مفهوم شفاعة القديسين
” ولما أخذ السفر خرت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخا أمام الحمل، ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوة بخورا هي صلوات القديسين ” (رؤ8:5)
مقدمة
تعترض بعض الجماعات على صلوات الأرثوذكس التي تطلب شفاعة القديسة والدة الإله والقديسين بقولهم أن السيد المسيح هو شفيعهم الوحيد معتمدين على قول بولس الرسول: ” لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح (1تي5:2)
مفهوم الشفاعة
قد تعني الشفاعة التوسط بين اثنين، و المحاماة عن الغير، ولكنها تشمل أيضاً معنى التوسل لأجل الآخرين.
أنواع الشفاعة
هناك ثلاث أنواع للشفاعة :
أولاً: الشفاعة الكفارية
وهي الشفاعة التي يقوم بها الإنسان يسوع المسيح وحده “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (1تي5:2) وأيضاً “إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا” (1يو1:2،2)، “من هو الذي يدين. المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا” (رو34:8)، “فمن ثم يقدر أن يخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم” (عبر25:7)، “لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأُحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين” (أش12:53)، “فرأى أنه ليس إنسان وتحيّر من أنه ليس شفيع. فخلّصت ذراعه لنفسه وبره هو عضده” (أش16:59).
ثانياً: الشفاعة النيابية
وهي الشفاعة التي يقوم بها الروح القدس في قلوبنا كما يقول معلمنا بولس الرسول: “وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلّي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا ينطق بها” ( رو26:8 ).
يلاحظ أن شفاعة الروح القدس النيابية هي في قلوبنا، وبالأنّات التي لا يُنطق بها بينما شفاعة المسيح الكفارية هي شفاعة بالدم المسفوك على الصليب.
ثالثاً: الشفاعة التوسلية
هي توسلات وتضرعات وصلوات المؤمنين بعضهم لأجل بعض من منطلق المحبة وعضوية جسد المسيح، وهي ثلاثة أنواع:
1- شفاعة الأحياء على الأرض لأجل أحياء آخرين على الأرض أيضاً
وهذا النوع من الشفاعة واضح في قول يعقوب الرسول: “… صلوا بعضكم لأجل بعض” (يع16:5). وأيضاً ” فاسأل قبل كل شيء أن تقام تضرعات وصلوات وتوسلات و تشكرات من اجل جميع الناس من اجل الملوك وكل ذي منصب لنقضي حياة مطمئنة هادئة بكل تقوى وكرامة ” ( 2تيمو2: 1)
2- شفاعة الأحياء على الأرض لأجل المنتقلين
يتضح هذا النوع من صلوات بولس الرسول لأجل أنيسيفورس: “ليعط الرب رحمة لبيت أنيسيفورس لأنه مراراً كثيرة أراحني … ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم” (2تي16:1-18) ويتضح من سياق الحديث أن أنيسيفورس كان قد انتقل والرسول بولس يطلب له ولعائلته.
3- شفاعة المنتقلين لأجل الأحياء الذين على الأرض
بدافع الحب الذي يربط أعضاء جسد المسيح المؤمنين الذين في السماء وعلى الأرض يطلب الذين انتقلوا من أجل الذين على الأرض حتى لا يذهبوا إلى الجحيم بل يكون لهم نصيب في النعيم.ويقول القديس بولس ” فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا ” ( رومية8: 38 ) و ” فما أنتم بعد اليوم غرباء أو ضيوف بل أنتم مع القديسين رعية واحدة ومن أهل بيت الله بنيتم على أساس الرسل والأنبياء وحجر الزاوية هو المسيح يسوع نفسه لأنه به يتمسك البناء كله وينمو ليكون هيكل مقدس في الرب وبه انتم أيضاً مبنيين معا لتصيروا مكان لله بالروح ” ( أفسس )
أما عن صلوات القديسين فإليكم بعض الآيات التي تبرهن عليها: ” … الأربعة والعشرون شيخا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين” (رؤ8:5)، “وجاء ملاك آخر وأعطي بخوراً كثيراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش. فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله” (رؤ3:8،4).
من هذا يتضح أن شفاعة القديسين هي صلوات يرفعها القديسون لأجل الكنيسة ، وليست مثل الشفاعة الكفارية بدم المسيح بأي حال من الأحوال.
كيف يقبل الله صلوات القديسين وهم أموات؟
القديسون المنتقلون ليسوا أمواتاً فالسيد المسيح قال: ” إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب وليس هو إله أموات بل إله أحياء لأن الجميع عنده أحياء” (لوقا20: 38).
كنيستنا الأرثوذكسية على تواصل مع الماضي والمستقبل والذين رقدوا على رجاء القيامة والحياة الأبدية يسبقوننا إلى الرب وهم يصلون إليه في الكنيسة السماوية وكما أنت تصلي لأخيك هكذا يصلي كل أبناء الكنيسة لبعضهم البعض. وطلبنا لصلوات القديسين هي كما يقول يعقوب الرسول ” طلبة البار تقتدر كثيرا “
العلاقة مع الله موجودة ومحورية فأنت لا تصلي لغير الله ولكنك تطلب معونة الآخرين بأن يشاركوك بصلاتهم ويوحدوها معك
إليكم مثل من الحياة:
إذا كان شفيعي القديس نيقولاوس العجائبي . هل يعني أنه لا أستطيع الكلام مع الله والصلاة له إلا بواسطة القديس نيقولاوس؟
لا أبداً فأنا أول ما أبدأ بالصلاة مثلاً أصلي “ أبانا الذي في السموات … ” لا أقول أبداًَ ” أيها القديس نيقولاوس أخبر أبانا الذي في السموات أن … ” ليست هذه الشفاعة ولم تكن يوماً هكذا .
شفاعة القديس هي أن يكون مثلي الأعلى في حياتي أقرأ سيرته وأتعلم كيف اجتهد ليصل الى القداسة ولماذا استحقها في نظر الكنيسة .. في نظر المسيح كلنا قديسين وكلنا مدعوين للقداسة وكلنا نصلي لأجل بعضنا البعض وهذه هي شفاعة الأخوة ..
أحدنا عندما يمرّ في محنة ما قد يقول لأخوته ساعدوني بصلواتكم ، هذا طبيعي أن يشعر الإنسان بأخوته إلى جانبه في وقت الضيق وهذا له كبير الأثر في تخفيف المعاناة ، هذه هي شفاعتنا بعضنا ببعض ، ونحن في نظر المسيح قديسين ، القديس ليس إنساناً كاملاً بل انسان مجاهد ، القديس ليس فوق الخطيئة بل هو مجرّب فيها أكثر من سواه ، القديس ليس منزهاً وليس نصف آلهة بل هو كرّس نفسه للرب ومات عن العالم ليحظى بالملكوت …
فإذا كنا نحن نطلب صلوات بعضنا لأجل بعض هل نلغي بذلك دورنا الشخصي في الصلاة المباشرة لله؟ حاشا فلا صلاة ولا شفاعة ولا واسطة ستقربنا من المسيح ما لم نقترب منه بأنفسنا ونلمسه بأيدينا الروحية لنصرخ له كما صرخ توما ” ربي وإلهي”.
معية القديسين
إن المشاركة بين المؤمنين، بالروح القـدس الواحد فيهم، لا يقـطعها الموت ، فالمحبة أقوى من الموت وما يسمّى شركة القـديسين، ونترجمه هنا معـيّة القديسين ـ والمعـيّة كلمة عربية جميلة جدًا لا ترادفها كلمة فى أيّة لغـة أخرى ـ وهى تعنى هنا القـديسين الذين عـلى الأرض والقديسين الذين فى السماء، بحيث أن الرسول بولس يسمى المسيحيين، هنا عـلى الأرض، قديسين، وحيث أن القـديس هو الذي خُصّص للمسيح وكُرّس له، والقـديس ليس هو البطـل، فالمسيحية ليس فيها ما يسمّى بطولة ـ هذه المعـيّة تعني أن ثمّة عُرى لا تنفـصم بين الذين هم عـلى الأرض والذين إنتقلوا إلى الله لأنه إذا كان المسيح واحـدًا، إذا كان المسيح غـالبًا الموت فغـلبته تفعـل الآن وإلا فليست شيئًا إذا قلنا أننا كلنا أموات ونفـنى في القـبور وأن المسيح سوف يعـيدنا إليه فـقـط في اليوم الأخـير فهـذا القـول يعـني أن ثمة فجـوة بين قيامة المخلص واليـوم الأخـير وأن هـذه الفجـوة لا يسدها أحد…
ليس صحيحًا أني أنا مع الله لوحـدي…
أنا معـكم وكلنا، بعـضنا البعـض، مع الله…
هـذه هي الإنسانية، هـذا هـو جسد المسيح…
المسيح هـو في الذين يحبونه، هـؤلاء أعـضاء لا ينفـصل بعـضها عـن البعـض الآخـر…
والله الآب هـو أبو هـذه العائلة والمسيح يشكلها والروح القـدس مبثـوث فيها…
هـذه حقيقة الإنجيل…
وحيث أن إيماننا أن المسيح قـد قام حقًا فهـو، من الآن، مهـيمن عـلى هذه الجماعة، أي أن قيامته، إنقاذه الإنسان من الخطيئة والفساد، هذه القـيامة فاعـلة وإلا فمعـنى هـذا أن اليوم الأخير مفـصول عتن القيامة وكأن المسيح ذكرى نلهج بها…
أي أن ثمة هـوة هائلة بين المجئ الأول والمجئ الثاني إذا لم يكن هـناك قـديسون، إذا لم يوجـد أنـاس موصـولون بعـضهم مع بعـض…
الكنيسة، بالتالي، في جانب من جوانبها، وهي هـذه الموصولية بين كنيسة الأرض وكنيسة الأبكار المكتوبين في السماء…
وهذه الموصولية تمثلها الكـاس المقـدسة عـندما نضع فيها أجزاء الأحياء والأموات، بعـد مناولة المؤمنين، فتمـتزج الأعـضاء الحية، أي الأحياء العائشون هـنا، والأعـضاء الذين انتقـلوا إلى الله، الذين ذُكروا، والقـديسون ممثلين بتسع طغـمات عـن يسار الحمل، ووالدة الإله التي هي عـن يمين الجوهرة في الصينية…
يتحد هـؤلاء بالدم الإلهي…
هذا يعـني أن دم المسيح الذي سُكب انبث في الدنيا ويجمع الأحياء والأموات، يجمع الذين مُجـدوا في قـداسة معـلنة والذين انتقـلوا ولم يُمجّـدوا في قـداسة معـلنة ولكنهم يساهمون في حـياة الله والذين، هم عـلى الأرض، يسعـون سعـيًا…
هـؤلاء كلهم مربطـون بعـضهم مع بعـض بدم الحمل الإلهي وهم معـيّة…
ولذا فالإنسان ليس هو، فقط، ابن اليوم…الإنسان مسنود…
أنا موصول، منذ ألفي سنة، بأناس سبقـوني، بهـذه المواكب التي تتعاقب بالشهادة والدم والأسقـفية والذبيحة المستمرة…
شفاعة القديسين
من أجـل هـذا فالدعاء للقديسين ـ وهو ما يسمّمونه الشفاعة ـ هو نتيجة منطقية لكونهم: “وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ” لوقا 20: 38 “…
ويقول صاحب نشيد الأنشاد: أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ ” نشيد الأنشاد 5: 2 “… إذًا فهؤلاء النائمون فى القبور ليسوا أمواتًا، قلوبهم يقظة…وإذا أردتم تمييزًا فلسفيًا بين النفس والجسد، فنفوس هؤلاء، منذ الآن، قائمة من الموت…
نفوسهم قائمة بفعل المسيح وأجسادهم منحلة وهذه المقبرة ختمناها بالماء المقدس فأشرنا بهذه الطريقة الرمزية إلى أنها استهلال للقيامة، إنها بدء، إنتظار.. هذا الانتظار هو تطلّع على ما سوف يكون…
ولكن عندنا، هنا، أمـران:
عندنا ـ وهذا رأي أورثوذكسي وليس عـقـيدة ـ أن بعض الأجساد لا تفنى ولكن تبقى طرية، مثال على ذلك: المطران صـدقة الموضوع في دير مارإلياس ـ شوبا، وقد توفى منذ ما يقرب من مئة وخمسين سنة ولم يزل اللحم على جسده وكذلك شعره…
وكثيرين من أجساد القديسين لم تر فسادًا محفوظة بالكاتدرائية بكلوت بك بالقاهرة…
عن هذه الحالات يقـول سمعان اللاهوتي الحديث إنها حالة وسط وأن ثمة إنتظار لملكوت السماوات بحيث أن الجسد لا ينحل ويبقى في حالة وسطى للدلالة على أن هذه الأجساد سوف تبعث…
وبصرف النظر عن هذا الرأي ، ثمة أمر آخـر مهم هو بقايا رفات القديسين وبقايا الشهداء المحفوظة في الكنائس والأديرة…
المهم هنا أننا نؤكد هذه المعية بكل هذه الرموز والأعمال، تؤكد هذه المعية الواحدة بيننا وبين الذين ذهبوا، نؤكد أن الروح القدس الواحد يجمع بينهم وبيننا…
ولهذا فالموقف الأرثوذكسي في إستشفاع العـذراء والقـديسين، أي طـلب دعائهم لنا، الموقف الأرثوذكسي في ذلك ليس أنهم جسر يوصلنا إلى الله ـ ذلك أن الله أقرب إلينا مما هم إلينا، وهذا التصوير أن الله بعأيد وأنهم هـم يقـربوننا إليه تصوير خاطئ ـ إنما هو أنهم هم معـنا فى صلاة واحدة… والقضية هي فقـط قـضية ناس مرتـبين حـول عـرش الله…
ويمكننا القـول أن الذين سبقـونا إلى المجـد الإلهي انتهى جهادهم، أكملوا الجهاد الحسن…
من هـذه الناحية هـم ثبتـوا في سكون الله… نحسبهم كذلك بحيث أننا نعـتبر أنفسنا خطأة وأننا ما زلنا فى الجهاد فـيما هـم أكملوا الجهاد… ولا يختلف موقـف الإستشفاع هـذا عـن أي طـلب شفاعة…
فمثلاً، عـندما يقـدّم أحـدنا تقـدمة للكنيسة في عـيد قـديس ما يطلب إلى الكاهن أن يذكـر له اسمه فطـلب الشفاعة باسم هـذا القديس أو ذاك يكون من باب أن طـلبة البار تقـتدر كـثيرًا فى فعـلها. البار يصلي، طـبعًا في الكنيسة، ولست أتكلم عـن الصلاة الطـقسية التي يرأسها الكاهـن من حيث الوظيفة، ولكني أتكلم عـن الدعاء الخاص الذى نطـلب فيه شفاعة الأبـرار…
من هـذه الناحية نحن نطـلب شفاعة الأولـين هـؤلاء الذين ينتـمون إلى الصف الأول من هـذه الصفـوف التي، في النهاية، تتحـلق كلها حـول السيد المسيح…
يسوع المسيح الشفيع الوحيد
من هـنا أنه يصبح سطـحـيًا هذا السؤال لماذا نصلّي طـلبًا لشفاعة مريم العـذراء عـند الله في حين أن الشفـيع الوحـيد عـند الله هو يسوع المسيح؟…
المسيح هو الشفيع الوحـيد بين الله والناس ليس بمعـنى أنه يقـصينا ولكن بمعـنى أنه يقـصي شفاعة العهد القديم.. أي أن موسى لا يمكن أن يكـون شفـيعًا بين الناس والله، فالناس في اليهودية بقـوا مفـصولين عـن الله إلى حـين أتى المسيح فاتحـدهم به…
إذًا، فالوسيط الوحـيد الذي يجـمع بين الله والناس هو يسوع المسيح، كما يقـول الرسول بولس…
أي هـو الذي عُـلّـق عـلى الخشبة.. فلأنه رُفع عـلى الخشبة ومات ثم قام ألصق الله بالناس…
هـذا يعـني أنه لا يوجـد إلتصـاق بين الله والناس عـن طـريق اليهـودية ولكن عـن طـريق العهـد الجـديد…
وهكذا عـبارة الشفيع الوحـيد هي ليست لإقـصاء مريم أو بقية القديسين، كلمة وحـيد هي لإقـصاء الذين سبقـوا أي لإقـصاء شرعـية اليهود…
وبالتالي فالمسيح يبقى الشفيع الوحـيد بين الله والناس ونحـن فـيه…
إذًا، فهـذا الشفـيع الوحـيد بين الله والناس هو المسيح النامي العـملاق الذى ينمو من الآن وإلى آخـر الدهـر.. والذى يتناول جسد المسيح ودمه يلتصق به ويصبح جـزءًا من المسيح…
إذًا، فالذي أصبح في المسيح قائمًا من بين الأموات، الذي يتغـذى من القـيامة ويصبح إنسانًـا قياميـًا، هذا الإنسان يصلي في المسيح، من جـوف المسيح يصلي ويبقى فى هـذه الوحـدانية المتشفعة، يبقى في هـذا الكائن الوحـيد المتشفع من أجـل الناس…
إن الموت لا يفصل أبناء الكنيسة بعضهم عن بعض ، فالذين رقدوا على رجاء القيامة منذ أن بدات الكنيسة يوم العنصرة وحتى الآن هم على اتصال مستمر لأنهم أعضاء جسد واحد هو المسيح. نؤمن أنهم أحياء لأن الله إله أحياء والجميع عنده أحياء كما أوضح السيد له المجد، ولهذا لا تدعوهم الكنيسة أمواتاً بل راقدين أو منتقلين..
ولهذا سأضع لك هنا شرحاً مفصلاً لترتيب خدمة ” التقدمة ” التي بها يحضّر الكاهن الخبز والخمر المقدمين للقداس الإلهي قبل بدء الذبيحة وهي مراسم متكاملة بذاتها وتوضح علاقتنا نحن الأحياء بالأخوة الراقدين والقديسين والعذراء مريم :
يجب أن يكون خبز الذبيحة مدوّراً ومن جزأين أحدهما فوق الآخر كرمز للطبيعتين البشرية والإلهية في يسوع المسيح ، على الوجه العلوي للخبز يوضع الطابع ( الختم ) والذي تشكل مقاطعه الأربعة الكلمات اليونانية : IΣ XΣ NI KA وتعني ” يسوع المسيح الظافر ” .
تُتَمم خدمة ” التقدمة ” من قبل الكاهن بصوت ورع خافت على المذبح المقدس وخلال هذه الخدمة تتلى صلاة الساعات الثالثة والسادسة .
يأخذ الكاهن خبزة التقدمة الأولى ويرسم إشارة الصليب عليها بالحربة المقدسة ثلاث مرات قائلاً ” لتذكار ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ” ثم يرفع بالحربة الجزء المركزي من هذه الخبزة ( الذي عليه الطابع أو الختم المذكور ) بشكل مكعّب مردداً كلمات النبي أشعياء ” ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ . مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ ” ( أش53: 7-8) .
هذا الجزء المكعب الشكل يدعى ” الحمل ” ( يو1: 29 ) يوضع على الصينية المقدسة The diskos ثم يغرز الحربة بشكل صليب في الحمل قائلاً ” يُذبح حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم لأجل حياة العالم وخلاصه ” ثم يطعن الجانب الأيمن من ” الحمل ” مردداً كلمات الإنجيلي ” لكِنَّ وَاحِداً مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ ” ( يو19: 34 ) وهنا يُسكب الخمر في الكأس ممزوجاً بالماء تذكاراً لهذه الحادثة.
من خبزة التقدمة الثانية يقطع الكاهن جزءاً على اسم السيدة العذراء ويضعه في الصينية المقدسة عن يمين الحمل ومن خبزة التقدمة الثالثة المدعوة ” المراتب التسعة ” تؤخذ تسعة اجزاء على اسم : القديسين ، يوحنا المعمدان ، الأنبياء ، الرسل ، الملائكة ، الشهداء ، الرهبان والمتوحدون ، الماقتي الفضة ، جدي المسيح الإله يواكيم وحنة ، والقديس الذي يٌحتفل بعيده أو تذكاره في ذلك اليوم ، القديس الذي تحمل الكنيسة التي يُقام بها السر اسمه ، وأخيراً القديس الذي ألّف الخدمة الليتورجية التي يجري الاحتفال بموجبها . وتوضع هذه الأجزاء على يسار الحمل على الصينية
من خبزة التقدمة الرابعة تؤخذ أجزاء على اسم مراتب طغمة الكهنوت والإكليروس وكل الأحياء ومن خبزة التقدمة الخامسة تؤخذ أجزاء على اسم المسيحيين الأرثوذكسيين السابق رُقادهم
أخيراً تؤخذ أجزاء من القرابين التي يقدمها المؤمنون من أجل خلاصهم وصحتهم وحياتهم ورحمة أمواتهم ، وهذه الأجزاء توضع مع الأخرى على الصينية المقدسة تحت الحمل
في النهاية يغطي الكاهن الأجزاء المرفوعة بقطعة معدنية لها شكل النجمة Asterisk ، ثم يغطي الصينية والكأس بقطعة خاصة ، ويرفعهما مصلياً للرب أن يبارك هذه القرابين المُقدّمة وأن يذكر أولئك الذين قدموها وأولئك الذين قُدِّمت من أجلهم .
كل الأدوات والأفعال المستخدمة في إتمام هذه الخدمة لها معانٍ رمزية : فالصينية ترمز إلى مغارة بيت لحم وإلى الجلجلة ، والنجمة إلى نجمة بت لحم وإلى الصليب ، والغطاء يرمز إلى الأقمطة وإلى الأكفان ، الكأس يرمز إلى الكأس الذي به قدس السيد الخمر وحوّله إلى دمه ، الحمل الذي تم تحضيره يشير إلى محاكمة المسيح وآلامه وموته ، والطعن بالحربة يرمز إلى قيام احد الجنود بطعن جسد المسيح ليتأكد من موته ، وترتيب الأجزاء بهذا الشكل يشير إلى ملكوت الله الداخلي وأعضاؤه : مريم العذراء ، الملائكة ، جميع القديسين ، المؤمنون الأرثوذكسيون أحياء و أموات ، وفي الوسط الرأس الرب نفسه . رفعهم يشير إلى ظل الروح القدس الذي تشترك نعمته في السر العظيم
لماذا نطلب نحن الأرثوذكس شفاعة القديسين والمسيح أوصانا أن نصلي لله فقط؟
هل يستطيع الراقدون أن يسمعوا صلاتنا ويستجيبوا لها؟
لماذا وما الحاجة لهذه الشفاعة ؟
هذا سؤال تقليدي لكل من لا يعرف الكنيسة حق المعرفة لأن مفهوم شفاعة القديسين قد طغت عليه العادات الشعبية والخرافات عبر العصور ..أعتقد أن كل النقد الموجه لشفاعة القديسين ليس موجهاً للإيمان الكنسي بها بل للعادات الشعبية .. لذلك يمكن جمع هذه الانتقادات وصبّها في المنتدى الاجتماعي والتثقيفي وليس الديني ..
حسناً قلتَ أن أخنوخ وإيليا هما شخصيتا العهد القديم الذين نعتقد بصعودهما للسماء بجسديهما .. وفي حادثة التجلي على جبل ثابور يظهر مع الرب المتجلي موسى النبي بجسده وروحه حياً متحدثاً مع الرب يسوع عن الخلاص المزمع أن يتممه. فهل موسى النبي أيضاً صعد بجسده للسماء ؟؟
في سفر الرؤيا يرى القديس يوحنا اللاهوتي الحبيب 24 شيخاً يخرّون ويسجدون للرب ( رؤ4: 4 -10 ) ، وهم الذين اشتراهم الخروف بدمه – أي ليسوا ملائكة ولا أرواح – حتى ولو كانوا أحياءً ” كملائكة الله في السماء “ .. كما رأى يوحنا جمعاً كبيراً من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة أمام العرش يسبحون الرب ( 7: 9-11) وهم القادمون من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوها بدم الرب .. وكانت صلوات القديسين ترتفع مع البخور على مذبح الذهب الذي امام العرش:
” … الأربعة والعشرون شيخا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين” (رؤ8:5)، “وجاء ملاك آخر وأعطي بخوراً كثيراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش. فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله” (رؤ3:8،4)
الشيوخ في السماء حسب ما نفهم من سفر الرؤيا ، ويرفعون الصلوات مع البخور على مذبح الرب ، وهم احياء بأجساد وأرواح هذا الموت الذي يصيبنا ليس موتاً ، نحن لا ندعوه موتاً بل رقاداً أو نوماً كما قال الرب عن لعازر ” لعازر قد نام ” أو الصبية ” لم تمت بل هي نائمة ” . وبما أن المسيح انتصر بموته على الموت فلا نؤمن بعد بأن لهذا الموت العياني سلطان علينا ولا يقدر أن يفصلنا عن المسيح يسوع الذي نحن جميعاً فيه واحد ( هذه نقطة مهمة سنعود لها لاحقاً)
إن قصور البعض عن فهم هذه العلاقة وهذه الرابطة المستمرة بين من سبق وانتقل منا إلى جوار المسيح وبين من لا يزال على قيد الحياة، هو بسبب “عدم وجود مفهوم الكنيسة الحقيقية لديهم “. أي أنهم لا يدركون بعد بوضوح معنى عبارة ” كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية ” ويعتقدون أن الكنيسة على هذه الأرض هي الواحدة ، وأن الذي يرقد قد انتهى.
الفرق بينهم وبين الأرثوذكس أننا نؤمن بكنيسة واحدة على الأرض وفي السماء ، إن كان جسد المسيح واحد لا يتقسّم ولا ينفصل ، وبأن المسيح نفسه كان بيننا على الأرض ولم يغادر عرش أبيه السماوي ولا لحظة ، وإن كنا نؤمن بأن المسيح يكون مع كنيسته في مدينتنا وفي مدن أخرى، وفي العالم أجمع بدون انقسام ولا انفصال ، وبأن كل المؤمنين بالمسيح هم واحد على اختلاف اعراقهم وقومياتهم لأنهم واحد في الجسد الواحد وهذا الجسد هو الكنيسة .. وبالتالي من هذا الإيمان الثابت لا نؤمن بأي شكل أن الذين رقدوا وانتقلوا من هذا العالم الحاضر قد انفصلوا عنا أو عن الكنيسة أو عن المسيح.. وعدم اليقين بهذه الوحدة إهانة للمسيح لا غير . لهذا ، كل أعضاء هذا الجسد الواحد يسمعون بعضهم ، يصلون من اجل بعضهم ، يحبون بعضهم .. يشفع بعضهم لأجل بعض .
إذا كنت أخي المؤمن لا تزال في شك من أمر الصلاة للقديسين وتخلط بينها وبين شفاعة المسيح أو بمعنى أدق وساطة المسيح ” الوسيط الوحيد بين الله والناس ” فالمشكلة إذاً هي في مفهومك لهذه الوساطة:
إن كنت تفهم منها وساطة المصالحة بين البشر والله ، فلا خلاف أن المسيح يسوع مخلصنا الوحيد ووسيطنا الأوحد .. أما إن كنت تريد أن تفهمها معنا كما نحن نفهمها حقاً وهي الصلاة المشتركة ككنيسة واحدة جامعة في السماء وعلى الأرض على حد سواء وبصوت واحد وعزمٍ متفق فسيستقيم عندها المعنى الذي يريده الأرثوذكس من هذه ” الشفاعة أو الوساطة أو الصلاة لأجل بعضنا”
لا صحة أن الشفاعة للأحياء فقط أي للذين على هذه الأرض لأننا أوضحنا كيف أن الجميع أحياء ” أجساداً وأرواحاً ” وأنهم جميعاً كنيسة واحدة ، جسد واحد ، وصلاتهم صلاة واحدة ترتفع مجتمعة أمام مذبح الرب بعضهم لأجل بعض.
كيف نقول ” أيها القديس فلان خلصنا .. يا عذراء خلصينا .. ” ؟
لا خلاف أن المخلص هو المسيح يسوع لا غير ، وليس باسم آخر غيره ينبغي أن نخلص . فالمسيح خلصنا من الموت وأعادنا إلى الشركة مع الثالوث الأقدس وإلى الحياة الفردوسية التي فقدناها بالخطايا. أما خلاص القديسين ومريم … فهو رفع صلواتنا ممزوجة مع صلواتهم لكي نستطيع أن نتجاوز مسافة هذا العمر مقتدين بهم ومحروسين بصلواتهم المرتفعة أمام مذبح الرب ، لأنهم أحباء الرب ومختاروه أيضاً
المسيحي البارّ بهذا المفهوم يقدر أن يخلّص ” لأن صلاة البار تقتدر كثيراً في فعلتها ” . ما معنى تقتدر ؟ أي تساعد وتعزي وتشجع .. ما علاقة تقتدر هنا بخلاص المسيح وحده لنا ؟ لا علاقة ولا رابط بينهما .
القديس بولس يخلص ( رو11: 14 )” فإني أقول لكم أيها الأمم: بما أني أنا رسول للأمم أمجد خدمتي ، لعلي أغير أنسبائي وأخلص أناسا منهم “ ، فهل يعني هنا أن بولس سيخلصهم أم المسيح بواسطة بشارة بولس لهم ؟
الكرازة تخلص ” لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة ” (1كور1: 21)
المقصود هنا من الأمثلة توضيح الفرق بين إيماننا – الواحد – بأن المسيح مخلصنا الوحيد ، وبين معنى الخلاص الذي نعنيه بعباراتنا الليتورجية ” يا والدة الإله خلصينا ، يا قديس فلان خلصنا … ” يعني بعبارات أبسط ساعدنا ، قوينا ، صلي معنا لكي ننال الخلاص.. وأما الخلاص فلا نناله من أحد إلا يسوع المسيح
يعترض البعض على أن القديسين الذين يتحدث عنهم سفر الرؤيا هم الأحياء ، ولدحض مزاعمهم يكفي أن نرجع لسفر الرؤيا معاً فنقرأ
بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء، والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلا: “اصعد إلى هنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا”…” وللوقت صرت في الروح، … وحول العرش أربعة وعشرون عرشا ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخا جالسين متسربلين بثياب بيض، وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب ” ( رؤ4: 1-4)
فهل كان يتحدث يوحنا عن الأحياء وعن الأرض وما عليها ، أم عن حادثة انخطاف بالروح القدس إلى السماء لرؤية ما هو مزمع أن يكون في نهاية الأيام واقتراب موعد المجيء الثاني العظيم ؟ من الواضح أن المشهد سماوي وليس أرضي ، ومن الواضح أن من هم حول العرش هم من الذين سبق رقادهم
– يقولون أن القديسين هم الأحياء المؤمنين ! فعندما يرقدون على اسم الرب ورجاء القيامة والحياة الأبدية هل يصبحون غير قديسين؟ بالطبع لا، وبالتالي الراقدون وهم قديسون سيبقون قديسين بعد رقادهم.
– من المشهد السماوي في سفر الرؤيا ومن الإصحاحات التي تليه ننفي وبشكل قاطع أن الراقدين هم معزولون وليسوا على علم وإدراك بما يحدث في العالم، وأنهم ممنوعون من التدخل بيننا وبين الله
هل يوجد قديسين متخصصين ؟؟
أما مسألة وجود قديس للسرطان وقديس للفالج وغيرها ليست من المسلّمات التي تعلمها الكنيسة، الناس تتوجه بالصلاة مثلاً وتطلب شفاعة قديس عاني من نفس المرض أو منحه الرب قدرة على الشفاء من بعض الأمراض . هذا ليس من صلب تعليم الكنيسة وفيه تطرف مبالغ به ولا تقول به الكنيسة الأرثوذكسية.
No Result
View All Result
Discussion about this post