رسالة رسولية
للبابا يوحنا بولس الثاني
بشكل “إرادة رسوليّة”
في الرحمة الإلهية
حول بعض مظاهر الاحتفال بسرّ التوبة
حاضرة الفاتيكان
2002
برحمة الله، الآب الذي يصالح، اتخذ الكلمة جسداً في أحشاء الطوباويّة البتول مريم، الكليّة الطهر، ليخلّص “شعبه من خطاياهم” (متى 1 : 21) ويمهّد له “سبيل الخلاص” (1).
ولقد أكد يوحنا المعمدان هذه الرسالة بأن أشار إلى يسوع مقبلاً، فقال: “ها هوذا حمل الله”، “الذي يرفع خطيئة العالم” (يو 1 : 29). كلّ عمل السابق ووعظه هو دعوةٌ حازمة وحارّة إلى التوبة والارتداد يعبّر عنها العماد الممنوح في مياه الأردنّ. يسوع نفسه خضع لطقس التوبة هذا (راجع متى 3 : 13 – 17)، لا لأنه كان خاطئاً، بل لأنه “يسمح بأن يُعدّ في ما بين الخطأة. وهو منذ الآن “حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” (يو 1 : 29)؛ وهو منذ الآن يستبق “معمودية” موته الدامي” (2).
الخلاص هو، إذن وقبل كل شيء، فداءٌ من الخطيئة التي تقف عائقاً أمام صداقة الله، وتحرير من واقع العبودية التي يتخبط فيها الإنسان الذي انقاد لتجربة الشرير وفقد حريّة أبناء الله (راجع رو 8 : 21).
الرسالة التي أوكلها المسيح إلى الرسل هي إعلان ملكوت الله والكرازة بالإنجيل من أجل التوبة (راجع مر 16 : 15؛ متى 28 : 18 – 20). وعشيّة يوم القيامة عينه، عندما أزف بدء المهمّة الرسوليّة، أعطى يسوع الرسل، بقدرةٍ من الروح القدس، السلطان بأن يصالحوا مع الله والكنيسة الخطأة التائبين: “خذوا الروح القدس: فمن غفرتم خطاياهم غُفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أُمسكت” (يو 20 : 22 – 23) (3).
على مدى التاريخ وبممارسة الكنيسة المتواصلة، ظهرت “خدمة المصالحة” (راجع 2 كو 5 : 18)، التي يمنحها سرّا المعموديّة والتوبة، كالتزام راعويّ يتّسم على الدوام بمعنى مميّز، ويتمّ بتفويض من يسوع كجزءٍ جوهريّ من الخدمة الكهنوتيّة. الاحتفال بسرّ التوبة تطوّر، عبر القرون، وفقاً لأساليب تعبير مختلفة، مع الحفاظ دائماً على البنية الأساسيّة التي تشمل بالضرورة، علاوةً على مداخلة خادم السرّ – ويكون فقط أسقفاً أو كاهناً يقضي ويحلّ، يداوي ويشفي باسم يسوع – على أعمال التائب: الندامة والاعتراف والتكفير.
لقد كتبت في الرسالة الرسوليّة “نحو ألفيّة جديدة” ما يلي: “جئت أيضاً أطلب شجاعةً رسوليّةً متجدّدةً كي تعرف التربية اليوميّة للجماعات المسيحية أن تعرض بطريقة مقنعةٍ وناجعةٍ ممارسة سرّ المصالحة. تذكرون أني، في العام 1984، قد عرضت لهذه المسألة في الإرشاد الرسوليّ “المصالحة والتوبة” الصادر ما بعد السينودس، جامعاً فيه ثمار تفكير الجمعيّة العموميّة لسينودس الأساقفة المكرّسة لهذه القضيّة. إني دعوت حينئذٍ إلى بذل جميع الجهود الممكنة لمواجهة أزمة “معنى الخطيئة” (…).
عندما عرض السينودس الآنف الذكر لهذه القضيّة، كانت مائلةً، نصب أعين الآباء جميعهم، أزمة السرّ، بالأخص في بعض أنحاء العالم. وفي هذه الفترة القصيرة من الوقت، لم تضمحلّ الأسباب التي ولّدت تلك الأزمة. لكنّ السنة اليوبيليّة التي تميّزت، على الأخصّ، باللجوء إلى سرّ التوبة بلّغتنا رسالة مشجّعة علينا ألاّ نفرّط فيها: فإذا كان جمعٌ من المؤمنين، ومنهم عددٌ لا يُستهان به من الشباب، قد أقبلوا بوفرة على هذا السرّ، فيجدر إذن بالرعاة أن يتسلحوا بثقة وإبداعٍ وثبات أعظم ليقدّموه ويُعلوا من شأنه” (4).
بهذه الكلمات، كنت أقصد وما زلت أقصد أن أشجّع إخوتي الأساقفة – ومن خلالهم جميع الكهنة – وفي الوقت عينه، أن أوجّه دعوة حارّة كي يبادر، بدون تأخير، إلى إعطاء دفع جديد لسرّ المصالحة، باعتباره أيضاًَ حاجة إلى محبّة أصيلة وعدالة راعويّة حقيقية (5)، مذكّراً إياهم أنه يحقّ لكلّ مؤمن، يتمتّع بالاستعدادات الداخليّة الضرورية، أن ينال شخصيّاً نعمة السرّ.
كي يُصار إلى تمييز استعدادات التائبين في ما يخصّ الحلّ من الخطايا أو ربطها، وفرض توبة مناسبة من قبل خادم السرّ، يجب على المؤمن – علاوة على وعي ما ارتكب من خطايا والندامة عنها والإرادة في ألاّ يعاود السقوط – عليه أن يقرّ بخطاياه (6). في هذا الصدد، أعلن مجمع ترانت أنه من الضروريّ “بحقٍّ إلهيّ، الإقرار بالخطايا المميتة، جملةً وتفصيلاً” (7). اعترفت الكنيسة على الدوام بالرباط الجوهريّ بين الحكم المنوط بالكهنة في هذا السرّ وضرورة إقرار التائبين بخطاياهم (8)، ما عدا حالة التعذّر. إلاّ أنه، لمّا كان الإقرار الكامل بالخطايا المميتة هو من وضع إلهيّ ويشكّل جزءاً مكوناً للسرّ، فلا يمكن البتّة، بأيّ شكل من الأشكال، أن يُترك لحريّة تصرّف الرعاة، (من إعفاء وتأويلٍ وخضوع لعوائد محليّة، إلخ…). السلطة الكنسيّة المختصة يمكنها، هي وحدها – في المبادئ التنظيمية المعنيّة – أن تحدّد المقاييس كي يُميّز تعذّر الإقرار بالخطايا الحقيقيّ من الأوضاع الأخرى التي يكون فيها التعذّر ظاهريّاً فقط أو على الأقل يمكن تجاوزه.
في الأوضاع الراعويّة الراهنة، واستجابةً لطلبات العديد من الإخوة في الأسقفيّة الذين أعربوا عن شواغلهم، أرى أنه من المناسب التذكير بالأحكام القانونيّة المرعيّة الإجراء والمختصة بالاحتفال بهذا السرّ، محدّداً بعض مظاهر تلك الأحكام كي يوفّر – بروح مشاركة هي من مسؤولية المصفّ الأسقفي في مجمله (9) – أفضل منح للسرّ. فالقضية هي أن نجعل الاحتفال بالهبة، التي منحها الربّ يسوع بعد قيامته (راجع يو 20 : 19 – 23) للكنيسة، فعّالاً وأن يحافظ عليه فيكون أكثر أمانةً، وبالتالي إذن أوفر ثماراً على الدوام.
ويتبيّن أنّ ذلك ضرورةٌ ملحّة لأنه يلاحظ في بعض المناطق ميلٌ إلى إهمال الاعتراف الفرديّ ولجوءٌ مفرطٌ إلى “الحلّة العامّة” أو “الجماعيّة”، بحيث لم تصبح هذه وسيلةً خارقة العادة تُستخدم في ظروف استثنائية تماماً. وبسبب من امتداد اعتباطيّ لواجب “الضرورة الشديدة” (10)، أخذت تنتفي عمليّاً الأمانة للظاهر الإلهيّ في السرّ، وحسيّاً ضرورة الاعتراف الفرديّ، فأدّى كلّ ذلك إلى أضرار جسيمة طالت حياة المؤمنين الروحيّة وقداسة الكنيسة.
بعد أن استشرت، بشأن هذا الموضوع، مجمع عقيدة الإيمان ومجمع العبادة الإلهيّة وتنظيم الأسرار، وكذلك المجلس الحبريّ للنصوص التشريعيّة، وبعد أن تلقيت آراء الإخوة الكرادلة الأجلاّء المشرفين على دوائر الكوريا الرومانية، وبعد أن راجعت العقيدة الكاثوليكيّة، بشأن سرّ التوبة والمصالحة التي عرضت بتلخيصٍ في التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكية (11)، وفيما أنا أعي مسؤوليّتي الراعويّة وأعرف تمام المعرفة ضرورة هذا السرّ وفعّاليّته الدائمتي الواقعيّة، أُثبت ما يلي:
1- على المطارنة أن يذّكروا جميع خدمة سرّ التوبة بما أكدّه دستور الكنيسة العام في تطبيق العقيدة الكاثوليكية بشأن هذا الموضوع، يعني:
أ) “بالاعتراف الفرديّ الكامل والحلّ وحدهما تقوم الطريقة العاديّة التي يستطيع بها المؤمن الذي يعي أنّ على ضميره خطيئةً ثقيلةً أن يتصالح مع الله والكنيسة؛ ولا تعذر من هذا الاعتراف إلاّ الاستحالة الماديّة أو المعنويّة؛ ومن الممكن في تلك الحالة أن تحصل المصالحة بطرائق أخرى إلى جانب هذه الطريقة” (12).
ب) لذلك “جميع من وكل إليهم، بحكم وظيفتهم، الاهتمام بالنفوس، ملزمون بواجب سرّ التوبة للمؤمنين الذين اؤتمنوا عليهم، والذين يطلبون ذلك في الوقت الملائم، وأن يوفّروا لهم فرصة الإقبال على الاعتراف الفرديّ في الأيام والساعات التي يرتاحون إليها” (13).
علاوة على ذلك، على جميع الكهنة المفوّضين منح سرّ التوبة أن يكونوا على الدوام وكليّاً مستعدّين كلّ مرّة يطلب المؤمنون ذلك في الوقت الملائم (14). إن عدم الجهوزية لاستقبال الخراف الجريحة أو أيضاً للذهاب إلى ملاقاتها كي تقاد إلى الحظيرة، لهو علاوةً محزنة لنقصٍ في الحسّ الراعويّ عند الذين، من جرّاء رسامتهم الكهنوتيّة، يجب أن يحملوا في ذواتهم صورة الراعي الصالح.
2- على الأساقفة المحليّين والخوارنة وعمداء الكنائس والمصليات أن يتحقّقوا دوريّاً من أن أعظم التسهيلات الممكنة متوفرّة واقعياً لتأمين اعترافات المؤمنين. وينصح، بالأخصّ، الحضور الظاهر للمعرّفين في أماكن العبادة، خلال الأوقات المحدّدة، وتكييف الساعات وفقاً لوضع التائبين الحقيقيّ، والجهوزية الخاصّة لتأمين الاعتراف ما قبل القداديس وأيضا لتلبية ضرورات المؤمنين في أثناء الاحتفال بالقداديس، إذا ما توفّر كهنة آخرون (15).
3- لما كان “المؤمن ملزماً بأن يعترف، وفقاً للنوعيّة والعدد، بجميع الخطايا الثقيلة التي اقترفها بعد المعموديّة ولمّا تحلّ بعد مباشرة بسلطان الكنيسة، ولمّا يقرّ بها في اعتراف فرديّ سبقه فحص ضمير واعٍ وجدّيُ” (16)، وجب شجب كلّ عرف يحصر الاعتراف في إقرار إجماليّ، أو إقرار يقتصر فقط على خطيئة واحدة أو عدّة خطايا يعتبر أنها تفي بالمطلوب. من جهة أخرى، لمّا كان جميع المؤمنين مدعوّين إلى القداسة، وجب الإيعاز إليهم بأن يعترفوا أيضاً بالخطايا العرضيّة (17).
4- على ضوء الأنظمة السابقة وفي إطارها يجب أن يُفهم ويطبّق بدقّة منح الحلّة لجماعة من التائبين، دون اعتراف فرديّ مسبّق، كما يفترض ذلك القانون 961 من مجموعة الحقّ القانونيّ (اللاتينيّ). فإن مثل تلك الحالة “تتّسم بطابع استثنائي” (18) و”ولا يمكن أن تعتبر أسلوباً عامّاً (…) ما عدا:
“اً- إذا طرأ خطر الموت ولم يسمح الوقت للكاهن أو للكهنة أن يمنحو سرّ التوبة للمعترفين منفردين؛
“2ً- إذا كان هنالك ضرورةٌ شديدةٌ، أي إذا ارتفع عدد المعترفين ولم يكن من المعرّفين عددٌ يكفي لمنح سرّ التوبة لكلّ واحدٍ في وقت ملائم، بحيث يكون طالبو الاعتراف، من غير تقصير منهم، مجبرين على تحمّل الحرمان من النعمة السرّية أو من تناول الإفخارستيّا الإلهيّة مدّة طويلة؛ ولكن الضرورة لن تعدّ كافية عندما لا يستطيع المعرّفون أن يلبّوا الطلب لا لسبب إلاّ ازدحام التائبين، كما قد يجري ذلك في احتفالٍ عظيم أو في حجّ ضخم” (19).
بشأن حال الضرورة الشديدة، يحدّد ما يلي:
أ) يتعلّق الأمر بحالات استثنائية، موضوعيّاً، مثل تلك التي يمكن أن تحدث في مناطق الرسالات أو في جماعات مؤمنين منعزلة، حيث لا يستطيع الكاهن أن يمرّ إلاّ مرّة أو بضع مرّات في السنة؛ أو عندما تفرض الحالة الاستثنائية أوضاع حرب أو الأحوال الجوّية، أو ظروفٌ أخرى مشابهة.
ب) إن الشرطين اللذين يحدّدهما القانون لشرح الضرورة الشديدة لا يمكن فصل بعضهما عن بعض: لذلك لا يُعتبر أبداُ كافياً تعذّر سماع اعتراف الأشخاص “كما يجب” و”في الوقت الملائم” بسبب نقصٍ في الكهنة؛ مثل ذلك التعذّر يجب أن يتوافق والحالة، في الوضع المعاكس، حيث طالبو الاعتراف، من غير تقصير منهم، يجبرون “طويلاً” على الحرمان من نعمة السرّ. لذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار ظروف التائبين الشاملة والظروف السائدة في الأبرشية، في ما يخصّ التنظيم الراعويّ فيها، وإفساح المجال أمام المؤمنين كي يمارسوا سرّ التوبة.
ت) الشرط الأول، أي تعذّر سماع الاعترافات “كما يجب” و”في الوقت الملائم” يرجع فقط إلى الوقت المعقول اللازم الذي لا بدّ منه لمنح السرّ بطريقة صحيحة لائقة. مع العلم أنه، في مثل هذه الحال، ليس من الضروريّ أن يطول الحديث الرعويّ، فيرجأ حينئذ إلى مناسبات أكثر ملاءمة. الوقت المعقول اللازم مرتبطٌ، بدوره، بإمكانات المعرّف أو المعرّفين الحقيقية، وإمكانات التائبين أنفسهم.
ث) أمّا في ما يخصّ الشرط الثاني، فمن اللائق أن يقدّر، بقرار فطن، مدى وقت الحرمان من نعمة السرّ، حتى يعتبر الأمر غير ممكن حقاً – وفقاً لما جاء في القانون 960 – في حال خطر الموت المداهم. ويكون القرار غير فطن ويشوّه معنى الاستحالة الطبيعية أو الأدبيّة، عندما يحصل ذلك مثلاً إذا ما اعتبرت الفترة الأقلّ من شهر وقتاً من الحرمان “طويلاً”.
ج) من غير الجائز أن تولّد – أو أن نسمح فتتولّد – ظروف ظاهرها الضرورة الشديدة الناجمة عن تقصير في تأمين المنح العاديّ للسرّ، من جرّاء عدم الحفاظ على الأنظمة الواردة أعلاه (20)؛ بل لا يجوز البتّة أيضاً أن يختار التائبون الحلّ الجماعيّ، وكأنه إمكانيةٌ عاديّة توازي الطريقتين العاديتين الواردتين في كتاب الطقوس.
ح) إقبال التائبين الكبير لا يشكّل وحده ضرورةً كافية، ليس فقط بمناسبة عيد كبير أو حجّ، بل حتى في الأماكن السياحيّة، أو لأسباب أخرى شبيهة ناجمة عن تحرّك الأشخاص المطّرد.
5- الحكم في إتمام الشروط التي يفرضها القانون 961، البند 1، 2ً يعود لا إلى المعرّف بل “إلى الأسقف الأبرشيَ؛ فله، بعد التشاور مع سائر أعضاء المجلس الأسقفيّ أن يحدّد أحوال هذه الضرورة” (21). تلك المقاييس الراعويّة يجب أن تكون تعبيراً عن بحث يُجرى بكلّ أمانة، في ظروف المناطق المختلفة، وأن تكون مطابقة للمقاييس الأساسيّة التي يشير إليها التنظيم الشامل للكنيسة، والتي تعتمد، على كلّ حال، على المتطلبات الناجمة عن سرّ التوبة نفسه كما وصفه الله.
6- لمّا كان التناسق التامّ بين مختلف الأساقفة في العالم ذا أهمية أساسّية في موضوع مثل هذا جوهريّ لحياة الكنيسة، فعلى المجالس الأسقفيّة، وفقاً لمضمون القانون 455، البند 2، أن توافي مجمع العبادة الإلهيّة وتنظيم الأسرار، في الوقت المناسب، بنصّ الأنظمة التي تنوي فرضها أو وضعها، على ضوء الإرادة الرسوليّة الحاضرة، في صدد تطبيق القانون 961 من مجموعة الحق القانونيّ (اللاتينيّ).
وهذا سيوفّر شركةً دائمة الاطّراد بين أساقفة الكنيسة كلّها، ويحثّ، في كلّ مكان، المؤمنين على الاستقاء بفيض من مناهل الرحمة الإلهيّة، المتدفّقة على الدوام في سرّ المصالحة.
من منظار الشركة هذا، يجدر أيضاً بالأساقفة الأبرشييّن أن يطلعوا المجالس الأسقفية الخاصّة على وجود أو عدم وجود ضرورة شديدة، في إطار حدود ولايتهم. ويعود حينئذٍ إلى المجالس الأسقفية أن تُطلع، هي بدورها، المجمع الآنف الذكر على الوضع القائم في المنطقة وعلى التبديلات المرتقبة الممكن اتخاذها في ما بعد.
7- أمّا استعدادات التائبين الشخصيّة فنذكّر بالتالي:
أ) “كي يستطيع المؤمن أن يستفيد، بنحوٍ صحيح، من حلّ سرّ التوبة الممنوح لعدّة أشخاص معاً، لا بدّ له، فضلاً عن حسن استعداد، من أن يقرن إلى ذلك النيّة بأن يعترف منفرداً وفي الوقت اللازم بخطاياه الثقيلة التي يتعذّر عليه الاعتراف بها هكذا في الوقت الحاضر” (22).
ب) كلّما كان ذلك ممكناً، حتى في حال خطر الموت، “يحرّض المؤمنون مسبّقاً على أن يعمل كلّ واحد منهم فعل الندامة” (23).
ت) من الواضح أن الأشخاص العائشين في وضع خطيئة ثقيلة دائمٍ ولا يرغبون في إصلاح وضعهم هذا، لا يمكن أن يقبلوا الحلّ (من الخطايا) بنوعٍ صحيح.
8- مع واجب المؤمن الحفاظ “على الاعتراف بأمانة بخطاياه الثقيلة على الأقلّ مرّة في السنة” (24)، “عليه إذا نال الحلّة عن الخطايا الثقيلة بواسطة حلّ جماعيّ، أن يلجأ، في أسرع وقت ممكن، وحالما يتوفّر له ذلك، إلى الاعتراف الفرديّ، قبل أن يتقبّل حلاً جماعيّاً جديداً، إلاّ إذا ما طرأ سببٌ عادل يحول دون ذلك” (25).
9- في ما يخصّ زمان الاحتفال بالسرّ ومكانه، نذكّر بما يلي:
أ) “الكنيسة – أو المصلّى – هي المكان الخاصّ بالاحتفال بسرّ التوبة” (26)، مع العلم أن أسباباً راعويّة يمكن أن تبرّر الاحتفال به في أماكن أخرى (27)؛
ب) تنظّم مكان الاعترافات شرائع تحدّدها المجالس الأسقفية المختصة؛ وتضمن تلك الشرائع أن يُنصب الكرسيّ “في مكان ظاهر جدّاً”، وأن “يزودّ بشعرية ثابتة”، وأن يتمكن المؤمنون والمعرّفون أنفسهم من أن يستخدموه بحريّة إذا رغبوا في ذلك (28).
كلّ ما أثبتّ بالرسالة الرسوليّة الحاضرة بشكل “إرادة رسوليّة”، آمر بأن يكون له قيمة كاملة ثابتة، ويُتقيّد به بدءاً من اليوم، على الرغم من كل إجراء مغاير. وما أثبتّه بهذه الرسالة يصلح أيضاً بطبيعته للكنائس الشرقيّة الكاثوليكية الجليلة، بالتوافق مع قوانين المجموعة الخاصّة بها.
أعطي في رومة على مقربة من القديس بطرس، في السابع من نيسان،
يوم أحد الثمانية الفصحية أو أحد الرحمة الإلهيّة،
في سنة الربّ 2002، وهي الرابعة والعشرون لحبريتّي.
يوحنا بولس الثاني
الحواشي:
1) كتاب القداس الرومانيّ، مقدّمة التهيئة 1.
2) التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة (الترجمة العربية)، 1999، الرقم 536.
3) راجع مجمع ترنت (Trente) المسكونيّ، الجلسة 14، التعليم حول سرّ التوبة، القانون 3: دنتسنغر 1703.
4) الرقم 37: أعمال الكرسيّ الرسوليّ (AAS) 93 (2001)، ص 292؛ التوثيق الكاثولكيّ (La Documentation Catholique) 98 (2001)، ص 81.
5) راجع “مجموعة الحقّ القانونيّ” (اللاتينيّ)، ق 213 و 843: البند 1.
6) راجع مجمع ترانت المسكوني، المرجع المذكور، الفصل 4: دنتسنغر 1676.
7) المرجع نفسه، ق 7: دنتسنغر 1707.
8) راجع المرجع نفسه، الفصل 5: دنتسنغر 1679؛ مجمع فلورنسا المسكوني، قرار في شأن الأرمن (22/ ت2/ 1439): دنتسنغر 1323.
9) راجع مجموعة الحقّ القانونيّ، ق 392؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي: في الكنيسة نور الأمم، 23، 27؛ القرار المجمعيّ: مهمّة الأساقفة الراعويّة في الكنيسة، 16.
10) راجع 961، البند 1، 2ً = م ق ك ش، ق 720، البند 2، 2ً.
11) راجع التعليم المسيحي…، الأرقام 980 – 987؛ 1114 – 1134؛ 1420 – 1498.
12) “مجموعة الحقّ القانونيّ”، ق 960 = “مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة”، ق 720، البند 1.
13) “م ح ق”، ق 986، البند 1 = “م ق ك ش”، ق 735، البند 1.
14) راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، القرار المجمعيّ في خدمة الكهنة الراعوية وحياتهم، الرقم 13؛ سرّ الاعتراف، إرشادات، الرقم 10 ب، طبعة خاصة، 1974.
15) راجع مجمع العبادة الإلهيّة وتنظيم الأسرار، أجوبة عن شكوك مطروحة: تعليمات، 37 (2001)، ص 259 – 260.
16) القانون 988، البند 1.
17) راجع ق 988، البند 2؛ يوحنا بولس الثاني، الارشاد الرسوليّ مصالحة وتوبة (2/ 12/ 1984)، الرقم 32: أ ك ر 77 (1985)، ص 267؛ التوثيق الكاثوليكي 82 (1985)، ص 25 – 26؛ التعليم المسيحيّ…، الرقم 1458.
18) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي المذكور أعلاه (الحاشية 17)، مع مراجعه كاملة.
19) “م ح ق”، ق 961، البند 1 = “م ق ك ش”، ق 720، البند 2، 1 و 2.
20) راجع أعلاه الرقمين 1 و 2.
21) م ح ق، ق 961، البند 2 = م ق ك ش، ق 720، البند 2، 3ً.
22) م ح ق، ق 962، البند 1 = م ق ك ش، ق 721، البند 1.
23) م ح ق، ق 962، البند 2 = م ق ك ش، ق 721، البند 2.
24) القانون 989.
25) القانون 963.
26) القانون 946، البند 1 = م ق ك ش، ق 736، البند 1.
27) راجع القانون 946، البند 3.
28) راجع القانون 946، البند 2؛ المجلس الحبريّ لتأويل النصوص القانونية، جواب عن قضيّة مطروحة: في شأن المكان المعدّ لسرّ الاعتراف ( 7 تموز 1998): أ ك ر 90 (1998)، ص 711؛ التوثيق الكاثوليكي 95 (1998)، ص 799.
اختصارات:
أ ك ر : أعمال الكرسي الرسولي.
م ح ق: مجموعة الحق القانوني (اللاتيني).
م ق ك ش: مجموعة قوانين الكنائس الشرقية.
الموسوعة العربية المسيحية
Discussion about this post