في أنواع الفضيلة – القديس أفرام السرياني
إن في عقلي راسخ كل ساعة المنظر الذي حدثتني به أيها الأخ فلذلك جاهد أن تسير بما يكون موافقاً للدعوة العليا لأنني عارف نشاطك وغيرتك إلى اللـه
فلذلك أشير عليك إذ لك نية أن تخلص وليست لك خبرة بالسيرة ذات الفضيلة أن تقتفي آثار الآباء والأخوة التامين وتستفيد منهم كيف ينبغي لعبد اللـه أن يتصرف.
الأمر الذي كنت أقوله لك دائماً أن تعاين سيرة كل واحد منهم وتتشبه بتدبيره متفطناً في كل واحد منهم متدرع السلاح في الدين البهي منقاد إلى رأي الدعوة العليا، وتترقب بمبالغة من واحد أمانته الكاملة التي لا تتزعزع،
وآخر اتكاله علي اللـه، وآخر تقتبس منه المحبة المضاعفة بحب اللـه والقريب وكيف أحدهم بمخافة اللـه يقي نفسه محفوظاً من كل أمر خبيث ذي سيرة حية لا زلل ولا لوم فيها، وآخر ممدوح من الكل من أجل طهارة سيرته وفقدها العيب لأن كثيرين يوجدون مثل هؤلاء الذين عنهم كنت أقول لك أصغِ إلي أولئك لا إلى المتواني.
صر مغاير الذين هم بيننا كالنجوم لترى كيف أحدهم محارباً من الخبث بآلام متلونة فيهرب إلى اللـه بالصلاة ويلاصقه بالتخشع والشوق فيأخذ معونة النعمة ويغلب الأفكار القبيحة والنجسة،
وآخر يتوب عما عمله من الزلات ببكاء غزير وعبرات وزفرات نائحاً بإكتئاب على خطاياه معترفاً للـه في الصلوات والأسهار يشقي بالصوم والتعب والاضطجاع على الأرض والاغتمام مجتهداً أن يخلص نفسه بِهذه الأسلحة.
فجاهد أنت محارباً إلى الموت كجندي حقيقي لأن النسك يا ولدي ليس هو لعباً بل بتحرز كثير يقوم خلاص النفس.
فلذلك لم يبق واحدة من الفضائل لم أكتب لك عنها وأرسلها إليك لكي لا تقول أنني لست أعرف ما أعمل هكذا أجتهد إذاً أن تسير زمان حياتك بفطنة وبكل صنعة حسنة لترضي اللـه والناس، فإنك إن دبرت نفسك هكذا مراقباً زهد كل واحد من أخوتك الكامل وسيرته باللـه ذات فضيلة فسيمكنك بسهولة أن تصعد نفسك إلى علو الفضائل.
مشاهداً زهد أحدهم في القنية كيف قد أهمل كل الأشياء مجاهداً أن يوقف عقله من كل جهة بلا هم مثابراً على الصلوات بلا اشتغال بال وليس له فكر ولا هم يقطعان صلاته ودموعه ومحبة اللـه الحارة الكاملة.
لأنك تعلم أيها الحبيب أن الإنسان إن صلي بشوق ودموع بقلب نقي يعاين الإله نفسه بذهنه فلذلك كل أحد يحصل بالمسكنة وبالفقر وبالضيقة الكثيرة لنفسه الخيرات الموعود بِها للصديقين لأن الباب ضيق والطريق حرج المؤدي إلى الحياة.
لذلك أريتك هذه الطريقة التي لم أسر فيها أنا، حتى إذا صغيت إلى ذاتك تماثل سيرة القديسين فتضاهي ورع أحدهم، وصناعة آخر، وتماثل صلوات آخر، وتتشبه بسجية آخر، وتشابه تواضع آخر، وتضاهي كرامة آخر، وتستفيد من آخر لومه لنفسه، ومن آخر احتقاره ذاته وتَهاونه بِها، ومن آخر صرامة سيرته، ومن آخر اهتمامه، ومن أخر سكوته،
ومن آخر وداعته، ومن آخر طول انانته، ومن آخر احتماله، ومن آخر مسالمته للكل، ومن آخر الصداقة، ومن آخر ألفته، ومن آخر اتفاقه، ومن آخر فهمه، ومن آخر عقله، ومن آخر تيقظه، ومن آخر حكمته،
ومن آخر حسن منطقه، ومن آخر إصابة الرأي، من آخر إفرازه، ومن آخر توسطه، ومن آخر بشاشته، ومن آخر فرحه، ومن آخر حسن تسليمه، ومن آخر سرعة انعطافه، ومن آخر مسامحته، ومن آخر شجاعته، ومن آخر ثقته، ومن آخر جهاده، ومن آخر طاعته، ومن آخر عملاً، ومن آخر مديحاً، ومن آخر نشاطاً، ومن آخر خدمته للأخوة، ومن آخر غيرة، ومن آخر حرارة، ومن آخر خضوعاً،
ومن آخر التبرؤ جملة من العالم واحتقاره العالم وأمانته كل يوم، ومن آخر صبراً، ومن آخر الثبات، ومن آخر الصدقة، ومن آخر مجاهرته، ومن آخر توبيخه، ومن آخر سيرته الواضحة للكل والمنيرة، ومن آخر تحفظه، ومن آخر شكراً، ومن آخر أدباً، ومن آخر عفة، ومن آخر قداسة، ومن آخر طهارة، ومن آخر بتولية، ومن آخر نقاوة،
ومن آخر عزماً روحانياً، وتراصد أحدهم صدقته، وآخر انتظاره، وآخر خيريته، وآخر صلاحه، وآخر حسن مجازاته، وآخر مساواته، وآخر عدل حكمه، وآخر عفوه، وآخر دعته، وآخر رثاءَه، وآخر إحسانه، وآخر محبته للغرباء، وآخر أحتياجه، وآخر عدمه الشر، وآخر وداعته، وآخر قناعته، ومن آخر تحفظه، ومن آخر شكره،
ومن آخر بساطته، ومن آخر تعزيته، ومن آخر تسليته، ومن آخر تعهده المرضى، ومن آخر استقامة ذهنه، ومن آخر حياة.
وتستفيد من جماعتهم الصلاة التي لا تنقص والترنم وذرف مجاري الدموع سواقي، وجملة تغني عن التفصيل من السيرة الإلهية فما دمت ساكناً وسط هذا الكنز فأحرص أن تستغني، وما دمت عائشاً مع العذارى الأحرار العاقلات فلا تعد مع العواق، ما دام لك هؤلاء النجوم يضيئون عينيك كل يوم وليلة فأسلك في ضيائهم وأقتفِ أثارهم لتدخل معهم إلى المساكن الأبدية.
أخطر في هذه الخطوات ليمكنك أن تستدرك قوماً منهم لأنني عالم إنك إن شئت فإنك تقدر، منطق حقويك وقد مصباح عدلك وأنتظر ربك لتوجد مستعداً لاستقباله، أنا لست أكفف عن مكاتبتك في هذا الأمر وأعلم إنك تسمع سماعاً مقسطاً فأصغِ إلى ذاتك وجاهد إلى الوفاة وتحرز محفوظاً لتلتقي الختن الذي لا يموت بدالة وسرور.
أكرم البتولية فإنْها تبلغ بك إلى الحجلة السماوية فلهذا قال الرسول: قد خطبتكم لرجل واحد لأقيمكم عروساً طاهرة للمسيح.
والآن ياحبيبي قد كتبت إليك فضائل القديسين وسأكتب لك مكامن المضاد لكي إذا نجيت من فخاخ ذلك تستطيع أن تخلص نفسك فلا ثقل لي إذاً أنني قد حصلت في الدير وقد لبست الإسكيم الملائكي فليس الناس فقط بل الإله نفسه لا يستبشر بالإسكيم الظاهر بل بثمار الأعمال الصالحة.
فأنتصب إذاً كشجرة حسنة نضارتَها حاملة أثمار الفضيلة، وأحذر أن تجئ دودة الكبرياء فتفسد أثمار تواضعك، لا يسرق الكذب صدقك، ولا يغش السبح الباطل تورعك، ولا يستل الغيظ وداعتك، لا يسلب الغضب طول أناتك، ولا تفسد الخصومة سلامتك، ولا تعوق المعاداة مصادقتك، ولا يقطع الحقد المحبة، ولا يبيد القرف الإكرام، ولا يوزع المحك الاتفاق،
ولا يطرد الاضطراب السكوت، ولا يعق شره البطن الصوم، ولا يقطع ألتذاذ الأكل الحمية، ولا يعرقل الونية الحرص، ولا يقطع النوم السهر، ولا يثقل الضجر النشاط، ولا يمنع العجز الخدمة، ولا يسحب التذمر الخضوع، ولا تختلس المعصية الطاعة، ولا يغلب الكلام الباطل الترنم والترتيل، ولا يقهر المزاح دراسة التمجيد،
ولا يتقوَّ ويستظهر الضحك علي النوح، ولا تعطل الفظاظة المسامحة، ولا يفسد الفسق العفة، ولا يبطل عدم الأمانة الأمانة، ولا تكرم محبة الفضة أكثر من هجر القنية، ولا تحب والديك أكثر من المسيح، ولا تستلذ وتستحل العالم أكثر من ملكوت السموات، ولا يغير الغنى عندك الفقر،
ولا تحرض لسانك الوقيعة، ولا تجعلك النميمة قاتل أخاك، ولا تدنس المشارة نفسك، ولا يحرقك الحسد للقريب، ولا ينجس الغش صفا قلبك، لا تعدمك المرآة الخيرات، لا يصنعك البغي دافعاً، لا تسبب لك شهادة الزور العذاب، لا تغربك السرقة من الملك، لا يغلق الظلم دونك الفردوس،
لا يبدد عظامك استرضاء الناس، لا تقطع مجاهرتك محاباة الوجوه، لا تسحبك محبة اللذة من محبة اللـه، لا تعمِ الشهوة تخشعك، لا تشوه اللذة شوقك إلى اللـه، لا تخسرك لذة الأطعمة نعيم الفردوس، لا ترفض إنساناً لئلا تسخط خالقه، لا تعيرن أحداً لأنك لا تعلم ماذا يصيبك من العوارض،
لا تترفع بقلبك لكي لا تسقط فتجلب لذاتك هواناً، لا تقطع دعتك الجسارة، لا يستأسر الجزع شهامتك، لا يبيد تقواك التهاون، لا يفصلك التنزه من الرفقة، لا يجرح نفسك النظر والتفرج، لا تفسد نفسك من السماع، لا تعاشرن الأشرار ولا تشاورهم لئلا يظلم شرهم ذهنك، لا يغلب الخبث صلاحك، ولا يقهر الحسد عدمك التألم، لا تصر متهجماً لئلا تمقت من الجماعة، لا يسبب لك التعاظم جلدات،
لا تمنح جسدك قط ألبتة نياحاً لئلا يصير ثقلاً لنفسك، لا يختلس الافتراء مديحك، لا يصد عنك الأياس التوبة، لا تستنز لك الجهالة من السموات، لا تسرق المفاخرة كنزك، لا تشهر فخامة الكلام خفياتك، لا يظلم الحسد عندك أحداً، لا يعمِ الجهل فهمك، لا تسود السفاهة حلمك، لا تستول الغباوة علي عقلك،
لا يغير عدم الإفراز أو تمييزك شئ آخر من الأشياء المحظورة يسلب عقلك أو يدخل قلبك ويسبيك من ملكوت السموات، بل تيقظ كما كتب وأتلِ شريعة الرب نَهاراً وليلاً وحيث أن العدو لا يكف مقاتلاً نَهاراً وليلاً فأحذر أن يجد عقلك متشاغلاً عن تلاوة وصايا اللـه فيزرع زوانه ويجعل الأواخر شراً من الأوائل،
أفقد الأشياء الأرضية لئلا تخسر الأمور السمائية فإن إنساناً يضع يده علي سيف الفدان، ويلتفت إلى ورائه لا يستحق ملك اللـه، ولا ينتظم أحد في الجندية فيشتبك بأمور العالم، فإذ قد خرجت من العالم وأتبعت المسيح فأسعَ هكذا مبادراً لتدرك،
لا تجنح يميناً ولا يساراً أي لا تجنح إلي الآلام السابق ذكرها لكي إذا سقطت إلى هوة الخطيئة تموت بالنفس بل بادر في طريق وصايا اللـه الملوكي مقوماً سعيك إلى الملك السمائي وصلِ عني أنا الخاطئ لكي ما إذا صرت أنا الغير مستحق مشاركاً للقديسين أؤهل معهم للتمتع بالخيرات الأبدية بيسوع المسيح ربنا.
هذه الأقوال كتبتها إليك يا حبيبي لا لأنني حفظت شيئاً منها بل لكي إذا ما حفظتها أنت ترضي اللـه لأن الرب قال: من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها أنا يعملها وأكثر منها.
وأنا واثق أيها الحبيب أنك ستصنع أعظم من الأفعال التي صارت قبلك إن كنت تحفظ كما قد تسلمت، لا تصر إذاً قاضي الأعمال الأجنبية بل في كل ساعة أجتهد أن تقوم سيرتك وتُهذبَها فإن كل واحد منا سيعطي عن أعماله للـه جواباً.
ميز أنت كل ساعة أفكارك وقل في ذاتك أهل ترى لي ورع ؟ لي عفة ؟ لي تخشع وتواضع ؟
وباقي الفضائل التي تقدمنا فكتبناها فوق هذا، ثم ميز أيضاً وقل في ذاتك أتراني أهملت سيرتي متوانياً ؟ أتراني أتكلم باطلاً ؟ أتراني أغتاظ ؟
أتراني أشتهي شيئاً من الأمور الأرضية ؟ فهكذا ميز كل واحدة من المقدم ذكرها ماقتاً الأمر الخبيث ملتصقاً بالصالح فإن ليس صالحاً إلا اللـه وحدة المخلص الكل بنعمة يسوع المسيح ربنا،
يا ولدي أوصيك بيسوع المسيح أن تحفظ هذه الرسالة وتقرأها متواتراً وتضعها أيضاً وتأخذها إلي أن تتعلمها، لا تتركها لأنني بكل تدقيق كتبت إليك عن سائر الآلام لتتلوها تلاوة متتابعة وتحفظها حفظاً بليغاً لأنه بماذا يحفظ الشاب طريقه ويقومها إلا بأن يحفظ أقوال الرب ومع هذا قد كتبت إليك هذه الأقوال لتستطيع أن تحفظ منها بسهولة فإذا قومت هذه فسأوقف أيضاً عقلك في تحرز أكثر
وتعمق أوفر لتؤهل أن تصل إلى الحد الكامل بيسوع المسيح ربنا الذي له مع الآب والروح القدس الكرامة والتمجيد إلى جميع الدهور. آمـين.
Discussion about this post