تعليم الموعوظين و طالبي العماد
القديس كيرلس الأورشليمي
ترفع الكنيسة أنظارها إلى عريسها ربنا يسوع لتراه علي الدوام باسطًا يديه ليضم إليه أحباءه كل بني البشر، تراه لا يكف عن مناداة الجميع ليلتقوا معه مهما كلفه الأمر.
هذا الموضوع هو سرور عريسها أن يجمع الكل في حضنه، “الأثمة والمتمرّدين، الفجار والخطاة، الدنسين والمستبيحين، قاتلي الآباء وقاتلي الأمهات، قاتلي الناس، الزناة… بعدما يقدسهم ويطهرهم ويهيئهم للحياة السمائية الملائكية.
هكذا أيضًا تتقدم الكنيسة، كهنتها وشعبها، رجالها ونساؤها، شيوخها وأطفالها، المتزوجون والبتوليون والأرامل. الكل يتقدم بروح عريسهم القدوس ممارسين عملهم، مقدمين له ثمار دمه المسفوك على عود الصليب، نفوسًا عرفته وآمنت به.لم تكن الكنيسة الأولى تعرف السلبية في العبادة، بل تتقدم كنورٍ حقيقيٍ أمام اليهود غير المؤمنين والوثنيين الأشرار، فتشهد لعريسها أمامهم بالحياة المقدسة والسلوك الطيب والقلب المنفتح للخطاة والفم المبارك للمضطهدين والصلاة الدائمة من أجل الكل والحديث عن الحق.هكذا يقول المغبوط أغسطينوس [ما بين اضطهادات العالم وتعزيات الله تتقدم الكنيسة في سعيها إلى الأمام.]وإنني أترك الحديث عن عمل الكنيسة الكرازي للعودة إليه في مجال آخر مكتفيًا الآن بالقول أنها لا تألو جهدًا عن أن تشرق تلقائيًا بنور المسيح وسط الظلمة فتبددها؛ وتعلن الحق فيموت الباطل، وتشهد للرب لتكسبهم أبناء له، فمتى تقبل إنسان هذا التعليم أو اشتاق إليه يُدعى موعوظًا حتى لحظة عماده فيُسمى ابنًا.ولما كانت مقالات الأنبا كيرلس الموجهة إلى طالبي العماد تُعتبر من أهم أعماله, لهذا رأيت ضرورة التحدث عن تعليم الموعوظين وطالبي العماد وعن طقوس العماد في الكنيسة الأولىأولاً: الموعوظون Catechumensالموعوظ الحقيقي هو من يتقبل التعليم المسيحي لا لمجرد الدراسة العلمية أو الفلسفية أو بغرض آخر سوى التعرف علي الحق وتقبله. حقًا إن كثيرين دخلوا بين صفوف الموعوظين خلسة, منهم من دخل إلى المسيحية معجبًا بها كفلسفة أو من أجل البلاغة، كما أعجب أغسطينوس بعظات القديس أمبروسيوس أسقف ميلان، فكان يحضر لا ليعيش في شركة مع الرب بل لمجرد الدراسة الفلسفية. ومنهم من دخل بنيّة شريرة، أو حبًا للاستطلاع، أو بقصد إرضاء الغير، كأن يريد أحد الوثنيين الزواج بفتاة مسيحية أو تريد فتاة وثنية التزوج بمسيحيهؤلاء يلزم على الراعي أن يفرزهم، فلا يحرمهم من الحضور للوعظ لكن لا يقبلهم في المسيحية ما لم يكن من أجل المسيح المصلوب.ليس هناك طريق آخر لقبولنا دخول أحد إلى المسيحية سوى قبوله الإيمان بالمسيح، وشوقه لحمل الصليب، والدخول من الباب الضيق للعبور إلى الأبدية. فالكنيسة لا تُسر بالعدد لأنها ليست حزبًا منافسًا، ولا تنخدع بالمظهر بل تطلب نفوسًا حيَّة مُحبة تود الاتحاد بالله والتمتع بالميراث الأبدي.والموعوظون في الكنيسة كانوا ينقسمون إلى أربع درجات حسب درجة تجاوبهم مع التعاليم وغيرتهم وشوقهم للشركة مع الله. |
أما عناصر الموعوظين فثلاث:
1. موعوظون من أصل يهودي: تُقدم لهم دراسات في نبوات العهد القديم وتحقيقها في شخص ربنا يسوع، وتكميل المسيحية للناموس الموسوي.
2. موعوظون من أصل وثني: تُقدم لهم دراسات تتناسب مع ثقافتهم ودراساتهم، فلا عجب إن رأينا معلمين تخصصوا في دراسة الفلسفات الوثنية ليجتذبوا الوثنيين إلى الحق.
3. موعوظون هم أطفال المسيحيين المؤمنين.
وقد عُرف عماد الأطفال في الكنيسة الأولى بصورة عامة، تحت مسئولية آبائهم أو أشابينهم وفي عهدتهم إذ تعرف الكنيسة قيمة نفوسهم، وتدرك أهمية عضويتهم في جسد الرب.يقول العلامة أوريجينوس: [تسلَّمت الكنيسة من الرسل تقليد عماد الأطفال أيضًا. فالأطفال يعمدون لمغفرة الخطايا ليُغسلوا من الوسخ الجدي بسرّ المعمودية.]وقد زعم بيلاجيوس (360-430م) وأتباعه أن خطيئة آدم أصابته وحده دون أن تسري في أولاده. على هذا يُولد الرضيع بغير الخطية الأصلية، ولا يحتاج إلى عماد لأنه كآدم قبل السقوط.انبرى له المغبوط أغسطينوس (354-430م) وغيره من الآباء يؤكدون من الكتاب المقدس كيف أنه حبل بنا بالآثام، وتثقّلت البشرية كلها بالخطية الجدِّية (رو 5: 12). وبهذا يحتاج الطفل كما الكبير إلى صليب ربنا يسوع والتمتع بعمل قيامته. كما أصدر مجمع قرطاجنة(418-424م) قانونًا يوجب عماد الأطفال ليتطهروا من الخطية الجدية.قد يعترض البعض قائلين: “لا يدرك الأطفال قيمة نعمة المعمودية، ولا يصونونها”،القديس غريغوريوس النزينزي بعد أن وبّخ الذين يحجمون عن التمتع بسرّ العماد بدعوى الحرص والحذر لئلا يسقطوا في الخطية بعد العماد، فيقول لهم: إن هذا الحذر في ذاته يحمل عدم حذر، بل هو خداع شيطاني، به تغلق النفس على ذاتها من أن تتمتع بعمل النعمة الإلهية، والتمتع ببركات المعمودية تحت ستار الخوف والحرص… وأخيرًا يوبّخ المُحجمين عن عماد أطفالهم قائلاً: فيجيب[هل لديك طفل؟ لا تسمح للخطية أن تجد لها فرصة فيه! ليتقدس في طفولته، وليتكرس بالروح منذ نعومة أظافره! لا تخف على “الختم” بسبب ضعف الطبيعة!أيتها الأم ضعيفة الروح وقليلة الإيمان! لماذا وعدت حنة أن يكون صموئيل للرب من قبل أن تلده (1 صم 1: 10)؟! وبعد ميلاده كرسته له في الحال… ولم تخف قط من الضعف البشري بل وثقت في الله…سلّمي ابنك للثالوث، فإنه حارس عظيم ونبيل!]هذا وقد فرضت الكنيسة تأديبًا على الوالدين إذا أجلا عماد طفلهما فمات دون عمادٍ، قانونه الصوم والصلاة والحرمان من شركة الأسرار المقدسة لمدة عام كاملومن شدة شوقها واهتمامها بعضوية هؤلاء الأطفال فيها فرضت أيضًا عقوبات مختلفة على الوالدين اللذين يمتنعان عن عماد ابنهما بسب نذر العماد في مكان معين، أو على يد إنسان معين. ومات طفلهما، إذ حرَّمت الكنيسة النذر في أمر المعمودية مطلقًا! |
Discussion about this post