1 ـ اليوم قرأنا من بشارة القديس يوحنا عن موضوع قيامة السيد الرب. وقد سمعنا بأمور عن الإنجيل, لم نسمعها في أي من البشائر الأخرى..
فكما شرحت لمحبتكم مرارا عن الإنجيل, فإن البشائر الأربعة أجمعت على ذكر أحداث معينة, وبعض الأحداث أُعلنت في ثلاث بشائر فقط وأخرى في اثنتين بل وقد ينفرد أحدهم بذكر تفاصيل أخرى.
فالحقيقة أن البشارة بالحق هي الشئ الذي يجمع بين كل الإنجيليين إذ أن جميعهم قد ارتووا من نفس الينبوع.
وهكذا فيوحنا البشير هو الوحيد الذي ذكر في إنجيله ما قد سمعناه الآن وهو قصة مريم المجدلية عندما رأت السيد الرب وقال لها : لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ( يو 20 : 17 ) . ففي هذا الصدد إذن يجب أن أكلم قداستكم. فإذ قد رأت النسوة الأكفان في القبر اعتقدن أن أحدا قد أخذ جسده وليس أن الرب قد قام
والكلمات الآتية تدل على ذلك, فما سمعناه مكتوب كالآتي لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات ( يو 20 : 8 , 9). لقد صدقن ما كان بالعيان وليس بالايمان.
2 ـ والأكثر من ذلك, فما يمكن أن يُحير عقل القارئ والمستمع اليقظ والمدقق هو فهم العبارة القائلة: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي( يو 20 : 17 ) فلنفكر في هذا بمعونة الرب.
في الحقيقة أن مغزى هذه الآية صعب . فمتى صعد الابن إلى الآب؟
في اليوم الأربعين من بعد قيامته كما ذكر سفر أعمال الرسل, هذا اليوم الذي سنحتفل به قريبا تكريما للرب, حين صعد إلى الآب, وتابعته أنظار الرسل الذين لمسوه بأيديهم قبلا,
ثم قال الملاك لهم أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء ( أع 1 : 11 ).
فإن كان قد صعد إلى السماء آنذاك ( فيما بعد لقائه مع مريم ) فماذا تكون الإجابة يا أخوتي ؟ أما كانت مريم قادرة أن تلمسه حينما كان واقفا أمامها هنا على الأرض بينما تستطيع ذلك وهو جالس في السموات ؟!
فإذا لم تستطع أن تلمسه على الأرض فكم بالحري سيكون ذلك صعبا عليها في السموات ؟ فما هو معنى هذه الكلمات :لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ؟
في الواقع هذه الكلمات تبدو لي كأنه يقول: إلمسيني عندما أكون قد صعدت, ولا تلمسيني قبلما أصعد. يارب! ألا ألمسك وأنت هنا, وألمسك بعد أن تكون قد صعدت؟! بالإضافة إلى ذلك, إذا كان المسيح قد امتنع عن التلامس مع البشر قبل صعوده إلى الآب فكيف ظهر لتلاميذه لا ليروه فقط بل ليجسوه أيضا إذ قال: ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم؟ انظروا يدي ورجلي إني أنا هو, جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون( لو 24 : 38 , 39 ) .
بالإضافة إلى ذلك فتوما , التلميذ الذي يشك, حين لمس جنب المسيح المطعون وقال ربي والهي! ( يو 20 : 29 ) لم يكن يسوع قد صعد بعد إلى الآب. قد يقول شخص ما تنقصه الحكمة : كان يمكن للرجال أن يلمسوه قبل أن يصعد إلى الآب ولكن لم يكن للنساء أن يلمسوه إلا بعد صعوده إلى الآب.
هذا فكر سخيف ورأي ملتوي. ففي كلمة واحدة, لتسمع الكنيسة ما قد سمعته مريم, فليسمع الجميع وليفهم الجميع, ليفعل الجميع ذلك. فما معنى لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ؟ معناه : ألأنك تريني فأنت تعتقدين أنني مجرد إنسان ولا تعلمين أنني مساو للآب؟ لا تلمسيني بهذا الفكر, لا تظني أنني مجرد إنسان بل افهمي أن الكلمة مساو للآب.
إذن ما معنى: لا تلمسيني؟ معناه: لا تؤمني بما ترينني عليه فقط. أنني سأعد إلى أبي, حينئذ المسيني. فبالنسبة لك إن صعودي إلى الآب يتم عندما تفهمين أنني مساو للآب. فطالما أنك تظنيني أقل من الآب فأنا لم أصعد بعد بالنسبة لك.
3 ـ علاوة على ذلك, فأنا أعتقد أننا بواسطة المرأة التي لمست هدب ثوب المسيح وشُفيت, نستطيع أن نفهم بسهولة أن التلامس هو الإيمان.
فكما تذكرون في الإنجيل: أن الرب يسوع المسيح ذهب لزيارة ابنة رئيس المجمع التي قيل عنها أولا أنها مريضة وبعد ذلك ماتت. وفيما هو ذاهب رأى امرأة آتية من إحدى الأزقة, وكانت قد صرفت كل معيشتها للأطباء حتى تشفى, إذ كانت تعاني من نزيف منذ اثني عشر عاما, وصف لها الأطباء العلاج دون جدوى.
فقالت في نفسها: إن لمست هدب ثوبه فقط شفيت. فقولها مثل تلك العبارة كان بمثابة الملامسة الفعلية. واختصارا للموضوع لنسمع حكم الرب ( انظر لو 8 : 45 , 48 ) .
فحينما شفيت بسبب إيمانها قال الرب يسوع المسيح: من الذي لمسني؟ وقال له التلاميذ: الجموع يزحمونك وتقول من الذي لمسني؟ولكنه أجاب قائلا قد لمسني واحد لأني علمت أن قوة قد خرجت منيفقد خرجت منه النعمة الإلهية فشُفيت المرأة ولكن دون أن ينقص الرب شيئا.
لذلك قال له التلاميذ: يا معلم الجموع يضيقون عليك فهل علمت من هو ذاك الرجل أو تلك المرأة؟ فقال يسوع أحد قد لمسني, فما معنى أحد قد لمسني, الباقون يضيقون علي ولكن واحد لمسني, فما معنى هم يضيقون, ولكن واحد لمس؟ فلا يزال اليهود يتصارعون أما الكنيسة فقد آمنت.
4 ـ وبناء على هذا التفسير نرى أن المرأة تلامست أي آمنت, فنفس التفسير قد قيل لمريم المجدلية:
لا تلمسيني: إني سأصعد فحينئذ المسيني. فالمسيني حينما تفهمين معنى في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ( يو 1 : 1 ) فبالفعل الكلمة صار جسدا ( يو 1 : 14 )
ولكن لم يزل الكلمة نقيا, بلا عيب, غير متغير وغير ملموس. ولكن لأنك لا ترين سوى إنسانا فإنك لا ترين الكلمة.
فأنا أريدك أن تؤمني ببشريته ولا تتجاهلين الكلمة. ليكن المسيح ظاهرا بكامله لك لأنه بصفته الكلمة فهو مساو للآب. ولذلك قال لا تلمسيني الآن لأنك لا تعلمين بعد من أنا.
اذن فلتسمع الكنيسة التي ترمز لها مريم, ما قالته مريم. فكلنا نتلامس مع المسيح إن كنا نؤمن أنه قد صعد إلى الآب وهو جالس عن يمين الآب.
فالكنيسة اليوم بأسرها تعترف بهذا إذ تقول وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه (من نص قانون الإيمان). فالذين يعتمدون يسمعون هذا الكلام ويؤمنون به قبل أن يعتمدوا.
ولذلك عندما يؤمنون فمريم (أي الكنيسة) تتلامس مع المسيح. فالفهم غامض ولكنه سليم أي أنه مغلق لغير المؤمنين ولكنه مفتوح لمن يقرع على الباب بإيمان.
فالرب يسوع المسيح هناك وهو أيضا هنا معنا, هو مع الآب وأيضا فينا. هو لا يترك الآب ولا يتركنا نحن أيضا. وكالرب يعلمنا كيف نصلي وكالابن ينصت إلينا مع الآب.
المصدر مدونة كتابات الآباء القديسين
Discussion about this post