هذا الرجاء وذلك التبرير والتقديس لا يمكن أن نتمتع به إلاّ خلال المعمودية، التي فيها نُدفن مع الرب ونقوم، كقول الرسول: “أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع اعتمدنا لموته، فدٌفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح بمجد الآب هكذا نسلك أيضًا في جدة الحياة” (رو 6: 2-6).
خلال المعمودية نجتاز مع ربنا يسوع آلامه وموته ودفنه، ونختبر عمل قيامته وأمجادها وقوتها في أعماق حياتنا الداخلية. “عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد للخطية” (رو 6: 6).
من أجل هذا رتبت الكنيسة منذ القرون الأولى أن تقوم بعماد عدد كبير من الموعوظين ليلة عيد الفصح أو عيد القيامة، حتى يرفع المعمَّدون أنظارهم إلى قيامة الرب على الدوام ويعيشون بقوتها. وفي نفس الوقت ترفع أنظار المؤمنين في ليلة عيد القيامة ليذكروا عمادهم، فيعيشوا كأبناء الله مولودين منه بالروح للتمتع بقيامة الرب في حياتهم.
في عيد القيامة تختلط الأفراح وتمتزج المشاعر، إذ تقوم الكنيسة كلها مرتجة متهلِّلة بالمعمَّدين حديثًا بصورة علنية، تبعث في كل إنسانٍ ذكريات عماده، ليعيش سالكًا بما يليق به كإنسانٍ معمد، وفي نفس الوقت تهتز مشاعرهم لأجل هذه الثمار التي هي عمل الرب القائم من الأموات في الكنيسة خلال أعضائها الكهنة والشعب، السادة والعبيد، الشيوخ والأطفال… إنها ثمرة مبهجة، تفرح الرب القائم من الأموات، والنفوس القائمة به!
ويمكننا تلخيص مراسيم العماد في كلمات قليلة:
أولاً: تقديمهم للعماد
مع بداية صوم الأربعين المقدسة يختار الموعوظون الذين تطمئن الكنيسة لتقبلهم سرّ العماد، وتتعهدهم خلال الأربعين المقدسة بدراسات خاصة كما سبق أن رأينا. غير أنه لا يقف الإعداد لقبولهم في عضوية الكنيسة عند مجرد الاستماع إلى التعاليم أو حفظ التلاوات، بل كما يقول العلامة ترتليان[1]: [يجدر بالآتين إلى المعمودية أن ينشغلوا على الدوام بالصلوات والأصوام والمطانيات والأسهار، كل هذا مع الاعتراف بالخطايا السابقة.]
هكذا لا يليق تسليمهم عطية العماد بهدفٍ آخر سوى خلاص نفوسهم، أي تبرئتها من خطاياها وتمتعها بالشركة مع الرب. وهذا لن يكون بالنسبة للكبار بغير التوبة الصادقة والاعتراف بالخطايا والضعفات، مع المثابرة في الصلوات والأصوم والمطانيات والأسهار.
لهذا يخصص القديس كيرلس مقالاً كاملاً عن “التوبة عن الأخطاء السابقة” وأخرى عن “فاعلية التوبة في غفران الخطية”[2].
ويحدث القديس يوحنا الذهبي الفم طالبي العماد قائلاً[3]: [لذلك يسبق هذا أن نتوب ونرفض أعمالنا السابقة الشريرة، وهكذا نتقدم للنعمة.
|
|
Discussion about this post