقاء الأمارات الليبيّة حاضرة في الدلتا، والاستقلال النسبيّ لأمراء حانيس، ومجيء السلالة الرابعة والعشرين في سوء (سائيس)، كل هذا جمّد عمل الملوك الكوشيّين (أو الأحباش) وساعد الأشوريّين على تدمير دولتهم. جاء شاباكا بعد بخنعي، وخلفه شبتاكا (702-690) الذي انطلق سنة 701 لمساعدة أورشليم التي يحاصرها سنحاريب. إنّ حكم طهرقا وخلفه تانوت أمون (664-657) انشغلا بالحرب ضدّ الأشوريّين الذي اجتاحوا مصر بمساعدة جيوش الملوك تابعيها، ولاسيّمَا ملك يهوذا. سقطت ممفيس وطيبة. ولكن سلالة سائيس قامت على بساميتيك الأول (664-610) الذي دعا مرتزقة من إيونية وكارية، كما دعا لمساعدته جيجيس ملك ليدية. وهكذا طُردت الحاميات الأشوريّة من مصر، وعُزلت سلالة طيبة، وتصفّت آخر آثار الفوضى الليبيّة. الأسرة السادسة والعشرون 656-525 بساميتيك الأول 663-609 نكو 609-594 بساميتيك الثاني 594-588 ابريس (و ا ح ب ر ع) 588-568 احمس الثاني (اماسيس) 568-526 بساميتيك الثالث 526-525 حين أعاد بساميتيك الأول توحيد مصر، رفض أن يكون تابعًا لأشور بانيبال. ولكن الحاميات الأشوريّة (مع جيوش اسكوتيّين) ظلّت على حدود مصر دون أن تقلق ملك سائيس. فاستطاع أن يعيد للملكيّة الفرعونيّة بعض عظمتها، وللبلاد الأمان، وللحضارة المصريّة لمعانًا جديدًا. وصعد المادايون والكلدانيّون في بابلونية، فاجتاحوا أشورية. قلق الملكُ الشيخ، فأرسل سنة 610 ق.م. جيشًا مصريًّا وصل إلى كركميش وحاران، ليساند أشورية. وتابع ابنه نكو الثاني (610-595) السياسة عينها. ولكن هذا لم يمنع من دمار المملكة الأشوريّة التي قُسمت بين المادايين بقيادة أواكشترا والكلدانيّين (أو البابلونيّين) بقيادة نبوفلاسر ونبوخذ نصر الثاني. ورغم هزيمة كركميش سنة 605، حافظ نكو الثاني على بعض النفوذ في سورية وفينيقية. طلب الملوك الفينيقيّون عونه ضدّ التهديد البابلوني. ولكن نكو الثاني لم يستطع أن يمنع البابلونيّين من احتلال فينيقية وفلسطية بقيادة نبوخذ نصر الثاني (2مل 24 :7)، كما لم يمنع سقوط أورشليم سنة 597 ق.م. (2مل 24 :10-17؛ 2أخ 36 :6). ساند خلفُه بساميتيك الثاني (595-589) الحزب الموالي لمصر في أورشليم، وهذا ما دفع صدقيا إلى التمرّد على نبوخذ نصر الثاني (2مل 24 :20ب؛ 2أخ 36 :13). ولكن مات الفرعون قبل أن تحاصر الجيوش البابلونيّة أورشليم (2مل 25 :1؛ إر 39 :1). فما استطاع ابنه وخلفه واحب رع (خفرع في العبريّة، ابرياس في اليونانيّة) (589-568) أن يخلّص عاصمة يهوذا مع أنّه قام بهجوم ليحوّل أنظار العدو (إر 37 :5)، بناءً على طلب قائد الجيش اليهوذاويّ كونيا بن ألناتان الذي ذهب إلى مصر (اوستراكة لاكيش 3 :14-16). سقطت أورشليم سنة 587 ق.م. ولكن صور قاومت جيوش نبوخذ نصر الثاني 13 سنة، بعد أن جاءتها الإمدادات بالبحر. عندئذ حاول عدد من اليهوذاويّين اللجوء إلى مصر (إر 42-44)، فأقاموا في الدلتا الشرقيّة ولاسيّمَا في المجدل وتحفنحيس وممفيس، كما أقاموا في مصر العليا (فتروس)، في أسوان وجزيرة الفيلة. في جزيرة الفيلة أقامت مستوطنة يهوديّة تعود إلى زمن أماسيس (أو : أحمس) إن لم يكن خفرع، وحاولت أن تدافع عن مدخل النيل تجاه سلالة نفاتا الكوشيّة الثانية التي كانت تستعدّ للاستيلاء على مصر، رغم حملة 594 التي وصلت بجيش بساميتيك الثاني إلى قلب النوبة. حصل انقلاب على خفرع وقُتل سنة 538 (رج إر 44 :39)، واستولى أماسيس (568-526) على العرش. استفاد نبوخذ نصر من هذه الثورة الدمويّة، فهاجم مصر (رج إر 43 :8-13؛ 46 :13-26؛ حز 30). ولكن أماسيس تغلّب على المحنة فما تحقّقت أقوال النبيّين إرميا وحزقيال. وكان ابنه بساميتيك الثالث (526-525) أمام خصم آخر هو قمبيز، أخذ منه ملكَه وأعدمه الحياة بعد نصف سنة من الحكم. الأسرة السابعة والعشرون 525-404 قمبيز 525-522 دارا الاول (داريوس) 522-485 خشيارت (كركسس أو احشوويروش) 485-464 ارتحشات (ارتكسرسيس أو ارتحششتا) 464-424 دارا الثاني 424-404 الأسرة الثامنة والعشرون 404-358 امون خر (اميرتايوس) 404-398 الأسرة التاسعة والعشرون 398-378 نفرتيس الأول (نايف عوف رود) 398-392 هكر (اكوريس) 392-389 بي ساموت (بساموتيس) 380-379 نفريتس الثاني (نايف عاو رود) 379-378 الأسرة الثلاثون 378-341 نختنبو الأول (نخت نيف) 359-341 الغزو الفارسي الثاني 341-332 أرتحششتا الثالث “اوخوس” 341-338 ارسيس 338-335 دارا الثالث في مصر 335-332
ميليتس:
مرفأ في كارية على الشاطئ الغربيّ لآسية الصغرى، على بعد 20 كم إلى الجنوب من أفسس. حين عاد بولس من رحلته الرسوليّة الثالثة، دعا شيوخ كنيسة أفسس إلى ميليتس ووجّه إليهم خطبة هي وصيّته الروحيّة كراعٍ (اع 20 :15-38). في نهاية
نجع حمادي:
مدينة مصرية تبعد 127 كلم إلى الشمال من الاقصر، باتباع الشاطئ الشماليّ للنيل. قربها اكتُشفت كتب قبطية (بأكثريتها صعيديّة) دوّنت على برديات مجلّدة بشكل كودكسات. 51 أو 52 كتابًا (اذا حسبنا 13 3 على حدة) ذا طابع مسيحي غنوصيّ. 1) خبر الاكتشافات. يبدو أن الاكتشافات الاولى حصلت في نهاية 1945، ولكننا لا نعرف الزمن بالضبط، كما لا نعرف المكان الذي فيه اكتشفت. فالوثائق لم تصل إلى أيدي الاخصّائيين إلاّ سنة 1947 وما بعد، وسط تقلّبات سياسيّة ومشاورات لا عدّ لها. يبدو أن الوثائق اكتشفت بالاحرى قرب قرية حمرا دوم على شاطئ النيل الأيمن وسط صخور جبال جبل الطريف في جرّة. أخفِيت في الأرض فلم يظهر منها إلا غطاؤها. وقد استُعمل الموضع بشكل مقبرة حتى شقوق الصخور. وجاءت ثورة 1952 ثم حرب السويس سنة 1956، فتأخّر نشر المخطوطات حتى الستينات. تمّت النشرة الكاملة للنصوص سنة 1972، وترجمت إلى الانكليزية. وها هي تترجم إلى الفرنسيّة… وُجد هناك 13 كودكسًا. وحُفظ منها أحد عشر في غلاف من جلد. أما الكودكسان 12-13 فقد بقي منهما أجزاء. ومع ذلك، فنحن نملك 1153 (عدد كبير من الصفحات كامل) من أصل 1257 صفحة. طول الصفحة 35 وعرضها 15 ما عدا الكودكس الأول حيث الصفحة أصغر. نحن أمام نسخات قبطيّة لنصوص أصليّة في اليونانيّة أو السريانيّة. ووُجدت ترجمات مختلفة بعض الشيء (2 2؛ 3 4) لهذه النصوص قبل ذلك الوقت. فاشتراها متحف برلين (ولا تزال فيه) مع مؤلَّفين من النوع عينه (انجيل مريم المجدليّة، أعمال بطرس) سنة 1896. وعُرفت مؤلّفات أخرى منذ العصور القديمة، غير أن معظمها ظلّ مجهولاً بالنسبة إلينا. 2) لائحة مكتبة نجع حمادي (أ) كودكس 1 سمّي هذا الكودكس أيضًا كودكس يونغ. لأن الفيلسوف كارل يونغ اقتناه بعض الوقت، وكان قد اهتمّ عن قرب بالغنوصيّة، ولا سيّما في وجهات الالوهة الانثى، ودخل في المناقشات. . نجع 1 1. منحول (ابوكريفون، كتاب سري) يعقوب (ص 1-16) : وحي يسوع ليعقوب بعد القيامة. يتضمّن بعض الامور المتوازية مع المقولات الازائية. . نجع 1 2. انجيل الحقّ (ص 16-43) : تعليم أعطاه معلّم نجهل اسمه، وقد ماهاه بعضهم مع ولنطينس. . نجع 1 3. مقال حول القيامة (ص 43-50) : يتحدّث هذا الكتيّب عن القيامة كواقع حاضر ومحض روحيّ. سُمّي بعض المرات “رسالة إلى راجينوس” (يرد الاسم في النصّ). . نجع 1 4. المقال المثلّث (ص 51-138) : تعليم حول القسمة المثلّثة للكائن البشريّ (روح، نفس، مادة). هذا المقال هو قريب من غنوصيّة ولنطينس، كما عرفناها عند آباء الكنيسة. . نجع 1 5. صلوات الرسول بولس. نجد هنا صفحتين اختلف الأخصائيون في موضعهما، فجعلوهما في بداية الكودكس. تتحدّث عن خلاص “نفسي المستنيرة”. (ب) الكودكس الثاني . نجع 2 1. منحول (ابوكريفون، كتاب سري) يوحنا (ص 1-32) : تفسير غنوصيّ للفصول الأولى لسفر التكوين مع إدخال 365 ملاكًا. وتبدو اللهجة معارضة لليهود بشكل واضح، مع تكرار عبارة “لا كما قال موسى”. هذا الكتاب هو الذي يهاجمه ايريناوس في كتابه “ضد الهراطقة” (1 :29-30). . نجع 2 2. انجيل توما (ص 32-51) : مجموعة 114 قولاً ليسوع. وهناك عدد منها قريب من قولات الأناجيل الازائيّة، وأخرى قريبة من قولات بهلنسة. . نجع 2 3. انجيل فيلبس الرسول (ص 51-68) : مجموعة أقوال قريبة من الغنوصية الولنطينيّة مع تشديد على العنصر الانثويّ في الالوهة. . نجع 2 4. طبيعة الاراكنة (ص 86-97) : وحي حول الكوسموغونيا أو نشأة الكون. . نجع 2 5. حول أصل العالم (ص 97-127) : وحي حول الكوسموغونيا وخلاص العالم بواسطة مخلّص يحمل الوحي. يتضمّن هذ االمؤلّف عناصر سابقة للمسيحيّة. . نجع 2 6. تأويل النفس (ص 127-137) : خبر سقوط النفس المشخَّصة وافتدائها، مع ايرادات من البيبليا ومن هوميروس الشاعر اليونانيّ. . نجع 2 7. كتاب توما أو توما المجاهد (ص 138-145) : حوار بين يسوع ويهوذا توما (صار الاسمان اسمًا واحدًا) كما جمعه متّى مع ميوله النسكيّة. يتضمّن بعض المتوازيات مع أقوال من الاناجيل الازائيّة. (ج) الكودكس 3. . نجع 3 1. أبوكريفون يوحنا (ص 1-40) : نسخة أقصر من نجع 2 1 وقريبة من نسخة متحف برلين. . نجع 3 2. انجيل المصريين (ص 40-69) : لا علاقة لهذا المؤلّف مع الانجيل الذي يحمل ذات الاسم، والذي نعرفه من خلال ما أورده اكلمنضوس الاسكندراني. نحن بشكل رئيسيّ أمام مجموعة من الصلوات والمدائح والتعويذات. . نجع 3 3. اوغنستوس المبارك (ص 70-90) : رسالة حول كوسموغونيا تبدو وكأنها غير مسيحيّة. . نجع 3 4. حكمة يسوع المسيح (ص 90-109) : نسخة مسيحيّة لـ “اوغنستوس المبارك” (نجع 3 3) يتدخّل فيها يسوع المسيح. . نجع 3 5. حوار المخلّص (ص 120-149) : أجزاء حوار بين يسوع وتلاميذه حول الكوسموغونيا والفداء. نجد أمورًا متوازية بين هذا المؤلّف وأقوال من الأناجيل الازائيّة. د) الكودكس 4 (ناقص) . نجع 4 1. أبوكريفون يوحنا (ص 1-49) : نسخة تشبه نجع 2 1. . نجع 4 2. انجيل المصريين (ص 50-81) : نسخة نجع 3 2 مع بعض الاختلافات. (هـ) الكودكس 5 . نجع 5 1. “اوغنستوس المبارك” (ص 1-17) : نسخة نجع 3 3 مع اختلافات. . نجع 5 2. رؤيا بولس (ص 17-24) : رؤى الرسول. ليس الكتاب كاملاً، بل بقيت منه أجزاء. . نجع 5 3. رؤيا يعقوب الأولى (ص 24-44) : حوار بين يعقوب “البار” ويسوع قبل الصلب وبعده، وفيه يؤكّد يسوع أنه لم يُصلب إلا في الظاهر. نجد عبارات ولنطينيّة في هذا الكتاب الذي بقيت منه أجزاء. . نجع 5 4. رؤيا يعقوب الثانية (ص 44-63) : مجموعة مدائح وأناشيد قالها يسوع ويعقوب (الذي هو عامل في الفداء). يُذكر في هذا المؤلّف أيضًا استشهاد يعقوب. . نجع 5 5. رؤيا آدم (ص 63-85) : خبر يبدو مسيحيًا في ظاهره. خبر آدم وحواء وايحاء ات حول مستقبل نسلهما. (و) الكودكس 6 . نجع 6 1. أعمال بطرس والرسل الاثني عشر (ص 1-12) : مؤلّف لا يتلوّن بلون الغنوصيّة. . نجع 6 2. الرعد الروح الكامل (ص 13-21) : ايحاءات الحكمة من نمط “أنا هو”. . نجع 6 3. تعليم بسلطان أو التعليم الحقيقيّ (ص 22-35) : عظة حول وضع النفس في عالم معادٍ. . نجع 6 4. مفهوم قوّتنا العظيمة (ص 36-48) : تاريخ غامض للكون مع وصف لكوارث نهاية العالم. . نجع 6 5. جمهوريّة أفلاطون (ص 48-51) : نسخة قبطيّة فيها الكثير من الأخطاء حول جزء بسيط (588أ-589ب) من مؤلّف الفيلسوف اليونانيّ. . نجع 6 6. الثامنة والتاسعة (ص 52-63) : حوار بين هرمس ترسماجيستس وأحد تلاميذه حول السماوات (؟) الثامنة والتاسعة. . نجع 6 7. صلاة شكر (ص 63-65) : هذه الصلاة بأصلها الهرمسيّ، نجدها في اليونانيّة واللاتينيّة في نصوص لا تنتمي إلى نجع حمادي. . نجع 6 8. اسكليبيوس (ص 65-78) : نسخة قبطية لوثيقة هرمسيّة عُرفت في اليونانيّة واللاتينيّة في نصوص لا تنتمي إلى نجع حمادي. الموضوع هو مصير مصر. ضاع العنوان فأعيد تكوينه بفضل النصوص الموازية المعروفة. (ز) الكودكس 7 . نجع 7 1. اسهاب سام (ص 1-49) : الكوسموغونيا مع عناصر من سفر التكوين. . نجع 7 2. مقال ثان لشيت العظيم (ص 49-70) : خبر خلاص ذات نزعة ظاهرية (مات المخلّص في الظاهر لا في الحقيقة) ومناوئة لليهود. لقد اهتم الغنوصيّون دومًا بشيت، لأنه الابن الذي “حبل” به آدم وهو ابن 130 سنة “على صورته ومثاله” (تك 5، 3)، وإليه نقل ما بقي له من المعرفة بعد السقطة. حسب انجيل المصريين، يسوع هو تجسّد شيت. . نجع 7 3. رؤيا بطرس (ص 70-84) : هَزِئ المخلّص من الذين ظنّوا أنهم صلبوه. مع أن آخر حلّ محلّه (قد يكون سمعان القيريني). لا علاقة لهذا المؤلّف مع المنحول الغنوصي الذي يحمل ذات الاسم. . نجع 7 4. دروس سلوانس (ص 84-118) : تعليم حكمي ذات نزعة نسكيّة. . نجع 7 5. مسلات شيت الثلاث (ص 118-127) : مجموعة مدائح. (ح) الكودكس 8 (ناقص) . نجع 8 1. زوستريانس (ص 1-132) : وحي نُسب إلى معلّم زرداشت. . نجع 8 2. رسالة بطرس إلى فيلبس (ص 132-140). عالجت الصلب على الطريقة الظاهريّة. (ط) الكودكس 9 (ناقص) . نجع 9 1. ملكيصادق (ص 1-27). اجزاء تحمل وحيًا. لقد كان ملكيصادق دومًا موضوع اهتمام التقليد المسيحي واليهودي، بالنظر إلى ما في مولده من أسرار (تك 14 :18). . نجع 9 2. فكر نوريح (ص 27-29) : نصّ شعري قصير حول صورة رأى فيها الغنوصيون امرأة نوح (لا يُذكر اسمها في الكتاب المقدس). . نجع 9 3. شهادة الحقيقة (ص 29-74) : عظة شعرية حول المعرفة (غنوسيس) الحقة. (ي) الكودكس 10 (ناقص) . نجع 10 1. مرسانيس (ص 1-68) : صورة جزئيّة عن العالم السماويّ. (ك) الكودكس 11 (ناقص) . نجع 11 1. تفسير المعرفة (ص 1-21) : عظة عن الكنيسة ذات نزعة ولنطينية. . نجع 11 2. عرض ولنطيني (ص 22-44) : يعالج هذا المقال بشكل رئيسيّ الملء (بليروما) وشعائر العبادة. . نجع 11 3. الغريب (ص 45-69) : نحن أمام شخص ليس من البلاد وهو يحمل وحيًا. . نجع 11 4. المعرفة السامية (ص 69-72) : وحيٌ جزئي. (ل) الكودكس 12. يحتوي فقط عشر صفحات وخمسة عشر جزءً ا بسيطًا. . نجع 12 1 : أقوال سكستوس امبيريكوس : ترجمة قبطيّة لأقوال هذا الفيلسوف اليوناني، المعروضة في موضع آخر. . نجع 12 2 : انجيل الحقيقة : أجزاء. . نجع 12 3 : أجزاء مختلفة. (م) الكودكس 13. يحتوي فقط ست عشرة صفحة وبعض الاجزاء، وهي تتيح لنا أن نكتشف مقالين اثنين. . نجع 13 1. المعرفة الاولى بأشكالها الثلاثة : وحيٌ يأتي بالفيض الالهيّ في ثلاثة أشكال : الأب، الأم، الابن. . نجع 13 2. أصل الكون. 3) اعتبارات حول هذه المخطوطات متى دُوّنت؟ إن الرسائل وسائر البرديات الوثائقيّة المستعملة لتغليف “الكتب” قد ساعدتنا على تحديد تاريخ كتابة مخطوطات نجع حمادي، في القسم الأول من القرن الرابع. غير أننا نجهل العلاقة الدقيقة بين رهبان قينوبوسكيون (قنوبين الصغير، في طيبة) وهذه المخطوطات. كل ما نعرفه هو أن تيودورس، خلف باخوميوس، أمر بترجمة “رسالة العيد” لاثناسيوس (367 ب.م.) إلى القبطيّة، وهي تشكّل محطّة حاسمة في قانون (أو اللائحة القانونيّة) العهد الجديد، وتشجب بعض المقالات المهرطقة. لا شكّ في أن هذه الرسالة كانت السبب في تدمير الكتب الغنوصيّة. لهذا حاول البعض أن يُنجّوا بعضها من هذا الخراب، فطمروها في فجوات صخور نجع حمادي. أما تدوين هذه المقالات فيعود إلى القرن 2-3. ما هي أهميّة هذه المخطوطات؟ بالنظر إلى الغنوصيّة أولاً : إن هذه المؤلّفات التي عدّدناها تعطينا للمرّة الأولى وبشكل جوهري معلومات مباشرة عن الغنوصيين مثل ولنطينس، الذين حاربهم الآباء (ايريناوس، اكلمنضوس الاسكندراني، هيبوليتس)، كما حاربهم أفلوطين الفيلسوف اليوناني. تبقى أصول الغنوصيّة مجهولة، ولكن يبدو أنها سابقة للمسيحيّة. أشكالها مختلفة. ولكن النهج الغنوصيّ يتميّز دومًا بعقيدة تتحدّث عن الفداء بالمعرفة (غنوسيس، لا الصليب، لا التقليد). فحين تنال النفس الوحي عن أصولها (وقد يكون ذلك عبر طقوس هي “الأسرار” على “مثال” ما في المسيحيّة)، تستطيع أن تصل منذ الآن إلى العالم الالهي الذي سقطت منه. بعد ذلك، فالعالم الملموس والتاريخيّ الذي سُجنت فيه، لا معنى له. ولهذا فالغنوصية تنصح بأن نتخلّص منه، نتجرّد عنه (الدير في الغنوصيّة المسيحيّة)، أو أن نغطس فيه عبر سكر وعربدة لا يؤثّران على النفس. وقد وعى الغنوصي (الذي نال المعرفة الغنوصية) وعيًا عميقًا لسمُوِّه على الذين لم ينالوا وحيًا. وما هي أهميّة هذه المخطوطات بالنظر إلى العهد الجديد؟ مع أن هذه المخطوطات تعود إلى القرن الرابع ب. م، فهي تعكس غنوصيّة تعود إلى ما قبل ذاك الزمن، بحيث إن علاقات هذه المخطوطات مع العهد الجديد تُطرح بشكل جديّ. وقد لاحظ الأخصّائيون تشابهات بين الغنوصيّة والانجيل الرابع في استعمال مواضيع النور والحقيقة، ونقيضة فوق وتحت، ومسألة أصول يسوع، وغياب علم أخلاقيّ موسّع. غير أن يوحنا يتجنّب بعناية كبيرة لفظة “وحي”، ولا يماهي أبدًا بين الله والحقيقة التي قد يوحيها الموحي يسوع، بل إن يسوع هو الحقيقة، هو الحقّ. ومعنى الحقيقة يجب أن نفهمه في خلفيّة توراتيّة حيث توازي الحقيقةُ الأمانةَ والثبات. والفكرة المسيحيّة المتهوّدة الحاضرة أيضًا في يو، عن خلاص في التاريخ، أي في الزمن البشري (لا في الزمن السطري، زمن البدايات كما نجده في الميتولوجيات) بواسطة انسان تاريخيّ، وبخاصة بواسطة ما هو نصيب كل حياة بشريّة أي الألم والموت، كل هذا لا يمكن أن يدخل في نهج غنوصيّ يحاول أن يتجنّب دومًا أن يذكر موت يسوع، أو هو ينكره بلا جدال ولا مناقشة (نجع 5 3؛ 7 2-3). لقد بدت وثائق نجع حمادي مهمّة جدًا من أجل معرفة أعمق للغنوصيّة المسيحية التي عرفناها فقط معرفة غير مباشرة، خصوصًا بواسطة الآباء. ومع أن المخطوطات تعود إلى القرن الرابع المسيحي، فهي تعكس غنوصيّة أقدم تجعلنا نتحدّثت عن غنوصيّة سابقة للمسيحية كما في هرمس ترسماجيستس. كل هذا ترك أثره في بعض مؤلّفات العهد الجديد، كردّة فعل على غياب الالتزام والمسؤولية الذي قد يجرّه الموقف الغنوصيّ الخارج من التاريخ في أشخاص “متحمّسين” مثل الذين التقى بهم بولس الرسول.
نمرود (مدينة):
مدينة تبعد 35 كلم إلى الجنوب الشرقي من الموصل (العراق). اكتشفت فيها أطلال كلخو القديمة (رج تك 10 :11 : كالح). كانت نمرود عاصمة اشورية. أسّسها اشور نزيرفال الثاني سنة 879، ودّمرها المادايون سنة 612. اظهرت الحفريات قصور اشور نزيرفال الثاني وشلمنصر الثالث وهدد نيراري الثالث وأسرحدون.
نو:
مدينة. سمّاها اليونانيون : طيبة (هو اسم حيّ في المدينة). هي في مصر العليا. عاصمة مصر خلال المملكة الحديثة. هي مدينة الاله الكبش أمون (ار 46 :25). تنبّأ حز 30 :14-16 بخرابها وبخراب مصر كلها. هي نو امون (نا 3 :8-9) التي ضربها الاشوريون سنة 663 بقيادة أشور بانيبال (أرسل الملك منسّى فرقة من جيشه لمساعدة الاشوريين، نشو 293-297) كما هاجمها نبوخذنصر سنة 568 ولم يأخذها، رغم ما قاله إر 46 :25؛ حز 30 :14-16. ولكن المدينة بدأت في ذلك الوقت انحطاطها. اليوم : خرائب هياكل ومدافن الملوك على الضفة الغربية للنيل. أهم الهياكل هيكل أمون في الكرنك وهو يشهد للفن المعماري الديني في مصر. وقد وُجدت في هذه الخرائب كتابات عديدة. في أيام اللاجيين سمّيت المدينة ديوسبوليس، ولكنها لم تستعد مجدها. عرفت ثورتين كبيرتين سنة 206 ق.م. وسنة 88 ق.م. سلبها الجيش الرومانيّ بقيادة كورنيليوس غالوس سنة 30 أو 29 ق.م. ولما زارها سترابون لم يجد فيها سوى مجموعة قرى وسط الخرائب.
نيبور:
ليوم نيفار. تبععد 44 كلم إلى الشرق من ديوانية الحالية. كانت عاصمة سومر الفكرية والدينية والمركز الكبير لعبادة الاله انليل.
نيل:
في المصرية “اترو” في العبرية “يأور”. في اليونانية : نايلوس (من هنا النيل). تترجم السبعينية اليونانيّة والشعبية اللاتينية اللفظة بكلمة بوتاموس أو فلوفيوس أي النهر. من أطول أنهر الارض (طوله 6500 كلم). نبع النيل هو نيافارونفو وهو رافد من كاغيرا الذي يصب في بحيرة فكتوريا، نيانزا. قبل ان يصل إلى مصر يحمل اسماء عديدة : بحر الغزال، بحر الصراف، النيل الأزرق، اقبارا، سباط. عرض النهر يتراوح بين 460 و 900 م. اما واديه فيتراوح بين 5 و 25 كلم. يصل إلى اقصى انخفاضه في أسوان في منتصف أيار، وفي القاهرة في منتصف حزيران. تبدأ المياه خضراء ومليئة ببقايا النبات (النيل الاخضر). بعد شهر من هذا الوقت يأتي الفيضان الكبير الذي يحمل التراب الاحمر من ارض الحبشة. ويصل إلى أعلى مستواه في بداية شهر أيلول في أسوان، وفي بداية شهر تشرين اول في القاهرة. كل هذا كان قبل بناء السد العالي. النيل مهم كوسيلة اتصال وكحامل طعام شعبي (السمك : إش 19 :8؛ حز 29 :4). تتحدث التوراة عن النيل خاصة في سفر الخروج وفي الاسفار النبوية لتدل على مصر. من جزيرة الفيلة (الفنتين) إلى القاهرة، يمرّ النيل في إدفو، طيبة العمارنة، ممفيس وغيرها من مدن مصر العليا. نشير إلى أن النيل لم يؤلّه في المعنى الحصريّ للكلمة. ولكن روح النيل الذي سمّي في المصرية “ح ا ف ي” كان إلهًا ذكرًا وانثى، يجسّد خصب أرض مصر. لهذا يبدو بشكل امرأة سمينة.
نينوى:
في الاشورية : ننوا أو نينا. مدينة في بلاد الرافدين على ضفة دجلة الشرقية قرب مصب حوصر. هي اليوم حقل من الخرائب تجاه الموصل. هناك تل قيونجيك، نبي يونس. إن اقدم تاريخ للمدينة يضيع في غياهب التاريخ. حسب تك 10 :11 بنى نمرودُ نينوى. يذكر حمورابي نينوى بين المدن الكبرى في مملكته. حوالي سنة 1500، كانت تخص ميتاني. حوالي 1350، كانت للاشوريين. وازدادت أهمية نينوى من الوجهة السياسية بعد القرن 8 ق.م. حين جعلها سنحاريب عاصمة أشورية، ورفعها إلى مقام مركز الملك (2مل 19 :36؛ إش 37 :37) ووسّع مساحتها (يون 3 :2؛ 4 :11). كانت مساحتها في ذلك الوقت، على ما يبدو 664 هكتارا. انبأ ناحوم (ف 1-3) وصفنيا (2 :13-15) بسقوطها. وسقطت تحت ضربات المادايين والبابليين سنة 612. تروي التوراة أن يونان كرز في نينوى (يون 3 :1-4-11؛ رج مت 12 :41 وز )، وأن طوبيت سكن فيها (طو 1 :11). هناك يكرم الناس مدفن يونان في النبي يونس. بدأت الحفريات سنة 1846 وامتدت حتى القرن العشرين. نشير هنا إلى وجود رأس ملك من البرونز في هيكل عشتار يعود إلى الألف الثالث (حشو 432). و”شرعة حمورابي” أوردت اسم نينوى بين سائر مراكز مملكته (عمود 4أ :60) أما آثار أقدم قصر ملكي، فقد اكتشفت على موقع يعود إلى أشور بانبيال (883-859) (حشو 624). وكان هذا القصر بين هيكل عشتار وهيكل نبو. إن سنحاريب (704-681) هو الذي نقل عاصمته إلى نينوى وبنى قصرًا فخمًا في القسم الجنوبيّ من قيونجيك. وُجدت هناك جدرانيات تتحدّث عن سقوط لاكيش (حشو 371-374). في هذا القصر وضع اشور بانيبال مكتبته (25000 لويحة). أما قصر اسرحدون فكان في النبي يونس حيث نجد آثار زقورة وهيكل كبير.
Discussion about this post