في أن محبة الله تعلو كل محبة
للقديس مار أفرام السرياني
المريدون بالحقيقة أن يدفعوا أنفسهم إلآ الرب من أجل الموعد المنتظر ويحاربون المعاند الخبيث المحارب كل نفس بكل نوع حرباً متلوناً، سبيل كل من يتخذ قبل كل شئٍ أمانة حقيقية ليستطيع أن يطفئ بِها كل سهام الخبيث المحمية فلما يريد المعاند أن يحل اختيار النية ويجذب رجاء الرب ومحبته يقاتل النفس بأشياء مختلفة،
إما أنه يجتلب إلي النفس داخل أحزاناً بروح الخبث أو يزرع أفكاراً خبيثة وباطلة غير واجبة دنسة ويحرك ذكر الخطايا السالفة ويقنع النفس أن تفضي بنيتها إلي الرخاوة كأنه غير ممكن أن تنال خلاصاً إلي أن يدنى النفس إلي عدم الرجاء كأنَها هي الفاعلة في القلب فواحش الأفكار المضلة الخبيثة.
وأن ليس روح غريب يخترع الخطيئة باطناً ويزرعها فيه بل هي تنشئ الرذيلة فلا تؤثر أن تعرف أن النفس موجودة مع روح العالم الغريب من اللـه روح الخديعة ليقتادها إلي عدم الرجاء أو يلقي عليها أوجاع الجسد ويجعلها تعير الناس وتغمهم، فإن بدأ الخبيث أن يحارب النفس بِهذه الأشياء فلا يجنح الإنسان من التوكل علي اللـه بل فليلصق بالمسيح وحده المتحنن والقادر أن يشفي أمراض النفس
وليحبه دائماً ويدرس بذكره مفتكراً في هذا، أنني إن ابتعدت من اللـه ورجعت عن سيرة النسك المستقيمة إلي أين أذهب سوى إلى الهلاك، وأدفع نفسي إلى العدو الغاش.
فمن أجل هذا وإن أخطر الخبيث لكل واحد من الأخوة كل يوم وبارزة بربوات سيوف وسهام محمية وآلام الرذيلة والأفكار الخبيثة الغير واجبة ليرخيه ويرده من طريق العدل ويسحبه إلى قطع الرجاء بِهذا المقدار سبيله أن يهرب بالحري إلى اللـه ويتوكل عليه.
فإنه هكذا يؤثر أن يختبر النفوس المتجهة إليه ليعرف بتحقيق أنَها قد أبغضت كل شئ وأحبت اللـه وحده
وإنْها قد تكبدت شروراً كثيرة من قبل الرذيلة وأحبت أن تقترب إلي اللـه وتكمل مشيئته، وأقتنت شوقاً إليه أكثر واستهانت بربوات ميتات وأحبته وحده واشتهت أن ترثه.
وأن كافة حرصها وتوجعها طول أيامها احتسبته كشئ حقير لا يعادل شيئاً من الأشياء المرجوة لأن ألف سنة من هذا الدهر في العالم الآتي الغير بالي مقدارها مثل هذا القياس، كما يملك الإنسان حبة واحدة من كافة رمل البحر هكذا دهر الصديقين وملكوت السموات أمر لا يعبر ولا توصف معرفته.
نظير ذلك الأنفس الوانية تجاهد بتفهم وتصبر بمثل هذا الرجاء على كل حزن ماسكة بتحقيق رجاء الرب فلا تخزى بل تنال الحياة الأبدية والحقيقية وتوجد مختبرة في المحن، كما يقال:
من يفصلنا من محبة اللـه أَغم، أَم ضيق، أم اضطهاد، أم جوع، أم عطب، أم سيف، وتوابعه. وأيضاً الحزن يصنع صبراً، والصبر تدرباً، والتدرب رجاء، والرب يقول بصبركم تقتنون أنفسكم، وأيضاً من يصبر إلي الغاية يخلص.
إن صبر الإنسان علي الأحزان المجلوبة الآتية عليه من الخبيث برجاءٍ وطول أناة وبشهامة تجعله متمكناً متوطداً وتوضحه موعباً خبرة ودربة، تفطن فيما أقوله: إن أقاموك وحدك علي كافة الأرض ملكاً وقدموا لك سائر كنوز المسكونة ولم أقول هذا إن تملكت وحدك ومسكت المسكونة منذ خلق جنس الناس وإلي انقضاء الدهر، أتراك كيف تختار الرئاسة الكاذبة المنحلة
على الحياة المحقة التي لا تعبر الأبدية حياة ملك السموات التي مملكتها لا انقضاء لها ولا تغيير.
من الواضح أنك إن ميزت تمييزاً مستقيماً ستقول حاشا لي أن أبدل ملكوت السموات بالملك البالي الزائل كما قال الرب: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أم ماذا يعطي الإنسان فدية عن نفسه، إن كافة العالم وملكه وأمواله وشرفه أكرم منه النفس وحدها وأوقر شرفاً ليس أنْها أكرم من مملكة الناس فقط بل لأن اللـه لم يسر بواحدة من براياه أن تشاركه وتتحد بطبيعة روحه لا بالسماء ولا بالشمس ولا بالقمر ولا بالنجوم ولا بالبحر ولا ببرية أخرى من المرئيات إلا بالإنسان وحدة الذي أحبه أكثر من جميعها.
فإن كانت برايا العالم الجسيمة والمكرمة والغنى أو المملكة الأرضية نفسها إذا أتخذنا رأياً صائباً لا نختار أن نستبدلها بملك الحياة الأبدي والسماوي، فماذا نقول عن شهوة ما من شهوات هذا العالم أو بشرف باطل أو بفائدة قبيحة، فمن إذاً يحب شيئاً من هذا العالم يفيده ويقايض به ملكوت السموات، لأن الشئ الذي يحبه الإنسان هو إلهه كما قيل لما أنغلب أحد يعود إليه.
فيحتاج بالحقيقة من يشتهي الحياة الأبدية ويتمنى ملكوت السموات أن يكون أعلى من أمورهذا العالم كلها وأعظم قدراً
ويرفض كافة الحدود العالمية وكل الشرف الأرضي ويفلت من قيود الهيولي كلها ويحب مجد المسيح السمائي ولا يمزج بتلك المحبة شيئاً آخر ولا يحب شيئاً من أشياء هذا الدهر أو من أمور هذا العمر.
لأن المحبة الحقيقية التي تحب بِها اللـه تقطع كسيف ذي حدين كل محبة أخرى للعالم وتمزق كل رباط هيولي
ولا يستطيع شئ من الظاهرات أن يمسك تلك النفس لا لذة ولا شرف ولا ثروة ولا رباط محبة بشرية ولا شئ من أمور الهيولي بل النفس التي تحب اللـه وحده لا تحب معه شيئاً آخر من أشياء هذا العالم لكن محبتها كلها متعلقة بمشيئته وحده مرتبطة به وتظفر وتغلب كل محبة ترابية هيولانية، محبة الروح سيف ذى حدين، المحبة التي كالسيف تقطع كل توجع وظن هيولي وتعلو ظافرة علي كافة الحدود الأرضية وتلتصق باللـه وتفعل مشيئاته، فجهادات عظيمة وأوجاع شديدة موجودة في المواعيد الجسيمة مواعيد الحياة الدائمة، الإنسان يحتاج
أن يدفع نفسه إلي الرب بجملته كما كتب أن يحب اللـه بكل القلب والطاقة والقوة ويتعلق به بكافة مشيئته ويصلب ذاته بالنفس والجسم في كافة وصاياه المقدسة بغير انقطاع ليستطيع أن ينال الحياة الأبدية الموعود بِها للمحبين للـه والمريدين أن يؤهلوا للملك الدهري.
فإن كان في تحصيل الملك الأرضي الزائل البالي أعراق جزيلة وأوجاع واحراص غير نافعة ليمكن الذين يشتهونه أن يفوزوا به ويحصلوا في كرامة وشرف الرياضة الزائلة، فكم بالحري يجب عليك أن تتوجع وتحرص وتجتهد بكافة النشاط من أجل الملك الأبدي الغير بالٍ والفاقد التألم وتحتمل كل شئ لترث مثل جسامة هذا المجد الذي لا يبلى.
وربما يستبين عندك واجباً إنك تحتاج مثل وفور
هذه الأوجاع لتقتني لك الأمور الزائلة الأرضية والأمجاد البالية، أتؤمل أن تملك مع المسيح إلي أبد الدهر ملكاً لا يشيخ ولا تشاء أن تتوجع وتجاهد في هذا الزمان القصير الذي تعيشه علي الأرض لتملك باللـه في الدهر كله.
فأنا أعتقد أن من له عقل يسير جداً يستوضح عنده ويظهر في تمييزه أن واجباً علي الإنسان أن يجاهد في هذا الزمان القصير ويجتهد ويحاضر لينال الإكليل والغلبة إلي الأبد وذلك أفضل من أن يتراخى في هذا الزمان اليسير متصرفاً في اللذات الأرضية فيشتمله الهزء والخزي إلي الأبد.
فإن أشتغل الإنسان بالأفعال الصالحة وأستسار بالأمور المنطوق بِها من الكتب المقدسة تَهتف به وتمدحه وتبجله كافة الأقوال والكتب والفرائض وكتب الحكماء من خارج وكافة الألسن تشهد للمكمل ما في الكتب فعلا والذي يقاوم شهواته الرديئة عند اللـه
فيلسوف حقيقي لأن المتزين بكلام الحكمة والمفتخر بِها وما بذل شهواته يحسب بالكلية غير حكيم وأحمق لأنه لم يفحص عنه بآلام يسيرة فلا يحتاج أن يدفع الإنسان ذاته إلي اللـه بأقوال كثيرة بل يصغي إليه بفعل الحق ويستسير ويتصرف بالوصايا المستفادة من الكتب الإلهية والعمل بِها الآن كافة أقوال الكتب الإلهية والأقوال العالمية إنما تتكلم عن الأعمال الصالحة الفاضلة والسيرة الممدوحة النفيسة فها كافة الناس يتحدثون بفضلك وينشدون ذكرك لتصرفك في أفعال الفضيلة الممدوحة من الكافة.
فلنحرص أن نتصرف في وصايا الرب في كل وقت إذ نحن مؤملون أن نأخذ ميراثاً من الخيرات المزمعة ومنتظرون شركة الروح دائماً لكي ما نقدس النفس والجسم ههنا ونكمل كافة الوصايا بمساعدة الروح ونصير مستحقين للمسيح وأبناء الآب السمائي بشركة روحه ووارثي الإله وناظري المسيح في الميراث ونؤهل للخيرات المؤبدة متنعمين بالمسيح.
آمـين
Discussion about this post