من أقوال القديس اغسطينوس
إن الإيمان هو رأس الحياة الروحية
الإيمان المستقيم هو رأس الحياة الصالحة التي تحق لها الحياة إلى الأبد.
ويقوم الإيمان على القبول بما لا ترى. وجزاؤه أن ترى ما تؤمن به. زمن الإيمان هو زمن الزرع.
إحذر من أن يفوتك؛ وثابر عليه حتى النهاية حتى تحصد ما زرعت.
الإيمان بالله أولى الوصايا؛ وهو بداية الدين والحياة فيك. ثبت قلبك في الإيمان؛
ثم عش حياة صالحة مترفعًا عن كل ما يُغري، متحملاً آلام هذا الدهر، حتى إذا غالت في ملاطفتك أو في تهديدك لا يجرفك تيارها ولا تحطمك شدتها، بل فليصمد قلبك بوجهها.
لن تحيا حياة صالحة إلا إذا بدأت تؤمن؛ ومتى رعيتَ الإيمان زيدَ لك الباقي.
كثيرون يفاخرون بأعمالهم؛ وكثيرون، ممَّن لا يؤمنون، يأبون ان يعتنقوا الدين المسيحي، معتقدين بأنهم يحيون حياة صلاح، مكتفين بخيور هذه الدنيا، قائلين بضرورة الحياة الصالحة.
وبم يوصينا السيد المسيح؟
أيوصينا بأن نحيا حياة صالحة؟
ها أنّا نحيا بالصلاح وليست لنا حاجة إلى المسيح: نحن لا نقتل ولا نسرق ولا نسلب ولا نشتهي مقتنى غيرنا ولا نزني…
لا شيء في حياتنا يستحق اللوم، ومن لامنا في شيء صيرنا مسيحيين.
ان كل عمل مستقيم يأتيه إنسان لا يمكن أن يكون مستقيمًا إذا لم يرتبط بتقوى الله، وإذا لم يكن الإيمان سباقًا، فلا صلاح في الحياة.
اسمع الرسول: “وبغير إيمان لا يستطيع أحد أن يرضي الله” (عب6:11).
تظن أن أعمالك شجرات صالحات. إنما، يكفي لكي تكون غير صالحة، أن تكون بلا ثمر أمام الله.
لا تعتبر صالحًا عملاً أتيته قبل أن تؤمن؛ لا صلاح حيث لا إيمان النيّة تكوّن العمل الصالح على نور الإيمان. لا تنظر كثيرًا إلى ما تعمل؛ بل انظر إلى ما تبتغيه من عملك هذا، ثم انظر إلى نشاط إرادتك الصالحة.
تصوَّر رباَّنًا يقود سفينة بمهارة وقد ضيع وجهة سفره؛ إذ ذاك ماذا يفيده أن أمسك جيدًا بدقة السفينة ووجهها بحكمة وجابه الأمواج بمقدمتها وحفظ التوازن لجانبيها؟
وبالرغم من تلك الجهود الجبارة التي يبذلها ليسير بالسفينة حيث يشاء، هَبْ ان واحدًا سأله قائلاً: إلى أين؟ وهب انه أجاب:
لا أدري أو “إلى هذا الميناء” ثم اصطدم بصخرة وتحطم.
أكيد أن ذاك الرجل الذي يقود سفينته بمهارة وقدرة نادرتين يسير بها حتمًا إلى الغرق.
تلك هي حال من يعدو بسرعة خارج الطريق. أليس من الأفضل لهذا الربان أن يكون أضعف مما هو عليه ويسير دقة سفينته بصعوبة وحذر ويحافظ على الوجهة الواجب اتباعها؟
ليته أقل نشاطًا وحذقًا وسار في الطريق ولم يسرع خارجًا عنه.
ممتاز هو ذاك الذي يتبع الطريق ويسير عليه سيرًا حسنًا ثم يتبع خطاه آخر؛ وإن تأخر أحيانًا فلا يتأخر عن ضلال، أو ليبقى؛ بل لكي يتقدَّم على مهل.
إنا نرجو وصول من يحب أن يصل إلى غايته ولو متأخرًا. تأمل هذه المقارنة:
الإيمان في النفس جذر صالح يُخصبُه المطر. والكفر أصل الشرور كلها وشبيه بجذر الشوك الذي إذا سقطت عليه قطرات قليلة من المطر حوَّلته أبرًا حادة.
لا جمال في الجذر الصالح إنما جماله كامن في باطنه. حين تنظر إلى شجرة جميلة مخضوضرة تعجب بها ويطيب لك أن تتناول من ثمرها وأن تستريح في ظلها أثناء الحر وتمتدح جمالها. وإذا كشف لك عن جذرها فلا تحتقر ما خفى منه إذ عنه ينبثق ما يروقك حسّه. كل ما ينطلق من الإيمان عظيم،
وهكذا فقد تعوَّد الجهال أن لا يقدروا أساس البناء حق قدره.
في البدء تحفر حفرة عميقة ثم تردمها بالحجارة بلا جمال ولا رونق، وتنظر إلى الأساس ولا تفرح به ثم تنظر إلى البناء وقد ارتفع فتتعجب به!
يا أحمق، إن ما أعجبت به مرتكز على ما احتقرته!!
تلك هي حالك: إن لم يكن الإيمان فيك سباقًا فلا مجال لحياة صالحة.
إن لم يستقم إيمانك فلست بارًا؛ لأن البار بالإيمان يحيا. وأن لم يكن فيك إيمان فلا مجال للصلاة، وكيف تصلي لمن لا تؤمن به؟
الإيمان هو ينبوع الصلاة. ويُظهرُ الرسول أن الإيمان هو ينبوع الصلاة وأن الساقية تجف متى جفت ينابيعها قائلاً: ” وكيف يدعون إلى من لم يؤمنوا به”؟ (رومية124:10)
وبالنتيجة آمن لكي تصلي: وصلّ حفاظًا على إيمانك الذي به تصلي.
الإيمان يفيض صلاة: والصلاة المفاضة تقوي الإيمان. وحفاظًا على الإيمان من التجارب قال السيد: “إسهروا وصلوا لئَّلا تدخلوا في تجربة”. (لوقا46:22).
الدخول في تجربة خروج عن الإيمان وبقدر ما يضعف فينا الإيمان تقوى علينا التجربة وبقدر ما نقاوم التجربة يقوى فينا الإيمان .
الإيمان النقي يحيا وسط تجارب هذا العالم وضيقاته: العالم يهتز؛ أما الإيمان فلا يتزعزع.
آمن تصبح أهلاً لان تفهم: على الإيمان أن يسبق الإدراك ليكون الإدراك جزاء الإيمان. والنبي أوضح هذا الأمر حين قال: “وأنتم ان لم تصدقوا فلن تثبتوا” (إش9:7).
من اللازم أن تؤمن بما تبشر به ببساطة لأن غاية العقل ان يناقش بدقة، بالإيمان تتحد وبالعقل تحيا. يجب عليك قبل كل شيء أن تتحد بواسطة الإيمان لتحيا بواسطة العقل.
إن لم تتحد تقاوم؛ وإن كنت تقاوم فلست مؤمنًا. وإن كنت تقاوم فكيف تحيا؟
إنك تجعل نفسك عدوًا لشعاع النور الداخل فيك، حين لا تشيح بنظرك عنه، بل بعقلك. وتقول: كل واحد على الإطلاق يريد أن يفهم. فمن الواجب علي إذًا أن أفهم حتى أؤمن.
فأجيب آمن تفهم الإيمان مرقاة، عليها، تبلغ الفهم، والفهمُ جزاء الإيمان.
للإيمان نور خُصَّ به دون سواه من الكتب المقدسة والأنبياء والإنجيل والقراءات الرسولية.
إن كل من يقرأ في حينه لهو شبيه بسُرج في ظلمة تساعدك على أن ترى النور.
يا أحمق، أتريد أن تصعد وتنسى المرقاة؟؟!! لو تمكنت الآن من أن أريك ما سوف ترى لما حرضتك على الإيمان؛ لأن الإيمان هو الإيقان بحقيقة الأمور غير المرئية” (عب1:11).
أعطاك الله عينين جسديتين وعقلاً باطنيًا: أيقظ عقل قلبك وارفع الساكن في عينيك الباطنتين ليفتح نوافذه ويتأمل في خليقة الله. في باطنك يقيم من ينظر من خلال عينيك.
إذا فكرت بعكس الحقيقة التي فيك فلا ترى ما هو أمامك. عبثًا تُشرع النوافذ في غياب من يُحبّ ان ينظر من خلالها. الأعين لا ترى إنما هنالك من يرى بواسطتها:
أيقظه وأرفعه! ارفع نظر العقل واستعمل عينيك كإنسان، انظر إلى السماء والأرض. إلى السماء الجميلة والأرض الخصبة والطيور الطائرة والأسماك السابحة في المياه وإلى الزروع النامية والأوقات المنظمة،
تأمل هذه كلها وابحث عن صانعها انظر إلى ما ترى وأسأل عما لا ترى.
آمن بما لم ترَ من أجل الأشياء التي تراها. زمن الإيمان زمن شاق، ومن ينكره؟ إنما العمل موعود بالمكافأة. لا تكن كسولاً في عمل ترجو عليه أجرًا.
الإيمان يدرك ما لا يدركه العقل البشري وحيث يعجز العقل ينجحُ الإيمان، وحيث يعجز العقل ينمو الإيمان.
No Result
View All Result
Discussion about this post