خميس السكارى
خـَمـْشي شابا دْسَــكاري
لقد رافقت الصوم الأربعيني عادات كثيرة ومتنوّعة، منها ما هو صادر عن التعليم الكنسي، ومنها ما هو من التراث والتقاليد الشعبيّة ورثناه عن الماضي، ومنها ما هو ممارسات شخصيّة. مثلاً قد لا نجد سبيلاً وجيهاً لنشأة فكرة خميس السكارى.
ومن المعلوم أن الأسبوع الذي قبل الصوم تصلي فيه الكنيسة على نية الأموات وربما كانت كلمة ذكرى لأمواتنا وتحولت مع الأيام إلى كلمة سكارى ولكن بالنهاية علينا أن نعي حقيقتنا المسيحية ونحتفل ونصلي ونستعد للصوم بالاعتراف والصلاة ونصلي من أجل أمواتنا ونجتمع مع عائلاتنا وأقاربنا وأصدقائنا بحياة بعيدة عن الشجع متذكرين إخوتنا الفقراء والمهجرين والنازحين ومتذكرين أمواتنا بما عاشوا من فضائل روحية علينا أن نعيشها كمسيحيين حقيقيين.
إنها عبارة عن عادات وتقاليد وجدت بحقبة معينة من الزمن من قبل بعض جماعات ربما لرمز معين أو لغاية ممكن تتحلل بأكثر من شكل أهمها برأي امتناع المسيحيين بشكل قاطع عن أكل اللحم والجبن خلال الصوم اللي مدته 50 يوم ؟
يقول التقليد الشعبيّ الذي أخذ عليه أهل برطلي منذ زمن قديم (وقد يذكره البعض بأنه عادة قديمة في الشرق المسيحي وربما في الغرب أيضا) و الذي فحواه أنه في يوم الخميس الذي يسبق الصوم الأربعيني (الصوم الكبير) أشيع بأنه في ليلة هذا الخميس يتوجب على رجال القرية وخصوصا من الشباب المتزوجين أو العزاب تناول الخمر (العرق) وهو المشروب الروحي الوحيد الذي كان متوفرا في تلك الأيام، علما أنه كان يـُحَضـَّر ويـُصَنـَّع في بيوت القرية، فنادرا ما كنت تجد دارا يخلو من هذا المشروب، فتعمر الموائد خصوصا باللحم المشوي والقلية الذي يكون مخزونا في الدار والذي يتوجب التخلص منه خلال هذه الأيام قبل الصوم، ويتزاور الأصدقاء والاقارب لعقد جلسات السمر في هذه الليلة التي سوف تطول اأام عودتها، لأنهم مقبلون على الصوم الأربعيني، حيث لا يحل شرب الخمر خلال أيام الصوم، كونه يعبّر عن الفرح وهو مخالف لما يذهب إليه الصوم، وتعليم الكنيسة يرفضه أيضا، ومن المعروف أن أبناء برطلي كان الإيمان مرتبطا بحياتهم اليومية لذا فتعليم الكنيسة يـُحترم وينفّذ”.
خميس السكارى ….كاسكن
خميس “السكارى”، لا الذكارى”…
المرجع السريانيّ يُفسّر “خـَمـْشي شابا دْسَــكاري” (خميس السكارى).
نجتمع اليوم مساءً لنأكل و”نشرب”، ولا داعي “لتفلسفِ” وتشاطر بعض “المبشرين الفايسبوكيين”، الذين عينوا أنفسهم معلّمين وواعظين، وقرروا إسقاط معنى روحي على هذه المناسبة الاجتماعية والعائلية!
“لا يحق لأحد إلغاء العادات أو تكفير من يقوم بها فقط لعدم ارتباطها بأي معنى مسيحي. لا بل على العكس، جميلةٌ هي عاداتنا الشعبية المليئة بالفرح، ولا داعي أن يقوم بعض الناس والكهنة بمجهود اعطائها معنى روحياً. من جهة أخرى، صحيح أنّ هذا الأسبوع مخصّص للموتى المؤمنين، ولكن لا علاقة لعادات اليوم (الخميس) به، وإلّا لكانت مآدب الطعام رافقت يوم 2 تشرين الثاني المخصص لتذكار الموتى. على أي حال، تندرج هذه العادات ضمن التقاليد الشعبية، حيث كان أهلنا، يسمّنون الخروف، لذبحه في الأسبوع الأخير ما قبل الصوم (على الأرجح كان يحصل ذلك يوم الخميس)، ويدعون الأهالي المتخاصمين للجلوس مع بعضهم البعض حول مائدة الطعام للأكل واحتساء المشروبات الروحية، كي لا يدخلوا إلى زمن الصوم وهم في خصام. وهكذا تحول هذا اليوم الى خميس السكارى، لأهداف اجتماعية وروحية لجمع العائلات المتخاصمة، برمزية الفرح والاكل والشرب”.
ما أجمل أن يجتمع الإخوة تحت سقفٍ واحد في حياة مسيحية حقيقية
لنجتمع اليوم بفرح بخميس “السكارى” حول مائدة الطعام ولنشرب نخب عائلاتنا وأمواتنا وشهدائنا الذين رقدوا على رجاء القيامة الأبديّة… ولنثمل بحب يسوع المسيح ليكون صوماً مباركاً علينا جميعاً.
لقد تمسكنا بعادات وتقاليد حلوة معلومة أو مجهولة مثل هذه المناسبة الذي يجتمع فيها أفراد العائلة من البيت وخارج البيت حول طاولة عشاء ….
“كاسكن.. حبّا خليكن”
ينعاد عليكم بالخير، وصوم مبارك.
* (برطلي (باللغة السريانية:ܒܪܛܠܐ) بلدة عراقية تقع شرق مدينة الموصل ضمن حدود محافظة نينوى الإدارية. يحدها من الشمال الشرقي جبل مار دانيال يبلغ تعداد سكانها أكثر من 60 ألف نسمة أهلها من المسيحيين السريان الأرثوذكس والكاثوليك كما يسكن بأطرافها من الشبك حالياً.)
Discussion about this post