1. السماوات تفرح لاتحادكم بالعريس
“لتفرح السماوات ولتبتهج الأرض” (مز 96: 11) من أجل أولئك الذين يُنضحون بالزوفا[1]، ويتطهرون بزوفا روحي[2] هو قوة ذاك الذي في آلامه قُدم له أن يشرب من زوفا وقصبة[3].
فإذ تفرح القوات السمائية، ليته تستعد هذه النفوس التي تتحد مع العريس الروحي، فتسمع صوتًا صارخًا في البرية: “أعدوا طريق الرب” (إش 40: 3).
إنه ليس أمرًا بسيطًا ولا شيئًا هينًا ولا اتحادًا حسب الجسد، بل هو اختيار الإيمان يقوم به الروح القدس فاحص الكل (1 كو 2: 20).
إنه حيث توجد ثروة أو جمال يوافق العريس بسرعة، أما هنا فلا يطلب (العريس) جمال الإنسان بل نقاوة ضمير النفس. إنه لا يسعى إلى ماله بل ثروة النفس في الصلاح.
2. أعدوا طريق الرب
يا أبناء البرَ، أنصتوا إلى نصيحة يوحنا، القائل: “اصنعوا طريق الرب مستقيمًا” (يو 1: 23).انزعوا العقبات وكل حجر عثرة لكي تسيروا تجاه الحياة الأبدية باستقامة.
لتكن أواني النفس مستعدة، مطهرة بإيمان ثابت، لكي تتقبل الروح القدس.
ابدأوا فورًا في غسل ثيابكم بالتوبة، حتى متى دعيتم إلى حجال العريس يجدكم أنقياء.
حقًا إن العريس يدعو الجميع بغير تمييز، لأن نعمته غنية، وصوت الرسل يعلو صارخًا لكي يجمع الكل. لكن العريس نفسه يقوم بفرز من دخلوا معه في علاقة زوجية رمزية.
آه ليته لا يسمع أحد ممن سُجلت أسماؤهم هذه الكلمات: “يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟” (مت 22: 12).
ليتنا نسمع جميعًا: “نعمًا أيها العبد الصالح الأمين، كنت أمينَا في القليل، فأقيمك على الكثير. أدخل إلى فرح سيدك” (مت 25: 23).
فإذ أنتم الآن جالسون خارج الباب، يهبكم الرب أن تقولوا: “أدخلني الملك إلى حجاله” (نش 1: 4)، “لتبتهج نفسي بالرب، لأنه قد ألبسني ثوب الخلاص. كساني رداء البهجة. توجني بعمامة[4] garland كعريس، وزينتني بحلي كعروس” (راجع إش 61: 10)، وبهذا تكون نفوسكم بلا دنس ولا شيء من هذا القبيل.
لست أقصد أن يكون لكم هذا قبل نوالكم النعمة، إذ كيف يمكن أن يتحقق هذا؟! إذ أنتم مدعوّون لنوال غفران الخطايا! لكن حين توهبون النعمة يكون ضميركم غير ملوم، منسجمًا مع النعمة.
|
|
3. استعدوا للنعمة العظيمة
يا إخوة، حقًا أنها العماد أمر خطير، يليق بكم أن تقتربوا إليه بكل اهتمام صالح.
لقد اقترب وقت امتثال كل واحد منكم في حضرة الرب أمام عشرات الألوف من الأجناد الملائكية، والروح القدس يختم نفوسكم.
إنكم تسجلون في جيش ملكٍ عظيمٍ. لذلك تزٌودوا بارتدائكم ليس لباسًا لامعًا، بل ورع النفس بضمير صالح.
لا تنظروا إلى الجرن كماء بسيط، بل بالأحرى تطلعوا إلى النعمة الروحية التي توهب مع الماء.
فكما أن التقدمات التي ترفع على مذابح الأوثان تتدنس بتكريسها للأصنام بالرغم من كونها بسيطة في طبيعتها، هكذا على النقيض يحمل الماء البسيط قوة جديدة للقداسة بتكريس الروح القدس والمسيح والآب.
4. تقدسوا بالماء والروح
للإنسان طبيعة ذات جانبين هما النفس والجسد، هكذا تحمل التنقية جانبين: جانب غير مادي من أجل ما هو غير مادي (النفس)، وجانب جسداني من أجل الجسد. الماء ينظف الجسد، والروح يختم النفس. بهذا تقترب إلى الله بقلب مرشوش بالروح، وجسد مغتسل بالماء (عب 10: 22). إذن عندما تنزلون في الماء لا تفكروا في المادة المجردة، بل تطلوا إلى الخلاص بقوة الروح القدس. لأن بدونهما – كلاهما – لا يمكن أن تصيروا كاملين.
وما أقوله هذا ليس من عندي، إنما هو كلام الرب يسوع صاحب السلطان في هذا الأمر. إنه يقول: “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (راجع يو 3: 3). فمن يعتمد بالماء ولا يكون متأهلاً للروح (بسبب سوء نيته) لا يتقبل نعمة الكمال، كذلك إن كان فاضلاً في أعماله ولم يتقبل الختم بالماء لا يدخل ملكوت السماوات.
هذا القول فيه جسارة، لكنه ليس مني، بل أعلنه يسوع. وفيما يلي برهان على ذلك بشهادات من الكتاب المقدس. كان كرنيليوس إنسانًا بارًا، تكرم برؤية ملائكة، وصعدت صلواته وصدقاته تذكارًا صالحًا أمام الله في السماء. جاءه بطرس وانسكب الروح القدس على المؤمنين، وتكلموا بألسنة وتنبأوا، وبعد نعمة الروح يقول الكتاب إن بطرس أمرهم أن يعتمدوا باسم يسوع المسيح (راجع أع 10: 48) حتى تولد النفس مرة أخرى بالإيمان، ويكون للجسد شركة في النعمة بواسطة الماء.
5. لماذا اختار الماء للعماد؟
إن أراد أحد أن يعرف سبب إعطاء النعمة بواسطة الماء دون سواه، فليتعلم هذا من الكتاب المقدس. الماء شيء عظيم، وهو ألطف العناصر المنظورة التي يتكون منها العالم… فقبل الأيام الست التي فيها تكونت الأشياء كان “روح الله يرف على وجه المياه” (تك 1: 2). الماء هو بدء العالم، كما أن الأردن هو بداية بشارة الإنجيل.
خلاص إسرائيل [5]من فرعون كان خلال البحر، وخلاص العالم من الخطيئة يتم بغسل الماء بكلمة الله (أف 5: 26). وحيث يقطع عهد يكون الماء أيضًا. فبعد الطوفان قطع عهد مع نوح، ومن جبل سيناء كان هناك عهد بماء وصوفًا قرمزيًا وزوفا (عب 9: 19)…
إيليا صعد بوجود الماء، إذ عبر أولاً على الأردن وبعد ذلك ارتفع في مركبة إلى السماء.
رئيس الكهنة كان يلزمه أن يغتسل قبل أن يقدم بخورًا، إذ اغتسل هارون وبعد ذلك صار رئيس كهنة، لأنه كيف يقدر أن يصلي عن الآخرين من لم يتطهر بالماء؟!
كذلك كانت توجد مرحضة في خيمة الاجتماع تشير إلى المعمودية.
|
|
6. العماد خاتمة العهد القديم وبداية الجديد
العماد هو خاتمة العهد القديم وبداية العهد الجديد، إذ قام به يوحنا الذي ليس من بين مواليد النساء من هو أعظم منه. إنه نهاية الأنبياء “لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا” (مت 11: 13). وهو بكر ثمار الإنجيل إذ قيل: “بدء إنجيل يسوع المسيح… كان يوحنا يعمد في البرية” (مر 1: 41).
قد تشير إلى إيليا التسبيتي الذي أُخذ إلى السماء، لكنه مع هذا ليس أعظم من يوحنا.
أخنوخ انتقل، ومع ذلك ليس أعظم من يوحنا.
موسى مستلم الشريعة العظيم جدًا، وكل الأنبياء نُعجب بهم لكنهم ليسوا أعظم من يوحنا. إنني لست أتجاسر فأقارن بين الأنبياء بالأنبياء، لكن سيدهم وسيدنا، الرب يسوع، أعلن ذلك قائلاً: “الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا” (مت 11: 11). إنه لم يقل “بين المولودين من العذارى”، بل “بين المولدين من النساء”. فالمقارنة هنا بين الخادم العظيم وزملائه من الخدام، أما سموّ الابن ونعمته فيفوقان كل مقارنة…
انظر كيف اختار الله إنسانًا عظيمًا كأول خادم للنعمة؟! اختار إنسانًا لا يملك شيئًا، محبًا للبرية، لكنه غير مبغض للبشرية. يأكل الجراد وتطير نفسه تجاه السماويات. يقتات بالعسل، ويتحدث عن أمورٍ أحلى من العسل وأقْيَم منه، يلبس ثوبًا من وبر الإبل، مقدمًا نفسه مثالاً للحياة النسكية. تقدَّس بالروح وهو بعد محمول في أحشاء أمه!
إرميا تقدس، لكنه لم يتنبأ وهو في الرحم (إر 1: 5)، إنما يوحنا وحده الذي ركض بابتهاج وهو محمول في الرحم (لو 1: 44). ومع أنه لم يرَ سيده بعينيه الجسديتين لكنه عرفه بالروح. فإذ كانت نعمة العماد عظيمة لهذا تطلَّبت أن يكون موجدها عظيمًا أيضًا.
7. اعترفوا بخطاياكم
كان هذا الرجل يعمد في الأردن فخرجت كل أورشليم (مت 3: 5) لتتمتع ببكورات العماد، إذ يوهب لأورشليم امتياز في كل عملٍ صالحٍ.
تعلموا يا سكان أورشليم كيف كان يعمد الخارجين إليه، “المعترفين بخطاياهم” (مت 3: 6). لقد كانوا يكشفون له جراحاتهم، ويقدم لهم العلاج، فيخلص الذين يؤمنون من النار الأبدية.
وإن أردت فحص هذه النقطة، أي أن عماد يوحنا يخلصهم من التهديد بالنار، اسمعوا قوله: “يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي” (مت 3: 7). لا تكن بعد أفعى. فإذ لك جلد أفعى قديم، أي حياتك الماضية، اخلعه عنك. لأن كل أفعى تزحف في جحر وتتخلص من جلدها القديم، وبهذا يتجدد شباب جسدها. هكذا ادخل أنت أيضًا من الطريق الكرب الضيق (مت 7: 13-14)، واخلع القديم بالأصوام، واترك ذاك الذي يهلكك. اخلع الإنسان العتيق مع أعماله (كو 3: 9.). وقل مع نشيد الأناشيد: “قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟!”[6].
لكن ربما يكون فيكم مرائي أو من يحب إرضاء الناس، ومن يتظاهر بالتقوى دون أن يكون له إيمان القلب، فيكون له رياء سيمون الساحر، فيأتي لا ليتقبل النعمة بل ليتجسس على ما يُعطى هنا. ليته يتعلم أيضًا من يوحنا “الآن قد وُضعت الفأس علي أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تُقطع وتلقى في النار” (مت 3: 10).
إن الديّان لا يتهاون، اخلع عنك الرياء!
8. ثمار التوبة العملية
إذن ماذا يليق بكم أن تفعلوا؟! وما هي ثمار التوبة؟ “من له ثوبان فليعطِ من ليس له” (لو 3: 11). المعلم بهذا مستحق للثناء، إذ مارس بنفسه ما علَّم به. لهذا لم يخجل من أن ينطق بهذا، إذ ضميره لم يخالف لسانه. “ومن له طعام فليفعل هكذا”. أتريد أن تتمتع بنعمة الروح القدس، ومع ذلك تحكم بأن الفقير غير مستحق للطعام المادي؟! أتطلب الخيرات العظيمة وأنت لا تجود بالخيرات البسيطة؟!
حتى إن كنت عشارًا أو زانيًا ترجَ الخلاص، فإن العشارين والزناة يسبقونكم إلى ملكوت الله (مت 21: 31) . لقد شهد بولس بذلك قائلاً: “لا زناة ولا فاسقون… يرثون ملكوت الله، وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم”(1 كو 6: 9-11). إنه لم يقل “هكذا فيكم أناس” بل “كان أناس منكم”. إذ الخطية المرتكبة بجهل يُعفي عنها، أما عناد الشرير فيُدان عنه.
9. يا لعظمة المسيح واهب العماد
إن كان لكم الابن نفسه، ابن الله الوحيد، كمجد العماد فلماذا أتكلم بعد عن إنسان؟! حقًا كان يوحنا عظيمًا، لكن ماذا يكون يوحنا بجانب الرب؟! إنه صوت صارخ، لكن ماذا يكون إن قورن الصوت بالكلمة؟! هذا الرسول نبيل جدًا، لكن ماذا يحسب إن قورن بالملك؟!
نبيل هو هذا الذي عمد بماء، لكن ماذا يكون إن قورن بالذي يعمد بالروح القدس ونار؟! (مت 3: 11) إذ عمد المخلص الرسل بالروح القدس ونار عندما “صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحدٍ منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس” (أع 2: 2-4).
10. معمودية الدم
من لا ينال المعمودية لا يتمتع بالخلاص، اللهم إلا الشهداء الذين يتقبلون الملكوت حتى بدون ماء. لأنه عندما طُعن المخلص في جنبه لخلاص العالم بصليبه أفاض دمًا وماء، لكي يتعمد من هم في زمن السلم بالماء، ومن هم في وقت الاستشهاد بدمهم.
اعتاد الرب أن يدعو الاستشهاد عمادًا قائلاً: “أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا، وأن تعتمدان (تصطبغان) بالمعمودية (الصبغة) التي اعتمد بها أنا؟! (مر 10: 38)…
11. في المعمودية رضض الرب رؤوس الشيطان
لقد قدس يسوع المعمودية باعتماده بنفسه. إن كان ابن الله قد اعتمد فكيف يمكن أن يكون ورعًا من يحتقر العماد؟!
إنه لم يعتمد لينال غفران خطايا، إذ هو بلا خطيته. لكنه إذ هو هكذا بلا خطية اعتمد ليهب المعمَّدين نعمة سماوية علوية. “فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما” (عب 2: 14)، حتى إذ تشاركنا بحضوره في الجسد نصير شركاء معه في نعمته الإلهية. هكذا اعتمد يسوع لكي بشركتنا معه نتقبل الخلاص والكرامة.
جاء في أيوب أنه كان في المياه الوحش الذي “اندفق الأردن في فمه” (أي 40: 23)، وكان يلزم تحطيم رؤوسه (مز 74: 14)، لهذا نزل (السيد) وربط القوي في المياه، حتى نال قوة فيها إذ يكون لنا سلطان أن ندوس على الحيات والعقارب (لو 10: 19).
كان الوحش عظيمًا ومرعبًا، لا يقدر أي قارب صيد أن يقاوم ضربة واحدة من ذيله[7]، ثائرًا على كل من يلتقي به. لقد نزل “الحياة” إليه ليلتقي معه، فيسد فم الموت هناك، عندئذ إذ نخلص نقول: “أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا قبر؟!” (راجع 1 كو 10: 55) لقد نُزعت شوكة الموت بالعماد.
12. بالمعمودية ندفن ونقوم في برّ
إنكم تدخلون المياه حاملين خطاياكم، وبابتهال النعمة التي تختم نفوسكم لا يعود يبتلعكم الوحش المرعب.
إذ تنزلون أمواتًا في الخطايا تصعدون أحياء في البرّ. فان كنتم قد صرتم متّحدين مع المخلص بشبه موته تصيرون جديرين أيضًا بقيامته (رو 6: 5). لأنه كما حمل يسوع خطايا العالم ومات، حتى بإماتته الخطية نقوم في برٍّ، هكذا بنزولكم في الماء إذ تُدفنون فيه، كما دُفن هو في الصخرة، تقومون أيضًا سالكين في جدة الحياة (رو 6: 4).
13. بالمعمودية ننال سلطانًا لمقاومة إبليس
أضف إلى هذا، أنكم إذ تتأهلون للنعمة يهبكم سلطانًا لمحاربة القوات المضادة. فكما جُرب أربعين يومًا بعد عماده، لا لأنه كان عاجزًا عن نوال النصرة قبل ذلك، بل أراد أن يفعل كل شيءٍ بترتيبٍ حسنٍ وتدبيرٍ صالحٍ، هكذا أنتم أيضًا على نفس المثال بعد نوالكم النعمة تصيرون واثقين في سلاح البرّ (2 كو 6: 7)، فتدخلون المعركة وتكرزون بالإنجيل إن أردتم، أنتم الذين كنتم قبل العماد لا تتجاسرون على الصراع مع المقاومين (الشياطين).
14. بالمعمودية ننال التبني
يسوع المسيح هو ابن الله، ومع هذا لم يكرز قبل العماد بالإنجيل (الذي جوهره هو التمتع بالتبني لله خلال السيد المسيح).
إن كان السيد نفسه قد اتبع هذا الوقت المناسب اللائق، فهل يجوز لنا نحن خدامه أن نخالفه النظام؟! إذ “من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز” عندما “نزل عليه الروح القدس بهيئة جسيمة مثل حمامة” (مت 4: 17؛ لو 3: 22) لا لكي يراه يسوع فيعرفه، إذ هو يعرفه قبلما يأتي عليه على هيئة جسيمة، إنما لكي يراه يوحنا الذي يعمده إذ يقول: “لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس” (يو 1: 23).
إن كنت أنت أيضًا تحمل درعًا قويًا، فإن الروح القدس يحل عليك، والآب يكلمك من فوق من الأعالي ليس قائلاً: “هذا هو ابني” بل “الآن صرت ابني“، لأن فعل المضارع في “هذا يكون ابني” يخص الابن وحده الذي “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله” (يو 1: 1)، فهو وحده الذي يقال له: “هو يكون ابني” إذ هو على الدوام ابن الله. أما أنت فيُقال لك: “الآن تكون” إذ لا تحمل بنوة طبيعية بل تتقبلها بالتبني. هو ابن سرمدي، أما أنت فتقبل النعمة مؤخرًا.
15. استعد مهما بلغت خطاياك
ليكن إناء نفسك مُهيأ لتصير ابن لله ووارث مع المسيح (رو 8: 17).
إن كنت حقًا تُعد نفسك لتقبل هذا، إن كنت بحق تقترب إلى الإيمان لتكون مؤمنًا، إن كنت تخلع الإنسان العتيق من أجل غرض أمامك، فإن كل ما اقترفته يُغفر لك، سواء الزنا أو الدعارة أو أي شكل من أشكال الفسق.
أية خطية أعظم من أن يَصلب الإنسان المسيح، ومع هذا فإن العماد يغسلها! لأنه هكذا تحدث بطرس مع الثلاثة آلاف الذين جاءوا إليه. هؤلاء الذين صلبوا الرب، إذ سألوه قائلين: “ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟!” (أع 2: 37) فإن الجرح عظيم؟! لقد جعلتنا يا بطرس نفكر في خطيتنا بقولك: “رئيس الحياة قتلتموه” (أع 3: 51). فأي تضميد يصلح لجرحٍ عظيمٍ كهذا؟! أي تطهيرٍ يكون لغباوة كهذه؟! أي خلاصٍ لهلاكٍ مثل هذا؟!
إنه يقول: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح ربنا لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس” (أع 2: 38).
يا لحب الله المترفق غير المنطوق به؟! مع أنهم كانوا بلا رجاء من جهة خلاصهم، لكنهم مع ذلك تأهلوا للروح القدس! هل رأيت قوة المعمودية؟!
إن كان أحدكم يصلب المسيح بكلمات تجديفه، إن كان أحدكم ينكره في جهلٍ أمام الناس، إن كان أحدكم يجدف على التعاليم بكلمات شريرة، فليتب، وليكن له رجاء صالح، لأن النعمة حاضرة إلى الآن.
16. تشجعوا… الرب يطهركم!
“تشجعي يا أورشليم فإن الرب ينزع عنكِ كل آثامك”، “الرب يغسل دنس أبنائه وبناته بروح القضاء وبروح الإحراق”، “سيرش عليكم ماء طاهرًا، فيطهركم من كل خطاياكم” (راجع صف 3: 14، 15؛ إش 4: 4؛ حز 36: 25).
إن الملائكة سترقص حولكم قائلة: “من هذه الطالعة في ثوب أبيض مستندة على حبيبها” (راجع نش 8: 5).
لأن النفس التي كانت قبلاً عبدة تبناها سيدها كقريبة له، وإذ يرى أمامه غاية راسخة يجيب: “ها أنت جميلة يا حبيبتي. ها أنت جميلة… أسنانك كقطيع الجزائر الصادرة من الغسل، وذلك بسبب الاعتراف بضميرٍ صالحٍ، كل واحدة متئم” (نش 1:4، 2) وذلك بسبب النعمة ذات الجانبين “أي توأم”: أقصد أنها تصير كاملة بالماء والروح، أو النعمة المعلنة في العهدين القديم والجديد.
ليت الله يسمح أن تذكروا جميعكم ما أقوله لكم عندما تنهون فترة الصوم، وتأتون بثمر أعمال صالحة، فتقفوا أمام العريس الروحي بلا لوم وتنالوا غفران خطاياكم من الله الذي له المجد مع الابن والروح القدس إلى الأبد. آمين.
[1] أو أشنان داود: نبات من الفصيلة الشفوية ذات أوراق عطرة حريفة المذاق.
[2] الزوفا الروحي أو غير المنظور هو قوة الروح القدس المطهرة في المعمودية، كقول المرتل “اغسلني بزوفاك فأطهر” (مز 51: 7).
[3] يتحدث عن السيد المسيح في آلامه إذ قدم له ليشرب من زوفا (يو 19: 29)، ومن قصبة ( مت 27: 48).
[4] الكلمة اليونانية في النص تعني تاج الكاهن أو البرطل الكهنوتي.
[5] سبق لي في مواضعٍ كثيرة الإشارة أن ما حدث مع بني إسرائيل لم يكن إلا رمزًا لما يتم مع كنيسة العهد الجديد التي قبلت الإيمان بينما رفضه اليهود وصاروا غير مؤمنين، وانتفت عنهم جميع المواعيد، وخلعوا أنفسهم من دائرة شعب الله.
[6] في سفر النشيد (5: 3) يشير النص إلى الاعتذار عن عدم القيام من السرير للسير مع الرب، لكن القديس يستخدمه هنا بمعنى مغاير.
[7] الترجمة السبعينية أي 40: 26 عوض أي 41: 7 التي بين أيدينا.
|
Discussion about this post