كتاب الروح والحرف “إلى مرسيلينوس”
القديس أغسطينوس
ترجمة: راهب من الكنيسة القبطية
إشراف: القمص تادرس يعقوب ملطي
الفصل الأول: سبب كتابه هذا العمل؛ شيء يمكن إتمامه (فعله) وللآن لم يتم إطلاقا (مطلقا).
أيها الابن المحبوب مارسيلينوس- أنني بعد قراءة الرسائل القصيرة التي أرسلتها لك أخيرا الخاصة بعماد الأطفال وبإتمام بر الإنسان، كيف يبدو أن لا أحد في هذه الحياة قد نال هذا البر أو كان يمكنه نواله ماعدا فقط الشفيع الذي تحمل الإنسانية في شبه جسد إنسان خاطىء دون أي خطيه مهما تكن
وفي ردك عليَّ قد كتبت لي أنك ارتبكت (احترت) في النقطة التي أسلفتها في كتابي الثاني “جزاء الخطاه” إذ انه كان من الممكن للإنسان أن يكون بلا خطيه، إذا أراد عدم تنفيذ مشيئته وكان معضدا بمعونة الله؛ وأيضا ذلك لا يوجد سوى الذي فيه “سيحيا الجميع” (1كو15: 22) ولا أحد في وقت ما عاش أو يمكنه أن يعيش بهذا الكمال طالما يعيش في هذا العالم: وقد ظهر لك انه من غير المعقول أن نقول أن شيئا كان ممكنا دون ذكر أي مثال له،… مع أنني أظن (أفترض) أنك لن تتردد في قبول فكره أنه لم يحدث أبدا مرور جمل من ثقب إبره (مت19: 24، 26)
ومع ذلك فقد قال الله أن حتى هذا كان مستطاعا عنده ويمكنك أيضا أن تقرأ أن اثنتا عشر ألف طغمة من الملائكة يمكنها أن تدافع عن المسيح وتنقذه من الآلام ولكن في الحقيقة لم تفعل ذلك وتستطيع أن تقرأ أنه كان من الممكن للأمم أن تباد في الحال خارج الأرض التي أعطيت لأولاد إسرائيل (تث31: 3) ومع ذلك فقد اختارها الله أن تفلح تدريجيا. ويمكن إنسان مقابله ألفا من الحوادث الأخرى، إمكانية الماضي أو المستقبل للذي يجب علينا أن نقبله في الحال، وأيضا لا نستطيع أن نتخذ أي براهين على ما حدث بالحقيقة في وقت ما.
وبناءاً على ذلك فإنه ليس من الصواب لنا أن ننكر إمكانية حياة الإنسان على الأرض بدون خطيه حتى أنه لا أحد بين الناس يمكن أن يوجد ما عدا “هو” الذي في طبيعته ليس إنسانا فقط بل الله أيضا الذي فيه يمكننا إثبات مثل هذا الكمال ذو الصفة الباقية.
الفصل الثاني: الأمثلة المناسبة
هنا ربما تخبرني في إجابتك أن الأشياء التي ذكرتها وكأنها لم تتحقق بعد بالرغم من أن التحقيق هي أعمال “إلهية” بينما وجود إنسان بدون خطية هو في مجال عمل الإنسان- ويعتبر هذا في الحقيقة أسمى عمل له حيث يحدث برا كاملا وصحيحا في كل جزء ولذلك إنه شيء لا يمكن تصديقه أن أحدا في وقت ما بقى أو يبقى أو سيبقى في هذه الحياة وأتم مثل هذا العمل إذا أعتبر إتمامه في إمكان البشر ولكن يجب عليك أن تتأمل في ذلك بالرغم من أن هذا العمل العظيم بلا شك لابد أن يقوم به البشر هو أيضا عطيه “إلهية” ولذلك وبلا شك أنه عمل “إلهي” “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فى2: 13).
الفصل الثالث: هناك بالقياس خطأ غير ضار يقول بأن الإنسان يعيش هنا دون خطية.
إنهم لذلك ليسوا مجموعة خطيره جدا من أشخاص وهم مجبرين أن يظهروا إذا استطاعوا أنهم هم أنفسهم كذلك. الذين يؤيدون أن الإنسان يعيش أو قد عاش بدون خطيه مهما تكن.
وتوجد في الحقيقة عبارات بالكتاب المقدس فهمت منها أنه تقرر نهائيا أنه ليس أحد يعيش على الأرض بلا خطيه بالرغم من تمتعه بحريه الإرادة، مثل وعلى سبيل المثال. ما هو مكتوب: “ولا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حي” (مز143: 2) ومع ذلك إذا نجح أي إنسان في أن هذا النص والنصوص الأخرى المشابهة يجب أن تؤخذ بمغزى (بمعنى) مختلف عن مغزاهم (معناهم) الواضح، ويثبتون أن شخصا أو أشخاصا قضوا حياه طاهره على الأرض،.
وكل من لا يفعل ذلك لا يكف فقط عن معارضته كثيرا بل أيضا لا يكون في تمام اتفاقه معه لان هذا الاتفاق سوف يتأثر بمحرضات كثيره من الحسد. فضلا عن ذلك، فإما أن يحدث هذا أو أن يمنح الإنسان مثل هذا النقاء التام (وهو ما أميل إلى تصديقه) ويعتبر هذا حتى الآن بعيد المنال اكثر مما أقدر. وإذا حدث أن تحركت في إنسان ما مشاعر طيبه معينه بشرط أنه وهو يفكر في شخص آخر لا يفكر في كونه أيا كان إلا إذا تأكد بوضوح وبالفعل أنه ليس هكذا- كل هذا إذا حدث فلن يحدث خطأ جسيم أو خطير.
الفصل الرابع: هناك خطأ عظيم الخطورة يستلزم نقضا عنيفا جدا هو من ينكر ضرورة وجود نعمة الله
ومع ذلك يجب بكل غيره وحماس معارضه من يقترح أن قوة الإرادة البشرية دون مساعدة الله تستطيع إما إتمام البر أو التقدم بثبات تجاهه وعندما بدأوا في تأكيد اقتراحهم بتأكيدهم أنه يمكن تحقيق هذه النتيجة دون مساعده إلهيه ضبطوا أنفسهم ولم يتجاسروا على إعلان مثل هذا الرأي لأنهم يرون أن هذا الرأي ملحد ولا يحتمل. ولكنهم احتجوا (صرحوا) أن مثل هذه النتائج لا تحدث بدون مساعده الله في هذا الشأن . لأن الله خلق الإنسان وأعطاه الاختيار الحر للإرادة وأيضا أعطاه الوصايا العشر وعلمه بنفسه كيف يجب أن يحيا وأيضا يساعده حتى يتخلص من جهله بإرشاده بمعرفة ما يجب عليه تجنبه وما يجب ابتغائه في أعماله وهكذا يسلك بواسطة الإرادة المطلقة المغروسة فيه طبيعيا في الطريق الذي يظهر له.
وبمثابرته في السير في طريق الحياة باستقامة وتقوى يستحق نوال سعادة الحياة الأبدية.
الفصل الخامس: النعمة الحقيقية هي عطية الروح القدس الذي يضرم في النفس الفرح وحب الصلاح.
ومع ذلك فإننا من جانبنا نؤكد أن إرادة الإنسان تساعدها السماء في طلب البر حتى (بالإضافة إلى أن الإنسان قد خلق حر الإرادة وأيضا بالإضافة إلى العلم الذي عرف به كيف ينبغي عليه أن يعيش) يأخذ الروح القدس الذي يضيء كيانه (عقله) ويشعل بمحبه ذلك الصلاح العظيم الأبدي. الذي هو الله، وحتى الآن بينما ما يزال يسلك “بالإيمان لا بالعيان” (2كو5: 7)
لكي بهذه العطية تتولد في داخله رغبة قوية لبذل نفسه من أجل خالقه وأن يحترق مشتركا في نيران المحبة وسوف يبارك الله في حياته التي هي منحة منه. وفي الحقيقة إن إرادة الإنسان المطلقة لا تنفع لشيء إلا للخطية إذا لم يعرف الطريق إلى الحق وحتى بعد معرفته لواجبه وهدفه الخاص إذا لم يفرح به ويحبه فإنه سوف لا يفعل ما يجب عليه ولا يسعى إليه وأيضا سوف لا يحيا حياه سليمة.
والآن ولكي يشغل مثل هذا السبيل عواطفنا “محبة الله قد انسكبت في قلوبنا” ليس بإرادتنا المطلقة ولكن “بالروح القدس المعطى لنا” (رو5: 5).
الفصل السادس: دراسة الناموس بدون الروح الذي يحي هو “الحرف الذي يقتل”
إذا أن ذلك التعليم الذي يعطينا الوصيه لنحيا في عفه وبر هو الحرف الذي يقتل إذا لم يصحبه الروح الذي يحيي. لأن هذا ليس هو المعنى الوحيد لعبارة: “الحرف يقتل ولكن الروح يحيي” (2كو3: 6) التي تشرح فقط انه لا يجب علينا أن نأخذ أي جمله استعاريه بمعناها الحرفي التي سوف لا يكون لمعاني كلماتها مغزى ولكن يجب معرفه معناها الآخر مع تنبيه الإنسان الباطن بمفهومنا الروحي لأن “اهتمام الجسد هو موت ولكن أهتمام الروح هو حياه وسلام” (رو8: 6) وعلى سبيل المثال إذا أخذ إنسان ما هو مكتوب في نشيد الإنشاد بالمعنى الحرفي والجسدي فإنه سوف لا يصل إلى المحبة المضيئة بل سيصل إلى الشعور بالرغبة الشهوانية لذلك لم يقصد أخذ ما قد ذكر سابقا في حيز ضيق عندما قال “الحرف يقتل ولكن الروح يحيي” (2كو3: 6)
ولكنه يساوي أيضا (وبالحقيقة كذلك) ما يقوله في موضع آخر في الكلمات الواضحة (الصريحة) “لم أعرف الخطية إلا بالناموس فإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته” (رو7: 7) وبعد ذلك قال في الحال “لأن الخطية وهى متخذه فرصه بالوصية خدعتني بها وقتلتني” (رو7: 11)
ومن هذا يمكننا الآن أن نفهم ما يقصد “بالحرف الذي يقتل” وليس هناك طبعا ما يقال مجازيا لا يمكن قبوله في معناه الصريح عندما قيل “لا تشته” ولكن تعتبر هذه الوصية بسيطة جدا ونافعة وأي إنسان يتممها سوف لا يرتكب أي خطيئة أبداً وفي الحقيقة قصد الرسول أن يختار هذه الوصية العامة التي جعلها تشمل كل شيء كما لو كان هذا هو صوت الناموس يمنعنا (ينهينا) عن كل خطية عندما يقول “لا تشته” إذا أنه ليست هناك خطية تتم إلا بالشهوة الشريرة لذلك يعتبر الناموس الذي يمنع ذلك ناموسا صالحا ويستحق المدح
ولكن عندما يمنع الروح القدس معونته التي تمنحنا الرغبة الصالحة بدلا من تلك الرغبة الشريرة (وبمعنى آخر تنشر الحب في قلوبنا) هذا هو الناموس مع كونه صالحا في حد ذاته إلا أنه يزيد من الرغبة الشريرة حينما يحرمها بالضبط مثل اندفاع الماء الذي يجري على الدوام في اتجاه خاص تزداد قوته عندما يقابله أي حاجز وعندما يتخطى الحاجز يسقط بكميات أضخم (أعظم) ومع زيادة قوته يسرع في انحداره إلى أسفل. وبطريقة تختلف بعض الشيء يصبح نفس الشيء الذي نشتهيه محبوبا جدا عندما يحرم وتعتبر هذه هي الخطية التي تخدع وتقتل بواسطة الوصية “إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعدٍ” (رو4: 15).
الفصل السابع: ما اقترح أن يعالج هنا (موضوع المناقشة).
ومع ذلك فإننا سوف نتأمل، إذا سمحت، في صحة هذه العبارة التي ذكرها الرسول ونعالجها تماما كما يعطينا الرب مقدرة. لأنني أريد إذا استطعت أن أثبت أن كلمات الرسول “الحرف يقتل ولكن الروح يحيي” لا تشير إلى عبارات مجازيه بالرغم من إمكاننا الأخذ من هذا المغزى تفسيرا مناسبا.
ولكنه أوضح نوعا ما للناموس. الذي يمنع الشر في كل صوره وعندما أصل إلى إثبات ذلك فإنه سيظهر جليا أن التمتع بحياة مقدسة هو عطية من الله. ليس فقط لأن الله أعطى الإنسان الإرادة المطلقة التي بدونها لا يوجد إنسان مريض أو سليم وليس فقط لأن الله أعطاه الوصية لترشده كيف يجب أن يعيش ولكن لأن الله يسكب المحبة في قلوب من هم مدعوون حسب قصده لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين أخوة كثيرين والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضا والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضا والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضا (رو8: 29، 30)
واعتقد أنك ستدرك عندما تتضح لك هذه النقطة أنه من العبث أن نقول أن تلك الأشياء فقط هي إمكانيات ليس لها مثال والتي هي أعمال الله مثل مرور جمل من ثقب ابره التي أشرنا إليها سابقا وحالات أخرى مشابهة وهذه تبدو لنا مستحيلة ولكنها لدى الله بسيطة جدا، وأن بر الإنسان لا يعد في قائمة هذه الأشياء على أساس كونه عمل الإنسان المناسب وليس عمل الله بالرغم من عدم وجود أي سبب للافتراض بدون ذكر مثال.
أن كما له محقق حتى لو كان هذا ممكنا وسيكون واضحا جدا أن هذه التصريحات باطلة (غير معقوله) بعد أن يتضح جليا أنه حتى بر الإنسان هو من اختصاص عمل الله بالرغم من اشتراك إرادة الإنسان في العمل. ولذلك لا نقدر أن ننكر أن كمال الإنسان يمكن الوصول إليه حتى في هذه الحياة لأن كل شيء مستطاع عند الله (مر10: 27) سواء الأشياء التي يتممها الله بإرادته الخاصة (الوحيدة) وتلك التي يرتب الله أن تتم بالتعاون مع إرادة خليقته
وبناءاً على ذلك مهما تكن هذه الأشياء التي لا يتممها الله تعبر بدون أدنى شك من الحقائق التي تمت دون أي مثال مع أن الله يملك القدرة بقوته على تحقيق هذه الأشياء إلا أن حكمته تقتضي عدم تحقيقها. ويجب أن يكون ذلك مخفيا على الإنسان لتجعله لا ينس أنه إنسان فقط- وألا يحمل الله بكل حماقاته لأنه لا يفهم عمق حكمة الله.
الفصل الثامن: تفسيرات أهل رومية وأهل كورنثوس
حينئذ إذا أنصتنا جيدا للرسول في رسالته إلى أهل روميه حيث شرح وأظهر بما فيه الكفاية ما كتبه إلى أهل كورنثوس.
“الحرف يقتل ولكن الروح يحيي” (2كو3: 6) يجب أن يفهم بالمعنى الذي أوضحناه أنه حرف الناموس الذي يعلمنا عدم ارتكاب الخطية يقتل إذا غاب الروح الذي يعطيه الحياة لأنه يجعلنا نعرف الخطية بدل أن نتجنبها كما يجعلها تتزايد بدل أن تقل إذا أنه أضيف الآن إلى الشهوة الشريرة تعدٍ للناموس.
الفصل التاسع: بالناموس تزداد الخطية
حينئذ يريد الرسول أن يوضح النعمة التي جاءت إلى كل الأمم بالمسيح يسوع- لئلا يعظم اليهود أنفسهم على حساب الشعوب الأخرى بسبب استلامهم الناموس- فيقول أولا أن الخطية والموت أتيا إلى الجنس البشري بواحد ويقصد به آدم بوصفه الإنسان الأول وأيضا البر والحياة الأبدية جاءا بواحد ويقصد به المسيح بوصفه الأخير ثم يقول أن:
“وآما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا حتى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا” (رو5: 20-21) ثم باقتراحه سؤالا ليجيب عليه فيقول:
“فماذا نقول أنبقى في الخطية لكي تكثر النعمة- حاشا” (رو6: 1، 2) أنه يرى في الحقيقة أن استعمالا مغايرا (مضادا) يجب أن يتم بواسطة أناس يعارضون ما قاله: “وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية. ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا”.. كما لو كان قد قال أن الخطية كان لها فائدة بسبب زيادة النعمة وبرفضه ذلك أجاب سؤاله بقوله “حاشا” ويضيف في الحالة.
“نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها؟” (رو6: 2) وأفضل القول أنه إذا أعطتنا النعمة أن نموت عن الخطية فيجب أن نموت عنها وإلا إذا ظللنا في المعيشة فيها فسوف نكون جاحدين لتلك النعمة. إن الإنسان الذي يعظم قيمة أي دواء لا يعارض في أن الأمراض والجروح التي يشفيها الدواء تعتبر ذات فائدة له- وعلى العكس من ذلك وبالنسبة للمدح المسرف في العلاج فهو اللوم والفزع الذي يشعر به الإنسان من الأمراض والجروح المبرأة (التي يبرئها) بالدواء المعظم وبطريقة مشابهة يعتبر مدح وشكر النعمة بمثابة توبيخ ولوم للخطية لذلك كانت هناك الحاجة لإثبات للإنسان كم كان ضعفه فاسدا لدرجة أنه في مقابل إثمه لم يقدم له الناموس المقدس
أي مساعدة تجاه الفضيلة. بل أنه أزاد (أكثر) هذا الآثم بدل أن يقلله، علما بأن الناموس دخل لكي تكثر الخطية فوجوده هكذا مذنبا ومرتبكا يجعله محتاجا ليس فقط إلى طبيب بل أيضا إلى الله كمعين له حتى يوجه خطواته لكي لا تسيطر عليه الخطية- ويجب أن يشغر بأن يسلم نفسه لمعونة الرحمة الإلهية. وفي هذا السبيل، حيث تكثر الخطية يجب أن تزداد النعمة أكثر ليس باستحقاق الخاطيء ولكن بتدخل الله الذي يساعده.
الفصل العاشر: المسيح هو الطبيب الحقيقي
لذلك يظهر الرسول أن نفس الدواء كان مبينا بطريقة مبهمة في آلام المسيح وقيامته عندما قال: أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جده الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته. عالمين هذا أن انساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية.
فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضا معه. عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضا لا يسود عليه الموت بعد. لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله. كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا.” (رو6: 3-11).
والآن يبدو واضحا جدا أنه يتمثل بسر موت المسيح وقيامته موت حياتنا القديمة الشريرة (الآثمة) وقيام الحياة الجديدة، ويظهر هنا أبطال الإثم وتجديد البر فمن أين إذاً تأتي هذه الفائدة العظيمة للإنسان بحرف الناموس إلا إذا كانت بالإيمان بيسوع المسيح؟
الفصل الحادي عشر: ما هو منبع الأعمال الصالحة
إن هذا التفكير المقدس يحفظ “بنو البشر في ظل جناحي الله يحتمون” (مز36: 7) لدرجهَّ أنهم “يروون من دسم بيت الله ومن نهر نعمة يقيهم لأن عنده ينبوع الحياة وبنوره يرون نوراً ” ويديم رحمته للذين يعرفونه وعدله لمستقيمي القلب” (مز36: 8-10) وفي الحقيقة أن الله لا يديم رحمته لهم لأنهم يعرفونه ولكن لكي يقدرون أن يعرفوه.
وليس لأنهم مستقيمي القلب ولكن لكي يصيروا كذلك، لكي يديم الله لهم بره الذي به يبرر الفاجر (رو4: 5) ولا يقوم هذا التفكير بكبرياء، وهذه الخطية تأتي عندما يثق أي إنسان في نفسه كثيرا ويجعل نفسه فوق الجميع. مدفوعا بهذا الشعور الباطل فإنه يترك ينبوع الحياة هذا من التيارات التي يمتص منها القداسة التي تعتبر هي نفسها الحياة الصالحة. ومن هذا النور الثابت باشتراكه مع ما يشعل النفس الثابتة تصير هي نفسها مخلوقه ومضيئة وأيضا مثل “يوحنا كان هو السراج الموقد المنير” (يو5: 35) الذي مع ذلك أقر بأنه مصدر الأضاءه في الكلمات:
“ومن ملئه نحن جميعا أخذنا” (يو1: 16) الذي أود أن أسأله، الله بالطبع في مقارنه مع من يوحنا لم يكن هو النور؟ لأن “كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان أتيا إلى العالم” (يو1: 9)
لذلك ففي نفس المزمور عندما قال: “أدم رحمتك للذين يعرفونك وعدلك للمستقيمي القلب” (مز36: 10) أضاف قائلا: “لا تأتني رجل الكبرياء ويد الأشرار لا تزحزحني. هناك سقط فاعلو الإثم. دُجروا فلم يستطيعوا القيام” (مز36. 11، 12)
لأن بهذا الإلحاد الذي يقود كل إنسان إلى أن ينسب لنفسه العظمة التي هي لله يلقي في ظلامه الأصلي الذي تكونه أعمال الإثم لأنه يفعل هذه الأعمال علانية ولأن إتمام مثلها يناسبه وحده وإن أعمال البر لا يعملها أبدا إلا إذا أخذ المقدرة من ذلك المنبع وذلك النور حيث الحياة التي ليس فيها احتياج لشيء وحيث يكون “لا تغيير ولا ظل دوران” (يع1: 17).
الفصل الثاني عشر: بولس، لذلك دعي مجاهدا ببسالة لأجل النعمة
لذلك إن بولس الذي مع أنه كان يدعى أولا شاول (أع13: 9) ولم يختر هذا المضمون الجديد لأي سبب سوى. وكما يبدو لي- أنه يريد أن يظهر نفسه صغيرا (أنظر اعترافات أغسطينوس 71114.)- “أصغر الرسل” (1كو15- 9) يجاهد ببسالة عظيمة وغيره المتكبرين والمتشامخين وكذلك من يفتخرون بأعمالهم لكي يستطيع أن يظهر نعمة الله. وظهرت في الحقيقة هذه النعمة أكثر وضوحا كما تظهر في حالته نظرا لأنه بينما كان يصب الوسائل العنيفة للاضطهاد ضد كنيسة الله الذي جعله مستحقا لأعظم عقوبة وجد الرحمة بدل الدينونة وأخذ النعمة بدل العقاب.
لذلك وجد أنه من المناسب جدا أن يتكلم ويدافع عن النعمة- كما لا يهتم بالحسد لمن لا يفهمون موضوعا عميقا جدا وغامضا بالنسبة لهم- أو لمن يحرفون معنى كلماته السليمة بينما في نفس الوقت وبدون اضطراب ونمط أن نعمة الله، التي بها ينال الخلاص الذين يعتبرون أولاد الموعد وأولاد الصلاح الإلهي، أولاد النعمة والرحمة، أولاد العهد الجديد.
ويرجو في سلامه الذي يبدأ به كل رسالة: “نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح” (رو1: 7)، (1كو1: 3)، (غلا1: 3)
بينما كان هذا هو الموضوع الوحيد الذي ناقشه أهل روميه. وبكثير من المثابرة والحجج (الأدلة) المختلفة أمكن إخضاع المعارضين لكي إجهاد انتباه القاريء بسهولة. على انه بتعب بسيط جدا ومفيد يمكن تدريب مواهب الإنسان الباطن بدل تحطيمها.
الفصل الثالث عشر: الاحتفاظ بالناموس؛ تشامخ اليهود؛ الخوف من العقاب؛ ختان القلب.
حينئذ يأتي ما ذكرته سابقا عندما يظهر من يكون اليهودي ويقول أنه دعي يهوديا ولكنه لا يتمم ما وعد أن يفعله ويقول: “هوذا أنت تسمي يهوديا وتتكل على الناموس وتفتخر بالله. وتعرف مشيئته وتميز الأمور المتخالفة متعلما من الناموس وتثق أنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة ومهذب للأغنياء ومعلم للأطفال ولك صوره العلم والحق في الناموس. فأنت إذاً الذي تعلم غيرك ألست تعلم نفسك.
الذي تكرز أن لا يسرق أتسرق. الذي تقول أن لا يزني أتزني الذي تستكره الأوثان أتسرق الهياكل. الذي يفتخر بالناموس ابتعدي الناموس تهين الله لأن اسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم كما هو مكتوب فإن الختان ينفع إن عملت بالناموس. ولكن إن كنت متعديا الناموس فقد صار ختانك عزلة. إذاً كان الأعزل. يحفظ أحكام الناموس أفما تحسب عزلته ختانا وتكون العزلة التي من الطبيعة وهي تكمل الناموس تدينك أنت الذي في الكتاب والختان تتعدى الناموس. لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا. بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي. وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان.
الذي مدحه ليس من الناس بل من الله.” (رو2: 17-29) وهنا أوضح جليا معنى ما قاله: “الذي يفتخر بالله”. وبدون أدنى شك لو كان إنساناً يهوديا بالحقيقة وافتخر بالله كما تطلب النعمة (التي تعطى مجانيا وليس حسب استحقاق الأعمال) حينئذ يجب أن يكون مدحه لله وليس للناس ولكنهم في الواقع كانوا يفتخرون بالله كما لو كانوا وحدهم من استحقوا أخذ ناموس الله. كما قال المرتل:
“لم يصنع هكذا بإحدى الأمم وأحكامه لم يعرفوها” (مز147: 20) وأيضا ظنوا أنهم كانوا يتممون ناموس الله ببرهم. بينما كانوا يخالفونه دائما! ولذلك “أنشأ غضبا” عليهم (رو4: 15) وازدادوا في ارتكاب الخطية كما كانوا يرتكبونها هم الذين يعرفون الناموس إذ أن كل من فعل حتى ما أمر به الناموس بدون مساعده روح النعمة يتم للخوف من العقاب وليس للمحبة في البر.
ولهذا السبب فمن جانب الله لم يكن هذا في الوصية. التي تظهر من جانب الناس في العمل- ومثل هؤلاء الناموسيون أمسكوا مذنبين فيما عرف الله أنهم يفضلون عمله. إذا كان هذا ممكنا بالغفران وينادي بأنه مهما كان “ختان القلب” الوصية التي تنفي من كل رغبة محرمة التي يأتي من “الروح” الذي يبريء- ولا تأتي من “الحرف” الذي يهدد ويجبر لذلك فإن مثل هؤلاء الناموسيون لهم مدحهم ليس من الناس بل من الله الذي بنعمته يمد الأرضيين وهذه النعمة ينالون عليها المدح- الذي قيل عنهم “بالرب تفتخر نفسي” (مز34: 2)
والذي قيل له “من قبلك تسبيحي” (مز22، 25) ولكن أولئك ليسوا كذلك الذين لا يمدحون الله لأنهم بشر ولكن يمدحون أنفسهم لأنهم أبرار.
الفصل الرابع عشر:In what respect the Belgians acknowledge God as the author of our justification.
أنهم يقولون: “لكننا نشكر الله لكونه صاحب برنا في ذلك أعطي الناموس بإرشادنا معرفة كيف يجب أن نعيش” ولكنهم لم يهتموا لما يقرأون: “لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمام الله” (رو3: 20)
وفي الحقيقة يمكن أن يكون هذا ممكنا بالنسبة للبشر وليس بالنسبة لله الذي يرى عين قلوبنا وأعماق إرادتنا. حيث يرى الله أنه بالرغم من أن الإنسان الذي يخاف الناموس لا يحتفظ بوصية معينه لكنه يريد أن يفعل شيئا آخر إذا سمح له. ولئلا يظن أي أحد في العبارة التي اقتبسناها منه الآن أن الرسول يقصد أن يقول أن لا أحد يتبرر بالناموس الذي يحوي وصايا عديدة تحت صوره (شكل) الأسرار المقدسة الجليلة.
وبين هذه الوصايا وصية ختان الجسد نفسه التي يختن فيها الأطفال في اليوم الثامن بعد ولادتهم. وفي الحال أضاف الرسول ما يقصد الناموس ويقول: “لأن بالناموس معرفة الخطية” (رو3: 20) ثم يشير إلn ذلك الناموس الذي أعلنه فيما بعد “لم أعرف الخطية إلا بالناموس فإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته” (رو7: 7)
فما معنى هذا بل أيضا ما معنى “بالناموس معرفة الخطية”؟
الفصل الخامس عشر: بر الله كما يوضحه الناموس والأنبياء
هنا ربما يقال بهذه الجسارة التي للإنسان الذي يجهل بر الله ويرغب في أن يثبت بر نفسه. ما جعل الرسول يقول: “لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه” (رو3: 20) نظرا لأن الناموس يظهر فقط للإنسان ما يجب عليه أن يفعله وما يجب عليه أن يتجنبه لكي ما يبينه الناموس يمكن أن يتم بواسطة الإرادة ولذلك يمكن أن يتبرر الإنسان ليس بالحقيقة بقوة الناموس ولكن بتصميمه الحر.
ولكني أطلب انتباهك أيها الإنسان لما يأتي بعد ذلك.
“وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودا له من الناموس والأنبياء” (رو3: 21) وهل هذا يرن شيئا خفيفا في آذان لا تسمع؟ ويقول: “بر الله قد ظهر” لأنهم إذ يجهلون هذا البر ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله” (رو10-3) وتكون كلماته: “بر الله قد ظهر” ولم يقل بر الإنسان أو بر إرادته الخاصة. ولكن يقول “بر الله” ليس ذلك الذي به يكون الله نفسه باراً ولكن ذلك الذي يمنحه الله للإنسان عندما يبرر الخاطيء وقد شهد بذلك الناموس والأنبياء.
وبمعنى آخر- أن الناموس والأنبياء قدم كل منها شهادته. وفي الحقيقة فإن الناموس بإصداره أوامره وتهديداته وبعدم تبريره أي إنسان يبين بوضوح أن تبرير الإنسان هو عطية من الله بمعونة الروح القدس لأن هذا ما تنبأ به الأنبياء أنه بمجيء المسيح تمم ذلك. وبناءاً على ذلك فهو يتقدم خطوه أبعد ويضيف: “بر الله بالإيمان بيسوع المسيح” (رو3: 22) ذلك هو الإيمان الذي به يؤمن الإنسان بالمسيح ولا يكون القصد الإيمان الذي يؤمن به المسيح نفسه وأيضا لا يكون القصد الذي به الله نفسه باراً.
وبدون شك فإن كل منهما يخصنا نحن ولكن أيضا تخصان الله والمسيح لأنه بسخائهم تعطي لنا هذه الهبات وحينئذ يكون بر الله بدون الناموس ولكنه لا يظهر بدون الناموس لأنه لو ظهر بدون الناموس كيف يكون مشهودا له بالناموس؟ وإن بر الله مع أنه يكون بدون الناموس الذي يمنحه الله للمؤمن بواسطة روح النعمة بدون الناموس – يتم ذلك عندما لا يساعده الناموس.
وفي الحقيقة عندما يكشف الله للإنسان ضعفه بواسطة الناموس، يكون هذا لكي يستطيع بالإيمان أن يلتجيء إلى نعمة الله وبذلك يشفي .
وهكذا فيما يتعلق بحكمة الله قيل لنا “أنها تحمل على لسانها الناموس والرحمة في يسارها الغني والمجد” (أم3: 17) “الناموس” الذي به تدين المتكبر “والرحمة” التي بها تبرر المتواضع. إذاً بُر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلي كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق. إذا الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله” (رو3: 22،23) وليس مجدهم الخاص. فماذا لهم الذين لم يأخذوها؟ لأن لو أخذوها لماذا يفتخرون كأنهم لم يأخذوها؟ إذاً جيدا أن يعوزهم مجد الله. والآن لاحظ ما يأتي:
“متبررين مجانا بنعمته” (رو3: 24) إذاً هم يتبررون ليس بالناموس ولا بإرادتهم ولكنهم يتبررون مجانا بنعمته. ليس أنه مكتوبا بدون إرادتنا ولكن إرادتنا تظهر ضعيفة بواسطة الناموس حتى تقدر النعمة أن تشفي ضعفها وحتى نقدر إرادتنا السليمة إكمال الناموس ليس بخضوعها للناموس ولا أيضا في غياب الناموس.
الفصل السادس عشر: كيف أن الناموس لم يوضع لأجل البار
لأن “الناموس لم يوضع للبار” (1تى1: 9) وأيضا “الناموس صالح إن كان أحد يستعمله ناموسياً” (1تى1: 8).
والآن إن الرسول بربطه هذين التقريرين المتناقضين ظاهريا يحذر ويحث قارئه على تفحص المسألة وحلها أيضا. إذا أنه كيف يمكن أن يكون ذلك أن “الناموس صالح إن كان أحد يستعمله ناموسيا” إذا لم يكن الآتي صادقا أيضا: “عالما هذا أن الناموس لم يوضع للبار” (1تى1: 8)؟ – إذا أنه من يستعمل الناموس ناموسيا غير الإنسان البار؟
مع أنه لم يوضع لأجله بل وضع لغير البار ينبغي إذاً على الإنسان الشرير لكي يقدر أن يتبرر حتى يصير إنسانا باراً أن يستعمل الناموس ناموسيا ليوصله كما بيد مؤدب (غلا3: 24) إلى تلك النعمة التي بها وحدها يستطيع أن يتمم ما يأمر به الناموس؟ فهو الآن قد تبرر بها مجانا ولا يكون ذلك على حساب استحقاقات سالفة لأعماله؛ “وإلا فليست النعمة بعد نعمة” (رو11: 6)، لأنها أعطيت لنا ليس لأعمال صالحه فعلناها ولكن لكي نكون قادرين على فعلها. وبمعنى آخر- ليس لأننا أتممنا أعمال الناموس ولكن لكي نكون قادرين على إتمامها والآن قال الله “إني ما جئت لانقض بل لأكمل” (مت5: 17) للذي قيل عنه “رأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا” (يو1: 14) هذا هو المجد الذي نقصد به الكلمات: “الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله” وهذه النعمة التي تكلم عنها في الآية التالية: “متبررين مجانا بنعمته” (رو3: 24)
وعلى ذلك فإن الإنسان الشرير يستعمل الناموس ناموسيا حتى يقدر أن يصير باراً ولكنه عندما يصير كذلك ينبغي عليه أن لا يستعمل الناموس كعربة لأنه قد وصل إلى نهاية رحلته (منتهى آماله) أو بالأحرى (على العكس من ذلك) (حتى أستطيع أن استعمل تشبيه الرسول الذي ذكر سابقا) كمؤدب لأنه يعتبر الآن متعلما تعليما كاملا.
كيف إذاً لم يوضع الناموس للبار، إذا اعتبر أنه ضروريا للبار أيضا ليس لكي يأتـي كإنسان شرير للنعمة حتى تبرره ولكن لكي يستعمله ناموسيا الذي هو بارا الآن؟ وربما لا تقف القضية هكذا، كلا لا “ربما” ولكن بالأحرى “بالتأكيد” إن الإنسان الذي صار باراً هكذا يستعمل الناموس ناموسيا، عندما يستعمله لإنذار الإنسان الشرير.
لكي كلما بدأ فيهم مرض لرغبه شاذة تزداد أيضا بدافع تحريم الناموس وبمقدار متزايد من التعدي- يقدرون أن يلتجئوا بإيمان إلى النعمة التي تبرر وبابتهاجهم بعذوبة بهجات القداسة يستطيعون الهروب من عقوبة حرف الناموس الذي يرهب بواسطة عطية الروح الهادئة؟ وعلى ذلك فإن التقريرين لا يكونان متناقضان ولا يستكرهان بعضهما: حتى الإنسان البار يستطيع أن يستعمل ناموسا صالحا وأيضا الناموس لم يوضع للإنسان البار لأنه ليس بالناموس أصبح بارا ولكن بناموس الإيمان الذي يجعله يؤمن أنه ليس هناك مصدر آخر كان ممكنا لضعفه أن يتم الوصايا التي يأمر بها “ناموس الأعمال” (رو3: 27)
إلا إذا كان معضدا بنعمته الله.
الفصل السابع عشر: تحريم (إبعاد) الافتخار
فيقول بناءاً على ذلك: “فأين الافتخار؟ قد انتفي. بأي ناموس؟ أبناموس الأعمال. كلا بل بناموس الإيمان” (رو3: 27). إما أنه يقصد الافتخار الحميد الذي يكون في الرب وقد “أبعد” ليس بمعنى أن يدفع بعيدا لكي يختفي ولكن أنه ظهر بوضوح لكي يرفض رفضا باتا. لذلك بعض الصناع الذين يشتغلون في الفضة يسمون “exclusores” [يتضح أن الإشارة هنا إلى عمال يشتغلون بإنتاج عمل مضغوط مطروق:
أنظر Guhl and kover : حياة اليونانيون والرومانيون ص 449. 77] وبهذا المعنى يأتي أيضا في تلك العبارة من المزامير: “المترامين بقطع الفضة” (مز68: 30) ويكون ذلك أن الذين جربوا بواسطة كلمة الله يقدرون أن يرفضوا رفضا باتا. لأنه قيل في عبارة أخرى: “كلام الرب كلام نقي كفضة مصفاة” (مز12: 6)
أو إذا لم يكن هذا ما يقصده فإنه ينبغي عليه أن يذكر أن الافتخار الرديء الذي يأتي من الكبرياء. الذي هو هؤلاء الذين يظهرون لأنفسهم أنهم يحيون حياة بارة ويفتخرون بعظمتهم كأنهم لم يأخذوها. وأيضا لكي يخبرونا أنه بناموس الإيمان وليس بناموس الأعمال قد حرم هذا التفاخر بمعنى أخر منع وإبعاد لأنه بواسطة ناموس الإيمان يعلم كل فرد أنه مهما تكن الحياة الصالحة التي يعيشها فهي من نعمة الله ولا يقدر أن يحصل على الوسائل التي بها يصبح كاملا في حبه للبر من مصدر آخر مهما كان.
الفصل الثامن: التقوى هي الحكمة؛ وهي ما تسمى بر الله، الذي يعطيه
إن هذا التأمل يخلق إنساناً تقياً، وهذه التقوى هي حكمة حقيقية وأقصد بالتقوى ما يسميها اليونانيون ()eooebeia – إن كل فضليه يوصي بها الإنسان في عبارة لأيوب حيث قيل له: “هوذا مخافة الله هي الحكمة” (أي28:28)
والآن إذا ترجمت الكلمة eooebeia طبقاً لأصلها كان يمكن تسميتها “عبادة الله” والنقطة الأساسية في هذه العبادة هي أن لا تكون النفس ناكرة لإحسانات الله. لذلك فإنه في معظم ذبائحنا الحقيقية ننصح “بتقديم الشكر للرب إلهنا”
ومع ذلك فأن نفوسنا تكون غير شاكرة عندما تنسب لذاتها ما تأخذه من الله وخاصة البر بالأعمال التي بها
[ الملكية الصفة الخاصة كما كانت بنفسها وتصنعه النفس ذاتها لذاتها ] لا يكون الارتفاع في افتخار وضيع، كما يمكن أن يكون بالثراء أو بحمال الأطراف أو البلاغة أو تلك الإنجازات الأخرى. خارجية أو داخلية، جسدية أو معنوية، التي يعتادها الضعفاء ولكن إذا أمكننى قول ذلك، في سرور حكيم بالنسبة للأشياء التي تنظم بطريقة خاصة أعمال الخير الصالحة. أنه بسبب خطية هذا الافتخار الوضيع حتى بعض العظماء ينحدرون من المأمن الأكيد للطبيعة الإلهية ويسقطون في عار عبادة الأوثان.
وذلك عاد الرسول في نفس الرسالة حيث يصر على أهمية النعمة. بعد أن قال أنه كان مدينوناً لكل من اليونانيين والبرابرة. للحكماء والجهلاء ويقر بنفسه أنه مستعداً كما يختص بذلك أن يكرز بالإنجيل حتى لهؤلاء الذين في روميه ويضيف: ” لأني لست استحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي أولا ثم لليوناني لأنه فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا” (رو1: 14-17) هذا هو بر الله الذي كان مختفياً في العهد القديم وظهر في العهد الجديد.
ويسمى “بر الله” لأنه يجعلنا أبراراً بمنحه إيانا البر كما نقرأ أن “للرب الخلاص” (مز8:3) لأن الله يجعلنا مطمئنين (في أمانٍ) وهذا هو الإيمان الذي أعلن “من الذي” “وإلى الذي” من إيمان الذين يكرزون به إلى إيمان هؤلاء الذين يطيعونه.
بهذا الإيمان بيسوع المسيح الإيمان الذي أعطاه لنا المسيح نحن نؤمن أننا نأخذ من الله. وسنأخذ أكثر وأكثر القدرة على الحياة البارة. لذلك نشكر الله بتلك العبادة المطيعة التي بها لا نعبد سوى الله وحده.
الفصل التاسع عشر: معرفة الله خلال الكون
بطريقة مناسبة جدا انتقل الرسول من هذه النقطة ليصف بكراهية هؤلاء الذين استنيروا ويرتفعون بواسطة الخطية التي ذكرتها في الفصل السابق- ينتقلون بعيداً لغرورهم كما حدث وخلال فضاء خالٍ حيث لا يجدون موضع راحة يسقطون مرشحين إلى قطع بإصطدامهم بالخرافات الباطلة التي لأوثانهم كما يصطدمون بالأحجار لأنه بعد أن أوصى بطاعة الإيمان الذي به نتبرر نكون في أشد احتياجنا لإرضاء الله. ثم انتقل ليوجه انتباهنا إلى ما يجب علينا بغضه كمعارض.
“لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفني والطيور والدواب والزحافات” (رو1: 18-23)
لاحظ أنه لم يقل أنهم كانوا يجهلون الحق ولكنهم أخفوا الحق في الإثم إذ أنه خطر له أن يستفسر من أين يحصل الذين لم يعطيهم الله الناموس على معرفة الحق وتكلم عن المصدر الذي يحصلون منه على المعرفة: لذلك يعلن أنهم وصلوا إلى معرفة صفات الخالق غير المنظورة خلال أعمال الخلق المنظورة.
وبنفس الفعل عندما استمروا في إحراز قدرات على البحث حتى استطاعوا أن يجدوا في أي شيء إذاً يكون إلحادهم؟ لأن “لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم” يعتبر الغرور مرض وخصوصا بالنسبة لهؤلاء الذين يخدعون أنفسهم “يظن أنه شيء وهو ليس شيئا” (غلا6: 3) وفي الحقيقة إن مثل هؤلاء يظلمون أنفسهم في هذا التفاخر المرتفع؛ لا تأتيه رجل الكبرياء ويد الأشرار لا تزحزحه” (مز36: 11) بعد أن قال: “بنورك نرى نورا” (مز36: 9) وابتعدوا عن نفس نور الحقيقة الذي لا يتغير “وأظلم قلبهم الغبي” (رو1: 21)
لان قلبهم لم يكن حكيما مع أنهم عرفوا الله. ولكن كان هذا بالأحرى حماقة لأنهم لم يمجدوا أو يشكروا الله كإله لأن “وقال للإنسان هوذا مخافة الرب هي الحكمة” (أى28: 28) وبهذا السلوك “بينما هم يزعمون أنهم حكماء (الذي لا يفهم منه سوى أنهم ينسبون ذلك لأنفسهم) صاروا جهلاء” (رو1: 22)
الفصل (20): الناموس بدون النعمة
ما حاجتي الآن للحديث عن ما يأتي؟ ولماذا سقط هؤلاء بإلحادهم- أقصد هؤلاء الذين وصلوا إلى معرفة الخالق بواسطة الخليقة- “لأن الله يقاوم المسكتبرين” (يع4: 6) وحيث أنهم غرقوا- لا أفضل ذكر ذلك هنا وأفضل إظهاره في نهاية الرسالة إذا أنه في خطابي هذا لم نتعهد بتفسير هذه الرسالة ولكن غالبا مسئوليتها أن تبرهن بقدر استطاعتنا أننا معضدون بمساعدة إلهية من جهة إتمام عمل البر ليس فقط لأن الله أعطانا ناموسا مليئا بالوصايا الصالحة والمقدسة ولكن لأن إرادتنا الخاصة التي بدونها لا نستطيع أن نفعل شيئا صالحا وقد عضدت وسمت “بروح النعمة” التي بدون معونتها يعتبر التعليم مجرد “الحرف الذي يقتل” (2كو3: 6) نظرا إلى أنها على العكس من ذلك تضبطهم مذنبين بخطئيتهم ولا تبرر الشرير. والآن هؤلاء الذين يعرفون الخالق بواسطة الخليقة لا يأخذون أي فائدة للخلاص بمعرفتهم لأن “لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله كما يزعمون أنهم حكماء” (رو1: 21) وأيضا الذين يعرفون بالناموس كيف يجب أن يحيا الإنسان لا يصيرون أبراراً بمعرفتهم “لأنهم إذا كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله” (رو10: 3)
الفصل(21): ناموس الأعمال وناموس الإيمان
ناموس الأفعال إذاً الذي هو ناموس الأعمال الذي لا يحرم هذا الافتخار، وناموس الإيمان الذي يحرمه يختلف كل منهما عن الآخر. وهذا الاختلاف هو ما يستحق اهتمامنا في التأمل إذا استطعنا أن نلاحظ وندركه.
وبالحقيقة يمكن لإنسان أن يقول دون تروٍ أن ناموس الأعمال هو في الديانة اليهودية وناموس الإيمان هو في الديانة المسيحية. نظرا إلى أن الختان والأعمال الأخرى التي يأمر بها الناموس هي بالضبط تلك الأعمال التي لم تعد المسيحية محتفظة بها ولكن هناك مغالطة في هذا الاختلاف العظمة التي حاولت أحيانا كشفها لمثل الحاذقين في تقدير قيمة الاختلافات خاصة لك ولمن مثلك لعلي وفقت في جهدي لأنه مع ذلك فإن الموضوع من أهم الموضوعات من أهم الموضوعات- وسوف لا يكون غير مناسب لو بغرض توضيحه ترددنا أمام براهين عديدة تقابل فكرنا مرات كثيرة.
والآن يقول الرسول أن هذا الناموس الذي “لا يتبرر أمامه أي إنسان” (رو 3: 20) “دخل لكي تكثر الخطية” (رو5: 20) ومع ذلك لكي ينقذه من طعنات الجاهل واتهامات الملحد دافع عن هذا الناموس عينه بكلمات كالآتية: “فماذا نقول هل الناموس خطية. حاشا بل لم أعرف الخطية إلا بالناموس فإنني لم أعرف الشهوة إن لم يقل الناموس لا تشته ولكن الخطية وهي متخذه فرصه بالوصية أنشأت في كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة” (رو7: 7، 8) ويقول أيضا: “إذاً الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحه فهل صار لي الصالح موتا. حاشا. بل الخطية لكي تظهر خطية منشئه لي بالصالح موتا لكي تصير الخطية خاطئة جدا بالوصية” (رو7: 12، 13) وبناءاً على ذلك فيكون نفس الحرف الذي يقتل يقول “لا تشته” وهذا هو ما تكلم عنه في عبارة أشرت إليها سابقا: لأن بالناموس معرفة الخطية. وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودا له من الناموس والأنبياء بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كلٍ وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع” (رو3: 20-26) ثم أضاف العبارة التي هي الآن موضع تأملنا: “فأين الافتخار قد انتفى. بأي ناموس أبناموس الأعمال كلا. بل بناموس الإيمان” (رو3: 27) ولذلك فهو نفس نِاموس الأعمال ذاته الذي يقول: “لا تشته” لأنه بهذا تأتي معرفة الخطية والآن إنني أريد أن أعرف لو تجرأ أي إنسان أن يخبرني هل ناموس الإيمان لم يقل لنا “لا تشته”؟ لأنه لم يقل لنا كذلك فماذا يكون هناك السبب الذي يجعلنا نحن الذين نخضع له لا نخطيء في أمان وبسماح؟
وبالحقيقة هذا هو بالضبط ما فهمه هؤلاء الناس من قصد الرسول الذي كتب لذلك: “أما كما يفترض علينا وكما يزعم قوم أننا نفعل السيئات لكي تأتي الخيرات الذين دينونتهم عادلة” (رو3: 8) وبعكس ذلك لو قيل لنا “لا تشته” (كذلك مثل ما تبين وتحث عبارات عديدة في الأناجيل والرسائل) ثم لماذا لم يدع هذا الناموس أيضا ناموس الأعمال؟ إذ أنه بدون أي وسيلة تتبع ذلك لأنه لا يبق على “أعمال” الأسرار المقدسة الجليلة العظيمة كذلك الختان والشعائر الأخرى… لذلك فهو ليس له أعمال في أسراره المقدسة التي تطبق على الوقت الحاضر إلا إذا كان بالفعل السؤال عن الأعمال المقدسة عند ذكر الناموس. بالضبط لأنه به معرفة الخطية ولذلك لا يتبرر به أحد لكي لا يكون ذلك التفاخر محرما بواسطته. ولكن بواسطة ناموس الإيمان الذي يحيا به الإنسان البار ولكن هل لا يكون به أيضا معرفة الخطية حتى عندما يقول “لا تشته”؟
الفصل (22): لا أحد يتبرر بالأعمال
سأشرح بإيجاز وجه الاختلاف بينهما. ما يأمر به ناموس الأعمال بواسطة التهديد ذاك يحميه ناموس الإيمان بواسطة الإيمان أحد هما يقول “لا تشته” (خر20: 17) والآخر يقول: “ولما علمت بأني لا أكون عفيفا ما لم يهبني الله العفة وقد كان من الفطنة أن أعلم ممن هذه الموهبة توجهت إلى الرب وسألته” (الحكمه8: 21) هذه بالحقيقة نفس الحكمة التي تدعي “التقوى” الذي نعبد بها” أبي الأنوار الذي منه كل عطية صالحه وكل موهبة تامة” (يع1: 17) ومع ذلك فإن هذه العبادة تتوقف على ذبيحة الحمد والشكر لكي لا يفتخر الذي يعبد الله بنفسه ولكن بالله (2كو10: 17)
وبناءاً على ذلك فبناموس الأعمال يقول لنا الله أعملوا ما آمركم به ولكن بواسطة ناموس الإيمان نقول لله أعطينا ما أوصيت به وهذا هو السبب في إعطاء الناموس أمره لينبهنا إلى الإيمان الذي ينبغي علينا عمله ويكون الذي أعطى له هذا الأمر إذا لم يكن كذلك غير قادر على إنجازه يقدر أن يعرف ما الذي يطلبه ولكن إذا كانت له المقدرة في الحال ويطيع الأمر ينبغي عليه أيضا أن يكون عارفا من هو صاحب الموهبة الذي يعطي هذه المقدرة.
“لأننا لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لتعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله” (1كو10: 17) مع ذلك ماذا يكون روح هذا العالم سوى روح الافتخار؟ التي بها أظلم قلبهم الغبي الذين مع أنهم يعرفون الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله (رو1: 21) فضلا عن ذلك فإنه بالحقيقة بنفس الروح خدعوا أيضا لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخصوا لبر الله” (رو10: 3).
لذلك يبدو لي أنه أكثر من “طفل في الإيمان” الذي تعلم من أي مصدر ينظر ما لم يأخذه بعد… وليس كالذي ينسب كل ما عنده وبدون شك بالرغم من ذلك فإنه يفضل من كل هؤلاء الإنسان الذي عنده كلا الاثنين وفي نفس الوقت يعرف من الذي أعطاه إياها ولو أنه مع ذلك لا يصدق نفسه أن يكون في الوضع الذي لم يصل إليه بعد لا تدعه يسقط في خطأ الفريسي الذي بينما كان يشكر الله على ما أمتلكه مع ذلك فشل في أن يطلب أي عطية أخرى كما لو كان واقفا في غير حاجه إلي شيء لزيادة أو كمال بره (لو18: 11، 12).
والآن وقد تداولنا وتأملنا كما يجب كل هذه الظروف والبراهين نستنتج أن الإنسان لا يتبرر بوصايا الحياة المقدسة ولكن بالإيمان بيسوع المسيح وباختصار… ليس بناموس الأعمال ولكن بناموس الإيمان، ليس بالحرف ولكن بالروح، ليس باستحقاقات الأفعال ولكن بنعمة مجانية.
الفصل (23): كيف أن الوصايا العشر تقتل دون وجود النعمة
مع أن الرسول ظن لذلك أنه يلوم ويقوم هؤلاء الذين استميلوا أن يختتنوا في مثل هذه العبارات كتسميتهم بكلمة “الناموس” الختان نفسه وأيضا الشعائر الشرعية المشابهة الأخرى… والتي نبذها الآن المسيحيون لكونها إشارات ((a future Substance ومازالوا يصرون على ما تعهدت به هذه الإشارات مجازيا؛ ومع ذلك فإنه في نفس الوقت يود أن يجعله مفهوما فهما واضحا أن الناموس كما قال أن الإنسان لا يتبرر به لا يوجد فقط في تلك القوانين المقدسة التي احتوت على تشبيهات لوعود ولكن أيضا في تلك الأعمال التي كل من يفعلها يحيا حياة مقدسة والتي تقع بينها هذا التحريم: “لا تشته”. والآن ولكي نجعل تقريرنا أكثر وضوحا دعنا نتفرس في الوصايا العشر نفسها. أنه من المؤكد إذاً أن موسى استلم الناموس على الجبل لكي يوصله للشعب كتب بأصابع الله على لوحين من الحجارة وجمعت في هذه العشر الوصايا التي لا يوجد بها أي أمر عن الختان ولا أي شيء يتعلق بتلك الذبائح الحيوانية التي كف المسيحيون عن تقديمها. والآن أحب أن أعرف ماذا تحوي هذه الوصايا العشر الإ حفظ السبت الذي لا ينبغي على مسيحي حفظه سواء كان يحرم صنع أو عبادة الأوثان وأي آلهة أخرى غير الله الإله الحقيقي. أو النطق باسم الله باطلا أو فرض الإكرام للوالدين، أو تحريم الزنا والقتل والسرقة، الشهادة الزور-الفسق أو اشتهاء ملكيات الآخرين؟ فمن يقدر أن يقول أنه ينبغي على المسيحي ترك واحدة من هذه الوصايا؟ فهل من الممكن أن نقتنع بأنه ليس هو الناموس الذي كتب على هذين اللوحين الذين وصفها الرسول “بالحرف الذي يقتل” ولكن ناموس الختان والشعائر (الطقوس) الأخرى المقدسة التي أبطله الآن؟ ولكن كيف يمكننا أن نفتقد ذلك إذاً، عندما تأتي هذه الوصية في الناموس “لا تشته” بأي شيء كل وصية رغما من كونها مقدسة- عادلة وصالحة، يقول الرسول الخطية خدعتني بها وقتلتني؟ (أنظر رو7: 7-12).
ماذا يمكن أن يكون هذا سوى “الحرف الذي يقتل”؟
الفصل (24): العبارة في الرسالة إلى أهل كورنثوس
في العبارة التي يتحدث فيها لأهل كورنثوس عن الحرف الذي يقتل والروح الذي يحيي شرح بوضوح كثير ما كتب في اللوحين ولكن لم يقصد حتى هناك أن يكون مفهوما من الحرف حرف آخر سوي الوصايا العشر نفسها إذ أن هذه كلمات الله: “ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بجبر بل بروح الله الحي. لا في ألواح حجريه بل في ألواح قلب لحميه. ولكن لنا ثقة مثل هذه بالمسيح لدى الله. ليس أننا كفاه من أنفسنا أن نفتكر شيئا كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله.
الذي جعلنا كفاه لأن نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيي ثم إن كانت خدمة الموت المنقوشة بأحرف في حجارة قد حصلت في مجد حتى وجهه الزائل فكيف لا تكون بالأولى خدمه الروح في مجد لأنه أن كانت خدمة الدينونه مجدا فبالأولى كثيرا تزيد خدمة البر في مجد” (2كو3: 3-9) هناك كلام كثير يجب أن نتحدث به عن هذه الكلمات ولكن ربما يكون لدينا فرصة أكثر ملاءمة في وقت قريب ومع ذلك أرجوك الآن أن تلاحظ كيف يتحدث عن الحرف الذي يقتل ويناقضه بالروح الذي يحيي. وهذا بالتأكيد يجب أن يكون “خدمة الموت المنقوشة بأحرف في حجارة” وأيضا “خدمة الدينونة” وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية (رو5: 20)
وتعتبر الوصايا العشر نفسها نافعه ومفيدة للعامل بها لدرجة أنه لا يستطيع أحد أن ينال الحياة ما لم يحفظها. إذاً هل بسبب الوصية الوحيدة التي أدرجت فيها عن “يوم السبت” تسمى الوصايا العشر “بالحرف الذي يقتل”؟ لأنه بالتأكيد كل إنسان يظل محافظا على ذلك اليوم بميعاد الحرفي يكون ذو تفكير جسداني وكونه ذو تفكير جسداني، لا يعتبر شيئا آخر غير الموت؟ كما يجب أن ينظر إلى التسع وصايا الأخرى التي حفظت تماما في شكلها الحرفي كأنها تخفي ناموس الأعمال الذي لا يتبرر به أحد
ولكن تخص الإيمان الذي به يحيا الإنسان البار؟ من يستطيع أن يضيف رأيا سخيفا كهذا بأن يفترض أن “خدمة الموت المنقوشة بأحرف في حجارة” لم تشمل بالتساوي كل العشر الوصايا ولكن قيلت للوصية الخاصة بالسبت؟
في أي نوع نضع ما قيل على هذا النمط: “الناموس ينشيء غضبا إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعدٍ؟ (رو4: 15) أيضا: “حتى الناموس كانت الخطية في العالم على أن الخطية لا تحسب أن لم يكن ناموس” (رو5: 13) وأيضا ما ذكرناه مرارا: “بالناموس معرفة الخطية” (رو3: 20).
وبالأخص العبارة التي فيها أوضح الرسول السؤال الذي نبحثه الآن: “لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته”؟ (رو7: 7).
الفصل(25): العبارة في الرسالة إلى أهل رومية
والآن تأمل بعناية هذه العبارة الكاملة وأنظر هل تتحدث عن شيء يتعلق بالختان أو يوم السبت, أو أي شيء آخر يخص رمز السر المقدس.
فهل لم يصل كل غرضه إلى هذا أن الحرف الذي يمنع الخطية يعجز عن إعطاء الحياة لإنسان بل بالأحرى “يقتله” بواسطة زيادة الشهوة وتهويل الإثم بواسطة التعدي إذا لم تحررنا بالفعل النعمة بناموس الإيمان الذي هو في المسيح يسوع عندما “محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا”؟ (رو5:5) وباستعمال الرسول هذه الكلمات: “حتى نعبده بجدة الروح لا بعتق الحرف” (رو6:7)” واستمر ليسأل: “فماذا نقول. هل الناموس خطية. حاشا. بل لم أعرف الخطية إلا بالناموس. فإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته. ولكن الخطية وهي متخذه فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة. لأن بدون الناموس الخطية ميتة. أما أنا فكنت بدون الناموس عائشا قبلا ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت أنا. فوجدت الوصية التي للحيوة هي نفسها لي للموت. لأن الخطية وهي متخذه فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني إذا الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة. فهل صار لي الصالح موتا. حاشا بل الخطية لكي تظهر خطية منشئة لي بالصالح موتا لكي تصير الخطية خاطئة جدا بالوصية. فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية. لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل. فإن كنت أفعل ما لست أريده فإني أصادق الناموس أنه حسن فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة في. فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ أي في جسدي شيء صالح لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيَّ.
إذاً أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن ولكن أرى ناموسا آخر أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت. أشكر الله بيسوع المسيح ربنا. إذا أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطية”. (رو7:7-25).
الفصل (26): “ليس ثمر صالح دون أن ينمو من جذر المحبة”
إنه واضحا جدا أن عتق الحرف في غياب جدة الروح بدل أن تحررنا من الخطية تجعلنا مذنبين بمعرفة الخطية. لذلك كتب من جزء آخر من الكتاب المقدس “الذي يزيد علما يزيد حزنا” (جا18:1) ليس أن الناموس نفسه شرا ولكن لأن الوصية لها صفتها. الصالحة في إظهار الحرف وليس في مساعدة الروح. وإذا حفظت هذه الوصية خوفا من العقاب وليس حبا في البر فيكون هذا بروح العبودية وليس بروح الحرية ولذلك لا تحفظ أبدا إذ إنه لا تكون ثمرة جيدة لم ينمو من جذر المحبة.
ومع ذلك لو وجد هذا الإيمان الذي يعمل بالمحبة (غلا6:5) فإن الإنسان يبدأ أن يسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن (رو22:7) وهذا السرور هو عطية الروح وليس الحرف, وحتى مع أنه يوجد ناموسا آخر في أعضائنا يحارب ناموس ذهنا تتغير الحالة القديمة وتمر في هذا التجديد الذي يزداد من يوم لآخر. في الإنسان الباطن طالما نعمة الله تحررنا من جسد هذا الموت بربنا يسوع المسيح.
الفصل (27): النعمة التي كانت مختفية في العهد القديم ظهرت في العهد الجديد
في العهد القديم أخفت النعمة نفسها تحت برقع ولكنها ظهرت في العهد الجديد بفضل تدبير الأزمنة المحكمة, وذلك لمعرفة الله لكيفية تدبير كل شيء.
وربما تكون جزءا من هذه النعمة المختفية إنه في الوصايا العشر التي أعطيت على جبل سينا الجزء الذي يتصل فقط بالسبت كان مختفيا في شكل وصية مرموز إليها. يعتبر يوم السبت يوما مقدسا وبدون تفسير إنه بين الأعمال التي أنجزها الله سمع أول صوت للتقديس في اليوم الذي استراح الله فيه من كل أعماله. وفي الحقيقة لا يجب علينا الآن أن نكثر في الحديث ولكن في نفس الوقت أظن أن هذا كاف للنقطة التي نناقشها الآن إنه لم يكن هناك سببا في أن تجبر الأمة في ذلك اليوم على الكف عن كل الأعمال الذليلة التي بها تعني الخطية ولكن لأن عدم ارتكاب الخطية يتعلق بالتقديس الذي هو عطية الله بواسطة الروح القدس.
وقد وضعت هذه الوصية وحدها في الناموس الذي كتب على لوحين من الحجارة في شكل صورة مرموز إليها التي بها يحفظ اليهود يوم السبت حتى إنه في نفس الحالة يمكن أن تعني إنه كان حينذاك الوقت الملائم لاختفاء النعمة التي كان لابد أن تظهر في العهد الجديد بموت المسيح. كما حدث انشقاق الحجاب (مت20:27) ويقول الرسول: “ولكن عندما يرجع إلى الرب يرفع البرقع” (2كو16:3).
الفصل (28): لماذا يسمى الروح القدس إصبع الله
“وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية” (2كو17:3) والآن روح الله هذا الذي بعطيته نتبرر لذلك يحدث إننا نفرح عندما لا نخطئ حيث توجد الحرية, وأيضا عندما نفقد هذا الروح نفرح بالخطية حيث توجد العبودية – هذا الروح القدس الذي به يسكب الحب في قلوبنا الذي هو إتمام الناموس أشير له في الكتاب المقدس “بإصبع الله” (لو20:11).
أليس هذا لأن هذين اللوحين نفسهما كتبا بإصبع الله, وأن روح اله الذي يقدسنا هو أيضا إصبع الله لكي بإيماننا نستطيع أن نعمل أعمالا صالحة بواسطة المحبة؟ من لم يتأثر بهذا التطابق وبهذا الاختلاف في نفس الوقت؟ لأنه كما قدر خمسون يوما من احتفالات عيد الفصح (الذي أمر به موسى بأن يذبح الحمل الرمزي) (مز3:12), ليشير في الحقيقة إلى موت المسيح, إلى اليوم الذي تسلم منه موسى الناموس مكتوبا بإصبع الله على لوحي الحجارة (حز18:31) لذلك وبمثل هذه الطريقة, من موت الرب إلى قيامته الذي سيق للذبح كشاه (أش7:53) كانت خمسون يوما كاملة إلى الوقت عندما جمع إصبع الله – الذي هو الروح القدس هؤلاء الذين آمنوا في شركة واحدة..
الفصل (29) مقارنة بين شريعة موسى وشريعة العهد الجديد
والآن وسط هذه المطابقة العجيبة يوجد على الأقل هذا الاختلاف العظيم في الحالات في ذلك أن الناس في العهد القديم بواسطة الرعب الفظيع منعوا من الاقتراب من المكان الذي أعطى فيه الناموس مع أن في الحالة الثانية حل الروح القدس عليهم الذين اجتمعوا معا في انتظار عطية الله التي وعد بها وهناك اشتغل إصبع الله على ألواح من الحجارة وأما هنا فكانت على قلوب الناس هناك أعطى الناموس ظاهريا حتى يرتعب الشرير (مز16,12:19) وأما هنا فأعطى سرا حتى يتبرروا (أع1:2-47) لأن هذا: “لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك. المحبة لا تصنع شرا للقريب فالمحبة هي تكميل الناموس” (رو10,9:13) والآن هذا ليس مكتوبا على ألواح من الحجارة ولكن: “انسكب في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رو25:5) لذلك فإن المحبة هي ناموس الله “لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعا لناموس الله لأنه أيضا لا يستطيع” (رو7:8) ولكن عندما تكتب أعمال المحبة على ألواح التنزر اهتمام الجسد فينشأ ناموس الأعمال “والحرف الذي يقتل” المخطئ, ولكن عندما تنسكب المحبة نفسها في قلوب المؤمنين فحينئذ يكون لدينا ناموس الإيمان والروح الذي يعطيه الحياة لكي يحب.
الفصل (30) ناموس العهد الجديد مكتوبا في الداخل
والآن لاحظ كيف يكون هذا الاختلاف مطابقا لتلك الكلمات التي قالها الرسول التي أشرت إليها في مناسبة أخرى ليست ببعيدة جدا والتي أرجأتها بعد ذلك إلى تأمل مجدِ: “ظاهرين إنكم رسالة المسيح مخدومه منا مكتوبة لا بجد بل بروح اله الحي لا في ألواح حجرية بل هفي ألواح قلب لحمية.” (2كو3:3) انظر كيف إنه أظهر أن الأول كتب بدون إنسان حتى تنذره من الخارج. الثاني من داخل الإنسان نفسه حتى تبرره من الداخل. إنه يتكلم عن ألواح “القلب اللحمية” وليس عن اهتمام الجسد ولكن عن نائب حي له إحساس. ويعني التصريح الذي جاء فيما بعد. “وليس كما كان موسى يضع برقعا على وجهه لكي لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل” (2كو13:3) إن حرف الناموس لا يبرر بل إنه بالأحرى قد وضع برقعا في قراءة العهد القديم إلى أن تتحول إلى المسيح ويزول البرقع وبمعنى آخر, حتى نتحول إلى النعمة ويفهم أن الله يهبنا التبرير الذي به نفعل ما يأمرنا به ولذلك فهو يأمرنا أن نلتجئ إلى معونته لأننا عاجزين من أنفسنا. وبناءاً على ذلك وبعد حديث متحفظ, “لنا ثقة مثل هذه بالمسيح يسوع لدى الله” (2كو4:3) ويستمر الرسول فيضيف أن التقرير الذي يكون تحت موضوعنا لكي يمنعنا من أن ننسب ثقتنا لأي قوة لنا. يقول: “ليس إننا كفاه من أنفسنا أن نفتكر شيئا كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله الذي جعلنا كفاه لأن نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحي” (2كو6,5:3).
الفصل (31) الناموس القديم يميت, الناموس الجديد يعطي البر
والآن ولأنه كما يقول في عبارة أخرى: “الناموس قد زيد بسب التعديات” (غلا19:3) تعني الناموس الذي كتب في الخارج للإنسان لذلك فهو بها إلى كل من “خدمة الموت” (2كو7:3) “وخدمة الدينونة” (2كو9:3) ولكن الثانية التي هي ناموس العهد الجديد التي يسميها “خدمة الروح” (2كو8:3) “وخدمة البر” (2كو9:3) لأننا بواسطة الروح نعمل البر وننجو من الدينونة الناتجة عن التعدي. لذلك إحداهما تتلاشى والثانية تبقى لأننا سنستغنى عن المؤدب المرعب عندما تنجح المحبة في أن تخيف. والآن: “حيث روح الرب هناك حرية” (2كو17:3)
ولكن إن هذه الخدمة قد منحت لنا ليس لاستحقاقاتنا ولكن من نعمة الله. وهكذا يعلن الرسول: من أجل ذلك إذ لنا هذه الخدمة كما رحمنا لا نفشل بل قد رفضنا خفايا الخزي غير سالكين في مكر ولا غاشين كلمة الله” (2كو2,1:4).
بهذا “المكر” وبهذا “الغش” يجب أن نفهم الرياء الذي به يظن المتعظم أنه أصبح باراً لذلك في المزمور الذي يذكره الرسول ليبرهن على نعمة الله قيل “طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في فمه غش” (مز2:32) هذا هو اعتراف القديسين المتواضعين الذين لا يفتخرون أن يكونوا في حالة ليست لهمن. وحينئذ يكتب الرسول هكذا في عبادة تالية: “فإننا لسنا نكرر بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربا ولكن بأنفسنا عبيدا لكم من أجل يسوع لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح” (2كو6,5:4) هذا هو معرفة مجد الله الذي به نعرف أن الله هو النور الذي يضيء ظلامنا.
أرجوك أن تلاحظ كيف يصر على استيعابنا نفس هذه النقطة ويقول: “لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية ليكون فضل القوة له لا منا” (2كو7:4) وعندما مضى أبعد من ذلك أوصي في شروط متأججة نفس هذه النعمة في الرب يسوع المسيح في هذه أيضا نئن مشتاقين إلى أن نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء لكي يبتلع المائت من الحياة” (انظر 2كو1:5-4).
لاحظ ما يقوله: “ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضا عربون الروح” (2كو5:5) وبعد قليل استنتج خلاصة الأمر باختصار هكذا: “لنصير نحن بر الله فيه” (2كو21:5) ليس هذا هو البر الذي به الله نفسه باراً ولكن هذا الذي به يجعلنا أبراراً.
الفصل (32) الإيمان المسيحي يتلامس مع مساعدة النعمة
عَّرِف المسيحي إذاً الذي يضل عن هذا الإيمان المسيحي وحده ولا تدع أي فرد عندما يشعر بالخجل لكي يقول إننا أصبحنا أبراراً بأنفسنا بدون أن تعمل هذا فينا نعمة الله. لأنه يرى عند\ما تم مثل هذا الإثبات كيف يجب أن يتحملها مؤمنين أتقياء غير قادرين أن يلجأوا إلى أي حجة في هذه النقطة بإثبات سببا عدم قدرتنا أن نصبح أبرارا بدون عمل نعمة الله بكون أن الله أعطى الناموس قرر تعليمه – أمر بوصاياه الصالحة. إذ يعتبر الناموس دون أدنى شك هو “الحرف الذي يقتل” بدون مساعدة نعمة الله.
ولكن عندما توجد الروح التي تحيي فإن الناموس يجعل هذا محبوبا عندما كتب في الداخل, الذي سب مرة الخوف منه عندما كتب من الخارج.
الفصل (33) نبوءة ارميا النبي الخاصة بالعهد الجديد
لاحظ هذا أيضا في تلك الشهادة التي أدلى بها النبي بطريقة أكثر وضوحا في هذا الموضوع: “ها أيام تأتي يقول الرب واقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا ليس كالعهد الذي قطعته مع آباءهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب أجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلا وهم يكونون لي شعبا ولا يعلمون بعد واحد صاحبه ولك واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفونني من صغرهم إلى كبيرهم يقول الرب لأني اصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد (أرميا31:31-34).
ماذا نقول نحن لهذا؟ إنسان ليس في مكان ما, أو بالكاد أي مكان إلا في هذه القوة التي للنبي يجد في أسفار العهد القديم أي ذكر للعهد الجديد ليشير إليه باسمه الخاص. إنه بدون شك أستير إليه وسبق الكلام عليه كما لو كان على وشك إعطائه ولكن ليس بصراحة لدرجة أن يذكر اسمه الخاص.
تأمل جيدا إذاً ما الفرق الذي بينه الله بين العهدين – العهد القديم والجديد.
الفصل (34) الناموس والنعمة
بعد قوله: “ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم امسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر” لاحظ ما يضيفه الله” لأنهم نقضوا عهدي” فحسب هذا خطأهم حتى إنهم نقضوا عهد الله خشية أن الناموس, الذي تسلموه في ذلك الوقت يظهر لهم أنه يستحق اللوم لأنه كان هو نفس الناموس الذي جاء المسيح “ليس لينقصه بل ليكمله” (مت17:5) ومع ذلك فليس بهذا الناموس يصبح الشرير باراً ولكن بالنعمة, وهذا التغيير يسببه الروح المحيي الذي بدونه الحرف يقتل.
“لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحي لكان بالحقيقة البر بالناموس. لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان بيسوع المسيح للذين يؤمنون” (غلا22,21:3) بسبب هذا الوعد الذي هو بسبب شفقة الله أكمل الناموس الذي بدون الوعد السابق ذكره يجعل الناس متعدين بالوصية الحالية لفعل شرير إذا كانت لنار الشهوة قوة أعظم من ضوابط الخوف أو على الأقل بواسطة إرادتهم المحضة إذا فاق الخوف من العقاب لذة الشهوة. في ماذا يقول: “الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون”.
وهذه هي فائدة هذه النتيجة التي تأكدت. فما الغرض من “إغلاقه” إلا كما عبر عنه في الآية التالية: “ولكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس مغلقاً علينا إلى الإيمان العتيد أن يعلن؟” (غلا23:3) لذلك قد أعطى الناموس لكي تستطيع النعمة أن تنشط وقد أعطيت النعمة لكي يستطيع الناموس أن يكتمل والآن لم يكن بأي خطأ في الناموس حتى أنه لم يكتمل ولكن بخطأ اهتمام الجسد وهذا الخطأ بينه الناموس وأبرأته النعمة “لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه في ما كان ضعيفا بالجسد فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية وإن الخطية في الجسد لكي يتمن حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح” (رو4,3:8) وبناءاً على ذلك ففي العبارة التي ذكرناها من النبي يقول: “سأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا” (إر31:31) فماذا تعني “سأقطع” ولكن “سأتمم”؟ أليس كالعهد الذي قطعته مع آباءهم يوم امسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر” (إر32:31).
الفصل (35) الناموس القديم والناموس الجديد
إذاً كان الأول قديما إذ أن الثاني يعتبر جديدا ولكن من أين يأتي أن الأول يكون قديما والثاني جديدا عندما يكمل العهد الجديد نفس الناموس الذي قال في العهد القديم “لا تشته” (مز17:20)؟
ويقول النبي: “لأنهم نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب” (إر32:31) إنها إذا بسبب خطية الإنسان العتيق الذي دون أي وسيلة برأ بالحرف الذي أمر وهدد هذا ما يسمى بالعهد القديم, بينما سمي الثاني بالعهد الجديد من الخطأ الذي فعله القديم ثم تأمل وانظر كيف وضعت الحقيقة في ضوء واضح حتى أن الناس الذين عندهم الإيمان يرفضون ثقتهم في أنفسهم فيقول: “بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم” (إر33:31) انظر كيف يشرعها الرسول بطريقة مشابهة في العبارة التي ذكرناها سابقاً: “لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية” (2كو3:3)
لأن “لا بحبر بل بروح الله الحي” (2كو3:3) وإنني أدرك أن الرسول في هذه العبارة ليس له سبب آخر ليذكر “العهد الجديد” (الذي جعلنا كفاه لأن نكون خدام عهد جديد. لا الحرف بل الروح) سوى لأنه ينظر إلى كلمات النبي عندما قال “لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية” نظر إلى قول النبي: “أكتبها على قلوبهم” (إر33:31).
الفصل (36) الناموس المكتوب على قلوبنا
ماذا يكون إذاً ناموس الله الذي كتبه نفسه على قلوب الناس سوى حلول الروح القدس ذاته. الذي هو إصبع الله والذي بحلوله تنسكب في قلوبنا المحبة التي هي تكميل الناموس (رو10:13) وغاية الوصية (1تي5:1)؟ وتعتبر الآن وعود العهد القديم ترابية وأيضا (باستثناء الفروض الدينية التي كانت إشارات لأشياء ستحدث مثل الختان, السبت.
والملاحظات الأخرى للأيام وطقس الذبائح المعقد وأشياء دينية تطابق عتاقة الناموس الجسدي ونير عبوديته) وتشمل مثل هذه الوصايا الخاصة بالبر كما أرشدنا الآن لملاحظتها التي بالأخص وضعت بوضوح دون أي تشبيه أو إشارة في اللوحين وعلى سبيل المثال” “لا تزني” “لا تقتل” “لا تشته” وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك” (رو9:13) ولكن مع أنه كما جاء في العهد الذي سبق التكلم عنه وعود تعتبر عالمية وزمنية وقتية كما قلت.
وهذه هي فوائد هذا الجسد القابل للفساد (بالرغم من أنها تسبق تشبيه تلك البركات السمائية الدائمة التي تخص العهد الجديد), وما وعد به الآن هو صالحا للقلب نفسه صالحا للعقل، صالحا وهو صلاح عقلي عندما قيل “أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم” (إر31: 33) ويعني بذلك أنه لا يجب على الناس الخوف من الناموس الذي ينذرهم من الخارج ولكن يجب على محبة بر الناموس ذاته الذي يسكن داخل قلوبهم.
الفصل (37): المكافأة الأبدية
ثم أستمر ليشرح المكافأة: “سأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا” (إر31: 33) وهذا يطابق كلمات المرتل: “أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي. (مز73: 28) ويقول الله: “سأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا” ماذا يكون أفضل من هذا الخير، وماذا تكون سعادة أكثر من هذه السعادة، أن نعيش لله، أن نعيش من الله الذي به ينبوع الحياة وبنوره نرى نورا (مز36: 9)؟
وتكلم الرب نفسه عن هذه الحياة بهذه الكلمات: “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو17: 3)– ويكون أن “أنت ويسوع المسيح الذي أرسلته” هو الإله الحقيقي وحده إذ ليس أقل من هذا يعد به الله الذين يحبونه: “الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي” (يو14: 21)– وبدون شك في جوهر الله الذي به هو مساوٍ للآب ليس في صورة عبد لأنه في هذا سيظهر ذاته حتى للشرير أيضا. ومع ذلك لعل هذا ما حدث الذي كتب: “يرحم المنافق ولا يتعلم العدل. في أرض الاستقامة يصنع شرا ولا يرى جلال الرب” (إش26: 10) ثم أيضا: “يمض الأشرار إلى عذاب أبدي و الأبرار إلى حياة أبدية (مت25: 26) وهذه الحياة الأبدية كما ذكرت بالضبط تتعين أن تكون بمعرفتهم للإله الحقيقي وحده. (يو17: 3) وبناءاً على ذلك يقول يوحنا أيضا: “أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو” (1يو3: 2) وكذلك الآن يبدأ هذا الشبه في إعادة تشكيله فينا بينما الإنسان الباطن يتجدد من يوم لآخر حسب صورة الله الذي خلقه” (كولوسي 3: 1).
الفصل (38): مقارنه إعادة التكوين الذي تم الآن مع كمال الحياة الآتية
ولكن ماذا يكون هذا التغيير وكم هو عظيما بمقارنة بكمال السمو الذي سيتحقق حينذاك؟ ويستعمل الرسول بعض أنواع التوضيح مشتقة من أشياء معروفه جيدا لتلك الأشياء التي لا يمكن وصفها- مقارنا فترة الطفولة بعمر الرجولة “لما كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر ولكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل. (1كو 13: 11)
وفي الحال علل سبب ذلك بهذه الكلمات؟ “فإننا ننظر الآن في مرآة في لعز لكن حينئذ وجها لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت” (1كو13: 12)
الفصل (39): المكافأة الأبدية التي أعلنت بالأخص في العهد الجديد والتي تنبأ عنها النبي
لذلك في مثال بنينا الذي نتناول شهادته بالدراسة الآن أضيف أنه في الله المكافأة، فيه الغاية، فيه كمال السعادة، فيه مجموع الحياة المباركة والأبدية إذ أن بعد قوله: “أكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا” يضيف في الحالة: “ولا يعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب” (إر31: 34) والآن تعتبر كل تأكيد هي وقت العهد الجديد الوعد الذي أعطاه النبي. لماذا إذاً ما زال حتى الآن كل إنسان يقول لقريبه ولأخيه، “أعرف الرب”؟ العل هذا لا يعني أن هذا يقال في كل مكان عندما يكرز بالإنجيل وعندما يكون هذا هو إعلانه بالذات؟
إذا أنه على أي أساس يسمى الرسول نفسه “معلما للأمم” (1تى2: 7) إذا لم يصبح ما ضمنه هو نفسه في العبارة الآتية محققا “فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به. وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به وكيف يسمعون بلا كارز؟ (رو10: 14) منذ ذلك الوقت وهذه الكرازة تمتد الآن في كل مكان في أي شيء يكون وقت العهد الجديد الذي تكلم عنه النبي في الكلمات؟
“ولا يعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل وأحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب” (إر31: 34) ما لم يكن هذا الذي ضَّمنه إدراكه النبوي المكافأة الأبدية للعهد الجديد بوعدنا بتأمل مبارك لله نفسه؟
الفصل (40): كيف تكون هذه المكافأة للجميع، لذلك يدافع الرسول بحماس عن النعمة
إذاً ماذا يكون مضمون “كلهم” من صغيرهم إلى كبيرهم ولكن كل هذا يخص روحيا بيت إسرائيل وبيت يهوذا- الذي هو أولاد اسحق ونسل إبراهيم؟
لأن مثل هذا هو الوعود. الذي قيل فيه له: “باسحق يدعى لك نسل أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الله بل أولاد الموعد يحسبون نسلا لأن كلمة الموعد هي هذه: “أنا آتي نحو هذا الوقت ويكون لسارة ابن وليس ذلك فقط بل رفقه أيضا وهي حبلى من واحد وهو اسحق أبونا لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيرا أو شرا لكي يثبت قصد الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو. قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير (رو9: 7-12) هذا هو بيت إسرائيل أو بالأحرى بيت يهوذا بسبب المسيح الذي جاء من سبط يهوذا هذا هو بيت أولاد الموعد ليس بسبب استحقاقهم ولكن بسبب شفقة الله لأن الله يعد بالشيء الذي يعمله هو نفسه: الله نفسه لا يعد وآخر يتم الذي لم يستمر في الوعد ولكن يستمر في التنبؤ. لهذا فهي “ليس من الأعمال بل من الذي يدعو” (رو9: 11) لئلا تكون النتيجة لهم وليست لله؛ ولئلا تنسب المكافأة لاستحقاقهم وليست لنعمة الله ولذلك سوف لا تعد النعمة نعمة التي دافع عنها وتمسك بها بكل حماس أنه أصغر الرسل وتعب أكثر منهم جميعهم ليس هو نفسه ولكن نعمة الله التي كانت معه (1كو15: 9، 10) ويقول الله: “كلهم سيعرفونني” (إر31: 34) “كلهم” بيت إسرائيل وبيت يهوذا. “كلهم” ومع ذلك ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون (رو9: 6) ولكنهم فقط الذين قيل لهم في المزمور الذي يتعلق “بأيله الصبح” (أنظر عنوان مزمور 22) (الذي يخص النور المبهج الجديد ويقصد به العهد الجديد)، يا خائفي الرب سبحوه. مجدوه يا معشر ذرية يعقوب واخشوه يا زرع إسرائيل جميعا” (مز22: 23) كل الذرية دون استثناء وحتى كل ذرية الموعد والدعوة، ولكن فقط للذين هم مدعوون حسب قصد الله (رو8: 28) الذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضا والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضا والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضا” (رو8: 30)
“لهذا هو الإيمان كي يكون على سبيل النعمة ليكون الوعد وطيدا لجميع النسل ليس لمن هو من الناموس فقط”- الذي جاء من العهد القديم إلى الجديد- “بل أيضا لمن هو من إيمان” … الذي كان في الحقيقة سابقا للناموس- “إيمان إبراهيم” يقصد الذين يقلدون إيمان إبراهيم- “الذي هو أب لجميعنا كما هو مكتوب أني قد جعلت أبا لأمم كثيرة” (رو4: 16، 17) والآن وبنعمة العهد الجديد كل الذين سبق فعينهم والذين دعاهم والذين بررهم والذين مجدهم سيعرفون الله من صغيرهم إلى كبيرهم.
الفصل (41) الناموس المكتوب علي القلب، ومكافأة التأمل الأبدي لله يخص العهد الجديد الذي هو الأصغر والأعظم بين القديسين
كما أن ناموس الأعمال الذي كتب على ألواح حجرية وأجرته هي أرض الموعد التي تسلمها بيت إسرائيل الجسدي بعد خروجهم من مصر، يخص العهد القديم لذلك فإن ناموس الإيمان المكتوب على القلب وأجرته المنظر السعيد الذي سيعانيه بيت إسرائيل الروحي عندما ينجو من العالم الحافز تخص العهد الجديد. ثم سيحدث ما يصنعه الرسول: “أما النبوات فستبطل والألسنة فستنتهي والعلم فسيبطل” حتى هذه المعرفة القاصرة “للطفل” (1كو13: 11) التي تمر فيها هذه الحياة الحاضرة والتي هي “بعض المعرفة” بواسطة “مرآة في لغز” (1كو13: 12).
وفي الحقيقة يكون التنبوء ضروريا بسبب هذا إذا أنه مع بقاء الماضي ينجح المستقبل وبسبب ذلك أيضا توجد الحاجة “للألسنة”- التي هي عديد من العبارات لأنه بواسطة عبارات مختلفة منها فإن تلك الأشياء المختلفة توعز إليه الذي لم يتأمل إلى الآن النور الدائم للحقيقة الواضحة بعقل كامل الصفاء.
“ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض” (1كو13: 10) ثم ما ظهر للجسد في شبه جسد سيظهر ذاته كما هو لكل الذين يحبونه وحينئذ سيكون لنا حياة أبدية أن تعرف الإله الحقيقي وحده” (يو17: 3) حينئذ سنكون مثله (1يو3: 2) لأننا حينئذ سنعرفه كما عرفنا” (1كو13: 12) حينئذ لا يعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب” (إر31: 34) والآن يمكن أن يفهم هذا بوسائل متعددة. إما أنه في تلك الحياة سيختلف القديسين في المجد الواحد عن الآخر. كما يختلف نجم عن آخر. ولا يهمنا كيف ينتشر التعبير سواء كان (كما في العبارة السابقة) “من الصغير إلى الكبير” أو الطريقة الثانية، من الكبير إلى الصغير.
وبمثل هذه الطريقة لا يهمنا حتى إذا فهمنا “الصغير” بقصد الذين يؤمنون ببساطة، “والكبير” الذين هم أبعد من أن يفهموا- بعيدا كما يمكن أن يكون في هذا العالم. النور الذي هو غير مادي وغير متغير.
أو “الصغير” يمكن أن تعني هؤلاء الذين تأخروا في العمر. بينما يعني “بالكبير” هؤلاء الذين تقدموا في العمر.
لأنهم جميعا لهم رؤية المنظر الذي وعد به الله بعد ذلك لأنه كان لفائدتنا أنهم سبقوا فنظروا المستقبل الذي يجب أن يكون أفضل من حاضرهم، لكي لا يكملوا بدوننا (عب11: 40)
وهكذا يكون الأولون آخرون لأنهم تأخروا في الوقت؛ كما في الحادثة التي جاءت في الإنجيل: “دينار في اليوم” الذي أعطى للتوضيح- والذين جاءوا أخيرا إلي الكرام هم أول من أخذوا هذا الدينار.
أو “الصغير والكبير” ربما يجب أن تؤخذ بمغزى آخر لا يحظر علي فكري الآن.
الفصل (42): الاختلاف بين العهد القديم والجديد
مع ذلك أرجوك أن تلاحظ جيدا على قدر استطاعتك ما أسعى الآن بجهد كبير إلى إثباته.
فعندما وعد النبي بعهد جديد لا يرتبط بالعهد الذي أبرمه سالفا مع شعب إسرائيل عندما تحرروا من مصر لم يقل شيئا عن الذبائح أو أي شعائر دينية بالرغم من أن مثل هذا التغيير أيضا كان يجب أن يتبع ذلك بدون شك كما نرى في الحقيقة أنها تتبعه حتى مثل نفس نبوءة الكتاب تبين في عبارات أخرى كثيرة ولكنه بكل بساطة وجه انتباهه إلى هذا الاختلاف أن الله سيجعل شريعته في داخل هؤلاء الذين لهم هذا العهد وسيكتبها على قلوبهم (إر31: 32، 33) من حيث استنتج الرسول نتيجة – “لا بحبر بل بروح الله الحي لا في ألواح قلب لحميه” (2كو3: 3)
وإن المكافأة الأبدية لهذا البر لم تكن هي الأرض التي طرد منها الأموريون والحثيون والأمم الأخرى التي تسكن هناك (يشوع12) ولكن الله لنفسه “الذي هو حسن الاقتراب منه” (مز73: 28) لكي يمكن أن يكون خير الله الذي يحبونه هو الله نفسه الذي يحبونه الذي لا يفرق بينه وبين الناس سوى الخطية وقد خف هذا بواسطة عمل النعمة. بناءاً على ذلك، بعد قوله: “كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم” يضيف الله في الحال “لأني أصفح عن أثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد” (إر31: 34) ثم بواسطة ناموس يقول الرب “لا تشته” (خر20: 17) ولكن بناموس الإيمان يقول الله: بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيء” (يو15: 5) لأنه كان يبحث عن الأعمال الصالحة حتى ثمر أغصان العنب., لقد ظهر إذاً الاختلاف بين العهدين القديم والجديد- أنه في الأول كتب على القلوب لكي ما ينذر في الأول من الخارج ويبهج في الثاني من الداخل وفي الأول يصبح الإنسان متعديا بواسطة الحرف الذي يقتل، بينما يصبح في الآخر محبا بواسطة الروح المحي. لذلك يجب أن تتجنب ادعاء أن الطريقة التي بها يساعدنا الله لكي نعمل البر “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فى2: 13) تكون بواسطة توجيه خارجي لقدراتنا للقداسة لأن الله يعطي محصوله من الداخل (1كو3: 7) “فإنه يسكب المحبة في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا” (رو5: 5)
الفصل (43): جدال بخصوص عبارة الرسول عن الأمم الذين قيل عنهم أنهم يفعلون بالطبيعة ما هو في الناموس الذين قيل عنهم أيضا أن لهم الناموس مكتوبا في قلوبهم
والآن يجب أن نفهم معنى قول الرسول: “لأنه الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ماهر في الناموس فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم، الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم” (رو2: 14، 15) لئلا يبدو أن لا يكون هناك اختلاف في العهد الجديد في ذلك وعد الرب أنه سيكتب ناموسة على قلوب شعبه نظرا لأن الأمم تم لهم هذا طبيعتنا. لذلك فهذه المسألة يجب أن تفحص كمسألة ذو أهمية عظيمة.
إذا أن البعض يمكنه أن يقول “إذا فضل الله العهد الجديد على القديم بهذه الحالة حتى أن الله في القديم كتب ناموسة على ألواح ولكن في الجديد كتبه على قلوبهم وبهذا يتميز مؤمن العهد الجديد عن الأمم الذين كتبت أعمال الناموس على قلوبهم التي بها يفعلون بالطبيعة ما هو في الناموس (رو2: 14)، كما لو كانوا بالحقيقة أفضل من الشعب القديم، الذي أخذ الناموس مكتوبا على ألواح وقبل الشعب الجديد الذي وهب هذا الناموس بواسطة العهد الجديد والذي خلعته (منحته) عليهم الطبيعة؟
الفصل (44): والإجابة هي أن العبارة يجب أن يفهمها مؤمن العهد الجديد
العل الرسول ذكر هؤلاء الأمم كأن لهم الناموس مكتوبا في قلوبهم الذين لهم العهد الجديد؟ يجب أن ننظر إلى النص السابق- ويقول بالإشارة إلى الإنجيل “لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي أولا ثم لليوناني لأن فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا” (رو1: 16، 17) ثم استمر في حديثه عن الخطاة الذين بسبب كبريائهم وليس بمعرفتهم الله لأنهم لم يمجدوه أو يشكروه كإله. (رو1: 21) ثم انتقل إلى هؤلاء الذين يفكرون ويفعلون نفس الأشياء التي تدينهم- مع اليهود نصب أعيننا. الذين افتخروا بناموس الله.
ولكن مع ذلك لا نذكرهم بأسماء؛ ثم قال: “وأما الذين من أهل التحزب ولا يطاوعون للحق بل يطاوعون للإثم فسخط وغضب شده وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر اليهودي أولا ثم اليوناني ومجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح اليهودي أولا ثم اليوناني لأن ليس عند الله محاباة. لأن كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يدان لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس يبررون” (رو2: 8-13)
ثم استمر في حديثه ليخبرنا من هم الذين يتكلم عنهم في تلك الكلمات “لأنه الأمم الذين ليس عندهم الناموس يفعلون بالطبيعة ما هو في الناموس” ( رو2: 14) و هلم جرا في العبارة التي ذكرتها- لذلك وكما يظهر جمليا أن الذين يعني بهم “الأمم” ليسوا سوى هؤلاء الذين دعاهم قبلا باسم “اليونانيين” عندما قال: “اليهودي أولا ثم اليوناني” (رو1: 16) لأن الإنجيل إذاً هو: “قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي أولا ثم لليوناني” (رو1: 16) ولأن سخط وغضب، شده وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر اليهودي أولا ثم اليوناني ولكن مجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح اليهودي أولا ثم اليوناني
لأن علاوة على ذلك “اليوناني” اتضحت بواسطة كلمة “الأمم” الذين يفعلون بالطبيعة ما هو الناموس والذين لهم ناموس الأعمال مكتوبا في قلوبهم وتلي ذلك أن مثل هؤلاء “الأمم” بينما كتب الناموس في قلوبهم بالإنجيل فيكون لهم عند إيمانهم، قوة الله للخلاص. مهما وعد أي أمم بالمجد الكرامة والسلام في قلوبهم في فعلهم الصلاح لو عاشوا بدون نعمة الإنجيل؟ لأن ليس عند الله محاباة” (رو2: 11)
ولأن ليس الذين يسمعون الناموس بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون (رو2: 13) وتبعا لذلك فإن أي إنسان من أي أمه يهوديا كان أم يونانيا ويؤمن فسينال الخلاص دون الإنجيل. وكما يقول بعد ذلك “لأنه لا فرق إذا الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجانا بنعمته” (رو3: 22-24)
كيف يمكنه إذاً أن يقول أن أي شخص أممي كان يعمل بالناموس يتبرر بدون نعمة المخلص؟
الفصل (45): يتبرر العاملون بالناموس ليس بأعمالهم بل بالنعمة يتبارك أسم الله و قديسيه في معانٍ مختلفة
ولم يقصد الآن أن يناقض نفسه في قوله: “الذين يعلمون بالناموس هم يبررون” (رو2: 13) كما لو كان تبريرهم يأتي بأعمالهم وليس بالنعمة؛ لأنه يصرح أن الإنسان يتبرر مجانا بنعمة الله بدون أعمال الناموس (رو3: 24، 28) قاصدا بكلمة “مجانا” أن الأعمال لا تسبق التبرير إذا أنه في عبارة أخرى يقول بصراحة: “فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال والإ فليست النعمة بعد نعمة” (رو11: 6) ولكن تقريره أن: “الذين يعملون بالناموس يتبررون” (رو11: 13) يجب أن يفهم كذلك كما نعرف أنهم خلافا إلى ذلك لا يعملون بالناموس إذا لم يتبرروا لكي لا ينالون التبرير فيما بعد لكونهم عاملون بالناموس ولكن التبرير يسبقهم كعاملون بالناموس. فماذا تعني كلمة “تبرروا سوى أصبحوا أبرارا” بواسطة الله طبعا الذي يبرر الإنسان الشرير إلى أن يصبح إنسانا تقيا؟
لأننا إذا أردنا أن نعبر عن حقيقة معينه بأن يقول: “الرجال سيتحررون” فإن هذه الجملة ستفهم بالطبع كأنها تؤكد أن التحرير سيمنح لهؤلاء الذين أصبحوا الآن رجالا ولكن إذا أردنا أن نقول الرجال سيخلقون فلا تفهم بالتأكيد كأننا نؤكد أن الخلق سيحدث للذين هم الآن في الوجود ولكن أنهم أصبحوا رجالا بعملية الخلق نفسها، وإذا قيل بمثل هذه الطريقة أن العاملين بالناموس سيكرمون فإننا سنفسر التقرير بطريقة سليمة إذا افترضنا أن الكرامة كانت يجب أن تمنح لهؤلاء الذين كانوا يعملون بالناموس سابقا: ولكن عندما يكون البرهان: “الذين يعملون بالناموس يتبررون” فماذا تعني سوى أن الإنسان المستقيم سيتبرر؟ إذ أن الذين يعملون بالناموس هم أشخاص مستقيمون (أبرار).
وهكذا تصل إلى نفس الشيء كما لو قيل أن الذين يعملون بالناموس سيخلقون. ليس الذين خلقوا سابقا ولكن لكي يقدروا أن يصيروا هكذا. لكي بهذا يفهم اليهود الذين كانوا يسمعون الناموس أنهم يريدون نعمة الله الذي يبرر لكي يمكنهم أن يعملوا بها أيضا. أو أن تعبير “يتبررون” استعمل بمعنى “أنهم يعتبرون أو يحسبون كأنهم أبراراً. كما نسب إلى إنسان معين ذكر في الإنجيل: “وأما هو فإذا أراد أن يبرر نفسه” (لو 10: 29)
بمعنى أنه أراد أن يعد ويحسب نفسه باراً وبمثل هذه الطريقة تضيف معنى إلى التقرير “الله يقدس قديسيه” ومعنى آخر إلى الكلمات “ليتقدس اسمك” (مت6: 9)
إذا أنه في الحالة الأولى نفترض أن الكلمات تعني أن الذين لم يكونوا قبلا قديسين يجعلهم الله قديسين. وفي الحالة الأخرى أن الشخص الذي يصلي يجب أن يعتبر ما هو مقدس دائما في ذاته مقدسا أيضا بالنسبة للناس- وبكلمة يكون مخوفا برهبة مقدسة.
الفصل (46): كيف أن العبارة التي جاءت في الناموس تتفق مع تلك التي ذكرها النبي
إذاً قصد الرسول بناءاً على ذلك عندما ذكر أن الأمم يفعلون بالطبيعة الأشياء التي في الناموس ولهم أعمال الناموس مكتوبا على قلوبهم (رو2: 14، 15) هؤلاء الذين يؤمنون بالمسيح. الذين لم يأتوا إلى الإيمان مثل اليهود بواسطة ناموس سابق- ليس هناك سببا أفضل يعلل سبب سعينا في تميزهم عن هؤلاء الذين بواسطة النبي وعدهم الرب بالعهد الجديد قائلا لهم أنه سيكتب ناموسة على قلوبهم وعلاوة على ذلك فهم أيضا بواسطة التطعيم الذي يقوله ضعفوا من الزيتونة البرية ينتمون إلى زيتونتهم الخاصة (رو11: 24)
وبمعنى آخر إلى نفس شعب الله. لذلك فإنه يوجد موافقة كبيرة بين عبارة الرسول هذه وبين كلمات النبي لدرجة أن من له العهد الجديد يعني أن لديه ناموس الله ليس مكتوبا على ألواح بل على القلب. الذي هو يشمل بر الناموس مع المشاعر العميقة حيث الإيمان العامل بالمحبة (غلا5: 6) لأن الله بالإيمان يبرر الأمم.
سبق فبشر إبراهيم قائلا: “فيك يتبارك جميع الأمم” (غلا3: 8- تك22: 18) لكي بنعمة هذا الوعد تطعم الزيتونة البرية في الزيتونة الصالحة والأمم التي تؤمن سيكونون أولاد إبراهيم: “في نسل إبراهيم الذي هم المسيح” (غلا3: 16)
تابعين إيمانه الذي بدون أخذه الناموس المكتوب على ألواح ولا أيضا أخذ الختان فآمن بالرب فحسبه له براً (تك15: 6) (رو4: 3) والآن ماذا ينسب الرسول إلى الأمم من هذه الصفة. كيف أن لهم الناموس مكتوبا في قلوبهم” (رو2: 15) يجب أن يكون شيئا آخر مثل الذي قاله لأهل كورنثوس: “لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحميه” (2كو3: 3) وهكذا يضمون من بيت إسرائيل، عندما تعد عزلتهم ختاما بحقيقة أنهم لا يسندون بر الناموس إلى فناء الجسد ولكنهم بمحبة القلب يحفظونه. ويقول “إن كان الأعزل يحفظ أحكام الناموس أفما تحسب عزلته ختاناً”؟ (رو2: 26)
لذلك فإن بيت إسرائيل الحقيقي الذي لا غش فيه (أنظر يو1: 47) فهم يعتبرون مشتركون في العهد الجديد لأن الله يصنع ناموسة في عقلهم ويكتبه في قلوبهم بإصبعه، الروح القدس، الذي بواسطته تنسكب في قلوبهم المحبة (رو5: 5) التي هي تكميل الناموس (رو13: 10)
الفصل (47): الناموس “معمولا به بالطبيعة” يعني العمل به بالطبيعة وتجديده بواسطة النعمة
يجب أن لا يزعجنا وصف الرسول لهم كعاملين بالناموس بالطبيعة- ليس بواسطة روح الله، ليس بواسطة الإيمان ولا بواسطة النعمة لأن روح النعمة هي التي تفعل ذلك لكي تجدد فينا نحن صوره الله التي خلقنا عليها (تك1: 26) وتعتبر الخطية بالحقيقة ضد الطبيعة والنعمة هي التي تبرئها وعلى حساب ذلك يتقدم المصلي لله: “يا رب ارحمني. اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك” (مز41: 4) لذلك أنه بالطبيعة يقبل الناس ما في الناموس (رو2: 14) إذ أنهم الذين لا يعملون ذلك يغسلون في عمل ذلك بسبب تصورهم الشرير.
ونتيجة لهذا الشر فإن ناموس الله محي من قلوبهم وبناءاً على ذلك عندما يبرأوا من الخطية فيكون مكتوبة هناك، فيتم فرض الناموس بالطبيعة التي لا تنكرها النعمة ولكن على العكس من ذلك فإن الطبيعة تصلح بواسطة النعمة من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو5: 12) لأنه لا فرق إذ أخطأ الجميع وأعوزهم مجد الله متبررين بنعمته مجاناً (رو3: 22-24) بهذه النعمة يوجد البر الذي محته الخطية مكتوبا في الإنسان الباطن الذي تجدد وهذه الرحمة تأتي على الجنس البشري بربنا يسوع المسيح لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (1تى2: 5)
الفصل (48): إن صوت الله لم تمح كليه من هؤلاء الغير مؤمنين- خطايا بسيطة
ومع ذلك بالنسبة للبعض الذين يفعلون بالطبيعة الأشياء التي في الناموس لا يجب اعتبارهم بعد ضمن هؤلاء الذين تبررهم نعمة المسيح بل على العكس فبين هؤلاء البعض الذين لا يمكننا فقط لومهم (على الرغم من أنهم ضمن الناس الذين لا يعبدون الله بالصدق والحق)، بل أيضا مدحهم بالعدل والحق- منذ فعلوها كما نقرأ أو نعرف أو نسمع وتبعا لقاعدة البر مع أننا في نفس الوقت يجب أن نناقش السؤال لمعرفة ما الدافع على فعلهم هذا أنهم بالكاد يجب أن يوجدوا هكذا كمستحقي المدح والحماية التي ترجع إلى تدبير البر.
وأيضا بما أن صورة الله لم تمح تماما من عقل الإنسان بوصمة المشاعر الأرضية كما لو ترك باقيا هناك لا يتعدى نفس ملامحها لذلك كان لابد أن يقال بالضبط أن الإنسان حتى في حياته الشريرة يفعل أو يستحسن بعض الأشياء التي يحتوي عليها الناموس إذا كان هذا هو ما يقصد بالتقرير أن “الأمم الذين ليس لديهم الناموس” (الذي هو ناموس الله) يفعلون بالطبيعة ما في الناموس” (رو2: 14)
وهؤلاء الناس الذين لهم هذه الصفة هم ناموس لأنفسهم ويظهرون على الناموس مكتوبا في قلوبهم. هذا ليعبر عن أن الشيء الذي ختم في قلوبهم عندما خلقوا في صورة الله لم يمح كليه: حتى بالنظر إلى هذا الموضوع، هذا الاختلاف العريض لا يشوش ما يفرق بين العهد الجديد والقديم وأنه في الحقيقة بواسطة العهد الجديد كتب ناموس الله في قلوب المؤمنين بينما نقش في العهد القديم على ألواح من الحجارة. ولأن هذه الكتابة في القلب تمت بالتحديد بالرغم من أنها لم تمح تماما بالطبيعة القديمة لأنه بالضبط كما أن صورة الله تجددت في عقل المؤمنين بالعهد الجديد.
الذي لم يمنع تماما الإلحاد به (إذ أنه بدون شك كان باقيا هناك ما لا يفهمه عقل الإنسان) لذلك فإن ناموس الله أيضا الذي لم يمح منها بواسطة الشر كتب عليها متجددا بواسطة النعمة.
ولدى اليهود الآن أن الناموس الذي كتب على ألواح لا يمكنه صنع مثل هذا النقش الجديد الذي هو التبرير، ولكن فقط التعدي هو ما يستطيع صنعه لأنهم أيضا كانوا بشر وهذه القوة الطبيعية كانت ملازمه فيهم والتي تمكن العقل السديد من ملاحظة وفعل ما هو مباح. ولكن التقوى التي تنقل إلى حياة أخرى سعيدة ودائمة لها
“ناموس الرب كامل يرد النفس” (مز19: 7) لكي يمكنهم أن يتجددوا بالنور الذي منه ولكي يتم فيهم ما هو مكتوب “أرفع علينا نور وجهك يا رب” (مز4: 6) مطرودين مما يستحقون أن يزدادوا في الكبر طالما هم عاجزين عن التجديد إلا بنعمة المسيح وبمعنى آخر، بدون شفاعة الوسيط الذي بكونه “إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع” (1تى2: 5، 6)
فهل هؤلاء غرباء عن نعمة الله التي نبحثها الآن والذين (وبعد الطريقة التي تكلمنا عنها بما فيه الكفاية) “يفعلون بالطبيعة ما في الناموس” (رو2: 14) فماذا يستفيدون من أفكارهم التي يشتكون بها “في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس” (رو2: 15، 16) ما لم ترتب لهم عقوبة معتدلة (مناسبة)؟
لأنه بينما، من ناحية، يوجد بعض الخطايا البسيطة التي لا تمنع الإنسان البار من بلوغه الحياة الأبدية والتي لا مناص منها في هذه الحياة، لذلك من الناحية الأخرى توجد بعض أعمال صالحة والتي ليس لها فائدة لإنسان شرير تجاه بلوغه الحياة الأبدية بالرغم من أن يكون من الصعب جدا اكتشاف حياة أي إنسان شرير آخر مهما كان خارجا عنهم كليه. ولكن بما أن في ملكوت الله يختلف القديسين في المجد كما يختلف نجم عن آخر (1كو15: 41)
– فكذلك في دينونه العقاب الأبدي سيكون أكثر احتمالا لسدوم مما لتلك المدينة (لو10: 12) بينما بعض الناس سيكونون أضعاف من أبناء جهنم (مت23: 15)
وهكذا في حكم الله فحتى هذه الحقيقة سيكون لها تأثيرها- لدرجة أنه إذا أخطأ إنسان أكثر أو أقل من آخر وحتى لو غرق كلاهما في الشر فيكون مستحقا لعذاب الجحيم.
الفصل (49): النعمة التي وعد بها النبي للعهد الجديد
إذاً ماذا قصد الرسول ليكني عن- بعد صد تفاخر اليهود بقوله لهم أن “ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون (رو2: 13) ثم تكلم عنهم بعد ذلك مباشرة “الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس” (رو2: 14)
إذاً لم يفهم من هذا الوصف الذين لهم نعمة الشفيع بل العكس الذين بينما لا يعبدون الإله الحقيقي بتقوى صادقة فهل يظهرون بعض الأعمال الصالحة في الأسلوب العام لحياتهم الشريرة؟ أو ربما اعتبر الرسول أنه من المحتمل لأنه قال سابقا: “ليس عند الله محاباة” (رو2: 11)
وقد قال بعد ذلك: “أم الله لليهود فقط أليس للأمم أيضا. بلى للأمم أيضا” (رو3: 29) وحتى مثل أعمال الناموس هذه القليلة كما افترضت لم تكتشف بالطبيعة كما لم يستلمها الناموس. ما عدا نتيجة بقاء صورة الله التي لم يزدرِ بها عندما يؤمنون به الذي ليس عند محاباة؟ ولكن أي هذه الآراء مقبولا فإنه من الواضح أن نعمة الله التي وعد بها النبي للعهد الجديد. وأن هذه النعمة كان يجب حتميا أن تأخذ هذه الصورة. كان يجب أن يكتب ناموس الله في قلوب الناس؛ وكان يجب عليهم أن يصلوا إلى مثل هذه المعرفة لله، حتى لا يعلم بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم” (إر31: 33-34)
هذه هي عطية الروح القدس التي بواسطته تنسكب المحبة في قلوبنا (رو5: 5) ليس بالحقيقة أي نوع من المحبة ولكن محبة الله “من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء” الذي يقود الإنسان البار الذي يحيا في هذه الحالة الغريبة بعد درجات “المرآة” و “اللغز” و “بعض المعرفة” إلى الرؤيا الحالية والتي هي وجها لوجه يستطيع أن يعرف كما عرف (1كو13: 12) واحدة سأل من الرب وإياها يلتمس وهي أن يسكن في بيت الرب كل أيام حياته لكي ينظر جمال الرب “(مز27)
الفصل (50): البر هو عطية الله
لذلك لا تدع أي إنسان يتفاخر بما يبدو له أنه يمتلكه كأنه لم يأخذه (1كو4: 7) ولا تدعه يظن أنه أخذه فقط لأن حرف الناموس الخارجي إما أظهر له لكي يقرأه أو يرن في أذنه لكي يسمعه. لأن “أن كان بالناموس بر المسيح إذاً مات بلا سبب” (غلا 2: 21) ومع ذلك فإنه إذا يمت المسيح بلا سبب فقد صعد إلى العلاء وسبي سبيا وأعطى عطايا للناس (مز68: 18) وتلي ذلك أن كل من له يعطي من هذا المنبع. والذي يفكر أن ما عنده هو من الله، إما لا يكون له وإما يكون في خطر عظيم بأن يحرم مما عنده (لو8: 18)
“لأن الله واحد هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والعزلة بالإيمان” (رو3: 30) حيث لا يوجد اختلاف حقيقي في معنى الكلمات كما لو تعني الكلمة”by faith” معنى خاص وتعني “through faith” معنى آخر ولكن فقط هي تنوع في التعبير لأنه في عبارة واحدة عند الحديث عن الأمم – الذي هوعن العزلة- قال: “والكتاب إذ سبق فرأى أن الله يبرر الأمم “by faith” (غلا3: 8) وأيضا عند الحديث عن الختان الذي يخصه هو أيضا يقول: “نحن بالطبيعة يهود ولسنا من الأمم خطاه إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل “through faith” يسوع المسيح آمنا نحن أيضا بيسوع المسيح” (غلا2: 15، 16)
لاحظ أنه يقول أن كل من الغرلة والختان يتبرر بالإيمان، إذا حفظ الختان بر الإيمان. لأن الأمم التي لم تتبع البر قد نالوا البر، حتى البر الذي هو الإيمان (رو9: 30) وقد حصلوا عليه من الله وليس من أنفسهم. ولكن إسرائيل وهو يسعى في إثر ناموس البر لم يدركوا ناموس البر. ولماذا؟ لأنهم طلبوه ليس بالإيمان ولكن كأنه بالأعمال (رو9: 31، 32) وبمعنى آخر. باحثين عنه كما لو كان بأنفسهم دون إيمانهم أن الله هو الذي يعمل داخلهم. “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فى2: 13)
وبهذا “اصطدموا بحجر الصدمة” (رو9: 32) لأن ما قاله “ليس بالإيمان بل كأنه بالأعمال” (رو9: 32) شرحه شرحا واضحا في الكلمات الآتية: “لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن” (رو10: 3، 4) فهل نظل إذاً في شك عن ماذا تكون أعمال الناموس هذه التي بها لا يتبرر الإنسان إذا ظنها أعماله هم “كأنها” بدون مساعدة وعطية الله التي تكون “بالإيمان بيسوع المسيح”؟ وهل نقترح أنها هي الختان والفروض الأخرى المشابهة، لأن مثل هذه الأشياء في عبارات أخرى تقرأ من نحو تلك الطقوس الدينية أيضا؟
في هذا الوضع، مع ذلك، ليس هو الختان بالتأكيد الذي يطلبون أن يثبتوه كأنه برهم الخاص لأن الله أثبت هذا بأمره هو نفسه أم هل يكون من الممكن لنا أن نفهم هذا التقرير لتلك الأعمال التي بخصوصها يقول الرب لهم “حسنا رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم” (مر 7: 9)
لأنه كما يقول الرسول: “إسرائيل وهو يسعى في إثر ناموس البر لم يدرك البر” (رو9: 31) أنه لم يقل وهو يسعى في أثر تقاليدهم- منظما إياها ومعتمدا عليها. هذا هو الاختلاف الوحيد أن نفس الوصية ” لا تشته” ووصايا الله الصالحة والمقدسة الأخرى، نسبوها لأنفسهم بينما يمكن لذلك الإنسان حفظها لابد أن يعمل الله فيه بالإيمان بيسوع المسيح الذي هو “غاية الناموس للبر لكل من يؤمن” (رو10: 4)
هذا لكي يقول أن كل من أنضم لله وبقى عضوا في جسده يكون قادرا على عمل البر بواسطة إعطاء الله له البركة في داخله- ومثل هذه الأعمال هي ما قال عنها المسيح نفسه “بدوني لا تقدرون أن تنفعلوا شيئا” (يو15: 5)
الفصل (51): الإيمان هو أساس كل بر
اقترح بر الناموس في تلك النصوص التي كل من يفعلها يحيا فيها؛ ويكون الغرض هو أن عندما يكتشف كل فرد ضعفه لا يقدر بقوته الذاتية ولا بحرف الناموس (الذي لا يقدر أن يفعله) ولكن بالإيمان جامعا بين الله الذي يبرر، فيدركه، ويفعله، ويعيش فيه. إذ أن العمل الذي يعيش فيه من يقوم يفعله لا يتم إلا بواسطة الشخص الذي تبرر ومع ذلك فإن تبريره قد حصل عليه الإيمان ومكتوب بخصوص الإيمان “وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليحد المسيح أو من يهبط إلى الهاوية أي ليصعد المسيح من الأموات.
لكن ماذا يقول. الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو10: 6-9)
وكلما خلص كلما كان بارا لأن بهذا الإيمان نثق أن الله سيقيمنا من الموت حتى الآن في الروح لكي يمكننا في هذا العالم الحاضر أن نعيش بتعقل وبر وتقوى في تجديد نعمة الله وعما قريب في جسدنا الذي سيقوم ثانية للخلود
وهو في الحقيقة ثواب الروح الذي يسبقه قيامة تخص الله ويكون هذا بالتبرير “لأننا دفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جده الحياة” (رو6: 4)
لذلك فإننا ننال الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح سواء المسيح سواء كان هذا بالحقيقة في داخلنا وفي حد ترقب إتمامه: “لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو10: 13) ويقول المرتل: “ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك وفعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر” (مز31: 19″). بالناموس نخاف الله وبالإيمان نرجو في الله.
ولكن النعمة تختفي في الذين يخافون العقاب- والنفس التي تعمل تحت هذا الخوف بما أنها لم تتغلب على شهوتها الشريرة والتي لم يختف منها هذا الخوف الذي يشبه سيدا قاسيا- ليتها تلتجيء إلى رحمة الله لكي يعطيها ما يأمر به ملهما فيها عذوبة نعمته بروحه القدوس يجعل النفس تبتهج أكثر بما يعلمها الله مما تبتهج بما يعارض إرشاداته بهذه الطريقة تكون أن عذوبة الله الوفيرة التي هي ناموس الإيمان- محبة الله التي هي في قلوبنا، ومنسكبة فيها ويكون الرجاء في الله كاملا فيها- هذا الصلاح يمكن أن تصنعه النفس- لا يبرأ بالخوف من العقاب ولكن بمحبة البر.
الفصل (52): النعمة تثبت الإرادة المطلقة
أفنبطل إذاً الإرادة المطلقة بالنعمة؟ حاشا كلا فإننا نثبت الإرادة المطلقة لأنه حتى ناموس الإيمان لا يبطل الإرادة المطلقة بل يثبتها. لأنه لا يتم الناموس إلا بإرادة مطلقة ولكن بالناموس معرفة الخطية، بالإيمان إحراز النعمة ضد الخطية، بالنعمة شفاء النفس من مرض الخطية، بصحة النفس حرية الإرادة، بالإرادة الحرة محبة البر، بمحبة البر إتمام الناموس.
وبناءاً على ذلك فإن الناموس لم يبطل بل أثبت بالإيمان لأن الإيمان ينال النعمة التي بها يتم الناموس لذلك فإن الإرادة الحرة لا تبطل بالنعمة بل تثبت لأن النعمة تعالج الإرادة التي بها يصبح البر محبوبا جدا.
والآن فكل المراحل التي جمعتها مما في ربط متوالٍ لها أصواتها الخاصة في الكتب المقدسة: يقول الناموس “لا تشته” (خر20: 17) ويقول الإيمان “اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك” (مز 41: 4) ويقول النعمة: “ها أنت قد برئت فلا تخطيء أيضا لئلا يكون لك أشر” (يو5: 14) وتقول الصحة: “يا رب إلهي استغثت بك فشفيتني” (مز30: 2) وتقول الإرادة المطلقة: “أذبح لك منتدبا” (مز54: 6)
وتقول محبة البر: “المتكبرون قد كروا لي حفائر ذلك ليس حسب شريعتك ” (مز119-85). إذاً كيف يجرأ هؤلاء الناس المساكين أن يفتخروا إما بإرادتهم الحرة قبل أن يتحرروا أو بقوتهم الذاتية لو كانوا قد تحرروا؟
أنهم لم يدركوا أن مجرد ذكرهم للإرادة الحرة ينطقون اسم الحرية. ولكن “حيث روح الرب هناك حرية” (كو3: 17) فلذلك لو كانوا عبيدا للخطية فلماذا يفتخرون بالإرادة الحرة؟ لأنه ما انغلب منه أحد فهو لو مستعبد أيضا (2بط2: 19) ولكن إذا تحرروا لماذا يفتخرون بأنفسهم كما لو كان هذا من فعلهم ويفتخرون كما لم يأخذوا؟ أو هل يتحرون لدرجة أنهم لا يختارون الله رباً لهم الذي يقول لهم: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو15: 5) “وإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا”؟ (يو8: 36)
الفصل(53): الإرادة والمقدرة
بيسأل البعض هل الإيمان نفسه الذي يبدو منه أن يكون إما بذاته الخلاص أو بداية لتلك السلسلة التي تقود إلى الخلاص التي ذكرتها سابقا- يكون في مقدرتنا يمكننا أن نرى ذلك بسهولة إذا درسنا جيدا معنى كلمة “مقدرتنا” إذاً يوجد شيئان: الإرادة والمقدرة؛ من المتبع أن ليس كل من عنده الإرادة عنده بناءاً عليها المقدرة أيضا لأننا أحيانا نريد شيئا لا نقدر أن نفعله وكذلك أيضا أحيانا يمكننا عمل شيء لا نريده وعندما نتأمل جيدا الكلمات نفسها سنكتشف أن كلمة “volition” مشتقة من willingness – وكلمة “ability” مشتقة من “ableness” [that is, in the Latin “volutes” choice, will, volition comes from “velle” (to wish, desire, determine) and patestas (power, ability) from posse” (to be able).-w] “
بناءاً على ذلك فإن الإنسان الذي يرغب له الإرادة، كذلك أيضا الذي يقدر له المقدرة- ولكن لابد أن توجد الإرادة لكي يتم فعل شيء بالمقدرة. إذ أن عادة لا يفعل أي إنسان شيئا بمقدرته لو فعله كرها بالرغم من، في نفس الوقت، لو لاحظنا بأكثر تدقيقا- حتى الشيء الذي أجبر الإنسان أن يفعله كارها فهو يفعله بإرادته؛ إلا أنه يدعي فاعل غير راغب أو يفعل ضد إرادته لأنه يفضل شيئا آخر.
أنه بالحقيقة مجبرا ببعض التأثير السماء أن يفعل ما يفعله تحت إجبار راغبا في تخلصه أو إزالته من طريقة. لأنه لو كانت إرادته قوية جدا حتى أنه يفضل أن لا يفعل هذا لكي لا يعاني من تلك وفوق كل شك فإنه يعارض النفوذ الإجباري ولا يفعله. وبناءاً على ذلك لو فعله فلا يكون بإرادة كاملة وحرة.
ولا يقبله أيضا بدون إرادة وبما أن الإرادة يتبعها تأثيرها فلا نقدر أن نقول أنه يحتاج إلى المقدرة على فعله- وإذا رغب في الحقيقة أن يفعله مستسلما للإجبار ولكنه لم يستطع بالرغم من أننا لو سمحنا بوجود إرادة مجبرة فسوف نقول أيضا أن المقدرة لم تكن موجودة. ولكن عندما لم يفعل الشيء لأنه كان غير راغب إذاً بالطبع كانت المقدرة موجودة ولكن الإرادة لم تكن موجودة لأنه لم يفعله بصده للتأثير المجبر.
لهذا فإن حتى الذين هم يجبرون أو يقنعون اعتادوا أن يقولوا لماذا لم تفعل ما في مقدرتك، لكي تتجنب هذا الشر؟ بينما الذين هم غير قادرين تماما أن يفعلوا ما أجبروا على عمله لأنهم افترضوا أن يكونوا قادرين دائما ويجيبون مشتكين أنفسهم ويقولون كنت أحب أن أفعله لو كان ذلك في مقدرتي. فماذا نطلب أكثر لأننا نسمي المقدرة عندما تضاف إلى الإرادة كفاءة العمل؟ بناءاً على ذلك يقال أن كل فرد يفعل ما في مقدرته إذا أراد- وأن لا يفعل إذا لم يرد.
الفصل (54): هل الإيمان في مقدرة الإنسان
أصغ الآن إلى النقطة التي نطرحها للمناقشة: هل الإيمان في مقدرتنا؟
نحن نتكلم عن ذلك الإيمان الذي نستعمله عندما نصدق أي شيء وليس ذلك الذي نعطيه عندما نصنع وعدا، لأن هذا يسمى إيمان.
نحن نستعمل الكلمة بمعنى عندما نقول: “ليس عنده ثقة فيَّ” وبمعنى آخر عندما نقول:”لا يحفظ الثقة معي” وتعني الجملة الأولى” أنه لا يصدق ما أقوله” وتعني الجملة الثانية “أنه لم يفعل ما وعد به”
بموجب الإيمان الذي نؤمن به فإننا نكون أمناء لله ولكن بموجب ذلك الذي به يمر الشيء الذي يتعهد به الله نفسه يكون أمينا لنا، لأن الرسول يصرح: “الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون” (1كو10: 13)
إن الأول هو الإيمان الذي نسأل عنه هل هو في مقدرتنا؟ حتى الإيمان الذي به نصدق الله أو نؤمن بالله إذ أنه مكتوب عن هذا: “آمن إبراهيم بالله فحسب له براً” (رو4: 3-تك15: 6)
تأمل الآن إذا آمن أي شخص وكان كارها أو إذا لم يؤمن وكان يرغب ذلك مثل هذا الوضع في الحقيقة يعتبر غير معقول (لأن الذي يعتقد بل راضيا بصدق ما قيل؟ وهذا الرضى هو بكل تأكيد إراديا) لذلك فإن الإيمان هو في مقدرتنا. ولكن مثل ما يقول الرسول: “لأنه ليس سلطان إلا من الله” (رو13: 1) فماذا يكون السبب إذاً لماذا لم يقل لنا حتى عن هذا: “لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟” (1كو4: 7) لأنه حتى الله هو الذي يعطينا أن نؤمن. ومهما كان فإننا نجد أصلا هذا التصريح في الكتاب المقدس مثل: ليست مشيئة إلا وتأتي من الله.
وبالحقيقة لم تكتب كذلك لأنها ليست صادقه. وإلا سيكون الله منشيء الخطايا (حاشا!) وإذا لم تكن هناك إرادة أخرى سوى التي تأتي من الله نظرا لأن أي إرادة شريرة هي وحدها خطية إذا كانت بدون سبب- بمعنى آخر إذا لم تكن لها المقدرة. ولكن إذا أخذت الإرادة الشريرة المقدرة على إتمام غرضها فإن هذا يصدر عن حكم الله الذي به لا يوجد شر (رو9: 14) ويعاقب الله على هذا النمط، ولا يكون قصاصه غير عادل لأن هذا سرا
مع أن الإنسان الشرير لم ينذر بأنه سيعاقب إلا عندما يكتشف بغير إرادته بعقاب مكشوف كم ارتكب الشر بإرادته كثيرا.
هذا تماما ما قاله الرسول عن بعض الناس: “أسلمهم الله في شهوات قلوبهم…. ليفعلوا ما لا يليق” (رو1: 24، 28)
لذلك قال الرب أيضا لبيلاطس: “لم يكن لك علىَّ سلطان البتة لو لم يكن قد أعطيت من فوق” (يو19: 11) ولكن أيضا عندما تعطى المقدرة، فبكل تأكيد ليست هناك ضرورة مفروضة.
لذلك مع أن داود أخذ المقدرة على قتل شاول إلا أنه فضل مصارعته عن ضربه (1صم24: 7، 26: 9) لذلك أن الناس الأشرار يأخذون المقدرة لأجل الدينونه على إرادتهم الدنيئة بينما يأخذ الناس الصالحين المقدرة لكي يختبروا إرادتهم الصالحة.
الفصل (55): ما هو الإيمان الحميد
بما أن الإيمان إذاً هو في مقدرتنا نظراً إلى أن كل فرد يؤمن عندما يريد وعندما يؤمن يكون ذلك طوعاً ويكون تحقيقنا التالي الذي يجب أن نجريه بعناية: ما هو الإيمان الذي يمدحه الرسول بغيرة كبيرة؟ إذ أن الإيمان الذي لا يميز لا يعتبر صالحا.
لذلك نجد هذا التحذير: “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله” (1يو4: 1) ولا يجب أن عبارة مدح المحبة “التي تصدق كل شيء” (1كو8: 7) تفهم كذلك كما لو كنا تستخف بمحبة أي إنسان إذا رفض أن يصدق ما يسمعه في الحال لأن نفس المحبة تحذرنا أنه لا يجب علينا أن نصدق بسرعة أي شيء يقال على الأخ. وإذا قيل شيء من هذا النوع عنه فهل عدم تصديقه هذا يحسب مناسبا جدا لسجيته؟ أخيرا نفس المحبة “التي تصدق كل شيء” لا تصدق كل روح.
بناءاً على ذلك فإن المحبة تصدق كل شيء بدون شك ولكن تثق في الله. لاحظ أنه لم يقل أنها تثق في كل الأشياء لذلك لا يمكن أن يشك في أن الإيمان الذي يمدحه الرسول هو الإيمان الذي به نثق في الله (رو4: 3)
الفصل (56): يختلف إيمان الذين تحت الناموس من إيمان الآخرين
ولكن مع ذلك يوجد اختلاف آخر يجب أن نلاحظه
بما أن الذين هم تحت الناموس كل يسعى ليعمل بره خلال الخوف من العقاب، ويفشلون في عمل بر الله لأن هذا تم بواسطة المحبة للذي يسر فقط بما هو ليس شرعياً، وليس بالخوف الذي يجبر بأن يكون في عمله الشيء الشرعي- بالرغم من أنه عنده شيئاً آخر في إرادته الذي يفضله إذا كان هذا ممكنا أن هو ليس شرعياً يصبح شرعياً.
هؤلاء أيضاً يثقون في الله لأنهم لو لم يكن عندهم إيمان بالله بالطبع أيضاً لا يكون عندهم أي خوف من عقاب ناموسه ومع ذلك فليس هذا هو الإيمان الذي يمدحه الرسول فهو يقول: ” إذا لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبانا الآب” (رو15:8)
إذاً فالخوف الذي نتكلم عنه هو استعبادي ولذلك مع وجود إيمان بالرب إلا أنه لا يحب البر به بل يخاف العقاب. مع ذلك ينادي أولاد الله: “أبانا الآب” إحدى الكلمات التي ينطق بها الختان، والأخرى إحدى كلمات الغرلة. اليهودي أولا ثم اليوناني (رو9:2) “لأن الله واحد هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والغرلة بالإيمان” (رو30:3)
وفي الحقيقة عندما نطقوا هذا النداء فإنهم يطلبون شيئاً، وماذا يطلبون غير ذلك الذي يجوعون ويعطشون إليه؟ وماذا يكون هذا غير ذلك الذي قيل عنهم: “طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون” ؟ (مت6:5) – دع إذاً هؤلاء الذين تحت الناموس يجتازوا إلى هنا ويصبحوا أبناء بدل العبيد، وأيضاً لا يبطلون أن يكونوا عبيداً فقط بل أيضاً بينما هم أبناء مازالوا يخدمون ربهم وأبيهم بحرية لأن Only begotten :
“وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه” (يو12:1) وقد نصحهم الله أن يسألوا ويطلبوا ويقرعوا لكي يعطوا ويجدوا ويفتح لهم (مت7:7)
لذلك فإن ذلك الناموس الذي هو قوة الخطية يشعل شوكة الموت وحتى الخطية وهي متخذه فرصة بالوصية أنشأت كل شهوة فيهم، فمن الذي يجب أن يطلبون منه عطية العفة تسوى الله الذي يعرف كيف يعطي أولاده عطايا صالحة؟
ربما مع ذلك يكون إنسان في حماقته غير دارٍ بأن لا أحد يستطيع عفيفاً إلا إذا أعطاه الله هذه العطية وفي الحقيقة لكي يعرف هذا فهو يطلب الحكمة نفسها (الحكمة 21:8) لماذا إذاً لم ينصت لروح أبيه متكلما على لسان رسول المسيح أو حتى المسيح نفسه الذي يقول في إنجيله ” اطلبوا تجدوا ” (مت7:7) والذي يقول أيضاً بواسطة رسوله:
” إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطي له ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة” (يع 5:1، 6) هذا هو الإيمان الذي يحيا به البار (رو 1: 17) هذا هو الإيمان الذي به يؤمن بالذي يبرر الفاجر (رو5:4) – هذا هو الإيمان الذي بواسطته انتفى الافتخار (رو27:3) إما بتقهقر ذاك الذي به نصبح منتفخين بأنفسنا أو بقيامة ذاك الذي معه نتمجد في الرب.
هذا أيضا هو الإيمان الذي به ننال هبة “الروح” الذي قيل عنها: “فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء بر” (غلا5:5) ولكن هذا يسلم أيضا بسؤال إذا قصد “برجاء بر” ما يرجوه البر أو الذي به يكون البر هو نفسه ما نرجوه؟ لأن البار الذي يحيا بالإيمان يرجو الحياة الأبدية دون أدنى شك وكذلك الإيمان الذي يجعل الجياع والعطاش إلى البر يتقدمون به بتجديد الداخل يوما فيوما (2كو16:4) ويرجو أن يشبع به في الحياة الأبدية. حيث يتحقق ما قيل عن الله في المزمور: “الذي يشبع بالخير عمرك” (مز5:103).
وأيضا هذا هو الإيمان الذي به خلصوا والذين قيل عنهم: “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد. لأننا نحن مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها” (أف8:2-10) وهذا باختصار هو الإيمان الذي لا يعمل بالخوف بل بالمحبة (غلا6:5) ليس بالخوف من العقاب ولكن بمحبة البر.
لذلك من أين تنشأ هذه المحبة – أي الود – بأي إيمان تعمل إذا لم يكن من نفس المصور الذي يأخذ منه الإيمان نفسه؟ لذلك لا يمكن أن يكون داخلنا حتى تتسع فينا إلا إذا انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رو5:5).
والآن “محبة الله” وقد انسكبت في قلوبنا ليس لأن الله يحبنا ولكن لأنه جعلنا أحباء له بالضبط مثل “بر الله” (رو21:3) تستعمل بمعنى أننا نصير أبراراًَ بواسطة عطية الله.“وأيضاً خلاص الرب” (مز3: 8) بمعنى أننا به نخلص وأيضاً “الإيمان بيسوع المسيح” (غلا16:2) لأنه يجعلنا مؤمنين به – هذا هو بر الله الذي لا يعلمنا إياه فقط بوصية ناموسه بل أيضا يمنحنا إياه بروحه القدوس.
الفصل (57): من أين تأتي الإرادة التي تجعلنا نؤمن
باختصار يبقى لنا أن نسأل, هل الإرادة التي بها نؤمن تكون نفسها عطية من الله أم إنها تنشأ من تلك الإرادة المطلقة التي غرست طبيعيا فينا؟
إذا قلنا إنها ليست عطية من الله فلابد إذاً أن نتعرض للخوف من افتراضنا إننا اكتشفنا بعض الإجابة على نداء الرسول التوبيخي: “لأنه من يميزك وأي شيء لم تأخذه. وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟ (1كو7:4) وحتى مثل هذه الإجابة: “انظر أن لدينا الإرادة أن نصدق الذي لم نأخذه انظر في أي شيء تفتخر حتى فيما لم نأخذ!
ومع ذلك سيكون سخيفا لو قلنا أن هذا النوع من الإرادة لا يعتبر شيئا بجانب عطية الله كي لا يستطيع الغير المؤمنين والفجار أن يجدوا بعض العذر لعدم إيمانهم في حالة رفض الله إعطائهم هذه الإرادة والآن هذا الذي يقوله الرسول: “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (في13:2)
يخص تلك النعمة التي يحميها الإيمان لكي تكون الأعمال الصالحة في مقدرة الإنسان حتى الأعمال الصالحة التي يتممها الإيمان بالمحبة التي تنسكب في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا إذا آمنا إنه يمكننا أن ننال هذه النعمة (وطبعا نؤمن اختياريا) حينئذ يظهر السؤال. من أين نحصل على هذه الإرادة؟ إذا كانت من الطبيعة فلماذا لا تكون تحت أمر كل إنسان لأن الله هو وحده خلق كل الناس؟
وإذا كانت من عطية الله, فلماذا إذاً لم تتح (تمنح) هذه العطية للجميع لأن: “الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون”؟ “(1تي4:2).
(الفصل 58): إرادة الإنسان الحرة هي قوة متوسطة
دعنا أول كل شيء نطرح هذا الاقتراح ونرى هل يكفي الموضوع الذي هو أمامنا: الإرادة الحرة التي هي طبيعيا أعطاها الله لعقلنا السديد في مثل هذه القوة المتوسطة مثل استطاعتها أما أن تميل ناحية الإيمان أو تتحول إلى عدم الإيمان ونتيجة لذلك فلا يمكن أن يقال أن الإنسان له تلك الإرادة التي بها يؤمن بالله دون أن يأخذها لأن هذا صور في نداء الله بعيدا عن الإرادة الحرة الذي يأخذها الإنسان طبيعيا عندما خلق. لأن الله بدون شك يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تي4:2)
ولكن مع ذلك لا ينتزع منهم الإرادة المطلقة لأن الاستعمال الصالح أو السيئ لما يستطيعون عمله لابد أن يقدر على أساس من البر وتكون هذه هي حالة من لا يؤمنون الذين يفعلون ضد إرادة الله عندما لا يؤمنون بإنجيله ومع ذلك لا يخضعون لإرادة ولكن يسلبون أنفسهم من الصلاح العظيم بل الأعظم ويومتون أنفسهم في استحقاقات العقاب وبالخبرة مقضي عليهم بسلطان الله في العقاب الذين استهانوا برحمته في عطاياه.
وهكذا فإن إرادة الله لا تقهر على الأبد ولكن تقهر إذا لم تدبر ماذا تفعل مع مثل هؤلاء الذين يستهينون بها أو إذا استطاع هؤلاء المستهينون بأي طريقة الهروب من العقاب الذي رسمه الله لمثل هؤلاء وعلى سبيل المثال. افترض أن سيدا جاء يقول لخدامه أريدكم أن تعملوا في كرمي. وبعد إتمام العمل ستعيدون وتأخذون الراحة. ولكن الذي في نفس الوقت يستدعى آخر رفض أن يعمل في المعصرة على الدوام.
من الواضح أن الذي أهمل مثل هذا الأمر سيتصرف عكس (ضد) إرادة السيد, ولكنه سيفعل أكثر من ذلك ويقهر تلك الإرادة إذا هرب من المعصرة. ومع ذلك فإن هذا لا يمكن أن يحدث تحت تدبير الله لذلك كتب “الكلمة كان عند الله” وهذا لا ينقض بالرغم من أن العبارة يمكن أن تشير إلى “كلمة الله الواحدة” (يو1:1) وحينئذ يضيف ما نطقه الله والذي لا ينقض قائلا: “مرة واحدة تكلم الرب وهاتين الاثنتين سمعت أن العزة لله ولك يارب الرحمة لأنك تجازي الإنسان كعمله” (مز12,11:62).
وبناءاً على ذلك سيكون مذنبا عند دينونة الله تحت سلطانه, من يفكر بازدراء لرحمة الله لكي يؤمن به. ولكن كل من يثق في الله ويخضع له لأجل غفران كل خطاياه, لأجل شفاء كل فساده, لأجل تحسين وإضاءة نفسه بحرارة الله ونوره سينال أعمالا صالحة بنعمته وبهذه الأعمال (Exquilus) سوف يكون متخلصا من فساد الموت حتى في جسده, راضيا بالبركات ليس وقتيا بل أبدياً. أكثر مما يطلب أو يدرك
الفصل (59) الرحمة والعطف في حكم الله
هذا هو الأمر الذي رأيناه في المزمور. حيث قيل: “باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك (مز2:103-5) ولئلا بأي فرصة تضيع هذه البركات العظيمة لعيب إنساننا العتيق وهذا يكون حالة مميتة ويقول المرتل في الحال: “يتجدد مثل النسر شبابك” (مز5:103) وكأنه يقول أن كل ما سمعته يخص الإنسان الجديد والعهد الجديد.
والآن لنتأمل معا باختصار هذه الأشياء وبتأمل مفرح مدح الرحمة التي هي لنعمة الله. فهو يقول: “باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته” لاحظ إنه لم يقل بركاته (Non tributiones sed retributions) لأن الله يجازي عن الشر بالخير.
“الذي يغفر جميع الذنوب” وقد تم هذا في سر العماد. “الذي يشفي جميع أمراضك” وهذا يتأثر به المؤمن في الحياة الحاضرة بينما الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد حتى لا نفعل الأشياء التي نريدها وبينما أيضا ناموسا آخر في أعضاءنا يحارب ناموس ذهننا. (رو23:7) بينما في الحقيقة الإرادة حاضرة عندنا ولكن ليست لعمل ما هو صالح (رو18:7) هذه هي أمراض الإنسان ذو الطبيعة القديمة الذي مع ذلك لو تقدمنا بفرض مثابر سنشفى بنمو الطبيعة الجديدة يوما فيوما بالإيمان العامل بالمحبة (غلا6:5).
“الذي يفدي من الحفرة حياتك” وسيكون هذا عند قيامة الأموات في اليوم الأخير “الذي يكللك بالرحمة والرأفة” وسيتم ذلك في يوم الدينونة إذ عندما يجلس ملك المجد على عرشه ليجازي كل واحد حسب أعماله, حينئذ من سيفتخر بأن له قلبا نقيا. أو من سيفتخر بأنه نظيفا من الخطية؟
بناءاً على ذلك فإنه من الضروري أن نذكر رحمة الله ورأفته هناك حيث يتوقع الإنسان مطالبة ديونه ومكافأة ثوابه بطريقة دقيقة جداً كأنه لا يكون موضع للرحمة. لذلك فهو يكلل بالرحمة والرأفة ولكن أيضا حسب الأعمال لأنه سيقف على اليمين الذين قيل لهم: جئت فأطعمتموني” (مت 35:25) ومع ذلك فسيكون أيضا: “الحكم بدون رحمة” ولكن لأجله “الذي لم يعمل الرحمة” (يع13:2)
ولكن “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون” من الله (مت7:5) حينئذ بينما يذهب من هم على اليسار إلى النار الأبدية سيذهب الأبرار أيضا إلى الحياة الأبدية (مت46:25) لأن الله يقول: “هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو3:17) وبهذه المعرفة وبهذه النظرة وبهذا التأمل ستشبع رغبة نفوسهم لأنها لا ترغب في شيء غير ذلك فلا يكون لها هناك شيئا أكثر من ذلك لترغبه, تشتاق إليه أو تطلبه. لقد كان اشتياقا بعد هذا السرور الكامل حتى أن قلبه اشتعل الذي قال للرب يسوع: “أرنا الآب وكفانا” وكان رده عليه: “الذي رآني فقد رأى الأب” لأنه الله نفسه هو الحياة الأبدية لكي يعرف الناس الإله الحقيقي وحده ويسوع المسيح الذي أرسله.
ومع ذلك لو أن الذي رأى الابن فقد رأى الآب أيضا إذاً بكل تأكيد أن الذي يرى الآب والابن يرى أيضا الروح القدس للأب والابن. لذلك لا نبطل الإرادة الحرة مادامت نفوسنا تبارك الرب ولا ننسى كل حسناته (مز2:103) ولا يجهلها ببر الله تريد إثبات برها الخاص (رو3:10)
ولكنها تؤمن بالله الذي يبرر الفاجر (رو5:4) وعندما تصل إلى الاضطلاع تحيا بالإيمان بل الإيمان العامل بالمحبة (غلا6:5)
وهذه المحبة تنسكب في قلوبنا لا بمقدرة إرادتنا ولا بحرف الناموس ولكن بالروح القدس المعطي لنا (رو5:5)
الفصل (60) الإرادة التي تجعلنا نؤمن هي من الله
ليت هذه المناقشة تكفي لو قابلت المشكلة التي يجب علينا حلها طبق المرام. مع ذلك قد يكون هناك معارضة في الإجابة حتى أنه يجب أن نتخذ حذرنا لئلا يفترض البعض أن الخطية التي ترتكب بإرادة مطلقة ننسب إلى الله لو في العبارة التي فيها يكون السؤال:
“لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ”؟ (1كو7:4) نفس الإرادة التي بها نؤمن تحسب كعطية من الله لأنها تقوم من الإرادة المطلقة التي أخذناها عن خلقتنا ومع ذلك ليت الذي يعارض يدرك جيداً أن هذه الإرادة تنسب إلى العطية الإلهية ليس فقط لأنها تنشأ من إرادتنا المطلقة التي خلقت معنا طبيعيا, ولكن أيضا لأن الله يؤثر فينا بدوافع شعورنا أن نريد وأن نؤمن إما خارجيا بواسطة نصائح إنجيله حيث تفعل أوامر الناموس شيئا لو أنها للآن تنذر الإنسان بضعفه حتى أنه يسلم نفسه للنعمة التي تبرر بالإيمان. أو من داخلنا حيث لا يكون لأحد حكما على ما يدخل من أفكاره بالرغم من كونها تقبل أو ترفض بإرادته الخاصة.
لأن الله لذلك في مثل هذه الطرق يؤثر في الفعل السديد لكي يؤمن به ( بالتأكيد ليس هناك مقدرة للإيمان مهما تكن في الإرادة المطلقة إذا لم يكن هناك إقناع أو أوامر تجاه من نؤمن به) وبالتأكيد فإن الله هو الذي يحرك في الإنسان الرغبة للإيمان ويمنعنا برحمته من كل الأشياء. وفي الحقيقة إن تسليمنا لأوامر الله أو مخالفتنا لها هو (كما قلت) من عمل إرادتنا وهذا لا يبطل فقط ما قيل! “لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ ” (1كو7:4 ) ولكنه في الحقيقة يؤكدها ويثبتها. لأن العقل لا يقدر أن يأخذ ويملك هذه العطايا التي أشير إليها هنا إلا بتسليمه رضاه وهكذا كل شيء يملكه وكل شيء يأخذه يكون من الله وأيضا بالطبيعة عمل الأخذ والملكية يرجع لمن يأخذ ولمن يملك.
والآن لعل أي إنسان يمنعنا من دراسة هذا السر العميق لماذا هذا الشخص اقنع حتى الاستسلام وشخص آخر لم يقتنع, يوجد شيئان يخطران لي وهما ما أحب تقديمهما كإجابة: “يا لعمق غنى الله” (رو33:11).
“وألعل” عند الله ظلما؟” (رو14:9).
إذا لم يرض أي إنسان بمثل هذه الإجابة فيجب عليه أن يطلب مناظرات أكثر علما ولكن ليته يحذر لئلا يكون مناظرات جسوره.
الفصل (61) خاتمة العمل
وأخيرا دعنا نضع نهاية لكتابنا – اعتقد أننا أكملنا غرضنا كله بإسهابنا الكثير – ليس هذا الشك من جهتك يا “مرسيلينوس” إذ إنني أعرف إيمانك ولكن من جهة عقول أولئك الذين لأجلهم طلبت مني أن اكتب الذين يعارضون دائما فكرتي ولكن (أن أتكلم دون ذكر الله الذي يتحدث عن رسله) وخصوصا ضد ليس فقط أن الرسول العظيم بولس. ولكن أيضا ضد غيرته القوية وجداله العنيف مفضلين التمسك بإصرار على وجهة نظرهم دون الاستماع لله عندما “يطلب منهم برأفة الله”
ويخبرهم قائلا: “بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي بل يرتئي إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان” (رو3,1:12).
الفصل (62) عودته إلى السؤال الذي وجهه إليه مارسيلينوس
لكني أرجوك أن تلتفت إلى السؤال الذي وجهته لي وأيضا إلى ما استخدمناه من الأساليب المطولة لهذه المناقشة إنك كنت مرتبكا لما قلته بأنه كان من الممكن للإنسان أن يكون بدون خطية بمساعدة الله إذا أراد – بالرغم من أن لا أحد في الحياة الحاضرة يمكنه أن يحيا, كان حيا أو سيحيا بمثل هذا وقد قلت:
“لو سئلت هل من الممكن لإنسان أن يكون بدون خطية في هذه الحياة. فإنني سأسمح بالإمكانية بنعمة الله وبإرادة الإنسان المطلقة وبدون شك فإن الإرادة المطلقة هي في حد ذاتها من نعمة الله التي هي ضمن عطايا الله ليس فقط بالنسبة لوجودها بل أيضا من جهة صلاحها. التي هي تلتمس بنفسها تنفيذ وصايا الله ولذلك فإن نعمة الله لا تبين فقط ما يجب أن يفعل بل أيضا تساعد على إمكانية فعل ما تبينه”. (see his work preceding this, De peccat Meritis 11.7.)
يبدو أنك تظن أنه غير معقول أن شيئا كان ممكنا لا يكون له مثالا من هنا نشأ الموضوع الذي نعالجه في هذا الكتاب.
وهكذا قد دار في نفسي أن أظهر شيئا كان ممكنا بالرغم من عدم وجود أي مثال له. ولذلك فقد اقتبسنا بعض حالات من الإنجيل ومن الناموس في بداءة هذا العمل. مثل مرور جمل من ثقب أبره (مت24:19).
والاثنى عشر جيشا من الملائكة الذين يقدرون الدفاع عن المسيح. إذا أراد (مت53:26) وأيضا تلك الأمم الذين قال عنهم الله أنه يقدر أن يبيدهم في الحال من وجه شعبه – لم تتحول أبدا إحدى هذه الاحتمالات إلى حقيقة ويمكن أن يضاف إلى هذه الحالات تلك التي أشير إليها في كتاب الحكمة (حكمة16) مفترضا كثرة الآلام والعذابات التي كان الله قادرا أن يستعملها ضد الفجار باستخدام المخلوق الذي كان طوع إشارة الله. ومع ذلك لم يستعملها.
وأيضا يستطيع إنسان أن يشير إلى ذلك الجبل الذي بالإيمان يطرحه في البحر. بالرغم من أنه لم يتم أبدا لغاية ما قرأنا وسمعنا.
وقد رأيت كيف أنه يكون الإنسان غافلا وجاهلا إذا قال أن إحدى هذه الأشياء غير مستطاعة عند الله. وكيف تكون معارضته لمعنى الكتاب المقدس هي تأكيده – وحالات أخرى كثيرة من هذا النوع يمكن أن تخطر لأي إنسان يقرأ أو يفكر في مقدرة الله التي لا يمكننا إنكارها بالرغم من عدم وجود أي مثال لها.
الفصل (63) معارضة
ولكن نظرا لأنه قد يقال أن تلك الحالات التي ذكرتها الآن هي أعمال إلهية بينما رغبتنا في الحياة الباره هي عمل من اختصاصنا. وقد تعهدت بأن أظهر أن حتى هذا أيضا هو عمل إلهي. وقد فعلت هذا في الكتاب ربما بتقرير قصار عن أن يكون ضروريا. بالرغم من أنه يبدو لي إنني تحدثت قليلا جدا ضد معارضي نعمة الله.
وأنني لم أسر أبدا في معالجتي لموضوع مثل هذا عندما جاء الكتاب المقدس بغزارته لمساعدتي وعندما يطلب السؤال المطروح للمناقشة أن “من يفتخر فليفتخر بالرب” (2كو17:10) وأننا يجب أن نترك قلوبنا ونعطي الشكر للرب إلهنا الذي منه “كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار” (يع17:1).
والآن إذا كانت عطية ليست عطية الله لأننا نصنعها بأنفسنا أو لأننا نعمل بعطية الله ثم لا يكون عملا من الله أن “جبلا يطرح في البحر” نظرا لأن, بناءاً على تقرير الرب أنه بإيمان الناس يكون هذا ممكنا.
وعلامة على ذلك فإن الله ينسب الفعل إلى عملهم الحالي: لو كان إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم [قارن (مت20:17), (مر23:11), (لو6:17)] لاحظ كيف أن الله قال: “لديكم” وليس “لدى الله” أو “لدى الآب” ومع ذلك فإنه من المؤكد أنه لا أحد يستطيع أن يفعل مثل هذا لاشيء بدون عطية وعمل الله.
انظر أن حالة البر الكامل ليس لها مثال بين الناس وأيضا هي ليست مستحيلة لأنها ممكن أن تتم إذا طلبت كثيرا كما يتطلب مثل هذا الشيء العظيم ومع ذلك يمكن أن يكون حسنا جدا لو خفي عنا إحدى تلك الظروف التي تخفي البر, وفي نفس الوقت أن هذا يبهج عقلنا حتى أنه مهما كان عائق السرور أو الألم قد يحدث هذه البهجة في القداسة سيشمل كل محبة منافسة
وإن هذا لا يتحقق ولا ينشأ من أي استحالة ذاتية ولكن ينشأ من عمل الله القضائي لأن من يقدر أن يكون جاهلا حتى أن ما يجب أن يعرفه ليس هو في مقدرة الإنسان, ولا يتبع ما قد اكتشف أن يكون موضوعا مرغوبا فيه هو الآن مطلوبا إذا لم يشعر هو أيضا بالبهجة في هذا الموضوع مطابقا بحقوقه على محبته؟. إذ أن هذا يخص حالة النفس.
الفصل (64) عندما تتم وصية المحبة
ولكن ربما يظن أحدا أننا لا نحتاج شيئا لمعرفة البر لأن الرب عندما شرح باختصار كلمته على الأرض. معلما إيانا أن كل الناموس والأنبياء يعتمدون على وصيتين (مت40:22) ولم يسكت عن بيانهما بل أعلنهما في الكلمات الواضحة: “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك وتحب قريبك كنفسك” (مت39,37:22) ماذا يكون أكثر تأكيدا من ذلك إذا تمت هذه يكون قد تم كل البر؟.
ولكن الذي يصنع تفكيره في هذه الحقيقة يجب أن يصغي جيدا إلى حقيقة أخرى في أشياء كثيرة نعثر جميعنا (يع2:3) بينما نفترض أن ما نفعله هو مبهج أو على كل حال ليس محزنا لله التي نحبه وبعد ذلك بتعلمنا (خلال كلمة الله الملهمة أو أخرى مع التحذير بطريقة واضحة وأكيدة بعض الشيء) ما هو ليس مسرا به لله فنصلي إليه لكي يسامحنا عند توبتنا.
إن حياة الإنسان مليئة بأمثلة هذا. ولكن من حيث يأتي إننا تعوزنا معرفة ما يسر به الله إذا لم يكن الله إلى هذه الدرجة غير معروفا لنا؟ “فإننا ننظر الآن في مرآة في “لغز” لكن حينئذ وجها لوجه” (1كو12:13) ومع ذلك من يتجاسر ويقول: “الآن أعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت”؟ (1كو12:13) كالتفكير في أن الذين هم سيرون الله لا يكون لديهم المحبة العظيمة له كالتي عند من يؤمنون به الآن؟ أو أنه يجب مقارنة الأولى بالثانية كأنهم قريبين جدا من بعضهما؟
والآن لو زادت المحبة تماما على قدر معرفتنا لفرضها تصبح أكبر خلاصا, ويجب علينا بالطبع أن نؤمن أنه كما أن هناك الآن نقصا كثيرا لإتمام البر هناك أيضاً نقصا في محبتنا له. في الحقيقة أن شيئا قد يكون معروفات أو يمكن تصديقه ومع ذلك ليس محبوبا ولكنه من المستحيل أن شيئا يمكن أن يكون محبوبا وهو ليس معروفا أو مصدقا ولكن لو القديسين في ممارسة إيمانهم استطاعوا الوصول إلى المحبة العظيمة أكثر التي (كما بين الرب نفسه) يمكن بيانها في الحياة الحاضرة. حتى يضعوا حياتهم لأجل الإيمان أو لأجل أحبائهم (يو13:15)
ثم بعد سفرهم هنا حيث يكون سيرهم بالإيمان عندما سيصلون إلى “العيان” للنهاية السعيدة (2كو7:5) التي نترقبها ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر (رو23:8) إذاً وبدون شك فإن المحبة ذاتها ستكون ليست فقط أعظم من التي نختبرها هنا ولكن أكثر مما نطلب أو نفتكر (أف20:3) وأيضا تكون ممكنة أكثر من: “من كل قلوبنا ومن كل نفسنا ومن كل فكرنا”.
إذ أنه لا يبق فينا شيئا يضاف إلى الكل لأنه لو بقى شيئا لا يكون هو الكل لذلك فإن أول وصية عن البر التي تأمرنا بمحبة الرب بكل القلب والنفس والفكر (مت37:22) (والثانية إننا نحب أقربائنا كأنفسنا) وسنكمل تماما, في تلك الحياة عندما نكون وجها لوجه (يع2:3).
وحتى الآن تبقى هذه الوصية لكي نقدر أن نتذكر بها ما يجب أن نطلبه بالإيمان وما نترقبه في رجائنا “وننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام” (في13:3) وهكذا كما يبدو لي أن الإنسان قد تقدم كثيرا حتى في الحياة الحاضرة في البر الذي سيكتمل بعد ذلك الذي اكتشف بنفس هذا السير كيف إنه نقل بعيدا من إتمام البر.
الفصل (65) في أي مغزى يمكن أن يتحقق البر الطاهر في هذه الحياة
ومع ذلك نظرا لأن براً أقل يمكن أن يقال أنه مناسبا لهذه الحياة, بينما يحيا البار بالإيمان (رو17:1) مع أنه غائبا عن الرب, ولذلك نسلك بالإيمان لا بالعيان (2كو7:5) وقد يقال دون عبث, بدون شك بخصوص أنه حرا من الخطية لأنه يجب أن لا تنسب له كخطأ, حتى لا يكون حتى الآن كافيا لمثل عظمة المحبة لله كأنه يرجع إلى الحالة النهائية, الكاملة.
الصحيحة منها. إنه شيء واحد للفشل في الحاضر من الوصول إلى كمال, وشيئا أخر يكون منقادا للشهوة لذلك يجب على كل إنسان أن يمتنع عن كل رغبة محرمة بالرغم من إنه يحب الله الآن أقل كثيرا مما يمكنه أن يحبه عندما يصبح الله شيئا منظورا بالضبط مثل الحالات المرتبطة بمعانٍ جسدية, العين لا تأخذ أي سعادة من أي نوع من الظلام بالرغم من أنها قد لا تقدر أن تنظر بنظرة حادة وسط الضوء البراق.
دعنا فقط نفحصها لكي نرتب نفس الإنسان في هذا الجسد القابل للفساد, لكي مع أنه لم يبتلع حتى الآن ولم يفن حركات الشهوة الأرضية في ذلك الكمال السامي لمحبة الله. مع ذلك فإنها البر الأقل من الذي أشرنا إليه لا تعط أي رضا, قبول للشهوة السابق ذكرها لغرض أحداث أي شيء محرم. لذلك بخصوص تلك الحياة الباقية فإنه حتى الآن يمكن تطبيق الوصية : “حب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك” (تث5:6)
ولكن بخصوص الحياة الحاضرة يكون الآتي: “لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته” (رو12:6) وأيضاً بالنسبة للأولى “لا تشته” (حز17:2) وبالنسبة للأخرى “لا تتبعوا شهواتكم” (Ecclus xv111.30)
بالنسبة للأولى يكون عدم البحث عن شيء أكثر من الاستمرار في حالته الكاملة وبالنسبة للأخرى تخص بنشاط عمل الواجب المؤتمن عليه وأن يتمنى مكافأة له على كمال الحياة المستقبلة لكي في الأولى قد يحيا الإنسان البار إلى الأبد أكثر من تلك السعادة التي كانت في هذه الحياة موضوع رغبته. وفي الأخرى قد يحيا بذلك الإيمان الذي تبقى عليه رغبته لأقصى السعادة كنهايته الأكيدة.
وبكون هذه الأشياء كذلك فسيكون خطية في الإنسان الذي يحيا بالإيمان ليرضى بفرح مُحَّرم بارتكابه ليس فقط أفعال مخفية وجرائم بل أيضاً أخطاء زهيدة, خاطئا, لو أعطى أذنه لكلمة لا يجب سماعها, أو لسانه لعبارة لا يجب نطقها, خاطئا, إذا قبل فكره في قلبه مثل رغبته في أن تكون اللذة الشريرة مباحة مع أنه معروف أن الوصية تحرمها إذ أن هذا يؤدي إلى قبول الخطية التي تنفذ بكل تأكيد ما لم يمنعها خوف العقاب بوجود مثل هؤلاء الناس الأبرار بينما يحيون بالإيمان فليس هناك الحاجة أن نقول:
“أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا”؟ (مت12:6) وهل يثبتون عدم صحة ما هو مكتوب “إن قلنا أن ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا؟” (1يو8:1)
و “ليس إنسان لا يخطئ” (1مل46:8) وأيضا “لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحا ولا يخطئ” (جا20:7) قد عبر عن كل هذه الحالات بصيغة المستقبل وليس في الماضي وكل مواضع هذا المال في الكتاب المقدس؟ لأن مع ذلك هذه العبارات لا يمكن أن تكون كاذبة, وتأتي لي فكرة واضحة أنه مهما يكن نوع أو درجة البر التي قد ننسبها حتميا للحياة الحاضرة لا يوجد إنسان يحيا فيها حرا من كل خطية وأنه من الضروري لكل إنسان أن يعطي حتى يعطى له (لو38,30:6).
وأن يغفر حتى يغفر له (لو4:11) ومهما كان بره لا يجب أن يحبه من نفسه ولكن من نعمة الله التي تبرره وما يزال في عطشه وجوعه للبر (مت6:5) من الله الذي هو خبز الحياة (يو51:6) والذي به ينبوع الحياة (مز9:36) الذي يعمل في قديسيه بينما يجاهدون وسط إغراء هذه الحياة, إن تبريرهم في مثل هذه الطريقة حتى أن الله يعطيهم بسخاء عندما يطلبون ويسامحهم عندما يعترفون.
الفصل (66) بالرغم من أنه لا يوجد هنا في الأرض البر الكامل إلا إنه غير مستحيل
ولكن دع المعارضين لو استطاعوا أن يجدوا أي إنسان بينما يعيش تحت سطوة هذا الفساد حيث لا يغفر له الله شيء إذا لم يعترفوا أن مثل هذا الشخص في نواله الصفة الصالحة أُعين ليس فقط بواسطة تعليمه الناموس الذي أعطاه الله, ولكن أيضا يسكب روح النعمة وسيتعرضون لتهمة الشر نفسها ليس لهذه أو لتلك الخطية.
وبالطبع فإنهم غير قادرين تماما لاكتشاف مثل هذا الإنسان إذا أخذوا بطريقة مناسبة البرهان على كتابه الله وأيضا لكل ذلك لا يجب بأي وسيلة أن يقال أن ليس عند الله الإمكانية التي بها تعضد إرادة الإنسان حتى تكتمل في كل جهة حتى الآن في الإنسان ليس ذلك البر الذي يكون بالإيمان فقط (رو6:10) بل أيضا ذلك الذي يتفق مع ما يجب علينا في القريب أن نحيا إلى الأبد في نظر الله. إذ أننا لو أردنا الآن أن هذا الفاسد في أي إنسان يلبس عدم فساد (1كو53:15) ونطلب منه أن يعيش بين إناس فانيين (بشريين) (ليس مقضي عليه بالموت) حتى يسترد تماما وكلية طبيعته القديمة.
ولا يكون في أعضائه ناموسا يحارب ناموس ذهنه. (رو23:7) وعلاوة على ذلك فإنه سوف يكتشف وجود الله في كل مكان كما سيعرفونه القديسين ويشاهدونه بعدئذ. من يستطيع أن يخاطر بحماقة ويؤكد أنه هذا مستحيل؟ ومع ذلك فإن الناس يسألون لماذا لم يفعل الله هذا ولكن الذين يقدمون السؤال لا يحسبون كما يجب حقيقة أنهم بشر كما إنني متأكد تماما أنه كما أن ليس شيء مستحيل عند الله (لو37:1)
وكذلك أيضا ليس عند الله ظلما (رو14:9) وأنني متأكد أيضا أن الله يقاوم المستكبر ويعطي نعمة للمتواضع (يع6:4) وأنني أعرف أيضا أن الذي كانت له شوكة في الجسد, ضربه الشيطان لئلا يتعظم بلا حد قيل, عندما تضرع إلى الله أن يشفيه مرة, ومرتين وثلاث: “تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل” (2كو7:12-9) لذلك فيوجد في عمق أحكام الله الخفية سبب أكيد لماذا يستد كل فم عن مدح نفسه ويفتح فقط لشكر الله. ولكن ما هو هذا السبب الأكيد من يقدر أن يجيب, من يفحص, من يعرف؟
لذلك: “يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا. أو من سبق فأعطاه فيكافأ. لأن منه وبه وله كل الأشياء.
له المجد إلى الأبد أمين (رو33:11-36″)
أيها الابن المحبوب مارسيلينوس- أنني بعد قراءة الرسائل القصيرة التي أرسلتها لك أخيرا الخاصة بعماد الأطفال وبإتمام بر الإنسان، كيف يبدو أن لا أحد في هذه الحياة قد نال هذا البر أو كان يمكنه نواله ماعدا فقط الشفيع الذي تحمل الإنسانية في شبه جسد إنسان خاطىء دون أي خطيه مهما تكن،… وفي ردك عليَّ قد كتبت لي أنك ارتبكت (احترت) في النقطة التي أسلفتها في كتابي الثاني “جزاء الخطاه” إذ انه كان من الممكن للإنسان أن يكون بلا خطيه، إذا أراد عدم تنفيذ مشيئته وكان معضدا بمعونة الله؛
وأيضا ذلك لا يوجد سوى الذي فيه “سيحيا الجميع” (1كو15: 22) ولا أحد في وقت ما عاش أو يمكنه أن يعيش بهذا الكمال طالما يعيش في هذا العالم: وقد ظهر لك انه من غير المعقول أن نقول أن شيئا كان ممكنا دون ذكر أي مثال له،… مع أنني أظن (أفترض) أنك لن تتردد في قبول فكره أنه لم يحدث أبدا مرور جمل من ثقب إبرة (مت19: 24، 26)
ومع ذلك فقد قال الله أن حتى هذا كان مستطاعا عنده ويمكنك أيضا أن تقرأ أن اثنتا عشر ألف طغمة من الملائكة يمكنها أن تدافع عن المسيح وتنقذه من الآلام ولكن في الحقيقة لم تفعل ذلك وتستطيع أن تقرأ أنه كان من الممكن للأمم أن تباد في الحال خارج الأرض التي أعطيت لأولاد إسرائيل (تث31: 3) ومع ذلك فقد اختارها الله أن تفلح تدريجيا. ويمكن إنسان مقابله ألفا من الحوادث الأخرى، إمكانية الماضي أو المستقبل للذي يجب علينا أن نقبله في الحال، وأيضا لا نستطيع أن نتخذ أي براهين على ما حدث بالحقيقة في وقت ما.
وبناءاً على ذلك فإنه ليس من الصواب لنا أن ننكر إمكانية حياة الإنسان على الأرض بدون خطيه حتى أنه لا أحد بين الناس يمكن أن يوجد ما عدا “هو” الذي في طبيعته ليس إنسانا فقط بل الله أيضا الذي فيه يمكننا إثبات مثل هذا الكمال ذو الصفة الباقية.
No Result
View All Result
Discussion about this post