باسم الآب والابن والروح القــــــــــدس إله واحد آميــــــن
عظـــات القديــس أغسطينوس
على فصول منتخبة من العهد الجديد
الجزء الاول
(1961م)
شكرا للَّه الذي سمح بترجمة هذا الجزء من عظات القديس المبارك أغسطينوس …. ليسمح اللَّه أن يعيننا على تكملة ترجمتها…..
ملاحظة: نظرا لكبر حجم عظات القديس أغسطينوس فأننا نذكر فهرسا لكل مجموعة من العظات حتى يسهل تجليدها.
فهــــرســــــــــــــت
رقم العظة |
آية العظة وموضوعهـــــــــــــــــــــا |
الصفحة |
|
123456789101112131415 |
عن اتفاق الإنجيليين متى ولوقا في نسب الرب” حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه”مت 3: 13 – بخصوص سر التثليث.” طوبى للمساكين بالروح… “وبخاصة “طوبى لأنقياء القلب”مت 5: 3: 8” فليضئ نوركم قدام الناس” ، “احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس” مت 5: 16، 6: 1” من قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم” مت5: 22الصلاة الربانية للمستعدين للعماد مت 6: 9الصلاة الربانية للمستعدين للعماد مت 6: 9الصلاة الربانية للمستعدين للعماد مت 6: 9الصلاة الربانية للمستعدين للعماد مت 6: 9“لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض” مت6: 19الحث على الصدقة” اسألوا تعطوا …. الخ مت 7: 7 الحث على الصدقة” لست مستحقا أن تدخل تحت سقفي” مت 8: 8 ، إن رآك أحد يا من له علم متكأ في هيكل وثن أفلا يتقوى ضميرهّ” 1كو 8: 10” ولما دخل السفينة …. الخ” مت 8: 23“ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب” مت 10: 16 ألقيت في عيد الشهداء” لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد” مت 10: 28 ألقيت في عيد الشهداء |
126384648516168747683899899101 |
|
|
مترجمة عن The Writings of The Nicene & Post – Nicene Fathers First Series – Vol. 6
+ + +
من سير الأباء وأقوالهم
-
1. إنجيل متى من العظة 1-44.
-
2. إنجيل مرقس من العظة 45-47.
-
3. إنجيل لوقا من العظة 48-66.
-
4. إنجيل يوحنا من العظة 77-97.
+ + +
الأخ الحبيب…
لعلك قرأت اعترافات أبينا القديس أغسطينوس المشهورة أو سمعت سيرته العطرة، تلك السيرة التي جذبت قلوب الكثيرين إلى محبة المسيح. فقد كان في بداية حياته شابًا طائشًا، غارقًا في شهواته، حتى انجب طفلاً غير شرعيًا، ومع ذلك فقد كان شغوفًا بدراسة الفلسفات العالمية والمعرفة العقلية، فسقط في البدع وأبعد الكثيرين من حظيرة المسيح. لقد نبغ في دراسته الفلسفية حتى ذاع صيته ليس في عصرة فحسب بل حتى هذه العصور إذ تُدرَّس فلسفته في أغلب ما لم يكن في جميع جامعات العالم. بين ذروة المجد هذه كانت أمه مونيكا تبكيه ليلاً ونهارًا… حتى تحنن الله عليها وحول هذه القوة الموجهة نحو الشر إلى العمل من أجل المسيح… تحول العناد إلى حياة التسليم الكامل، والكبرياء إلى اتضاع، والقوة الملتهبة شرًا إلى قوة تحترق حبًا… يا لعظمة صلاة أمه… فقد حولت بمعونة الله من أافسد الكثيرين عن طريق الحق.
ينبغي أن لا نكرم قديسنا العظيم فحسب بل… اقرأ اعترافاته لتعلم وتعرف جمال حياة العشرة مع الله… تقدم واختبر لتسلك على منواله.
لا شك أن هذه السيرة العذبة قد انطبعت على عظاته فتلاحظ:
+ إنه يتكلم بمرارة عن اتكال البشر على حكمتهم البشرية… تراه يطلب استرشادًا دائمًا من الله. طالبًا من الشعب أن يصلي لأجله.
+ تقرأ عظاته فترى عمقًا مع بساطة… شبعًا وارتواء من الكتاب المقدس… ما من كلمة تعبر إلا ويجد لها معنى وحياة له… حتى في الأرقام الواردة بالكتاب المقدس يجد لها معان روحية.
+ تشعر في عظاته بنور المحبة يشع فيها. ما يتكلم عن أمر إلا ويذكر محبة المسيح لنا ومحبتنا له… وما يؤنب إلا وتجد الحب والرقة في تأنيبه… لقد علم بمحبة الله وذاقها… كما ذاق محبة أمه لله وله فانطبعت في حياته.
+ يحدث النفس البشرية دائمًا… ما من عظة أو درس أو قصة وردت في الكتاب المقدس إلا ويربطها بنفس أو بنفوس المتكلمين… لأنه اختبر أن المعرفة في ذاتها إن لم تعمل فيه فلا فائدة منها… يتكلم عن يسوع صانع العجائب بالنسبة له أو لنا وليس بالنسبة للغير… بمعنى آخر يرى الكتاب المقدس كتابه الشخصي الخاص به.
+ يقال أن عظاته قد وصلت إلينا عن طريق بعض المستمعين الذين كانوا يكتبون له منذ نواله سر الكهنوت.
ليعطنا الرب أن نعرف ونذوق ونختبر… وليذكرنا ببركة صلواته. آميـن.
+ + +
العظـــة الأولى :
عن اتفاق الإنجيلين متى ولوقا في نسب الرب
1- أيها الأحياء ليحقق الله رجاءكم الذي قد أيقظه فيكم، فبالرغم من شعوري بثقة أن ما أقوله ليس مني بل من الله إلا أنني أقول بباعث أعظم ما يقوله الرسول في اتضاعه “ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا” (2 كو 4: 7). إنني لا أشك في أنكم تتذكرون وعدي هذا الذي وعدته في الله والذي به أوفيه، فعندما وعدت سألت الله والآن اَستقي منه الوفاء به.
أيها الأحباء. أنكم تتذكرون إنني قد أرجأت إجابة السؤال المقترح في صلاة عيد ميلاد الرب، لأن كثيرون جاءوا للاحتفال بمقدمات ذلك اليوم كالمعتاد، وهم عادة يستثقلون كلام الله. لكنني أظن أنه لم يأت أحدًا الآن غير المشتاقين للاستماع، لذلك فإن حديثي لا يكون لقلوب صماء أو عقول تزدري بالكلمة، بل أن رجائكم الحار هو بمثابة صلاة من أجلي.
هناك اعتبار آخر، وهو أن يوم الاستعراضات العامة قد شتت الكثيرين منا، إنني أطلب منكم أن تشاركونني قلقي العظيم لأجل خلاصهم، فتتوسلون إلى الله بكل غيرة قلبية من أجلهم، هؤلاء الذين لم يهتموا بعد بمشاهد الحق بل استسلموا كلية للمشاهد الجسدية. إنني أعلم بل متأكد تمامًا أن من بينكم من يحتقرهم هذا اليوم ناقضًا قيود عاداتهم المتأصلة. لأن البشر يتغيرون إلى ما هو أفضل وإلى أردأ وبهذه الأنواع من الأمثلة اليومية أي الذي يتقدمون والذين يغدون، تتردد بين الفرح والحزن، فنبتهج من أجل الصالحين ونحزن على الفاسدين. لهذا لم يقل الرب أن الذي يبتدئ هو الذي يخلص “ولكن الذي يصبر إلى المنتهى يخلص” (مت 10: 22).
2- أنه ليس هناك أمر أكثر عجبًا وأكثر عظمة من أن ربنا يسوع المسيح ابن الله والذي هو ابن الإنسان كذلك – إذ قد وهبنا هذا أيضًا – يهبنا أن يجمع إلى حظيرته ليس المشاهدين لتلك المشاهد السخيفة فحسب، بل حتى بعض الممثلين فيها. لأنه قد ناضل ليس فقط لأجل خلاص المحبين لمشاهدة صراع البشر مع الحيوانات، بل ولأجل المصارعين أنفسهم، لأنه هو نفسه صار شهدًا. فلتسمعوا كيف كان ذلك.
لقد أخبرنا بنفسه بذلك قبل أن يصير مشهدًا، كما أعلن قبلاً في كلمات النبي بما سيحدث، كما لو كان قد حدث فعلاً، قائلاً في المزمور. ثقبوا يديَّ ورجليَّ. أُحصيَ كل عظامه (مز 22: 16-17). هوذا، كيف صار مشهدًا فتُحصى عظامه! لقد أعلن لنا ذلك المشهد بأكثر وضوح “وهم يتفرسون وينظرون فيَّ. لقد صار مشهدًا وموضوع سخرية. لقد جعلوه سخرية، هؤلاء الذين لم يظهروا نحوه أية مودة بل كانوا ثائرين ضده، كما جعل أولاً من شهدائه مشهدًا، إذ يقول الرسول “لأننا صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس” (1 كو 4: 9).
إنه يوجد نوعان من المشاهدين لهذه المشاهد، نوع جسدي والآخر روحي. فيتطلع الجسديون إلى الشهداء الذين يلقون إلى الوحوش إذ تقطع رؤوسهم أو يحرقون بالنار كأنهم بائسين فيبغضونهم ويمتقتونهم. وأما النوع الآخر – الروحي – فينظرون إليهم كالملائكة القديسين غير مبالين بتمزيق الجسد، بل متعجبين من نقاوة إيمانهم غير الزائف. يا لعظمة هذا المشهد الذي يكشفه العقل الكامل الذي للجسد الممزق للعيون القلبية! إنه عندما تقرأ هذه الأمور في الكنيسة تدركونها بفرح بعيونكم القلبية. لأنه إن لم تدركوا شيئًا فمن الأفضل أن لا تسمعوا شيئًا. لذلك فإنكم لم تهملوا المشاهد اليوم بل ميزتم بينها.
ليكن الله معكم ويهبكم نعمة الاِقناع الوديع فتكونوا منظرًا لأصدقائكم الذين تتألمون لرؤيتهم بسبب إسراعهم إلى المسارح، رافضين المجيء إلى الكنيسة. إنهم قد يزدرون لهذه الأمور أيضًا بسبب محبتهم للأشياء التي جعلتهم محتقرين. لعلهم يحبون الله معكم، إنه لا يخجل منه أحدًا من محبيه، فيحبون ذلك إلى لا يُغلب. فليحبوا المسيح مثلكم، ذلك الذي غلب العالم كله بذلك الأمر الذي يبدو للعالم أنه مغلوبًا به.
إنه قد غلب العالم كله كما نرى أيها الأحباء، مخضعًا كل القوات. لقد قهر الملوك ليس بقوة عسكرية بل بجهالة الصليب، لا باحتدام السيف بل بالصلب على الخشبة، بآلام في الجسد، بالعمل في الروح. لقد رفع جسده على الصليب فخضعت الأرواح للصليب. والآن أي لآلئ مرصعة في التيجان أغلى من صليب المسيح المرفوع على رؤوس الملوك؟ إنكم لن تخجلوا قط بمحبتكم له، بينما كم من كثيرين عادوا مهزومين من المسارح، لأن الذين قد شُغفوا بهم قد هُزموا. وحتى لو اِنتصر هؤلاء فإنهم لا يزالوا بالأكثر مهزومين بسبب استعبادهم للفرح الباطل، والابتهاج بالشهوة الفاسدة، منهزمين بنفس الظروف التي أسرعت بهم إلى تلك المشاهد. كم من كثيرين تظنون أيها الإخوة أنهم كانوا اليوم مترددين بين الحضور إلى هنا أو الذهاب إلى هناك؟ إن الذين في ترددهم حوّلوا أفكارهم تجاه المسيح، مسرعين إلى الكنيسة غلبوا ليس إنسانًا بل الشيطان نفسه الذي يطارد أرواح كل البشر. وأما الذين في ترددهم فضلوا الذهاب إلى المسارح فبالتأكيد قد صاروا مهزومين بذاك الذي غلبه الآخرون. الذين غَلبوا في الذي،له الذي قال “ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو 16: 33)، لأنه قد سمح القائد لنفسه أن يجرِّب فقط حتى يعلم جنوده أن يحاربوا.
3- لقد صار ربنا يسوع المسيح ابنًا للإنسان بولادته من امرأة ليتمم ذلك، ولكنه رُب قائل يقول: هل سيكون أقل من الإنسان لو لم يولد من العذراء مريم؟ أه قد أراد أن يصير إنسانًا. حسنًا. وكان يمكن أن يصير هكذا بدون ولادته من امرأة، لأنه لم يصنع الإنسان الأول الذي خلقه من امرأة.
انظروا إلى ما سأجيب به الآن، أنكم تقولون لماذا اختار أن يولد من امرأة؟ أجيب ولماذا يتجنب الميلاد من امرأة؟ لتفترضوا أنني لا أستطيع أن أوضح لماذا أراد أن يولد من امرأة، فهل تستطيعون أن تظهروا لي لماذا ينبغي أن يتجنب هذا؟ ومع ذلك فإنني سبق فأخبرتكم في مرات أخرى أنه لو تجنب الميلاد من امرأة فقد ونظن كما لو أنه يمكن أن يتنجس منها. إنه بمقدار عدم قبول جوهره للنجاسة لا يكون هناك داعيًا للخوف من رحم المرأة كما لو كان سيتنجس منه.
أن بميلاده من امرأة أراد أن يعلن لنا عن بعض أسراره العلوية، لأنه بالحق أيها الأحباء نسلم بأنه في استطاعته أن يصير إنسانًا بدون ولادته من امرأة إن أراد ذلك. فإن كان قد استطاع أن يولد من امرأة بدون رجل، هكذا يستطيع أن يولد بدون امرأة. ولكن هذا ما أعلنه لنا وهو إنه ينبغي أن لا تيأس البشرية من كلا الجنسين من خلاصه، فالبشر جنسان ذكر وأنثى. فبكونه رجلاً إذ يليق به بالتأكيد أن يكون كذلك، دون ولادته من امرأة، يجعل النساء ييأسن من ذواتهن متذكرين خطبتهن الأولى، فبالمرأة خدع الإنسان الأول لذلك نظن النساء إنه ليس لهن رجاء بالمرة في المسيح. إنه بمجيئه كرجل صنع اختيارًا خاصًا لذلك الجنس.
وقد ولد من امرأة ليواسي جنس النساء. فكأنه يخاطب البشر قائلاً: أنه ينبغي أن تعلموا إنه ليس في خليقة الله شرًا. ولكن تلك اللذة غير المضبوطة قد أفسدته. لقد صنعت منذ البداية الإنسان، صنعته ذكرًا وأنثى. أنني لا اَزدري بالخليقة التي صنعتها. انظروا أنني قد وُلِدت رجلاً وولدت من امرأة. لذلك فإنني لست اَحتقر الخليقة التي صنعتها بل الخطية التي لم أوجدها.
إذن فليرى كل جنس على حده كرامته، وليعترف كل بشره، وليكن لكليهما رجاءًا في الخلاص لقد قدم سم الخداع للرجل بواسطة المرأة، وليقد الخلاص إلى الرجل بواسطة المرأة. فلتعوض المرأة عن الخطية التي خدعت بها الرجل بميلادها المسيح. إنه للسبب ذاته نجد أن النساء أول من أعلن للرسل عن قيامة الله. ففي الفردوس أعلنت المرأة الموت لرجلها، وفي الكنيسة أعلنت النساء الخلاص للرجال. لقد أعلن الرسل قيامة المسيح للأمم، والنساء أعلنَّ ذلك للرسل. إذن فلا يلوم أحدًا المسيح لميلاده من امرأة تلك التي من الجنس الذي لا يستطيع أن ينجس المخلص، والذي يريد الخالق أن يعطيه كرامة.
4- لكنهم يقولون “كيف يمكن أن نعتقد أن المسيح قد ولد من امرأة؟ فإنني أجيبهم من الإنجيل الذي بُشر به، والذي لازال مُبشَّر به في أنحاء المسكونة كلها. على أن هؤلاء الذين أعموا أنفسهم ويريدوا أن يغلقوا بصيرة الآخرين أيضًا، غير ناظرين إلى ما ينبغي النظر إليه بل يحاولوا زعزعة ما ينبغي الاعتقاد به، محاولين السؤال في أمر نعتقد به المسكونة جميعًا.
أنهم يجيبون قائلين: “لا تظن أنت متغلب علينا بسبب حكم العالم جميعه، دعنا ننظر إلى الكتاب المقدس ذاته. لا تجبرنا على الاعتقاد بشيء ما لمجرد كثرة عدد من هم ضد رأينا، لأن الجموع الضالة تساعدكم.
إنني سأجيب أولاً على قولهم: هل تساعدني الجموع الضالة؟ إن هذه الجموع كانت في البداية مجموعة صغيرة، ثم ازدادت الجموع، ألم يعلن عن هذه الزيادة من قبل؟ فهذه المجموعة التي نراها تزداد ليست هي إلا التي سبق فتَنبئ عنها. إنني لست محتاج للقول بأنها كانت جماعة صغيرة إذ أنها كانت في وقت ما إبراهيم بمفرده. أيها الإخوة فلتنظروا أن إبراهيم بمفرده الذي قيل له: “تتبارك في نسلك جميع قبائل الأرض” (تك 22: 18). أن الذي آمن به إبراهيم بمفرده قد صار الآن ظاهرًا للكثيرين من الجموع التي هي من نسله. إن ذلك لم يكن يُرى ومع ذلك أومن به. والآن فإنه يُرى، ومع ذلك يجادل فيه. أن ما قبله في ذلك الوقت شخص واحد وآمن به، يجادل الآن فيه القليلون، بينما يستحسنه الكثيرين.
إن ذلك الذي جعل تلاميذه صيادي الناس قد شملت شبكته كل أنواع السلاطين. فإن أخذنا بحسب إيمان الأغلبية أفليست الكنيسة هي أكثر انتشارًا من أي شيء في العالم؟ وإن أخذنا بإيمان الأغنياء فلينظروا كم من الأغنياء قد ضمهم الرب إليه. وإن كان بالنسبة للفقراء فلينظروا تلك الآلاف من الفقراء. إن كان النبلاء فأيضًا جميع النبلاء قد ضمتهم الكنيسة. إن كان الملوك فلينظروا أن جميعهم يخضعون للمسيح. إن كان الفصحاء والحكماء والعلماء، فليردوا كم من الخطباء والعلماء وفلاسفة هذا العالم قد جذبهم هؤلاء الصيادين لينفذوا من الهاوية إلى الخلاص.
إذن فليفكروا في الله الذي نزل ليُبرئ تلك الخطية الكبرى التي لنفس الإنسان، وهي الكبرياء ذلك بالاقتداء باتضاعه “اختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء، واختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء (ليسوا الحكماء الحقيقيين بل الذين يبدو كأنهم حكماء)، واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود” (1 كو 1: 27-28).
5- إنهم يقولون: إن في كل ما قد اخترته لقراءته نجد تعارضًا بين الأناجيل وبعضها البعض، وذلك في الموضع الذي قرأنا فيه عن ميلاد المسيح. ولا يمكن أن يصدق الشيئان المتعارضان، فقد يقول قائل: أنني إذ أثبت لك التعارض يحق لي أن لا أومن به، أو على الأقل ينبغي عليك يا من تؤمن به أن يثبت لي اتفاقهما.
أنني أتساءل: ما هو هذا التعارض الذي تثبته؟ إنه يجيب: أنه تعارض واضح لا يستطيع أحد أن ينكره. أيها الأحباء كيف تسمعون هذا كله وأنتم مؤمنون. لتصنعوا أيها الإخوة الأحباء ولتنظروا إلى أية نصيحة نافعة يقدمها الرسول قائلاً: “فلما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه متأصلين ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان” (كو 2: 4).
لأنه بهذا الإيمان البسيط الثابت ينبغي أن نثبت في الله حتى يكشف لمؤمنيه بنفسه كل أسراره، إذ يقول الرسول ذاته “المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (كو 2: 3). إنه لم يخفي هذا ليرفضهم بل ليشوقهم إلى هذه الأمور الخفية. هذه هي فائدة سرية هذه الأمور. إذن فلتمجدوا الله في الأمور التي لم تفهموها. وهكذا فلتمجدوا بالأكثر كلما ازدادت الأحجبة التي ترونها إذ بمقدار كرامة الشخص تزداد الأحجبة التي تتدلى في قصره. إن الأحجبة تجعل الشيء المخفي وراءها ممجدًا. وهذه الأحجبة تُرفع لمن يكرمون ما وراءها، وأما الذين يسخرون منها فإنهم يُطردون ولا يسمح لهم حتى لمجرد الاقتراب إليها. “ولك عندما يرجع الرب يرفع البرقع” ( 2 كو 3: 16).
6- أنهم يبسطون مغالطاتهم قائلين: أتعترفون بأن متى إنجيلي؟ فنجيب نعم حقًا إذ نقول بصراحة معترفين اعترافًا حسنًا بورع بدون أدنى شك “إن متى إنجيلي”. يقولون: هل تصدقونه؟ من ذا الذي لا يجيب بالإيجاب. (ما هذه الردود؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إلى أي إقناع جلي يقودكم نضال تنهداتكم الصالحة، هكذا يا أخواتي أنتم تعتقدون بذلك بكل ثبات، فليس هناك ما يدعو للخجل منه. إنني أحدثكم أنا الذي قد خدعت مرة حين كنت في حداثة صباي. لقد نقدت الكتاب المقدس نقدًا خبيثًا، ذلك قبل أن يكون لي الفكر الحسن الذي للباحث عن الحقيقة. أنني أغلقت على نفسي باب إلهي بواسطة حياتي الفاسدة، وعندما أردت القرع عليه ليفتح لي كنت أعمل بالأكثر على أحكام(إحكام؟؟؟) إغلاقه، لأنني تجاسرت بالبحث بكبرياء عن ذلك الذي لا يعرفه غير المتواضعين. فكم بالأكثر أنتم مباركون.
بأي ثقة أكيدة أنتم تتعلمون. أنتم الذين لازلتم صغارًا، بأي إيمان تعيشون في عش الإيمان متقبلين طعامكم الروحي، بينما كنت أنا هالكًا ظانًا أنني قادر على الطيران فتركت العش وسقطت قبل أن أطير، ولكن إله الرحمة أقامني حتى لا يطأني المارة بأقدامهم إلى الموت، ووضعني في العش ثانية. إن هذه الأشياء عينها التي سببت لي حينذاك مشقة، اَستعرضها الآن وأشرحها باطمئنان تام في اسم الرب.
7- لقد شرعت في القول بأنهم هكذا يكابرون. فيقولوا: أن متى إنجيلي وأنتم تصدقونه. إنه بمجرد معرفته كإنجيلي ينبغي أن نصدقه. إذن فلنصغ إلى نسب المسيح الذي ذكره متى “كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم” (مت 1:1). كيف يكون ابنًا لداود وابنًا لإبراهيم؟ إنه لا يمكن أن يكون هكذا إلا من ناحية تسلسل النسب، لأنه حقًا عندما وُلد الرب من العذراء مريم لم يكن إبراهيم ولا داود في هذا العالم، فهل تقولون أن الشخص عينه هو ابن داود وابن إبراهيم؟ فكأننا نقول لمتَّى فلتبرهن على كلامك فإنني اَنتظر تسلسل نسب المسيح. “إبراهيم ولد اسحق. واسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا وإخوته. ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد آرام. وآرام ولد عميناداب. وعميناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون. وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى. ويسى ولد داود الملك. (مت 1: 1-6)،
فلتلاحظ الآن كيف أنه من هذه النفطة انحدر تسلسل النسب من داود الملك إلى المسيح المدعو ابن إبراهيم وابن داود.” وداود الملك ولد سليمان من التي لاوريّا. وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيا. وأبيا ولد آسا. وآسا ولد يهوشفاط. ويهوشفاط ولد يورام. و يورام ولد عزيا. وعزيا ولد يوثام. ويوثام ولد احاز. وأحاز ولد حزقيا. وحزقيا ولد منسي. ومنسي ولد آمون. وآمون ولد يوشيا. ويوشيا ولد يكينا واخوته عن سبيّ بابل. وبعد سبيّ بابل يكينا ولد شألتيئيل. وشألتيئيل ولد زربابل. وزربابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازور. وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أخيم. وأخيم ولد اليود. وأليود ولد أليعازر. وأليعازر ولد متان. ومتان ولد يعقوب. ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح. (مت 1: 6-16)، هكذا يظهر تبعا لترتيب وتسلسل النسب من الآباء والأجداد أن المسيح ابن داود وابن إبراهيم.
8- أن المغالطة الأولى التي أوجدوها على هذه الرواية الموثوق بها هي أن متى نفسه قد أردف قائلاً فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبيّ بابل أربعة عشر جيلاً. ومن سبيّ بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً “ولكي ما يخبرنا كيف أن المسيح ولد من العذراء مريم أردف قائلاً: “أما ولادة يسوع فكانت هكذا” (مت 1: 19)، فعن طريق سلسلة الأجيال أظهر لنا سبب دعوة المسيح ابن داود وابن إبراهيم. والآن ينبغي أن يظهر كيفية ولادته وظهوره بين البشر، لذلك أضاف لهذه الرواية الوسائل التي بواسطتها تؤمن أن ربنا يسوع المسيح لم يولد فقط من الإله الأزلي المساوي له في الأبدية، مولودًا قبل كل الدهور وقبل كل الخليقة، وبه صنعت كل الأشياء، بل ولد أيضًا من الروح القدس ومن العذراء مريم، فنعترف بهذه الولادة تمامًا كتلك. إنكم تتذكرون وتعلمون أن هذا هو إيماننا، لأنني أتحدث إلى إخوتي المسيحيين
[1]. إنه ذلك الإيمان الذي نعلنه ونعترف به، والذي من أجله استشهد آلاف الشهداء في المسكونة جميعها.
9- إن أولئك الذين يهدفون إلى دحض قانونية الأناجيل ليظهروا لنا أننا نؤمن بها اعتباطًا، يسخرون بما ورد بعد ذلك. “ولما كانت مريم أمة مخطوبة ليوسف. قبل أن يجتمعا وُجدت حُبلى من الروح القدس. فيوسف رجلها إذ كان بارًا لم يشأ أن يشهرها، بل أراد تخليتها سرًا”. (مت 1: 18-19). لأنه إذ كان يعلم أنها لم تحبل منه فَكر أنه يقال عنها أنها زانية. وكما يقول الكتاب “إذ كان بارًا لم يشأ أن يشهرها” (أي أن يبيح الأمر كما ورد في بعض النسخ) “أراد تخليتها سرًا”
حقًا كان الزوج مضطربًا، ولكنه إذ كان بارًا لم يستخدم القسوة. إذ امتاز الرجل بعمل عظيم لم يشأ أن يحتفظ بزانية كما لم يسمح لنفسه بمعاقبتها وإشهارها. “أراد تخليتها سرًا” لم يكن يرغب في عقابها بل ولا الغدر بها، حتى لا تشوب عدالته النقية شيئًا. إنه لم يكن يرغب في الإبقاء على حياتها بسبب رغبته في الاحتفاظ بها، لأن كثيرون أبقوا على حياة زوجاتهم الزانيات بسبب حبهم الشهواني، مفضلين الاحتفاظ بهن رغم أنهن زانيات ليتمتعوا بهن في شهوة جسدية. ولكن ذلك البار لم يكن يرغب في الاحتفاظ بها، وبذلك لم يكن حبه شهوانيًا. ومع ذلك لم يرغب في عقابها، فبرحمته أبقى على حياتها. حقًا يا لصلاح ذلك الرجل! إنه لم يشأ الاحتفاظ بزانية لئلا يبدو أنه أبقى على حياتها بسبب حب دنس. ومع ذلك لم يشأ عقابها والغدر بها.(تكرار) إنه بالحقيقة استحق أن يختار شاهدًا على عذراوية زوجته. وهكذا إذ كان قلقًا بسبب الضعف البشري تيقَّن من الأمر باستعلان إلهي.
10- فإن الإنجيلي يردف قائلاً: “ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور إذ ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: “يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع”. لماذا يدعى يسوع؟ “لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (مت 1: 20-21). إنه معروف تمامًا أن “يسوع Jesus” تعني في اللاتينية “مخلص Saviour” وذلك كما تراه في شرح الاسم نفسه. إذ كما لو كان قد سئل “لماذا يدعى يسوع؟” فللحال أضاف موضحًا السبب “لأنه يخلص شعبه من خطاياهم”. إذن هذا هو ما نؤمن به بتقوى، وما نتمسك به بثبات، وهو أن المسيح قد ولد بالروح القدس من العذراء مريم.
11- إذن ماذا يقول المناضلون لنا؟ رُب قائل يقول: إذا اكتشفت كذبًا فبالتأكيد ينبغي أن لا تصدقوا الإنجيل كلية. وها أنا قد اكتشفت ذلك.
انظروا فإنني سأحصي لكم الأجيال، لأنه بمغالطاتهم الافترائية يُشوِّقوننا إليها ويجذبوننا نحوها. نعم. إنهم لا يفعلون أكثر من أن يجذبوننا نحو معرفة الأسرار، ذلك إن كنا نعيش بتقوى، إن كنا نؤمن بالمسيح، إن كنا لا نشتهي الطيران من العش قبل الوقت. فلتلاحظوا أيها الإخوة المقدسين فائدة الهراطقة، فائدتهم هذه التي بحسب ترتيب الله الذي يستخدم حتى هؤلاء الأشرار استخدامًا نافعًا. فبينما ترتد نتيجة تدابيرهم إليهم لا يرتد إليهم الخير الذي يخرجه الله منهم. كما هو الحال في يهوذا، فأي عمل عظيم قد صنعه! فبألآم المسيح خلص الأمم جميعهم. إذ ينبغي أن يتألم المسيح خانة يهوذا. خلص الله الأمم بآلام ابنه وعاقب يهوذا على شره.
إنه لا يبحث أحد من المقتنعين ببساطة الإيمان عن الأسرار المخفية بدقة في الكتاب المقدس وإذ لا يبحثها لا يكتشفها، ولكنه يجبر على البحث من أجل المجادلين. فعندما يغالط الهراطقة يضطرب الصغار، وإذ يضطربون يبحثون، وبحثهم هذا كما لو كان قرع برؤوس الصغار على صدور الأمهات لكي ما يحصلوا على اللبن الكاف لهم. إذن يبحثون لأنهم مضطربون. وأما أولئك الذين لهم معرفة، الذين قد تعلموا هذا الأمر، إذ سبق أن بحثوه والرب فتح لقرعاتهم، هؤلاء بدورهم يفتحون للمضطربين. هكذا بينما يغالط الهراطقة ليضللوا البشر نحو الخطأ، إذ بهم يفيدون في اكتشاف الحق، لأنه لو لم يوجد المعاندون لقل الاهتمام بالبحث عن الحق. “لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضًا” وإذ نسأل عن السبب يردف للحال “ليكون المزكُّون ظاهرون بينكم” (1 كو 11: 19).
12- إذن ماذا يقولون؟ انظروا فإن متى يحصي الأجيال قائلاً بأنه “من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبيّ بابل أربعة عشر جيلاً. ومن سبيّ بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً. إن ثلاثة فترات في أربعة عشر جيلاً تنتج اثنان وأربعون جيلاً، إلا أنهم إذ يحصون الأجيال يجدونها واحدًا وأربعين جيلاً، فللحال يغالطون ويسخرون قائلين بازدراء ماذا يعني هذا؟ لقد جاء في الإنجيل أنهم ثلاث فترات في أربعة عشر جيلاً، بينما عندما تحصي الأجيال نجدها واحد وأربعين وليسوا اثنين وأربعين. هنا بلا شك سر عظيم. أننا سعداء ونشكر الله إذ بسبب المناضلين نكتشف بعض الأمور التي باكتشافها تزداد بهجة نظير غموضها عندما كانت موضوعًا للبحث. لأنه كما سبق أن قلت أننا نستعرض مشهدًا لعقولكم.
فمن إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، بعد ذلك يبتدئ إحصائه من سليمان لأن داود ولد سليمان. أقول أن الإحصائية تبتدئ من سليمان وتنتهي بيكنيا، الذي في أثناء حياته حدث السبيّ إلى بابل. وهكذا أيضًا أربعة عشر جيلاً باحتساب سليمان في بداية القسم الثاني 1 ويكنيا أيضًا الذي به انتهى القسم الثاني مكملاً أربعة عشر جيلاً، وهو أيضًا يكنيا نفسه الذي بدء به القسم الثالث.
13- فلتنتبهوا أيها الإخوة المقدسين لهذه الظروف، فهي سر، كما أنها بهجة في نفس الوقت. فإنني اعترف لكم بمشاعر قلبي الذي به أومن أنه عندما أُعلنها لكم وتتذوقونها ستشهدون بنفس شهادتي. فلتصغوا إذن. إنه يوجد أربعة عشر جيلاً في التقسيم الثالث مبتدئًا بيكنيا هذا إلى الرب يسوع المسيح. وبهذا فقد أُحصى بيكنيا مرتين، تارة كنهاية للتقسيم السابق، وأخرى كبداية للتقسيم التالي له
رُب قائل يقول “لماذا يُحصى يكنيا مرتين؟” إنه لم يحدث أمرًا ما في القديم بين شعب بني إسرائيل دون أن يكون إشارة سرية لأمور مستقبله، وبالحقيقة لم يحصى يكنيا مرتين اعتباطًا، لأنه عندما يكون هناك حد فاصل بين حقلين وليكن حجر أو حائط فاصل، فإن الذي يقيس من جانب ما يأخذ في حسبانه هذا الحائط، وأيضًا الذي يقيس من الجانب الآخر يبتدئ بنفس الحائط. ولكن لماذا لم يحدث هذا بالنسبة للحلقة الأولى بين هذه التقسيمات؟ فعندما احتسبنا من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً ثم بدئنا في احتساب الأربعة عشر جيل الأخرى لم نبتدئ من داود بل سليمان، ينبغي أن نعرف السبب الذي يحوي سرًا عظيمًا. فلتصغوا إذن. لقد حدث السبي إلى بابل عندما عُين يكنيا ملكًا مكان أبيه المتوفي. ثم أخذ منه المُلك وعُين آخر عوضًا عنه. لقد حدث السبي إلى الأمم أثناء حياة يكنيا دون أن يشار إلى أي خطأ ارتكبه يكنيا بسببه طُرد من الملك، بل ُذكرت خطايا أولئك الذين نهبوه، لذلك ذهبوا إلى الأسر وعبروا إلى بابل، فلم يذهب الأشرار بمفردهم بل ذهب معهم القديسون. لقد كان في السبي النبيان حزقيال ودانيال كما كان فيه الثلاثة فتية الذين ذاع صيتهم بسبب إلقائهم في النار. لقد ذهب جميعهم حسب نبوة إرميا النبي.
14- فلتذكروا إذن إنه لم يُنبذ يكنيا ولم ينزع عنه المُلك ويُحمل إلى الأمم عندما حدث السبي إلى بابل بسبب خطاياه. فتلاحظوا ذلك الرمز الذي أٌعلن هنا متنبأ عن الأمور المستقبلة في الرب يسوع المسيح. فإن اليهود لم يقبلوا أن يكون ربنا يسوع المسيح ملكًا عليهم رغم أنهم لم يجدوا فيه خطية. لقد نُبذ في شخصه وفي شخص خدامه أيضًا، فذهبوا إلى الأمم كما إلى بابل الرمزية. أننا نجد في نبوة إرميا أن الله أمرهم بالذهاب إلى بابل، مشيرًا إلى أن كل الأنبياء الآخرين الذين يطلبون من الشعب عدم الذهاب إلى بابل هم أنبياء كذبة (إر27). فليتذكر هذا أولئك الذين يقرأون الكتاب المقدس مثلنا، وأما الذين لا يقرأونه فليثقوا فينا. لذلك هدد إرميا بحسب أوامر الله الذين لا يرغبون في الذهاب إلى بابل، بينما وعد الذين يذهبون بالراحة وبنوع من السعادة في زراعة كرومهم ونمو حدائقهم ووفرة ثمراتهم. كيف عبر الآن شعب إسرائيل الحقيقي لا الرمزي إلى بابل؟! فمن أين جاء الرسل؟ أليسوا من أمة اليهود؟ من أين جاء بولس نفسه؟ إذ يقول. أنا أيضًا إسرائيلي من نسل إبراهيم من سبط بنيامين” (رو 11: 1). لقد آمن كثيرون من اليهود بالرب، فمنهم اُختير الرسل، ومنهم كان أكثر من خمسمائة أخ وُهب لهم أن يعاينوا الرب بعد قيامته (1 كو 15: 6). ومنهم المئة وعشرين الذين كانوا في العُلِّية عندما حل عليهم الروح القدس (أع 1: 15). ولكن ماذا يقول الرسول في سفر أعمال الرسل عندما رفض اليهود كلمة الحق؟ “كان يجب أن تُكلموا أنتم أولاً بكلمة الله ،ولكن إذ دفعتموها عنكم… هوذا نتوجه إلى الأمم” (أع 13: 46). لقد تم العبور الحقيقي إلى بابل الذي سبق أن رُسم في أيام إرميا، لقد تم بترتيب روحي في أيام تجسد الرب.
ولكن ماذا يقول إرميا عن البابليون الذين عبر إليهم، “لأنه بسلامهم يكون لكم سلام”[2] (إر 29: 7). كذلك عندما عبر إسرائيل إلى بابل بواسطة المسيح والرسل، أي عندما بشر بالإنجيل بين الأمم، ماذا يقول الرسول متحدثًا كما لو على فم إرميا قديما؟ “فأطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس. لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار” (1 تي 2: 1-2). لقد صلى من أجلهم رغم أنهم لم يكونوا بعد ملوكًا مسيحيين. لقد سمعتُ صلاة إسرائيل في بابل. هكذا سمعت صلوات الكنيسة وصار الملوك مسيحيين. وبذلك ترون إنه قد تم الآن كل ما قيل رمزيًا “لأنه بسلامهم يكون لكم سلام” (إر 29: 7).مكرر لأنهم قبلوا سلام المسيح وكفوا عن اضطهاد المسيحيين. والآن في هذا السلام الكامل يمكن أن تبنى الكنائس وتزرع الشعوب في حديقة الله، ويثمر الأمم في الإيمان والرجاء والمحبة التي في المسيح.
15- لقد حدث السبي القديم إلى بابل في عهد يكنيا الذي لم يُسمح له أن يملك على أُمة اليهود، على مثال المسيح الذي لم يقبل اليهود أن يُملكوه عليهم. لقد عبر إسرائيل إلى الأمم، لقد عبر المبشرون بالإنجيل إلى شعوب الأمم. فما هو وجه العجب في إحصاء يكنيا مرتين؟ لأنه إن كان رمزًا للمسيح عابرًا من اليهود إلى الأمم، فلتتأملوا فقط في وضع المسيح بين اليهود والأمم، أليس هو حجر الزاوية؟ أنكم تشاهدون في حجر الزاوية نهاية حائط وبداية آخر. فتقيسون حائطًا إلى هذا الحجر ومنه أيضًا تقيسون حائطًا آخر، لذلك فإن حجر الزاوية الذي يربط الحائطين يُحصى مرتين، لهذا فإن يكنيا في رمز للرب كان كما لو كان على مثال حجر الزاوية، فإذ لم يسمح له أن يملك على اليهود بل عبروا إلى الأمم، كذلك بالنسبة للمسيح “الحجر الذي رفضه البناءون قد صار رأسًا للزاوية” (مز 118: 22). فينبغي أن يصل الإنجيل إلى الأمم.
لا تتردد إذن في إحصاء رأس الزاوية مرتين، وللحال يكون لديك العدد المكتوب. هكذا يكون في كل قسم من الأقسام الثلاثة أربعة عشر جيلاً ومع ذلك فإن مجموعهم لا يكون اثنين وأربعين جيلاً بل واحدًا وأربعين. لأنه متى كانت الحجارة مرتبة في خط مستقيم فإن كل منها يحصى مرة واحدة، أما إذا حدث انحراف في المستقيم مكونا زاوية، فإن الحجر الذي عنده يبتدئ. لذلك طالما كان ترتيب الأجيال مستمرًا بين الشعب اليهودي فإن لا يصنع زاوية في القسم المنتظم البالغ أربعة عشر، لكن إذ انحرف الخط لعبور شعب اليهود إلى بابل فإنه بذلك يصنع نوعًا من الزاوية، وبذا كان لزامًا إحصاء يكنيا مرتين على مثال حجر الزاوية المعبود.
16- هناك مغالطة أخرى إذ يقولون: أن نسب المسيح لم يأت بالنسبة للعذراء بل بالنسبة ليوسف.
لتنتبهوا إلى حين أيها الإخوة المقدسين أنهم يقولون إنه لا ينبغي أن يكون النسب بالنسبة ليوسف. ولماذا لا يكون هكذا؟ ألم يكن يوسف زوجًا لمريم؟ يجيبون بالنفي. ولكن من يقول هكذا لأن الكتاب المقدس يقول بحكم الملاك بأنه زوجها “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس”، كما طلب منه أن يلقب الطفل أيضًا رغم إنه ليس من زرعه، “فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع”، فيهدف الكتاب المقدس إلى إظهار عدم ولادة المسيح من زرع يوسف، يذْكره اضطراب يوسف بسبب حملها “هو من الروح القدس”، وعلى ذلك فلم يؤخذ منه حق الأبوة إذ طلب منه أن يُلقب الطفل. هكذا كما أن العذراء مريم كانت تدعوه أبا للمسيح رغم تأكدها من أن حبلها بالمسيح لم يكن بواسطته.
17- لتنظروا متى حدث هذا؟ عندما بلغ السيد إثنى عشر عامً بحسب ناسوته [3]، لأنه بحسب لاهوته هو كائن قبل الأزمنة ولا يحده زمان، انتظر في الهيكل بعدهما (لم يذكر شيء عن الوالدين هنا؟؟) يناقش المعلمين وقد دهشوا من تعاليمه. بحث والديه الذين رجعا من أورشليم عنه بين الأقرباء، بين الذين رحلوا معهما، فإذ لم يجداه عادا إلى أورشليم مضطربين، فوجداه في الهيكل يناقش المعلمين، وهو بعد في الثانية عشر كما قلت. ولكن ما هو وجه العجب هنا؟ إن كلمة الله لا يمكن أن يصمت رغم أنه لا يُسمع دائمًا. لقد وُجد (وجداه)في الهيكل فقالت له أمه: “لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين. “فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي” (لو 2: 48-49) هذا ما قاله، لأنه إذ هو ابن الله كان في هيكل الله، لأن هذا الهيكل هو هيكل الله وليس هيكل يوسف. اُنظر فقد يقول البعض: أنه لم يسمح أن يقال له إنه ابن يوسف. انتظروا أيها الإخوة بصبر قليل لأن الوقت لا يسعفني للحديث الكاف عن كل ما أريد. فعندما قالت مريم “هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين، أجابهما، لماذا كنتما تطلبانني، ألم تعلما إنه ينبغي أن أكون في ما لأبي”؟ لأنه لا يريد أن يكون ابنيهما بالمعنى الذي لا يفهم منه بنويته لله. لأنه هو ابن الله، ابن الله على الدوام، خالق حتى لهذين الذين تحدَّثا معه، ولكنه ابن الإنسان زمنيًا، مولودًا من العذراء، بدون رجلها، ومع ذلك فهو ابن لكلا الوالدين. كيف نثبت ذلك؟ لقد سبق أن برهنا على ذلك بكلمات مريم “هوذا أنا وأبوك كنا نطلبك معذبين”.
17- أيها الإخوة إنه ينبغي أولاً من أجل تعليم النساء أخواتنا أن لا يفوتنا مثل هذا الاتضاع المقدس الذي للعذراء مريم. لقد ولدت المسيح، وجاءها الملاك مخبرًا إياها “وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيمًا وابن العليّ يدعى” (لو 1: 31-32). لقد استحقت أن تلد ابن العليّ، ومع ذلك فقد كانت في غاية الاتضاع، فلم تقدم نفسها على زوجها حتى في ترتيب تسميته كأن تقول “أنا وأبوك”. بل قالت “أبوك وأنا”، إنها لم تأخذ في حسبانها كرامتها بسبب ابنها، بل راعت أولاً نظام الزواج. لأن المسيح المتضع لم يرد أن يعلم أمه الكبرياء.
“أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين” لقد قالت “أبوك وأنا” لأن الرجل هو رأس المرأة” (أف 5: 23). كم بالأحرى أن تكون بقية النساء أقل افتخارًا! لأن مريم نفسها تدعى أيضًا “امرأة”، ليس بسبب فقدان عزراويتها بل بحسب عرف موطنها، إذ يقول الرسول أيضًا عن الرب يسوع المسيح “مولود من امرأة” (غلا 4:4)، ومع ذلك فلا يخالف وصايا وقوانين قانون إيماننا الذي فيه تعترف أنه مولود من الروح القدس ومن العذراء مريم. فإنها كعذراء حبلت به، وكعذراء ولدته وقد استمرت عذراء. إن كل الإناث يدعون “نساء” خاصة في العبرية. وضعها في الجملة؟؟؟
لتستمعوا إلى مثال لهذا أكثر وضوح. أن المرأة الأولى التي خلقها الله أخذا(أخذ) إياه (إياها) من جنب الرجل، فدعيت امرأة لأن الكتاب المقدس يقول “التي أخذها من آدم امرأة” (تك 2: 22)، وذلك قبل أن تعرف رجلها كما أخبرها إنه لم يحدث هذا إلا بعد خروجهما من الفردوس.
19- لقد كانت إجابة الرب يسوع المسيح “ينبغي أن أكون في ما لأبي” لا تعني الإقرار بأبوة الله له بطريقة تنفي أبوه يوسف أيضًا له. كيف نبرهن على هذا؟ بواسطة الكتاب المقدس الذي قال عنه هذه الحكمة. “فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما إنه ينبغي أن أكون في ما لأبي. فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما. ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعًا لهما (لو 2: 49-51). إنه لم يقل إنه كان خاضعًا لأمه أو كان خاضعًا لها بل قال: “كان خاضعًا لهما”. فلمن كان يخضع؟ ألم يكن لأبويه؟ إنه بكونه ابن الإنسان كان خاضعًا لكل من أبويه بنفس الخضوع.
لقد عرفت النساء وصاياهن منذ لحظة، والآن فليعلم الأطفال وصاياهم، وهي الطاعة والخضوع لآبائهم. كان العالم خاضعًا للمسيح وكان المسيح خاضعًا لأبويه.
20 – الآن ترون أيها الإخوة إنه لم يقل: “إنه ينبغي لزامًا أن أكون في ما لأبي”. بمعنى تفهم منه أنه قال: أنتما لستما والديّ. لقد كانا أبويه الزمنيين وكان الله أبوه سرمديًا. أنهما كانا والديّ ابن الإنسان، وهو أب لكلمته وحكمته وقدرته، الذي به صنع كل شيء. ولكن إن كان كل شيء قد صنع بحكمته التي “تمتد من أقصى إلى أقصى بقوة وتدير الكل حسنًا” (حك 8: 1). فهل صُنعا أيضًا بواسطة ابن الله الذي هو نفسه بكونه ابن الإنسان فيما بعد يخضع لهما؟ يقول الرسول أيضًا إنه ابن داود “الذي صار من نسل داود من جهة الجسد” (رو 1: 3). ومع ذلك فقد عرض الرب نفسه على اليهود سؤالاً أجاب عليه الرسول في نفس هذه الكلمات. لأنه عندما قال “الذي صار من نسل داود” أضاف قائلاً: “حسب الجسد” حتى لا يُفهم منه أنه ابن داود بحسب لاهوته، بل إن ابن الله ربّ داود. لذلك عندما عرض الرسول امتياز شعب اليهود قال “ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد” (رو 9: 5)، لأنه ابن داود بحسب الجسد وهو ربّ داود بكونه “الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد”.
قال الرب لليهود “ماذا تظنون في المسيح”؟ (مت 22: 42) أجابوه: “ابن داود” (مز 110: 1). لأنهم عرفوا ذلك بسهولة إذ تعلموه من الأنبياء. بالحقيقة كان من نسل داود ولكن “حسب الجسد” من العذراء مريم التي كانت مخطوبة ليوسف. عندما أجابوه أن المسيح ابن الله قال لهم “فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلاً: قال الرب لربي اِجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك” (مت 22: 44). “فإن كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه” (مت 22: 45). فلم يستطيع اليهود أن يجيبوه. هذا هو ما نجده في الإنجيل. إنه لم ينكر بنويته لداود حتى أنهم لم يستطيعوا أن يدركوا ربوبيته لداود أيضًا. أنهم أدركوا في المسيح ما قد صار بحسب الزمن، لكنهم لم يدركوا ما هو بحسب سرمديته. فبينما كان يرغب في تعليمهم عن لاهوته بسط لهم سؤالاً يخص تأنسه، كأنه يريد أن يقول “أنتم تعرفون أن المسيح ابن لداود. أخبروني كيف هو رب له أيضًا؟ وإذ ينبغي أن لا يقولوا “إنه ليس رب داود جاء بشهادة داود نفسه. ماذا يقول داود؟ إنه يقول الحق. لأنكم تجدون الرب يحدث داود في المزامير قائلاً: “من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك” (مز 132: 11). فهذا هو ابن لداود. ولكن كيف يكون ابن داود ربًا له؟ “قال الرب لربي اجلس عن يميني” (مز 110: 1). هل تتعجبون من أن يكون ابن داود إلهًا له عندما ترون مريم أمًا لربها؟ إنه رب داود بكونه إلهًا، رب داود بكونه رب الكل، وابن داود بكونه ابن الإنسان هو رب وابن في نفس الوقت. إنه رب لداود “الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله” (في 2: 7)، وابن داود بكونه “أخلى نفسه أخذا صورة عبد” (في 2: 7).
21- إنه لا تقل أبوة يوسف له بسبب عدم معرفته أم إلهنا، كما لو كانت الرابطة الزيجية تتكون من الشهوة لا الحب الزوجي. لتصغوا أيها الإخوة المقدسين فإن رسول المسيح يقول في الكنيسة بعد هذا الوقت بقليل. “الذين لهم نساء كأن ليس لهم” (1 كو 7: 29). ونحن نعرف الكثيرين من إخوتنا الذين أنجبوا خلال النعمة، الذين من أجل اسم المسيح يتدربون على الامتناع الصحيح باتفاق بينهما، مع ذلك فلا يسمحون بإعاقة الحب الزيجي الحقيقي. نعم فإنه بمقدار قمع الأولى (الشهوة) تتقوَّى الأخرى (الحب الزوجي) وتثبت. إذن هل يعتبر الذين يعيشون هكذا غير طالبين من بعضهم البعض [ص15 ناقصة في الورق فلا أعرف الشواهد] أي لذة جسدية أو ضابطين إشباع كل شهوة جسدية أنهم غير متزوجين؟ مع هذا فلتخضع الزوجة لزوجها لأنه من المناسب أن تكون هكذا، إذ بقدر عِظم عفتها يكون بالأكثر خضوعها له. والرجل أيضًا من جانبه فليحب زوجته بالحق كما هو مكتوب “بقداسة وكرامة” ( (44)كوارثة معه للنعمة، إذ يقول الرسول “كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة” ( ). (45) هذا هو الاتحاد والزواج. فلا يقلل من الزواج عدم وجود أي أمر من ذلك النوع بينهما، هذا الذي قد يحدث حتى بين غير المتزوجين وحينئذ يكون محرمًا. آه ليته يستطيع الكل أن يحيا هكذا، ولكن ليس لدى الكثيرين مقدرة! فعلى الأقل لا يفصلوا هؤلاء الذين لديهم قدرة، ولا ينكروا كون الرجل زوجًا والمرأة زوجة بسبب عدم وجود اتصال جسدي بل توجد بينهما وحدة القلوب.
21- من ثم فلتفهموا معنى الكتاب المقدس فيما يخص آبائنا الأولين، الذين كان هدفهم الوحيد في زواجهم هو إنجاب الأطفال بواسطة زوجاتهم. فإنه حتى هؤلاء الذين كان لهم زوجات كثيرات كعادة زمنهم وشعبهم، فإنهم عاشوا معهن في عفة، فلا يجتمعوا بهن إلا للسبب الذي ذكرته معاملين إياهن بكرامة. (إنهم كانوا يتزوجون عدد من الزوجات فكيف تكون العلاقة الزوجية فقط للإنجاب؟؟؟؟ لماذا لا ينجب كما يشاء من الزوجة الأولى؟؟؟؟؟؟
ولماذا الكنيسة لا تعترض عن الذين يستمرون سنين لا ينجبوا إلى أن يحسنوا مستقبلهم الأول، هل لا يحدث علاقة بينهم من يوم زواجهم؟؟؟؟؟ لا أظن أن هذا النص في العهد القديم يؤيد ذلك بالمرة، لكن هذا راجع لعهد النعمة وتأثر القديسين بالبتولية ففسروا آية العهد القديم بهذا المفهوم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ إذا كان يخالف العقد ويعتبر متعدي كما في البراجراف التالي فأين قانون الكنيسة وتطبيقه في الاعترافات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إن الذي يتعدى حدود ما توصي به هذه القاعدة الخاصة بتحقيق هذا الهدف من الزواج، يخالف العقد ذاته الذي أخذ به زوجته. إن العقد يُقرأ. إنه يقرأ في حضرة الشهود الثابتين، إن فيه نصًا واضحًا بأنهم يتزوجون لأجل إنجاب الأطفال. هذا هو ما يدعى عقد الزواج.
مَن مِن الآباء لا يخجل من إعطاء ابنته لشهوة أي رجل لو لم يكن هذا هو الهدف؟ الآن فإنه لا يخجل الآباء بل يعطوا بناتهم لا للعار (هل الممارسة الزوجية عار؟ طب الناس اللي من بيخلفوا يفرضوا عليهم البتولية بالأمر؟؟؟؟ وكان مافيش تحاليل قبل الزواج! إن المبالغة صعب في تفسير آية العهد القديم!!!) بل في زواج مكرّم. إن العقد يقرأ. وماذا يقرأ فيه؟ تقرأ العبارة “من أجل إنجاب الأطفال” فعند قرأته (قراءته) يرفع الآباء جباههم ويهدأون لتنظر أيضًا إلى مشاعر الزوج حين يأخذ زوجته. إن كان الأب سيخجل من إعطائه إياها لهدف آخر فهو أيضًا يخجل من استلامها بأي هدف آخر.
كما قلت في مناسبات أخرى إنه إن لم يكن في استطاعتهم أن يضبطوا أنفسهم، فليطلبوا ما هو لائق بهم فلا يلجأوا إلى آخرين غير الذين لهم (أي زوجاتهم أو أزواجهن). فليشف كل من الرجل والمرأة ضعفهما في زواتهما. فلا يلجأ إلى امرأة أخرى، (لماذا لجأ لزوجات متعددات في العهد القديم؟؟؟؟؟؟) ولا المرأة إلى رجل آخر. لأنه من هذا أخذ الزنا اسمه إذ هو الذهاب إلى آخر” فإذا تجاوزا رباطات عقد الزواج فعلى الأقل لا يتجاوزا تلك التي تخص الأمانة الزوجية.
أليس من الإثم أن يأخذ أحد الزوجين من الآخر أكثر مما تستدعيه ضرورة الأمر المرسوم لإنجاب الأطفال؟
ص16
إنه بلا شك خطية ولكن يغتفر لها. فيقول الرسول عند معالجته هذا الأمر “أقول على سبيل الإذن” (1كو 7: 6) “لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضًا (لا للإنجاب) لكي لا يجربكم الشيطان بسبب عدم نزاهتكم” (1كو 7: 6)، ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أن لا تفرضوا على أنفسكم أكثر مما في استطاعتكم، لئلا يسبب امتناعكم المشترك أن تسقطوا في الزنا “لئلا يجربكم الشيطان بسبب عدم نزاهتكم”، ولكي ما يظهر إنه لا يأمر بما قد أُذن به فقط (أي الاجتماع معًا) لذلك أردف للحال “ولكن أقول على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا. “لأن إعطاء وصايا للأقوياء في الفضيلة يختلف عن السماح للضعفاء. كأنه يريد أن يقول أنني لا أمركم أن تفعلوا هذا بل أسمح لكم بفعله.
23- كذلك فلتنتبهوا يا إخوتي، أن هؤلاء الرجل المشهورين الذين تزوجوا من أجل إنجاب الأطفال فقط، وذلك كما قرأنا عن ما فعله البطاركة [4]، وقد عرفنا ذلك بشهادة الكتب المقدسة الواضحة القاطعة، هؤلاء الرجال كما أقول قد تزوجوا لهذا الهدف فقط، لذلك لو أعطيت لهم وسائل أخرى بها ينجبون أطفالاً دون اتصال بزوجاتهم أما كانوا يحتضنون هذه النعمة العظيمة بسرور لا ينطق به؟! أما كانوا يقبلونها بفرح عظيم؟! هذه مبالغة غير مقبولة للتأمل ولا تعقل بالمرة !!!!!!!!!
إن جنس البشر يُحفظ بعمليتين جسديتين، يخضع لهما الحكيم والقديس كأمرين واجبين، وأما الجاهل فيندفع فيهما متهورًا منقادًا بشهوته. وهذا يختلف عن الآخر. ما هما هاتان العمليتان اللتان بهما تُحفظ البشرية؟
الأمر الأول يتصل بنا ويخص تغذيتنا، وهذا بلا شك لا نستطيع استخدامه إلا بوجود بعض اللذة الجنسية. إن هذا الأمر هو الأكل والشرب. فإن لم تأكلوا وتشربوا تموتون، لأن جنس البشر يعيش بهذه المعونة بحسب قانون طبيعته. ولكن هذه العملية هي مؤنه تخص زواتهم فقط، لأنه لا يكون لهم خلفًا بالأكل والشرب بل بزواجهم. هكذا تُحفظ البشرية أولاً بوسائل الحياة، ولكن إذ مهما بلغت عنايتهم لا يستطيعون أن يعيشوا إلى الأبد، لذلك أعطيت لهم معونة أخرى بها يحل حديثي الولادة محل الذين يموتون. لأنه كما هو مكتوب أن جنس البشر كورق الشجرة أو الزيتونة أو شجرة الغار أو أنواعًا أخرى من الشجر الذي يكون دائمًا مورقًا ومع ذلك فلا يبقى الورق ذاته دائمًا” (حكمة يشوع 14: 18). لأنه كما هو مكتوب “هذا يطرح وذاك ينبت” لأن الأوراق الجديدة التي تنبت تحل محل الأخرى الساقطة. فتطرح الشجرة أوراقها دائمًا ومع ذلك فهي مغطاة دائمًا بالورق. هكذا لا تشعر البشرية بفقدانها للذين يموتون يومًا فيومًا بسبب إمدادها بالمولودين الجدد. لذلك تتدعم البشرية كلها بحسب قوانينها. وكما تُرى الأوراق على الأشجار دائمًا، هكذا تُرى الأرض مملوءة بالبشر. بينما لو كانوا يموتون دون أن يُولد آخرون لتجردت الأرض من كل قاطنيها كما تتعرى بعض أنواع الشجر من كل أوراقها.
24- فبالنظر إلى بقاء جنس البشر بنوع ما، فإن هاتين المعونتين اللتين تحدثنا عنهما بما فيه الكفاية ضروريين لبقائه. أن الحكيم والفاهم والمؤمن يخضع لكليهما كأمرين لازمين، دون أن ينغمس فيهما منقادًا بشهوته. لكن كم من كثيرين يندفعون بشره نحو أكلهم وشربهم ويجعلونهما كل حياتهم، كأنهم يعيشون لأجلهما. فبينما بالحق يأكل البشر ليعيشوا إذ بهؤلاء يظنون أنهم يعيشوا ليأكلوا. إنه يمقتهم كل حكيم، وبخاصة الكتاب المقدس الذي يدين الشرهين [5] والسكيرين “الذين إلههم بطنهم” (في 3: 19)، إنه لا يدفعهم للمائدة حاجتهم للقوت بل شهوة الجسد، لذلك ينهمك هؤلاء في أكلهم وشربهم.
أما الذين يخضعون لهما (أي الأكل والشرب) بسبب ضرورة الحياة التي يحافظون عليها، فإنهم لا يعيشون ليأكلوا بل يأكلوا ليعيشوا. كم تكون بهجة الحكماء والإعفاء لو أُعطي لهم أن يعيشوا بدون طعام أو شراب! إنهم لا يعودوا بعد يجبرون على الخضوع لذلك الذي لم يكن في استطاعتهم أن يستغنوا عنه، بل يستطيعون أن يسموا دائمًا في الرب. إنه لا يعود بعد يستطيع إعداد النفايات لأجسادهم أن يشغلهم عن اتجاههم الثابت نحو الرب. أتظنون كيف تَقبَّل إيليا قارورة الماء وقطعة الخبز ليكفيانه أربعين يومًا؟ بسرور، عظيم بلا شك، لأنه يأكل ويشرب ليعيش لا ليخدم شهوته. ولكن فلتحاولوا إن استطعتم أن تعدموا هذا لذاك الذي يشبه الحيوان في حظيرته واضعًا غبطته وسعادته في مائدته، إنه يمقت عطيتكم ويلقيها ناظرًا إليها كعقاب.
هكذا بالنسبة إلى واجب الزواج فإن الشهوانيين يطلبون زوجات لإشباع شهواتهم فقط. لذلك يندر أن يقنعوا حتى بزوجاتهم. آه أريد لو كان كل أولئك الذين لا يستطيعون أن يعالجوا شهواتهم أو سوف لا يعالجونها لا يتعدوا تلك الحدود التي فرضها الواجب الزيجي، أقصد بذلك حتى تلك التي وُهبت للضعفاء. (أي الاتصال الجنسي بين الزوجين ليس بهدف إنجاب الأطفال).
مع ذلك لو سألتهم شخصًا “لماذا تتزوج؟” فربما لخجله يجيبك “لأجل إنجاب الأطفال” ولكن لو أن أحد الذين يثق فيهم ثقة كبيرة يقول له “أن الله يستطيع أن يعطيك أطفالاً. نعم سيعطيك أبناء بدون التقاء بزوجتك. “فبالتأكيد سيضطر إلى الاعتراف بعدم طلبه زوجة لأجل إنجاب الأطفال. فليعرف إذن ضعفه، وليأخذ ما قد تظاهر بأخذه وهو أن الزواج كأمر واجب. (أي ليس للشهوة).
25- هكذا كان الرجال القديسون في العصور الأولى، كان رجال الله هؤلاء يطلبون ويرغبون في إنجاب الأطفال، فكان التقائهم ووحدتهم بزوجاتهم من أجل هذا الهدف الواحد وهو إنجاب الأطفال. من أجل هذا سمح لهم بتعدد لزوجات. لأنه لو كان التغالي في هذه الشهوات يمكن أن يَسر الله لكان يمكن بالأولى أن يسمح للمرأة أن تأخذ عدة أزواج كما يأخذ الرجل عدة زوجات. فلماذا لم يكن للنساء العفيفات أكثر من زوج واحد بينما كان للرجل عدة زوجات، إلا لأنه يقصد بأخذ الرجل عدة زوجات تعدد العائلة(هذا تعليل،لماذا يفكر في تعدد العائلات؟؟؟هل هي وصية)، إذ لا يمكن للمرأة أن تنجب أطفالا أكثر مهما بلغ عدد أزواجها. لذلك أيها الإخوة إن كان اتخاذ آبائنا بزوجاتهم واتصالهم بهن لم يكن لهدف آخر غير إنجاب الأطفال، فإنه يكون ابتهاجهم عظيمًا لو استطاعوا أن يحصلوا على الأطفال بدون ذلك الاتصال. فيخضعون لهذا الاتصال كواجب فقط من أجل الحصول على الأطفال، دون أن يندفعوا فيه منقادين بالشهوة. ألم يكن يوسف إذن أبًا لأنه قد أُعطي له ابنًا بدون أية شهوة جسدية؟ (مش فاهمة؟؟؟)حاشا لله، أن تقبل عفة المسيحيين فكرًا ترفضه حتى عفة اليهود! إذن فلتحبوا نساؤكم ولكن في عفة. في اتصالكم بهن لا تتجاوزا ما هو لازم لإنجاب الأطفال. ولكن إن لم تستطيعوا فلتخضعوا لهذا بحزن. لأن هذه الضرورة كانت عقابًا لآدم الذين منه قد نشأنا. ليتنا لا نتكبر بعقوبتنا. إنها عقوبة ذلك الذي بسبب صيرورته قابلاً للموت بسبب الخطية عوقب بإنجاب نسل قابل للموت. أن الله لم يسترد هذه العقوبة لكي ما يتذكر الإنسان الحالة التي دعي منها، وتلك التي يدعى إليها، طالبًا ذلك الاتحاد الذي لا يمكن أن يكون فيه فساد.
26- إذا كان من الضروري أن يكون هناك تزايدًا كبيرًا بين ذلك الشعب حتى مجيء المسيح، بإنماء ذلك الشعب الذي سبق الله فصور فيه ما كان ينبغي أن يصور كعلامة للكنيسة، لذلك كان ضروريًا التزوج بنساء (كثيرات) تلك الوسيلة التي يزداد بها ذلك الشعب الذي ينبئ عن الكنيسة (أثمروا وأكثروا هل لازم مقصود بها كثرة الزوجات؟ أم لا ينجب طفل أو اثنين بل ينجب عشرة و15 إخوات أنجيل 11 وفيه ناس بالوفيات يصلوا أكثر من ذلك أهذا لا يعتبر أثمروا وأكثروا لماذا نفسرها بتحليلنا حتى لا تعتبرها شهوة جسدية؟؟؟). ولكن إذ وُلد ملك كل الأمم حينئذ بدء شرف البتولية في والدة الإله التي استحقت أن تحمل الابن دون أن تفقد بتوليتها. لقد كان هذا زواجًا حقيقيًا، زواجًا محررًا من كل فساد، فلماذا لا يستلم الزوج بعفة ما قد أنجبته زوجته بعفة؟ فإن كانت في عفتها زوجة كذلك هو في عفته زوجًا، وإن كانت في عفتها أما كذلك في عفته هو أب. أن الذي يقول بأنه ينبغي أن لا يدعى أبًا بسبب عدم إنجابه ابنه بالطريق العادي، ينظر بالأكثر إلى إشباع الشهوة في إنجاب الأطفال وليس إلى مشاعر الحب الطبيعية، إن ما يريده الآخرون بالجسد قد حققه بطريقة أكثر سموا في الروح.
إن الذين يتبنون أطفالاً، يلدونهم قلبيًا في عفة أعظم (لكنه يمارس حياته الطبيعية التي لم يحرمها الله)، هؤلاء الذين لم يستطيعوا أن يلدوهم بالجسد. تأملوا أيها الإخوة قوانين التبني. كيف يصير الإنسان ابنًا لآخر لم يلده. إن اختيار المتبني يكون أكثر صوابًا عن ذلك المولود طبيعيًا. فلا ينبغي أن يكون يوسف أبًا بل هو أب بنوع أكثر سُموًا. فالرجال ينجبون أطفالاً حتى من غير زوجاتهم ويكونون أبناء طبيعيين لهم. ولكن أولاد الزواج الشرعي أعظم منهم. لماذا يكون إحداهما أعظم من الآخر رغم أن طريقة ميلادهما واحدة، إلا بسبب عظم نقاوة محبة الزوجة التي يولد منها الأطفال، إذن لا يلتفت إلى وحدة الجنسين في هذه الحالة لأنها واحدة لكليهما. أين يكون للزوجة أفضليتها إلا في إخلاصها، في حبها الزيجي، في حبها الأكثر صدقًا ونقاءًا؟ ألا يكون مُبهجًا للرجل إن استطاع أن يكون له أولاد بواسطة زوجته بدون هذا الاتصال، وذلك بالنسبة لعظم العفة التي لتلك التي يحبها أكثر؟
27- انظروا أيضًا ما قد يحدث بهذا التبني، أن الإنسان لا يكون لديه ابنين فحسب بل أبوين أيضًا، إنه قد يخطر على أفكاركم إن هذا ممكنًا عن طريق التبني. لأنه قيل أن الإنسان يمكن أن يكون لديه ابنين ولا يمكن أن يكون له أبوين. إلا أنه بالحقيقة قد وُجِد أنه من الممكن أن يكون له أبوين أيضًا، متى أنجبه واحدًا وتبناه آخرًا في الحب.
إن كان من الممكن أن يكون للإنسان أبوين فإنه يكون ليوسف أيضًا أبوين. فربما يكون قد أنجبه واحدًا وتبناه آخرًا. إن كان الأمر هكذا فماذا تعني إذن مغالطات أولئك الذين يقولون أن متى جاء بمجموعة من الأجيال غير التي جاء بها لوقا؟ حقًا إننا نجد الأمر هكذا، وذلك لأن متى ذكر يعقوب كأب ليوسف بينما ذكر لوقا هالي كأب له. حقًا يبدو إنه كما لو أن للشخص عينه الذي هو أب يوسف أسمين. ولكن إذ يوجد اختلاف بين الأجداد وأجداد الأجداد وبين عدد الأجيال نفسها التي ذكرها كلّ إذ يذكر إحداهما عدد أكبر عن الآخر، فإنه يظهر تمامًا إنه كان ليوسف أبوين. الآن قد تخلصنا من هذه المغالطات بوجود تعليل واضح، وهو إنه يمكن أن يكون ذلك الذي ولده أبًا له والذي تبناه أب آخر. إنه بافتراض وجود أبوين لا يكون غريبًا إن وجد اختلاف في الأجداد وأجداد الأجداد، وبقية سلسلة النسب التي أحصيت ذلك لانتسابهم إلى آباء مختلفين.
28- لا تظنوا أن قانون التبني غريب على كتابنا المقدس، وإذ كأنه لا يعرف إلا في قوانين البشر المتداولة لا يطابق أحكام الكتب الإلهية. لقد توطد (قانون التبني) منذ قديم الزمن وتباعًا فقد سمع عنه في الكتب الكنسية [6]. فليس الطريق الطبيعي للميلاد هو وحده الذي يعطي بنويَّه للطفل بل أيضًا بالاختيار الحر الإرادة. لأنه إذا لم يكن للنساء أطفالاً من ذواتهن كانوا يتبنون أطفالاً يولدون بواسطة أزواجهن عن طريق جارياتهن، بل أنهم كن يجبرن أزواجهن على إعطائهن أطفالاً بهذه الطريقة كما فعلت سارة وراحيل وليئة. وفي هذا لم يرتكب أزواجهن جريمة الزنا إذ كانوا في ذلك يطيعون زوجاتهم فيما يخص الواجب الزيجي. كقول الرسول: “وكذلك الرجل ليس له تسلط على جسده بل للمرأة” (1 كو 7: 4). موسى أيضًا الذي وُلد من أم عبرية وقد افتضح أمره تبنَّته ابنة فرعون (خر 2: 10). حقًا إنه لم يكن للتبني صيغ القانون كالآن، ولكن كان يؤخذ بالاختيار الإرادي كقاعدة قانونية، وذلك كما يقول الرسول في موضع آخر: “لأن الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس” (رو 2: 4). ولكن إن كان قد سمح للنساء أن يتبنون، هؤلاء الذين لم يلدن إياهم، فلماذا لا يسمح للرجال أن يكون لهم ذلك بأولئك الذين لم ينجبوهم من أجسادهم بل بحب التبني. لأنه حتى الأب يعقوب الذي كان أبًا لأبناء كثيرين نقرأ عنه أنه جعل من أحفاده أولاد يوسف أبناء له بتلك الكلمات “يكونان لي، وأما أولادك الذين تلد بعدهما يكونون لك. على اسم أخويهم يسمون في نصيبهم” (تك 48: 5-6).
لكن ربما يقال أن كلمة “التبني” غير موجودة في الكتاب المقدس، كما لو كانت هناك أهمية لتسمية الشيء بينما يكون الشيء نفسه موجودًا [7]، وهو أن تأخذ سيدة طفلاً لم تلده أو يأخذ رجل ابنًا لم ينجبه. وقد يرفض المعترض أن يدعو يوسف (متبنيًا) – ولا اعترض مني على ذلك – بشرط أن يقبل احتمال بنويته لشخص لم يولد منه بالجسد. ومع هذا فإن الرسول بولس يستخدم دائمًا هذه الكلمة عينها (التبني)، وذلك للتعبير عن سر عظيم. فرغم شهادة الكتاب المقدس بأن ربنا يسوع المسيح هو ابن الله الوحيد، فإنه يقول عن الذين قد وُهب لهم أن يكونوا إخوته وشركائه في الميراث أنهم قد صاروا بنوع من التبني بواسطة النعمة الإلهية. إنه قال. “لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني” (غلا 4: 4-5). وفي موضع آخر “نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا” (رو 8: 23). وأيضًا عندما كان يتحدث عن اليهود، “فإنني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد. الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد. ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلها مباركًا إلى الأبد” (رو 9: 3-5)، حيث أظهر أن كلمة (التبني) أو على الأقل ما تعنيه كان مستخدمًا قديمًا بين اليهود، تمامًا كالعهود والاشتراع، حيث أشار إليهم مجتمعين معًا.
29- أضف إلى هذا أن هناك طريق آخر خاص باليهود به يمكن للإنسان أن يكون ابنًا لغير المولود منه بالجسد، فيتزوج الأقرباء زوجات قريبهم التالي الذي مات دون إنجاب نسل لكي يقيموا له نسلاً (انظر تث 25: 5؛ مت 22: 4). فالذي يولد هكذا يكون ابنًا للذي أنجبه كما يكون ابنًا للذي يُنسب له. لقد قلنا هذا كله لئلا يظن أحد أنه يستحيل أن يشار بلياقة إلى أبوين لشخص واحد، متصورًا بواسطة الاتهامات الكافرة، اتهام كلا من الإنجيليين الذين أخبرا عن نسب المسيح بالقول كذبًا. لا سيما عندما نرى أنه يمكننا أن نحذر من افتراءاتهم بكلامهم عينه. لأنه من المعروف أن متى ذكر الأب الذي وُلد منه يوسف موردًا النسب هكذا: “هذا ولد ذاك” هكذا إلى أن جاء إلى قوله في النهاية “يوسف وَلد يعقوب” ولكن إذ لا يصح للوقا أن يقول “أنه يولد” عن ذلك الذي يصير ابنًا بالتبني أو الذي ينجب في نسل الميت بواسطة تلك التي كانت زوجته، لذلك لم يقل لوقا “هالي ولد يوسف” أو “يوسف الذي ولده هالي”، بل قال الذي كان “ابن هالي”، سواء أكان ابنًا بالتبني أو بكونه مولودًا من القريب التالي لنسب الميت [8].
30- لقد تحدثنا بما فيه الكفاية موضحين أنه ينبغي أن لا يحيرنا هذا السؤال “لماذا أُحصى النسب بالنسبة ليوسف وليس بالنسبة لمريم؟”. أنها أم بدون شهوة جسدية، كذلك هو أب بدون أي اتصال جسدي، لذلك يصعد وينحدر النسب بالنسبة له. فلا نحرمه من أبوته بسبب عدم وجود أي شهوة جسدية لديه، بل بالأحرى أن تثبت طهارته العظيمة أُبوّته؛ لئلا تلومنا القديسة مريم نفسها إذ أنها لم تشأ أن تذكر اسمها قبل اسم زوجها بل قالت: “هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين”، إذن لا تتركوا أولئك المتذمرين الفاسدين أن يصنعوا ما لم تصنعه زوجة يوسف العفيفة. فلنعدد إذن النسب بالنسبة ليوسف، لأنه كما أنه في عفته زوجًا، فهو كذلك في عفته أبًا. فلنقدم الرجل حسب قانون الطبيعة وشريعة الله، لأننا إن استبعدناه تاركينها (أي مريم العذراء) فإنه سيقول بحق: لماذا تستبعدونني؟ لماذا لا يصعد وينحدر النسب بالنسبة لي؟، فهل تجيبونه: لأنك لم تنجبه بالعملية الجسدية؟، إنه يجيب بالتأكيد: وهل بالعملية الجسدية ولدته العذراء؟ ما قد صنعه الروح القدس فقد صنعه لكلينا.
يقول الإنجيل إنه “كان بارًا” إذن كان الزوج بارًا والمرأة كانت بارة. استراح الروح القدس في برارتيْهما معطيًا كليهما ابنًا. وفي ذلك الجنس (جنس النساء) الذي هو بحسب الطبيعة مهيأ للولادة، صنع الله. ذلك الميلاد الذي كان للزوج أيضًا. لهذا أمر الملاك كليهما أن يُسميا الطفل، وبهذا نشأت أحقية كل منهما في الأبوة. فإذا كان ذكريا لا يزال أبكمًا لقيت الأم ابنها المولود، وعندما “أومأ (الحاضرون) إلى أبيه ماذا يريد أن يسمي الطفل، فطلب لوحًا وكتب؟ (لو 1: 63) الاسم الذي سبق أن نطقت به، هكذا قال الملاك أيضًا لمريم: “وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع” (لو 1: 31). وقال ليوسف ابن داود “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعوا اسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (مت 1: 20-21). قيل أيضًا “فولدت له ابنًا”[9]. حقًا بذلك نشأت أُبوَّته ليس بحسب الجسد بل في المحبة. إذن فلنعرفه كأب لأنه بالحق كذلك.
لقد عدد الإنجيليان النسب بالنسبة له بأعظم تعقل وأسمى حكمه، سواء بالنسب الذي ذكره متى منحدرًا به من إبراهيم إلى المسيح أو الذي ذكره لوقا صاعدًا من المسيح خلال إبراهيم إلى الله. لقد ذكر أحدهما النسب بترتيب تنازلي وآخر بترتيب تصاعدي، ولكن كلاهما خلال يوسف. فلماذا؟ لأنه هو الأب. وكيف يكون أبًا؟ لأن أبوته قد تثبَّتت بالأكثر لعظم عفته. حقًا إنه كان يظن أنه أب لربنا يسوع المسيح بطريقة أخرى، أي مثل أبوة الأباء الآخرين التي حسب الميلاد الجسدي، ليس خلال ثمرة الحب الروحي الكامل. لأن لوقا يقول: “وهو على ما يظن ابن يوسف” [الشاهد هنا هو السابق) لماذا كان يظن كذلك؟ لأن أفكار البشر وظنونهم كانت موجهة إلى ما هو معتاد بين البشر. لم يكن الرب من زرع يوسف، ومع ذلك فقد كان يظن كذلك إلا أن ابن العذراء والذي هو ابن الله أيضًا، قد وُلد ليوسف ثمرة ورعه وحبه.
(وأيضًا جاء في AP LIGHTFOOT AD LOC) بالتلمود الأورشليمي JEURS TALM بأن العذراء قد دعيت ابنة هالي وأن نسبها يحسب له. أي يحسب ذلك البيان السابق كانت قريبة له جدا. بالحقيقة أن اسم هالي ليس له أية صلة كما يظن البعض باليواقيم أي يواقيم بل أن هذا الاسم الذي هو أب العذراء المباركة كما يقول القديس أغسطينوس إنه أخذه المانيونMANICHUS من كتب الأبوكريفا COMP FOUST 23: 9.
يعلق القديس أغسطينوس QUESTE 2: 5 بأنه يمكن أن نكتفي بأي شرح ممكن إذ إنه يكون تهورًا منا أن نقول بأنه لا يوجد سوى هذين الأمرين الذين ذكرهما القديس أغسطينوس فهو يعتبر أن الإقرار باتهام الإنجيليين في هذا الموضوع هو جنون ما دام يوجد حلاً لذلك. أن الإيمان لا يبالي “بالكيف مادام الله لم يشرح ذلك.
31- ولكن لماذا يعدد القديس متى النسب في ترتيب تنازلي، ولوقا في ترتيب تصاعدي؟
أطلب إليكم أن تصغوا بأذهانكم الهادئة التي قد تخلصت الآن من كل بلبلة تلك المغالطات، إلى ما يعينني الرب لأقوله في هذا الأمر. لقد نزل متى بالنسب ليعني نزول ربنا يسوع المسيح ليحمل خطايانا، إذ بنسل إبراهيم يتبارك جميع الأمم. لذلك لم يبدأ هنا بآدم الذي منه تسلسلت البشرية جميعها ولا بنوح الذي منه تسلسلت كل البشرية بعد الطوفان، فلكي ما يحقق النبوة لا يمكن أن ينسب الإنسان يسوع المسيح نزولاً من آدم الذي منه جاء جميع البشر ولا من نوح الذي منه تسلسلت أيضًا البشرية جميعها، بل يهبط نسبه متسلسلاً من إبراهيم الذي اُختير في ذلك الوقت ليتبارك من نسله جميع الأمم، والآن قد امتلأت الأرض بكل الأمم. أما لوقا فقد عدد النسب في ترتيب تصاعدي دون أن يبدأ في إحصائه للنسب عند بداية قصة ميلاد الرب بل من ذاك المكان الذي فيه يقص علينا عادة من يوحنا. فكما أنه بتجسد المسيح وُضعت عليه خطايا الجنس البشري ليحملها، هكذا أيضًا عند تكريس عماده وُضعت عليه ليكفر عنها. لذلك فإن القديس متى عدد النسب في ترتيب تنازلي، معلنا عن تنازل المسيح لحمل خطايانا، وأما الآخر فعدد في ترتيب تصاعدي مظهرًا غفران الخطايا، ليست خطاياه بالطبع بل خطايانا. نزل القديس متى بالنسب خلال سليمان الذي أخطأ داود بأمه، وصعد لوقا بالنسب خلال ناثان [10] الابن الآخر لداود الذي به غسلت خطيئته (2 صم 12: 1)، لأننا نقرأ إنه قد أرسل إليه ناثان ليبكته فيبرأ بالتوبة.
التقى الإنجيليان معًا في داود، أحدهما في النزول والآخر في الصعود. ولا يوجد اختلاف في أي جيل من الأجيال التي من داود إلى إبراهيم أو من إبراهيم إلى داود. هكذا صعد المسيح إلى الله وهو ابن داود وابن إبراهيم أيضًا. لأنه ينبغي لنا أن نعود للرب عندما نتجدد في المعمودية لغسل خطايانا.
32- أن الرقم أربعين هو الرقم السائد في الأجيال التي ذكرها متى لأنه اعتاد الكتاب المقدس أن لا يحسب ما هو أكثر أو أقل من الأعداد الصحيحة. لذلك قيل أن المدة التي قضاها الشعب الإسرائيلي حتى خروجهم من مصر هي أربعمائة سنة، بينما هي أربعمائة وثلاثون عامً (تك 15: 13، أع : 6). كذلك لا يبطل سيادة ذلك الرقم هنا (أي الأربعين) وجود الجيل الذي يزيد عن الأربعين.
إن هذا الرقم يشير إلى الحياة التي تعملون فيها في هذا العالم، والتي يكون فيها التبشير الوقتي بالحق ضروريًا ما دمنا متغربين عن الرب. لأن الرقم عشرة الذي به كمال التطويبات مضروبًا في أربع مرات بسبب أربع فترات المواسم وأربعة أركان المسكونة ينتج الرقم أربعين (تث 9:9؛ 1 مل 19: 8؛ مت 4: 2). لذلك صام موسى وإيليا والشفيع نفسه ربنا يسوع المسيح أربعين يومًا، ذلك لضرورة الزهد عن إغراءات الجسد في هذه الحياة أربعين عامً أيضًا تاه الشعب في البرية (عد 32: 13)، أربعين يومًا استمر فيضان المياه (تك 7: 4)، أربعين يومًا بعد القيامة تحدث السيد مع تلاميذه مقنعًا إياهم بحقيقة جسده (أع 1: 3) مظهرًا بذلك احتياجنا للتعبد بذكرى جسد المسيح في هذه الحياة التي فيها نحن متغربون عن الرب (2 كو 5: 6). حيث أن العدد أربعين كما سبق أن قلت هو عدد رمزي، وهذا ما نفعله في الكنيسة إلى أن يجيء 1 كو 11: 26). لقد تتبع متى العدد أربعين لنزول ربنا إلى هذه الحياة “الكلمة صار جسدا” الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا (رو 4: 25).
إن الجيل الزائد عن ذلك الرقم إما إنه لا يخفي تسلط ذلك الرقم، كما لا تخفى الثلاثين عامًا العدد الكامل للأربعمائة سنة، أو أن حتى هذا الرقم له معنى آخر، وهو إنه بإضافة الرب نفسه يكون العدد واحد وأربعين. لقد نزل إلى هذه الحياة ليحمل خطايانا بامتياز معين، فإذا هو إنسان، كذلك هو الله لذلك اِستثنى من هذه الحياة. لأنه قيل “والكلمة صار جسدًا” (يو 1: 14)، ذلك القول الذي لم يقل ولا يمكن أن يقال عن أي قديس مهما بلغ كماله في الحكمة والبرّ.
33- ولكن لوقا صعد بالأجيال عند عماد الرب مكملاً العدد سبعة وسبعون مبتدئًا بترتيب تصاعدي من الرب يسوع المسيح نفسه خلال يوسف مقتربًا إلى الله خلال آدم، ذلك لأن هذا الرقم يعني محو جميع الخطايا الذي يحدث في العماد. لم يكن على الرب شيئًا فيغفر له، ولكن ذلك لكي يظهر لنا باتضاعه فوائد العماد. رغم أن العماد كان بمعمودية يوحنا فقد إلا إنه ظهر فيه الثالوث بإدراك محسوس، الآب والابن والروح القدس، وبذلك قدّس عماد المسيح الذي يعمد به المسيحيون. الآب في الصوت الذي جاء في السماء، والابن في شخص الشفيع نفسه، والروح القدس في الحمامة (مت 3: 16).
34- ماذا يحتوي الرقم 77 جميع الخطايا التي تغفر في العماد؟ إن السبب الأرجح هو أن الرقم عشرة يعني كمال كل برّ وتطويب، عندما أشير إلى الخليقة بالرقم 7 مضافًا إليها ثالوث الخالق. كما أن وصايا الشريعة قد تقدّست في عشر وصايا. والآن فإن مخالفة الرقم 10 يشار له بالرقم11. فتعرف الخطية تعديًا عندما يضيف الإنسان إلى قانون العدالة وذلك ببحثه عن أمر أعظم. وهنا يعتبر الرسول محبة المال “أصل لكل الشرور” (1 تي 6: 10). ويقال في شخص الرب نفسه للروح التي تزني ورائه “لقد كنت ترجو أمرًا أعظم بانفصالك عني. لأن الخاطئ في تعديه أي في خطيته يهتم بنفسه فقط، إذ يرغب في إبهاج نفسه لفائدته الخاصة. بينما يُلام الذين يطلبون ما هو لنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح (في 2: 21). كما قد أُمر بالمحبة التي “لا تطلب ما لنفسها” (1 كو 13: 5).
لذلك فإن الرقم إحدى عشر الذي يشار إلى التعدي مضروبًا في سبع مرات وليس في عشر مرات ينتج الرقم سبعة وسبعون. لأن التعدي لا يخص ثالوث الخالق بل الخليقة. والإنسان نفسه هو المخلوق الذي يشار له بالرقم سبعة. فالرقم ثلاثة للروح التي على صورة ثالوث الخالق بنوع ما، لأن الإنسان خلق على صورة الله في روحه، والرقم أربعة للجسد بسبب العناصر الأربعة التي يتكون منها الجسد وهي معروفة للجميع. وإن لم يعرف أحد ما هذه العناصر الأربعة فليتذكر بسهولة أن هذا الجسد الذي للعالم – والذي فيه تتحرك أجسادنا – والذي يقال عنه أن له أربعة أقسام رئيسية. تلك الأقسام التي يشار عنها في الكتاب المقدس أي الشرق والغرب والشمال والجنوب. ونظرًا لأنه قد ترتكب الخطايا بالفكر فقط كما هو الحال عند ارتكابها بالإرادة فقط أو بأعمال الجسد أيضًا وهي الخطايا العيانية، لهذا فإن عاموس النبي يقدم الرب دائمًا كمهدد وقائل: “من أجل ذنوب… الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه (العالم 1: 3، 6، 9، 11، 13؛ 2 1، 4، 6). أي لا أصرف غضبي. فثلاثة من أجل طبيعة الروح وأربعة بسبب طبيعة الجسد”، وهذان اللذان منهما يتكون الإنسان.
35- إذن هكذا سبع مرات في إحدى عشر – كما قد أوضحت أن التعدي على البرّ الذي يخص الخاطئ نفسه – ينتج الرقم سبعة وسبعون، مشيرًا إلى ضبط جميع الخطايا التي تُغسل في العماد هنا يصعد لوقا خلال سبعة وسبعون جيلاً نحو الله، مشيرًا إلى تصالح الإنسان مع الله عن طريق إزالة جميع الخطايا.
لقد قال الرب نفسه لبطرس الذي عندما سأله كم مرة ينبغي أن يغفر لأخيه “لا أقول إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرَّة وسبع مرات” (مت 18: 22).
فلتأخذوا الآن من كل ما هو مخبأ وكنوز أسرارًا بواسطة أولئك الذين هم أكثر مني نشاطًا واستحقاقًا. ومع ذلك فقد تكلمت بحسب قدرتي الضعيفة، بقدر ما وهبني الله من عون ومقدرة وبقدر ما استطعت أخذا في اعتباري قصر الوقت. فإن كان لدي أحدكم قدرة على ما هو أعظم فليقرع على ذلك الذي منه أنا أيضًا أخذت ما أستطيع أن أخذه وأتحدث به. ولكن فوق كل شيء فليتذكروا هذا أن لا تضطربوا بما لم تفهموا في الكتاب المقدس، ولا تنتفخوا بما قد فهمتم، بل انتظروا ما لم تفهموه في خضوع وتمسكوا بما فهمتموه بثبات في محبة.
تعليقالغاية من الزواج1. نمو الجنس البشري وحفظه بالتناسل “اَثمروا واَكثروا واِملأوا الأرض…” (تك 1: 28).2. المحبة والتعاون بينهما “ليس جيد أن يكون آدم وحده. فاصنع له معينًا نظيره” (تك 2: 18).+ وقد أضيفت إليهما غاية أخرى بعد سقوطه في الخطية وهي تحصينه منها (انظرا كو7)(انظروا كتاب أسرار الكنيسة السبعة، سر الزيجة فصل 2 و 3 للمرحوم حبيب جرجس). |
[1] . مترجمة عن كلمة “catholics” أي الذين ينتمون للكنيسة الجامعة.
[2] . نص الآية بحسب الترجمة البيروتية “لأنه بسلامها (أي بابل) يكون لكم سلام”.
[3] . يبدو هنا أنها قد ترجمت كلمتي ناسوته ولا هوته خطأ إلى Human Nature, Devine Nature.
[4] . يقصد بالبطاركة الآباء الأولين مثل آدم، إبراهيم، اسحق، يعقوب… الخ.
[5] . مترجمة على كلمتيّ Gluttons & Gormandszirs.
[6] . الكتاب المقدس.
[7] . يُظهر أغسطينوس أنه ينبغي أن لا نعتم بوجود اللفظ أي (التبني).
[8] . عن هذين وهما : ا. أنه ربما كان هالي متبنيًا ليوسف.
ب. أن يوسف ابن زوجة هالي التي قد تزوجت بعد موته، بيعقوب القريب التالي.
لقد قرر (EUS.H.E.I.7) FRIOALIUS. هذا الرأي الإخير بأنه رأي تقليدي صادر عن أقارب الرب…
[9] . جاء النص هكذا and She brought Forth to Him، ويبدوا أنه لا يوجد هذا النص في الكتاب المقدس، وإنما جاء في لو 2: 7، فولدت ابنها.
[10] . صحح القديس أغسطينوس هذا الالتباس الذي حدث بين ناثان بالإيمان داود وناثان النبي في “His retract 16”
روجع
العظة الثانية
“حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه (مت 3: 13)
بخصوص سر التثليث
1- أيها الأحباء إن فصل الإنجيل قد وضع أمامي الموضوع الذي أحدثكم عنه، الذي كأنه بحسب إرشاد الله، وهو حقًا بإرشاده. لقد اِنتظر قلبي صدور الأمر، كما لو كان من الله يتكلم وبذلك استطعت أن أدرك أن هذه هي مشيئته، وهي التحدث في الموضوع الذي سمح أن يُتلى على مسامعكم. فلتصغوا إذن بشغف وإخلاص، وليساعدكم الرب ذاته لأنكم أنتم جهادي.
إننا نشاهد ظهور إلهنا في سر الثالوث عند نهر الأردن، كما لو كان في مشهد إلهي. فعندما جاء يسوع واعتمد من يوحنا، اعتمد الرب بواسطة عبده، صانعًا هذا مثالاً للتواضع. لقد أعلن لنا أن في تواضعه يكمل البرّ، فعندما قال له يوحنا: “أنا محتاج أن اَعتمد منك وأنت تأتي إليّ” أجابه “اِسمح الآن. لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برّ” (مت 4: 15).
عندما اعتمد المسيح انفتحت السماوات ونزل عليه الروح القدس مثل حمامة وتبعه صوتًا من الأعالي قائلاً: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” ( مت 3 17). إننا نجد هنا سر التثليث مميزًا بنوع ما، فالآب في الصوت والابن في الإنسان والروح القدس في الحمامة. إنه يكفينا مجرد الإشارة إلى هذا، فنشاهد سر الثالوث لأن الأمر جلي جدًا. لقد أعلن لنا سر الثالوث هنا بوضوح، لا يترك مجالاً لأدنى شك أو تردد. فبدون شك أن الرب المسيح نفسه الذي جاء ليوحنا في صورة عبد هو الابن، إذ لا يمكن أن يقال عنه إنه الآب أو الروح القدس، فقد قيل “جاء يسوع” أي ابن الله. ومن يشك في الحمامة؟ أو من يقول: ما هي الحمامة؟ إذ يشهد الإنجيل نفسه بأكثر وضوح “روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيًا عليه” (مت 3: 16). وهكذا بنفس الطريقة بالنسبة لذلك الصوت لا يمكن أن يُشك في كونه صوت الآب، إذ يقول: “هذا هو ابني” (كن 3″ 17)، هكذا نجد الثالوث مميزًا.
2- لو أخذنا في اعتبارنا الأماكن التي ظهر فيها الثالوث القدوس، فإنني أقول بثقة وإن كان بخوف أن الثالوث يبدو كأنه منفصل، فقد جاء يسوع إلى النهر من مكان إلى آخر، ونزلت الحمامة من السماء من مكان إلى آخر، ولم يكن الصوت ذاته الذي للآب من الأرض ولا من الماء بل من السماء. هؤلاء الثلاثة كانوا كما لو أنهم منفصلين في الأماكن والوظيفة والعمل. ولكن رُب قائل يقول: فلتتذكر يا من تتكلم أنك تؤمن بإيمان الكنيسة الجامعة، وأنك تتحدث إلى أناس لهم الإيمان الجامع، فبالأولى أن تُظهر الثالوث غير قابل للانفصال، فهذا ما يعلمنا إياه إيماننا، أي الإيمان الحقيقي الجامعي الصحيح الذي لم يُجمع بحسب أحكام شخصية بل بشهادة الكتاب المقدس غير خاضع لأهواء الهراطقة، بل مؤسسا على الحقيقة الرسولية، هذا هو ما نعرفه وما نؤمن به. هذا ما نتمسك به بحق وبغيرة شديدة، وهو أن الآب والابن والروح القدس ثالوث غير قابل للانفصال إله واحد وليسوا ثلاثة. هذا رغم أننا لم نعاينه بعيوننا ولا بعد بقلوبنا طالما (لا نزال) نتنقى بالإيمان. إنهم إله واحد ومع ذلك فإن الابن ليس هو الآب والآب ليس هو الابن. والروح القدس ليس هو الآب ولا الابن بل روح الآب وروح الابن
[1]. هذا اللاهوت غير المنطوق به دائم إلى الأبد في ذاته، يجدد كل الأشياء، يخلق من جديد (creating a new) يرسل، يدعو، يحكم ويخلص. أقول أننا نعرف أن هذا اللاهوت غير موصوف وهو غير قابل للانفصال.
3- ففي أي شيء أتكلم؟ انظروا. فإن الابن بكونه إنسانًا جاء منفصلاً، ونزل الروح القدس من السماء منفصلاً في شكل حمامة، وصوت الآب جاء منفصلاً من السماء: “هذا هو ابني” فأين إذن الثالوث غير القابل للانفصال؟ لقد جعلكم الرب مصغين بكلماتي. صلوا من أجلي وافتحوا انطواءات قلوبكم فيهيكم الله ما يملأ قلوبكم المفتوحة.
ساهموا معي في تعبي، لأنكم ترون ما قد تعهدت به، ومن أكون أنا الذي قد تعهدت به. إنكم ترون ما أرغب الحديث عنه، وأين وما هو حالي سوى أني في “الجسد البالي يُثقل النفس، والمسكن الأرضي يُثقل العقل الكثير الاهتمام” (حك 9: 15). لهذا أجرد فكري من الأشياء العديدة، وأجمعه في الإله الواحد، الثالوث غير القابل للانقسام، حتى أستطيع أن أرى شيئًا أتحدث عنه. فليعرفوا أنني في ذلك الجسم (الذي) يثقل النفس “أستطيع أن أقول إليك يا رب أرفع نفسي” (مز 86: 4)، ذلك لكي ما أستطيع أن أحدثكم عن أمور جديرة في الموضوع. فليساعدني الرب وليرفع نفسي معي. لأنني ضعيف جدًا بالنسبة له، وهو قدير جدًا بالنسبة لي.
4- إن هذا السؤال يتقدم به أكثر الإخوة غيره كما يغلب أن يوجد بين مناقشات محبي كلمة الله، لأنه أُعتيد أن يكون هذا القرع الكثير نحو الله بينما يقول البشر “هل يمنع الآب شيئًا لا يصنعه الابن؟ أو هل يصنع الابن شيئًا لا يصنعه الآب؟
فلنتحدث أولاً عن الآب والابن. وعندما يعطينا ذلك الذي نقول له “كن عوني ولا تتركني” (مز 27: 9)، نجاحًا صادقًا في بحثنا هذا فحينذاك نستطيع أن تدرك عدم انفصال الروح القدس بأي طريقة عن عمل الآب والابن. أيها الإخوة فلتصغوا إذن فيما يخص الآب والابن. هل يصنع الآب شيئًا بدون الابن؟ نجيب بالنفي. هل تشكون في هذا؟ أي شيء لا يصنعه الآب بذاك الذي به صنعت كل الأشياء؟ يقول الكتاب المقدس “كل شيء به كان” (يو 1: 3)، وحتى نوقن من هذا تمامًا في هدوء واطمئنان كما من الناحية الجدلية أيضًا، أضاف “وبغيْره لم يكن شيء مما كان” (يو 1: 3).
5- ماذا إذن أيها الإخوة؟ “كل شيء به كان”. لقد أدركنا بهذا أنه بواسطة الابن قد صُنعت كل الخليقة. لقد صنعها الآب بكلمته، صنعها الله بقوته وحكمته. هل يمكن أن نقول إنه عند خلقه الأشياء “كل شيء به كان”، وأما الآن فلا يصنع الآب كل شيء بواسطته؟ حاشا لله! فلتطرد مثل هذه الأفكار بعيدًا عن قلوب المؤمنين. لتطرد بعيدًا عن أفكار الأتقياء وفهم المتدينين! لا يمكن أنه يكون به خلق الآب ولا تدبر الخليقة بواسطته. حاشا لله أن لا يدبر ما قد أوجده، تلك التي بواسطته خُلقت وصار بها وجودها! لترى بواسطة شهادة الكتاب المقدس ذاته إنه ليس فقط كل الأشياء به خُلقت. إذا اقتبسنا من الإنجيل “كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان”، بل أن كل الأشياء التي صُنعت تُدبر وتُنظم بواسطته أيضًا. إنكم تعرفون أن المسيح قوة الله وحكمته، فلتعلموا أيضًا ما قد قيل عن الحكمة: “وتمتد من أقصى إلى أقصى بقوة، وتدبر (باقتدار)، الكل حسنُا” (حك 8: 1). إذن فلا نشك في أن كل الأشياء تُدبر بواسطة ذاك الذي به كل الأشياء صُنعت. هكذا لا يصنع الآب شيئًا بدون الابن ولا الابن بدون الآب.
6- على أننا نلتقي بصعوبة، تلك التي قد تعهدنا بحلها في اسم الله وبمشيئته. وهي إن كان الآب لا يصنع شيئًا بدون الابن ولا الابن بدون الآب ألا يتبع ذلك القول حتمًا بأن الآب أيضًا قد ولد من العذراء مريم، وتألم من بيلاطس بنطس، وقام أيضًا وصعد إلى السماء؟ حاشا لله! إننا لا نقول بهذا لأننا لا نؤمن به “آمنت لذلك تكلمت” (مز 116: 10)، ونحن أيضًا نؤمن لذلك نتكلم. ماذا جاء في قانون إيماننا؟ أن الابن لا الآب ولد من العذراء. ماذا جاء في قانون الإيمان؟ أن الابن وليس الآب قد تألم من بيلاطس بنطس ومات. هل ننسى أولئك المدعوين patripassians الذين لم يفهموا هذا الأمر فقالوا أن الآب نفسه ولد من امرأة، وأن الآب نفسه تألم، وأنه كالابن وهما اسمان وليس شيئان؟ هؤلاء قد فصلتهم الكنيسة الجامعة عن مجمع قديسيها حتى لا يخدعوا أحدًا بل ليجادلوا وهم منفصلين عنها.
7- فلتعيد إلى أذهانكم صعوبة السؤال وهو إنه رب قائل يقول لي “لقد قلت بأن الآب لا يصنع شيئًا بدون الابن ولا الابن بدون الآب، وأتيت بشهادات من الكتاب المقدس تشهد بأن الآب لا يصنع شيئًا، بدون الابن لأن “كل شيء به كان” وأنه لا تدبر تلك الأشياء التي خلقت بدون الابن، لأنه حكمة الآب “الممتد من أقصى بقوة MIGHTILY، وتدبر الكل حسنا” والآن كما لو كنت تناقص نفسك أن تخبرني بأن الابن ولد من عذراء وليس الآب، والابن تألم وليس الآب، وأن الابن لا الآب قد قام. اُنظر فإنني أرى هنا بعض الأمور يصنعها الابن ولا يصنعها الآب. لذلك فإما أن تعترف بأن الابن يصنع بعض الأشياء بدون الآب، أو أن الآب أيضًا قد ولد وتألم ومات. لتقل بهذا أو بذاك لتختار أحد الأمرين لا. فإنني لا اَختار أي منهما، أنني لا أقول بهذا ولا بذاك. أنني لا أقول بأن الابن يعمل أي شيء بدون الآب لئلا بقولي هذا أكذب، ولا أن الآب قد ولد وتألم وقام لأنني أيضًا إن قلت بهذا أكذب. إنه يقول: كيف إذن تخلص نفسك من هذه المأزق.
8- إن عرض هذا السؤال يبهجكم. ليت الله يهبكم معونته حتى تبتهجون بإيضاحه أيضًا. انظروا، أنني اسأله أن ينقذني وإياكم (من هذا المأزق). فإننا نثبت في إيمان واحد في اسم المسيح، ونسكن في منزل واحد خاضعين لرب واحد، ونحن أعضاء في جسد واحد لرأس واحد، ونحيا بروح واحد. ليبرأنا الرب من مأزق هذا السؤال الذي هو أكثر الأسئلة صعوبة، ليبرأني أنا الذي أتكلم وأنتم الذين تسمعون.
أقول الآتي: حقًا أن الابن وليس الآب قد ولد من العذراء مريم، ولكن هذا الميلاد نفسه الذي للآبن وليس للآب من عمل كل من الآب والابن. حقًا أن الآب لم يتألم بل الابن إلا أن تألم الابن كان من عمل الآب والابن. الآب لم يقم بل الابن ومع ذلك فإن قيامة الابن كانت من عمل الآب والابن. إنه يبدو إذن أننا قد تبرأنا من هذا السؤال، لكن ربما يكون هذا بحسب كلماتي فقط لذلك فلنرى الآن إن كان هذا بطابق الكلمات الإلهية أيضًا على إذن أن أبرهن بشهادة الكتب المقدسة أن ميلاد الابن وآلامه وقيامته كانت من عمل الآب والابن بنوع ما. فبينما الميلاد واللام والقيامة للآبن فقط إلا أن هذه الأمور الثلاثة التي تخص الابن وحده لم تكن من عمل الآب وحده أو الابن وحده بل الآب والابن.
لنبرهن على كل نقطة على حدة، ولتسمعوا أنتم كقضاة. لقد فتحت جلسة القضية ليدخل الشهود الآن. ليقل حكمكم لي كما قد أُعتيد أن يقال للمدافعين في الدعاوي “فلنثبت ما قد وعدت. أنني سأقوم بهذا بالتأكيد بمعونة الرب، مقتبسًا من كتب الشريعة السماوية. أنكم كنتم تصغون لي بانتباه عن عرضي للسؤال فليزداد انتباهكم عند برهاني لهذا الموضوع.
9- ينبغي عليّ أن أعلمكم كيف أن ميلاد المسيح من عمل الآب والابن وأن ما يفعله الآب والابن يخص الابن وحده. أنني ساَقتبس من بولس ذلك الخبير الكفء في الشريعة الإلهية. أقول أنني اَقتبس من بولس هذا الذي وضع قوانين السلام لا قوانين المنازعات، لأنه لدى علماء الشريعة في هذه الأيام بولس الذي سن قوانين المحاكم لا قوانين المسيحية.
ليكشف لنا الرسول المبارك كيف أن ميلاد الابن كان من عمل الآب. إنه يقول: ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة تحت الناموس. ليقتدي الذين تحت الناموس” (غلا 4: 4-5)، هكذا لقد سمعتموه وفهمتموه لوضوحه وجلاءه. انظروا فإن الآب جعل الابن يولد من عذراء، لأنه “لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه”، فأرسل الآب مسيحه. كيف أرسله؟ مولودًا من امرأة. مولودًا تحت الناموس. إذن جعله الآب يولد من امرأة تحت الناموس.
10- هل حيّركم قولي “من عذراء” إذ قال بولس “من امرأة”؟ لا يحيركم هذا، ولا نقف هنا لأنني لا أتحدث إلى أشخاص غير متعلمين. لقد قال الكتاب المقدس بكليهما أي “من العذراء” ومن “امرأة”. أين يقول “من عذراء”؟ “ها العذراء تحبل وتلد ابنًا” (إش 7: 14)، كما تلك من امرأة، كما سمعتم الآن. إنه لا يوجد هنا تناقضًا، إذ تطلق كلمة (نساء) في اللغة العبرية ليس على اللآتي فقدن عذرويتهن بل على الإناث عامة. أنكم تجدون عبارة واضحة في سفر التكوين عندنا خلقت حواء أولاً. أخذها من آدم امرأة” [2] (تك 2: 22). ويقول الكتاب المقدس في موضع آخر أن الله أمر أن تنعزل “النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر” (عد 31: 18؛ قض 21: 11).
ينبغي إذن أن يكون هذا قد ثبت لديكم تمامًا، ولا يعد بعد يعوقكم، وبذلك نستطيع بمعونة الله أن نوضح ما يعوقنا حقًا.
11- لقد أثبتنا أن ميلاد الابن كان من عمل الآب، لنبرهن الآن إنه من عمل الابن أيضًا ما هو ميلاد ابن العذراء مريم؟ إنه بالتأكيد هو اتخاذه صورة العبد في أحشاء العذراء. هل ميلاد المسيح هو غير أخذه صورة العبد في أحشاء العذراء؟ فلتسمع إذن كيف أن هذا كان من عمل الابن أيضًا، “الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس” (في 2: 6-7).
“لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس” (غلا 4:4)، ذلك “عن ابنه الذي صار[3]، من نسل داود من جهة الجسد” (رو 1: 3)، ففي هذا نرى أن ميلاد الابن كان من عمل الآب، بينما في تلك نجد الابن نفسه “أخلى نفسه آخذًا صورة عبد” فترى أن ميلاده من عمل الابن نفسه أيضًا.
إذن برهنا على هذا. فلنترك هذه النقطة ونخبركم باهتمام عن النقطة التالية.
12- فلنبرهن أيضًا أن آلام الابن كانت من عمل الآب والابن. إنه يمكننا أن نرى أنها من عمل الآب إذ كتب: “الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين” (رو 8: 32). وأن آلام الابن هذه من عمله الخاص أيضًا “الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي” (غلا 2: 20). لقد بذل الآب الابن، وبذلك الابن ذاته. لقد وضعت تلك الآلام على واحد ولكن بواسطة لكيهما. هكذا آلام المسيح كميلاده لم تكن من عمل الابن دون الآب ولا الآب دون الابن، فبذل الآب ابنه وبذل الابن نفسه.
ماذا فعل يهوذا في هذا سوى خطيئته؟
فلنعبر من هذه النقطة أيضًا إلى القيامة.
13- لنرى بالحقيقة أن الابن لا الآب مقام من الأموات، إلا أن قيامة الابن من عمل كل من الآب والابن، أنها من عمل الآب إذ كتب “لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم” (في 2: 9). هكذا أقامه الآب إلى الحياة ثانية رافعًا ومنقذًا إياه من الموت.
هل أقام المسيح نفسه أيضًا؟ إنه بالتأكيد صنع هذا، لأنه تحدث عن الهيكل كمثال لجسده قائلاً: “انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه” (يو 2: 19). فكما أن تركه للحياة يشير إلى آلامه، هكذا أخذه للحياة يشير إلى القيامة. لنرى ما إذا كان الابن قد ترك حياته فعلاً وأن الآب أعادها له دون أن يعيدها هو لنفسه. إنه من الواضح أن الآب أعاد له الحياة، إذ يقول المزمور “أقمني فأجازيهم” (مز 41: 10). لكن لماذا تنتظروا مني برهانًا على أن الابن قد أعاد الحياة لنفسه؟ دعوة يتحدث بنفسه: “لي سلطان أن أضعها” (يو 10: 18). بهذا لم أف بما وعدت. لقد قلت (أنه يضعها) وأنتم تصرخون قبلاً متعجلين. انتبهوا لأجل تهذيبكم الصالح إذ أنكم كما لو كنتم في مدرسة معلمكم السماوي، ولتذكروا بورع ما قد قُرأ، إذ لا تجهلون ما قد ورد بعد ذلك. إن9 يقول “لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا”، “ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي”. “لأخذها أيضًا”(يو 10: 17-18).
14- لقد أوفيت بما وعدت، وكما أظن أنني دعمت قضاياي ببراهين وشهادات قوية فلتتمسكوا إذن بثبات بما قد سمعتم. أنني سأوجزها لكم وأودعها في أذهانكم، تلك التي هي أعظم الأمور قائد كما أظن.
لم يولد الآب من العذراء إلا أن ميلاد الابن من العذراء كان من عمل كل من الآب والابن. لم يتألم الآب على الصليب غير أن آلام الابن هو من عمل كل من الآب والابن. أنكم ترون تمييزًا واضحًا بين الأقانيم مع عدم انفصال في العمل. لهذا لا نقول أن الآب يصنع شيئًا بدون الابن، والابن بدون الآب. لكنكم قد تجدون صعوبة بالنسبة للمعجزات التي صنعها يسوع، لئلا يكون قد صنع أمرًا لم يصنعه الآب. أين إذن القول “الآب الحال فيّ هو يعمل الأعمال”؟ (يو 14: 10).
إن كل ما قلته الآن كان واضحًا ولا يحتاج إلى مجهود كبير لفهمه، وإنما يحتاج إلى مجرد الإشارة إليه، لذلك ينبغي فقط الاهتمام بتذكيركم به.
15- إنني أرغب في الحديث عن أمور أخرى. وهنا أطلب منكم اهتمامكم الأكثر غيرة، وإخلاصكم نحو الله. لأن الأجساد وحدها هي التي تحد في الأماكن التي تناسب طبيعتها الجسدية، أما اللاهوت فهو فوق كل الأماكن، لذلك لا ينبغي أن يبحث عنه أحد كما لو كان في الفضاء. إنه حاضر في كل مكان. غير مرئي وملازم دائمًا. فليس هو بعظيم في مكان ما وأقل في موضع آخر بل يملأ كل مكان ولا يخلو منه مكان. من يستطيع أن يراه؟ من يستطيع أن يدركه؟ ليتنا نقمع ذواتنا ونتذكر من نحن وعن من نتكلم. دعوا هذا وذاك أو كل ما يخص طبيعة الله، محتضنين إيمانًا ورعًا، مسلمين بذلك بإجلال مقدس، وبقدر ما يسمح لنا نستطيع أن ندركه بطريقة لا ينطق بها. لتسكت الكلمات وليصمت اللسان. ليصعد القلب ويرتفع إلى هناك. لأنه ليس من طبيعة اللاهوت أن يرتفع في قلب الإنسان، بل يرتفع قلب الإنسان إليه. لنتأمل المخلوقات، “لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات”( رو 1: 20). لعلنا نجد في الأشياء التي خلقها الله والتي لنا علاقة بها بعض المشابهة، بحيث يمكن أن نبرهن بها على وجود ثلاثة أشياء تظهر منفصلة إلا أن عملهم غير قابل للانفصال.
16- تعالوا أيها الإخوة وأعيروني اهتمامكم. لتنظروا ما قد وعدت به، وهو إن كان يمكن أن أجد أي مشابهة في الخليقة (للثالوث القدوس) لأن الخالق متعال جدًا علينا!! قد تكون هناك بعض ومضات نور الحق في عقول أحدنا، كما لو كان قد ضرب بشرارات ضوئه، فيستطيع أن يقول “أنا قلت في حيرتي” (مز 31: 22). ماذا تقولون أنتم في حيرتكم؟ إني قد انقطعت من قدام عينيك” (مز 31: 22)، لأنه يبدو لي أن الذي يقول هذا كأنه قد رفع روحه نحو الله ثم عاد إلى نفسه، بينما يقولون له كل يوم: أين هو إلهك؟ إنه قد وصل إلى ذلك النور غير المتغير بتلامس روحي، ولضعف بصره لم يستطع أن يحتمل النور، فسقط عائدًا إلى نفسه مرة أخرى كما لو كان مريضًا وفي حالة ضعف. وإذ قارن نفسه بذلك النور شعر أن عينيّ عقله لا تستطيعان أن تلطف(ما تشكيلها؟؟) من نور حكمة الله. وإذ حدث هذا وهو في ذهول خرج سريعًا من الاحساسات الجسدية، وانشغل في الله. وعندما استدعى من عند الله إلى البشر قال: “أنا قلت في حيرتي” لأنني رأيت في حيرتي ما لا أعرفه، ذلك الذي لا أستطيع احتماله كثيرًا، وإذ عدت إلى حالتي المميتة (البشرية)، وإلى التفكير الكثير في الأمور المميتة التي تخص الجسد الذي يثقل الروح، قلت وماذا قلت؟ “أني قد انقطعت من قدام عينيك” أنت بعيد إلى أعلى وأنا بعيد إلى أسفل.
إذن ماذا نقول عن الله أيها الإخوة؟ لأنكم إن استطعتم إدراك ما يمكن أن تقولونه، فإن ما تقولونه ليس هو الله. إن استطعتم أن تدركوا هذا فإنكم تدركون شيئًا غير الله. إن استطعتم إدراكه بتفكيركم فبتفكيركم تخدعون أنفسكم. إذن فليس هو الله ما دمتم تدركونه. ولكن إن كان هو الله فلا تستطيعوا إدراكه. كيف إذن تريدون الحديث عن ذلك الذي لا تستطيعوا إدراكه؟
17- لنبحث إذن عسى أن نجد شيئًا في الخليقة به يمكن أن نبرهن على وجود أشياء ثلاثة تظهر منفصلة، ولكن أعمالها غير قابلة للانفصال. ولكن إلى أين نذهب؟ إلى السماء فنبحث في الشمس والقمر والنجوم؟! إلى الأرض لنجادل في النباتات والأشجار والحيوانات التي تملأ الأرض؟! إلى متى يطول جولانك أيها الإنسان حول الخليقة؟ عودوا إلى ذواتكم. انظروا، تأملوا، اختبروا أنفسكم. أنكم تبحثون بين المخلوقات عن ثلاثة أشياء تظهر منفصلة ويكون عملهم غير قابل للانفصال. فإن كنتم تبحثون كثيرًا عن هذا فلتبحثوا عنها في ذواتكم أولاً، لأنكم لستم إلا من الخليقة. إنه التشبيه الذي تبحثون عنه. هل ستبحثون كثيرًا عنه بين القطيع؟ لأنكم إذ تبحثون عن هذا التشبيه فإنكم تتحدثون عن الله. لقد كنتم تتكلون عن ثالوث جلاله الفائق الوصف. وإذ تفشلون في التأمل في الطبيعة تعترفون باتضعاع بضعفكم، فتنزلون إلى الطبيعة البشرية. جدوا إذن في طلب المعرفة. هل ستبحثون بين القطعان أو في الشمس أو النجوم؟ أي منهم خلق على صورة الله ومثاله؟ ابحثوا في أنفسكم التي لها علاقة أكبر بكم وهي أسمى كل هذه الأشياء. لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، ابحثوا في أنفسكم لعل صورة الثالوث تحمل شبه الثالوث. وما هي هذه الصورة؟ إنها صورة تختلف تمامًا عن الأصل، ورغم هذا الاختلاف فإنها صورة وشبيه له، إنها في الحقيقة ليست صورة بنفس الطريقة التي بها يكون الابن صورة، إذ هو والآب واحد. لأن الصورة توجد بنوع ما في الابن، وبنوع آخر في المرآة. إنه اختلاف كبير بين كليهما. فصورتك في ابنك هي نفسك لأن الابن بحسب الطبيعة هو أنت، فمن حيث الجوهر واحد معك ولكن من حيث الشخصية فهو غيرك
[4]. فالإنسان ليس بصورة مثل الابن الواحد المولود، وإنما صنع بنوع أعلى صورة الله ومثاله.
ليبحث إذن في نفسه إن كان يوجد فيه ثلاثة أشياء تبدو منفصلة، ولكن عملهم غير قابل للانفصال، إنني سأبحث عن هذا، ولتبحثوا أنتم معي. إنني لا أبحث فيكم، بل أنتم تبحثون في أنفسكم، وأنا أبحث في نفسي. لنبحث معًا في اتحاد، وفي اتحاد نبحث ونناقش طبيعتنا وجوهرنا العام.
18- تطلع أيها الإنسان ولتنظر في صحة ما قلته. هل لك جسد ولحم؟
ستجيب نعم لأنه كيف أكون في هذا المكان الذي أشغله الآن، وكيف أتحرك من مكان إلى آخر؟ كيف أسمع كلمات المتحدث إلا بآذان جسدي؟ كيف أرى فم المتكلم إلا بأعين جسدي؟ ليس هناك حاجة أن أتعب أحدكم في أمر واضح إذ من الجلي أن لك جسد. لتنظروا إلى أمر آخر. تأملوا في ذلك الذي يعمل بواسطة الجسد. لأنكم تسمعون بواسطة الأذن ولكن ليست الأذن هي التي تسمع. هناك شيئًا واضحًا يسمع بواسطة الأذن. أنكم ترون بواسطة العين اختبروا هذه العين. ماذا؟ هل عرفتم المنزل ولم تهتموا بالساكن فيه وهل العين بذاتها ترى؟ أليس هناك شيئًا آخر يرى بواسطة العين؟ وأنني لا أقول أن عين الميت الذي فارق الساكن فيه لا ترى، بل أن عين الإنسان الذي يفكر في أشياء أخرى لا ترى الأشياء الموضوعة أمامها. انظروا إذن في إنسانكم الداخلي، لأنه من الأفضل أن يكون فيه ذلك التشبيه الذي نبحث عنه بخصوص الأشياء الثلاثة التي تظهر منفصلة، ومع ذلك فعملهم غير قابل للانفصال. ماذا إذن في أذهانكم؟ لو بحثتم لوجدتم هناك أشياء كثيرة، ولكن هنا أشياء قريبة لكم وإلي ويمكن فهمها بأكثر سهولة. ماذا إذن في أذهانكم؟ استدعوا أذهانكم وتأملوا فيها. فإنني لا أطلب منكم تصديقًا لما أقول، فإن لم تجدوه في أذهانكم لا تسلموا به. انظروا إذن إلى الداخل ولكن دعونا ننظر إلى ما قد هرب مني وهو أن الإنسان ليس صورة للابن وحده أو للآب وحده بل للآب والابن ويتبع هذا الروح القدس أيضًا. يقول سفر التكوين “نعمل الإنسان” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (تك 1: 26). لذلك لم يعمل الآب شيئًا بدون الابن ولا الابن بدون الآب.
“نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا “نعمل” وليس “سأعمل” أو “صورتي” بل على “صورتنا”.
19- إنني أسأل قائلاً اذكروا بُعد التشابه. لذلك لا يقل أحد “انظروا بماذا يقارن الله؟ لقد سبق أن أخبرتكم بهذا، ويسابق توقعي أحذركم كما أحصن نفسي. بالحقيقة تبعد الاثنان كثيرًا عن بعضهما البعض كابتعاد العمق عن العلو، المتغير عن غير المتغير، المخلوق عن الخالق والطبيعة الإنسانية عن اللاهوت، ها قد اخترتكم بهذا أولاً حتى لا يقل أحد شيئًا ضدي، لأن هناك فارق كبير بين الأشياء التي سأتكلم عنها. إنني أخشى إذ أطلب آذانكم أن يعد أحدكم أسنانه. تذكروا أن كل ما قد وعدت به هو مجرد أنه أظهر أن هناك ثلاثة أشياء تظهر منفصلة ولكن عملها غير منفصل. إنه لا يهمني حاليًا مدى مشابهة أو عدم مشابهة هذه الأشياء للثالوث القدير، بل الذي يهمني هو إيجاد ثلاثة أشياء في المخلوقات الوضيعة القابلة للتغيير، هذه الأشياء تظهر منفصلة، ومع ذلك فعملها غير قابل للانفصال.
يا له من تصوير جسدي! ضمير عنيد كافر! لماذا تشكون فيما يخص جلاله غير الموصوف ذاك الذي تكتشفونه في أنفسكم؟ أنني أسألك أيها الإنسان هل لك ذاكرة؟
إن لم يكن لكم ذاكرة فكيف تحتفظون بما قد قلته؟ لكن ربما تكونوا قد نسيتم ما قد قلته منذ لحظة إلا هاتين الكلمتين “أنا أقول” فهذين المقطعين عينهما لا يمكن أن تحفظوهما إلا عن طريق “الذاكرة”؟ لأنه كيف يمكن أن تعرفوا إنهما اثنان (كلمتان) إن كان عند النطق بالثانية تنسون الأولى؟ ولماذا أطيل في هذا؟ لماذا أتعجل هكذا؟ لماذا أحثكم على الاعتقاد؟ لأن لكم “ذاكرة” وهذا واضح لأبحث عن شيء آخر (أي غير الذاكرة)، هل لديكم فهما؟ ستقولون “لدينا فهما”، لأنه لو لم يكن لكم ذاكرة لما كان يمكن أن تحتفظوا بما قلته، وبالتالي لما فهمتم، ولما استطعتم إدراك ما قد احتفظتم به. إذن لديكم هذا (أي الفهم) أيضًا كالأخرى. أنكم تستدعون فهمكم في ما قد احتفظتم به، وبذلك ترونه، وبرؤيته تشكلون إلى تلك الحالة التي بها يقال أنكم تعرفون. ولكنني أبحث عن شيء ثالث. لديكم الذاكرة التي بها تحتفظون بما يقال، ولديكم الفهم الذي به تفهمون ما قد احتفظتم به. ولكن بتلامس هذين معًا أسألكم أليس لديكم (الإرادة) للاحتفاظ والفهم؟ بلا شك تقولون إن ذلك بإرادتنا. لذلك لديكم إرادة.
هذه هي الأشياء الثلاثة التي وعدت بإخباركم عنها. أنها فيكم، ويمكن أن نعددها دون أن نفصلها عن بعضها البعض. هذه الثلاثة إذن هم “الذاكرة – الفهم – الإرادة”. أقول تأملوا كيف أن هذه الأشياء الثلاثة تظهر منفصلة لكن أعمالها غير منفصلة.
20- والآن فإن الرب هو عوني. أنني أراه حاضرًا ليعينني ويعطيكم فهمًا لما أقول. إني أراه موجودًا ليعينني، وأدرك من أصواتكم أنكم قد فهمتموني. أني واثق تمامًا إنه لا يزال يساعدنا حتى تفهموا الكل. لقد وعدت أن أريكم ثلاثة أشياء تظهر منفصلة لكن أعمالها غير منفصلة. انظروا إذن، إنني لا أعلم بما يجول بعقولكم وقد أظهرتم لي بقولكم (الذاكرة) ولكنكم لم تعبروا عنها. لقد كانت فيكم، لكن لم تخرج بعد إليّ، ولكن لكي ما تخرج منكم إليّ فإنكم تعبروا عن ذات الكلمة التي هي (الذاكرة). لقد سمعت المقاطع الثلاث التي في الكلمة “الذاكرة” Memory، إنها اسم مكون من ثلاثة مقاطع، لقد سمعتها وقد تركت في عقلي فكرة معينة. لقد ذهب الصوت، ولكن بقيت الكلمة التي بها انتقلت الفكرة كما بقيت الفكرة ذاتها. إنني أسأل عندما ننطق كلمة “الذاكرة” فإنكم ترون إنها تخص الذاكرة فقط لأن الشيئان الآخران (أي الفهم والإرادة) لهما اسمان متمايزان، فالواحد يدعى “فهما” والآخر “إرادة” وليس “ذاكرة”، ولكن لماذا تعملوا على التعبير عن هذا لتبرزوا الثلاثة مقاطع؟ فهذه الكلمة تخص “الذاكرة” فقط. فالذاكرة تعمل على أن تحفظوا ما تقولون، والفهم يعمل على تعرف ما قد حفظتم، والإرادة على التعبير عن ما تعرفتموه.
نشكر الرب إلهنا فقد أعانني وأعانكم. إنني خشيت أن أبهج ذوي العقول الراجحة وأقلق ذوي القدرات العقلية البطيئة. ولكن بسماعكم بإصغاء أدرك أنكم قد فهمتموني بسرعة حتى أنكم لم تدركا فقط ما قلته بل أيضًا قد توقعتم ما سأقوله. إذن فلنشكر الرب!
21- انظروا فإنني أتكلم الآن مطمئنًا في ما سبق أن فهمتموه، فلست بعد أجمع ما لم تفهموه بل أجمع لما سبق أن أخبرتكم به. لقد لقبت وشرحت واحدة من هذه الأشياء الثلاثة، “فالذاكرة” اسم يطلق على واحدة فقط من الثلاثة، ومع هذا فإن الثلاثة تشترك معًا في وجودها (أي الذاكرة). إن كلمة (الذاكرة) بمفردها لا يمكن أن تفهم إلا بعمل الإرادة والفهم والذاكرة، كذلك كلمة “الفهم” لا يمكن أن تفهم بمفردها بدون عمل الذاكرة والإرادة والفهم. أيضًا كلمة (الإرادة) لا يمكن أن تفهم بمفردها إلا بعمل الذاكرة والفهم والإرادة.
أظن إنني أوضحت ما قد وعدت به. فما أنطقه الآن مجزءًا أدركه بدون انفصال، فالثلاثة يعملون معًا على إيجاد كل منهم على حدة. ومع ذلك فإن الواحد الذي ينتجه الثلاثة لا يخص الثلاثة بل واحد فقط. إن الثلاثة ينتجون معًا كلمة (الذاكرة)، ومع ذلك فإن هذه الكلمة تخص الذاكرة فقط. والثلاثة ينتجون معًا كلمة “الفهم”، ومع ذلك فلا تخص هذه الكلمة إلا الفهم فقط. الثلاثة معًا ينتجون كلمة “الإرادة”، ومع ذلك فلا تخص هذه غير الإرادة فقط. هكذا اشترك الثالوث القدوس في تكوين جسد المسيح ومع ذلك فإنه (الجسد) يخص المسيح وحده. اشترك الثالوث القدوس في تكوين هيئة الحمامة (الروح القدس) التي من السماء، ومع ذلك فهي لا تخص غير الروح القدس وحده. اشترك الثالوث القدوس في تكوين الصوت الذي من السماء ومع ذلك فهو يخص الآب وحده.
22- لا يثقل أحد عليّ لضعفي فيقول لي: “أي من هذه الأشياء الثلاثة التي أظهرتها لنا في عقلنا أو أرواحنا، أي منهما تقابل الآب أي تشابهه، وأي تقابل الابن، وأي منهم يقابل الروح القدس أنني لا أستطيع القول… إنني عاجز عن توضيح ذلك. لتصمتوا قليلاً ولتتأملوا. أدخلوا إلى أعماق نفوسكم مبتعدين عن كل ضوضاء. تأملوا في أعماق أنفسكم. انظروا إن كان هناك مكان هادئ لخلوة الضمير حيث لا ضوضاء ولا جدال ولا صراع ولا محاورات، حيث لا يوجد هناك أفكار تعصب ونضال كونوا ودعاء لسماع الكلمة حتى يمكنكم أن تفهموا. لكنكم قد تقولون لي “تسمعني سرورًا وفرحًا فتبتهج عظامي” (مز 51: 8)، العظام المتواضعة لا المتشامخة.
23- يكفي إنني أوضحت أن هناك ثلاثة أشياء تظهر منفصلة لكن أعمالها غير قابلة للانفصال. إن أدركتم ذلك في أنفسكم، إن كنتم تدركونها في الإنسان، إن كنتم قد أدركتموها في كائن يسلك على الأرض بجسد هزيل “يثقل الروح”، فلتؤمنوا إن الآب والابن والروح القدس يظهرون منفصلين برموز مرئية معينة، وفي أشكال خاصة مأخوذ عن الخليقة، ومع ذلك فإن أعمالهم غير قابلة للانفصال. إن هذا فيه الكفاية فلا أقول أن “الذاكرة” هو الآب و “الفهم” هو الابن و”الإرادة” هي الروح القدس. إنني لا أقول بهذا، ليفهم كل إنسان بحسب رغبته. إنني لا أجرؤ القول بهذا. لنترك هذه الحقائق العظيمة لمن هم أقدر عليها، وأما الضعفاء مثلي فيعلمون الضعفاء بحسب مقدرتهم.
إنني لا أقول بأن هذه الأشياء يمكن أن تتساوى بأي حال مع الثالوث القدوس أو تماثلها، أي أن تكون موضع للمقارنة. هذا ما لا أقوله ولكن انظروا ماذا أقول؟ إنني اكتشفت فيكم أشياء ثلاثة تظهر منفصلة لكن عملها غير قابل للانفصال، وكل اسم من هذه الأشياء تنتج بواسطة الثلاثة أشياء معًا، ومع ذلك فإنه لا يخص الثلاثة بل واحدًا منها.
إن كنتم قد سمعتم ورأيتم وحفظتم هذا في ذواتكم فآمنوا بالثالوث القدوس الذي لا تستطيعون رؤيته، إن الذي في ذواتكم يمكن أن تفهموه، وأما الذي في الله خالقكم فلا تعرفونه. فإنكم عاجزون مهما بلغت قوتكم. وحتى إن استطعتم فهل يمكنكم أن تعرفوا الله كما يعرف هو نفسه. يكفيكم هذا أيها الأحباء فقد قلت ما أستطيع القول به وأوفيت بوعدي كما طلبتم. أما الأمور الأخرى التي تريدون معرفتها من أجل تقدم فهمكم فلتطلبونها من الرب.
[1] . اُنظر اقوال القديس باسيليوس في كتاب النصرة – بيت التكريس بحلوان – حيث يذكر أن الروح القدس ينبثق من الآب ويستقر في الابن.
[2] . جاء النص He make Her a women.
[3] . كلمة صار تخص ميلاده الجسدي، لا ميلاده الأزلي.
[4] . أي أن شخصية الإنسان تختلف عن شخصية ابنه، وإن كان واحدًا من حيث الجوهر.
روجع
العظة الثالثة
“طوبى للمساكين بالروح… الخ وبخاصة عن “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله” (مت 5: 3، 8)
التطويبات في موعظة المسيح على الجبل
1- إذا عُدنا إلى ذكرى البتول المقدسة التي شهدت للمسيح، كما استحقت أن يشهد المسيح عنها، تلك التي ماتت جهارًا لكنها كُللت سرًا، فإن هذا يذكرني أيها الأحباء بالحديث إليكم عن النصائح التي نطق بها الرب في الإنجيل الآن، مؤكدًا لنا أن هناك مصادر كثيرة للبلوغ إلى الحياة المطوّبة. تلك الحياة التي يشتهيها كل البشر. حقًا إنه ما من إنسان إلا ويرغب في أن يكون مُطوبًا. آه إن كل البشر يشتهون الجعالة فعليهم أن لا ينحرفوا عن الطريق المؤدي إليها. من ذا الذي لا يجري بكل سرور عند سماعه إنه “سيكون مُطوبًا”؟ لذلك عليه أيضًا أن يصغي بسرور وابتهاج لسماع ذلك القول “طوباك إن فعلت هذا. فإذا نحب الجعالة علينا أن لا نهمل الجهاد ليت عقلنا يلتهب شوقًا للعمل إذ تجعل الجعالة أمامه. إن ما نشتاق إليه ونرغب فيه ونبحث عنه سيكون فيما بعد، وأما ما قد أمرنا بفعله – من أجل الحصول على ذلك الذي نبحث عنه – فينبغي أن يكون من الآن.
لنبتدئ الآن فنذكر الأقوال الإلهية والوصايا والجعالات الإنجيلية.
“طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات؟: كونوا مساكين بالروح الآن لأن لكم ملكوت السموات فيما بعد. ألا ترغبوا في ملكوت السموات؟ افحصوا أنفسكم منْ تكونون أنتم؟ كونوا مساكين بالروح. لعلكم تسألونني “وما هي المسكنة بالروح؟” إن من يتعظم لا يكون مسكينًا بالروح بل المتضع. لقد ارتفع ملكوت السموات ولكن من “يضع نفسه يرتفع”.
2- لاحظوا ما يلي بعد ذلك…. ” طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض” أنكم ترغبون في امتلاك الأرض، ولكن اِحذروا من أن تمتلككم هي. أنكم ستمتلكون الأرض إن كنتم ودعاء، وستملككم هي إن لم تكونوا هكذا.
عند سماعكم لهذه الجعالة ينبغي أن لا يبسط طمعكم الخفي لأجل رغبتكم في الأرض، فتحرمون جيرانكم بكل الطرق حتى تمتلكوا الأرض حاليًا. لا يخدعكم مثل هذا التصور. أنكم ستمتلكون الأرض حقًا إن التصقتم بالله صانع السماء والأرض. فوداعتكم هي عدم مقاومتكم لله. فإن صنعتم خيرًا تبهجون الله بكم ولا تبتهجوا أنتم بأنفسكم. وإن قاسيتم من الشر باستحقاق لا يكون الله مكرهة لكم بل أنتم مكرهة لأنفسكم. إنه ليس بالأمر الهين أن يسر الله بكم، عندما تكونون غير راضيين عن أنفسكم. أما إذا أبهجتكم ذواتكم فإنكم تغضبون الله.
3- أصغوا إلى التعليم الثالث: “طوبى للحزانى لأنهم يتعزون” هنا يشمل العمل حزنًا والجعالة عزاءَا. أية تعزية ينالها هؤلاء الذين يحزنون حزنًا جسديًا؟ تعزيات بائسة بأمور تزيد الخوف. هوذا الحزين يتعزى بأشياء تجعله يخشى أن يعود إليه الحزن مرة أخرى. فمثلاً موت ابن يُحزن الأب وميلاد ابن يُغبطه. واحد حُمل إلى القبر والآخر جلب إلى العالم. في الحالة الأولى حزنًا وفي الأخرى خوفًا. وفي كليهما لا يوجد عزاء. ولكن هناك العزاء الحقيقي الذي إذ يعطى لا يؤخذ منهم بعد، حتى هؤلاء الذين يحزنون لأنهم في المنفى الآن يبتهجون لأجل ما سينالونه من عزاء.
4- لنتقدم إلى العمل الرابع وجزائه “طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ لأنهم يشبعون” أما تريدوا الشبع؟ وكيف يكون ذلك؟ يشتاق الجسد إلى الشبع لأنه بعد الهضم يعود إليه الجوع مرة أخرى. لذلك يقول (المسيح) “كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا” (لو 4: 13). إذا ما شفى الدواء الجرح لا يكون بعد هناك ألم. لكن الطعام الذي نأخذه لأجل الجوع نأكله ليشبعنا إلى فترة قصيرة فقط. فإذا ما انتهى الشبع عاد الجوع. إن العلاج الخاص بالشبع نتناوله يوميًا ومع ذلك فلا زالت جراحاتنا عديمة الشفاء. لذلك ليتنا “نجوع ونعطش إلى البرّ لكي ما نشبع” من ذلك البرّ الذي نجوع ونعطش إليه الآن. ليت إنساننا الداخلي يجوع ويعطش ليكون له الطعام والشراب المناسب له. لقد قال (المسيح) “أنا هو الخبز الذي نزل من السماء” (يو 6: 41)، هذا هو خبز الجياع. ليتنا نشتاق أيضًا إلى الشرب كالظمآ “لأن عندك ينبوع الحياة” (مز 36: 9).
5- لاحظوا بعد ذلك “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون” افعلوا هذا يفعل بكم. عاملوا الآخرين بالرحمة فيرحمكم الله إنكم أغنياء وفي نفس الوقت فقراء، أغنياء في الأمور الزائلة وفقراء في الأمور الأبدية. إن الذي يستعطي منكم هو شحاذ وأنتم أيضًا تستعطون من الله. فمنكم يطلبون ومن الله أنتم تطلبون. كما تفعلوا بالذين يسألونكم يفعل الله بسائليه. أنكم مملوئين وفي نفس الوقت فارغين، املئوا الفراغ يشبعكم فيمتلئ فراغكم بكمال الله.
6- لاحظوا بعد ذلك “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.” هذا هو نهاية حبنا، تلك النهاية التي بها نصير كاملين غير هالكين، فللطعام نهاية وللملابس نهاية، فنهاية الطعام استنفاذه، ونهاية الملابس كمالها بحياكتها. لكليهما نهاية ولكن نهاية أحدهما هلاكه ونهاية الآخر كماله.
ومهما فعلنا، مهما صنعنا خيرًا، مهما بلغ شغفنا أو رغبتنا الطاهرة، فإن هذه كلها لا نحتاج إليها بعد، عند معاينتنا لله. فماذا يطلب الإنسان ما دام الله حاضرًا؟ وماذا يشبعه إن كان الله لا يشبعه؟ إننا نتوق لرؤيته ونبحث ونلتهب شوقًا لمعاينته. من لا يريد ذلك ولكن لتنتبهوا إلى القول “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”. زوِّدوا أنفسكم بهذا حتى تستطيعوا معاينته. لأنه حتى بالنسبة للجسد كيف ترغبون في رؤية الشمس بأعين متوعكة؟ لتكن أعينكم سليمة لتتمتعوا بالنور وإلا فإنها تتألم، هكذا لا يسمح للقلب غير النقي أن يعاين ما يراه القلب النقي. إنكم ستنعون وتُطردون بعيدًا ولا تعاينوا ذلك، لأنه طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”.
كيف سبق فعدد المطوّبين وأسباب تطويبهم، أعمالهم ومكافآتهم، استحقاقاتهم وجزاءاتهم، دون أن يقول قط “أنهم يعاينون الله”، “طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات، طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض، طوبى للحزانى لأنهم يتعزون، طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ لأنهم يشبعون، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون” إنه لم يقل قط “أنهم يعاينون الله” ولكن إذ نصل إلى “نقاوة القلب” نجد الوعد برؤية الله. هناك سبب وجيه لذلك وهو أن القلب يحوي العيون التي تعاين الله، فيتحدث بولس الرسول عن هذه الأعين قائلاً: “إنارة عيون قلوبكم”
إنها تستنير الآن بالإيمان لأنه مناسب لضعفها، وأما فيما بعد فإنها تستنير برؤية الله لقوتها. “فإذا… نحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب. لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان” (2 كو 5: 6-7). وإذا نسلك الآن بالإيمان ماذا يقال عنا؟ “فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز ولكن حينئذ وجهًا لوجه” (1 كو 13: 12).
7- لا تسلموا بالتفكير في النظر إلى وجه جسدي، لئلا في شوقكم الملتهب نحو رؤيته تهيئون وجهكم الجسدي لرؤيته، وبهذا تبحثون عن وجه (جسدي) في الله. لكن إذا تصورنا الله روحًا على الأقل دون أن نتصوره جسديًا – هذا الموضوع الذي سبق معالجته بتوسع بالأمس[2] [3] إن كنت قد نجحت في إزالة تلك الصورة البشرية من قلوبكم كما من هيكل الله، إذا كان الرسول يعبر عن مضايقته من هؤلاء الذين “بينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء أبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى” (رو 1: 22-23). إن كان هذا قد دخل إلى أعماق أفكاركم، وامتلك قلوبكم الداخلية، إن كنتم تنفرون من هذا الكفر، وتحفظون لله هيكله نقيًا، إن كنتم تريدونه يأتي، ويجعل له مسكنًا فيكم، “تفطنوا في الرب بفطنة صالحة وأطلبوه ببساطة قلب”[4] (حك 1: 1).
تنبهوا من هو هذا الذي تخاطبونه قائلين له بإخلاص” لك قال قلبي… وجهك يا رب أطلب” (لها رقم 7 في الهامش ولكن غير موجود هذا الرقم؟؟؟ ص40) لتطلب قلوبكم هذا فتقول “وجهك يا رب أطلب” لتبحثوا هكذا عنه، لأنكم تبحثون عنه بقلوبكم.
يتحدث الكتاب المقدس عن “وجه الله – ذراع الله – يديّ الله – قدميّ الله – كرسي الله – موطئ قدميه”، ولكن لا تفكروا في هذه كلها كأعضاء بشرية، لأنكم إن أردتم أن تكونوا هيكلاً لله فلتكسروا، تمثال البهتان. إن يديّ الله هي قوته، ووجهه هو معرفته، وقدميه هما حلوله، كرسي الله هو أنتم إن أردتم. لكنكم قد تتجاسرون فتنكرون أن المسيح هو الله. إنكم تقولون: “ليس كذلك”.
هل تسلمون بهذا أيضًا أن المسيح “قوة الله وحكمة الله”؟ تجيبون: “نسلم بهذا”.
اسمعوا إذن “روح البار كرسي الحكمة” (حك1). نعم لأنه ما هو كرسي الله سوى المكان الذي يسكنه. وأين يسكن الله إلا في هيكله؟ “لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو” (1 كو 3: 17).
اسهروا في استقبالكم لله. “الله روح، والذين يسجدون لله فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا له” (يو 4: 24). ليدخل تابوت العهد قلوبكم وليسقط داجون إن أردتم” (1 صم 5: 3).
لتصغوا الآن. ولتتعلموا أن تشتاقوا إلى الله. كونوا مستعدين لأن تتعلموا كيف ترون الله. إنه يقول “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”. لماذا تعدوا أعينكم الجسدية لو كان الله يرى بواسطتهما، ذلك الأمر الذي لو كان كذلك لصارت رؤيتنا له محدودة بمكانٍ ما، لكن ذلك الموجود في كل مكان لا يحده مكان. إذن فلتنقوا ذاك الذي به ترون الله.
8- اسمعوا وافهموا لعلي أستطيع بنعمة الله أن اشرح ذلك لكم. ليعطينا بمعونته فهمًا لتلك الأعمال السابق تسميتها وجزاءاتها. كيف وهبت لنا جزاءات مناسبة للأعمال، لأنه في أي موضع جاء جزاء غير مناسب للعمل؟ فإذ يبدو المتضعين كأنهم غرباء عن أي مُلك قال “طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات”. وإذ يسهل طرد الودعاء من أرضهم قال “طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض”. وهكذا فإن الباقي سهل ولا يحتاج إلى الإطالة في شرحه بل إلى مجرد الإشارة إليه. “طوبى للحزانى” وأي حزين لا يرغب في التعزية؟ إنه يقول “لأنهم يتعزون”. “طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ” وأي جائع أو ظمآن لا يبحث عن الشبع؟ “لأنهم يشبعون”.”طوبى للرحماء” وما هو الرحيم غير ذلك الذي يريد أن يعامله الله بالرحمة فيفعل به ما يفعله هو بالفقير؟ “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون”، إننا نجد لكل عمل الجزاء المناسب له، ليس هناك مكافأة غير متناسقة مع الوصية!
هذه هي الوصية أن تكون “مسكينا بالروح” والجزاء هو “ملكوت السموات”
الوصية هي أن تكون “وديعًا” والجزاء “أنك تملك الأرض”.
الوصية هي أن “تحزن” والجزاء هو “أنك تتعزى”.
الوصية هي أن “تجوع وتعطش” إلى البرّ والجزاء هو “أنك ستشبع”.
الوصية هي أن تكون “رحيمًا” والجزاء هو “أنك ستُرحم”.
وأيضًا الوصية هي أن تكون “نقي القلب” والجزاء هو “معاينتك لله”.
9- لكن لا تفهموا هذه الوصايا وجزاءاتها هكذا بأن تظنوا عند سماعكم “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”، أن المساكين بالروح أو الودعاء أو الحزانى أو الجائعين والعطاشى إلى البرّ أو الرحماء لا يرونه. لا تظنوا بأن أنقياء القلب فقط هم الذين سيعاينوه بينما يحرم الآخرون من رؤيته. لأن هذه الصفات جميعها هي لنفس الأشخاص. أنهم جميعًا سيعاينوه، ولكن لا يعاينوه لأنهم مساكين بالروح أو ودعاء أو حزانى أو جياع وعطاش للبرّ أو رحماء بل لأنهم أنقياء القلب. هكذا مثل الأعمال الجسدية التي قد خصصت لها أعضاء جسدية كثيرة، فيقول قائل مثلاً “طوبى للذين لهم أقدام لأنهم يمشون، طوبى للذين لديهم أيدي لأنهم يعملون، طوبى للذين لهم صوتًا لأنهم يصرخون عاليًا، طوبى للذين لهم فمًا ولسانًا لأنهم يتحدثون، طوبى للذين لهم أعينًا لأنهم يرون، هكذا رتب إلهنا الأعضاء كما لو كانت للروح معلمًا ما هو مناسب لكل. فالاتضاع يؤهل لامتلاك ملكوت السموات، والوداعة تؤهل لامتلاك الأرض، والحزن للتعزية، والجوع والعطش إلى البرّ للشبع، والرحمة للحصول عليها، ونقاوة القلب لمعاينة الله.
10- كيف ننقي عيوننا إن كنا نرغب في معاينة الله؟ فمن لا يهتم ويسهر باحثًا عن الوسائل التي بها ينقي العيون التي تعاين ذاك الذي يشتاق إليه بحب عميق؟ عبَّر الكتاب المقدس عن هذا قائلاً: “إذ طهر بالإيمان قلوبهم” (أع 15: 9). الإيمان بالله ينقي القلب، والقلب النقي يعاين الله.
يقتبس أحيانًا بعض الخادعين لأنفسهم على تعريف الإيمان faith بالاعتقاد Believe، فإذ يعتقدون وهم بعد في حياة الشر يعدون أنفسهم برؤية الله وملكوت السموات. يقول الرسول يعقوب ضد هؤلاء في رسالته – في سخط وغضب ولكن في حب مقدس – “أنت تؤمن أن الله واحد” أنك تمدح نفسك لإيمانك، إذ ترى الكثيرين يعتقدون بوجود آلهة كثيرة، فتبتهج بنفسك لأنك تؤمن بإله واحد “حسنًا تفعل والشياطين يؤمنون believe ويقشعرون” (يع 2: 19)، فهل هؤلاء أيضًا يعاينون الله؟ إن أنقياء القلب هم الذين يعاينونه، ولكن من يستطيع القول بأن الأرواح الشريرة نقية القلب؟ ومع هذا فهم أيضًا “يؤمنون ويقشعرون”.
11- كذلك ينبغي أن يكون هناك فارق بين إيماننا وإيمان الشياطين، لأن إيماننا ينقي القلب، وأما إيمانهم فيجعلهم مذنبين ويصنعون الشر، ومع ذلك يقولون لله: “ما لنا ولك” (مت 8: 29؛ مر 24: 1؛ لو4: 34). لعل عند سماعكم هذا تعلمون بأنهم لم يكونوا قد عرفوه. لقد قالوا “نحن نعرفك بن أنت ابن (قدوس) الله. هذا ما قاله بطرس أيضًا فمُدح وقاله الشيطان فوُبخ. كيف يحدث هذا رغم تشابه القول إلا لأن القلب كان مختلفًا؟ لذلك ينبغي أن نميز إيماننا غير مكتفين بالاعتقاد. فالاعتقاد لا يكفي ليكون إيمانًا ينقي القلب. لقد قيل “إذ طهر بالإيمان قلوبكم” ولكن بأي إيمان غير ذلك الإيمان الذي عرفه الرسول بولس قائلاً: “الإيمان العامل بالمحبة” (غل 5: 6). هذا الإيمان يميِّزنا عن إيمان الشياطين وإيمان فاسدي السيرة.
إنه يقول “الإيمان” وأي إيمان؟ “العامل بالمحبة”. وذلك الإيمان الذي يرجو مواعيد الله ليس هناك أكثر دقة أو كمال من هذا التعريف ففي الإيمان توجد هذه الأمور الثلاثة:
ذاك الذي إيمانه عامل بالمحبة والذي يترجى مواعيد الله.
الرجاء أيضًا مشارك للإيمان، إذ بمقدار عدم رؤيتنا لما نعتقد به يكون الرجاء ضروريًا لئلا نفشل بسبب عدم رؤيتنا، ويأسنا من أن نراه. فعدم رؤيتنا يحزننا ولكن رجاءنا في الرؤية يعطينا عزاءًا. للرجاء موضع هنا وهو مشارك للإيمان.
أيضًا المحبة التي بها نشتاق ونجاهد من أجل الحصول على الشيء ونلتهب شوقًا ونجوع ونعطش. لذلك ينبغي أن نحصل عليها أيضًا. وبذا يكونوا ثلاثة (الإيمان والرجاء والمحبة). إن كان الإيمان قد عُرف بأنه العامل بالمحبة Love، فكيف لا تكون هنا محبة Charity ما دامت المحبة ليست إلا الحب Love.
زيلوا الإيمان فيزول اعتقادكم، انزعوا المحبة فتباد كل أعمالكم. فمن اختصاص الإيمان أن نعتقد، ومن اختصاص المحبة أن نعمل، فإن كنتم تعتقدون بدون أن تحبوا لا تنتظروا من أنفسكم أعمالاً صالحة، وإن صنعتم أعمالاً صالحة فإنكم تضيعونها كخدام تخشون العقاب، لا كأبناء محبين للبرّ. لذلك أقول أن الإيمان العامل بالمحبة ينقي القلب.
12- ولكن ما هي آثار هذا الإيمان حاليًا؟ إن عمل الإيمان بحسب شهادة الكتاب المقدس بدروسه المطولة ونصائحه المختلفة الوفيرة هو إنه يجعلنا” ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه” (1 كو 13: 12).
لا تعودوا بعد إلى التفكير فيه بوجه جسدي فكروا فيه بوجه قلبي فقط. اغصبوا قلوبكم بالقوة للتفكير في الأمور الإلهية، اطردوا الأمور التي تشبه الجسديات من أن تشغل أفكاركم. إن لم تستطيعوا القول “بأنه هو” فعلى الأقل تقولون “أنه ليس هو“[5]. لأنه من يستطيع أن يقول هذا هو الله؟ إن هذا لا يحدث إلا عند رؤيتكم له، لأن ما ترونه لا ينطق به. لذلك يقول الرسول “اُختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها” (2 كو 12: 4). وإن كانت الكلمات التي سمعها لا ينطق بها فكم يكون هذا الذي كلماته هكذا؟ لذلك إن فكرتم في الله وجاءتكم الفكرة في صورة بشرية عجيبة وعظيمة جدًا، ونظرتم إلى هذا كأمر عظيم وجليل أمام فكركم فإنكم تكونون قد حددتم الله بحيز معين. إن حدث هذا فهو ليس الله فكيف يكون له وجه (جسدي)، لو لم تصنعوا حدودًا لها (للصورة)؟ إنكم تتصورون لأنفسكم جسدًا عظيمًا، ولكي ما يتميزوا بين أعضائه تصنعون له حدودًا، إذ بهذا تصنعون تصورًا جسديًا سخيفًا أنكم تصنعون جسدًا كبيرًا تضخمونه كلما أردتم تكريم الله. بل يضيف الآخرون إليه عظمًا ويجعلون بصورة أعظم من السابقة.
لكنكم قد تقولون: أننا قرأنا، وماذا قرأتم يا من لم تفهموا شيئًا؟ أخبروني ماذا قرأتم؟ لا تعود بعد كالطفل في فهمه للعبته. اَخبروني بما قرأتم: “السماء عرشي. والأرض موطئ قدمي”[6] (إش 66: 1). لقد سمعتكم وقد قرأت أنا ذلك أيضًا. قد تظنون إذن لكم مصلحة فيما قرأتم واعتقدتم، فإنني اَعتقد أيضًا بما تقولونه. لنعتقد سويًا. ماذا أقول؟ لنبحث معًا. آه تمسكوا بما قرأتم واعتقدتم. “السماء عرشي (أي كرسي لأن عرشي “باليونانية” تعني كرسي) والأرض موطئ قدميّ. ألم تقرأوا جيدًا “من قاس السموات بالشبر” (إش 40: 12). أظنكم قرأتم هذا إذ تعرفونه وتعتقدون به ففي هذا الكتاب نقرأ كلا النصين ونعتقد بهما. فكروا قليلا وعلموني فإني أجعلكم معلمين لي وأنا اَستصغر أمامكم، أتوسل إليكم أن تعلموني “من هو هذا الذي يجلس على راحة يده”[7].
13- انظروا فقد رسمتم صورة وملامح لأعضاء الله من جسد بشري. وقد يعرض على تفكيركم أن هذا يوافق الجسد الذي منه نحن صورة الله. سأقبل هذا إلى لحظات حتى نتبصر في ذلك ونفحصه ونختبره وننقبه بالجدل. الآن إن كان هذا يبهجكم فلتسمعوا لي فيما قد سمعت لكم. يجلس الله في السماء ويقيسها بالشبر، ماذا؟ هل تتسع السماء بكونها كرسي لله وتضيق عند قياسها؟ هل يبقى الله محدودًا عند جلوسه بقدر راحة يده؟ لو كان الله كذلك فإنه لم يخلقنا على شبهه، لأن راحة يدنا أصغر بكثير من الجزء الذي نجلس به. ولكن إن كانت راحة يده تتسع عند جلوسه، فإنه لم يصنع أعضائنا على شبهه. ليست هنا مماثلة. ليخجل المسيحي من أن يقيم تمثالاً كهذا في قلبه. لهذا فلتفكروا في السماء إنها كل القديسين. لأنه يقال عن سكان الأرض “كل الأرض تسجد لك” (مز 66: 4)، فإن قلنا بحق عن كل سكان الأرض “كل الأرض تسجد لك”، فإننا نقول أيضًا يحق عن سكان السماء كل السماء تحملك، لأنه حتى القديسين الذين يقطنون الأرض يقطنون السماء بقلوبهم رغم أنهم يسيرون على الأرض بأجسادهم فليس باطلاً تنبيههم “ارفعوا قلوبكم”
[8]. فعند تذكيرهم بهذا يجيبون أنهم قد رفعوها. لم يقل باطلاً “فإن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتموا بما فوق لا ما على الأرض” (كو 3: 1-2). فبمقدار اختلاطهم بالسماويات يحملون الله ويكونون سماء لأنهم كمرسى الله، وعندما يعلنون كلام الله فإن “السموات تحدث بمجد الله”.
14- لتعودوا معي إلى الوجه القلبي وليكن مستعدًا، فالذي يحدثه الله هو داخلي فالآذان والأعين وكل بقية الأعضاء المرئية إما أنها أعضاء داخلية فتكون مكانًا لسكنى أو وسيلة لأمور داخلية، إنه الإنسان الداخلي الذي يسكنه المسيح الآن بالإيمان، وفيما بعد فيسكنه بحلول لاهوته، حينذاك ندرك ما هو العرض والطول والعمق والعلو. ونعرف محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلؤا إلى كل ملء الله” (أف 3: 1-19).
إن كنتم تريدون الدخول إلى عمق هذه الكلمات استدعوا كل قواتكم لتدركوا العرض والطول والعلو والعمق.. لا تحوِّلوا تخيلاتكم إلى ما هو في حيز العالم، لأن هذا الحيز المدرك جسد متسع. انظروا فيما أحدثكم عنه إلى ذواتكم “العرض” هو الأعمال الصالحة، “الطول” هو المثابرة والمداومة على الأعمال الصالحة، العلو هو رجاءكم في البركات الخالقة، فمن أجل هذا العلو تؤمروا “ارفعوا قلوبكم”. اصنعوا خيرًا وثابروا عليه من أجل جعالة الله احتسبوا الأمور الأرضية كلا شيء، لئلا عندما تُبلى الأرض بأي كارثة تقولون أنكم كنتم تعبدون الله باطلاً، وتصنعون الخير عبثًا وتثايرون على عمل الخير بلا فائدة فبعملكم الخير يكون لكم العرض، وبمثابرتكم عليه يكون لكم الطول. ولكن بحثكم عن الأمور الأرضية لا تأخذوا “الارتفاع” الآن فلتلاحظوا “العمق” إنه النعمة الإلهية في توزيعها الخفي بحسب إرادته. لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرًا” ((رو 11: 34)، أحكامك لجة عظيمة” (مز 36: 5).
15- هذا الحديث عن الأعمال الصالحة والمثابرة عليها والرجاء في الحصول على الجزاءات السابقة والتوزيع الخفي لنعمة الله بحكمة لا بغباوة، بدون أي خطأ لأنه يأخذ شخص بوسيلة وآخر بوسيلة أخرى، لأنه ليس عند الرب إلهنا ظلم” (أي 19: 7؛ رو 9: 14). أقول إن كنتم تفكرون حسنًا فلتطبقوا هذا أيضًا على صليب ربنا. لأن هذا الذي في سلطانه أن يحيا أو يموت لم يختار هذا النوع من الموت اعتباطًا. إن كان في سلطانه أن يموت أولاً يموت لماذا لا يكون في سلطانه أيضًا أن يموت بوسيلة أو أخرى، إن اختياره للصليب لم يكن اعتباطًا، ففيه يصلبكم للعالم.
العرض هو قطعة الخشب الأفقية التي في الصليب والتي بسطت عليها اليدان لتعلن عن الأعمال الصالحة. والطول هو قطعة الخشب التي تمتد من هذه القطعة (الأفقية) إلى الأرض، حيث صلب عليها الجسد وثبت عليها منتصبًا معلنًا عن المثابرة. “العلو” هو الجزء أعلى القطعة الأفقية البارزة فوق الرأس وهي تعلن الرجاء في الأمور السابقة، وأين “العمق” إلا ذلك الجزء الثبت في الأرض؟ لأنه هكذا يحدث توزيع النعمة سرًا، إنها لا ترى في ذاتها ولكنها تحمل كل ما هو مرئي.
إن أدركتم هذه الأمور جميعها ليس بمجرد فهمًا بل وبالعمل بها أيضًا “حسن الفطنة لكل الذين يعملون بها”[9] (مز 110: 1)، لذلك إن استطعتم أن تجاهدوا للحصول على معرفة “محبة المسيح الفائقة المعرفة”. إن كنتم قد حصلتم عليها “لكي تمتلؤا إلى كل ملء الله” (إش 4: 19). حينئذ يتم “وجهًا لوجه” الآن ستمتلئوا إلى كل ملء الله، هذا لا يعني إن الله سيمتلئ منكم بل أنتم تمتلئون من الله.
ابحثوا إذن إن كنتم تستطيعون ذلك بأي وجه جسدي. أزيلوا من أفكاركم هذه التفاهات. ليلقي الطفل لعبته ويتعلم أن يتمسك بأمور أعظم ففي أمور كثيرة لسنا إلا أطفالاً ولكن إذ يسمو عن حالتنا التي نحن فيها نكون قد طبعنا على التقدم “اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب” (عب 12: 14)، لأنه بهذا يتنقى القلب، لأن فيه ذلك الإيمان “العامل بالمحبة” من ثم طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”.
[1]
[2]
[3] لعله يقصد بذلك عظته عن رؤية الله (مز 73: 23).
-
طبعة الكاثوليك – بيروت 1951و (أف 1: 18).
-
جاء النص “Think of the Lord with a good heart and in simplivity of heart seek for him”.
[4]
[5] .يقصد بذلك أنه لن نستطع أن تدرك الله بالقلب ونعاينه، فعلى الأقل نعترف بأن تصوراتنا الجسدية عن الله ليست هل الله.
[6] ز هذا النص حسب طبعة الكاثوليك. أما طبعة جمعية التوراة الأمريكانية (السماء كرسي).
[7] . لأنه يجلس على السموات التي قاسها بالشبر.
[8] .القداس الإلهي.
[9] . طبعة كاثوليكية سنة 19، تعني أن حسن فهم لواصية هو العمل بها.
روجع
العظة الرابعة
“فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات” (مت 5: 16)
وما يبدو مناقضا لها
“احترزوا من أن تصنعوا برّكم[1] قدام الناس لكي ينظروكم” (مت 6: 1)
1- أحبائي الأعزاء إن ما جاء في عظة ربنا يسوع المسيح الواردة في الإنجيل تحيِّر الكثيرين إذ بعد ما قال “فليضئ نوركم قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات” قال “احترزوا من أي تصنعوا برّكم قدام الناس لكي ينظروكم”، لأنه يضطرب عقل ضعيف الفهم هكذا فإذ يرغب في طاعة كلا الوصيتين يتشتت فكره بسبب الاختلاف والتناقض بينهما. لأنه كما يشهد المخلص نفسه في هذه الموعظة بأنه لا يقدر أحد أن يخدم إلا سيدًا واحدًا، فلو خدم سيدين قد تعطي له أوامر متضادة. ماذا يفعل العقل عندما يتردد إذ يفكر في استحالة تنفيذ الوصيتين، (وفي نفس الوقت) يخاف من عصيان أحدهما. فإذا أظهر أعماله الحسنة ليراها الناس حسب الوصية القائلة: “فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات”، فإنه يشعر بأنه قد أذنب بمخالفة للوصية الأخرى القائلة: “احترزوا من أن تصنعوا برّكم قدام الناس لكي ينظروكم”. فإذا ما خاف وتجنب ذلك مخبئًا أعماله الحسنة يظن أنه قد عصى ذلك الذي أوصى قائلاً: “فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة”.
2- أما صائب الفهم فهو ينفذ الوصيتين، وبذلك يطيع رب الكل في كليهما. فإن لم تكن هناك إمكانية لتنفيذ الوصايا ينبغي أن لا يدين الخادم المتواني في تنفيذها.
أصغوا إلى بولس “عبد يسوع المسيح المدعو رسولاً المفرز لإنجيل الله” (رو 1:1)، إذ عمل وعلم بهما. انظروا كيف أضاء بنوره قدام الناس حتى يروا أعماله الصالحة. لقد قال “مادحين أنفسنا لدى ضمير كل إنسان قدام الله” (2 كو 4: 2). وأيضًا معتنين بأمور حسنة ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس أيضًا” (2 كو 8: 21). وأيضًا “كما أنا أيضًا أرضوا الجميع في كل شيء” (1 كو 10: 33). انظروا من الناحية الأخرى كيف يحترز من أن يصنع برّه قدام الناس لينظروه إذ يقول: “ليمتحن كل واحد عمله وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره” ( غلا 6: 4). وأيضًا: “لأن فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا” (2 كو 1: 12). كذلك هذا النص الأوضح من الجميع “فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح” (غلا 1: 10). ولكن لئلا يفتري أحد المرتبكين في وصايا ربنا نفسه – فينظرا إليها كأنها متناقضة – ضد رسوله قائلاً: كيف يقول “كما أنا أيضًا أرضوا الجميع في كل شيء” ومع هذا القول “فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدا للمسيح”؟ ليت الرب الذي تكلم في عبده ورسوله يكون معنا مظهرًا لنا إرادته معلنًا لنا الوسائل التي نطيع بها الوصايا.
3- إن نفس كلمات الإنجيل تحمل في ذاتها تفسيرًا لها، دون أن تسد أفواه الجائعين إليها، إذ ترى أن عليها تقتات قلوب أولئك القارعين فينبغي أن نهتم بنية قلب الإنسان واتجاهاته ومقاصده، فالذي يرغب في أن يرى الناس أعماله الحسنة مظهرًا أمامهم عظمته ومحاسنه باحثًا عن هذا المجد في نظر البشر لا ينفذ أي الوصيتين التي علَّمنا إياهما الرب في هذا الموضوع. إنه يهتم بصنع البرّ أمام الناس لكي ينظروه فلم يضئ نوره قدام الناس فيروا أعماله الحسنة ويمجدوا أباه السماوي.
إنه يرغب في مجد نفسه لا في مجد الله ساعيًا وراء مصلحته الخاصة غير محب لإرادة الله. يقول الرسول عن مثل هؤلاء “إذ الجميع يطلبون ما هو ليسوع المسيح” (في 2: 21)، لذلك لا تنتهي الآية بهذه الكلمات “فليضئ نوركم قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة”، بل أضاف الهدف من هذا العمل وهو “فيمجدوا أباكم الذي في السموات” فالإنسان الذي يصنع الأعمال الحسنة يكون هدفه هو صنع الخير من ضميره دون أن يقصد معرفة الناس له إلا لتمجيد الله، لمنفعة الذين يعرفونه، فإليهم تريد المنفعة إذ يسرون بالله الذي أعطى الإنسان هذه القوة وبذا ألا ييأسون بل تمنح لهم القوة عينها إن أرادوا.
إنه لم ينهي الوصية الأخرى “احترزوا من أن تصنعوا برّكم قدام الناس” إلا بهذه الكلمات “لكي ينظروكم”. لم يضيف في هذه الحالة “فيمجدوا أباكم الذي في السموات”. وبذلك أظهر لنا أن لا يكون مؤمنيه مثل هؤلاء الذين يسعون وراء المكافأة في هذا الموضوع حتى يراهم الناس، فيوجهون كل اهتمامهم فيما ينظرونه إليهم، وبذلك تسر كبرياء قلوبهم وغرورهم وتعظمهم وتشامخهم وفسادهم، لأنه لماذا لم يكتف بالقول “احترزوا من أن تصنعوا برّكم قدام الناس” بل أضاف “لكي ينظروكم”، إلا لأن هناك من “يصنعون البرّ أمام الناس” من أجل أن يراهم الناس بل لكي ترى الأعمال نفسها فيمجدوا الآب السماوي الذي وهب تلك العطايا للأشرار الذين يبرهم؟
4- إن أمثال هؤلاء لا يصنعون البرّ كأنه منهم بل من الله بواسطة الإيمان الذي به يحيون حيث يقول الرسول أيضًا “لكي أربح المسيح وأوجد فيه وليس لي برّي الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح البرّ من الله بالإيمان” (في 3: 8-9). وفي موضع آخر يقول “لنصير نحن برّ الله فيه” (1 كو 5: 21). وأيضًا حيث يظهر خطأ اليهود بقوله “لأنهم إذ كانوا يجهلون برّ الله ويطلبون برّ أنفسهم لم يخضعوا لبرّ الله” (رو 10: 3)، فالذين يرغبون في إظهار أعمالهم الحسنة للبشر حتى يمجدوا ذاك الذي أخذوا منه هذه الأعمال الظاهرة فيهم، فيدفع الذين يرونهم نحو تقليدهم بواسطة الإيمان، فبالحق يضيء نورهم أمام الناس لأن منهم تنبعث أشعة نور المحبة. فليس نورهم مجرد رائحة كبرياء، ففي عملهم يحذرون من أن يظهروا أعمالهم للناس بحيث يفهمون أن هذا البرّ منهم، ولا لكي يظهرون أنفسهم، بل يعرف الله الذي يتمجد في الذين تبرروا، وبذلك يعطي الله الذين يمجدونه الأمور التي يمجدها الآخرون فيها، أي أن الله يجعلهم هم أنفسهم موضع التمجيد.
لاحظوا الرسول أيضًا كيف أنه عندما قال: “كما أنا أيضًا اِرضوا الجميع في كل شيء” (1 كو 10: 33)، فإنه لم يقف عند هذا كما لو كان إرضاء الناس هو هدفه النهائي وإلا كان كلامه باطلاً عندما يقول “لو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبدا للمسيح” (غلا 6: )، بل أردف للحال عن سبب إرضاءه للناس قائلاً: “غير طالب ما يوافق نفس بل الكثيرين لكي يخلُصوا” (1 كو 10: 33). لذلك فإنه لا يُرضي الناس لأجل منفعته الخاصة وإلا فلا يكون “عبدا للمسيح”، بل يرضي الناس لأجل خلاصهم حتى يكون رسولاً أمينًا للمسيح، لأنه يكفيه ضميره في نظر الله بالنسبة لنفسه، ومنه تشع أمورا يقتدي بها الناظرين إليه.
[1] . طبعة الكاثوليك 1951م.
روجع
العظة الخامسة
“من قال (لأخيه) يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم” (مت 5: 22)
1- إن فصل الإنجيل المقدس الذي قرأ الآن لابد وأن يكون قد ارعينا عند سماعه إن كان لنا الإيمان، لأنه لا يرغب غير المؤمنين، فإذ لا يرعبهم هذا الفصل يبقون في شعورهم بالسلام الباطل، غير عارفين كيف يميزون بين الأوقات الناسبة للسلام والخوف. فينبغي أن يخاف (الإنسان) في هذه الحياة الوقتية حتى يحصل على السلام في الحياة الأبدية. لذلك نرتعب، إذ من لا يخاف من القائل بالحق، الذي يقول “من قال (لأخيه) يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم”، ومع ذلك فإن “اللسان لا يستطيع أحد من الناس أن يقمعه” [1] (يع 3: 8), فالإنسان يروِّض الوحوش الضارية، وأما لسانه فلا يُقمعه.
يروِّض الأسد وأما حديث فلا يلجمه. يروِّض كل شيء وأما ذاته فلا يروِّضها. يروِّض كل ما يخافه وكل ما ينبغي أن يخافه حتى يستطيع أن يروِّض نفسه التي لا يخافها. ولكن كيف يكون ذلك؟ إنه نص حقيقي صادر من رسول الحق “وأما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يقمعه”.
2- إذن ماذا نفعل يا أحبائي؟ إنني أرى حقًا أنني أُحَدِثُ جمعًا كبيرًا، ومع ذلك أرى أننا واحد في المسيح. لنتشاور كما لو في الخفاء، فليس من غريب يسمعنا، فإننا جميعنا واحد لأننا قد اتحدنا في واحد. ماذا نفعل إذن؟ “من قال (لأخيه) يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم”، إلاّ أن “اللسان لا يستطيع أحد من الناس أن يلجمه”، فهل تدخل البشرية جميعها إلى نار جهنم؟ حاشا لله!
“يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور” (مز 90: 1). غضبك عدل، إنك لا ترسل إنسانًا إلى جهنم ظلمًا. “أين أذهب من روحك” (مز 139: 7)، وإلى أين أهرب منك إلا بالالتجاء إليك؟ إذن فلنفهم أيها الأحباء الأعزاء بأنه إن كان لا يستطيع أحد أن يلجم لسانه، فلنلتجأ إلى الله الذي يستطيع أن يلجمه. إن أردتم أن تلجموه لا تستطيعون لأنكم بشر. “وأما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يقمعه”، لاحظوا التشبيه المماثل لذلك في الحيوانات التي نروِّضها فالحصان لا يستطيع أن يروِّض نفسه، والجمل لا يروِّض نفسه، والفيل لا يروِّض نفسه والأفعى لا تروِّض نفسها، والأسد لا يروِّض نفسه، هكذا لا يستطيع الإنسان أن يروِّض نفسه. لكن لو أراد الإنسان لأمكنه أن يروِّض الحصان والثور والجمل والفيل والأسد والأفعى. ليتنا نبحث عن الله حتى يروِّضنا.
3- لذلك “أيها الرب قد صرتَ ملجأ لنا. “إليك نسلم ذواتنا وبمعونتك يكون صلاحنا”. لأنه بذاتنا يكون لنا المرض، لأننا تركناك فُتركنا لذواتنا. إذن فلنوجد فيك لأنه بذواتنا نهلك. “أيها الرب قد صرت ملجأ لنا “لماذا نشك أيها الإخوة في استطاعة الله على إصلاحنا إن سلمنا له ذواتنا حتى يروِّضها؟ أنكم تروِّضون الأسد الذي لم تصنعونه أفلا يستطيع خالقكم أن يروِّضكم؟ لأنه من أين أتيتم بالقوة التي بها تروِّضون الوحوش المفترسة؟ ألعلكم متساوون في القوة الجسدية؟ فبأي قوة إذن تستطيعون بها إخضاع الحيوانات الكثيرة؟ إن الحيوانات التي تستخدم للحمل مفترسة بطبيعتها كما تدعونها. إنها إذ كانت في طبيعتها المفترسة لم تكن نافعة، لكن إذ تعودنا أن لا نعرف هذه الحيوانات إلا وهي خاضعة تحت أيدينا، تحت سلطان البشر فهل تظنوا أنها وُلدت بهذه الحالة المستأنسة. على أي حال انظروا إلى الوحوش التي هي بلا شك مفترسة. “الأسد زمجر فمن لا يخاف” (العالم 3: 8)، ومع ذلك أي شيء تجده في نفسك أعظم منه قوة؟ ليس في القوة الجسدية بل في رشد العقل الداخلي أنك أقوى من الأسد في كونك جُبلت على صورة الله. ماذا؟ أيمكن لصورة الله أن تروِّض الأسد المفترس، ويعجز الله عن ترويض صورته (الإنسان)؟
4- أن فيه رجاءنا، لنخضع ذواتنا له ملتمسين رحمته. ليكن رجاءنا فيه. لنحتمل مدربنا حتى نتروَّض، ونروَّض تمامًا أي نصير كاملين. لأنه غالبًا ما يجلب علينا مروِّضنا تأديبات أيضًا. إن كنتم تحضرون أسواطًا تروِّضون بها حيواناتكم المفترسة أفما يصنع الله مع وحوشه التي هي نحن، هذه التي يجعل منها أولادًا له. أنكم تروِّضون حصانكم. ولكن ماذا تعطونه عندما يحملكم بهدوء، ويحتمل تداريبكم ويطيع أوامركم، ويكون لكم حيوانًا مخلصًا مفيدًا؟ كيف تستطيعون أن تكافئونه يا من حتى عند موته لا تدفنونه بل تلقونه خارجًا فتمزقه الطيور المفترسة؟ بينما عندما تُروِّضون يحفظ الله لكم الميراث الذي هو الله نفسه، ومع أنكم تموتون إلى فترة قصيرة فإنه سيقيمكم إلى الحياة مرة أخرى. إنه سيعيد لكم أجسادكم حتى بكامل عدد شعوركم، ويجلسكم مع الملائكة إلى الأبد حتى لا تحتاجون بعد إلى يده المروِّضة بل يغنيكم برحمته المتزايدة لأنه سيكون الله “هو الكل في الكل (1 كو 15: 28)، ولا تعودوا بعد تمتحنون بالشقاء بل تقتاتون بالسعادة وحدها. سيكون إلهنا نفسه راعينا، سيكون إلهنا كأسنا، سيكون إلهنا مجدنا، سيكون إلهنا كنزنا. مهما تعددت مطالبكم في هذه الحياة فإنه هو وحده سيكون كل شيء لكم.
5- إن كان على هذا الرجاء يروِّض الإنسان أفيبدو المروِّض قاسيًا؟ على هذا الرجاء يروِّض الإنسان فهل يتذمر على مدرِّبه المحسن إليه إذا اِستخدم معه التأديب؟ لقد سمعتم نصائح الرسول بولس “إن كنتم بلا تأديب… فأنتم نغول لا بنون” (عب 12: 8)، فأي ابن لا يؤدبه أبوه” ( عب 12: 7)، كما يقول “ثم قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدِّبين وكنا نهابهم. أفلا نخضع بالأولى جدًا لأبي الأرواح فنحيا” (عب 12: 9). ما هي إمكانيات آبائكم في إصلاحكم عندما يستخدمون الضرب عند تأديبكم؟ هل يستطيعون أن يجعلونكم تحيون إلى الأبد؟ إن كانوا لا يستطيعون إصلاح أنفسهم (بإعطائها الحياة الأبدية) فكيف يستطيعون أن يصنعوا لكم هذا؟ لأنهم إذ جمعوا بعض المال بالرباء والعناء يهيئونكم بالتأديب حتى لا تبعثروا نتيجة أعمالهم بتصرفاتكم الشريرة، عندما يتركونها لكم. نعم إنهم يضربون أبنائهم فبمقدار عدم قدرتهم على الاحتفاظ بثمرة أعمالهم هنا أو أخذهم إياها معهم يضربون أبنائهم حتى يحفظونها لهم إنه لا يستطيعوا أن يتركوا لكم ما كان ملكًا لهم، إنهم قد رحلوا وأنتم سترحلون، ولكن ما هي فاعلية تأديبات إلهكم ومخلصكم ومدربكم ومؤدبكم وأبيكم؟ إنها توصيلكم إلى الميراث، حيث لا تحملون آبائكم إلى القبور بل ستأخذون أباكم ذاته كميراثً لكم، أعلى هذا الرجاء تؤدَّبون وتتذمرون؟ إذا ما أصابتكم الأحزان هل تجدفون؟ إلى أين تذهبون من روحه؟ أيترككم لذواتكم ولا يؤدبكم، تاركين إياكم في تجديفكم ولا تختبرون عدله؟ أليس من الأفضل أن يؤدبكم ويقبلكم عن أن ينفصل ويتخلى عنكم؟
6- ليتنا نقول للرب إلهنا “يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور” (مز 90: 1). لقد كنت ملجأ لنا في الجيل الأول والثاني. لقد كنت ملجأ لنا فولدنا نحن الذين لم نكن قبلاً موجودين. لقد كنت ملجأ لنا فولدنا من جديد نحن الذين كنا أشرارًا. لقد كنت ملجأ في إطعامك للذين هجروك، أنت ملجأ فتقيم أطفالك وتقودهم “أنت ملجأ لنا”، إننا لن نهجرك إذ خلصتنا من كل شرورنا وملأتنا بكل أعمالك الصالحة.
لقد وهبتنا إياها الآن وأنت تعاملنا برفق حتى لا نخور في الطريق. أنك تصلحنا وتؤدبنا وتلطمنا وتوجهنا حتى لا نضل السبيل فتعاملنا بحنان حتى لا نخور، أو تؤدبنا حتى لا نحيد عن الطريق.
“أيها الرب ملجأ كنت لنا”
[1] . طبعة الكاثوليك.
روجع
العظة السادسة
الصلاة الربانية (مت 6: 9…. الخ)
للمستعدين للعمــــاد
1- جاء الرسول المبارك بهذه الشهادة المكتوب فيها… ويكون أن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو 10: 13؛ يؤ 2: 32)، ليظهر أنه ينبغي أن يتحقق ما قد جاء بالأنبياء عن ذلك الزمن الذي يؤمن فيه كل الأمم بالمسيح. لأنه قبل الوقت دعي اسم الرب صانع السماء والأرض بين بني إسرائيل فقط، أما بقية الأمم فقد دُعي عليهم آلهة صماء لا تتكلم فلم تكن تسمع لهم، أو عبدوا الشياطين التي كانت تستجيب بضررهم.
“ولما جاء ملء الزمان” تمت النبوات، “ويكون أن كل من يدعو باسم الرب يخلص” علاوة على ذلك فإن اليهود حتى الذين آمنوا بالمسيح يضْنون بالإنجيل عن الأمم قائلين إنه لا ينبغي أن يبشر بالإنجيل بين غير المختونين، لهذا صرح الرسول بولس ضد هؤلاء بهذه الشهادة: “كل من يدعو باسم الرب يخلص”، وحتى يقنع غير الراغبين في التبشير بالإنجيل بين الأمم أردف للحال قائلاً: “فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟ كيف يكرزون إن لم يُرسلوا؟ (رو 10: 14-15). فإذ قال “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا لهذا لا تتعلموا الصلاة الربانية أولاً ثم بعد ذلك قانون الإيمان، حيث تعرفون به ما تؤمنون به، وبعد ذلك تتعلمون الصلاة، حيث تعرفون الذي تدعونه. لهذا فإن قانون الإيمان يخص الإيمان، الصلاة الربانية تخص الصلاة، لأنه يستجاب للمؤمن عندما يدعو.
2- لكن الكثيرين يسألون مالا ينبغي أن يسألوا، غير عالمين ما هو مناسب لهم. ينبغي أن يَحذر المصلي من أمرين: أن لا يسأل ما لا ينبغي سؤاله، وأن لا يسأل من لا ينبغي أن يُطلب منه. فينبغي أن لا نطلب شيئًا من الشيطان أو الأوثان أو الأرواح الشريرة. بل ينبغي أن نطلب كل ما نطلبه من الرب إلهنا يسوع المسيح، الله أب الأنبياء والرسل والشهداء، من أبو ربنا يسوع المسيح، من الله خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيهم. ونحذر من أن نطلب منه مالا ينبغي طلبه. فإن كان ينبغي أن نطلب الحياة ماذا ننتفع من طلبها من الأوثان التي لا تسمع ولا تنطق؟ وأيضًا ماذا ينفعكم إن طلبتم من الله الآب الذي في السموات موت أعدائكم؟ ألم تسمعوا وتقرأوا في المزمور ما تنبئ به عن نهاية يهوذا الخائن المؤلمة إذ يقول “وصلاته فلتكن خطية” (مز 109: 7)، فإن طلبتم الإثم لأعداكم ستكون صلاتكم خطية.
3- لقد قرأتم في المزامير المقدسة كيف أن المتكلم بها يبدو كأنه يصب اللعنات على أعدائه، وأكيدًا سيقول قائل أن المتكلم في المزامير رجل بار فلماذا يبغي الشر لأعدائه هكذا؟ إنه لا يتمنى لهم شرًا بل يتنبأ. إنها نبوة من إنسان يخبر بالمستقبل، لا يصب اللعنات، لأن الأنبياء يعرفون بالروح الذين سيصابون بالشرّ والذين سيجازون خيرًا. فبالنبوة تكلموا كأنهم يريدون ما يتنبأون به. لكنكم كيف تعرفون أن الذي تطلبون له الشرّ لا يكون في الغد أفضل منكم؟ لكنكم ستقولون إننا نعلم أنه شرير. حسنًا، ينبغي أن تعلموا أنكم أنتم أيضًا أشرار. فرغم أنكم تأخذون على أنفسكم أن تحكموا على قلوب الآخرين التي لا تعرفونها، وأما قلوبكم فتعلمون أنكم أشرار. ألم تسمعوا قول الرسول: “أنا الذي كنت قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا، ولكنني رُحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان” (1 تي 1: 13). هل تظنوا أيها الإخوة أن الكنيسة كانت تصلي من أجل بولس أم ضده عندما كان يضطهد المسيحيين، مقيدًا إياهم حيثما وجدهم، سائقًا إياهم إلى رئيس الكهنة ليُسألوا ويعاقبوا؟ من المؤكد أن كنيسة الله التي تسلمت التعاليم من ربها – الذي قال وهو معلق على الصليب “يا أبتاه اِغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو 23: 34) – صلَّت لأجل بولس، أو بالأحرى لأجل شاول، حتى يعمل فيه الذي صنعه، لأنه يقول في هذا “ولكنني كنت غير معروف بالوجه عند كنائس اليهودية في المسيح. غير أنهم كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلاً يبشر الآن بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه. فكانوا يمجدون الله فيّ” (غلا 1: 22-24). لماذا كانوا يمجدوا الله؟ إلا لأنهم كانوا يسألون ذلك منه قبل أن يتحقق.
4- لقد نهانا(نحن) ربنا أولاً عن “كثرة الكلام” حتى لا نقدم(نحن) للرب كلمات كثيرة، كما لو كنتم(أنتم) تعلمونه بكثرة كلامكم. لذلك لا تحتاجون عند الصلاة إلى الكلام بل إلى التقوى “لأن أباكم يَعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه” (مت 6: 8). لا تهتموا (LOTH) باستخدام كلمات كثيرة لأنه يَعلم ما تحتاجون إليه. ولئلا يشك أحد فيقول: إن كان يعلم ما نحتاج إليه فلماذا نستخدم كلمات كثيرة أو قليلة؟ ما الداعي إلى الصلاة كلية؟ إنه يعرف بنفسه، فليعطنا بحسب معرفته ما نحتاج إليه. نعم، ولكن هذه هي إرادته أن تُصلوا حتى يهبكم حسب اشتياقكم فلا نستخف بعطاياه، ناظرين إنه قد وضع فينا هذه الأشواق. لذلك فإن الكلمات التي علَّمنا إياها الرب يسوع المسيح في صلاته هي أساسًا ونموذجًا لأشواقنا، فلا تطلبوا شيئًا غير ما قد كتب فيها.
5- يقول: “فصلوا أنتم هكذا “أبانا الذي في السموات” أنكم ترون أنه قد بدء أن يكون الله أبًا لكم. إنه يكون أبًا لكم عندما تولدون ولادة جديدة. فإنه إلى الآن قبل ميلادكم الجديد قد حُبل بكم بزرع الله. فإذ أنتم على وشك الوجود تجلبون إلى جرن المعمودية التي هي كرحم الكنيسة.
“أبانا الذي في السموات”. تذكروا أن لكم أبًا في السموات، تذكروا أنكم قد ولدتم من أبيكم آدم للموت وأنكم تولدون من جديد من الله الآب للحياة. فما تقولونه قولوه في قلوبكم. فقط لتكن هناك عاطفة المصلي المملوءة غيرة، وبذلك تأتي الاستجابة الفعالة من سامعها.
“ليتقدس اسمك” لماذا تسألون تقديس اسم الله؟ إنه مقدس، فلماذا تسألون من أجل ما هو مقدس قبلاً؟ عندما تسألونه من أجل تقديس اسمه ألستم تصلون له من أجله وليس من أجل أنفسكم؟ لا. افهموا هذا جيدًا فإنكم تسألون ذلك من أجل أنفسكم. إنكم تسألون أن ما هو مقدس بذاته، دائمًا يكون مقدسًا فيكم. ماذا يعني “ليتقدس”؟ أي أن “يكون مقدسًا” وليس محتقرًا. هكذا ترون أن الخير الذي تطلبونه هو لكم، لأنكم إن احتقرتم اسم الله فستكونون أنتم أشرارًا وليس الله.
6- “ليأت ملكوتك” من هو الذي تحدثه؟ ألا يأتي ملكوته إن لم نسأل ذلك؟ أننا نتحدث عن ذلك الملكوت الذي سيكون بعد نهاية العالم، لأن الله له ملكوت دائم ولا يكون – ذلك الذي تخدمه الخليقة – بدون ملكوت. ولكن أي ملكوت ترغبون فيه؟ إنه ذلك الملكوت الذي كتب عنه في الإنجيل “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34)، هذا هو الملكوت الذي تقول عنه “ليأت ملكوتك”. إننا نصلي لكي يأتي فينا، أي لكي نوجد فيه فمجيئه آت لا محالة، ولكن ماذا ينفعكم إن كان يجدكم على اليسار؟ لذلك فإنكم ترغبون في هذا الخير لأجل أنفسكم، فلأجلها تُصلون. هذا هو ما تشتاقون إليه، هذا هو اشتياقكم في صلواتكم وهو أن تحيوا ويكون لكم نصيبًا في ملكوت الله الذي يعطى لكل القديسين. لذلك عندما تقولون “ليأت ملكوتك”، فإنكم تُصلون لأجل أنفسكم لكي ما تحيوا معافين.
لتعطنا نصيبًا في ملكوتك. ليأت أيضًا بالنسبة لنا ذلك الذي سيأتي لقديسيك وأبرارك.
7- “لتكن مشيئتك” ماذا! ألا يفعل الله مشيئته إن لم تطلبوا هذا؟ تذكروا ما تكررونه في قانون الإيمان “أؤمن بالله الآب ضابط الكل (القدير)” إن كان الله قديرًا فلماذا تصلون أن تكون مشيئته؟ إذن ماذا يقصد بـ “لتكن مشيئتك”؟ أن تعمل فيّ فلا أقاوم مشيئتك. لهذا تطلبون هنا لأنفسكم لا لأجل الله، لأن مشيئة الله ستعمل فيكم ولو لم تعمل بواسطتكم. فتعمل مشيئته في أولئك الذين سيقول لهم “تعالوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34)، تعمل مشيئته فيهم بأن يأخذ الأبرار والقديسون الملكوت، كما أيضًا في الذين سيقول لهم “إذهبوا عني… إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته
[1]، فتعمل مشيئته بأن يعاقب الأشرار بالنار الأبدية. أما أن تعمل مشيئته بواسطتكم فهو شيء آخر (1 كو 15: 54). فلستم تُصلون أن تكون مشيئته فيكم اعتباطًا بل لصالحكم. فإن كانت لصالحكم أو ليست لصالحكم فإنها ستعمل فيكم ولكن ليتها تعمل بواسطتكم أيضًا. لماذا أقول “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” وليس “لتكن مشيئتك كما بواسطة السماء كذلك بواسطة الأرض”، لأن ما يصنعه بواسطتك يصنعه الله نفسه فيك. ليس شيئًا يصنع بواسطتكم لا يصنعه هو فيكم. حقًا أحيانًا يصنع فيكم ما لا يصنع بواسطتكم، ولكن ليس شيئًا يصنع بواسطتكم ما لم يفعله هو فيكم.
8- ماذا يقصد بـ “في السماء وعلى الأرض” أو “كما في السماء كذلك على الأرض”؟ الملائكة تصنع مشيئته، أنصنع نحن مشيئته؟ “فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. العقل هو السماء والجسد هو الأرض. إن كنتم تفعلوا هكذا فلتقولوا عند فعلكم مع الرسول: “أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله، ولكن بالجسد ناموس الخطية” فمشيئة الله تُصنع في السماء ولم تصنع بعد في الأرض. ولكن عندما يكون الجسد في وفاق مع الذهن و “يبتلع الموت إلى غلبة” (1كو 15: 54)، حتى لا تبقى أي شهوات جسدية يصارع معها الذهن، فيعبر الكفاح الأرضي وتنتهي الحرب القلبية وتذهب بما هو مكتوب: “لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما تريدون” (غلا 5: 17). أقول عندما تنتهي هذه الحرب وتتحول كل الشهوات إلى محبة، لا يبقى في الجسد ما يضاد الروح، ولا يبقى شيئًا ليُقمع، لا شيء يُلجم، لا شيء ليُداس إلى أسفل، بل يعبر الكل في وفاق نحو البرّ وتكون مشيئة الله في السماء وعلى الأرض. “لتكن مشيئتك في السماء وعلى الأرض” عندما نصلي بهذا نرغب في الكمال. “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، في الكنيسة الشخص الروحاني هو السماء والجسدي هو الأرض. هكذا “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، أي كما يخدمك الروحاني هكذا الجسدي بإصلاحه يخدمك أيضًا.
“لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، هناك معنى روحي آخر لها، لأنه قد طلب منا أن نصلي من أجل أعدائنا. الكنيسة هي السماء وأعداء الكنيسة هم الأرض. فماذا يعني “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”؟ ليؤمن الأعداء كما نؤمن نحن بك! إنهم الأرض لذلك هم ضدنا، ليصيروا سماء ويكونوا معنا.
9- “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم”، هنا يتضح أننا نصلي لأجل أنفسنا، فعندما تقولون “ليتقدس اسمك” فإن هذا يتطلب إيضاحًا لتعرفوا أنكم تصلون من أجل أنفسكم وليس من أجل الله. وعندما تقولون “لتكن مشيئتك” فهنا نحتاج إلى إيضاح لئلا تظنوا أنكم ترغبون الخير لله لا لأنفسكم. في هذه الصلاة وذلك بصنع مشيئته. وعندما تقولون: “ليأت ملكوتك” فهذه أيضًا تحتاج إلى إيضاح حتى لا تظنوا أنكم تطلبون الخير لله في هذه الصلاة بكونه يملك. ولكن من هذا الموضع حتى نهاية الصلاة يظهر بجلاء إننا نصلي إلى الله من أجل أنفسنا. عندما تقولون “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم” تعترفون بأنكم تستعطون الله. ولكن لا تخجلوا من هذا، فمهما بلغ غنى أي إنسان على الأرض فإنه لا زال شحاذًا من الله. الشحاذ يأخذ مكانًا أمام منزل الغني، وأما الغني نفسه فيأخذ مكانه أمام باب ذلك الواحد العظيم في الغنى. فإليه يقدم الطلب وهو أيضًا يقدم توسلاً. إن لم يكن محتاجًا فلا يقرع على آذان الله في الصلاة.
ماذا يحتاج الغني؟ أتجاسر فأقول إنه يحتاج إلى خبزه اليومي، لأنه كيف توافرت لديه كل لأشياء إلا لأن الله قد أعطاه إياها؟ ماذا يمكن أن يكون لديه لو سحب الله يده منه؟ أما نام الكثيرون وهم في يسر وقاموا معدمين؟ فكون الغني ليس في عوز يرجع إلى رحمة الله وليس لقدرته الخاصة.
10- إخوتي الأعزاء، إن هذا الخبز الذي تُشبع به أجسادنا ويعيش به بدننا يومًا فيوم لا يعطيه الله للذين يمجدونه، بل والذين يجدفون عليه. “فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت 5: 45). أنتم تمجدون الله وهو يقوتكم، إنكم تجدفون عليه وهو يطعمكم، إنه ينتظر عليكم لكي تتوبوا، فإن لم تُغيروا أنفسكم فسيدينكم. هل لأن كلا من الأبرار والأشرار يأخذون خبزًا من الله، تظنوا أنه ليس هناك خبزًا آخرًا يسأله الأطفال، والذي يقول عنه الرب في الإنجيل “ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب” (مت 15: 26)؟ حقًا بالتأكيد يوجد خبز آخر. إذن ما هو هذا الخبز؟ ولماذا دُعي خبزًا يوميًا؟ لأنه ضروري مثل الخبز الآخر، فبدونه لا نستطيع أن نعيش، وبدون الخبز لا نقدر أن نحيا. إنه من المخجل أن نطلب من الله غنى ولكن ليس مخجلاً أن نطلب منه الخبز اليومي. فالذي به نتعظم غير الذي به نعيش. ومع هذا فلأن هذا الخبز الذي يُرى ويُلمس يُعطى لكل من الأبرار والأشرار فهناك خبز يومي، به تحيا أرواحنا لا أجسادنا، وضروري لنا نحن الذين لا نزال إلى الآن عمال في الكرمة، إنه غذائنا وليس أجرتنا، فالذي يستأجر عاملاً في الكرمة يستحق عليه شيئان: الغذاء الذي به لا يخور، وأجرته التي يُسر بها. إذن غذائنا اليومي في هذه الأرض هو كلمة الله التي توزع دائمًا في الكنائس، أجرتنا التي نأخذها بعد العمل تدعى بالحياة الأبدية.
أيضًا إن كنتم تفهمون بهذا الخير ما يأخذه المؤمنين[2] وما ستأخذونه عندما تتعمدون، فإنه من المهم أن نسأل ونقول: “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم” حتى نحيا حياة معينة غير منفصلين عن الهيكل المقدس”.
11- “واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. لا نحتاج في هذه الطلبة إلى توضيح أننا نصلي بها لأجل أنفسنا لأننا نلتمس غفران خطايانا. لأننا مدينون لا بالمال بل بالخطايا. ربما تقولون الآن “وأنتم أيضًا (مدينون بالخطايا)؟ نجيب نعم، نحن أيضًا. أأنتم أيها الأساقفة مدينون؟ نعم نحن مدينون أيضًا. ما هذا يا ربي؟ لتبعدوا هذا عنكم ولا تخطئوا أنني لا أصنع خطأ، ومع ذلك أقول الحق أننا مدينون ،“إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا” (1يو 1: 8). إننا قد تعمدنا ومع ذلك فنحن مدينون، ليس لأن شيئًا ما لم يغفر في المعمودية، بل لأننا نصنع في حياتنا ما نحتاج إلى مغفرته يوميًا. إن الذين تعمدوا وللحال تركوا هذا العالم خرجوا من جرن المعمودية بدون أي خطية، وبدون أي خطية تركوا العالم. وأما الذين تعمدوا وبقوا في هذه الحياة فإنهم يصنعون نجاسات بسبب ضعفهم الجسدي، والتي رغم أنها لا تسبب غرق للسفينة إلا أنها تحتاج إلى الاستعانة بالمضخة (لنزحها)، وإلا فيدخل قليلاً قليلاً ذلك الذي يؤدي إلي غرق السفينة كلها. الصلاة هو استنجادنا بالمضخة في منع السفينة من الغرق، تستخدم كلالأصوات والأيدي. فالآن نستخدم أصواتنا عندما نقول اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا، ونعمل بأيدينا عندما نصنع هذا: “أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك” (إش 58: 7). اصنع إحسانًا في قلب الفقير فتشفع فيك أمام الرب [3].
12- فرغم غفران جميع الخطايا في “جرن الولادة الجديدة” [4]، إلا أننا نساق إلى ضيقات عظيمة ما لم يعطى لنا الغفران اليومي بالصلاة المقدسة. فالإحسان والصلاة يزيلان الخطايا، على أن لا نرتكب الخطايا التي بسببها ننفصل عن خبزنا اليومي [5]. لنتجنب كل الآثام التي تستحق تأديبات قاسية. لا تدعوا أنفسكم أبرارًا عندما لا تستطيعوا القول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”.
فرغم امتناعكم عن عبادة الأوثان وتعريات المنجمين والاستشفاء بواسطة السحرة، رغم ابتعادكم عن القتل والفسق والزنا والسرقة والنهب وشهادة الزور وكل مثل هذه الخطايا التي لم أذكرها، والتي عاقبتها الهلاك، وبسببها يُقطع الخاطئ من المذبح ويربط في الأرض كما في السماء، وذلك لعظم خطيئته الخطيرة، حتى يُحل ثانية على الأرض لكي يُحل في السماء. رغم ابتعادكم عن هذه جميعها فإنه ليس هناك ضرورة لباعث يخطئ به الإنسان. فإنسان يخطئ عن طريق النظر بلذة إلى مالا ينبغي النظر إليه. ومن يستطيع أن يتسيطر على سرعة العين؟ لأنه يقال أن العين أخذت اسمها بسبب سرعتها [6]. من يستطيع أن يضبط الأذن أو العين؟ فالعين تُغلق عندما تشاءون، تغلق في لحظة، وأما الأذن فنحتاج إلى مجهود لإغلاقها، فترفعوا أيديكم وتضعونها عليها، وإن أمسك أحد بأيديكم تبقى آذانكم مفتوحة ولا يمكن إغلاقها من (سماع) الشتيمة والنجاسة أو التملق وكلمات الضلال، فبسماعكم أي من هذه الأمور التي تنبغي عدم الإنصات إليها، لا تخطئوا رغم عدم صنعكم الخطية، وذلك بسبب استماعكم بلذة لأمور رديئة.
يا لعظم الخطايا التي يرتكبها اللسان؟ نعم إن بعض خطايا اللسان قد تفصل الإنسان المذبح فإليه تنسب كل التجاديف، كما ينطق بالكثير من الكلمات التافهة غير اللائقة لتجعلوا أيديكم لا تخطئ وأرجلكم لا تجري نحو أي شر، وأعينكم لا تتجه نحو القُبح، وآذانكم لا تسمع بلذة الحديث القبيح، وألسنتكم لا تنطق بأقوال معيبة، ولكن فلتخبرونني من يستطيع أن يضبط الأفكار؟
إخوتي كم مرة نصلي ونحن مشتتي الفكر كما لو نسينا أمام من نحن واقفون؟ أو أمام من نطرح أنفسنا؟
لو تجمعت هذه جميعها ضدنا أيسبب(أبسبب) صغرها لا نستطيع(تستطيع) أن تغرقنا؟ إنها ستغلب علينا أيا كان أمرها إن كانت رصاصًا أو رملاً، فالرصاص كله كتلة واحدة، وأما الرمل فهو حبات صغيرة ولكن بكثرة عدده يحدق بنا. هكذا خطاياكم صغيرة آلا تروا كيف يمتلئ النهر وتتلف الأرض بقطرات صغيرة، إنها صغيرة ولكنها كثيرة.
13- لنقل كل يوم “اِغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، ويكون ذلك بإخلاص قلبي، عاملين بما نقوله. أن ذلك لعهد وميثاق وارتباط بيننا وبين الله. الرب إلهكم يقول لكم: “اغفروا يغفر لكم، فإذ لا تغفروا تبقوا في خطاياكم ضد أنفسكم وليس ضدي”.
أبنائي الأعزاء المحبوبين – أطلب إليكم أن تسمعوا لي فقد عرفت ما هو صالح لكم في الصلاة الربانية وبالأكثر فيما جاء بهذا النص: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، لقد اقترب وقت عمادكم اغفروا كل شيء إن كان قي قلب أي إنسان شيئًا ضد آخر فليغفرها من قلبه، اُدخلوا هكذا [7]. متأكدين أن جميع خطاياكم التي ارتكبتموها قد غفرت، سواء الخطية الجدية التي ولدتم بها من والديكم والتي بسببها تسرعون بالرضع إلى نعمة المخلص أو تلك التي ارتكبتموها في حياتكم سواء بالكلام أو بالعقل أو بالفكر، فتخرجون من الماء كما من أمام حضرة إلهكم متأكدين من العفو عن جميع آثامكم.
14- فبسبب الخطايا اليومية التي تحدث عنها ينبغي أن تقولوا في هذه الصلاة اليومية المطهرة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. إن كان لكم أعداء ماذا تفعلون؟ لأنه من يستطيع أن يحيا على هذه الأرض بدون أعداء؟ لتنتبهوا لأنفسكم وتحبونهم لأنه لا يستطيع عدوكم بقوته أن يؤذيكم بأي وسيلة ما بقدر ما تضرون أنتم بأنفسكم بعدم محبتكم لهم. قد يتلف عقاركم أو قطعانكم أو منزلكم أو خدمكم أو خادماتكم أو أبنائكم أو زوجاتكم أو على الأكثر أن يعطى له سلطانًا على جسدكم. ولكن هل يستطيع أن يؤذي أرواحكم كما تضرونها أنتم؟ أعزائي الأحباء أتوسل إليكم أن تسعوا إلى الأمام نحو هذا الكمال. ولكن هل أعطيكم هذه القوة؟ إنه هو وحده الذي يعطيها، ذاك الذي تقولون له “لتكن إرادتك كما في السماء كذلك على الأرض”.
ليكن هذا غير مستحيل بالنسبة لكم، فإنني أعلم بحسب خبرتي مسيحيين يحبون أعدائهم إن بدى ذلك مستحيلاً فإنكم لا تنفذونه. إذن فلتؤمنوا أولاً إنه يمكن تنفيذه، وصلُّوا حتى تعملوا إرادة الله فيكم. لأنه ما هو الخير الذي يعود عليكم من شر جاركم؟ إن لم يكن لديه شرًا فلا يكون عدوًا لكم. إذن اشتهوا له الخير فينتهي شره ولا يعود بعد عدوًا لكم. لأنه ليس عدوكم بسبب طبيعته البشرية بل بسبب خطيئة. هل هو عدوكم لأن له روح وجسد؟ إنه في هذا مثلكم. أنتم لكم روح وهو كذلك. أنتم لكم جسد وهو كذلك. إن جوهره مثل جوهركم. فجميلكم صنعتم من نفس الأرض – وأحييتم بالرب ذاته. في هذا كله لا يختلف عنكم. لتعرفونه إنه أخوكم. فالزوجان الأولان آدم وحواء كانا أبوينا، إحداهما أبونا والأخرى أمنا لذلك فنحن إخوة. ولكن لنترك اعتبار أصلنا الأول الله أبونا والكنيسة أمنا لذلك نحن إخوة. لكنكم قد تقولون أن عدونا أممي ويهودي وهو طوقي الذين تكلف عنهم عند الكلام عن “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. أيتها الكنيسة عدوك أممي ويهودي وهو طوقي، إنه الأرض. إن كنتم سماءًا فلتدعوا أبوكم الذي في السموات، مصلين من أجل أعدائكم. لأنه هكذا كان شاول عدوًا للكنيسة، وكانت تقام الصلاة من أجله فصار صديقها. إنه لم يمتنع عن كونه مضطهدًا بل جاهد لمساعدتها. ومع ذلك بالحق كانت تقام الصلاة ضده ولكن ضد افترائه وليس ضد طبيعته. إذن لتكن صلواتكم ضد افتراء عدوكم حتى تموت وأما هو فيحيا. لأنه إن مات عدوكم تفقدونه، كما يبدو، كعدو ولكنكم لا تجدوا صديقًا. وأما إن مات افترائه فإنكم تفقدون عدوًا وفي نفس الوقت تجدون صديقًا.
15- ولكن لازلتم تقولون من يستطيع أن يفعل هذا؟ من يداوم على صنعه؟ ليعطكم الرب هذا مكملاً إياه في قلوبكم، إنني أعلم تمامًا مثلكم أن قليلين هم الذين يصنعون هذا، إنهم عظماء وروحانيين. هل جميع المؤمنين الذين في الكنيسة، المقتربين إلى المذبح والذين يتناولون من جسد المسيح ودمه… هل الكل هكذا؟
ومع هذا فجميعهم يقولون… “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”.
ماذا يحدث لو أجابهم الله قائلاً: لماذا تسألونني الوفاء بوعدي وأنتم لم تصنعوا ما طلبته منكم، ماذا قد وعدت؟ أن أغفر خطاياكم، وبماذا أُمرتم؟ “أن تغفروا أنتم أيضًا للمذنبين إليكم”. كيف تستطيعون تنفيذ هذا إن لم تحبوا أعدائكم؟ ماذا ينبغي أن تفعلوا أيها الإخوة؟
هل نقص قطيع المسيح إلى عدد طفيف؟ إن كان ينبغي للمحبين لأعدائهم فقط أن يقولوا: “اغفر لنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، فإنني لا أعلم ماذا أفعل ولا أعرف ماذا أقول؟ لأنه ينبغي أن أقول لكم إن لم تحبوا أعدائكم لا تصلوا. لا أجرؤ القول بهذا. نعم بل بالحرى صلوا لكي تحبونهم. لكن هل ينبغي لي أن أقول إن لم تكونوا محبين لأعدائكم لا تقولوا في الصلاة الربانية: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”؟ افترضوا أنني أقول لا تستخدموا هذه الكلمات، فإنه إن لم تقولونها لن تغفر لكم خطاياكم، وإن قلتموها بدون أن تعملوا بها بعد ذلك فلا تغفر لكم، لذلك صلوا بها واعملوا بها، بعد ذلك حتى تغفر لكم خطاياكم.
16- إنني أرى أساسًا به يمكن أن أريح ليس القليل إليه بل جموع المسيحيين. أنني أعلم اشتياقكم للسماع إليه. لقد قال المسيح “اغفروا يغفر لكم” (لو 6: 3). وماذا تقولون في الصلاة التي ناقشناها الآن “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، لأن هذا هو ما ينبغي أن تفعلوه، فإن لم تفعلوه تهلكون، فإن استسمحكم عدوكم اغفروا له للحال. أكثير عليكم أن تصنعوا هذا؟ إن كان كثير عليكم محبة عدوكم عند إساءته إليكم فهل كثير عليكم أن تحبوا شخصًا يتوسل إليكم؟ ماذا تقولون؟ لقد كان قبلاً قاسيًا، لهذا تكرهونه. مع ذلك فإنني أفضل أن لا تكرهونه حتى أثناء إساءته.
إنني أفضل عندما تعانون من قسوته أن تتذكروا قول الرب: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو 23: 34)، كنت اَشتاق بالأكثر أن تلاحظوا كلمات الرب إلهكم حتى في ذلك الوقت الذي فيه كان عدوكم يعتدي عليكم. لكنكم قد تقولون أن الله فعل هذا، ولكن فعله كرب وكمسيح، كابن الله الوحيد، الكلمة المتجسدة، وأما أنا الضعيف الخاطئ فماذا أستطيع أن أفعل؟ إن كان ربكم مثالاً عاليًا جدًا عليكم حولوا أفكاركم نحو زميلكم الخادم فقد كان القديس اسطفانوس يرجم، وإذ كانوا يرجمونه كان يصلي بركب منحنية لأجل أعدائه قائلاً: “يا رب لا تقم لهم هذه الخطية” (أع 7: 6). لقد كانوا يقذفونه بالحجارة وليسوا طالبين العفو ومع ذلك فقد صلى لأجلهم. أريد أن تكونوا مثله، فلتتقدموا إلى الأمام. لماذا تسحبون قلوبكم على الأرض إلى الأبد؟ اسمعوا “ارفعوا قلوبكم”، تقدموا إلى الأمام ضد أعدائكم. إن لم تستطيعوا أن تحبونهم أثناء قسوتهم فلتحبونهم على الأقل عندما يسألونكم العفو. أن الذي يقول لكم “أخي”، أخطأت إليك. اِعفو عني “إن لم تغفروا له فإنني لا أقول فقط أن هذه الصلاة ستمحى من قلوبكم بل ستمحى نفوسكم من كتاب الله.
17- ولكن إن كان على الأقل تغفرون له أو تزيلون الكراهية من قلوبكم فإنني أطلب منكم أن لا تمتنعوا عن التأديب المناسب، بل تزيلوا الكراهية من قلوبكم. ماذا يكون لو طلب أحدكم الصفح مني ولكن ينبغي أن يؤدب بواسطتي فإني اَقترض محبتكم لطفلكم، لذلك افعلوا ما شئتم حتى عند تأديبكم له أنكم لا تبالون بصراخه من العصي لأنكم تحفظون له ميراثه، لذلك أقول هذا وهو أن تزيلوا كل كراهية من قلوبكم عندما يطلب عدوكم الصفح منكم. لعلكم تقولون “إنه يخدعنا، إنه متظاهر”، يا قضاة قلوب الآخرين، أخبروني بأفكار آباءكم، أخبروني بأفكاركم بالأمس؟ إنه يسأل ويلتمس صفحًا، اغفروا له بكل وسائل الصفح، فإن لم تصفحوا عنه لا تضرونه، بل تضرون أنفسكم لأنه قد عرف ما ينبغي أن يفعله أنكم لا ترغبون في الصفح عن زميلكم العبد، لذلك يذهب إلى ربكم ويقول له يا رب. لقد طلبت من زميلي العبد ليغفر لي فلم يشاء، اغفر أنت لي، أليس في سلطان الله أن يعفو عن خطاياه؟ هكذا يحصل على الغفران من إلهه ويعدو محاللاً، بينما تبقون أنتم مربوطين. كيف تبقون مربوطين؟ سيأتي وقت الصلاة، يأتي الوقت الذي تقولون فيه: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، فيجيبكم الرب “أيها العبيد الأشرار كل ذلك الدين (العظيم) تركته لكم لأنكم طلبتم إليّ أفما كان ينبغي أنكم أنتم أيضًا ترحمون العبيد رفقاءكم كما رحمتكم أنا” (مت 1: 23، 32)، هذه الكلمات ليست من قلبي بل من الإنجيل. فإن كنتم تصفحون عندما تسألوا حينذاك تستطيعوا أن تقولوا هذه الصلاة. وإن لم يكن لديكم بعد القدرة على محبته أثناء قسوته يمكن أن تقدموا هذه الصلاة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، لنعود الآن إلى بقية الصلاة.
18- “ولا تدخلنا في تجربة”، فمن أجل الخطايا السالفة التي لم نتمكن من الامتناع عن فعلها والتي كان ينبغي أن لا نصنعها نقول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، يمكنكم أن تجاهدوا من أجل أن لا تعودوا إلى ما سبق أن فعلتموه، ولكن كيف يمكنكم أن تمهدوا السبيل للامتناع عن ما سبق أن فعلتموه؟ فهذه العبارة في الصلاة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، هي عونكم بالنسبة للأمور التي سبق أن صنعتموها، ولكن ماذا تفعلون بالنسبة للأمور المحتمل السقوط فيها؟ “ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير” أي نجنا من التجربة نفسها.
19- إن الطلبات الثلاثة الأولى “يتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، هذه الثلاثة تخص الحياة الأبدية لأنه ينبغي أن يتقدس اسم الله فينا دائمًا ،وينبغي أن تكون في ملكوته دائمًا كما ينبغي أن نصنع إرادته على الدوام. هذه ستكون أبدية، أما خبزنا اليومي “فهو ضروري لنا الآن. كل ما نصلي من أجله ابتداء من هذه النقطة يخص احتياجات حياتنا الحاضرة. فالخبز اليومي نحتاج إليه في هذه الحياة، وغفران الخطايا ضروري في هذه الحياة. لأنه تنتهي كل خطايانا عندما نصل إلى الحياة الأخرى. في هذه الحياة توجد تجارب. الإبحار في هذه الحياة خطير، في هذه الحياة تتسلل بعض الأشياء خلال شقوق ضعفنا تلك التي تنبغي أن تطرد بعيدًا، ولكن إذ نتساوى مع ملائكة الله لا تعود بعد نحتاج للصلاة إلى الله من أجل غفران خطايانا حيث لا توجد خطايا. هنا نحتاج إلى “الخبز اليومي، الصلاة من أجل غفران خطايانا، وعدم دخولنا في تجربة، لأننا في تلك الحياة لا ندخل في تجارب، وأن “تنجو من الشرير” لأنه في تلك الحياة لا يوجد شرير بل صالحين باقين إلى الأبد.
[1] . يميز القديس أغسطينوس أن تعمل مشيئة الله فينا (in) وبواسطتنا (by).
[2] نلاحظ في عظات القديس أغسطينوس، كما في بعض أعماله (كتاباته) أنه يتكلم بتحفظ عن سر الإفخارستيا، لأن من بين من يحدثهم من لم يتعمدوا بعد.
[3] . يبدو أن هذا النص مأخوذ من سفر حكمة يشوع ص29.
[4] . اي المعمودية.
[5] . يميز القديس أغسطينوس بين الهفوات التي بدو إرادتنا وبغير معرفة منا، فهيى تحتاج إلى مغفرة أيضًا، فإن غفرنا للآخرين يغفرها الله بنعمته، أما الخطايا الخرى فهي تحتاج إلى توبة واعتراف بها قبل التناول من الأسرار الإلهية.
[6] . Oculus & Velocitate
[7] . يقصد بذلك التغطيس في المعمودية.
روجع
العظة السابعة
عن الصلاة الربانية أيضًا (مت6)
للمستعدين للعمـــاد
1- إن الترتيب الموضوع لأجل بنيانكم يتطلب أن تتعلموا أولاً ما تؤمنون به ثم بعد ذلك ما تسألونه. لأنه هكذا يقول الرسول. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو 10: 13؛ يؤ 2: 32). هذه الشهادة اقتبسها بولس المبارك من النبي الذي تنبأ عن تلك الأيام التي فيها يدعو كل البشر الله “كل من يدعو باسم الرب ينجو” لقد أضاف (الرسول) “فكيف يدعو بمن لم يؤمنوا به، وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به، وكيف يسمعون بلا كارز، وكيف يكرزون إن لم يرسلوا” (رو 10: 14-15)، لهذا أرسل المبشرون، فبشروا بالمسيح، وإذ بشروا سمعهم الناس، وبسماعهم آمنوا، وبإيمانهم دعوا الله. لأنه بالحق وبأكثر صواب قيل “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا؟ لهذا تعلمتم أولاً ما تؤمنون به، واليوم تعلمتم أن تدعوا ذلك الذي تؤمنون به.
2- علمنا ابن الله ربنا يسوع المسيح الصلاة، ورغم أنه هو الرب نفسه كما سمعتم ورددتم في قانون الإيمان “ابن الله الوحيد” ومع ذلك فهو لم يرد أن يكون وحيدًا، لقد وهبنا أن نكون إخوة له، لأنه لمن يقول “فصلوا.. أبانا الذي في السموات”؟ من هو هذا الذي يريدنا أن ندعوه أبانا سوى أبوه هو؟ هل يحسدنا على هذا؟ يخشى الآباء أحيانًا عندما ينجبون طفلاً أو اثنين أو ثلاثة من أن (لا) ينجبوا بعد ذلك لئلا يصيروا معوزين. وأما الميراث الذي وعدنا به فكبير حتى يمتلكه الكثيرون دون أن يقل نصيب أحدهم، لهذا دعى كل شعوب الأمم إلى إخوته. فللابن الوحيد إخوة لا حصر لهم، هؤلاء هم الذين يقولون “أبانا الذي في السموات”. هذا قاله الذين سبقونا وسيقوله الذين يأتون بعدنا. انظروا كم أخًا للابن الوحيد بنعمته مشاركًا معه في الميراث الذين مات لأجلهم. إن لنا أبًا وأمًا على الأرض حيث نولد للشقاء ثم نموت. لكننا قد وجدنا والدين آخرين، الله أبونا والكنيسة أُمنا، بهما ولدنا للحياة الأبدية. لنتأمل أيها الأحباء أبناء من قد صرنا، لنحيا هكذا كالذين لهم أب كهذا. انظروا كيف أن خالقنا تنازل ليكون أبًا لنا[1]
3- لقد سمعنا من هو الذي ينبغي أن ندعوه، وأي رجاء للميراث الأبدي، بدأنا نأخذ أبًا سماويًا. لنسمع الآن ما ينبغي أن نسأله؟ ماذا نطلب من أب كهذا؟ ألم نسأله مطرًا اليوم وأمس وقبل أمس؟ إن هذه الطلبة ليست بعظيمة لتليق بأب كهذا، ومع هذا انظروا مطرًا بتنهدات وبشوق عظيم لأننا نخاف من الموت، الذي إذ يخيفنا لا يقدر أحد أن يهرب منه عن قريب أو بعيد، سيموت كل البشر، ومع ذلك نحزن ونصلي ونجاهد متألمين ونصرخ إلى الله لكي نتأخر قليلاً عن الموت. فكم ينبغي أن نصرخ له من أجل ذهابنا إلى ذلك الموضع الذي لا يقترب فيه الموت إلينا.
4- لذلك قيل “ليتقدس اسمك” هذا ما نطلبه منه أيضًا، وهو أن يتقدس اسمه فينا لأن اسمه قدوس على الدوام، كيف يكون اسمه مقدسًا فينا إلا بتقديسنا؟ لأننا كنا غير مقدسين وتقدسنا باسمه، أما هو فقدوس واسمه قدوس على الدوام. إننا نصلي لأجل أنفسنا لا من أجل الله. إننا لا نرغب صلاحًا لله الذي لا يمكن أن يحدث له شر، بل نطلب صلاحًا لأنفسنا بأن يتقدس اسمه القدوس فيتقدس فينا ما هو قدوس دائمًا.
5- “ليأت ملكوتك” إن مجيئه آتٍ لا محالة، سواء طلبناه أو لم نطلبه. حقًا لله ملكوت أبدي لأنه في أي وقت لم يكن له ملكوت؟ متى بدء يملك؟ لأن ملكوته لا بداية له وليس له أي نهاية. ينبغي أن نعلم أيضًا أننا نطلب في هذه الصلاة لأجل أنفسنا لا لأجل الله، لأننا لا نقول “ليأت ملكوتك”، كما لو كنا نسأل من أجل أن يملك الله، بل أن نكون نحن من ملكوته، وذلك إن آمنا به متقدمين في هذا الإيمان. كل المؤمنين الذين خلصوا بدم ابنه الوحيد سيكونوا ملكوته. وملكوته هذا آتٍ عند قيامة الأموات لأنه حينئذ سيأتي هو بنفسه، وعندما يقوم الأموات سيقيمهم كما يقول بنفسه للذين عن يمينه: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت” (مت 25: 33). هذا هو الملكوت الذي ترغب فيه وتطلبه عندما نقول “ليأت ملكوتك” أي أن يأتي لنا، لأننا إن رفضنا فسيأتي للآخرين وليس لنا. ولكن إن كنا من الذين ينتمون إلى أعضاء ابنه المولود الوحيد فإن ملكوته آتٍ بالنسبة لنا ولا يتأخر. فهل لا زالت بعد سنوات كثيرة كتلك التي عبرت؟ يقول الرسول يوحنا “أيها الأولاد إنها الساعة الأخيرة” (1 يو 2: 18)، ولكنها ساعة طويلة بالنسبة لذلك اليوم الطويل. انظروا كم من السنين استمرت هذه الساعة الأخيرة، لنسهر الآن وننام بالموت ونقوم في النهاية ونملك إلى الأبد.
6- “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. إن الطلبة الثالثة هي أن تكون مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض. وفي هذه أيضًا نطلب صلاحًا لأنفسنا، لأن مشيئته تنفذ بالضرورة. إن مشيئة الله أن يملك الصالحين ويُدان الأشرار، فهل من الممكن أن لا تنفذ هذه المشيئة؟ ولكن ما هو الخير الذي نرغبه لأنفسنا عندما نقول “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. اِصغوا لأن هذه الطلبة يمكن أن تُفهم بمعان متعددة. فعندما نصلي إلى الله “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” ترتاد في أفكارنا أمورًا كثيرة بخصوص هذه الطلبة.
كما أن ملائكتك لا تعارضك هكذا ليتنا لا نعارضك، بماذا تفهم “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”؟ كل البطاركة القديسين والأنبياء والرسل والروحانيين كما لو كانوا كسماء الله، ونحن بالنسبة لهم أرضنا، فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. كنيسة الله هي السماء وأعدائه هم الأرض. هكذا نرغب الخير لأعدائنا بأن يؤمنوا ويصيروا مسيحيين، وبذلك نعمل مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض.
روحنا هي سماء والجسد أرض. كما تتجدد روحنا بالإيمان كذلك يتجدد جسدنا أيضًا بقيامته فتكون “مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض”.
أيضا ذهننا الذي به نرى الحق ويبتهج به هو السماء، كما أني “أسر بناموس الله يحسب الإنسان الباطن” (رو 7: 22). ما هي الأرض؟ “أنني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني” (رو 7: 23)، فمشيئة الله “تكون كما في السماء كذلك على الأرض” عندما ينتهي هذا النزاع ويحدث وفاق تام بين الجسد والروح.
ليتنا عندما نردد هذه الطلبة نفكر في هذه الأمور جميعها سألينها من الرب.
“أيها الأحباء، إن كل هذه الأمور التي أشرنا إليها، تلك التوسلات الثلاثة تخص الحياة الأبدية، لأنه إذا ما تقدس اسم الله فينا يكون هذا إلى الأبد. إن أتى ملكوته حيث نحيا إلى الأبد، فسيكون ذلك أبديًا. إن كانت مشيئة كما في السماء كذلك على الأرض بأي طريقة من الطرق التي شرحتها لكم فإن ذلك يكون إلى الأبد.
7- الآن بقيت الطلبات التي تخص هذه الحياة من رحلتنا، فلنتتبعها “خبزنا اليومي، أعطنا اليوم” هبنا أشياءًا أبدية، أعطنا أمورًا زمنية. لقد وعدت بالملكوت فلا تمسك عنا وسائل الحياة، ستعطنا مجدًا أبديًا بذاتك فيما بعد، أعطنا في هذه الأرض المؤونة الزمنية. لذلك فهو يومي، واليوم، أي في الحياة لأنه هل تسألون خبزًا يوميًا بعد عبور هذه الحياة؟ حيث لا يقال: “يوميًا” بل “اليوم”[2]. الآن يقال “يوميًا” (يومًا فيوم)، فعندما يعبر يوم يتقدم يوم آخر، هل سيدعى حينذاك “يوميًا” حيث يكون يومًا واحد أبديًا؟ بلا شك أن هذه الطلبة عن الخبز اليومي تفهم بطريقتين وهما القوت الضروري للطعام الجسدي، والآخر المؤونة الروحية الضرورية. هناك مؤونة ضرورية للطعام الجسدي، ذلك لحفظ حياتنا اليومية والتي بدونها لا نستطيع أن نعيش.
هذه المؤونة هي الطعام والملبس، ولكن يفهم الكل بذكر الجزء. فعندما نسأل خبزًا نفهم بذلك كل الأشياء. هناك طعامًا روحيًا أيضًا يعرفه المؤمنين، والذي ستعرفونه أنتم أيضًا عندما تقبلونه على مذبح الله. هذا أيضًا “خبزًا يوميًا” ضروري لهذه الحياة فقط. لأننا هل سنقبل القربان المقدس عندما نذهب إلى المسيح نفسه ونبتدأ نملك معه إلى الأبد؟ هكذا إذن الخبز المقدس هو طعامنا اليومي، ولكن لنقبله هكذا بحكمة أنه ليس لإنعاش أجسادنا فقط بل وأرواحنا. لأن الأثر الذي ندركه هنا هو الوحدة المتجمعة في جسده والتي تكون أعضائه حتى نصير نحن (جسد المسيح) الذي نأخذه.
إنه خبزنا اليومي.
أيضًا ما قد عالجته الآن أمامكم هو خبز يومي، كذلك الفصول اليومية التي تسمعونها في الكنيسة هي خبز يومي، التسابيح التي تسمعونها وترددونها هي خبز يومي، لأن هذه جميعها ضرورية لنا أثناء رحلتنا. ولكن هل تسمع الكلمة عندما تصل إلى السماء ونرى الكلمة ذاته، ونسمع الكلمة نفسه ونأكله ونشربه كما تفعل الملائكة الآن؟ هل تحتاج الملائكة إلى كتب ومفسرين وقراء؟ بالتأكيد لا.. إنهم يقرأون بالنظر، لأنهم يعاينون الحق نفسه، شبعي (بغزارة) بذلك الينبوع الذي نحصل منه على قطرات قليلة. لذلك فإن هذه الطلبة الخاصة بخبزنا اليومي ضرورية لنا في هذه الحياة.
8- “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” هل هذه (الطلبة) ضرورية إلا في هذه الحياة؟ لأنه لا توجد ذنوب في الحياة الأخرى. لأنه ما هي الذنوب سوى الخطايا؟ انظروا فإنكم على وشك العماد، لذلك ستمحى كل خطاياكم ولن يبقى منها شيئًا. سيمحى كل ما ارتكبتموه من خطايا سواء أكان بالفعل أو بالقول أو بالرغبة أو بالفكر. ومع هذا لو كانت حياتنا بعد العماد مصانة من الخطية ما كنا نعلم صلاة كهذه.
“اغفر لنا ذنوبنا” فقط فلنعمل بكل الوسائل ما جاء بعد ذلك “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. يا من اقتربتم على الحصول على الغفران التام لكل خطاياكم فوق كل شيء لتروا أنه ليس في قلوبكم شيئًا على أي إنسان، فتخرجون هكذا من العماد محصنين، محررين، ومغفوري كل الخطايا، ثم بعد ذلك تبتدأون في الاتجاه نحو الانتقام لأنفسكم من أعدائكم الذين سبق فأخطأوا إليكم. اغفروا كما يغفر لكم. الله لا يمكن أن يخطئ ومع أن ليس عليه شيئًا يعفو. فإن كان الذي ليس عليه شيئًا يعفو عفوًا تامًا فكم ينبغي أن يغفر ذلك الذي يغفر له.
9- “لا تدخلنا في تجربة لكن نجينا من الشرير”. هل هذه أيضًا ضرورية في حياتنا العقلية؟ لا تقال “لا تدخلنا في تجربة” إلا حيث يمكن أن توجد تجربة. أننا نقرأ في سفر القديس أيوب “إن حياة الإنسان على الأرض تجند” [3] (أي 7: 1) تعن ماذا إذن نصلي؟ اسمعوا ماذا نصلي؟ يقول الرسول يعقوب: “لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله” (يع 1: 13). إنه تكلم عن التجارب الشريرة التي يخدع بها البشر، ويصيرون تحت نير الشيطان، هذه هي التجارب التي تكلم عنها. لن هناك نوع آخر من التجارب يدعى تجارب الامتحان التي كتب عنها “لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم” (تث13: 3)، ماذا يقصد بـ “لكي يعلم” أي لكي يعرفكم”، لأنه هو يعلم بسابق معرفته. الله لا يُجرب أحدًا بذلك النوع من التجارب التي بها نخدع ونضل، ولكن بدون شك في عمق عدله المخفي يتخلى عن البعض، وإذ يتخلى عنهم يجد المجرب فرصته. لأنه لا يجد منهم مقاومة لقوته، وللحال إذ تخلى الله عنهم يتقدم المجرب نفسه كمالك لهم. لهذا نقول “لا تدخلنا في تجربة” حتى لا يتخلى عنا. يقول الرسول نفسه: “ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتًا” (يع 1: 14-15). ماذا يعلمنا هنا؟ أن نحارب ضد شهواتنا. لأنكم مزمعون أن تطرحوا خطاياكم بالعماد المقدس، وأما الشهوات فستبقى حيث تحاربونها بعد تجديدكم لأنه لا زال الصراع مع أنفسكم باقيًا. لا يخيفكم أي عدو خارجي. انتصروا على أنفسكم فتغلبوا العالم كله. ماذا يستطيع أي مجرب خارجي أن يفعل ضدكم سواء أكان الشيطان أو خادمه؟ دعوا الذي يضع أمامكم أمل الربح لإغرائكم أن لا يجد فيكم طمعًا، حينذاك ماذا يستطيع أن يفعل بكم الذي يرغب في تجربتكم عن طريق المكسب؟ فإن وجد فيكم الطمع فستحترقون عند رؤية المكسب وتصادون بطعم من ذلك الطعام الفاسد. وأما إذا لم يجد فيكم طمعًا فسيبقى الفخ منصوبًا.
وإذا وضع المجرب أمامكم بعض النسوة فائقي الجمال فإن وجدت في الداخل عفة فسيغلب على الظلم الخارجي (الذي للمجرب). حاربوا شهواتكم الداخلية حتى لا يقتنصكم بطعم جمال امرأة غريبة أنكم لا تدركون عدوكم إدراكًا محسوسًا بل تدركون شهواتكم. أنكم لا ترون الشيطان بل ترون المادة التي تشغلكم. فلتسيطروا إذن على ما تلمسوه داخلكم. حاربوا ببأس لأن الذي يجددكم هو قاضيكم. لقد أعد القوائم وبعد الإكليل ولكن إذ ستهزمون بدون شك إن لم تأخذوه لمساعدتكم إن تخلى عنكم، لذلك قولوا في الصلاة “لا تدخلنا في تجربة” غضب القاضي أسلم البعض لشهواتهم. يقول الرسول بولس: “أسلمهم الله (أيضًا) في شهوات قلوبهم” (رو 1: 24)، كيف أسلمهم. ليس بإجبارهم بل بالتخلي عنهم.
10- قد تنتمي “نجنا من الشرير” إلى نفس العبارة (السابقة)، لذلك قد تفهمونها أنها جملة واحدة فتكون “لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير” لهذا أضاف “لكن” ليظهر أنها عبارة واحدة “لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير”، كيف هذا؟
سأعرض كل على انفراد “لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير”. “فبنجاتنا من الشرير لا يدخلنا في تجربة، وبعدم إدخالنا في تجربة ينجينا من الشرير.
11- حقيقة أنها لتجربة عظيمة. أيها الأحباء الأعزاء أنها لتجربة عظيمة في هذه الحياة عندما يكون فينا موضوع التجربة
[4]، الذي به نحصل على الغفران إن سقطنا في إحدى تجاربنا. إنها تجربة مريعة عندما يؤخذ منا الذي نشفي به من جراحات بقية التجارب أنني أعلم أنكم لم تفهمونني بعد. اَنصتوا إليَّ فتفهمون. افترضوا أن الطمع يحارب إنسانًا، فهزم الإنسان في تجربة فريدة (لأنه حتى المصارع والمحارب الحسن قد يخطئ التصرف). لقد تغلب الطمع على الإنسان فصنع عملاً فيه طمع، رغم كونه مصارع حسن. أو قد تأتي شهوات عابرة، أنها لا تجلب الإنسان إلى الزنا أو تصل به إلى الفسق، لأنه متى وجد لهذه الشهوات مكان ينبغي على الإنسان أن يتحفظ من صنع الجريمة. ولكنه “نظر إلى امرأة ليشتهيها”(215). لقد ترك أفكاره تجول فيها بلذة أكثر من اللائق لقد سلم بالهجوم، رغم كونه مصارع ممتاز فقد جرح، ولكنه لم يقبل الشهوات. لقد غلب عواطف شهوته وضبطها بحزن مرير، أنه هزمها وتغلب عليها.
حقًا لقد اِنزلق، فلديه الباعث للقول “اغفر لنا ذنوبنا”، وهكذا بالنسبة لبقية التجارب فإنه يصعب في جميعهم أن لا نجد فرصة نقول فيها “اغفر لنا ذنوبنا”. ما هي إذن التجربة المريعة التي أشرت إليها؟ إنها خطيرة وعظيمة، ينبغي أن نتجنبها بكل قوتنا وكل عزمنا، فما هي هذه؟ هي عندما ننتقم لأنفسنا، فيلتهب الغضب ويحترق الإنسان للانتقام. يالها من تجربة مريعة. أنكم تخسرون ذلك الذي به تحصلون على الغفران من الخطايا الأخرى. إن كنتم قد ارتكبتم أي خطية خاصة بأحاسيس أخرى، وشهوات أخرى فإنكم قد تجدون فيها علاجكم حيث يمكنكم القول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. أما الذي يحرضكم للانتقام يجعلكم تخسرون القدرة على القول “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” وإذ تخسرون هذه القوة تبقى جميع الخطايا ولا يغفر منها شيئا.
12- عندما علمنا ربنا وسيدنا ومخلصنا ستة أو سبعة طلبات في هذه الصلاة لم يعالج أحدهم ولا أمرنا بأحدهم أكثر من هذه، ذلك لمعرفته بهذه التجربة الخطيرة في هذه الحياة. ألا نقول “أبانا الذي في السموات” والبقية الباقية من الصلاة؟ بعد الانتهاء من الصلاة لماذا لم يتوسع فيما قاله في البادية أو ما ختم به في النهاية أو ما قاله في نصف الصلاة؟ لماذا لم يقل أنه إن لم يتقدس اسم الله فيكم، أو إن لم يكن لكم نصيبًا في ملكوت الله، أو إن لم تعملوا مشيئة الله فيكم كما في المساء، أو إن لم يهتم الله بكم فلا تدخلوا في تجربة، لماذا لم يقل شيئًا من هذا؟ ولكنه ماذا قال؟ فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم “مشيرًا إلى هذه الطلبة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، معلمًا إيانا هذه الطلبة بتشديد خاص، عابرًا على كل الطلبات الأخرى التي علمنا إياها. فبالنسبة للخطايا التي إذا ارتكبها إنسان ويعلم الوسائل التي بها يمكن أن يبرأ، لا تحتاج إلى إلحاح كثير، هكذا مثل التي نحتاج إليها بتلك التي إذا أخطأ ثم بها لا توجد الوسائل التي بها يمكن أن تشفوا من بقية الخطايا. لهذا ينبغي دائمًا أن تقولوا “اغفر لنا ذنوبنا” أي ذنوب؟ أنه لا يوجد عوز في هذه لأننا لسنا إلا بشر. لقد تكلمت قليلاً أكثر مما ينبغي، قلت ما لا ينبغي القول به أكلت أكثر مما يجب، استمعت بلذة إلى مالا ينبغي السماع له، شربت مالا ينبغي أن أشربه فكرت بلذة فيما لا ينبغي التفكير فيه، “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” فإن خسرتم هذا تخسرون أنفسكم.
13- احترزوا يا إخوتي، يا أبنائي، يا أولاد الله احزروا، إنني أرجوكم فيما أقوله لكم. حاربوا إلى غاية قوتكم بكل قلوبكم. وإذا ما وجدتم الغضب أمامكم صلوا إلى الله من أجله ليعطكم الرب النصرة على أنفسكم، أقول يعطيكم الرب الغلبة ليس على أعدائكم الخارجيين بل على روحكم الداخلية. لأنه يعطيكم معونة حلوله معطيا لكم (النصرة) أنه يفضل أن تطلب منه ذلك عن أن نطلب مطرًا. لأنكم ترون يا أحبائي كم من الطلبات علمنا إياها الرب المسيح، وبالكاد نجد فيها طلبة واحدة تتكلم عن خبزنا اليومي، مشكلاً كل أفكارنا عن الحياة المستقبلة؟ لأنه ماذا نخاف إن لا يعطينا إياه ذلك الذي وعد قائلاً: “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم” (مت 6: 33)، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها (قبل أن تطلبوها) لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم” (مت 6: 32-33)، لأن كثيرون جربوا حتى بالجوع فوجدوا ذهبًا ولم ينسوا من الله أنهم يهلكون جوعًا لو ترك الخبز اليومي الداخلي قلوبهم ليتنا بحسب هذا بالأكثر نجوع “لأنه طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ. لأنهم يشبعون” (مت 5: 6)، ولكنه يستطيع في رحمته أن ينظر إلى ضعفنا ويرانا، كما قيل: “يذكر أننا تراب نحن” (مز 103: 14)، أنه ذلك الذي صنع الإنسان من التراب وأحياه من أجل صنعته الخزفية أسلم ابنه إلى الموت. من يستطيع أن يوضح، من يستحق أن يدرك مقدار محبته لنا؟
[1] . لا يعني هذا أن بنوتنا لله مثل بنوة الابن للآب، بل أن الابن تنازل ليهبنا أن نكون إخوة له، وبذلك فإن بنوتنا لا تنفي كونه الابن الطبيعي الوحيد للآب، أما نحن فأبناء بالتبني.
[2] . لأن الحياة الأبدية يوم واحد فلا نطلب هناك خبزًا يوميًا.
[3] . الطبعة الكاثوليكية، جاء النص هكذا Is not the life of man u[on earth a temptation. Job. 7:1 sept.
[4] . يقصد بذلك أن نجرب بعد الآخرين، الؤي به ننال العفو عن بقية خطايانا.
روجع
العظة الثامنة
عن الصلاة الربانية أيضًا (مت6)
“للمستعدين للعماد”
1- لقد رددتم قانون الإيمان الذي يحوي موجزًا مختصرًا للإيمان. وقد سبق أن أخبرتكم بما يقوله الرسول بولس “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به” (رو 10: 14)، لأنكم قد سمعتم الآن وتعلمتم ورددتم كيف تؤمنوا بالله، لتسمعوا اليوم كيف تدعوه. وكما سمعتم في الإنجيل عند قراءته أن الابن نفسه علم تلاميذه ومؤمنيه هذه الصلاة. فلنا رجاء عظيم في ربح القضية إن كان لنا مثل هذا الشفيع الذي يلقننا طلبتنا. إن الديان [1] الجالس عن يمين الآب كما تعترفون هو شفيعنا وهو الذي سيديننا، لأنه سيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات. إذن فلتعلموا هذه الصلاة أيضًا التي سترددونها في الثمانية أيام. وأما الذين لم يرددوا قانون الإيمان حسنا فليتعلموه، فإن لديهم متسعًا من الوقت، لأنكم سترددونه يوم السبت [2]، على مسمع من جميع الحاضرين، في آخر سبت [3]، حيث تكونون هناك لتقبلوا المعمودية.
ليتكم ترددون هذه الصلاة التي سمعتموها اليوم خلال الثمانية أيام التالية.
2- عن العبارة الأولى منها “أبانا الذي في السماوات” (مت 6: 9)، لقد وجدنا لنا أبًا في السماوات لذلك ينبغي أن نهتم كيف نحيا على الأرض، لأن الذي له أب كهذا ينبغي أن يحيا بطريقة بها يكون مستحقًا أن يدخل ميراثه. ولكننا نقول جميعنا معًا “أبانا” يا له من تواضع عظيم، فهذا ما يقوله الإمبراطور وما يقوله الشحاذ، هذا يقوله العبد ويقوله سيده. أنهم يقولون جميعا “أبانا الذي في السماوات”، لذلك هل فهموا أنهم إخوة، ناظرين أن لهم أبًا واحدًا فلا يستنكف السيد من أن يجعل عبده أخًا له ناظرًا أن الرب يسوع قد وهبه أن يكون أخًا له.
3- “ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك” فيتقدس اسم الله نصير مقدسين، لأن اسمه قدوس دائمًا. أننا نرغب أن يأتي ملكوته. أنه آت ولو لم نرغب ذلك. ولكن رغبتنا وصلاتنا من أجل مجيء ملكوته ليست إلا رغبة منا في أن يجعلنا مستحقين لملكوته، لئلا يأتي ولكن ليس لنا (لا يسمح الله بذلك)، لأنه لا يأتي لكثيرين ومع ذلك فهو آت. لأنه سيأتي للذين سيقال لهم “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34)، ولكنه لا يأتي للذين يقال لهم “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية” (مت 25: 41). لذلك عندما نصلي “ليأتي ملكوتك” نطلب ذلك ليأتي لنا. ماذا يقصد بـ “ليأتي لنا”؟ أي يجدنا صالحين. لهذا نطلب أن يجعلنا صالحين وبذا يأتي ملكوته لنا.
4- “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. الملائكة تخدمك في السماء ليتنا نخدمك على الأرض! الملائكة لا تخطئ إليك في السماء، ليتنا لا نخطئ إليك على الأرض! كما يصنعون مشيئتك ليتنا نصنعها نحن أيضًا! ماذا نطلب هنا سوى أن نكون صالحين؟ لأننا حين نصنع مشيئة الله فإن مشيئته تصنع (تعمل) فينا (لأنه بدون شك يصنع الله مشيئته). ونستطيع أن ندرك هذه الكلمات “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” بمعنى آخر، صحيح أننا نقبل وصايا الله وهي مبهجة لنا، مبهجة لعقولنا، “فإننا نسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن” (رو 7: 22)، هذه هي مشيئته التي في السماء، لأن أرواحنا تشبه السماء، وأما الأرض فجسدنا. ماذا إذن يقصد بـ “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”؟ أي كما تبتهج عقولنا بوصاياك هكذا ليت جسدنا يرتضي بها. وبهذا ينتهي الصراع الذي وصفه الرسول “لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد” (غلا 5: 17). فعندما تشتهي الروح ضد الجسد تكون مشيئته متممة في السماء، وعندما لا يشتهي الجسد ضد الروح تنفذ مشيئته على الأرض. سيكون وفاق كامل عندما يشاء الله، ويصير الصراع الآن نصرًا فيما بعد.
كذلك “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” يمكن أن تفهم بمعنى صحيح باعتبار “السماء” هي الكنيسة لأنها عرش الله، والأرض هي غير المؤمنين الذين قيل عنهم “لأنك تراب وإلى التراب تعود” (تك 3: 19). لذلك عندما نصلي من أجل أعدائنا من أجل أعداء الكنيسة، أعداء المسيحيين نطلب أن تكون مشيئته، “كما في السماء كذلك على الأرض”. أي كما في مؤمنيك كذلك في المجدِّفين عليك فيصيروا “سماءًا”.
5- يلي ذلك “خبزنا اليومي أعطنا اليوم”. قد يفهم ببساطة أننا ننسكب في هذه الصلاة من أجل قوتنا اليومي ليكون متوافرًا لنا، أو إن لم يكن كذلك فعلى الأقل أن لا نكون في عوز. يقول (المصلي) الآن “خبزنا اليومي” مادام الوقت يدعى “اليوم” كل يوم نحيا، كل يوم نقوم، كل يوم نقتات، كل يوم نجوع، ليته يعطنا خبزنا اليومي. لماذا لم يقل “كساءنا” أيضًا، لأن عماد حياتنا هو في الأكل والشرب، وأما كساءنا ففي الملبس والمسكن. ينبغي أن لا يشتهي الإنسان أكثر من هذا. لأنه حسبما يقول الرسول: “لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن تخرج منه بشيء”، “فان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما” (1 تي 6: 7-8). فإذ يتبدد الطمع نغتني الطبيعة. لهذا إن كانت هذه الصلاة تشير إلى قوتنا اليومي حيث يكون هذا هو الفهم الصحيح للكلمات “خبزنا اليومي أعطنا ليوم”، فلا نعجب إن كان يقصد بكلمة “الخبز” كل الاحتياجات الأخرى. لأنه عندما دعى يوسف إخوته للأكل قال “الرجال يأكلون (خبزًا) معي عند الظهر” (تك 43: 16)، هل سيأكلون خبزصا فقط؟ لا، بل لأن الإشارة إلى الخبز وحده يفهم منه كل بقية المأكولات. لذلك عندما نصلي من أجل خبزنا اليومي نطلب كل احتياجات أجسادنا على الأرض ولكن ماذا يقول الرب يسوع؟ “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم” (مت 6: 33).
هناك معنى جميل جدًا لـ “خبزنا اليومي أعطنا اليوم”، أي أعطنا جسدك طعامنا اليومي لأن المؤمنين يعرفون ما يقبلونه، ولخيرهم يقبلون ذلك الخبز الضروري في هذه الحياة. إنهم يطلبون لأجل أنفسهم بأن يصيروا صالحين، ويثابروا على الصلاح والإيمان والحياة المقدسة هذا هو ما يرغبونه ويصلون من أجله، لأنهم إن لم يثبتوا في الحياة الصالحة فسيحرمون من ذلك الخبز. لذلك ماذا يعني “خبزنا اليومي أعطنا اليوم”؟ أي دعنا نعيش صالحين حتى لا ننفصل عن مذبحك. كذلك كلمة الله (المسيح) المقدم لنا والذي يقسم يوميًا بطريقة ما هو خبزنا اليومي “وكما يجوع جسدنا إلى الخبز الآخر هكذا تجوع أرواحنا لهذا الخبز. هكذا بكليهما (أجسادنا وأرواحنا)، نطلب من أجل ذلك الخبز وحده [4]، إذ يشمل “هذا الخبز” كل ما نحتاج إليه سواء أكان لأجل أرواحنا أو أجسادنا.
6- إننا نقول “اِغفر لنا ذنوبنا” حسنا نقول هذا لأننا نقول الحق لأنه من يحيا هنا في الجسد بدون أن يرتكب ذنبًا؟ أي إنسان يعيش هنا ولا يحتاج إلى هذه الصلاة؟ إنه قد ينتفخ ولكن لا يقدر أن يتبرر. كان خيرًا له أن يقتدي بالعشَّار ولا ينتفخ كالفرِّيسي الذي صعد إلى الهيكل متباهيًا باستحقاقاته خافيًا جراحاته، بينما الذي قال “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” (مت 18: 13) عرف إلى أين يصعد.
انظروا أيها الإخوة فقد علّم الرب يسوع تلاميذه الذين هم رسله الأولين العظماء قادة قطيعنا أن يقدموا هذه الصلاة. فإن كان قادة القطيع يُصلون من أجل غفران خطاياهم، فماذا ينبغي أن نفعل نحن الحملان الذين قيل عنا “قدموا (أيها الحملان) للرب” (مز 29: 1)؟ لقد عرفتم أنكم ترددون هذا في قانون الإيمان لأنكم تشيرون فيه إلى “مغفرة الخطايا” هناك غفران واحد للخطايا جميعها يعطي مرة واحدة، وأخرى يعطي يوميًا في الصلاة الربانية حيث تقولون “واغفر لنا ذنوبنا”.
7- لقد قربنا الله إلى ميثاق وعهد وارتباط راسخ فيه، وفي ذلك نقول “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” فالذي يريد أن يقول:“اغفر لنا ذنوبنا” بطريقة نافعة، ينبغي أن يقول بحق: “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. فإن لم يقل هذا القول الأخير، أو يقوله بخداع يسير قوله الأول باطلاً.
إننا نقول لكم يا من اقتربتم على العماد المقدس أن تغفروا من قلوبكم كل شيء. وأنتم أيها المؤمنون، يا من تنتفعون من هذه الفرصة بإصغائكم إلى هذه الصلاة، وشرَحنا لها اغفروا كل ما على الآخرين غفرانًا تامًا من قلوبكم. اغفروها من قلوبكم التي يراها الله. إذ يغفر أحيانًا الإنسان بفمه ولكنه يحفظها في قلبه، يغفرها بالفم من أجل البشر، ويحتفظ بها في القلب، حيث لا يخاف عين الله. ليتكم إذن تغفروها تمامًا. أنه لا أقل من أن تغفروا في هذه الأيام المقدسة كل ما أبقيتموه حتى في هذه الأيام المقدسة (أيام الصوم الكبير).
“لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف 4: 26)، ومع هذا فقد غابت الشمس مرارًا كثيرة. اتركوا غيظكم أيضًا، حيث نحتفل الآن بأيام الشمس العظيم، هذه الشمس التي يقول عنها الكتاب المقدس “لكم… تشرق شمس البرّ، والشفاء في أجنحتها” (ملا 4: 2). ماذا يقصد بـ “في أجنحتها”؟ أي في حمايته، إذ قيل في المزامير: “وبظل جناحيك استرني” (مز 17: 8). وأما أولئك الذين يندمون في يوم الدينونة، ولكن بعد مضي الوقت، والذين سيحزنون ولكن بلا فائدة، فقد سبق أن تنبأ في سفر الحكمة عن ما سيقولونه عندما يندمون ويتأوهون من عذاب الروح “فماذا أنفعتنا الكبرياء وماذا أفادنا افتخارنا بالغنى. قد مضى ذلك كالظل، لقد ضللنا عن طريق الحق، ولم يضيء لنا نور البرّ، ولم تشرق علينا الشمس” (حك 5: 8، 9، 6). تلك الشمس تشرق على الأبرار فقط، وأما هذه الشمس التي نراها يوميًا فإن الله يشرق شمسه على الأشرار والصالحين” (مت 5: 45). يطلب الأبرار رؤية تلك الشمس وهي تقطن في قلوبنا بالإيمان. فإن كنتم تغضبون لا تدعوا هذه الشمس تغرب في قلوبكم على غيظكم، “لا تغرب الشمس على غيظكم”، لئلا تكونوا غضْبى، فتغرب شمس البرّ عنكم وتمكثون في الظلام.
8- لا تظنوا أن الغضب أمر يستهان به، إذ يقول النبي “تعكرت (ذبلت) من الغضب عيناي” (مز 6: 7)، وبالتأكيد لا يستطيع (متوعك) العينين أن يعاين الشمس، فإذا حاول رؤيتها تؤذى ولا تبتهج بذلك. فما هو الغضب؟ أنه شهوة الانتقام. يشتهي الإنسان الانتقام، و المسيح لم ينتقم بعد، والشهداء القديسين لم ينتقموا بعد. لا زالت أناة الله تنتظر اهتداء أعداء المسيح وأعداء الشهداء، فمن نحن حتي نطلب الانتقام؟ فلو طلب الله الانتقام منا أين نثبت؟ إن الله الذي لا يضرنا في أي أمر من الأمور لا يرغب في الانتقام لنفسه منا فهل نطلب نحن الذين نخطئ دومًا إلى الله الانتقام؟ اغفروا إذن، اغفروا من قلوبكم.
إذا غضبتم فلا تخطئوا. “اغضبوا ولا تخطئوا” (مز 4:4)، يكون فإذ أنتم بشر اغضبوا متى تغلب الغضب عليكم، ولكن لا تخطئوا بإبقاء الغضب في قلوبكم، لأنكم إن أبقيتموه يكون ضد أنفسكم، حتى لا تحرموا من ذلك النور لذلك اغفروا. ما هو الغضب إذن؟ أنه شهوة الانتقام. وما هي الكراهية أنها الغضب المزمن. فماذا ما أزمن الغضب حينئذ يدعى كراهية. يبدوا أن الذي قال “تعكرت من الغضب عيناي”، مضيفًا شاخت من كل أعدائي (مز 6: 7)، يعرف أن ما كان في بدايته غضبًا صار باستمراره كراهية. الغضب “قذى” والكراهية “خشبة”، فأحيانًا نجد خطية في من يغضب بينما نحتفظ بالكراهية في قلوبنا. لذلك يقول لنا المسيح “لِما تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها” (مت 7: 3)، كيف نمت القذى إلى خشبة؟ بسبب عدم استئصالها سريعًا. لأنكم تركتم الشمس تشرق وتغرب كثيرًا على غيظكم وجعلتموه يزمن، فقبلتم الشكوك الشريرة وأرويتم القذى، وبإروائها انتعشت، وبانتعاشها صارت خشبه. إذن فلترتعبوا على الأقل عندما يقال “كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس” (1 يو 3: 15). إنكم لم تسحبوا السيف ولا أوجدتم جروحًا ولا قتلتم آخرين بأية ضربة، إنما يوجد فقط فكر كراهية في قلوبكم، الذي به تعتبرون قاتلي نفوس ومجرمين في عينيّ الله. إن الإنسان الآخر حيّ ومع ذلك فقد قتلتموه. فبالنسبة لكم تكونون قتلة للذين تكرهونهم تجددوا إذن وأصلحوا أنفسكم. إن كان في منازلكم عقارب وأفاعي كم ينبغي أن تكدُّوا لتنقونها حتى تكونون في مأمن منها في مسكنكم؟ ومع ذلك هل أنتم غضبى ويستأصِل الغضب في قلوبكم، وتنمو كراهيات كثرة، وخشب كثير وعقارب وأفاعي كثيرة، ولا تنقون بعد قلوبكم التي هي مسكن الله؟
إذن ما قد قيل “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا. وبذلك تقولون باطمئنان “اغفر لنا ذنوبنا” لأنكم لا تستطيعون الحياة في هذا العالم بدون خطية، ولكن تلك الجرائم العُظامى التي تلتمسون غفرانها في العماد، والتي ينبغي التحرر منها دائمًا، هي من نوع ما، كما توجد (يوجد) نوع آخر من الخطايا اليومية التي بدونها لا يعيش إنسان في العالم، لذلك فإن هذه الصلاة اليومية بميثاقها وتعهدها ضرورية. فكما تقول بكل فرح “اغفر لنا ذنوبنا” ينبغي أن نقول بكل صدق “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”.
لقد تحدثنا كثيرًا عن الخطايا الماضية والآن ماذا نقول عن الخطايا المقبلة.
9- “ولا تدخلنا في تجربة” اغفر لنا خطايانا التي صنعناها، وهبنا أن لا نخطئ بعد بأية خطية. لأن الذي يُغلب من التجربة يرتكب الخطية، لذلك يقول يعقوب الرسول “لا يقل أحد إذا جرب أني أُجرب من قبل الله. لأن الله غير مجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب أحدًا. ولكن كل واحد يجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كمُلت تنتج موتًا (يع 1: 13-15). فإذ لا تنجذبون إلى شهوتكم لا تقبلونها، ليس هناك وسائل لإدراكها إلا عن طريقكم. إنكم تقبلونها كما لو كنتم تحتضنوها في قلوبكم. الشهوة تثور فاضبطوا أنفسكم ولا تتبعوها. إنها شهوة محرمة ونجسة، إنها تفصلكم عن الله. لا تحتضنوها إذن بقبولها لئلا ينتابكم ميلاد (الخطية). لأنكم إذ تقبلونها أي إذا ما احتضنتموها تحبل، “والشهوة إذا حبلت تلد خطية”، ألا تخافون بعد؟ “والخطية تنتج موتًا” فعلى الأقل خافوا من الموت. إن لم تخافوا من الخطية خافوا من عاقبتها. الخطية حلوة ولكن الموت مرّ. هذا هو الحكم على البشرية أن الذين يخطئون يتركون هذا العالم عند موتهم حاملين خطاياهم معهم. إنكم تخطئون بسبب المال الذي ستتركونه، أو من أجل مركز عالمي ستتركونه، أو بسبب امرأة ستتركونها، أو أي شيء آخر من أجله تفعلون الشر، فعندما تغلقون أعينكم للموت تتركون هذه الأشياء جميعها، وأما الخطية نفسها التي ارتكبتموها تحملونها معكم.
10- ليته تُغفر الخطايا إذن، فالخطايا السابقة تغفر والآتية تبطل. ولكن لا يمكن أن تعيشوا هنا بدون خطية، سواء أكانت أقل الخطايا أو أصغرها أو الهفوات. لا تزدروا حتى بهذه الخطايا الصغيرة التافهة. فبقطرات صغيرة يمتلئ النهر. لا تستهينوا حتى بالخطايا القليلة، فمن الشقوق الصغيرة ينضح الماء في السفينة ويمتلئ جوفها، فإذا أهمل هذا أدى إلى الغرق. ولكن البحارة ليسوا متوانين بل تعمل أيديهم بنشاط لإزالة الماء يومًا فيوم. فبأيديكم النشيطة تستطيعون نزح (الماء) يومًا فيوم. ما المقصود “بالأيدي النشطة”؟ اجعلوها تعطي وتصنع أعمالاً صالحة، وبذلك تكون أيديكم عاملة “اكسر للجائع خبزك وادخِل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيت عريانا اكسيه” (إش 58: 7). اعملوا كل ما تستطيعون فعله. اعملوه بالطرق التي أُمرتم بها. اعملوه بفرح وبذلك تقدمون صلواتكم بثقة. فيكون لها جناحان ويكون لها برًا ALMS مزدوجًا. ما هو هذا البرّ المزدوج؟ “اغفروا يغفر لكم اُعطوا تعطوا” (او 6: 37-38). البرّ الأول وهو الذي يعمل من القلب عندما تغفروا لأخيكم عن أخطائه. البرّ الآخر الذي من الخارج عندما تعطوا الخبز للفقير. قدموا البرَّين معًا، لأن بدون أي “الجناحين” تبقى صلواتكم بلا حركة.
11-. لذلك عندما نقول “لا تدخلنا في تجربة يتبع ذلك “لكن نجنا من الشرير”. من يرغب في التخلص من الشرير يشهد أنه في الشرير، لذلك يقول الرسول: “مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة” (أف 5: 16). ولكن “من هو الذي يهوى الحياة ويجب أن يرى أياما صالحة” (مز 34: 12) [5]. ناظرين أن كل البشر في هذا الجسد يعيشون في أيام شريرة ومع ذلك من لا يرغب فيها؟ اِصغوا ما يلي “صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش. حد عن الشر واِصنع الخير. اُطلب السلامة واِسع وراءها” (مز 34: 13-14). وبهذا تتخلصون من الأيام الشريرة وتتحقق صلاتكم “نجنا من الشرير”.
12- إن الطلبات الثلاثة الأولى “ليتقدس أسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك ما في السماء كذلك على الأرض”، من أجل الأبدية. وأما الطلبات الأربعة التالية فتتعلق بهذه الحياة.
“خبزنا اليومي أعطنا اليوم” هل سنسأل يوميًا عن الخبز اليومي عندما نصل إلى كمال النعمة؟”
“اغفر لنا ذنوبنا” هل نقول هذا في ذلك الملكوت حيث لا توجد هناك ذنوب؟
“ولا تدخلنا في تجربة” هل نستطيع أن نقول هذا حيث لا توجد هناك تجارب؟
“نجنا من الشرير” هل نقول هذا عندما لا يكون شيئًا تنجو منه؟
لذلك فإن هذه الطلبات الأربعة ضرورية لحياتنا اليومية، وأما الثلاثة الأولى فتخص الحياة الأبدية. ولكن لنسأل كل هذه الأشياء من أجل البلوغ إلى تلك الحياة، ولنصلي هنا حتى لا ننفصل عنه. اتلوا هذه الصلاة كل يوم عندما تتعمدون. لأن الصلاة الربانية تقال يوميًا في الكنيسة أمام مذبح الله والمؤمنون يسمعونها، لذلك فلا نخشى من عدم تعليمكم إياها باهتمام لأنه حتى إذا لم يستطيع أحدكم أن يتعلمها تمامًا فإنه سيتعلمها بسماعه إياها يوميًا.
13- لذلك فإنه في يوم السبت [6] عندما تعيدون بنعمة الله، سوف لا ترددون الصلاة الربانية بل قانون الإيمان. لأنكم إن لم تعرفوا قانون الإيمان الآن فسوف لا تسمعونه كل يوم في الكنيسة وبين الشعب، ولكن عندما تتعلمونه قولوه كل يوم عندما تستيقظون وعندما تستعدون للنوم حتى لا تنسونه. اِتلوا قانون إيمانكم، اُتلوه للرب، ذكروا أنفسكم به ولا تكلوا من تكراره. فالتكرار مفيد حتى لا يستخوركم النسيان. لا تقولوا “لقد قلته أمس وقلته اليوم. إنني أقوله كل يوم لقد عرفته تمامًا. استدعوا إيمانكم لأذهانكم وانظروا إلى أنفسكم. ليكن إيمانكم كمرآة لكم، ففيه ترون أنفسكم، عما إذا كنتم تؤمنون بكل ما تعترفون بالإيمان به، هكذا تبتهجون يومًا فيوم في إيمانكم. ليكن ثروتكم وليكن بنوع ما الكساء اليومي لأرواحكم. أما تلبسون عند نهوضكم؟ هكذا تسترون أرواحكم بتكرار قانون إيمانكم لئلا بنسيانه تصيرون بغير كساء وبذا تصيرون عراه، وبذلك تصيرون كما يقول الرسول (ليحفظكم الله من ذلك) “وجدنا لابسين لا عراه” [7] (1 كو 4: 3)، فإنه بإيماننا نستر هذا الإيمان، هو رداء وصدرية من النحاس في نفس الوقت، رداء ضد الخجل وصدرية من النحاس ضد الضيقات. ولكن عندما نصل إلى المكان الذي نملك فيه لا تكون هناك حاجة لترديد قانون الإيمان. إننا سنرى الله، سيكون الله نفسه رؤيتنا وستكون رؤيتنا لله جزاء لإيماننا الحالي.
[1] . The asses or of the Father.
[2] . عشية عيد القيامة.
[3] . من الصوم الكبير.
[4] . أي المسيح.
[5] . “من هو الإنسان الذي يهوى الحياة ويحب كثرة الأيام ليرى خيرًا.
[6] . سبت النور، ليلة عيد القيامة المجيد، انظر Bingham 21: 1، 21.
[7] . جاء النص If so be that being unclothed we shall not be found nakde.
روجع
العظة التاسعة
عن الصلاة الربانية أيضًا (مت6)
للمستعدين للعماد
1- لقد رددتم ما تؤمنون به، فلتسمعوا الآن ما ينبغي أن تصلوا من أجله إذ لا تستطيعون أن تدعوه ذلك الذي لم تؤمنوا به أولاً، كما يقول الرسول “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به؟” (رو 10: 14)، لذلك هل تعلمتم أولاً قانون الإيمان الذي يحوي موجزا لقواعد إيمانكم السامية، موجزا في كلماته، وساميا في قدر محتوياته. وأما الصلاة التي تستلمونها اليوم لكي ما تتعلمونها بقلوبكم وتكررونها في الثمانية أيام، فإنه كما سمعتم عند قراءة الإنجيل أن الرب نفسه لقنها لتلاميذه وتسلمناها نحن منهم إذ “في كل الأرض خرج منطقهم” (مز 19: 4).
2- يا من وجدتم أبًا في السماء امتنعوا عن الالتصاق بالأمور الأرضية. لأنه قد اقترب الوقت الذي تقولون فيه “أبانا الذي في السموات” لقد بدأتم تنتسبون إلى عائلة عظيمة. فتحت هذا الأب السيد والعبد أخوان، تحت هذا الأب القائد والعسكري أخوان، وتحت هذا الأب الغني والفقير أخوان. لكل المسيحيين المؤمنين آباء مختلفين على هذه الأرض، منهم من هم نبلاء ومنهم المجهولين، ومع ذلك يدعون أبًا واحدًا الذي هو في السماء. فإن كان أبونا موجود هناك، فهناك أيضًا يُعد لنا الميراث. إن أب هكذا يمكن أن نملك معه ما قد وهبنا، لأنه وهبنا ميراثاً لا يتركه لنا بموته، لأنه لا يموت بل يبقى إلى الأبد حيث نذهب عنده.
لقد سمعنا عن الذي نطلب منه، لنعرف أيضًا ما ينبغي أن نطلبه، لئلا نخطئ إلى أبينا بسؤالنا أمرًا رديًا.
3- ماذا علمنا الرب يسوع المسيح أن نسأل من الأب السماوي؟ “ليتقدس أسمك” ما هو نوع البركة التي نسألها من الله ليتقدس اسمه؟ اسم الله قدوس دائمًا. لماذا نطلب تقديس اسمه إلا لنتقدس نحن به؟ إننا نتضرع أن يتقدس فينا ذلك الذي هو قدوس دائمًا. يتقدس اسم الله فيكم عندما تتعمدون.
لماذا تقدمون هذه الصلاة بعد عمادكم إلا لكي ما يبقى فيكم الذي تتسلمونه إلى الأبد؟
4- يتبع ذلك الطلبة الأخرى “ليأت ملكوتك” سيأتي ملكوت الله سواء طلبنا هذا أو لم نطلبه. لماذا نطلب هذا إلا لكي ما يأتي لنا ذلك الذي سيأتي للقديسين وأن يحسبنا الله في عداد قديسيه الذين يأتي إليهم ملكوته؟
5- نقول في الطلبة الثالثة “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” ما هذا؟ كما تخدمك الملائكة في السماء كذلك نخدمك نحن على الأرض. لأن ملائكته القديسين يطيعونه، إنهم لا يخطئون إليه، إنهم ينفذون وصاياه بسبب محبتهم له، لذلك نصلي أن ننفذ وصايا الله في حب.
تفهم هذه الكلمات بمعنى آخر “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” السماء فينا هي الروح، والأرض هي الجسد. ماذا يقصد إذن بـ “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” لتقبل أجسادنا وصاياك عند سماعها، خشية أن لا نستطيع أن ننفذ وصايا الله عندما يتصارع الجسد والروح معًا.
6- يلي بعد ذلك في الصلاة “خبزنا اليومي أعطنا اليوم” سواء أكُنا نسأل الأب هنا عن احتياجنا الجسدي مشيرًا بذلك “بالخبز” عن كل احتياجاتنا، أو إن كنا نفهمه بالخبز اليومي الذي ستقبلونه قريبًا من على المذبح، فحسنًا نطلب أن يعطينا ذلك. لأننا ماذا نطلب سوى أن لا نرتكب الشر الذي يفصلنا عن ذلك الخبز المقدس.
كلمة الله التي يبشر بها يوميًا هي خبزًا يوميًا، فلا يعني عدم كونه خبزًا للجسد أنه ليس خبزًا للروح.
لكي عندما تنتهي هذه الحياة لا نبحث لا عن الخبز الذي نجوع إليه، ولا نأخذ الأسرار المقدسة من على المذبح لأننا سنكون هناك مع المسيح الذي نأخذ جسده الآن ولا تحتاجون إلى الحديث إليكم بالكلمات التي أحدثكم بها الآن، ولا يقرأ الكتاب المقدس عندما نراه الذي هو نفسه كلمة الله، الذي به صنعت كل الأشياء، وبه تتغذى الملائكة وبه تستضئ الملائكة، وبه تصير الملائكة حكماء دون حاجة للمناقشات المستمرة، بل يشربون من الكلمة الوحيد، ممتلئين من ذلك الذي به ينفجرون غير منقطعين عن التسبيح. لأنه بقول المزمور “طوبى للساكنين في بيتك أبدًا يسبحونك” (مز 84: 4).
7- نطلب كذلك في هذه الحياة الحاضرة الطلبة التالية “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” يغفر لنا في العماد كل ذنوبنا أي كل خطايانا. ولكن إذ لا يستطيع أحد أن يعيش هنا بدون خطية، وإن كان لا يرتكب أي خطية عظيمة تفصلنا عن المذبح، إلا أنه لا يستطيع أن يعيش على هذه الأرض بدون خطية، ولكن نستطيع أن نعمد مرة واحدة فقط عن كل الخطايا. وكما سمعنا في هذه الصلاة كيف نغسل من الخطايا يوميًا، فتغفر خطايانا يومًا فيوم بشرط أن ننفذ هذا “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”.
لذلك أنصحكم يا إخوتي الذين أنتم أبنائي في نعمة الله وإخوتي بالنسبة للأب السماوي أنصحكم أنه إذا أساء أحدًا إليكم وجاء معترفًا طالبًا الصفح اصفحوا عنه واغفروا له من كل قلوبكم، لئلا تمنعوا عن أنفسكم ذلك الغفران الذي من الله. لأنكم إن لم تغفروا فلا يَغفر الله لكم. إننا نطلب هذه الطلبة في هذه الحياة، إذ يمكن هنا أن تغفر الخطايا حيث يمكن أن تصنع. وأما في الحياة الأخرى فلا توجد مغفرة حيث لا تفعل الخطايا هناك.
8- نصلي بعد ذلك قائلين “لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير” هذه أيضًا أي عدم دخولنا في تجربة ضروري في هذه الحياة، لأنه في هذه الحياة توجد تجارب، ونجاتنا من الشرير لأنه يوجد هنا شرير.
على هذا فإن من الطلبات السبعة ثلاثة تخص الحياة الأبدية وأربعة تخص الحياة الحاضرة.
“ليتقدس اسمك” هذا يكون إلى الأبد “ليأت ملكوتك”، “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، “خبزنا اليومي اعطنا اليوم” هذا يكون إلى الأبد. “ولا تدخلنا في تجربة”، “لكن نجنا من الشرير” لا يكون إلى الأبد لأنه حيث تكون التجربة وحيث يوجد الشرير تكون هناك ضرورة لهذه الطلبة.
+ + +
روجع
العظة العاشرة
“لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض.. الخ” (مت6: 19)
الحث على الصدقة
1- إن سقط إنسان في ضيق وفشلت إمكانياته يبحث عن شخص حكيم يستشيره، وبذا يعلم ما يصنعه، لنفترض أن العالم جميعه إنسانًا واحدًا. إنه يبحث عن الهروب من الشر ولكنه لازال متباطئًا في صنع الخير، وبهذا إذ تكتنفه الضيقات وتفشل إمكانياته إلى أي حكيم غير المسيح يلجأ طالبًا المشورة؟ على أي الأحوال دعه يجد في هو أفضل منه، ليصنع ما يشاء. ولكن إن لم يجد من هو أفضل فيأت إلى المسيح الموجود في كل مكان. ليستشيره وينتصح منه ويحفظ الوصايا الصالحة هاربًا من الشر العظيم لأن الأمراض الزمنية التي يخافها البشر خوفًا شديدًا والتي يتذمرون منها للغاية، وبتذمرهم يخطئون إلى الله الذي يجذبهم حتى لا يجدوا معونته المخلصة. أقول بلا شك أن الأمراض الزمنية ليست إلا أمراضًا عابرة. فإما أن تعبر من بيننا أو نعبر نحن فيها. إما أن تنتهي ونحن أحياء أو نتركها بموتنا، لذلك ليس في الأمر ضيق عظيم لأن فترته قصيرة. إن كنتم تفكرون في الغد فإنكم لا تسترجعون ذاكرة الأمس. عندما يأتي اليوم الذي يلي الغد يصير الغد أيضًا أمسًا ولكن إن كان البشر يجزعون قلقين للهروب من الضيقات الزمنية العابرة أو بالأخرى التي يعبرونها فكم ينبغي أن يفكروا في أجل الهروب من تلك الضيقات التي يقطنون فيها ويكابدونها أبدًا؟
2- ما أشقى حياة الإنسان. أما يولد إلا ليدخل إلى حياة التعب. إن صرخة الرضيع العالية تشهد بتعبنا. فلا يعفى أحد عن كأس الحزن، الكأس الذي تعهد به آدم ينبغي أن يشربه حقًا. قد خلقنا بأيدي الحق ولكن بسبب الخطية طردنا إلى الأيام الباطلة “على صورة الله خلقنا” (تك 1 27)، ولكننا شوَّهناها بتعدياتنا الخاطئة. لذلك يذكرنا المزمور كيف خلقنا وإلى أي حال قد وصلنا، لأنه يقول “إنما كخيال يتمشى الإنسان”[1] ( مز 39: 6) “though a man walk in the image of God” انظروا كيف خلق؟ وإلى أين بلغ؟ استمعوا إلى التكملة “إنما باطلاً يضجون “أنه يمشي في صورة الحق ويجزع في المشورة الباطلة. انظروا إلى قلقه تطلعوا إليه (قلقه)، فإذ كما لو في مرآه لا يُسر بنفسه، إنه يقول إنما كخيال يمشي “walk in the image of God”، وبذلك فهو شيء عظيم “إنما باطلاً يضجون، “فكما لو سألناه أتوسل إليك كيف يقلق الإنسان باطلاً؟ فيقول: يُذخر ذخائر ولا يدري من يضمها، انظروا هذا الرجل الذي تمثلت فيه البشرية جميعها كما لو كانت رجلاً واحدًا، الذي ليست لديه عونًا في مسألته، وقد فقد المشورة وتاه عن طريق العقل السليم. أيّ جنون أكثر من هذا؟ وأيّ شقاء أكثر من هذا؟ ولكن هل بالتأكيد يحزن لأجل نفسه؟ ليس كذلك. لماذا لا يجمع لنفسه؟ لأنه لابد وأن يموت، فحياة الإنسان قصيرة. فالكنز باق وأما هو الذي يجمعه فسرعان ما يموت. فإذ يشفق يشفق على ذلك الإنسان الذي “إنما كخيال يمشي” “walk in the image of God”، والذي يعترف بأشياء حقيقية إلا أنه يجري وراء أمور باطلة، لهذا يقول “إنما باطلاً يضجون” إنني أحزن عليه، إنه “يذخر الذخائر ولا يدري من يضمها” هل يذخرها لنفسه؟ لا، لأن الإنسان يموت بينما الكنز يبقى. إذن لمن يذخرها؟ إن كانت لديكم أية مشورة صالحة فلتعطوني إياها. ولكن إذ ليس لديكم مشورة لي وبذا ليست لديكم مشورة لأنفسكم. فإذ ليس لدينا مشورة فلنبحث سويًا عنها. لنقبلها معًا ولنتبصر في الأمر سويًا. إنه يقلق ويحزن كثيرًا، إنه يفكر ويجاهد ويسهر قلقًا. اليوم كله متضايقين بالعمل والليل كله قلقين خوفًا. إن أرواحكم في حمى القلق لكي تمتلئ خزائنكم بالمال.
3- إنني أراكم قلقين فأحزن عليكم، وإذ يؤكد لنا الذي لا يخدع “إنما باطلاً يضجون”. فإنكم تدخرون كنوزكم مفترضين نجاح مشروعاتكم، ناسيين تمامًا الخسائر والمخاطر العظيمة والميتات الناجمة عن المثابرة في الحصول على كل أنواع الربح (إنني لا أتحدث عن ميتات الجسد بل الأفكار الشريرة، لأنه قد يأتي الذهب ولكنه بالحق يذهب، فتكتسون من الخارج ولكن تكونوا عراة في الداخل). ولكن لكي ما تعبروا هذه كلها وعلى أشياء أخرى كهذه في هدوء، لكي تعبروا على كل الأشياء التي هي ضدكم، فكروا فقط في الظروف المناسبة (المفيدة). انظروا إنكم تدخرون كنوزًا، والأرباح تتدفق عليكم من كل جهة وأموالكم تنساب كالينابيع. أينما ضايقكم الفقر فاض عليكم الغنى (2)، أم تسمعوا “إذا وفرت ثروتكم فلا تميلوا إليها قلوبكم”[3] (مز 61: 10). ها أنتم تنالون أعمالاً مثمرة. ولكنكم تقلقون باطلاً، ستسألون كيف أقلق باطلاً؟
إنني أملأ خزائني، أسواري بالكاد تحفظ ما قد نلته، فكيف أقلق الآن باطلاً؟ إنكم تدخرون ذخائر ولا تدرون من يضمها، إما إن كنتم تعرفون لمن تجمعونها فإنني أتوسل إليكم أن تخبروني. إنني سأصغي إليكم لمن تكون؟ إن لم تكونوا قلقين باطلاً فلتخبروني لمن تجمعون كنوزكم؟ تقولون “لأنفسنا” هل تجرأون القول بهذا يا من على وشك الموت، إنه لأطفالنا. هل تتجاسرون أن تقولوا هذا عن هؤلاء الذين يقرب موتهم. تقولون أنه واجب مهم للحب الطبيعي أن يجمع الأب ذلك لأبنائه. بالأحرى أنه أكثر بطلانًا أن يجمع الذين قربُ موتهم للذين سيموتون عن قريب أيضًا. فإن كان هذا الجمع لكم، فلماذا تجمعون ناظرين أنكم ستتركون هذه جميعها عند موتكم. هذه هي حالة أطفالكم أيضًا، أنهم سيخلفونكم ولكن لا يمكثون كثيرًا لا أقول شيئًا عن نوع أولادكم، فربما بالفجور لا يبذرون ما جمعه الطمع. كذلك آخرون يبذرون بالفجور ما جمعتموه بكد عظيم. ولكنني سأتغاضى عن هذا. أنهم سيكونون أولادًا صالحين وليسوا بفاسقين. سيحتفظون بما تتركوه لهم، سيزيدون على ما تتركوه لهم، ولا يبذروا ما ادخرتموه. سيتساوى أطفالكم معكم في الباطل إن فعلوا ذلك، إن قلدوكم في هذا أنتم آبائهم. سأقول لهم ما أقوله لكم الآن، سأقول لأبنائكم الذين جمعتم لهم هكذا “يدخرون ذخائر ولا يدرون لمن يضمونها”، فإذ لا تعرفوا (لمن تجمعونها) هكذا لا يعرفون هم أيضًا. إن كان البطلان سيستمر معهم فهل يفقد الحق قوته بالنسبة لهم.
4- إنني اَجتنب أن أستحثكم بأنكم قد تجمعون هذه حتى في حياتكم للصوص. قد يأتوا في ليلة فيجدوا ما قد جمع في أيام وليال كثيرة معدًا. فقد تجمعونها للص أو قاطع طريق. إنني لا أقول أكثر من هذا عن هذا الأمر لئلا استدعي إلى ذهنكم وأعيد إليه فتح جرح الآلام القديمة. كم من أشياء كثيرة جمعها البطلان ووجدها قسوة العدو معدة ليديه، إنني لست أتمنى هذا ولكن هذا ما يخيف الجميع. ليبعد الله ذلك منكم. ليته يكفينا تأديباته. ليته يستبقينا ذلك الذي نصلي إليه! ولكن ماذا نجيب لو سألكم الله لمن ندخر؟ أيها الإنسان، أيا كنت يا من تدخر كنزك باطلاً كيف تجيبني، إذ أعالج الأمر معك باحثًا عن مشورة في باعث مشترك؟
إنكم تحدثتم وأجبتم “أننا نجمع لأنفسنا ولأطفالنا ولنسلنا”، لقد سبق أن قلت لكم كم من بواعث للخوف توجد حتى بالنسبة لهؤلاء الأطفال أنفسهم. ولكنني سأتجاوز عن كون أولادكم يعيشون لعنة لكم وأن عدوكم يرغب فيهم مفترضًا أنهم يعيشون كما يريدهم آبائهم. ومع ذلك فكم من كثيرين يسقطون في هذه المصائب التي أخبرتكم وذكرتكم بها قليلاً. هل ترتجفون لهم رغم أنكم لم تصلحوا أنفسكم. لأنكم بماذا تجيبون غير هذا، ربما لا يكون كذلك. حسنًا وأنا أقول هذا أيضًا: ربما تجمعون للص أو سارق أو قاطع طريق، إنني غير متأكد ولكن يحتمل ذلك. وحيث يوجد احتمال لحدوث شيء فإنه يوجد عدم احتمال له. وبهذا لا تعلمون ما سيحدث وبذا إنما باطلاً تضجون، وها أنتم ترون الحق يقول بالحقيقة كيف يضج (المغرور) باطلاً، لقد سمعتم وتعلمتم أخيرًا حكمة لأنه عندما تقولون ربما يكون هذا لأطفالنا، دون أن تتجاسروا بالقول، أننا متأكدون أنه لأطفالنا.
ففي واقع الأمر لا تعلمون لمن تجمعون غناكم. هذا كما أرى وكما سبق أن قلته أولاً أنه ليس لديكم إمكانية. أنكم لا تجدون ما تجيبوني به ولا ما أجيبه عليكم.
5- لذلك فلنبحث ونسأل مشورة سويًا. أن الفرصة مهيئة لنا لا لاستشارة أي حكيم بل الحكمة ذاته. لنصغي معًا إلى يسوع المسيح الذي “لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله” (1 كو 1: 23-24)، لماذا تعدون دفاعًا عظيمًا لغناكم؟ لتسمعوا لحكمة الله الذي لا يفوقه حكيم فربما تعثرون عندما أقول ما ينبغي القول به وبذا تصيرون يهودًا “لأن المسيح لليهود عثرة” أو ربما يبدو حديثي لكم جهالة وبذلك تكونون أميين لأن المسيح “لليونانيين (الأميين) جهالة. “ومع هذا فأنتم مسيحيون وقد دعيتم مسيحيين “وأما للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله”. لا تحزنوا عندما أحدثكم بما ينبغي الحديث به، لا تعثروا ولا تسخروا بجهلي كما يبدو لكم بحسب ازدرائكم. لنصغي لأنني سأقول ما قاله المسيح. فإن احتقرتم المنذر (المنادي) فلتخافوا القاضي. ماذا أقول؟ أن قارئ الإنجيل قد أسعفني الآن من حيرتي (مأزقي). أنني لا أقرأ عليكم شيئًا جديدًا بل أذكركم بما قرأ الآن، أنه إذا فشلت إمكانياتكم طلبتم مشورة. انظروا ما يقوله ينبوع المشورة الصالحة، ذلك الينبوع الذي ليس في مجاريه سما فنخشاه. امتلئوا منه ما أردتم.
6- “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ويسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا.” (مت 6: 19-21)، ماذا تنتظرون بعد؟ الأمر واضح والمشورة مكشوفة وأما الشهوة الشريرة فمخبأة. لا ليس كذلك بل ما هو أردأ من هذا أن هذه الشهوة الشريرة معلنة. لأن النهب لا يتوقف عن الدمار، والطمع لا يكف عن الغش والحقد لا يمتنع عن الحلف الباطل، ولماذا كل هذا؟ لكي ما يذخر الكنز وأين تدخره؟ في الأرض حقيقة أنه من الأرض وإلى الأرض لأنه قيل للإنسان الذي أخطأ رابطًا إيانا معه بكأس التعب “أنت تراب وإلى تراب تعود”، فلا يكون الكنز في الأرض اعتباطًا لأن القلب هناك، كيف إذن “نرفع قلوبنا للرب”؟ اِحزنوا لحالكم هذا يا من قد فهمتموني، فإن حزنتم بالحق فلتصلحوا أنفسكم، إلى متى تصفقون لهذا ولا تفعلون به؟ ما قد سمعتموه هو حق وليس شيء أحق منه لتصنعوا إذن ما هو حق. أننا نسبح إلهًا واحدًا ومع ذلك لم نتغير حتى لا نتعب في تسبيحنا هذا باطلاً [4].
7- لذلك “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض” فسواء عرفتم بالخبرة أنكم ستفقدون كل ما تكنزوه على الأرض أو لم تختبروا هذا، خافوا من أن تكنزوه على الأرض. ليت هذه الخبرة تُصلح الذين لم تُصلحهم الكلمات. مع أن الجميع يصرخون بصوت واحد “الويل لنا، أن العالم ينهار”، إلا أنه لا يستطيع أحد أن يصعد عنه أو يخرج منه. إن كان العالم ينهار فلماذا لا تتحركون؟ لو أخبركم مهندسًا معماريًا أن منزلكم سيسقط حالاً أفلا تتحركون سريعًا قبل أن تنشغلوا في النحيب؟ إن مؤسس العالم يخبركم بأن العالم قد أوشك على الدمار أفلا تصدقوا هذا؟ اسمعوا صوت الذي سبق فاخبرنا بهذا، اسمعوا مشورة ذلك الذي أنذرنا أن صوت النبوة هو “السماء والأرض تزولان” (مت 24: 35). إن صوت التحذير هو “لا تكنزوا لكم كنزًا على الأرض”. إن كنتم تؤمنون بنبوة الله فلا تزدرون بإنذاره. افعلوا بما يقوله. أن الذي أعطاكم هذه المشورة لن يخدعكم. سوف لا تخسرون ما تتركونه بل تجدون ما قدمتموه أمامكم. لذلك فمشورتي هي “أعطوا الفقراء فيكون لكم كنزًا في السماء” (مت 19: 21). لا تبقوا بدون كنز بل الذي اقتنيتموه على الأرض بقلق تمتلكونه في السماء بدون هم. إذن فلترسلوا أمتعتكم. إنني أعطيكم مشورة للحفظ لا للفقدان. إنه يقول “فيكون لك كنزًا في السماء وتعال اتبعني” لكي ما أحضر لك كنزك. إنه ليس تبديد بل ادخار.
لماذا يسكت البشر؟ ليتهم يستمعوا فقد وجدوا أخيرًا بالخبرة ما ينبغي أن يخافوا منه، ليفعلوا إذن الأعمال التي لا تسبب لهم خوفًا، ولينقلوا أمتعتهم إلى السماء لو أنكم وضعتم القمح في الأرض المنخفضة وأتى إليكم صديقًا له علمًا بطبيعة القمح والأرض، فأوصاكم بغير دراية قائلاً: ماذا قد صنعتم. لقد وضعتم القمح في التربة السهلة وفي الأرض المنخفضة، التربة رطبة لذلك سيفسد الكل وتخسرون تعبكم. ستجيبونه: إذن ماذا ينبغي أن نفعل؟ يقول ضعوه في الأرض المرتفعة. هل تصغون إلى صديق يعطيكم مشورة بخصوص قمحكم وتحتقرون الله الذي يعطيكم مشورة تخص قلوبكم؟ انكم تخشون من و ضع قمحكم في الأرض المنخفضة، أتفقدون قلوبكم في الأرض؟ انظروا الرب إلهكم الذي عندما أعطاكم مشورة تخص قلوبكم قال: “حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا” (مت 6: 21). يقول ارفعوا قلوبكم إلى السماء حتى لا تفسد في الأرض. هذه مشورة ذلك الذي يريد أن يحفظ قلوبكم لا أن يهلكها.
8- إن كان الأمر كذلك فكم ينبغي أن تكون توبة الذين لم يفعلوا هذا بعد؟ كم ينبغي أن يبكتوا أنفسهم الآن! ينبغي أن يكون لنا في السماء ما نخسره الآن في الأرض، فالعدو ينقب منزلنا ولكن هل يستطيع أن يكسر باب السماء؟ أنه يقتل العبد المتولي الحراسة، ولكن هل يستطيع أن يقتل الله الذي يحفها “حيث لا ينقب سارقون ويسرقون، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ” كم من كثيرين يقولن الآن: ينبغي أن تكون لنا هناك كنوزًا نخبئها في أمان حيث نتبعها بعد قليل ونحن مطمئنون. لماذا لا نستمع لربنا؟ لماذا احتقرنا نصائح الأب فُجربنا بهجمات العدو؟ إن كانت لدينا مشورة صالحة فليتنا لا نتباطأ في مراعاتها. وإن كان ينبغي أن ننقل ما لدينا، فلننقله إلى ذلك الموضع الذي لا نفقده منه. من هم الفقراء الذين نعطيهم غير حمالين ينقلون أمتعتنا من الأرض إلى السماء؟ إذن فلتعطوا. أنكم لستم إلا معطين لحماليكم ليحملوا ما تعطونهم إلى السماء. تقولون كيف يحملونها إلى السماء؟ لأنني أراهم يقضون عليها بأكلها. أنهم بلا شك يحملونها لا يحفظها بل يجعلها طعامًا لهم. ماذا؟ هل نسيتم “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت… لأني جعت فأطعمتموني” وكل ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم” (مت 25: 34). إن كنتم لا تحتقروا الشحاذ الذي يجلس أمامكم أخذين في اعتباركم ذلك الذي تذهب إليه كل ما تعطونه. يقول.. كل ما فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر فبي فعلتم”، أنه قد تسلمها ذلك الذي قد أعطاكم من تعطون بواسطتهم، لقد تسلمها ذلك الذي سيعطيكم في النهاية ذاته.
9- من أجل هذا فإنه في أوقات كثيرة أيها الأحباء أذكركم وأعترف لكم بما يدهشني كثيرًا في كتاب الله المقدس وهو ما ينبغي لي أن أستدعي انتباهكم له كثيرًا. أتوسل إليكم أن تفكروا فيما قاله ربنا يسوع المسيح نفسه أنه عندما يأتي للدينونة في نهاية العالم سيجمع كل الأمم أمامه ويقسم البشر إلى قسمين قسم عن يمينه والآخر عن يساره. ويقول للذين عن اليمين “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” وأما الذين عن اليسار “اِذهبوا عني.. إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وكل ملائكته” ابحثوا عن أسباب هذا الجزاء العظيم أو العقاب المريع “رثوا الملكوت”، “اذهبوا إلى النار الأبدية” لماذا يرث الأولون الملكوت؟ “لأني جعت فأطعمتموني” لماذا يذهب الآخرون إلى النار الأبدية؟ لأني جعت فلم تطعموني، إنني أسأل، ماذا يعني هذا؟ إنني أرى الذين يرثون الملكوت أنهم قد أُعطوا كمسيحيين صالحين ومؤمنين، غير محتقرين لكلمات الرب، لهم رجاء ثابت في المواعيد، لهذا صنعوا لأنه لو لم يصنعوا هكذا فإن ذلك العقم ما كان يتفق مع حياتهم الصالحة. فقد يكونوا طاهرين غير غاشين ولا سكيرين حافظين أنفسهم عن كل أعمال الشر ولكنهم لا يضيفوا إلى هذا أعمالاً صالحة فيبقوا عقيمين. لأنهم أرادوا أن يحفظوا بعيدين عن الشر “ولكنهم لم يريدوا أن يحفظوا أنفسهم، ويصنعون الخير” (مز 34: 14)، مع ذلك فلم يقل حتى لهؤلاء “تعالوا، رثوا الملكوت” لأنكم عشتم طاهرين ولم تغشوا إنسانًا، ولا ظلمتم فقيرًا ولم تعتدوا على تخم أحد ولا خدعتم أحدًا بقسم. إنه لم يقل هذا بل قال “رثوا الملكوت، لأني جعت فأطعمتموني” يا لامتياز هذه عن بقية (الفضائل) جميعها، لأن الرب لم يشر إلى الكل بل إليها وحدها! كذلك يقول للآخرين “اذهبوا إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته”، كم من الأمور يمكن أن يثيرها ضد الأشرار عندما يسألون: لماذا نذهب إلى النار الأبدية؟ لماذا؟ أتسألوا أيها الزناة والقتلة والمخادعين ومنتهكي حرمة المعابد مجدفين وغير مؤمنين. ومع هذا فلم يذكر واحد من هذه بل “لأني جعت فلم تطعموني”.
10- أراكم تتعجبون مثلي. وحقًا أنه لأمر عجيب. ولكنني سأجمع قدر ما استطعت أسباب هذا الأمر العجيب ولا أخفي عليكم شيئًا. لقد كتب “الماء يطفئ النار الملتهبة. والصدقة تكفر الخطايا” (حكمة يشوع 3: 33)، كما كتب أيضًا “اغلق على الصدقة في أخاديرك فهي تنقذك من كل شر” [5] ( حكمة يشوع 29: 15)، كما كتب أيضًا “لذلك أيها الملك لتحسن مشورتي لديك وافقد خطاياك بالصدقة”
[6]. هناك شهادات كثيرة في الوحي الإلهي يظهر فيها ما للإحسان من فوائد كثيرة في إخماد الخطايا وإزالتها، لذلك سيلصق الإحسان إلى هؤلاء الذين على وشك أن يحكم الله عليهم، نعم بالأحرى الذين يتوجهم فكأنه يقول “أنه أمر صعب عليّ أن لا أجد سببًا لإدانتكم فامتحنكم وأزنكم بدقة وأفحص أعمالكم بأكثر دقة، ولكن “اُدخلوا إلى الملكوت، لأني كنت جوعانًا فأطعمتموني”، لذلك ستدخلون إلى الملكوت ليس لأنكم لم تخطئوا، بل لأنه بإحسانكم أزلتم خطاياكم. كذلك للآخرين: “اذهبوا إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته”. هم أيضًا خطاة إذ أنهم متأصلون في خطاياهم ومتأخرون في خوفهم منها. عندما يعرضون خطاياهم أمام عقولهم هل يستطيعون من أي جهة أن يتجاسروا فيقولوا أنهم يدانون بغير حقٍ، وأنه قد أعلنت هذه العبارة الصادرة من قاضٍ بار كهذا ضدهم بدون استحقاق؟
فبالنظر إلى ضمائرهم وكل جراحات أرواحهم، كيف يجسرون فيقولوا إننا نُدان ظلمًا؟ لقد قيل عنهم في سفر الحكمة: “آثامهم تحجهم في وجوههم” (حك 4: 20)، سيرون بلا شك أنهم يدانون بعدل عن خطاياهم وشرورهم. ومع ذلك مكانه يقول لهم أنه ليس بسبب ما تفكرون فيه بل “لأني كنت جوعانًا فلم تطعموني”، فلو ابتعدتم عن كل أعمالكم هذه والتفتم إليّ لخلصتم من كل جرائمكم وخطاياكم بإحساناتكم، لخلصتكم الآن إحساناتكم وبرأتكم من الخطايا العظيمة لأن “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون” (مت 5: 7) ولكن الآن “اذهبوا إلى النار الأبدية لأن الحكم بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة” (يو 6: 35).
11- إخوتي. أنني أشوقكم إلى إعطاء خبزكم الأرضي وطلب السماوي. الرب هو ذاك الخبز أنه يقول “أنا هو خبز الحياة” (مز 15: 2)، ولكن كيف يعطيكم الرب يا من لا تعطوا المحتاجين. واحد يحتاج إليكم وأنتم تحتاجون لآخر (الله)، وإذ تحتاجون إليه والآخر يحتاج إليكم أي يحتاجون إلى المحتاجين أنفسهم. لأن الله الذي تحتاجون إليه لا يحتاج شيئًا. اصنعوا للآخرين ما تريدوا أن يصنع لكم. فإنه ليست الحالة كاؤلئك الأصدقاء الذين اعتادوا على تعبير بعضهم البعض بإحساناتهم كالقول: أنا صنعت هذا لك فيجيب الآخر، وأنا قد فعلت هذا لك، بأن يرغب الله منا أن يصنع بعض الأعمال الصالحة بسبب صنعه عملاً كهذا معنا.
أنه لا يحتاج إلى شيء ولذلك فهو الرب ذاته. إنني أقول للرب “أنت ربي ولا تحتاج إلى صلاحي” (مت 25: 34 الخ)، رغم أنه الرب، والرب ذاته ولا يحتاج إلى صلاحنا، إلا أنه إذ ينبغي أن نصنع شيئًا حتى بالنسبة له، لذلك وهبنا أن يكون جائعًا في فقيره. إنه يقول “لأني جعت فأطعمتموني… يا رب متى رأيناك جائعًا… بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر فبي فعلتم” (يو 3: 7-9). وبالاختصار ليسمع البشر ويتبصروا كما ينبغي، هيا للجزاء العظيم أن يطعموا المسيح عندما يكون جائعًا، ويا للجريمة الكبرى أن يُزدرى بالمسيح متى كان جائعًا.
12- حقيقة أن التوبة عن الخطايا تصلح البشر، ولكن لا يظهر لها فائدة إن كانت عقيمة من أعمال الرحمة. هذا ما يشهد به الحق على لسان يوحنا الذي قال للذين أتوا إليه “يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة. ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتلقى في النار” (مت 25: 41-42)، لقد قال عن هذه الثمرة “فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة” فمن لا يصنع هذه الثمار ليس له أن يفكر في أنه سينال غفرانًا لخطاياه بتوبة عقيمة. لقد أعلن بنفسه ما هي هذه الثمار، لأنه بعد قوله هذه الكلمات سألته الجموع قائلة: “فماذا نفعل؟ فأجاب وقال لهم: “من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا”. إخوتي أي شيء أكثر وضوحًا وتأكيدًا أو صراحة عن هذا؟ إن ما سبق ذكره “فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار”. ماذا يعني سوى ما يسمعه الذين على اليسار “اذهبوا عني إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته لأني جعت فلم تطعموني” (مت 25 إلى 41-42). لذلك فإن أمرًا بسيطًا أن تنفصلوا عن خطاياكم، إذا ما أهملتم في الشفاء من الخطايا الماضية، كما هو مكتوب “يا اِبني إن أخطأت فلا تعد تزيد أيضًا” (حكمة يشوع 21: 1)، وحتى لا يظن أنه بهذا فقط يكون قد تحصن يقول “واستغفر عن السالفات”، وماذا ينفعكم لو طلبتم الغفران دون أن تهيئوا أنفسكم لكي ما يُسمع لكم، وذلك بعدم صنعكم “أثمارا تليق بالتوبة”، فتقطعون كشجرة بلا ثمر وتلقون في النار؟ فإن كنتم تريدون أن يسمع لكم عندما تطلبون الغفران “اغفروا يغفر لكم. أعطوا تعطوا” (لو 6: 3-38).
[1] . لاحظ القديس أمبروسيوس عدم وجود كلمة Dei في اليونانية، وقد استدل عليها من كلمة صورة، كذلك القديس أغسطينوس أضاف كلمة “الله” كشرح أو تفسير.
[2] . Abundance.
[3] . طبعة الكاثوليك.
[4] .يبدو أنه يقصد بذلك أننا جميعنا عرفنا الحق ونسبحه، ومع ذلك فلم نتغير، فلا فائدة من مجرد التسبيح والمعرفة بل ينبغي العمل بما هو حق.
[5] . طبعة الكاثوليك.
[6] . جاء النص “Shut u[ alms in the heart of a poor man and it shall make supplication three before the Lord Ecclus. 29:12 Vulgate.”.
روجع
العظة الحادية عشر
“اسألوا تعطوا الخ” (مت7: 7)
الحث على الصدقة
1- ينصحنا الرب في فصل هذا الإنجيل المقدس بالصلاة. فيقول: “اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له. أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا، وإن سأله سمكة يعطيه حية، أو إذا سأله بيضة أفيعطيه عقربًا” (مت 7:7-10). يقول “فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحرى أبوكم الذي في السموات يهبكم خيرات للذين يسألونه أنه يقول: “فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة”، أنه لأمر عجيب أيها الإخوة أننا أشرار ومع ذلك فلنا أب صالح. أي شيء أكثر صراحة من هذا؟
لقد سمعنا اِسمنا الملائم لنا “فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة” والآن فلتنظروا أي نوع هذا الأب الذي أظهره لهؤلاء الذين دعاهم أشرار فكم بالحرى أبوكم”؟ أب لمن؟ للأشرار بلا شك ومن أي نوع هذا الأب؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله (لو 18: 19).
2- إن كان لنا نحن الأشرار أبًا صالحًا فينبغي أن لا نستمر دائمًا في الشر. لا يستطيع شرير أن يجعل آخر صالحًا أن الصالح إلى الأبد وحده هو الذي يستطيع أن يجعل من الشرير صالحًا، فإن كان الشرير لا يستطيع أن يجعل آخرًا صالحًا كيف يستطيع أن يجعل نفسه صالحًا؟ “اِشفني يا رب فأُشفى، خلصني فأخلص” (إر 17: 14). لماذا يحدثني المتكبرون[1]، بكلمات باطلة مثلهم. إن أردت تستطيع أن تخلص نفسك”؟ “اشفني يا رب فأشفى “لقد خلقنا الصالح صالحين لأن “الله صنع الإنسان مستقيمًا” (جا 7: 29). ولكن بإرادتنا صرنا أشرارًا. أنه لدينا القوة لنتحول من كوننا صالحين إلى أشرار، وسيكون لدينا القدرة لنتحول من أشرار إلى صالحين. ولكن هذه القوة هي الله الصالح دائمًا الذي يخرج من الشرير صالحًا. لأن الإنسان لا يستطيع أن يشفي نفسه بقوته. فإنك لا تبحث عن طبيب لتجرح نفسك، ولكن عندما تجرح تبحث عن الطبيب يعالجك. رغم أننا أشرار فإننا نعرف كيف نعطي أولادنا أشياءًا صالحة من هذا العالم الحاضر، أشياءًا زمنية صالحة تخص الجسد فحتى هذه الأشياء صالحة، من يشك في ذلك؟ فالسمكة والبيضة والخبز والفاكهة والقمح والنور الذي نراه، الهواء الذي نستنشقه، كل هذه أشياء صالحة الغني ذاته الذي ينتفخ به البشر ويفقدون به معرفة الآخرين كمتساوين لهم. أقول أنه ذلك الذي به يرتفع البشر بالأحرى في محبة ملابسهم الغالية، بدون أي تفكير في طبيعتهم المشتركة، أكرر أنه حتى هذا الغنى شيء صالح. ولكن كل هذه الأشياء الصالحة يمكن أن يمتلكها صالحون أو أشرار على السواء ورغم أنها أشياء صالحة في ذاتها إلا أنها لا تستطيع أن تجعل مالكها صالحًا.
3- هناك صالح يخلق صالحين وصالح يمكن به أن يصنع صلاحًا. الصالح الذي يخلق صالحين هو الله، لأنه لا يستطيع أحد أن يجعل إنسانًا صالحًا إلا الصالح إلى الأبد لذلك فلتدعوا الله لكن ما تكون صالحًا، ولكن هناك صالح يمكن به أن تفعل صالحًا، وذلك هو كل ما تملكه. يوجد ذهب وتوجد فضة وهما أشياء صالحة ولكنهما لا يجعلانك صالحًا بل يمكن أن تصنع بهما صلاحًا لديك ذهب وفضة، وأنت ترغب في المزيد منهما. لديك كليهما وتريد زيادة فأنت مرتوي وظمآن. أنه مرض وليس غنى عندما يمرض البشر بمرض الاستسقاء فإنهم يكونون مرتوين بالماء، ومع ذلك فهم عطشى دائمًا. فكيف يسر هؤلاء بثروتهم الذين لديهم تلك الرغبة المريضة بمرض الاستسقاء؟ ذهبا أنت تملك وهو شيء صالح ومع ذلك فإنه ليس لديك ما يجعلك صالحًا بل ما يمكن أن تصنع به صلاحًا. أتسأل أي صلاح أفعله بالذهب؟ ألم تسمع في المزمور “فرَّق أعطى المساكين، برّه قائم إلى الأبد” (مز 112: 9) هذا صالح. هذا هو الشيء الصالح الذي به تصيرون صالحين، أي إن كان لديك الصالح الذي به تصير صالحًا فلتصنع صلاحًا، بذلك الصالح الذي لا يستطيع أن يجعلك صالحًا. لديك مالا، استخدمه بسخاء، فباستخدامه بسخاء تزداد برًا. لأنه “فرَّق أعطي المساكين، برّه قائم إلى الأبد” انظر ماذا ينقص وماذا يزداد. تنقص أموالك ويزداد برّك ينقص ما ستفقده قريبًا، ينقص ما ستتركه بعدك عن قريب، ويزداد ما ستملكه إلى الأبد.
4- إنني أعطيك سرًا في المعاملة المربحة، تعلم هذا لتتاجر. فهل تمدح التاجر الذي يبيع رصاصًا ويحصل على الذهب، ولا تثني على الذي ينفق مالا وينال برًا؟ لكنك تجيب أنني لا أنفق مالي لأنه ليس لدى برًا. لينفق الذي لديه برًا ماله، فإذ ليس لي برًا فلا أقل من أن يكون لديّ مالاً. ألا تريد أن تنفق مالك لأنه ليس لديك برًا؟ بلى بالآخرى أن تنفق مالك فتحصل على البر. لأنه ممن تحصل على البرّ إلا من الله ينبوع البر؟ لذلك إن أردت البرّ فلتكن شحاذ لله الذي ينصحك في الإنجيل، الآن أن تسأل وتطلب وتفرع. أنه عرف شحاذه، وهوذا صاحب البيت الإله الغني الجبار هو غنى لأنه يهب. الغنى الروحي والأبدي، ينصحك قائلاً: “اسألوا، اطلبوا، اقرعوا، لأن كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له” (مت 7:7-8). أنه ينصحك أن تسأل فهل يرفض سؤالك؟
5- تأمل في المثال أو المقارنة المأخوذة من حالة مخالفة، كما في ذلك القاضي الظالم التي تشجعنا على الصلاة. يقول الرب “كان في مدينة قاض لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا” (لو 18: 2)، وكانت تلح عليه أرملة يوميًا قائلة: “اَنصفني” وكان لا يشاء إلى زمان طويل ومع ذلك فلم تنقطع عن طلبتها، ففعل بسبب إلحاحها ما لم يشأ فعله بإرادة صالحة. هكذا بحالة عكسية يوصينا بالصلاة.
6- أيضًا قال الرب “من منكم يكون له صديق ويمضي إليه نصف الليل ويقول له يا صديق أقرضني ثلاثة أرغفة” (لو 11: 5)، إنه يجيب “أنني على الفراش وأولادي معي”[2]. فلا يتركه الآخر بل يقف عارضًا دعواه في السماح ويقرع متوسلاً إليه ليس كصديق له بل لآخر وماذا قال الرب؟ “أقول لكم وإن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه، فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج فرغم أنه صديقه إلا أنه ليس لكونه صديقه “بل” من أجل لجاجته” ماذا يعني بـ “من أجل لجاجته”؟ لأنه لم يكف عن القرع ولا رجع عندما رفض طلبه. الذي لم يكن يريد أن يعطي أعطى بسبب عدم فتور الآخر عن السؤال، فكم بالأكثر يعطي ذلك الصالح وحده الذي يحثنا على الطلب منه، والذي لا يسر عندما لا نطلب منه؟ ولكنه يبطئ أحيانًا في عطائه بعض الأشياء حتى يُعرفنا قيمة هذه الأشياء الصالحة. وليس لأنه يرفض أن يعطينا إياها. الأشياء التي يشتاق إليها كثيرًا يحصل عليها بفرح عظيم، وأما التي تعطى سريعًا فإنها تؤخذ على أنها زهيدة. إذن لتسأل وتطلب وتلح فبالسؤال نفسه والطلب ستنمو هكذا لتنال أكثر. يحتفظ الله لك ما لا يريد أن يعطيه إياك سريعًا، حتى تتعلم أن يكون لك اشتياق إلى الأمور العظيمة. لذلك “ينبغي أن نصلي كل حين ولا يمل” (مت 18: 1).
7- إذن إن كان الله قد جعلنا شحاذين له بتنبيهاته ونصائحه وأوامره لنا بأن نسأل ونطلب ونقرع فلنهتم من جانبنا بالذين يطلبون منا. إننا نسأل وممن نسأل؟ من هو الذي نسأله أو من نحن أو ما هو الشيء الذي نطلبه؟ إننا نسأل من الله الصالح وأما نحن الذين نطلب الأشرار، ولكننا نسأل برًا نكون به صالحين. إننا نسأل من أجل ذلك الذي يكون لنا إلى الأبد. الذي إذ نمتلئ منه لا نعود بعد نكون في عوز. ولكي نمتلئ ليتنا نجوع ونعطش. ليتنا نسأل ونطلب ونقرع كجائعين وعطشى “طوبى للجياع والعطاش إلى البر” (مت 5: 6). لماذا يطوبون؟ إنهم يجوعون ويعطشون فهل يطوبون لذلك؟ هل في الاحتياج أيضًا تطويبًا؟ إنهم لا يطوَّبون بكونهم جائعين وعطشى بل لأنهم سيشبعون. سيكون التطويب في الشبع لا الجوع. ولكن ينبغي أن يسبق الشبع جوعًا حتى لا يكون اشمئزاز من الخبز.
8- لقد قلنا ممن نسأل ومن نحن الذين نسأل وماذا نسأل؟ ونحن أنفسنا أيضًا نُسأل. إننا شحاذين الله وهو يعرف شحاذينه، ليتنا نعرف الذين يشحذون منا. ليته عندما نسأل شيئًا تفكر في هذه الحالة من هم الذين يسألون وممن يسألون وماذا يسألون؟ إذن من هم الذين يسألون؟ إنهم بشر. ممن يسألون؟ من بشر. من هم الذين يسألون؟ فانين، وممن؟ من فانين. من هم الذين يسألون؟ كائنات ضعيفة. وممن؟ من كائنات ضعيفة. من الذين يسألون؟ أشقياء. وممن؟ من أشقياء. فباستثناء الثروة يشبه الذين يسألون الذين يسألونهم. بأي وجه تطلب أمام سيدك يا من لم تعرف المساوي لك؟
قد يقول “أنني لست مثله شتان ما بيني وبينه. واحد يلبس حريرًا وينتفخ بكبرياء متحدثًا مع شخص مغطى بالخرق. لكنني أسألكم عندما تتعرون ولستم وأنتم لابسين الآن، بل كما كنتم عند ولادتكم الأولى فكليكما كنتما عاريين، ضعيفين، مبتدئين الحياة بالشقاء لذلك ابتدأتما إياها بالصراخ.
9- اُنظر أيها الغني واستدعي ذاكرتك لبدايتك الأولى. انظر إن كنت قد جلبت معك شيئًا حقًا لقد أتيت ووجدت غنى عظيمًا، لكنني أتوسل إليك أن تخبرني ماذا قد أحضرت إلى هنا؟ اَخبرني وإلا فإن كنت تخجل فلتسمع للرسول “لم ندخل العالم بشيء” (1 تي 6: 7). إنه يقول: “لم ندخل العالم بشيء”، ولكن هل لأنك لم تدخل العالم بشيء ولكن وجدت هنا الكثير فستأخذ شيئًا هناك؟ لعلك تخشى الاعتراف بهذا أيضًا بسبب محبة الغنى، لتسمع في هذا أيضًا فيخبرك الرسول الذي لا يتملق “لم ندخل العالم بشيء” لتعرف عن حالتنا عند ميلادنا، “إننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء”، لتعرف عن حالتنا عند تركنا للعالم. أنك لم تدخل بشيء ولا تخرج بشيء، لماذا إذن تنتفخ بنفسك على الفقير؟ عند ولادة أطفال لتخرج الآباء والخدم والتابعون وجمهور الخدم الخاضعون، حينئذ دع الأطفال الأغنياء يعرفون من صراخهم. لتلد امرأة غنية مع فقيرة، دعهما لا يلاحظان طفليهما، ليخرجا إلى فترة قصيرة ثم يعودا وليعرفا ابنيهما إن استطاعا.
اُنظر إذن أيها الغني أنك “لم تدخل العالم بشيء وواضح أنك لا تقدر أن تخرج منه بشيء”، ما قلته عنهم عند ميلادهم أقوله عند موتهم. إن كان الأمر ليس هكذا فإنه لو فتحت قبور قديمة لسبب ما فليظهروا عظام الغني إن استطاعوا! لذلك فلتصغي أيها الغني إلى الرسول: “لم ندخل العالم بشيء”، لتعرف ذلك فإنها حقيقة وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء”، لتعرف ذلك فأنها حقيقة أيضًا.
10- ماذا يلي ذلك؟ “فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما. وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك. “لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان” (1 تي 6: 8-10)، تأمل فيما تركوه. يا لحزن الذين تركوا هذا، بل اُنظر ما قد طعنوا أنفسهم به. واِسمع “ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة”، ولكن من هم هؤلاء؟ “الذين يريدون أن يكونوا أغنياء. “فكون الإنسان غنيًا يختلف عن اشتياقه ليكون غنيًا. فالذي ولد من أبوين غنين هو غني، أنه ليس غني لأنه يشتاق لذلك، بل لأن الكثيرين تركوا له مواريث. إنني أرى ثروته ولكن لا أسأله عن اللذة التي يجدها فيها. فالكتاب المقدس ذم الطمع وليس الذهب والفضة أو الغني. لأن الذين لا يرغبون في أن يصيروا أغنياء أو لا يهتمون بذلك، الذين لا يحترقون بشهوات الطمع ولا يلتهبون بنيران محبة المال ومع هذا فهم أغنياء ليسمعوا إلى قول الرسول الذي قُرأ اليوم “أوصى الأغنياء في الدهر الحاضر” (1 تي 6: 7)، ماذا يوصيهم؟ يوصيهم فوق كل شيء أن لا يستكبروا لأنه لا يصنع الأغنياء شيئًا غير ما ينتج كبرياء! لكل نوع من أنواع الفواكه المتعددة وأنواع الحبوب المختلفة وأنواع الشجر، لكل منهم حشرة خاصة بها. فحشرة التفاح من نوع ما وحشرة الكمثرى من نوع آخر وللقمح نوع آخر. إن حشرة الغني هي الكبرياء.
11- أوصى الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ” لقد منع الاستعمال الرديء (للغنى) فليعلمنا الآن الاستعمال الحسن له. “أن لا يستكبروا” ولكن من أين تأتي الحصانة ضد الكبرياء؟ مما يلي هذا “ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى” فالذين لا يلقون رجاءهم على الغنى غير الثابت لا يستكبرون. كم عدد الذين كانوا بالأمس أغنياء واليوم هم فقراء؟ كم عدد الذين ناموا أغنياء وإذ سطا عليهم اللصوص وأخذوا كل أموالهم فقاموا فقراء؟ لذلك أوصيهم أن “لا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحيّ الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع “يمنحنا أشياءًا زمنية وأشياء أبدية. لكن بالأكثر الأشياء الأبدية للتمتع بها والزمنية لاستعمالها، أشياء زمنية لنا كمسافرين وأشياء أبدية كقاطنين، أشياء زمنية تصنع بها صلاحًا وأشياء أبدية نصير بها صالحين. لذلك ليفعل الأغنياء هذا “أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى، بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع. ليفعلوا هذا. ولكن ماذا يفعلون بما لديهم؟ اسمع ماذا يفعلون؟ “وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة، وأن يكونوا أسخياء في العطاء” (1 تي 6: 18)، لأن لديهم الأشياء التي يصنع بها هذا، فلماذا لا يصنعونها؟ فالفقر أمر صعب. أنه يمكنهم أن يعطوا بسخاء لن لديهم الوسيلة. “كرماء في التوزيع”
[3]. أي ليعرفوا إخوانهم الفانين كمساوين لهم “كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل.” فعندما أقول أنه يقول “أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع” لا أقصد بذلك أن أُهلك أو أسلب ما لديهم أو أجعلهم معدمين. إنني أعلم درسًا مؤلمًا. أنني أكشف لهم عن المكان الذي يضعون فيه أمتعتهم “مدخرين لأنفسهم”، لا أرغب في أن يمكثوا فقراء “مدخرين لأنفسهم”، إنني لا أطلب منهم أن يفقدوا أمتعتهم، بل أريهم أين ينقلونها “مدخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل لكي يفوزوا بالحياة الحقيقية”
[4]. الحياة الحاضرة حياة باطلة، فليمسكوا بالحياة الحقيقية “باطل الأباطيل الكل باطل. ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس” (جا 1: 2-3). لذلك ينبغي الفوز بالحياة الحقيقية ولنحول ثروتنا إلى مكان الحياة الحقيقية حتى نجد هناك ما نعطيه هنا. أن الذي يغيرنا يصنع هذا التغيير لأمتعتنا.
12- إذن فلتعطوا يا إخوتي للفقراء “فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما” لا يأخذ الغني شيئًا من غناه إلا ما يطلبه الفقير منه من قوت وكسوة. ماذا يكون لك بالأكثر من كل ما تمتلكه؟ لقد حصلت على قوتك وكسائك الضروري أقول الضروري وليس غير المضر ولا الفائض. ماذا تحصل عليه بالأكثر من غناك؟ أخبرني، فبالتأكيد أن كل زيادة ستكون فائضًا لديك. لتكن فضلاتك ضروريات للفقراء. لكنك ستقول لقد حصلت على مأدبة غالية واَقتات بقوت غال. وأما الفقير فبماذا يقتات؟ بطعام رخيص. يقول أن الفقير يقتات بطعام رخيص وأما أنا فأتغذى بطعام غال. حسنًا، ولكن بعدما تشبعان، عندما يدخل الطعام الثمين (جوفك)، أسألك ماذا يصير حال دخوله؟ لو كان بداخلنا مرآة أما كنا نخجل من كل الأطعمة الغالية التي شبعت منها؟ الفقير يجوع وأيضًا الغني، الفقير يطلب شبعًا وهكذا يفعل الغني. الفقير يشبع بأشياء زهيدة وأما الغني فيشبع بقوت غال. كلاهما تشابها في الشبع، والأمر الذي يرغباه متشابها عند الاثنين ولكن أحدهما يصل إليه بطريق قصير والآخر بطريق ملتو، لكنك تقول أنني أتلذذ بالأكثر بطعامي الثمين. حقًا بل ويصعب أن تكتفي وترضى بما أنت فيه. أنك لا تعرف اللذة التي يوجدها الجوع. لا أقول هذا لأجبر الغني أن يقتات بطعام الفقير وشرابه بل ليعمل الأغنياء بحسب ما قد اِعتاد ضعفهم عليه ولكن فليحزنوا لعدم قدرتهم على العمل بخلاف ذلك”
Discussion about this post