الإرشَادْ الرَسولي
رَجاءٌ جَديدٌ لِلُبنان
Speranza per Libano
وجّههُ بعد السينودُس
قَداسة البـَابا
يوحنـَّا بولس الثّاني
إلى البَطاركة والأساقفة
والإكليروس
والرُّهبان والرَّاهبات
وجميع المؤمنين
في لبنان
مقدمة
سينودسٌ للرجاء
1- رجاءٌ جديدٌ للبنان وُلد في أثناء جمعيّة سينودرس الأساقفة الخاصة. إن الربّ يدعو كاثوليك هذه الأرض المقدّسة إلى أن يعيشوا في “الرجاء [الذي] لا يخيب صاحبه، لأنَّ محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا” (رو 5 : 5). وهكذا يصبح المؤمنون بالمسيح في لبنان، وقد جدّدهم الله، شهود محبّته لدى جميع إخوتهم. وقد حرصت الكنيسة الكاثوليكية على أن تُشرك في مسيرتها ممثّلين عن مختلف الطوائف اللبنانيّة، مبيّنةً بذلك أن بناء المجتمع، عن طريق الحوار تتسم بالاحترام والمشاركة الأخويّة، إنما هو عملٌ مشتركٌ بين جميع اللبنانيّين.
لبنان بلدٌ طالما اتجهت إليه الأبصار. ولا يمكننا أن ننسى أنّه مهدُ ثقافةٍ عريقة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسّط. فلا يستطيع أحد أن يجهل اسم بيبلوس التي تذكّر ببدايات الكتابة. وفي هذه المنطقة من الشرق الأدنى، حيث أرسل الله ابنه ليحقّق خلاص جميع البشر، دُعي التلاميذ لأوّل مرة باسم مسيحيين (را: أع 11 : 19 – 26). لذلك ما لبثت المسيحيّة أن أصبحت عنصراً جوهرياً من ثقافة المنطقة، وبنوع خاص الأرض اللبنانية، تُغنيها اليوم تقاليد دينيّةٌ متعدّدة. ويقطنها مسيحيّون هم أعضاء في كنائس بطريركية مختلفة، وفي النيابة الرسولية اللاتينية. وهذا ما يجعل الشاب الكاثوليكي المعمَّد، منذ أن يتفتّح فيه الوعي، يعرف أنه مارونيّ أو روميّ ملكيّ كاثوليكي أو أرمنيّ كاثوليكي أو سريانيّ كاثوليكي أو كلداني أو لاتينيّ. هكذا ينفتح على الحياة المسيحية ويُدعى إلى اكتشاف شموليّة الكنيسة. ويقيم أيضاً في لبنان مسيحيّون من كنائس وجماعات كنسيّة أخرى. والقسم الآخر الهامّ من السكّان يتكوّن من مسلمين ودروز. هذه الجماعات المختلفة هي، بالنسبة إلى هذا البلد، ثروة وفرادةٌ وعقبة في آنٍ. غير أن إحياء لبنان، بالنسبة إلى جميع سكان هذه الأرض، إنّما هو مهمّة مشتركة.
في الاحتفال الإفخارستي الختاميّ للجمعية السينودسيّة قلتُ: “بالجميع حاجة إلى ما في المحبة من بُعد إجتماعي يتيح للناس أن يبنوا معاً. ونحن نعلم كم يحتاج لبنان، ولاسيّما إثرَ اختباراته الأليمة خلال عدّة سنوات من الحرب، إلى أن يبنيَ ويعيدَ البناء، سعياً إلى السلام العادل وإلى الأمان في علاقاته مع البلدان المجاورة”. وقد أشرتُ إلى أنّ التزام المسيحيّين أمرٌ هام للبنان، “الذي تتّسم جذوره التاريخية بالطابع الدينيّ. وبحكم هذه الجذور الدينية للهويّة اللبنانية الوطنيّة والسياسيّة، أتيح لنا وأردنا أن نعقد بعد سنيّ الحرب القاسية جمعيّة سينودسيّة، للبحث معاً عن السبيل إلى تجديد الإيمان، وإلى تعاونٍ أجدى، وشهادةٍ مشتركة أكثر فاعليّة، دون إغفال إعادة بناء المجتمع” (1). والكاثوليك مدعوّون بنوع خاصّ، بالتعاون مع مواطنيهم، إلى أن يخدموا المدينة الأرضيّة في مجال الخير العامّ، مُستقين من إيمانهم الهداية والمبادئ الأساسيّة للحياة في المجتمع.
2- عندما دعوتُ، في 12 حزيران 1991، سينودس الأساقفة إلى جمعيّة خاصة من أجل لبنان، كان وضع البلاد مأسويّاً، ولبنان مزعزعاً تماماً في كل مقوّماته. فدعوتُ الكاثوليك المقيمين على هذه الأرض إلى المباشرة بمسيرة صلاة وتوبة وارتداد تتيح لهم أن يتساءلوا أمام الرب عن أمانتهم للإنجيل وعن التزامهم الفعلّي في اتّباع المسيح. وكان على الرعاة والمؤمنين، من خلال عودةٍ إلى الذات يقومون بها بوعي وإيمان، أن يتمكّنوا من تمييز أفضل وتحديدٍ أدقّ للأولوّيات الروحيّة والرعائية والرسولية التي عليهم تعزيزها في وضع البلاد الراهن.
ومنذ البدء طلبتُ مشاركة الكنائس والجماعات الكنسيّة الاخرى في هذا الجهد، مُعلناً بذلك التوجّه المسكونيّ للجمعية السينودسيّة، إذ إنّ الرجاء، بالنظر إلى مستقبل لبنان، إنما هو مرتبطٌ أيضاً برجاء وحدة المسيحيّين. كما دعوت الجماعات الإسلامية و الدرزية إلى أن تشترك هي أيضاً في هذا المشروع؛ فلئن كان الموضوع يتعلّق أولاً بتجدُّد خاصّ بالكنيسة الكاثوليكية، غير أنّ المقصود منه في الوقت عينه إعادة بناء البلاد على الصعيدين الماديّ والروحي، وهذا شأن جوهريّ لدى الجميع. ولا يمكن تحقيقه إلاّ بمشاركةٍ ناشطةٍ من قبل جميع سكّانها.
لقيت هذه النداءات آذاناً مصغية، بِحَمْد الربَّ الذي يعمل في قلوب الناس ذوي الإرادة الصالحة. وتمت استشارة واسعةٌ لدى الكاثوليك. وورد أكثر من نصف الأجوبة من مسيّحيين علمانيّين، أرادوا بذلك أن يُفصحوا عن اهتمامهم، المتّسم غالباً بروح نقديّة، بمسعى التجديد الكنسيّ الذي كان من الموافق تحقيقه في هذا الإطار.
ودرس المجلس الإعدادي للسينودس الأجوبة الواردة، واقترح أن يكون موضوع السينودس: “المسيح رجاؤنا: بروحه نتجدّد، ومعاً للمحبة نشهد”. فتبنّيتُ بكامل الارتياح هذا الموضوع، وأعلنته شارحاً إيّاه في رسالة وجّهتُها إلى اللبنانيّين في حزيران 1992.
وصاغ المجلس الإعدادي، انطلاقاً من الأجوبة التي وردت إليه، وثيقةً أولى هامّة، هي وثيقة الخطوط العريضة التي أفادت من إسهاماتٍ كثيرة. وكان القصد من هذه الوثيقة حَمْلَ جميع الأشخاص المعنيّين على الصلاة والتفكير، خاصّة بطرح سلسلة من الأسئلة في كلّ من المواضيع. وبالتالي بات التفكير النقدي الذي بوشر به مليئاً بالوعود. فالارتداد يبدأ عندما يرتضي كل واحدٍ أن يتساءل عن كيفيّات وجوده وعمله، مقارناً إيّاها، بكلّ صراحةٍ، برسالة الإنجيل. وأسفر هذا العمل الدؤوب والمثمر عن أجوبة كثيرة قيّمة. ونُظّمت مؤتمرات حول مختلف المواضيع ونُشرت أعمالها. وأقام كثيرٌ من الرعايا حلقات تفكير، بُحثت فيها الخطوط العريضة فصلاً فصلاً. وأرسلت مجموعة من الأشخاص، متخصّصةٌ في هذا أو ذاك من الميادين، ما أعدَّته من إسهامات.
وأكبّ المجلس الإعدادي للسينودس على العمل، لكتابة نصٍّ يأخذ بعين الاعتبار مجمل الأجوبة الواردة. وكان لهذه الوثيقة أو أداة العمل أن تقدّم برنامج عمل لجمعية السينودس.
3- على أثر هذا العمل الإعدادي، التأمت جمعيّة سينودس الأساقفة الخاصّة بلبنان في روما نهار الأحد في 26 تشرين الثاني 1995. واستهلّت أعمالها باحتفال إفخارستي مشترك في كنيسة القديس بطرس البطريركية. وأظهرت الليترجيّا هذه ماهبة السينودس: احتفال في إطار الكنيسة. الوحدة في التنوّع، موضوع طالما طرح في المناقشات، عبّرت عنه أوّلاً الإفخارستيا الاحتفالية في كنيسة القديس بطرس، وقد حضرها كل المشاركين في الجمعيّة السينودسية. وطوال أعمال السينودس، واصلنا الصلاة معاً بحسب مختلف تقاليد الشرق والغرب، طالبين من الرب أن يكون حاضراً في ما بيننا ويرسل إلينا روحه القدوس لنكون معاً كنيسته ونعمل بإرادته.
وتجلّت الوحدة في التنوّع من خلال صفة المشاركين عينها. فقد كان في عداد آباء السينودس جميع بطاركة الشرق الكاثوليك، ورؤساء أساقفة مختلف الأبرشيات الكاثوليكية في لبنان وأساقفتها، وكرادلة مجامع الكرسيّ الرسوليّ المعنيّة بمسائل الكنيسة في لبنان، وبعض أساقفة الانتشار اللبنانيّين، والرؤساء العامون – الكهنة للرهبانيّات المؤسّسة في لبنان والقائمة فيه، وممثّلون عن الرؤساء الأعلين، وأساقفة ممثّلون عن سائر البطريركيّات الكاثوليكية في الشرق الأدنى، وكذلك بعض الشخصيات الكنسيّة المعنيّة بنوعٍ خاصّ بأهداف السينودس.
وحضر أيضاً مندوبون أخوة عن سائر الكنائس والجماعات المسيحيّة في لبنان. كما سُرِرْت أيضاً باستقبال ممثّلي الجماعات السنيّة والشيعية والدرزية. وكان هناك أخيراً مستمعون من الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيّين. شاركوا جميعاً في الأعمال وعبّروا عن أفكارهم بحرية وفطنة واندفاع، في الجلسات العامّة كما في حلقات الحوار المصغّرة، بالإضافة إلى الخبراء الذين عيَّنتهُم والذين أسهموا إسهاماً مفيداً في حسن سير أعمال السينودس.
4- على الرغم من عدد المدعوّين المحدود، حكماً، إلى هذه الجمعيّة، كان هناك أعضاءُ من كل فئات المسيحيّين وكل الفئات التي يتكوّن منها المجتمع اللبناني، يرافقهم ممثّلون عن الكنيسة الكاثوليكية قدموا من مناطق أخرى من العالم. وهكذا كانت كنائس لبنان المحليّة وجميع اللبنانييّن موضع اهتمام العالم الكاثوليكي بهذا البلد.
5- وفَتَحَتْ خاتمة أعمال الجمعية مرحلةً جديدةً من المسيرة السينودسية. فصاغ آباء السينودس مجموعةً من التوصيات اقترعوا عليها. وعلى أساس هذه التوصيات وسائر وثائق السينودس، طلب إلى الآباء وضع إرشاد رسولي يعقب السينودس، ويوجَّه أولاً إلى الكاثوليك اللبنانيين، ثم إلى جميع اللبنانيّين و كلّ الذين يهّمهم وضع هذا البلد (2). وقد حرصت على تعيين مجلس عقب السينودس أسهم بمعاونة أمانة سرّ السينودس العامّة في إعداد هذه الوثيقة.
6- وإليكم خطوط هذا الإرشاد الكبرى. فبعد إلقاء نظرة في الفصل الأول على وضع الكنيسة الكاثوليكية الراهن في لبنان، يرسم الفصل الثاني التفكير اللاهوتي الذي فيه تترسّخ كل التوجيهات اللاحقة التي تتناول الواقع. ويجمع الفصل الثالث كل ما يتعلّق بتجدّد الكنيسة الكاثوليكية الداخلي في لبنان. ويُعنى الفصل الرابع بالشراكة بين مختلف الكنائس البطريركية في لبنان وحتى في ما حول لبنان. ويتناول الفصل الخامس موقع الكنيسة في لبنان اليوم. ويعرضُ الفصل السادس البُعد الاجتماعي والوطنيّ. في الواقع لم يقصر السينودس اهتمامه على المسائل الداخلية للكنيسة الكاثوليكية في لبنان، بل كان الوطن كلّه حاضراً في البال، لأنَّ مصير الكاثوليك مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بمصير لبنان وبدعوته المميَّزة.
7- أيها الإخوة والأخوات اللبنانيّون، إنّ هذه الوثيقة تعطي مبادئ للتفكير، وتوجيهاتٍ للتجدّد، أيها الإخوة والأخوات اللبنانيّون، إنّ هذه الوثيقة تعطي مبادئ للتفكير، وتوجيهاتٍ للتجدّد، واقتراحات عمليّة. وبإمكانها أن تكون لكم في السنوات المقبلة دليلاً لتجدّد دائم. عليكم أن تبحثوا عن سبل تطبيق ما عَبَّرت عنه غالباً هذه الوثيقة بصيغة أمنيات، وأنّ تُكْمِلوا التفكير المقترح، لأن الجمعية السينودسيّة اكتفت في غالب الأحيان بفتح آفاق عامّة.
إنّ الاندفاع الذي أطلقه الإعداد للجمعية الخاصة وانعقادها يجب متابعتُه وتثبيته باستمرار. لقد أنشأ السينودس طريقة عملٍ مبنيّةً على الإصغاء الواعي من قِبَل كل ما يتألّف منه الشعب اللبناني عامّةً ومختلف الفئات والمؤسسّات الكاثوليكية خاصّةً. تابعوا هذا العمل، ولا تعتبروا إطلاقاً أنّ السينودس قد انتهى مع نشر هذا الإرشاد الرسولي. إني أوصيكم بإلحاح أن تسعوا بكلّ الوسائل ليحظى هذا الإرشاد بقبول أخوي فاعل، ومن ثمَّ بتطبيق ما أعرضه عليكم فيه، على أن يكون همُّكم الدائم الوحدة بين الكاثوليك والخير العامّ للشعب كلّه. واصلوا تحكيم العقل الناقد، وكونوا طيّعين لعمل الروح القدس، واستلهموا إنجيل ربّنا. وهكذا يكون المسيح حقّاً رجاءَكم، يجدّدكم روحه القدوس. إذّاك، معاً، تستمرّون في الشهادة لمحبّته.
الفصل الأول
واقع حالة الكنيسة
الكاثوليكيّة في لبنان
الوحدة والتنوّع
8- من أبرز خصائص الكنيسة الكاثوليكيّة في لبنان أنّها واحدةٌ ومتعدّدة في آنٍ. فهي لا تتكوّن من أبرشيّات متجاورة بالمكان بقدر ما تتكوّن من كنائس بطريركية متداخلة، ذات حقّ خاصّ ومن نيابةٍ رسولية لاتينية، متّحدةٍ كلّها بالإيمان عينه والأسرار عينها والشراكة الكاملة في الإيمان والمحبة مع أسقف رومة، خليفة بطرس الرسول.
إنكم تعرفون روابط المودّة التي تشدّني إلى هذه “الأرض الحبيبة”، وقد سنحت لي الفرصة للتذكير بذلك في مناسبات عدّة وبخاصّة منذ بداية حبريّتي (3). وجميع المؤمنين الكاثوليك يشعرون أيضاً بما يشدّهم شدّاً إلى إخوتهم في هذا البلد العزيز على قلبهم، بصفتهم تلاميذ الربّ، وإلى كلّ الأرض التي وطئتها قدما السيّد المسيح وجعلتها أرضاً مقدسة.
إنّ تنوّع الكنيسة الكاثوليكية في لبنان ليس مجرّد تنوّع قانونيّ. بل هو نتيجة تاريخ طويل خاصٍّ بكلّ من تلك التقاليد الروحية. لذلك تحافظ كلّ من الكنائس البطريركية، التي ينتسب معظمها إلى كنيسة أنطاكية، على تراثٍ ثقافيّ خاصّ وعلى تقاليد كنسيّة وليترجيّة ولاهوتيّة وروحية وتنظيمية مميَّزة (4).
صحيحٌ أنّ الكنائس الشرقية الكاثوليكية لا تزال تنمو وفق منظور مختلف يرتبط بالوضع الاجتماعي – السياسيّ الراهن للبلد القائمة فيه، وبأهميتّها العدديّة وحيويّة مؤمنيها في بلدان الاغتراب. ولكنّ الكنائس ذات الحقّ الخاصّ والنيابة الرسولية اللاتينية هي، في الوقت عينه، في لبنان، كنيسةٌ واحدة، وهي جزء من الكنيسة الكاثوليكية الواحدة عينها حول خليفة بطرس، في شراكة حياة ومصير تجمع بينها منذ أمد بعيد، بالنسبة إلى البعض منها، في هذه المنطقة من الشرق، وفي هذا البلد، وهي تواجه الالتزامات الوطنية عينها والمخاطر عينها، وينعشها الرجاء عينه، وتقوم بنوع خاص بالرسالة عينها التي وكلها إليها السيّد المسيح.
9- إنّ طريقة عيش التراث الكنسيّ وما فيه من تنوّع، لا يُنظر إليها دائماً على أنّها عنصر إيجابي. ولربّما أثار هذا التنوع مشاعر حذرٍ بين الكنائس المحليّة، إلى حدّ أنّه صار حاجزاً حقيقياً على طريق التفاهم والتعاون. وهكذا أفضى تداخل الولايات القانونيّة في بعض الأحيان إلى تنازعٍ واقعيّ في السلطة (5) شلَّ العمل الرعائيَّ المشترك، وأدّى إلى شهادةٍ معاكسة. ولا يمكن تجاوز مثل هذه المصاعب إلاّ بالإيمان والاحترام المتبادل والصادق.
إنّ الكنائس البطريركية ترغب اليوم في تجاوز كلّ قِصَر نظرٍ، لتنفتح على تعاونٍ أقوى في ما بينها، أمانةً منها لقول الربّ: “إذا أحبّ بعضكم بعضاً عرف الناس جميعاً أنكم تلاميذي” (يو 13 : 35).
فلا عجب إذاً أن تكون الجمعيّة الخاصّة قد اعتبرت من الأولويات، بالنسبة إلى تجدّد الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، النداء التالي: “لنتُبْ، ولنحيَ وحدةَ الكنيسة” (6). ولقد شوّه النداء على أنّ ما يجب تعزيزه، أكثر من أي تنظيم جديدٍ، إنّما هو ذهنية جديدة لا بدّ من أن تتسّم بها كل كنيسة بطريركيّة، “فلا يكون الاهتمام الدائم تأكيد الفوارق، بل يكون الاهتمام الدائم تأكيد الوحدة مع احترام التنوّع” (7).
ومثل هذا الالتزام يقتضي منا إقراراً، ومشاعر ندامة وصرخة رجاء: الإقرار بفقدان روح الشراكة في الكنيسة؛ والندامة الصادقة على أنّنا أحزنّا الروح القدس (را: أف 4 : 30)، خمير الوحدة الإلهي؛ و صرخة رجاء في المسيح الذي مات وقام، وهو الآن حيٌّ معنا و بيننا ومن أجلنا. إنّ أعضاء مختلف الكنائس المحليّة مدعوّون، بالتزامهم الصريح في هذا الاتجاه، إلى التجدّد الباطني، ليُشرعوا نفوسهم على أبعاد محبة المسيح، في منافسةٍ مقدّسة مع إخوتهم من سائر التقاليد الروحية.
الكنيسة الكاثوليكية في لبنان على أثر الأحداث الأخيرة
10- لقد عانت الكنيسة الكاثوليكية في لبنان كثيراً من انقسام أبنائها، وبخاصة في سنّي الحرب الأخيرة، بل أدّى هذا الانقسام إلى تمزيقها من الداخل. سنة 1993، كتب الذين أعدّوا الخطوط العريضة: ” إنّ كنيسة لبنان […]، جُرِحَت في صميم جسدها كسائر المؤسسات في لبنان. ولكنّها امتُحنت بنوع خاصّ امتحاناً ذريعاً في ضميرها. فقد شاهدت بعض أبنائها يُقتلون ويَقتُلون ويتقاتلون. وهي لا تزال تعاني من نزاعاتهم المتوقّدة دائماً، وتؤلمها بطريقة موجعة الهوّة العميقة التي حفرتها هذه السنوات المضطَّربة بين عددٍ من أتباعها وبين هؤلاء والسلطة الكنسيّة” (8).
منذ ذلك الحين، ترتسم دلائل تقاربٍ بين أعضاء الكنائس ذات الحقّ الخاصّ، سواءٌ في الأفكار أم في البُنى، وفي الواقع، فإنّ سينودس الأساقفة في كلّ كنيسةٍ بطريركيّة (9) مدعوٌّ إلى معالجة مسائل الساعة وإلى السهر على وحدة البطريركية، مع الاهتمام بوحدةٍ أكثر فأكثر متانةً مع سائر البطريركيّات (10).
بالإضافة إلى ذلك، تشعر الكنائس الشرقية الكاثوليكية في لبنان، أكثر منها في أي يومٍ مضى، بأنها متعلّقة بِبُنْيتها البطريركية، التي يرئس البطريرك بموجبها سينودس أساقفة بطريركيّته. وتُسهم مناقشاتها في إعلان سرّ الكنيسة الشراكة (11)، سواءٌ داخل كل بطريركية أم في علاقة كل بطريركية بسائر الكنائس البطريركية في البلد وضمن الكنيسة الجامعة.
ويتمُّ تعاونُ أوثق بين أعضاء الكنيسة البطريركية الواحدة: البطريرك، والأساقفة، والكهنة، والشمامسة، والرهبان، والراهبات، والعلمانيّين. ويُبدي المؤمنون العلمانيّون بنوعٍ خاصّ استعداداًَ سخيّاً، وهم جاهزون لتلبية نداءات السلطة الكنسيّة، وما تطلبه من مشاركةٍ داخل مختلف المجالس الأبرشيّة أو الرعويّة، وفي إدارة الأوقاف، وفي غير ذلك من الخدمات الكنسيّة. وفي ما يتعلق بالإكليروس، يجب أن تتجلّى إرادة التنسيق والتعاون في إطار البُنى الكثيرة، مثل الاجتماعات بين الكهنة، واجتماعات الكهنة مع العلمانيّين، بحسب القطاعات الجغرافية أو بحسب محاور الاهتمام، لغايات رعائيّة أو روحيّة. مثل هذه الإرادة تسندها نعمة الروح القدس الذي يؤازر كنيسته ويسندها. وهي جديرة بأن تنال كلّ تشجيع؛ فهي نداء إلى الحوار وإلى أساليب سليمة وفاعلة في العمل المشترك؛ وتقتضي أيضاً أن يكون للجميع معرفةٌ جيّدة بطبيعة الكنيسة الصحيحة وبمعنى الخدمة المسيحيّة الحقيقيّ. وكما كتبتُ في الإرشاد عن الحياة المكرّسة، إنّ ما تعلّمه العقيدة بشأن الكنيسة – الشراكة يتيح لنا “أن نفهم، بمزيدٍ من الوضوح، أنّ العناصر المختلفة التي تكوّنها بوسعها بل عليها أن توّحد قواها في روح من التعاون وتبادل المواهب لتتمكن من المساهمة بصورة أفعل في الرسالة الكنسيّة. وفي هذا ما يساعد في إبداء صورةٍ عن الكنيسة أصحَّ وأكمل” (12).
11- هذا وأن الكنائس الشرقية الكاثوليكية في لبنان قد أنشأت في ما بينها بنىً للتشاور والتنسيق والتعاون. والنموذج في هذا المجال هو “مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان” (13). فهذا المجلس يلتئُم بانتظام لينشّط التفكير ويقود العمل المشترك تبعاً للمقتضيات الرعائية. وقد أعاد تنظيم ذاته، وفقاً لتمنيّات الجمعية السينودسية، في سبيل فعاليّة رعائيةٍ أكبر، فعمد إلى إشراك الكهنة والعلمانييّن إشراكاً أفعل في العمل المشترك وفي القرارات الكنسيّة. وإنَّ الخبرة التي عاشها الذين شاركوا في الجمعيّة السينودسيّة أظهرت إلى أي حدّ يُدركُ الرعاة والمؤمنون الكاثوليك ذاتهم كنيسةً ويريدون ذلك، وإلى أي مدىً يتقبّل بعضهم بعضاًَ، ويقدّر بعضهم بعضاً في تنوّعهم. وسيبقى زمن النعمة هذا مصدر عزيمة لا ينضب، أكان ذلك في توطيد وحدتهم أم إنعاش مميّزاتهم بمزيدٍ من الاندفاع في الأصالة.
مع الكنائس والجماعات المسيحيّة الأخرى في لبنان
12- في ختام الجمعية الخاصّة، بعد أن أعلن الآباء أنّ الوحدة داخل الكنيسة الكاثوليكية غير كافية، أبدوا تصميمهم على السير في “الحوار مع سائر الكنائس المسيحيّة، تجاوباً مع إرادة الرب، التي عبّر عنها في صلاته إلى الآب: “يا أبت القدوس احفظ باسمك الذين وهبتهم لي ليكونوا واحداً كما نحن واحد […] فليكونوا بأجمعهم واحداً… ليؤمن العالم أنَّك أرسلتني!” (يو، 17 : 11، 21)” (14).
إنّ التزام آباء السينودس هذا يعكس وعياً لخطورة انقسام المسيحيّين. ويعبّر أيضاً عن الألم الذي يشعرون به شعوراً، بالواقع، إزاء إخلالهم بالوفاء لمشيئة الرب. فغالباً ما باعد انقسام المسيحيّين بين أشخاص يعيشون كلّ يوم جنباً إلى جنب في المحبّة المتبادلة، وفي الإيمان الواحد بالمسيح وبالمعمودية. وأمّا الأرثوذكس والكاثوليك فلهم مفاهيم مماثلة في نقاطٍ جوهرية في ما يتعلَّق بالكنيسة والأسرار. وكثيرٌ من المسيحيّين المتّحدين برباط الزواج يتألمون، هم وأولادهم، ممّا يتجاذبهم من عقائد مختلفة تتعلّق بالكنيسة وواجباتهم تجاهها. والانقسام بين المسيحيّين لا يخلو من عواقب مؤلمةٍ أحياناً في الحياة الاجتماعية، وهو يكوّن شهادة عكسية في نظر كثيرٍ من مواطنيهم.
لا ريب في أنّ هذا الوضع يشكّل في حدّ ذاته عثاراً، بالنظر إلى طبيعة الكنيسة غير المنقسمة، وبالنظر إلى رسالتها في العالم، إلاّ أنّه قد يتحوَّل في أيّامنا مناسبةً للنعمة وحافزاً يدفع المسيحيّين إلى أن يعملوا بكلّ قناعة وقوّة، من أجل الشراكة الكنسيّة، ويقوموا بمبادرات مسامحةٍ متبادلة. وفي الواقع، يعي الكاثوليك والأرثوذكس من جديد التقاليد الكنسيّة والاجتماعية العريقة التي تجمعهم، وأخوّتهم في المسيح، وإن اتّسم عيشُهم معاً في القديم، أحياناً، بطابع عاصف. ومع ذلك، فقد “تبين بجلاء أنّ الأسلوب الواجب اتّباعه لبلوغ ملء الشراكة هو حوار الحقيقة يغذّيه ويسنده حوار المحبّة” (15). ويجب القيام بهذه المسيرة بفطنةٍ بالغةٍ ووقفة إيمان، وبانقيادٍ للروح القدس (16). والجماعات الكنسيّة المتفرّعة عن حركة الإصلاح، وإن كانت حديثة العهد في لبنان، إلاّ أنّها داخلة، أيضاً، بكامل رضاها في حركة التقارب هذه. فجميع مسيحيّي البلد يرغبون رغبة شديدة في أن تتحقّق وحدتهم الكاملة. فمعهم وبالشراكة مع جميع إخوتنا في الإيمان، في العالم أجمع، نعي أنّنا مدعوّون إلى حرارةٍ مضاعفةٍ في الصلاة، لتتحّقق تلك الأمنية، العزيزة جداً على قلب الرب. وإنَّ الآباء، منذ اللحظة الأولى للمسيرة السينودسية، قد سعوا جهدهم ليشارك في تجدّد الكنيسة، أقلَّه بالصلاة، أبناء بلدهم المؤمنون بالمسيح، كلمة الله المتجسد (17).
العلاقات مع مؤمني الديانات التوحيدية ولاسيّما المسلمين
13- تحرص الكنيسة على تعزيز الوحدة والمحبّة بين الناس وبين الشعوب. فإنّه “من العبث أن نبتهل إلى الله، أبي الناس طرّاً، إذا نحن أغفلنا التصرّف الأخويّ تُجاه بعض الناس المخلوقين على صورة الله” (18). فإنّنا نكوّن الأسرة البشرية الواحدة نفسها، التي أسكنها الله “على امتداد وجه الأرض كلها” (أع 17 : 26؛ را : تك 1 : 26 – 30)؛ ويريد الرب أن يقود الناس إلى “معرفة الحق” (1 طيم 2 : 4)، ويحقّق ما في نفوسهم من عطش السعادة الأبدية (را: مز 63 [62]: 2).
وتنظر الكنيسة الكاثوليكية باهتمام إلى تطلّع البشر الروحي، ومع تأكيدها أنّ الحقيقة الكاملة هي في المسيح، الذي بل ملء الزمن وبدايته ونهايته، تقرّ بما تنطوي عليه مسيرة الأشخاص والشعوب الدينيّة من حقيقة. ويعرف الإنسان، من جهة أخرى، بعقله، ما هو خير يدفعه ضميره للقيام به ولتجنّب الشر. “إنّ ممارسة الحياة الخلقية تشهد لكرامة الشخص” (19). وتولي الكنيسة الاحترام البالغ تجاه أولئك الذين يجهدون كلّ يوم، في أن يسلكوا بمقتضى الاستقامة، وفقاًَ للقيم الروحيّة والأدبية الخاصّة. وهناك عددٌ من القيم الإنسانية والروحية البديهية تجمع بين الإسلام والمسيحية. وقد أوجز أهمها المجمع الفاتيكاني الثاني، بقوله: “تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحيَّ القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض، وكلَّم الناس. إنّهم يسعون بكل نفوسهم إلى التسليم بأحكام الله، وإن خفيت مقاصده، كما سلَّم لله إبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي بالانتساب إليه. وإنّهم، على كونهم لا يعترفون بيسوع إلهاً، يكرّمونه نبيّاً، ويكرّمون أمَّه العذراء مريم، مبتهلين إليها أحياناً بإيمان. ثم إنّهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي الله فيه جميع الناس بعد ما يبعثهم أحياء. من أجل هذا يَقْدُرون الحياة الأدبية، ويعبدون الله بالصلاة والصدقة والصوم خصوصاً” (20).
14- كانت العلاقات بين الكاثوليك والمسلمين في لبنان صعبة في مناسباتٍ شتى؛ وقد تكون اليوم أيضاً، في نظر بعض المواطنين اللبنانيّين، متّسمةً بالحذر بسبب ما حدث أحياناً من سوء تفاهم تُغذيه ذكرياتٌ مؤلمة. وهناك أحكامٌ مسبقة متأصلة في الذهنيّات تُسهم في تغذية انعدام الثقة المتبادلة. ويثير القلق العميق بروز أشكالٍ متنوّعة من التطرُّف، الذي لا يمكن إلاّ أن يسيءَ إلى وحدة البلد، ويوقف الاندفاع الجديد الذي يجب إيلاؤه إياها، ويعيق العيش المشترك بين كل الفئات التي تكوّن مجتمعه.
من أجل قيام الحوار البنّاء والاعتراف المتبادل، وبمنأى عن التباينات الكبيرة بين الأديان، من الأهمية بمكان أن يُصار إلى العمل، أوّلاً وقبل كل شيء، على تبينّ ما يجمع ما بين اللبنانيين في شعب واحد، وفي إخوّة مشتركة تتجلّى في لبنان يوميّاً، وبخاصة في العيش المشترك. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر المسيحيّون والمسلمون بعضهم بعضاً شركاء في بناء البلد؛ فتتألّق أكثر فأكثر في النفوس الرغبة في تعزيز التفاهم والتعاون في ما بينهم. وتنشأ في الواقع هيئات التقاء في سبيل مزيد من التعارف المتبادل العميق رغبةً في خدمة البلد معاً.
العلمنة والعالم المعاصر
15- إنّ انفتاح لبنان المتوارث على كلّ الثقافات التي مرّت على أرضه يجعله في الوقت عينه منفتحاً على الأفكار التي تنتشر في العالم المعاصر. والكنيسة مدعوّة، بالطبع، إلى التنبّه لثقافات اليوم مُمَيّزة فيها الزرع الصالح من الزؤان. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان ألا يستسلم البلد والمنطقة إلى ظاهرة العلمنة. يعتقد البعض أن هناك اليوم بالأحرى، “عوداً إلى الدين”، يجب التنبّه له، واعتماد التمييز اليقظ تجاه المواقف الدينية. فإن كان القصد منها ارتداداً إلى المنابع الأصلية للإيمان والرجاء فقد تُتيح الفرصة لـ “تبشيرٍ جديد”، تجاه الشعب ومن خلاله (21)، وإلاّ فلن يتعدَّى الأمر الظاهرة السطحية والمُلتبسة.
ومع ذلك، فإنّ نمطاً متساهلاً من الحياة يُفسد الأخلاق تدريجياً، على ما يبدو، ولاسيّما عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، وبوساطة أشخاص ابتعدوا منذ زمن طويل عن مرجعياتهم الثقافية، ممّا عطّل حسَّهم الأدبي والروحيّ. ومثل هذا التطوّر يبعث القلق في نفوس شخصيّات كثيرة، مسيحيّة وإسلاميّة.
16- لم نُشِرْ هنا إلى هذه النواحي من الوضع الذي تجد الكنيسة نفسها فيه في لبنان إلاّ لدعوة المؤمنين إلى أن يعوا بوضوح أكثر أسُس إيمانهم، ويفهموا أمام الله الرسالة التي تلقَّوها من الرب. على الكاثوليك اللبنانيّين أن يميّزوا، بالنظر إلى الأوضاع الواقعيّة التي يعيشون فيها، في ذواتهم وفي كنائسهم المحليّة، ما يجب الحفاظ عليه وما يجب نزعه (يو 15 : 2). هذا هو معنى النداء الذي أطلقتُه منذ الدعوة إلى الجمعية الخاصّة: “لتُصغي كنيسة لبنان بانتباه إلى “ما يقوله الروح للكنائس” (أع 3 : 22)، وتتفّحص بدقة علامات الأزمنة لكي تتبيّن من خلالها تدابير العناية الإلهيّة بخصوص العالم” (22) وبخصوصها.
المسيحيّون في المجتمع المدنيّ
17- غنيّ عن البيان أنّ مسيحيّ لبنان، مثل سائر مواطنيهم، يرجون أن ينعموا بالأوضاع اللازمة لتفتّحهم الشخصي هم وأسرتهم، في احترام تقاليدهم الثقافية والروحيّة، ويتوقون بنوع خاص إلى الطمأنينة والازدهار، وإلى اعتراف حقيقيّ بالحريّات الجوهرية، تلك التي تصون الكرامة الإنسانية وتفسح في المجال لممارسة الإيمان؛ إنّهم يتوقون إلى احترام صادقٍ لحقوقهم وحقوق الآخرين؛ وكذلك إلى عدالةٍ تكرّس مساواة الجميع أمام القانون، وتتيح لكل مواطن أن ينال قسطه من المسؤولية في الحياة الاجتماعية. وهم يعرفون جيّداً أنَّ مثل هذا المشروع مرهونٌ إلى حد كبير بسنيّ الحرب الماضية وبالحالة الخطيرة التي تسود هذه المنطقة من الشرق الأوسط. إنّي أعي أهمّ المصاعب الراهنة: الاحتلال المهدِّد في جنوب لبنان، وحالة البلد الاقتصادية، ووجود قواتٍ مسلّحةٍ غير لبنانية على الأرض، واستمرار مشكلة المهجّرين من دون حل كامل، وكذلك خطر التطرُّف، والشعور الذي ينتاب البعض بأنهم محرومون من حقوقهم. هذا كلّه يغذّي الأهواء، بالإضافة إلى الخوف من أن تكون قيمُ الديمقراطية والحضارة التي يمثّلها هذا البلد عرضةٌ للخطر. وبناء عليه تترصّد دوماً اللبنانييّن، وبنوع خاصّ الشبيبة (23)، تجربة الهجرة. إني أعلم أنَّ تحقيق مستقبلٍ أصفى إشراق يفترض تضحياتٍ كثيرة، وتمرّساً في ضبط النفس مستمراً يحمل كل واحد على أن يتطلّب من نفسه حضوراً فاعلاً وشجاعاً ومثابراً في شؤون المجتمع، قبل أن يتطلّب ذلك من غيره؛ ولكن يجب أيضاً الاعتماد على نعمة العلّي الذي يغيّر القلوب والإرادات، ويوجّهها نحو الخير. إن ما اختبره المؤمنون بالمسيح في الماضي وفي الحاضر، في أنفسهم وفي الآخرين، في ما حولهم وفي كلّ مكان، كافٍ لإقناعهم بما لقوى الشرّ من قدرة لا تزال قائمة، في وسعها أن تنشر على الدوام الظلمة في العقول والقسوة في المشاعر، وتشكّل تهديداً للمستقبل.
ولكن الرجاء يبقى حيّاً فيهم، على الرغم من كل شيء. إنّهم لم يفقدوا ثقتهم في ذاتهم ولا تعلّقهم ببلدهم وبتقليده الديمقراطي. إنّ دأبهم على رغد العيش الذي يميّزهم، وهذه الأخوّة في ما بين الجميع التي تبدو في أجلى مظاهرها في الأوقات العصيبة التي تتوالى عليهم، يحثّانهم باستمرار على المساهمة الناشطة في بناء بلدهم على أساس القيم الإنسانية التي هي ثروة تراثهم الوطنيّ.
الفصل الثاني
في الكنيسة
نبني الرجاء على المسيح
دعوةٌ إلى الرجاء
18- إنّ آباء السينودس، انطلاقاً من فحصٍ دقيق لوضع الكنيسة الراهن في بلدهم، عادوا باستمرارٍ إلى جانبين أساسيين من السر المسيحي، بدا لهم من الضروري التعمّق فيهما. فعلى المؤمنين جميعاً أن يعيشوا بعمقٍ سرَّ الكنيسة، شراكة البشر مع الله وفي ما بينهم، وأن يؤسّسوا رجاءَهم على المسيح. انطلاقاً من تفكير الجمعية الخاصة، أدعو أعضاء الكنيسة إلى التأمل في هذه المواضيع، ليلبّوا على أفضل وجه إرادة الرب في حياتهم الكنسيّة. فيفقهون بصورة أكمل أبعاد العنوان الذي وجّه مسيرة السينودس بكاملها: “المسيح رجاؤنا: بروحه نتجدّد ومعاً للمحبّة نشهد”.
أولاً: الكنيسة سرّ شراكة
أبعاد هذا السرّ
19- لا تنحصر الكنيسة في بُعدها المنظور، الذي قد يُظهرها بمظهر الطائفة المنظَّمة وحسب؛ فهي، بسرّها، في شراكةٍ مع الجماعة السماوية غير المنظورة: “إنّ كنيسة الأرض والكنيسة الغنيّة بنعم السماء يجب ألاَّ تُعدّا حقيقتين، بل حقيقة واحدة مركّبة، ذات عنصرين بشريّ وإلهيّ” (24) مرتبطين أحدُهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً. ويعلن أيضاً المجمع الفاتيكاني الثاني أنَّ الكنيسة مؤسَّسة “مجهَّزة بالوسائل المؤاتية لأجل اتّحادها الظاهر المجتمعي” (25)، وهي تعبير عن شراكة البشر مع الله وفي ما بينهم. إنّها “في المسيح بمثابة السرّ، أي العلامة والأداة في الاتّحاد الصميم بالله ووحدة الجنس البشري برمّته” (26). يتقّرر مصير الجميع في الكنيسة، “إذ إنّها سرّ اتّحاد كل إنسان الشخصيّ بالثالوث الإلهي وسائر الناس، وهو يبدأ في الإيمان، ويتّجه إلى اكتماله المعادي في الكنيسة السماويّة، وإن كان في الوقت عينه، واقعاً ناشئاً في الكنيسة على الأرض” (27).
إنّ مفهوم الشراكة هامٌّ لنعيَ الوعيَ الصحيح طبيعة الكنيسة. فهو يتضمَّن دوماً بعداً مزدوجاً: عموديّاً (الشراكة مع الله)، وأفقيّاً (الشراكة بين الناس)، وجانباً مزدوجاً منظوراً (وضع الإنسان الجسدي والاجتماعي)، وغير منظور (اتّحاد بالنعمة مع الله، وفيه، مع جميع الناس) (ِ28).
20- الكنيسة، على صورة سيّدها، واقع “إلهيّ وبشريّ مرتبط بالزمان والمكان، بل ما يستتبعه هذا الارتباط من حيثيات تاريخية وجغرافية واجتماعية وثقافية. وهي متجذرة في هذا الواقع الملموس الذي يُفرغ عليها ملامح وجهها المميّز وطابعها الخاص” (29). إن صورة “الجسد” تعني في آنٍ معاً أن الكنيسة “مجتمعة حول [ المسيح]، موحَّدة فيه، في جسده” (30)، وأنّ “وحدة الجسد هذه لا تزيل تنوّع الاعضاء: “في عمل بناء جسد المسيح، تتنوّع الأعضاء والوظائف. فإنّه واحدٌ الروح الذي يوزّع مواهبه، بحسب غناه ومستلزمات الخِدَم، لفائدة الكنيسة” (را: 1 قو 12 : 1 – 11) (31). الكنيسة تظهر، في مجملها كما على صعيد جماعة الرعيّة، “في كثير من التنوّع الذي يأتيها من تنوّع مواهب الله ومن تعدُّد الأشخاص الذين يتقبلّونها. في وحدة شعب الله، تتجمَّع الشعوب والثقافات المختلفة. وهناك بين أعضاء الكنيسة تنوّعٌ في المواهب والوظائف والأوضاع وأنماط العيش” (32).
ويتجلّى سرُّ الكنيسة في الكنائس الخاصّة، “فضمن الشراكة الكنسيّة تقوم على وجهٍ شرعيّ، كنائس خاصّةٌ تتمتَّع بتقاليدها الخاصّة بها” (33). و”الكنيسة الخاصّة”، المدعوّة أيضاً “أبرشية”، تعني بالتحديد “قسماً من شعب الله وُكلَ أمرُ رعايته إلى أسقفٍ يرعاه بالتعاون مع مجلسه الأبرشي” (34). والأسقف، لكونه خليفة الرسل، هو مبدأ وحدة كنيسته (35) وأساسها، وهو يضمن ثباتها ونموّها عندما يعلّم بأمانةٍ كلمة الله ويرئس، بشخصه أو بوساطة مندوبٍ عنه، العبادة المقدّسة، وبخاصّة الإفخارستيا، ويقود بحكمة وبكل محبّة مؤمني الرعيّة الموكولة إليه (36).
21- في لبنان كما في الشرق كلّه، باستثناء النيابة الرسولية اللاتينية، تجتمع الكنائس الخاصّة بموجب التقليد في بطريركيّات. “إنّ النظام البطريركي قائمٌ في الكنيسة منذ أقدم الأيام، وقد أقرّته المجامع المسكونية الأولى” (37). وإن للبطريرك، “بوصفه أباً ورأساً” (38)، “حقّ الولاية على جميع الأساقفة، بمن فيهم المتروبوليتون، وعلى الإكليروس والمؤمنين في نطاق ولايته أو طقسه، وفقاً لحدود القانون، ومع الحفاظ على أوّلية الحبر الروماني” (39). فهو إذاً رمز كل بطريركيّته الليتُرجي واللاهوتيّ والروحي والتنظيميّ، والشراكة مع خليفة بطرس. و”البطاركة مع مجامعهم يؤلّفون المرجع الأعلى في جميع شؤون البطريركية (40).
لهذه الكنائس البطريركية العريقة في القدم تراث جليل، تستحق “حيويته، ونموّه ونشاطه […] في تحقيق الرسالة التي أُوكلت إليها” لا الاحترام والصيانة وحسب، بل التثبيت والتشجيع أيضاً (را: قرار في الكنائس الشرقية الكاثوليكية، الفقرة 1) (41). وقد اعترف المجمع الفاتيكاني الثاني بشرعيتها بكلّ وضوح: “لقد شاءت العناية الإلهية أن تجتمع الكنائس المختلفة، التي أسّسها الرسل وخلفاؤهم في أماكن شتى، في مجرى الزمن، في مجموعات متعدّدة تتّحد اتّحاداً عضوياً، وتتمّتع، بدون ما ضيرٍ لوحدة الإيمان ولا لمنشأ الكنيسة الجامعة الإلهيّ الواحد، بنظامها الخاصّ، وبعاداتها الليتُرجية الخاصّة، وتراثها اللاهوتيّ والروحي. إنّ البعض منها، وبخاصّة الكنائس البطريركية العريقة، كنّ منابع إيمان بولادتها كنائس أخرى كبناتٍ لها، لا تزال تربطها بها، حتى اليوم، صلاتٌ وثيقةٌ من المحبّة في حياة الأسرار، وفي الاحترام المتبادل في الحقوق والواجبات. وإنَّ هذا التنوّع في الكنائس المحليّة ليدل أسطع دلالة، بالتقائها في الوحدة، على أنّ الكنيسة الجامعة لا تتجزأ” (42).
في هذا الإطار، يمكن للكنائس البطريركية الكاثوليكية في لبنان أن تتسم بطابع نبويّ (43)، إذا استطاعت كلٌّ منها أن تنميّ، بالانسجام مع غيرها وفي الأمانة المطلقة لوحدة الكنيسة الجامعة – وحتى بفضل هذه الوحدة – هويّتها الخاصّة والثروات التي تتميّز بها. لا تُطلب الوحدة في التشابه بل في الحبّ المتبادل، وفي بذل الذات والثروات، وفي المحبة التي توحّد كلّ الكنائس. وهذا ما تسعى إلى عيشه الكنائس ذات الحقّ الخاصّ والنيابة الرسولية اللاتينية في لبنان، لاسيمّا في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، الذي أُنشِئ “لتصير حياة الكنيسة في لبنان مصدر انسجام وثروةٍ لأبنائه، وأيضاً شهادةً مستمرّة للتفاهم والتعاون المثمر بين جميع اللبنانيين” (44).
شراكةٌ في الروح القدس، نفحةٌ إلهيّة للوحدة في التنوّع
22- لابدّ، لإدراك عمق حقيقة الحياة في الكنيسة، من التأمّل في حضور الروح القدس فيها، هذا الروح الذي يُحييها: “ولقد شبّه الآباء القدّيسون فعله بوظيفة الروح التي هي مبدأ الحياة في الجسد، أي النفس” (45).
الروح هو عطيّة الآب الكبرى (را: أع 2 : 1 – 4) وعطيّة ابنه، يسوع المسيح (را: يو 20 : 22) للكنيسة. هذه العطيّة المجّانية هي ثمرة تمجيد الربّ، في موته على الصليب وفي قيامته (را: يو 12 : 16؛ 13 : 31 – 32). وقد وعد به المسيح تلاميذه في عشية موته: “إنّه خيرٌ لكم أن أذهب. فإن لم أذهب لا يأتكم المؤيِّد. أمّا إذا ذهبت فأرسله لكم” (يو 16 : 7).
إن حلول الروح يوم العنصرة يوحي بخلق جديد. فإنّ يسوع، مساء قيامته، نفخ في تلاميذه وقال لهم: “خذوا الروح القدس” (يو 20 : 22). لقد أعطاهم قلباً واحداً، ووضع فيهم روحاً جديداً (را: حز 11 : 19). وقد ذكّرت هذه الحركة بالخلق الأول للإنسان: “وجبل الربّ الإله الإنسان تراباً من الأرض و”نفخ” في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفساً حيّة” (تك 2 : 7)؛ هذه الحركة، يوم العنصرة، تعبّر عن الخلق الجديد.
ولقد حوّلت عطيّة الروح التلاميذ إلى مُرسلين، على صورة معلّمهم: “كما أرسلني الآب، أُرسلكم أنا أيضاً” (يو 20 : 21). ويرونه يوكل إليهم رسالة المغفرة والمصالحة (را: يو 20 : 23)، وهي رسالةٌ تعيد الوحدة المفقودة منذ الأزمنة القدمية. في يوم العنصرة، جمع الرب الناس حول الرسل الذين كانوا يُذيعون مدائحه، و”لأن كلاّ منهم كان يسمعهم يتكلّمون بلغة بلده […] بين فرثيّين وميديّين وعيلاميين وسكان الجزيرة بين النهرين… وكريتيين وعرب” (أع 2 : 6، 9، 11).
23- إن اتّحاد الناس في ما بينهم ومع الله هو عمل الروح القدس، الذي يهبُنا أن نكون على صورة الله. إنّه هو الذي يهبُنا الإيمان بالمسيح الربّ (را: 1 قو 12 : 3). بالمعمودية، يُمنح الروح للمؤمنين الذين يسكن فيهم كما في هيكل (را: أع 2 : 38؛ رو 8: 9؛ 1 قو 3: 16؛ 6 : 19)، ويصيّرهم “أبناء الله” بالتبنّي، “فإذا كنا أبناء الله فنحن ورثة: ورثة الله وشركاء المسيح” (رو 8 : 17؛ را: غل 4 : 1 – 7). وهذا التبنيّ ليس مجرّد حصولٍ شرعيّ على الميراث، بل هو عطيّة الحياة الإلهية التي يشترك فيها الأقانيم الثلاثة: “والدليل على أنكم أبناء، أنّ الله أرسل روح الله إلى قلوبنا، الروح الذي ينادي: أبّا! يا أبت”” (غل 4 : 6)، و هو يجعلنا على صورة المسيح. “نستطيع أن نعبد الآب لأنه ولدنا من جديد إلى حياته، بجعلنا أبناءً له بالتبنيّ في ابنه الوحيد: بالمعمودية، يضمنّا إلى المسيح وإلى جسده، وبمسحة روحه الذي يفيض من الرأس إلى الأعضاء، يجعل منّا “مسحاء”” (46).
24- إنّ المسيح، في يوم صعوده، سلَّم تلاميذه رسالتهم: “فاذهبوا، وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتُكم به” (متى 28 : 19 – 20). وبتعبيرٍ آخر، أرسل الكنيسة على دروب العالم “للدعوة بملكوت الله والمسيح، وإنشائه في جميع الأمم، فكانت على الأرض بذرة هذا الملكوت وبدأه” (47).
وهكذا تَظهرُ الكنيسة الجامعة “شعباً يستمدّ وحدته من وحدة الآب والابن والروح القدس” (48)، تحت رأس واحد، المسيح، الذي به وله صالح الله الكلّ مع نفسه “[بإقراره] السلام بدم صليبه” (قول 1 : 20؛ را: أف 1 : 10). والكنيسة لا تني، بالعلاقة مع عطيّة الروح القدس، تعلن في قانون الإيمان إيمانها بمغفرة الخطايا، ذلك السلطان الذي أودعه الرب خَدَمته (49).
“إنّ الروح القدس، إذ يُدخل الإنسان في الشراكة معه، يصيّره روحياً، […] ويعيده إلى ملكوت السماوات وإلى التبنيّ، ويمنحه الثقة ليدعوَ الله أبّا ويشترك في نعمة المسيح، ويدعى ابن النور ويكون له نصيبٌ في المجد الأبديّ” (50).
كانت جمعيّة سينودس الأساقفة الخاصة مناسبةً لفحص ضميرٍ القصد الأول منه إعداد الكنيسة في لبنان لتقبُّل فيضٍ أكبر من الروح. فالروح وحده يستطيع أن يقود إلى التوبة، وإلى الارتداد الذي يحمل هذه الكنيسة على أن تحسن إدراك دعوتها وتستأنف سيرَها بحيويّة جديدة، في روح مصالحةٍ بين المسيحيّين أنفسهم وبين المسيحيّين ومواطنيهم (51).
25- لنا مع الكنائس الأرثوذكسية مواقف مشتركة في نقاطٍ هامةٍ تتعلّق بالإيمان بسرّ الكنيسة. لقد نما لاهوت الكنائس الشرقية على أنواعه ونمت روحانيّاتها على مرّ القرون، بخاصة حول موضوع تأليه الإنسان تأليّهاً يبدأ على هذه الأرض. وهذه النفحة عينها هي التي أحيت جمعية سينودس الأساقفة الخاصة بلبنان: “وأننا نلتزم التجاوب بأمانةٍ مع عمل التأليه الذي يعمله الله فينا، وانتشار ملكوت الله على الأرض” (52). الكنائس البطريركية الكاثوليكية هي إذاً متأصلة في التقليد تأصُّلاً وثيقاً (53).
26- إنّ التأمّل في الكنيسة على أنّها سرّ شراكة، لا ينفصل عن التأمل في سرّ الثالوث الذي هو مصدرها وإليه تسير. فالكنيسة، بشراكة الروح القدس (را: 2 قو 13 : 13)، تشترك في صميم حياة الله، التي يقوم جوهرها على تبادلٍ محبّة لا يوصف بين الأقانيم الثلاثة. وهي مدعوّة أيضاً إلى أن تَبْلغ هذه الحياة الإلهية إلى العالم، وتواصل فيه رسالة الابن والروح القدس، ويتمَّ فيها عمل الثالوث. وهي بالتالي، في الروح القدس، شراكةُ وتواصل ورسالة معاً: إنّها مميّزاتٌ تتطوّر بلا انقطاع. وهذا هو في أساس ما لرسالة الكنيسة وما لهذا الإرشاد الرسولي بنوع خاص من وجوه راعوية، ذلك إنّ الوحدة الثالوثية هي التي تفتح الباب للعمل الكنسيّ في العالم.
إنّ إلهَ يسوع المسيح غير محجورٍ عليه في عزلةٍ أزلية، بل هو علاقةٌ في وحدة الجوهر بين الأقانيم الإلهية الثلاثة، وهو، بالنعمة، هبة ذات للعالم. ومعرفتنا لسرّ يسوع المسيح تعلّمنا أنّ حياة الله الباطنية هي عطاء الطبيعة الإلهيّة الكامل المتبادل بين الآب والابن والروح: الآب على أنّه مصدرٌ أزليّ للألوهة يفيض فيضاً كاملاً في الابن الذي يلدُه، والابن على أنّه يقدّم ذاته نشيد حمد للآب منذ الأزل، في الروح القدس، الصورة التي تجسّم تبادل الحبّ هذا، الكامل والأزليّ.
في ضوء سرّ حياة الإله المثلث الأقانيم الحميمة، نفهم فهماً أكمل سرَّ الكنيسة، سرّاً تحقّق بإرسال الابن إلى العالم، واكتمل بعطيّة الروح القدس إلى الكنيسة السائرة على هذه الأرض من أجل تمجيد الآب باكتمال الملكوت في السماوات.
ثانياً: المسيح رجاء المسيحيّين
المسيح، الراعي الصالح لشعبه
27- يرتكز رجاء مؤمني الكنيسة جمعاء في المسيح أولاً، كلمة الله المتجسّد، الذي مات وقام، الحاضر سريّاً في ما بينهم ومعهم على دروب العالم. وهو، على هذه الدروب، راعيهم الصالح، ونورهم الحقيقيّ، وقدرة الله في ما بينهم. إنّ صورة الراعي الصالح هذه، الواردة في أقدم التقاليد، كانت أيضاً من أثبت المواضيع في المسيحية. والربّ نفسه دعا ذاته هكذا (را يو 10 : 11). ويرى المسيحيّون في ذلك صورةً تعبّر عن شخص يسوع المسيح أصدق تعبير. فهو الذي أحبّهم غاية الحبّ (را: يو 13 : 1). “ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه” (يو 15 : 13). وقد بذل حياته حبّاً بملء حريته وإرادته (را: يو 10 : 18).
كان يسوع ممتلئاً من حبّه اللامتناهي حبّ ابن لأبيه. وقد نزل من السماء لا ليعمل مشيئته الخاصة بل مشيئة الذي أرسله (را: يو 6 : 38). قال هو عن نفسه: “فإن الله أحبّ العالم حتى أنه جاد بابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3 : 16) “فمشيئة أبي هي أن كل من رأى الابن وآمن به كانت له الحياة الأبدية” (يو 6 : 40). فلنتأمَّل باستمرار في النشيد القديم الذي ينقله إلينا القديس بولس: “فمع أنه في صورة الله، لم يعدَّ مساواته لله غنيمة؛ بل تجرد من ذاته متخذاً صورة عبد، وصار مثال البشر، وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب” (فل 2 : 6 – 8). وتوضح الرسالة إلى العبرانيّين بعبارات بليغة معنى ذبيحة الربّ: “وبتلك المشيئة صرنا مقدسين بالقربان الذي قرّب فيه جسد يسوع المسيح مرةً واحدةً” (عب 10 : 10).
28- الرجاء المسيحيّ يُبنى على الإيمان بيسوع المسيح وعلى عطية محبّته. “فالإيمان قوام الأمور التي ترجى وبرهان الحقائق التي لا ترى” (عب 11 : 1)، نسعى إلى اتمام مواعيد الربّ. هذا الرجاء “هو الجواب عن التوق إلى السعادة الذي وضعه الله في قلب كل إنسان، وهو يتعهد الآمال التي تُلهم نشاطات البشر؛ وينقّيها ليوجّهها نحو ملكوت السماوات؛ ويحمي من اليأس؛ ويسند في التخلي؛ ويُشرح القلب في انتظار السعادة الأبدية. وثبة الرجاء تصون من الأنانية وتقود إلى سعادة المحبّة” (54).
والمحبّة هي التي تمدّ الرجاء بما لها من حيوية. وليست المسألة مسألة بحث عن سعادة فردية بقدر ما هي سعي إلى اسعاد من نحبّ وكلّ الجماعة البشرية التي نعيش فيها. وبعد، فالمحبة هي في أساس تجسّد كلمة الله، وحلول الروح القدس، وبنيان الكنيسة، واتّحاد الناس بالله وفي ما بينهم، وأنا لنضع رجاءنا في شخص يسوع نفسه، عمّانوئيل، الله – معنا.
الرغبة في الاتّحاد بالرب وفي الشراكة مع الإخوة هي التعبير الأسمى عن الرجاء والمحبّة المسيحيَّين. إننا لنقصر بالعموم من أن نحيا تماماً هذه الرغبة، التي تنبع من ذاك الذي خلّصنا بدمه وأحيانا من جديد بقيامته. فهو رأس الجسد الذي نصبح نحن أعضاءه بالمعمودية، والذي نصبح أكثر فأكثر على صورته بالإفخارستيا؛ إنّه الكرمة التي نحن أغصانها والتي تجري حياتها الإلهية فينا. الروح هو الذي ألهم كنيسته الانقياد إلى هذا الرجاء “الذي يدفعنا دوماً إلى التجدّد […] حتى تنطبع فينا صورة المسيح” (55). في رجاء اكتمال قصد الله نهائيا، يهتف الروح والكنيسة: “من كان عطشان فليأت، من شاء فليستق ماء الحياة مجّاناً. […] آمين تعال أيها الرب يسوع” (رؤ 22 : 17، 20).
كلمة الله المتجسّد هو الراعي الصالح لشعبه، إلى الأبد. لقد جاء ليجد النعجة التي ضلّت ويعيدها إلى الآب (را: لو 15 : 4 – 7). ومن علياء سمائه حيث ذهب ليعدّ لنا مكاناً (را: يو 14 : 2)، يشفع فينا لدى الآب (را: رو 8 : 34؛ 1 يو 2 : 1؛ عب 2 : 17). لقد أوكل إلى بطرس (را: يو 21 : 15 – 17) وإلى سائر الرسل ومن بعدهم إلى خلفائهم، أمر السهر بأمانة على رعيّته، في انتظار عودته في نهاية الأزمنة. وقد أرسل الروح القدس إلى كنيسته، وفيما كان يختفي عن أنظارها (را: أع 1 : 9) يوم الصعود، أكّد لها حضوره: “وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم” (متى 28 : 20).
المسيح، نور العالم الحقيقيّ
29- إنّ المصاعب الكثيرة التي واجهها المؤمنون في لبنان، والتي لا يزالون يعانونها في أشكال مختلفة – سواء أنجمت عن ضعفهم أم عن أحوالٍ خارجية – غالباًَ ما تشكّل عقبةً كأداء أمام رجائهم (56). أتمنّى لو أن الجميع يتمكّنون من سماع نداء آباء السينودس، في ختام رسالتهم. كانت نقطة انطلاقهم التأمّل في صفحة هامّة من أناجيل قيامة الرب (را: لو 24 : 13 – 35). أنا نحن تلميذا عماوس هذان […] ونحن أيضاً ساورنا الشكّ في حضور المسيح القائم من الموت في ما بيننا. ولكنّه انضمّ إلينا في الطريق […] ونحن أيضاً طلبنا منه: “أمكث معنا، فقد حان المساء”. ثمّ عرفناه عند كسر الخبز، إذ إنّه هو الذي يكسرُ الخبز ويوزّعه للمشاركة. وها نحن نتوجّه إليكم لنقول لكم: “أيّها الإخوة والاخوات، لا تخافوا، فالمسيح قام؛ لقد وجدناه من جديد؛ ولن نفارقه” (57). أجل يسوع هو الذي يفتح عيون الناس ليميّزوا حضوره. في بهاء نوره، يُدرك التلاميذ أنّه يطلب منهم أن يحيوا بمقتضى رجاءٍ مُتطلّب: “أن نرجو، إنّما هو أن نلتزم” المشاركة والشراكة، وفقاً لما تطلُبه الجمعية الخاصّة (58).
30- المسيح هو النور الحقيقيّ الذي يُذكي فينا الرجاء في كلّ أبعاده، إنه نور في شخصه، وفي عمله، وفي تعليمه. ففي شخصه، نكتشف معنى كياننا ومعنى رسالتنا. ولأنّه “هو نفسه إلهٌ حقيقيٌ وإنسانٌ حقيقيّ […]، وهو بحسب اللاهوت مساوٍ للآب في الجوهر وبحسب الناسوت مساوٍ لنا” (59)، نعلم أن العطش المطلق الذي يميّز طبيعتنا ليس باطلاً. فمعه [أي المسيح] وفيه، ملكوت الله، هذا التعبير الكتابيّ الذي يدلّ على اللقاء الحميم بين البشرية وربّها والاتّحاد به، هو منذ الآن في ما بيننا (را: متى 12 : 28). وفي تاريخنا، وعبر أحداثه الصغيرة والكبيرة، يبدأ منذ الآن التقاؤنا بالله، ونحيا التزاماتٍ بنّاءةً ترتدي قيمةً أبديّة حقيقية. ولقد علّم المجمع الفاتيكاني الثاني أنّ “ترجّي الحياة الأخرى لا يذهب بشيءٍ من أهميّة المهامّ الأرضية، بل بالحريّ يوفّر دواعي جديدةً للقيام بها” (60).
31- إنّ ملكوت الله، الذي أُعدَّ له في العهد القديم، وبوشر به في العهد الجديد، سيبلغ ملأه في نهاية الأزمنة. ومنذ الآن “فالمسيح، الذي جُعل بقيامته ربَّأ، والذي خُوّل كلَّ سلطان في السماء وعلى الأرض، يعمل بقوة روحه القدوس في قلوب البشر” (61). وفي نهاية الأزمنة، عندما يجمع المسيح في ذاته كلّ شيء (را: أف 1 : 10)، “ليكون الله كلّ شي في كلّ شيء” (1 قو 15 : 28)، يومئذٍ يفاجئنا تحقيق القصد الإلهي تحقيقاً نهائياً. ومع ذلك، فكما أنّ اللاهوت في المسيح لم يحلَّ الناسوت بل رفعه إلى أعلى درجات الكمال، كذلك انضمامنا إلى جسد المسيح واختصار الزمن والتاريخ في ذاته لا يُزيلان قيم هذا العالم بل يُكمَّلانها: “فهذه القيمُ من كرامةٍ إنسانيّة، وشركةٍ أخويّة وحرية، أي كلّ هذه الثمار الطيّبة، ثمار طبيعتنا وصناعتنا، التي نكون قد نشرناها على وجه الأرض في روح الرب وبحسب وصيّته، سنجدها فيما بعد مطهَّرةً من كل دنس، ناصعةً، مشرقة […] والملكوت قائمُ سرياً على هذه الأرض منذ الآن، وهو سيبلغ كماله عند مجيء الربّ” (62). في “السماء الجديدة” و”الأرض الجديدة”، اللذين سيحلان محل سمائنا وأرضنا، سنتعرّف بفرح إلى ملامح أجمل ما كان في هذا العالم وأفضل ما نكون قد فعلناه.
32- إن نداء السنيودس: “أن نرجو إنّما هو أن نلتزم”، يعني أن على المسيحيّين مسؤولية فعليّة في تحقيق مقاصد الله وتسريعها؛ فيمكنهم وعليهم أن يتكّلوا على حضور القائم من الموت حضوراً حالياً في ما بينهم، وعلى ما للروح من عمل صامت في العالم. وعليهم هم أن يعملوا بهدي كلمة الله ونعمته. والله إنّما يتابع تدبير الخلاص بمساهمةٍ من الصدّيقين يقومون بها بملء حريتهم. فبفضل “نعم” مريم حصلنا على تجسّد الابن، وبفضل استجابة الرسل لنداء الرب بلغتنا كلمته الإلهية. ومن بشر بالإنجيل كان مساعداً لله (1 قو 3 : 9). إنّنا بوساطة الكنيسة ومؤازرة شهادة إخوتنا، نحصل باستمرارٍ وفقاً لإرادة يسوع الصريحة (را: متى 28 : 18 – 20؛ يو 20 : 21 – 23)، على الحياة الإلهية والاتحاد بجسد المسيح والمصالحة مع الله. ومشيئة المسيح، اليوم أيضاً، هي أن يعمل مسيحيّو لبنان على أن يجعلوا الغير يعرفون اسمه ويحبّونه.
في هذا المنظور، لم يهمل آباء السينودس أي ناحية من حياة مؤمنيهم، سواءٌ أكانت شخصيّة أم عامة أم دينيّة أم سياسيّة: “في صلواتنا وأفكارنا، لم نضع جانباً موضوعاً من المواضيع المهمّة، ولم نهمل أي فئةٍ من الأشخاص، ولا صعوبة أيّاً كانت إلى وجابهناها” (63). هكذا نوّهوا بالجهود التي بذلوها هم ومؤمنوهم، من الإكليروس والعلمانييّن، طوال مسيرتهم السينودسية، لتمييز “علامات الأزمنة” المرتسمة في حياة الأشخاص والكنائس المحلّية، في ضوء حياة معلّمهم وسيدهم وتعليمه، وهو مرجعنا الأخير: “يا ربّ، إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟ ونحن آمنا وعرفنا أنّك قدوس الله” (يو 6 : 68 – 69). وفي وضح الإنجيل، كانوا يُعلنون أن الرجاء يحفز المؤمنين في إداء التزاماتهم، من دون تردّدٍ، بالروح والحقّ، في الشراكة مع الله ومع أعضاء الكنيسة، لجعل الحياة الاجتماعية والوطنية كل يومٍ أكثر أُخوّةً وعدالة.
33- إن رجاء مسيحييّ لبنان يقوم أساساً إذن على القيام بما يطلبه المسيح منهم حيثما وضعهم، كما جاء في الرسالة إلى ديوغنيتس: “إنّهم في الجسد، وهم لا يعيشون بمقتضى الجسد. يقضون حياتهم على الأرض، وهم مواطنو السماء” (64)، ويعملون على إعلان محبّة الرب. ويطيب لي أن أذكر هنا ما قاله مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، وهو قول حكيم: “إنّ الظروف الصعبة التي نواجهها يجب ألاّ تؤدي بنا إلى الهروب أو التقوقع أو الانعزال أو الذوبان، بل تردّنا بالأحرى إلى جذور إيماننا لنجد فيها منبعاً للقوة والثبات والثقة بالنفس” (65). على المسيحييّن، في هذه البقعة المضطربة من العالم، أن يعوا خطورة رسالتهم، كما قال أيضاً البطاركة: “إنّ حضورنا المسيحيّ لا يريد أن يكون حضوراً من أجل ذواتنا، لأنّ السيّد المسيح لم يؤسّس كنيسته كي تبقى في خدمة نفسها، بل لتكون شاهدةً وصاحبة رسالة هي رسالة مؤسّسها ومعلّمها بالذات. إنّ إسقاط الشهادة والرسالة من حياتنا المسيحيّة ومسيرتنا الكنسيّة إنما هو إلغاء لذواتنا وللهدف الذي من أجله دعانا مخلّصنا” (66).
فالمسيحيون هم إذاً مدعوّون باستمرارٍ إلى تجاوز مخاوفهم ف يما يتعلّق بمصيرهم الخاصّ، ليشعروا بمخافة حكماء الله الحقيقيّة (را: أمثال 1 : 7؛ مز 111 / 110 : 10؛ أع 10 : 34 – 35)، تلك التي تنجم عن عدم الأمانة له والتخلّف عن برّه: “لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النفس” (متى 10 : 28). الثقة بالله تعني في جوهرها تكريس الذات من دون إبطاء في خدمة ملكوت المسيح: “لا يهمَّكم للعيش ما تأكلون ولا للجسد ما تلبسون […] فاطلبوا أولاً ملكوته وبرَّه تُزادوا لهذا كلّه” (متى 6 : 25، 33).
34- كلّ يلقى في طريقه العذاب. وليس التلميذ أعظم من معلّمه؛ لذلك لا بدَّ له من أن يحمل صليبه، على مثاله. المسيحيّ لا يسعى في أثر العذاب، بل عليه أن يكافحه، ليدفعه عن نفسه وعن الآخرين (67)، لأنّه يعلم أنّه شرّ، وأنّه عاقبة الخطيئة منذ البدء (را: تك 3 : 16 – 19). ولكنه إذا لم يمكن اجتنابه، يحمله في الإيمان، تلبيةً لنداء الرب: “من أراد أن يتبعني، فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (متى 16 : 24).
هذا الصليب ينطوي على آلام لا مفرّ منها في حياة البشر، ولكنه ينطوي أيضاً، بالنسبة إلى المؤمن، على الألم بأن يكون هو نفسه عائقاً أمام محبّة المسيح، وانعكاساً مشوَّهاً لوجهه. وبنعمة الرب الذي غلب الموت والخطيئة، هناك منطقٌ آخر يجب أن يقود المسيحي: “فإذا كان أحدٌ في المسيح فإنَّه خلقٌ جديد” (2 قو 5 :17)، يخضع “لشريعة المسيح” (غل 6 : 2)، شريعة التطويبات والمحبّة التي لا حدَّ لها. “شريعة المسيح” هذه هي ثمر الروح القدس، “المحبة، والفرح، والسلام، والصبّر، واللطف، وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف” (غل 5 : 22 – 23). إنّها نقيض شريعة العالم الخاضع لقوّة الخطيئة، التي ينجم عنها “الدعارة والزنى والفجور وعبادة الأوثان والسحر والعداوات والخصام والحسد والسُّكر والقصف وما أشبه” (غل 5 : 19 – 21). إنّ كل إنسان على ما يذكّر به القديس بولس يختبر في جسده وفي فكره هذا التنازع الذي يميّز وضع الخلائق الخاطئة: “وإني أطيب نفساً بشريعة الله من حيث أني إنسان باطن. ولكني أشعر في أعضائي بشريعة أخرى تحارب شريعة عقلي وتجعلني أسيراً لشريعة الخطيئة، تلك التي هي في أعضائي” (رو 7 : 22 – 23). وعواقب سيطرة الخطيئة يمكن أن تعرّض السّلْم الاجتماعي للخطر، وتغذّي صداماتٍ مدمّرة.
يعلمُ المؤمن أنه، في كل صليب يرضى بحمله محبّةً للمسيح، يشترك مع المسيح في خلاص العالم: “إنّي يسرّني الآن ما أعاني لأجلكم فأتمّ في جسدي ما نقص من شدائد المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة” (قول 1 : 24). وهو يعلم أيضاً أن الكلمة الأخيرة في مواجهة الشرّ هذه، إذا جرت حسب المسيح، هي غلبة القيامة: “فإذا اتّحدنا به فصرنا على مثاله في الموت، فسنكون على مثاله في القيامة أيضاً (رو 6 : 5؛ را : فل 3 : 10 – 11).
إن الكنيسة الكاثوليكية في لبنان مدعوّةٌ، على ضوء شخص المخلّص وحياته وتعليمه، إلى تجديد ذاتها، بحيويّة الرجاء وسخاء المحبّة، لقاء تضحياتٍ حقيقيّة، إن لزم الأمر (68)، في أمانة مطلقة للرب، وللرسالة التي أوكلها إليها وللروح الذي يريد أن تحقّقها فيه.
المسيح قدرةُ الله
35- إنّ المأساة التي عانتها الكنيسة الكاثوليكية في لبنان في هذه السنوات الأخيرة كانت لها مناسبةً قاسيةً لتشعر بضرورة الارتداد فتحيا بمقتضى الإنجيل، وتبقى متّحدة، وتتحاور في الحقّ مع سائر الكنائس والجماعات المسيحيّة من أجل التقدّم نحو الوحدة الكاملة، وتبني أيضاً، مع سائر المواطنين، مجتمعاً قادراً على الحوار المنفتح، وعلى العيش المشترك، وعلى الاهتمام بالآخرين، ولاسيّما الإخوة الأكثر حرماناً.
غنيّ عن البيان أنّ تجديداً كهذا يتعدّى على الاطلاق القوى البشرية. وهذا ما يعرفه المسيحيّون وهم حريصون على إعلانه ليتمجّد الله بذلك. إلاّ أنّهم يضعون ثقتهم في الله، “الإله الرحيم والرؤوف” (را: خر 34 : 6)، والذي “لا رجعة في هباته ودعوته” (رو 11 : 29)، وهو الذي يعرف عمق ضعفنا. وهم يضعون ثقتهم في يسوع المسيح، “فإنّ مواعد اله كلَّها” قد صارت فيه “نعم”” (2 قو 1 : 20). “وإذا كنا غير أمناء ظل هو أميناً لأنه لا يمكن أن ينكر نفسه” (2 طيم 2 : 13). ويضعون ثقتهم في الروح القدس، الذي يذكّرهم بكل ما علّمهم إيّاه يسوع (را: يو 14 : 26)، والذي يحملهم على التجدد (را: رو 7 : 6)، وعلى تكوين جسدٍ واحدٍ (1 قو 12 : 13) وعلى النموّ في الشراكة والرجاء الواحد (را: أف 4 : 3 – 4).
لذلك يجب على كنيسة لبنان أن ترتكز، في صميم رجائها، على المسيح، وهو الكلمة المتجسّد، الذي غلب الخطيئة والموت. صحيحٌ أنّ الشرَّ والموت لم يبرحا الوجود، وأنَّ الجميع يشعرون بعواقب الخطيئة، سواءٌ أكان ذلك في كيان كل فردٍ أم في العلاقات ما بين الأشخاص وما بين الجماعات. ولكن، بالمسيح، يستطيع الناس أن يكونوا في شراكة حياةٍ مع الله وبعضهم مع بعض.
للتغلّب على الخوف، وللارتداد إلى التواضع، وللتمكّن من التجرّد، وللسيطرة على الأنانية، ولتفهّم “السعادة أنّها في العطاء أعظم منها في الأخذ” (أع 20 : 35)، وأنّ في الاهتمام بالغير سعادة أكبر من الانغلاق على الذات، وأنّ ما من أحد يستطيع أن يتّكل على قواه وحدها. ولقد حذّرنا المسيح بقوله: “بدوني لا تستطيعون شيئاً” (يو 15 : 5) ولقد شدّد من عزيمة القديس بولس، أيضاً، بقوله ما: “حسبك نعمتي، فإن القدرة تبلغ الكمال في الضعف” (2 قو 12 : 9)؛ وكذلك نبّه تلاميذه: “يُعانون الشدّة في العالم ولكن ثقوا إنّي قد غلبت العالم” (يو 16 : 33).
36- لذلك، يا أبناء الكنيسة الكاثوليكية في لبنان وبناتها الأعزاء، إنّ الجمعية الخاصّة لسينودس الأساقفة تستحثكم على الانقياد للمسيح، لكي تنموا في الشراكة التي يستطيع هو وحده أن يجعلها كاملة. إذّاك يمكنكم أن تتابعوا بشجاعةٍ حواراً صادقاً وبنّاءً مع مواطنيكم. هذا الحوار يفترض تمرّساً روحياً صارماً في مجال الإصغاء والكلام. وهذا يعني: أن تريد وتعرف، وأن تريد أن تفهم المعنى العميق في كلام الفريق المحاور وتصرّفه وأن تعرف أن تفهم هذا المعنى، وأن تدرك مصدر خبرته والآفاق الإنسانية المحيطة به، وأن تعبّر تعبيراً يستطيع الآخر فهمه فهماً صحيحاً، وأن تسلك بحسب الإنجيل بحيث تكون شهادة الحياة أساساً لمصداقية الكلام. هكذا تصيرون أمناء لرسالة البشرى التي أودعها الرب كنيسته: “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، […] وعلّموهم أن يحفظوا كلَّ ما أوصيتُكم به” (متى 28 : 19 – 20).
من وجهة نظر الإيمان والمحبّة، لا يمكن أن يقتصر الذهاب إلى الآخر على إبلاغه ما فهمناه من الرب، بل يقوم أيضاً على أن نتلّقى منه الخير والحق اللذين أعطي له أن يكتشفهما. هكذا نتقدّم باطراد في معرفة الإله الحقيقيّ الأوحد ومعرفة من أرسله (أي) ابنه يسوع المسيح (را: يو 17 : 3) فإذا كان “النعمة والحق قد أتيا عن يد يسوع المسيح (را: يو 1 : 17)، فإنّ روح الله الذي يهبُّ في الكنيسة، يهبّ أيضاً في الجماعة البشرية جمعاء. وكما يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني، “من الواجب علينا أن نكون على يقينٍ من أن الروح القدس يمكّن الجميع، بطريقةٍ يعرفها الله، من الاشتراك في السرّ الفصحيّ” (69). “إنّ النعمة تعمل بطريقةٍ غير منظورة في قلوب جميع الناس ذوي الإرادة الصالحة” (70).
هذا كلّه تعلّمَتْه الكنيسة من المسيح، الراعي الصالح، ومنه تنال القوة لتحيا فيه، حتى يؤمن الناس به ويدخلوا الحياة الجديدة. إنّها حاضرةٌ، على مثال يوحنا المعمدان، “لتشهد للنور” (يو 1 : 7)، لأن الروح كشف لها أن “الكلمة كان النور الحق الذي يُنير كل إنسان” (يو 1 : 9)، وأنّه وحده “قدرة الله وحكمة الله” (1 قو 1 : 24). فيه وبه يعرف الإنسان ذاته، ويكتشف معنى الحياة، ويكتسب القدرة على أن يسلك طريق الحياة الحقيقية وأن يقود إليها الآخرين.
الفصل الثالث
سينودس لتجدّد الكنيسة
السينودس: الدعوة إلى عقده وأعماله
37- إلتأمت الجمعية الخاصّة لسينودس الأساقفة من أجل لبنان، أولاً، لكي يُتاح للكنيسة الكاثوليكية في لبنان أن تتجّدد في المسيح رجائنا، بنعمة الروح القدس، أي لكي تكون وفيّةً لدعوتها ورسالتها وعلى وجودها، في تصميم حبّ الآب لخلاص جميع الناس. وتلبيةً للدعوة التي وجّهتُها في رسالتي إلى البطاركة ورؤساء الأساقفة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (71)، اقترحت وثيقة الخطوط العريضة على جميع الكاثوليك في لبنان أن يبحثوا بحثاً جدّياً في أمانتهم للرسالة التي أرادها الرب: “تتساءل كنيسة لبنان، في الوضع الذي تعيش فيه […]، هل كانت ولا تزال وفيّةً لما نفحها به المسيح لذاتها ولرسالتها” (72).
الأفكار التي انبثقت من الخطوط العريضة لّخصتها وثيقة العمل، وعلى هذا الأساس حدّد آباء السينودس، في الخطوط الكبرى، مجالاتٍ لا بدّ فيها من التجدّد ومن إجراء تحوّلات روحيّة عميقة. وهذا يتطلّب، قبل أي شيء، مسيرةً مستمرّة في الصلاة والتضحية والتأمل تضعنا في كنف الروح، وتمكّننا من تنفيذ إرادة الله، لأنه هو الذي يُنمي، ونحن عاملون معه (1 قو 3: 5 – 9).
في مرحلةٍ أولى، حدّد الآباء مفهوم “التجدّد بروح المسيح”. ثمَّ تساءلوا، تحت نظر المسيح، إلى أي تجدّد، حقاً، يُدعى الكاثوليك اللبنانيّون، كلّ بمقتضى موهبته، في نطاق كنيسته الخاصّة كما في نطاق الكنيسة الكاثوليكية بأجمعها. ثم بحثوا في التغييرات التي يجب إجراؤها في البُنى الرئيسة التابعة للمؤسّسات الكنسيّة. ونظروا أخيراً، باهتمام راعوي كبير، كيف يجب أن يتحقّق هذا التجّدد، وكيف يُثقَّفون عليه المؤمنين.
الروح القدس صانع التجدّد
38- “الرجاء لا يُخيَّب صاحبه، لأن محبة الله أُفيضت في قلوبنا، بالروح القدس، الذي وُهب لنا” (رو 5 : 5). المسيح لا يدعنا أيتاماً في شدائدنا، بل يأتي لنجدة ضعفنا، ليجعل منا تلاميذ له حسب قلبه. وقد وهبنا روحه معزّياً وينبوع حقّ: “متى جاء المؤيد، الذي أُرسله إليكم من لدن الآب، روح الحق المنبثق من الآب فهو يشهد له” (يو 15 : 26). “متى جاء هو، أي روح الحق، فإنَّه يرشدكم إلى الحق كلّه (…) ويخبركم بما سيحدث” (يو 16 : 13). تثبيتاً للإيمان والرجاء والمحبّة لدى المؤمنين، واذكاءً لحميّتهم الرسولية، لا بدّ من النظر إلى هذه “الأمور الآتية”، لأنَّه، تبعاً لمعنى التاريخ الذي في المسيح بدايته ونهايته، والسعادة التي يدعونا إليها يُطلب من الكاثوليك اللبنانيّين، أن يتوبوا ويُبدّلوا سيرتهم بدافع من الروح؛ وهكذا يظهر، شيئاً فشيئاً، عالم جديد في هذه الأرض، بمعونة الروح القدس الذي ينفحنا بالحياة الجديدة الصادرة عن الله (73).
ومن ثم فالتجدّد الذي يجب على السينودس أن يشجّعه، إنما هو، في الطليعة، عمل الروح القدس. وعلى جميع أعضاء الكنيسة أن يصغوا إليه، ويعترفوا بأنهم خطئوا عندما نّفذوا إرادتهم عِوَضَ أن يتمّموا الإرادة الإلهيّة (را: 1 مل 7 : 1 – 17)، وأرادوا أن يحقّقوا أغراضهم الشخصية عِوَضَ أن يبنوا جسد المسيح ويتبعوا، بتواضع، من هو رأس الجسد، والذي بإمكانه وحده أن يقود الكنيسة إلى كمالها (74). إن تعاون الجميع مع عمل الروح القدس هو الجواب الثابت لموهبة التجدّد العظمى: “اسلكوا سبيل الروح (…) فإذا كنا نحيا بالروح فلنسر أيضاً سيرة الروح” (غل 5 : 16، 25). ولهذا فالجمعية السينودسية تدعو بإلحاح كلَّ الذين واللواتي قبلوا المعمودية في روح واحد أن يرتووا من معينه (را: 1 قو 12 : 13)، فيحملوا ثماراً لحياتهم الشخصية، ولتجدّد الكنيسة جمعاء (را: غل 5: 22 – 24) (75).
أولاً- ينابيع التجدّد وثماره
كلام الله
39- إن الكنيسة، إبّان حَجَّتها إلى الملكوت، الذي هي بذاره وبدايته على الأرض (76)، تغتذي من كلام الله الحيّ بواسطة الروح، الذي أوحى، هو أيضاً، إلى كتّاب الأسفار المقدّسة، ويُتيح لشعب الله، هكذا كلّ يوم، فرصة بلوغ هذا الكلام في ملء معناه، والتأمُّل في كلمة الله الذي “صار لابساً الجسد لنتمكّن من أن نصير لابسي الروح” (77). “بواسطة الكتب المقدّسة يُبادر الآب الذي في السماوات، بحنوّ عظيم، إلى لقاء أبنائه ومحادثتهم. إنَّ كلام الله هذا يحمل قوّة وسلطاناً عظيمين، بحيث يصبح ركناً عظيماً للكنيسة وعزّة، ولأبناء الكنيسة منعة إيمان، ولنفوس المؤمنين غذاءً، ولحياتهم الروحية معيناً لا ينضب” (78). ففي إثر آباء السينودس، أدعو إذن كلّ المؤمنين إلى تجديد اصغائهم إلى الله الذي وهب العالم كل شيء، في الكلمة المتجسّد، “الذي يشهد له الكتاب المقدّس شهادةً مميزّة ووفيّة وصادقة” (79). وقد استعاد المجمع الفاتيكان الثاني ما نبّه إليه القديس إيرونيموس فلفت المسيحيّين إلى أهميّة كلام الله في حياتهم، “لأنّ من جهل الكتب المقدّسة جهل المسيح” (80)، وقد تبحّرت الكنائس الشرقية، عبر تاريخها، في قراءة كلام الله، “لأنّ كلَّ واحد يتعلّم من الكتاب الموحى، حسب حاجاته” (81)، وخصوصاً عن طريق قراءة الأسفار المقدّسة، التي تُتيح للمرء أنَّ يكتشف بطريقة مؤكّدة “أنّ الكتاب المقدّس يتضمّن نوعاً من القوة، تكفي من يقرأها، حتى بدون تفسير” (82). على مثال الآباء، قرأ الشرق المسيحيّ الكتاب المقدّس، قراءةً رائعة، في عمل تفسيريّ حِكميّ، يربط اللاهوت والحياة الروحية برباط وثيق.
لقد نوّهت الجمعيّة السينودسية تنويهاً خاصاً بالرباط الحيوي الذي يجمع ما بين كلام الله والكنيسة في سرّ المسيح، الذي مات وقام، وأضحى خبز حياة للمؤمنين به (را: يو 6). المسيح كلمة الله هو الذي تنادي به الكنيسة، وهو الذي يُغذّيها على مائدة الكلمة ومائدة جسده، و هكذا يبنيها (83).
“إنّنا نملك الغذاء الذي قدّمه لنا الرسل [أي كلام الله]. تناولوه ولن تضعفوا. هذا الطعام، تناولوه أولاً لتتمكّنوا، بعد ذلك، من الإقبال على طعام المسيح، طعام جسد الرب” (84). ولذا، فالكنيسة في لبنان يدفعها الروح القدس، اليوم، إلى تقبّل كلام الله، وإعلانه ووضعه موضع التنفيذ، ولابدّ من أن يكون لتعليم السرّ المسيحيّ، في الخدمة الكهنوتية، المحلُّ الراجح، ويكون موضع إعدادٍ دقيق. وذلك أنَّ معاصرينا الذين يواجهون ثقافات وعلوماً تطرح على الإيمان أسئلة خطيرة، يحتاجون إلى تنشئة مُنظَّمة وثقافة دينيّة جدّية، وحياةٍ ورحيّة قوية، إذا أرادوا اتّباع المسيح. وإنّي ألفت انتباه الرعاة خصوصاً إلى مواعظ الأحد التي يجب إعدادُها بكثير من العناية، بالصلاة والدرس. وإنّي أشجّع تشجيعاً حاراً، في هذا الصدد، المبادرة الرامية إلى توفير ملفّاتٍ للكهنة تتضمّن دراساتٍ تفسيرية، تُلهم التأمل الذاتي، وتمكّن من إعداد المواعظ بطريقة أعمق. هذه المواعظ تهدف، أولاً إلى مساعدة المؤمنين لكي يحيَوا إيمانهم في ظروفهم اليومية، ويقيموا الحوار مع إخوتهم. كذلك أن نشر الكتاب المقدس مطبوعاً، وإفساح المجال للعلمانيّين في الاشتراك في دورات تنشئة تفسيرية، يُتيحان “لعددٍ كبيرٍ من المؤمنين أن يقرأوا كلام الله ويتأمّلوه ويجعلوه موضوع صلاة وحياة” (85).
التقليد الرسولي
40- إنما بعون الروح القدس الذي لا يني، ينتقل إلى الكنيسة التقليد الموروث من الرسل، وهو “الذاكرة الحيّة القائم من بين الأموات” (86). هذا التقليد الرسولي قد وَسَم بالإنجيل، بطرق متنوّعة، الثقافات القائمة في لبنان، مع الحرص على مراعاة المشاعر الروحية الغنية الخاصة، واللغات المحلية. فإلى جانب التقليد الأرمني الذي لا يخلو، على فرادته، من صلة بالآباء الكابادوكيّين والسريان، يأتي التقليد الأنطاكي، العريق جداً بجذوره الآرامية واليونانية معاً. هذه الجذور كلّها تشمل الكنائس الشرقية الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية. وقد انتقل هذا التقليد المقدّس والحيّ، بمختلف وجوهه، عبر آباء الكنيسة والكُتّاب الروحيّين والليترجيا الإلهيّة ومثال الشهداء والقديسين والقدّيسات. إن الأمانة لهذا التقليد تُمكّن من “عودة حقيقية إلى الينابيع”، يعمل الروح القدس بواسطتها لتجديد كل كنيسة خاصّة وتطوير الشراكة بينها جميعاً (87). تيّار هذا التقليد الحيّ العظيم، في طواعيته للثالوث الإلهي، يحرّك الكنيسة لتعلن السرّ المسيحي في كل ثقافة وكل زمان. “وكلّما تطوّرت الكنيسة في الزمان والمكان، واكبها تطوّرٌ في فهم التقليد الذي تحمله، عبر مراحل تساعد دراستها على رسم المسيرة التي لابدّ منها للحوار المسكوني وكلّ فكر لاهوتي صحيح” (88).
41- في الجمعية السينودسية، عبّر آباء كثيرون عن أسفهم لجهل المؤمنين تقليدهم الكنسي وتقاليد إخوتهم. وأكَّد آخرون أنَّ تجذر كنائس إنطاكية في تقليدها المشترك هو مقتضىً حيويّ لتجدّدها، وإقامة الشراكة بين الكنائس الكاثوليكية الخاصة التابعة له، في سبيل الحوار المسكوني والرسالة (89). ولذا فمن الأهميّة بمكان الإلحاح على تقييم متجدّد للتقاليد المتصلة بالآباء والليترجيا والأيقونات في الكنيسة الكاثوليكية اللبنانية، التي تُرشد الشعب اللبناني إلى المسالك الروحية، للقاء الله الحيّ الحقيقيّ، وتجعله أيقونةً حيّة للمسيح (90). لابدّ أيضاً من مواصلة السعي لتقييم الكتابات المسيحيّة العربية على صعيد اللاهوت والروحانية والليترجيا والثقافة العامّة. وكلّها كنوز أَثْرت التقليد الأنطاكي منذ القرن السابع. وهناك أيضاً، على صعيد الوسائل، مبادراتٌ كثيرة، لا بدّ من دفعها إلى الأمام وتشجيعها: بحوث علميّة، وترجمات، وبرامج مستحدثة في أجهزة التنشئة اللاهوتية والتعليم الديني، وبرامج تنشئة للبالغين والشباب، والعمل على نشر سِيَر القديسين وشهود الإيمان في كل زمان، والوقوف على المقامات الدينية العريقة، والعمل على التعريف بتقاليد الكنائس الشرقيّة في الجماعات المسيحيّة في بلاد الانتشار (91).
الليترجيا
42- في الاحتفال الإفخارستي، خصوصاً، يجدّد الروح القدس الكنيسة، ويجعلها كل يوم أكثر على مثال ربّها. الإفخارستيا هي الخبز اليومي الذي يوحّدنا بالمسيح ويجعلنا أعضاءً حيّة في جسده، ويثبتّنا في الوحدة (92). وهكذا نتحوّل إلى ما نتناوله “فنعكس كمرآة مجد الرب، ووجهنا سافر وضميرنا طاهر” (93).
الليترجيا هي النبع والقِمّة، في حياة الكنيسة وعملها، وهي الاحتفال بالسرّ الفصحي، وبخاصة في الإفخارستيا، وفي الأسرار الأخرى أيضاً، وفي الفرض الإلهي، المعروف أيضاً “بليترجيا الساعات”. على مدار السنة، وبخاصة في الكنائس الرعوية حيث تلتئم الجماعة المسيحيّة، يغدو كلام الله بالفعل “روحاً وحياة” (يو 6 : 63)، ويُظهر التقليد المقدّس قوته المحيّية أكثر ما يُظهر. وتتحقّق معرفة الثالوث المقدس بطريقة حميمة، خصوصاً، في صلاة الكنيسة المتواصلة، بواسطة المسيح الوسيط الأوحد بين الله والناس، وبواسطة الروح الذي يحثّنا على أن نردّد بلا انقطاع: أبَّا أيّها الآب (94). هذا وقد تطوّرت على مدى الأجيال، “مجموعة الترانيم الليتورجية الغنية جداً. (…) هذه الأناشيد هي، في غالبيتها، تفاسير رائعة للنصّ الكتابّي” (95)، يغتذي منها المؤمنون ويتزوّدون بها في صلواتهم.
الليترجيا الإلهية، بصفتها مشاركةً في الليترجيا السماوية، واستباقاً “للعالم الآتي”، هي الموهبة التي مكّنت الكنائس الشرقية من الصمود في الرجاء عبر أجيالٍ من المحن. وباعتبارها معيناً لا ينضب، يُروي الإيمان وينعشه، فهي تحتاج اليوم إلى أن نُضفي عليها طابعاً رعائياً جديداً، يتماشى مع توجيهات المجمع الفاتيكاني الثاني، ويُراعي التقاليد الروحيّة المميّزة. هذا التنبّه الجديد لا بدّ منه لتطوير العمل الرعائي في الليترجيا وخدمة الأسرار، فيتاح لجميع المؤمنين المشاركة، على نحوٍ أفعل، في الحياة الليترجية؛ وهكذا تصبح الاحتفالات الليترجية أكثر أصالةً وأعمق معنى (96). إني أوصي الرعاة بالسهر على أن تحافظ الاصلاحات الليترجية الجارية على جمال الاحتفالات وحُرمتها، لما تشكّل من تراث مشترك بين الكنائس الشرقية. والحرص واجب كيلا تشوّه هذه الاصلاحات قدسيّة الأسرار في معانيها اللاهوتية؛ وأن تدرك الكنائس الشرقيّة، على اختلافها، أنّها في شراكة وتناغم مع الكنيسة جمعاء (97)، مع التمسّك بالأعراف الكنسيّة الخاصّة. ولكي تأخذ الاصلاحات الليترجية مجراها السليم، يحسن التقيّد بالضوابط المدرجة في الكلمة التوجيهية لتطبيق الأنظمة الليترجية في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، التي نشرها مجمع الكنائس الشرقية (98). ولكي يتحقّق هذا التجدّد، ألحّ آباء السينودس على التقيّد بشروط لا بدّ منها، وهي: عمل اللجان الليترجية في سينودسات أساقفة الكنائس البطريركية، وفي الأبرشيات أو الرعايا، والتنشئة الأساسيّة الأولى والدائمة للكهنة والشمامسة والمسؤولين العلمانيّين، وكذلك الوقوف على التقاليد والعمل الراعوي الليترجي. وليكن حرص الجميع، بمنأى عن كل سعي إلى الشّهرة، على أن يُظهروا سرّ الإيمان المحتفى به في عمق حقيقته وجماله (99).
الصلاة الشخصية والجماعية
43- في ختام المداخلات التي دارت في الجلسة العامة، خلص تقرير الجمعية السينودسية إلى التذكير، بشجاعة، بأنّ التحوّلات، في الحياة الشخصية والحياة الاجتماعية، توجب تحرّراً عميقاً داخل الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، وهو التحرّر الباطني الذي يأتينا من المسيح عبر الحياة الروحية. فقبل أن تعمد الكنيسة في لبنان إلى تغيير بُناها، من المُلّحّ أن تدع المسيح يحوّلها، فيتحقّق في كلّ مؤمن عمل التاليه. وهو من المواضيع المحبّبة إلى اللاهوت الشرقي (100): “بقدرة الروح الساكن في الإنسان، يبدأ التأليه ونحن بعد على الأرض والخليقة تتحوّل وملكوت الله يبتدئ” (101).
من الأهمية إذن بمكان أن يُبذل كل ما في الوسع لإرشاد المؤمنين إلى التمرُّس في الصلاة الشخصية والجماعية، والتمكّن من إذكاء حياتهم الروحية، في إطار حياتهم اليومية، وفي أمكنة معدّة للصمت والاستقبال، وفي الأديار. وإننا لنفرح أيضاً أن تنتشر فِرَق صلاةٍ، مدعوّة إلى أن تصبح جماعات كنسية أصيلة، وشهوداً للقوة المقتبسة من الصلاة.
ثانياً- تجدّد الأشخاص
الوحدة في التنوّع
44- من المواضيع الرئيسة التي عالجتها هذه الجمعية السينودسية لأجل لبنان، موضوع الوحدة في التنوّع. وقد أراد الآباء أن ينوّهوا، غير مرّة، بالاحترام الواجب لهوية كل مجموعة وكل فرد، وبالحاجة الملّحة إلى تخطّي الحواجز التي أقامها التاريخ بين الجماعات المسيحية اللبنانية. فيصبح الجميع “حجارة لتشييد برج… مبنيّ على صخرة الإيمان” (102). هذه الرغبة في التعاون والانفتاح لم تظهر فقط على صعيد مختلف الكنائس المحلية بمجملها بل أيضاً على صعيد مختلف الفئات التي يتكوّن منها شعب الله. فمن حقّ كل فرد أن تُحترم مسيرته الروحية الخاصة، ولكن على الجميع أيضاً أن يدخلوا طريق الحوار مع إخوتهم. فالمواهب المودّعة لدى البعض يجب أن تُبذل في خدمة الجميع، بالتماس مشترك للحقيقة في المحبّة.
المؤمنون العلمانيّون
45- لقد عبّر العلمانيّون المشتركون في السينودس، في أثناء انعقاده، تعبيراً وافياً عن رغبتهم في أن يشترك المؤمنون اشتراكاً فاعلاً ومسؤولاً في الحياة الكنسيّة، في مختلف البنى والمجالس الرعوية (103)، وفقاً لمؤهلاتهم وعليهم أن يلجوا حياة الكنيسة في مختلف الصُعُد، ولكنهم ينتظرون منها غالباً أن تستعين بهم وتعبّر لهم عن ثقتها. مجالات العلمانييّن في العمل الرسولي واسعة. “دعوتهم الخاصّة بهم هي أن يطلبوا ملكوت الله من خلال إدارة الشؤون الزمنية التي ينظّمونها بحسب إرادة الله (…). ففي موقعهم هذا دعاهم الله ليعملوا، فعل الخمير من الداخل، على تقديس العالم بمزاولة مهامّهم الخاصة، بِهَدي الروح الإنجيلي، وليعلنوا المسيح للآخرين بشهادة حياتهم، قبل أي شيء آخر، من حيث تشعّ إيماناً ورجاءً ومحبّة” (104)، وبها يتّحدون بربّهم. إدارة الشؤون العامة، وسياسة المجتمع، هما ذاك العلم المدني (105) الذي يمكن الناس من التواصل بصلات الصداقة، مع الاهتمام بأن يبنوا معاً أسرة يوحّدها المصير والصالح العام، رائدها خير الأفراد وخدمة الحقيقة (106)، لتحمل كل مواطن على حبّ وطنه.
“إلى جانب هذه الرسالة المنوطة بجميع المسيحيين قد يدعى العلمانيون، بوجوهٍ مختلفة، إلى الإسهام في رسالة السلطة الكنسيّة إسهاماً أدنى وأقرب على غرار أولئك الرجال والنساء الذين كانوا أعواناً للرسول بولس في الإنجيل، وكانوا في الربّ يبذلون نشاطاً عظيماً (را: فل 4 : 3؛ رو 16 ك 3) ” (107). ومن الأهمية بمكان، أيضاً، أن يتجنّد المؤمنون العلمانيّون، مباشرةً للبحث الفكري والدرس، لكي تتنامى، بدعم من الرعاة، ثقافة مسيحية في العالم العربي. ولكي يتمكّن العلمانيّون من الاضطلاع بمسؤولياتهم، لابدّ من أن يجدوا، في رعاياهم وفي منظَّماتهم، مناهج تنشئة في التعليم الديني واللاهوت والروحانية، تساعدهم، بالتعاون مع الكهنة، في نشاطاتهم الرعوية، مع الاهتمام بالمشاركة بالمسؤولية (108).
من هذا المنظور، لابدّ من العمل على إنشاء مراكز تنشئة للبالغين، يستطيع المؤمنون أن يلجأوا إليها بسهولة. أما تنشيط هذه المراكز وإدارتها فبالإمكان أن يتولاّهما معاً مجموع البطريركيّات، على مختلف مستوياتها، كما يُمكن أن تُنشأ بمثابة ثمرة تعاون وثيق بين عدد من المنظمَّات، بروحٍ من التنسيق مع المراكز الأخرى القائمة. وبإمكان هذه البنى أن تحقق الوسائل التقنية والتربوية التي تتلاءم ومعارف المؤمنين. ويُدعى الأساقفة في لبنان إلى مواصلة السعي، بالاستناد إلى كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية، لنشر كتب تعرض الإيمان المسيحي بمجمله، مع التنبّه لتنوّعها الثقافي. إني أحيّي الجهود المبذولة، حتى الآن، بالتعاون مع الكاثوليك الآخرين في الشرق الأوسط لنشر نصوص، باللغة العربية، صادرة عن السلطة التعليمية الحبرية، وعن بعض دوائر الكرسي الرسولي. ثم إنَّ حضور المسيحيّين على نطاق أوسع في وسائل الاتصال الاجتماعي، يتيح نشر التعليم الكنسي، سواء عبر ما تملكه الكنيسة من صحف وإذاعات وتلفزيونات، أم عبر ما يعدّه المؤمنون من برامج في الوسائل الإعلامية التي، وإنْ خلَتْ من الطابع الكنسيّ المحدّد، إلا أنها تُفسح بالمجال لحلقاتٍ دينيّة في برامجها (109).
الأسرة
46- لقد عدّد النداء السينودسي بوضوح الأخطار المحدقة بالأسرة اللبنانية: “وذلك في حياة عائلية تتفكّك من جرّاء هجرة الأب أو الأبناء سعياً وراء عمل أو تحصيل مهارة إضافية، أو حياة عائلية تتفسّح من جرّاء صعوبات مادية متفاقمة، أو حياة عائلية تتآكل من جراء مفهوم خاطئ لاستقلال الأزواج فيما بينهم أو من جرّاء عقليّة معادية للإنجاب” (110). في مواجهة هذه الأخطار، لابدّ من دعم روحيّ وأدبيّ ومادي للمقبلين على الزواج وللعائلات، وتلك مهمّة من أشد الأمور إلحاحاً.
إنه انطلاقاً من الأسرة، أولاً، يُحاك النسيج الاجتماعي، وتتحقّق تربية الشبيبة، المسؤولة غداً عن الأمّضة، وينتقل الإيمان المسيحي من جيل إلى جيل. إنَّ الكنيسة تثق بالعائلات، وتعوّل على الأهل، وبخاصة في آفاق الألف الثالث، لكي يحظى الشباب بمعرفة المسيح، واتّباعه اتباعاً سخياً، سواء في حالة الزواج أم في الكهنوت أم في الحياة المكرّسة. “الكهنوت العمادي الذي ينعم به المؤمنون، إذا عاشه الإنسان في الزواج – السرّ، يكوّن للأزواج وللأسرة مرتكزاً لدعوةٍ ولرسالةٍ كهنوتيّتين” (111). في الأُسر حيوية روحية غنية. وهي في طليعة المواقع التي تنضج فيها الدعوات. ويشهد الأهل، بنَمط حياتهم، لجمال الحياة الزوجية وبذل الذات. وما يؤدّيه الأزواج من قدوة يومية يغذّي لدى الشباب الرغبة في الاقتداء بهم. الأسرة هي “الكنيسة الصغرى” وهي مدرسة الحب (112)، والموقع الأول للشهادة المسيحيّة والرسولية، بالمثل كما بالكلام. إن سرّ الحب الذي يربط الرجل والمرأة يعكس الوحدة القائمة بين المسيح وكنيسته (را: أف 5 : 32). وفي الأسرة يتربّى الأولاد، منذ الصغر، على حضور الله والثقة بحنوّه الأبوي. إلا أن أبسط قواعد التربية وأجداها أن يقدّم البالغون قدوةً الصلاة المسيحية والتأمل بكلام الله. ولذا، جلُّ ما تمنّاه المشاركون في السينودس من هذا القبيل، هو تعزيز العمل الراعوي في سبيل العائلة، كي تُصان هذه المؤسّسة البالغة الأهمية وتلقى العون والسند.
47- بهذه الروح، يصبح الإعداد للزواج غاية في الأهميّة. لابدّ إذن للخطّاب من أن يعوّلوا على الكنيسة المحليّة للاضطلاع بمسؤولياتهم المستقبلية. ومن ثمَّ يجب أن يكون في كل رعية أزواج مُختبرون، يُساعدون الشباب، بالتنسيق مع الإكليروس، على التأهّب للزواج. إنّ أشخاصاً متزوجيّن يمكنهم أن يصبحوا مرشدين صالحين للذين يستعدّون للزواج، والذين يواجهون صعوبات يمكنهم أن يجدوا ما يحتاجون إليه من أذن مُصغية ودعم أخويّ. وفي سبيل إنعاش مراكز الإعداد للزواج والإرشاد، نتمنَّى أن يُنشأ معهد للدراسات الزواجية والعيلية، لتنشئة كهنة وأشخاص مؤهَّلين. هذا المعهد بإمكانه أن يُوفر أيضاً معلوماتٍ لفائدة مختلف المراكز، وينشر تعاليم الكنيسة التي قدّمت، في هذه السنين الأخيرة، نصوصاً كثيرة يتدارسها المسيحيّون (113).
إنه لحسن أن تُنشأ شبكةٌ من الأزواج المؤهَّلين لمرافقة الذين يواجهون صعاباً، ومساعدتهم على أن يُبدلوا نظرتهم للمعضلات التي تعترضهم، وإعادة حوار هادئ بينهم (114). هكذا يغدو من الممكن الوصول إلى تحقيق المصالحة بين الأزواج (المتخاصمين) قبل التسرّع في اللجوء إلى الحلول القضائية (115).
48- لمواجهة المعضلات المتفاقمة بين الأزواج، من المستحسن أن تتعاون المحاكم الكنسية مع مراكز المساعدة (العائلية) لبذل كل الجهد لمصالحة الأزواج (116). بما أن كل كنيسة بطريركية لها محاكمها الخاصة، فلا بدّ من إقامة تعاون وثيق بينها، توفيراً لعدالة واحدة للجميع، عبر تنوّع السلطات القضائية، ومنعاً من أن يتلاعب المتحاكمون بمجرى العدالة، واستغلال الفروقات بين السلطات القضائية. وهذا يفترض لدى القضاة روحاً رعائية ونزاهة كاملة تضمنهما السلطة الكنسيّة بسهرها المستمرّ (117). ومن المناسب أيضاً أن يُضمن للمعوزين حقُّهم في الدفاع، وذلك بدعم المعونة القضائية بالإعفاء من الرسوم، ووضع بعض المحامين المتطوّعين في تصرّفهم (118).
49- لابدّ أيضاً من مساعدة العائلات في المعضلات الاقتصادية التي تواجهها. إني في هذا المجال، أعبّر عن ثقتي بالمؤسّسات الكاثوليكية المحليّة لتكون سبّاقة إلى الابتكار، والتعاون في ما بينها وإقامة شبكات نجدة، بالتنسيق مع المؤسّسات الحكومية، المسؤولة عن تشجيع السياسة العائلية، وذلك بتوفير الحماية لكلّ فرد، وتعزيز تربية للشباب.
النساء
50- تستحقّ النساء عناية خاصّة تكفل لهنَّ مراعاة حقوقهّن في مختلف قطاعات الحياة الاجتماعية والوطنيّة. ذلك أنَّ الكنيسة، في عقيدتها الانتروبولوجية وتعليمها، تؤكّد المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وهي مساواة أساسها أن كل كائن بشريّ هو مخلوق على صورة الله. “إن الكنيسة تفخر، كما هو معلوم، بأنها عظّمت المرأة وحرّرتها، وأبرزت بوضوح، عبر القرون، وفي مختلف المجالات، مساواتها بالرجل” (119). ومنذ عهد المسيح وسرّ التجسّد، وجد دور المرأة تعبيره الرائع في العذراء مريم، التي نوّهت التقاليد الشرقية مراراً بمكانتها الفريدة، وذلك بأنّها “هي التي بها أُعطينا شجرة الخلود” (120). فنحن، بكلّ حق وحقيقة، ندعو القديسة مريم والدة الإله، لأن هذا الاسم يحمل سرّ الخلاص كلّه (121). “إن طاقة المرأة المعنويّة والروحيّة تتصل بشعورها بأن الله قد وكل إليها، بصفة نوعية، أمر الإنسان، الكائن البشري. صحيح أن الله يكل أمر كل إنسان إلى جميع الناس وإلى كل فرد منهم. إلاّ أن هذا يعني المرأة بصفة نوعية – وبالتحديد بسبب أنوثتها – وهذا يحدّد دعوتها” (122). للنساء حسّ مرهف بما وُكل إليهنّ، وبمقدورهنّ أن يُظهرْنَ “عبقريتهنَّ” في مختلف ظروف الحياة البشرية.
ولكن لابدّ من الإقرار، مع ذلك، بأنَّ مقام المرأة في المجتمع وفي المؤسّسات الكاثوليكية المحليّة ليس في الغالب على قدر التزاماتهنّ وجهودهنّ. وعلينا، أولاً، أن نتذكر أنَّ التقليد الشرقي يضع المرأة، وهي مريم المجدلية، في مكانة مرموقة إلى جانب الرسل، لأنّها، منذ أن تبعت يسوع، كانت أوّل من وافى القبر لتتلقّى بشرى القيامة، وتُعلنها للتلاميذ (123). من المناسب إذن ان نُقدّم للنساء قدراً أكبر من المشاركة والمسؤولية في الحياة وفي القرارات الكنسيّة، ونوفّر لهنّ ما يحتجن إليه في مجالات التنشئة. إن دورَهُنّ في تربية الشبيبة، وبخاصةٍ في قطاعات التنشئة الدينية والروحيّة والخلقية والعاطفية (124)، يحتلّ مكاناً رفيعاً جداً، وذلك أن “نفس الولد مدينة حديثة البناء والتنظيم”، تتطلّب صبراً وسهراً مستمرّين (125). قد اضطلعن ولا يزلن يضطلعن بمهمّة حاسمة في الحياة الكنسيّة والمجتمع اللبنانيّ، معلناتٍ بذلك أنّ بذل الذات حباً هو من خصائص الطبيعة البشرية الخالصة. وإبّان سنيّ الحرب قد تفانين للمحافظة على الحياة والإبقاء على الأمل بالسلام، وهنّ مدعوّات أيضاً، كما ذكّرت بذلك أخيراً، إلى أن يكنّ مربّيات للسلام “في العلاقات بين الأفراد وبين الأجيال، في الأسرة وفي حياة الأمم الثقافية والاجتماعية والسياسية” (126). وينشطن، خصوصاً، في الخدمات الصحيّة والاجتماعية والتربوية. ويسعدني أنَّ يكون آباء السينودس قد أرادوا أن يُفسحوا للنساء مجالاً أوسع للعمل في مختلف البُنى الكنسيّة، على صعيد الرعايا والأبرشيّات والهيئات القائمة في البطريركيات وتلك التي ما بين البطريركيات، وذلك في المجالات الروحية والفكرية والتربوية والاجتماعية والإدارية. بوسعهنّ أن يقمن بخدمات جُلّى، بصفاتهنّ الشخصيّة المميزّة.
الشباب
51- “يشكو الشباب اللبناني من خيبة أمل من الجيل السابق، الذي لم يُتح لهم المجال لكي يختبروا السلام بل الحرب و الحقد” (127). وقد نقلوا إلى الآباء، في الجمعية السينودسية، انتقاداتهم ومتطلباتهم بصراحة وشجاعة، فاظهروا بذلك أنهم يتوّقعون من الكنيسة تغييرات حاسمة. لقد طالبوا، باسم الإنجيل، بأعمال منسّقة، وعبّروا عن آلامهم تجاه الانقسامات الكنسيّة، التي تعرقل الرسالة، وهم يتمنّون كنيسة تُبدي وحدتها في التنوّع، وتكون مكاناً صالحاً لحياة أخوّةٍ ومشاركة وتزوّد ورجاء.
في ضمير الشعب اللبناني، وداخل الكنيسة في لبنان، يجب أن يشغل الشباب محلاً مرموقاً، ويكون حافز تجدّد وطنيّ وكنسيّ، وذلك بالمشاركة في مختلف بُنى الحياة الاجتماعية ومراكز القرار. ويجب مساعدتهم على التغلّب على تجارب التشدّد والتراخي التي يُمكن أن تتربص بهم، ورفض مختلف أشكال الحياة المنافية لسلامة الأخلاق. ومن المستحسن، من جهة أخرى، إرشادهم إلى المبادئ والقيم التي ترتكز عليها الحياة الفرديّة والاجتماعية، فيُصبحوا بذلك شركاء، بشراكة كاملة، يعنون بمواصلة الحوار، بلا كلل، مع إخوةٍ لهم يرغبون في الوصول إلى تسويات تُمكنّهم من العيش معاً، ولكن بدون الانزلاق إلى تنازلات على صعيد المبادئ والقيم.
إن الكنيسة تُعوّل على الشباب لإعطاء الحياة الكنسيّة والحياة الاجتماعية انطلاقةً جديدة. ومن ثمّ فالجماعات المسيحيّة مدعوّةٌ إلى أن تفسح لهم مجالاً أوسع للاندماج في كل نشاطاتها، فيغدوا بذلك فاعلي “البشارة الجديدة”، وزراعي الكلمة في نفوس غيرهم من الشباب، مجنَّدين حيويّتهم الخاصة للتجدّد الكنسي (128). وهم كذلك مدعوّون ليكونوا مشاركين، مشاركة كاملة، في بناء المجتمع. ولذا ينبغي أن يتلقّوا تنشئة فكرية وروحية متينة، تروي عطشهم إلى المطلق والحقيقة؛ وحيثما يسلكون يجب أن يَلقوا ما يحتاجون إليه من مواكبة روحية. إن دور المرشدين الروحييّن، في الحركات وفي الجامعات، سواء أكانوا كهنة أم شمامسة أم رهباناً أم راهبات أم علمانيّين، هو على جانب كبير من الأهمية لتحقيق نموّهم ونضجهم الإنساني والروحي، ولمساعدتهم على تبيُّن دعوتهم واكتشاف مكانهم في المجتمع (129).
الرهبان والراهبات
52- الرهبان والراهبات لهم حضورهم، اليوم، في كل قطاعات الكنيسة والمجتمع، وهم، بالتالي، في المحلّ المناسب ليظلّوا مرجعاً لإخوتهم، وذلك بالتشبّه الوثيق بالمسيح في حياتهم، وإمعان النظر في موهبتهم المميّزة، لفائدة الكنيسة كلّها ولخلاص العالم (130). ولذا يُطلب إلى الذين يعتنقون الحياة المكرّسة أن يعنوا بأن تكون حياتهم اختباراً حميماً بالله (131)، ليعلنوا أن الرب هو غاية التاريخ وإنه يحب العالم. وفي الواقع، “بفضل اعتناق المشورات الإنجيلية تصبح ملامح يسوع المميّزة – العفة والفقر والطاعة – “مرئية” وسط العالم على وجه مثالي ودائم تلفت أنظار المؤمنين وتدعوهم إلى الرجوع إلى سرّ الملكوت، الذي يعمل منذ الآن في التاريخ، بانتظار أن يبلغ ملء حجمه في السموات” (132).
إن الرهبان والراهبات المنتشرين في لبنان وفي الشرق الأوسط مدعوّون إلى أن يتفحّصوا بصدقٍ أنماط حياتهم وطرائقهم في الشهادة للإنجيل وتحقيق المهمّات الموكولة إليهم. لكي يتأكّد لهم أنهم ما زالوا أوفياء لمقاصد مؤسّسيهم الأصلية، ويظلّوا من أجل معاصريهم شهوداً للمسيح ومثال حياة مسيحيّة، بعيشهم الجماعي، وممارسة المشورات الإنجيلية، مشورات الفقر والعفّة والطاعة. فالرب يأمرنا بأن نُعنى بذوي الرُّكب الواهنة، ونتوخّى أولاً فائدة القريب قبل أن نطلب ما يرضينا (را: طي 2 : 12) (133). وتُملي عليهم رسالتهم، من جهة أخرى، أمانةً كبرى للمثل الأعلى البارز في كل حياة مكرّسة، ولتوجيه مؤسّسيهم الخاص، مع تحليّهم بروح خلاّقة تلبيةً لانتظارات الناس من حولهم، وسدّاً لحاجات الكنيسة الخاصّة.
إن الأشخاص المكرّسين، من منطلق دعوتهم، يعلنون الإنجيل ويشهدون بكلامهم ومثال سيرتهم لأولويّة الحق المطلق فوق الكائنات البشرية كافة، بفعل انتمائهم إلى الرب. ومن ثمَّ يرافق علاقتهم بالله مسلك ينسجم مع الالتزام الذي اتخذوه، لأننا “لا نتصلّ بالله إلا بمقدار اعتناقنا الفضيلة” (134)، وبمقدار سيرنا في طريق البنوّة الإلهية (135). جميع أهل الفضيلة وبخاصة المكرّسون، يُضفون على حياتهم بعداً قربانيّاً، ويعكسون مجد الله، ويغلّبون معنى الوجود العميق الصحيح (136). في عالم يتّجه أكثر فأكثر صوب المادية وأصنام كثيرة، يبدو التكرّس الرهباني أشدّ إلحاحاً. ولتكن شهادة المكرّسين قابلة للتصديق، “لأن الإنسان المعاصر أكثر إصغاء إلى الشهود منه إلى المعلّمين” (137): وذلك أن الرهبان، بنمط وجودهم وأمانتهم لوعودهم، يرشدون الناس إلى طريق السعادة ويُعتبرون هُداةً روحيّين يحتاج الشعب إليهم، على مثال القديس أنطونيوس، أبي الرهبان (138).
53- الحياة الرهبانية ترتكز على الأمانة المزدوجة للمسيح وللكنيسة (139). ويفترض تجدّدها التنبّه للإنجيل وحبّ الكنيسة وتنمية الموهبة التي تتميز بها كل مؤسسّة. يتساءل شباب كيف يُلبّون نداء الرب. فالمؤسّسات والرعاة يحملون معاً، في تعاون وثيق، همَّ الدعوات وطريقة تنشيطها واكتشافها (140)، لتوجيه الشباب إلى حيث يدعوهم الله، حقاً، على أن تُترك لهم حرية اعتناق الروحانية التي يختارونها، وتؤمَّن لهم التنشئة اللازمة مع اعتبار الوضع الاجتماعي الثقافي اللبناني.
ومن المهمّ جداً، لأسباب لاهوتيّة ورعائية، أن يندمج الرهبان والراهبات اندماجاً فعلياً في الحياة الكنسيّة. وهكذا يؤدّون لجميع إخوتهم مثال الوحدة الضرورية بين الحياة الروحية وخدمة المحبّة (141). ومع أن الأشخاص المكرّسين ينعمون باستقلالية هي حق لهم في مجالات حياتهم داخل مؤسّساتهم، بيد أنهم جزء لا يتجزأ من الكنيسة الخاصة ولا يمكن أن يعملوا إلا بالانسجام والتعاون الوثيق مع مجمل الكنيسة (142)، وفي شراكة أوثق فأوثق مع “الحبر الروماني بصفته الرئيس الأعلى لكلّ الرهبان” (143)، ومع الأساقفة وفي الطاعة لهم (144)؛ مثل هذه الضرورة تضحي أكثر إلحاحاً، إذا كان هذا العمل مرتبطاً، بطريقة ما، بالحياة الرعائية (145). ولا غرو، فرسالة الكنيسة، جسد المسيح، ترتكز على خلفاء الرسل، بإرادة صريحة من الرب.
لا بدّ للرهبان والراهبات في لبنان، في كثير من الأحوال، ومن منطلق وعي جديد لمفهوم الحياة الرهبانية حسبما نعرضه هنا، من أن يشعروا بضرورة الإقدام على إصلاح قد يكون عميقاً أحياناً، في طرائق حياتهم على خطى المسيح، والتعبير عنها، وفقاً لقرار المجمع الفاتيكاني الثاني في المحبّة الكاملة، وما يدعو إليه من تجدّد وتكيّف للحياة الرهبانية. هذا الإصلاح يجب أن يتناول خصوصاً الأعضاء الجدد في المؤسّسات الرهبانيّة، فيُطرح عليهم، بمساعدة ما يجدونه عند مربّيهم من مُثل صادقة، مفهومٌ للحياة الرهبانية، يحثّهم على تلبية نداء الرب في الكنيسة بطريقة منسجمة وحريّة بالتصديق. ومن المناسب الإستعانة في تربيتهم برهبان وراهبات يؤدّون شهادة قداسة شخصيّة، وحياة داخلية عميقة وأمانة في الفرح لنذورهم (146). مثل هذا الإصلاح، إذا بدأ في العناصر الشابّة، بإمكانه أن يحوّل، شيئاً فشيئاً، حياة الجماعة الرهبانية كلّها، ويُسهم، إلى حد بعيد، في تغيير الحياة الاجتماعية، وكما كتب القديس باسيليوس، إلى رهبانه يدعوهم بمحبّة إلى الكمال في ممارسة المشورات الإنجيلية، فإنّ السيرة الحميدة والنسكيّة المطابقة للعهود المقطوعة هي التي تحمل على المصالحة بين الأشخاص (147).
الحياة الرهبانية الرسولية
54- إن الجماعات الرهبانية هي للأبرشيات ثروة كبيرة وينبوع نعمة وحيوية. فهي بنشاطاتها الرسولية المتنوعة تُسهم في الخطّة الراعوية التي يرسمها الأساقفة، وتندمج، من ثمّ، في مختلف أجهزة الأبرشيّة (148). إني أحمد الله لما حقّقته هذه الجماعات الرهبانية، في غضون سنيّ الحرب الأليمة، في مجالات الخدمات الصحيّة والتربوية والاجتماعية، وما واجهته أحياناً من خطر حتى على حياة أعضائها. وأشكر للرب ما لا تزال تحقّقه بتضحية وتجرّد مع ما تضطلع به من مهمّات جسيمة، وبالرغم من أعدادها القليلة. وفي خط الحرص على الوحدة ضمن التنوّع، وهو من المحاور الموجّهة في الجمعية الخاصّة، يُدعى الرهبان والراهبات إلى العمل دوماً بتعاون وثيق، تعبيراً عن روح التكامل بين المواهب. وبهذه الروح، على الرهبان والراهبات أن يراعوا التوازن في توزيع الأشخاص والمؤسّسات، طبقاً للأولويات الراعوية، وفي استعداد كامل لخدمة الشعب اللبنانيّ، ورسالة الكنيسة الشاملة، خارج حدود الوطن. ولا شكّ أن هذا الانفتاح سوف يبعث في الحياة الرهبانية الرسولية في لبنان نهضةً جديدة ودعواتٍ جديدة (149). ويحسن بكل المتطوّعين للحياة الرسولية “أن يجدوا توازناً صحيحاً ومثمراً بين العمل والتأمل، بين الصلاة والمحبّة، بين الالتزام بمسار التاريخ وانتظار الحياة الأخرى” (150).
55- لا بدّ للكنيسة من أن تكون حاضرة حضوراً مرئياً خصوصاً إلى جانب المحتاجين. فالرهبان والراهبات مدعوّون إلى أن يكونوا شهود حب المسيح المؤثر للفقراء، وذلك من خلال خدماتهم المتنوعّة، وحياة الفقر والشراكة الأخوية. ومن المرغوب فيه، أن تدعم المؤسّسات الرهبانية حضورها ورسالتها في المناطق المنكوبة والنائية وتساعد كلًّ إنسان على المكوث في أرض أجداده، يعتني بها ويعيش فيها عيشاً لائقاً.
في المؤسّسات التابعة للرهبان والراهبات كثيراً ما يقوم العلمانيّون بقسط كبير من العمل. لابدّ، والحالة هذه، من الاعتراف اعترافاً كاملاً بمراكزهم، وأن توكل إليهم مراكز مسؤولية تتناسب وكفاءاتهم.
الحياة التوحّدية
56- “لم تُعتبر الحياة التوحّدية في الشرق مجرّد حالة منفردة، تقتصر على فئة من المسيحيّين بل إنها، بنوع خاص، مرجع يعود إليه جميع المعمّدين، كل بحسب المواهب التي أفاضها الرب عليه، وكأنها خلاصة المسيحيّة وشعارها” (151). ومن المفارقة أن الحياة الرهبانية الرسولية في الشرق هي اليوم أكثر انتشاراً من الحياة التوحّدية في مختلف تعابيرها: من الحياة التوحدية الديرية الصرف، كما تصوّرها باخوميوس وباسيليوس، إلى الحياة النسكيّة الصارمة كما نادى بها أنطونيوس أو مقاريوس المصري (152)، مع أنها كلّها متّصلة اتصالاً وثيقاً بالتقاليد التي يتميّز بها الشرق المسيحي. “إن الحياة التوحدية الشرقية – في صيغتها التقليدية – تؤْثِر التوبة والتجرّد وندامة القلب والتماس السكينة، أي السلام الداخلي، والصلاة الدائمة والصوم والسهر والجهاد الروحي والصمت والفرح الفصحي، في حضور الرب وانتظار مجيئه الأخير وتقدمة الذات والمقتضيات، في الشركة الديرية المقدسة، أو في العزلة النسكيّة” (153).
إني أتمنّى، مع آباء المجمع، أن تستعيد الحياة التوحّدية المكان الذي يعود لها (154)؛ و يسعدني ما ألمسه اليوم عند بعض الرهبانيّات من رغبة صادقة في إعادة اللحمة مع هذه التقاليد الأصيلة، والعودة إلى القيم التوحدية التقليدية، مذكّراً بذلك جميع الناس بأهمية الصلاة والليتورجيا وقراءة الأسفار المقدّسة، والتروّض الروحي والخدمة والحياة الجماعية. هذه العناصر كثيراً ما يسمّيها الآباء الشرقيون “الأسلحة الروحية” الماضية (155)، التي لا بدّ منها في الجهاد في سبيل الكمال. الحياة التوحدية هي، في آن واحد، طريق قداسة شخصية، وعلى مثال الرسول، مساهمةٌ في تقديس شعب الله وجميع الناس، وذلك بأن يكمّل المتوحّد “في جسده ما نقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة” (قول 1 : 24). وهكذا تزرع الكنيسة، بحياتها المصليّة، بذور الكمال، وتعضد العاملين في حقل العالم، وذلك أن القُربى من الله تكشف حقيقة الأسرار الإلهية وجمالها، وتجعلنا متضامنين مع إخوتنا (156).
57- إني أدعو الكنائس الشرقية إلى أن تنهل من ينابيع الحياة التوحدية القديمة، فتستعيد حرارة البدايات الروحية، وهي جزء هام من كنزها وتقاليدها. وعلى هذه الكنائس أن تقترح، مجدّداً، على بعض من الرجال والنساء، الحياة التوحدية نمطاً من الحياة المسيحية الرفيعة لكي تسهر على نفوسهم وتنشّئ حياتهم الباطنية (157). وسوف ينعكس هذا على الشعب برمّته فيشجّعون إخوتهم المسيحيّين على أن “ينشطوا للجهاد الباطن” (158)، ويشهدوا، بطريقة مُثلى، لعظمة الحياة الأخوية، ويدعوا، بالتالي، المسيحيّين وجميع ذوي الإرادة الحسنة إلى أن يمارسوا أنماطاً جديدة من العلاقات البشرية، المبنية على المحبّة والحب.
بإمكان الأديار أن تتحوّل إلى مواقع نبويّة “تصبح فيها الخليقة تمجيداً لله، ووصية المحبة المعاشة عملياً مثالاً أعلى للتعايش الإنساني؛ وفي الدير يبحث الكائن الإنساني عن الله بدون حاجز ولا عائق، فيصبح مرجعاً يعود إليه الجميع حاملاً إياهم في قلبه ومساعداً لهم في نشدان وجه الله” (159). وتُقيم الأديار الدليل على أن الصلاة في حياة المتوحّدين وحياة جميع المسيحيّين هي من المسؤوليات الكبرى؛ ويبرز الرهبان، بتجرّدهم التام عن ذواتهم، شهوداً للعالم اللا منظور ولما هو جوهري في الوجود. “الزهد بالذات إنّما هو هذا: الاستسلام في كل شيء إلى الأُخوّة والتخلّي عن اتباع الإرادة الذاتية، وعن امتلاك أي شيء، ما عدا الثوب، حتى إذا ما تحرّرنا من كلّ النواحي تمكّنا من التمسّك بفرح بما أُمرنا به دون سواه، متنبّهين لكل الإخوة” (160).
وهناك تمنِّ وهو أن تحتلّ الجماعات التوحدية مكانها في الكنيسة في لبنان، ليتألق تراث الآباء المجيد ونأخذ قسطنا من كنوز النعمة المشتركة بين الكنائس القديمة، فنؤدي اليوم للكنيسة جمعاء شهادة عميقة التجذّر في الشرق المسيحي، وهو بمثابة القِمّة التي منها يطل على العالم برائع جماله.
بقدر ما تصبح الحياة الجماعية التي تمثّل الشراكة الكنسية مزدهرةً ونبويّة، نأمل، أيضاً انطلاقةً جديدة في مجال الحياة الزهدية والخبرة النسكية (161). فيكون المتوحّدون، كما في السابق، هداةً ومعلّمين روحيّين وتصبح أديرتهم أماكن لقاءٍ على الصعيد المسكوني والحوار بين الأديان (162).
الخِدَم الكهنوتية
58- “لقد دعا يسوع إليه الاثني عشر أقامهم لخدمة كهنوت العهد الجديد الجامع (…) وفوّض [إليهم] سلطة خاصّة ليصحبوه ويرسلهم يبشرون ولهم سلطان يطردون به الشياطين” (مر 3 : 14 – 15) (163). “أن الرسل الذين أقامهم الرب سوف يضطلعون هم أيضاً برسالتهم شيئاً فشيئاً موّجهين الدعوة بطرق مختلفة، وفي النهاية متواردة، إلى إناس آخرين ليكونوا أساقفة وكهنة أو شمامسة، وليكملوا الرسالة التي أكرمهم بها المسيح القائم من الموت والذي أرسلهم إلى جميع الناس على مدى الزمان (…). وفي الكنيسة ولأجل الكنيسة يمثّل الكهنة سرياً يسوع المسيح الرأس والراعي، وينادون بالكلمة مناداة صحيحة ويردّدون ما أتى به من أعمال الصفح والخلاص وخصوصاًَ المعمودية وسرّ التوبة والإفخارستيا (…) إلى حدّ ويقودونها إلى الآب بالمسيح وفي الروح” (164).
“إن الكاهن من حيث هو ممثّل للمسيح رأس الكنيسة وراعيها وعريسها، له رسالة ليس فقط في الكنيسة بل تجاهها أيضاً. فالكهنوت الذي يضطلع به الكاهن إلى جانب خدمة الكلمة والأسرار، هو جزء جوهري من مقوّمات الكنيسة. المهمّة الكهنوتية كلّها هي في خدمة الكنيسة، لدعم ممارسة الكهنوت العام الذي يتحلّى به شعب الله كلّه؛ وهدفها ليس فقط الكنيسة الخاصّة بل الكنيسة الجامعة (را: حياة الكهنة وخدمتهم الرعائية، فقرة 10) وذلك بالاشتراك مع الأسقف ومع بطرس وتحت سلطة بطرس” (165).
59- هذه النصوص الصادرة عن السلطة التعليمية في شأن الخدمة الكهنوتية يجب أن تنير أذهان الرعاة في رسالتهم الأسقفية والكهنوتية والشماسية. فالبطاركة والأساقفة بمعيّة الكهنة والشمامسة يشاركون كلّهم في رسالة المسيح الواحدة. ولكي يصبح التنوّع الكنسي في لبنان شهادةً يرى فيها المؤمنون ثروةً حقيقية، يجب أن تبرز وحدة الرسالة الموكولة إلى جميع الرعاة بمثابة علامة مرئية. وما من خادم بإمكانه أن يتجاهل غيره من الخدمة الآخرين الناشطين في البقعة ذاتها، سواء انتموا إلى كنيسته البطريركية أم إلى غيرها. إنّ رُعاة شهادة الوحدة والأخوّة القائمة على التعاون الوثيق بين مختلف الكنائس الخاصّة، هي، في لبنان، ضرورة ملحّة، ثمة، ولاشكّ، أمورٌ كثيرة بدأت تتحقّق، ولكني أودّ أن أطلب إلى كل واحدٍ أن يضاعف جهوده. ويُعير هذه القضية اهتماماً خاصاً لما تنطوي عليه من رهانات واضحة للمستقبل، كما عبّر الآباء السينودسيون عن ذلك تعبيراً صريحاً.
إن الخِدَم الكهنوتية، على أنواعها، أُقيمت لبناء الكنيسة وصون وحدتها بين رجال الإكليروس أنفسهم وبين هؤلاء وجماعة الشعب المسيحي ليؤلّفوا جسد واحداً (166). ولا غرو، فالكنيسة جسم عضويّ، وبمقدار ما يضطلع كلّ بدوره بالتناغم مع الآخرين، يَسْلَمُ الجسم كلّه.
الأسقفية
60- البطريرك هو رئيس كنيسته البطريركيّة وأبوها: وهو، مع سينودس الأساقفة، المسؤول عن حياتها وتجدّدها. ويمارس الأسقف، بصفته خليفة الرسل، “وظائف التعليم والتقديس والتدبير” (167)؛ ويقود، مع إكليروس، الشعب الموكول إليه، في طريق الله؛ وإني لأنضمّ إلى أعضاء الجمعية السينودسية لحثّ البطاركة والأساقفة في لبنان على القيام بفحص ضمير صريح، وتجديد التزامهم على طريق توبة شخصيّة لابدّ منها في سبيل شهادة مثمرة، وتقديس المؤمنين: ذلك عِبْرَ حياةٍ قوامها الصلاة والتجرّد والبذل والإصغاء؛ ومن ثمَّ، بصفتهم رسلاً ورعاة، في البساطة والفقر والتواضع؛ وأخيراً بحرصهم المتواصل على الذود عن الحقيقة والعدل والأخلاق وقضية الضعفاء (168).
61- لا بدّ للأساقفة، في أداء خدمتهم، من أن يراعوا أولاً جانب معاونيهم المباشرين، أي الكهنة. عليهم أن يتبيّنوا دعوة المرشّحين للكهنوت، ويرافقوهم روحياً وماديّاً، ويسهروا أخيراً على تنشئتهم الإنسانية واللاهوتية والرعائية، التي يجب أن تحظى برعاية متنامية، تلبيةً لانتظارات المؤمنين، وتشابك معضلات عصرنا. المرشحون للكهنوت، المتزّوجون منهم أو الراغبون في الزواج، إذا لم يدخلوا الإكليريكية، فمن الضروري أن يؤمَّن لهم إطارٌ إنسانيّ وروحي مناسب، في فترة تنشئتهم، على أن تحظى هذه التنشئة بمستوىً راقٍ شبيه بما يحظى به المرشّحون الآخرون، ليتمكنّوا، حقاً، من الاضطلاع بمهامّ خدمتهم، في الأوضاع الروحية والثقافية الراهنة. وقد تمنّى آباء السينودس أن يُفسح للمرشّحين للكهنوت والرهبان والراهبات والعلمانيّين أوقات تنشئةٍ مشتركة، كما تمنّوا أيضاً للإكليريكيّين من مختلف التراثات الليترجيّة أن يقضوا معاً على الأقل جزءاً من فترة تنشئتهم، لإقامة علاقات صداقة بينهم، والالتزام بالتعاون الرعائي في المستقبل.
على الأسقف أن يظلّ قريباً من كهنته العازبين منهم والمتزوجين (169)، ويحرص على أن يقيم وإياهم تعاوناً أخوياً مبنّياً على الثقة (170)، ويؤمّن لهم تنشئة جدّية متواصلة، ترعى تجدُّدهم الروحي وعملهم الراعوي. وعليه أيضاً أن يكفل لهم ضماناً مادياً في إطارٍ من التعاضد الكنسي المؤسّسي يلبّي حاجاتهم الشخصية والرعوية. وهذا هام، بنوع خاص، للكهنة المتزوّجين الملتزمين بأعباءٍ عائلية. ويُطلب أيضاً من الأساقفة أن يُعنوا عناية خاصة بالكهنة المرضى والمسنين والمعْسرين. وأما الكهنة المتزوجون (171)، فيجب أن تُوفّر لزوجاتهم تنشئة دينية ورعائية مناسبة (172). لابدَّ أخيراً من أن يقوم بين أساقفة مختلف الأبرشيات تعاونٌ أخوي، في شأن توزيع الكهنة، يتلاءم وحاجات المؤمنين، ولا يُفضي إلى حشدٍ كبير منهم في المدن وضواحيها (173).
الكهنوت
62- على الكهنة أن يحصّنوا حياتهم الروحية بممارسة الأسرار والصلاة والقراءة الإلهية فيثمر كهنوتهم في خدمة شعب الله، ويحسن بهم أن يهتموا بوظيفة التعليم وبخاصة في المواعظ حيث يُفسَّر كلام الله ويُطبّق على الواقع ليتمكن المؤمنون من الاقتراب من السرّ المسيحيّ وممارسة القيم الإنجيلية في حياتهم اليوميّة.
كثيراً من الأحيان، بسبب تداخل الأبرشيّات جغرافياً، يمارس الكهنة خدمتهم داخل رقعة جغرافية واحدة، مع إنتمائهم إلى ولايات قانونية مختلفة. ولذا فالتعاون والتنسيق، على صعيد رسالتهم، يفترضان لقاءاتٍ منتظمة وأشكالاً حقيقية من التعاضد. وعليهم أن يسعوا أيضاً إلى إنماء روح التعاون مع المؤمنين. “يعلم الرعاة المكرّسون تمام العلم مدى أهمية الإسهام من جانب العلمانيّين في ما يعود بالخير على الكنيسة كلّها. ويعلمون أنهم، هم أنفسهم، ما أقامهم المسيح ليحملوا وحدهم مجموع رسالة الكنيسة الخلاصيّة تجاه العالم: فقوام مهمّتهم العظيمة أن يكونوا رعاة المؤمنين بالمسيح وأن يقرّوا لهم بالخِدَم والنعم الخاصة بهم، بحيث يتعاون الجميع في الوحدة وكل بطريقته على العمل المشترك” (174).
يُعنى كهنة بتنشئتهم المتواصلة بالمطالعة واللقاءات. إني أشجّعهم في هذا المضمار، كما إني أدعو الأساقفة، بالتعاون مع أشخاص مهيّئين لهذه الغاية إلى العمل على تنظيم وتطوير برامج تعليم لاهوتي ورعائي تُثري الكهنة في خدمتهم للمؤمنين.
للكهنة مكانة مميّزة في الحوار المسكوني، وذلك أن لهم علاقات متواترة مع رعاة الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى. فانفتاحهم المسكوني وأهبتهم للتعاون والحوار، بمنأى عن الفوضى وفي احترام الأشخاص، يساعدان المؤمنين في أن يقيموا، هم أيضاً، علاقات حارّة مع إخوتهم، لتسريع قضية الوحدة بين الكنائس.
وإذا قامت رعيّة في منطقة يعيش فيها أيضاً مسلمون، فيما يتحلّى به الكهنة من إستعداد أخويّ للانفتاح والتعاضد يساعد المؤمنين في انتهاج طريقة في التعايش تناسب الدعوة التي يتميّز بها لبنان (175).
هذه الاهتمامات التي لها شأنها في كل سيرة كهنوتية، تُعبّر بجلاء أن المرشحين للكهنوت يجب أن يتلقّوا لا تنشئةً فكريةً ولاهوتية وكتابية وروحية صحيحة وحسب، بل تنشئة إنسانية أيضاً تساعدهم على اكتساب نضج شخصي وتلفتهم إلى القرائن الثقافية المعقّدة التي يجب أن يمارسوا فيها خدمتهم الكهنوتية (176).
الرتبة الشمّاسيّة
63- لقد أعاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني إلى الرتبة الشمّاسية الدائمة مكانتها التي ظلّ التقليد الشرقي حريصاً عليها. يمثلّ الشمامسة المسيح بصفته خادماً، وعلى الأخصّ في مجال خدمة الفقراء وخدمة كلمة الله والليترجيا، ولا بدّ، من ثمّ، من إعادة تقييم هذه الرتبة المقدّسة، وتأمين تنشئة مناسبة للمرشحين لها، وما يتلاءم مع أوضاعهم الشخصية من وسائل العيش (177).
ثالثاً- تجديد بُنى الشراكة
العمل معاً في بناء جسد المسيح
64- إن ما عبّر عنه آباء المجمع من رغبة شجاعة في التجدّد يفترض انفتاحاً حقيقياً في الفكر والقلب لتنمية سبل التنسيق والتعاون بين جميع الكاثوليك. لا يسوغ لأحد أن يحتكر لذاته شرف الرسالة بل يجب على الجميع أن يَدَعوا المسيح يعمل بواسطتهم، لئلا تحول الطوائف دون الإفادة من المواهب التي ينعم بها أعضاء الكنيسة الكاثوليكية على أنواعها. ويقتضي هذا أن تقوم بين جميع المرجعيّات الكنسيّة شبكة مواصلات. ضرورة هذه المواصلات يُمليها ما نجده في لبنان من تشابك بين مختلف الأبرشيات الكاثوليكية، وبالتالي بين مختلف الولايات القانونية. هذه العقبة يمكن أن تصبح نعمة: فهي تدفع المسؤولين إلى التشاور، مع احترام التنوعية والولايات المختصة؛ وهي تدعوهم أيضاً إلى بناء جسد المسيح معاً، بروح كنسيّة حقيقية (178)، وذلك دون أن يَدّعوا ملكية الرسالة امتيازاً لهم أو لطائفتهم على رقعة معيّنة، وبالطاعة للمسيح الكاهن الأعظم. إن كل فرد أو كل جهاز كنسي لا يسعى إلى التعاون يهزل ويُمسي مثل غصنٍ ميت يمنع حياة الروح من أن تسري في جسم الكنيسة الكاثوليكية في لبنان.
الرعايا
65- يُعوز المؤمنين الكاثوليك، في الغالب، الشعور بانتمائهم إلى الجماعة الرعوية في مكان إقامتهم. فبعضهم يظلّون على تمسُّكهم برعية مسقط رأسهم، حتى إن لم يبق لهم في الواقع أي صلة بها. التنقلات الاضطرارية، في أثناء الحرب، أوجدت هي أيضاً أوضاعاً ملتبسة، يشعر فيها المؤمنون أنهم في حال تنازع بين ملاذ هجرتهم ومسقط رأسهم. وفي المدن يتضاءل معنى الجماعة الرعوية شيئاً فشيئاً. ويكتفي المؤمنون بالذهاب إلى القداس في الكنيسة الأقرب، ويغيب عن ذهنهم أن المشاركة في الأسرار المقدّسة تعني أيضاً الانتماء إلى جسد. فالإفخارستيا تبني الكنيسة وتجمع ما بين كنيسة السماء وكنيسة الأرض. وهي علامة الوحدة والمحبّة (179). الربط الروحية النابعة من الإصغاء إلى الكلمة والاشتراك في الخبز الواحد تؤتي ثمار سلامٍ وتضامنٍ في العلاقات البشرية. بيد أن كثيراً من المؤمنين انتهوا إلى تصوّرٍ فردّي للإيمان المسيحي، بمنأىً عن كل مشاركة ناشطة في حياة الكنيسة المحلية. ويكاد أن يُمسي الكاهن، والحالة هذه، مَنْ يؤمِّن الاحتفال بالأسرار ويقوم بالمعاملات المقتضاة في مناسبات المعمودية والزواج والوفاة، بينما هو، قبل أي شيء آخر، منشّط الجماعة المسيحيّة، بالتعاون مع الشمامسة والعلمانييّن من أهل الكفاية. على الراعي أن يحمل همَّ القطيع كلّه، دون أن يهمل الأضعفين، والذين لا يَؤمّون الكنيسة كثيراً، والمهمَّشين عن المجتمع والمرضى، والمحتاجين إلى من يزورهم في بيوتهم. إني أحثّ الرعاة على زيارة المؤمنين الموكولين إليهم، لكي يظلّوا بقربهم، ويوثّقوا العلاقات بين جميع أعضاء الجماعة الرعوية، ويرافقوهم في حياتهم الروحية، ويدعموهم في الملمّات.
66- الرعايا هي الخلايا الأساسية في الجسم الكنسي، هي أجزاء من شعب الله، “تمثلّ، نوعاً ما، الكنيسة المرئية القائمة على الكرة الأرضية” (180)؛ وهي مكان للاضطلاع برسالة جماعية، لأنها تضمّ في حضنها فئات بشرية متعدّدة، بلا تمييز في السنّ أو في المقام الاجتماعي، لتدخلها في الكنيسة الجامعة. ويتقوّى المؤمنون فيها بممارسة الأسرار، وبخاصة الإفخارستيا والتوبة (181)، للقيام بالرسالة الموكولة إليهم في العالم، وخصوصاً التربية الدينية للشبّان، والشهادة. بمثل هذه الروح، من المفيد أن نساعد المسحيّين على التعمّق في كتاب التعليم الدينيّ للكنيسة الكاثوليكية (182)، وهو يعرض “بأمانة وانتظام تعليم الكتاب المقدّس والتقليد الحيّ في الكنيسة وتعليم السلطة الصحيح، وكذلك التراث الروحي الذي خلَّفه لنا آباء الكنيسة وقديسّوها وقديسّاتها، وذلك في سبيل معرفة أفضل للسرّ المسيحي وانعاش إيمان شعب الله” (183). هذا التعليم يجب أن يرافقه سعي متواصل ومسؤول إلى ترجمة العقيدة المسيحيّة وتوجيهات السلطة التعليمية بمقتضى الأوضاع الراهنة وفي ثقافة معيّنة، “وذلك بتطبيقها، بطريقة عملية وأمينة، على صعيد كل كنيسة وكل الكنيسة. لابدّ من العودة أبداً إلى هذا المعين” (184) وإلى هذا المرجع الراعوي أي المجمع [الفاتيكان الثاني]، واعتماده مع مصادره الروحية والليترجية، لكي تكون الليترجيا اعترافاً حقاً بالإيمان الذي ورثناه عن الرسل (185).
لذا أشجّع المؤمنين الكاثوليك، مع رعاتهم على التعمّق في الإيمان بالدرس وقراءة الكتاب المقدّس في الأسرة، والانتماء إلى فرق بيبليّة، والمشاركة في سهرات إنجيلية في الرعايا والمدارس والجامعات والحركات الكنسيّة. وأطلب أيضاً أن تقام خلوات روحية تعتمد على كلام الله والعقيدة المسيحيّة، ويُدعى إليها فتيان وبالغون (186). والواقع أن معظم المؤمنين يُحرزون معارف متقدّمة في مجالات العلم والتقنية. فلا بدّ بالمقابل أن تنمو أيضاً معرفتهم بالسرّ المسيحي، لكي تستنير حياتهم اليومية بحياتهم الروحية. ومن الأهميّة بمكان، في لبنان الحديث، أن تتغذّى الثقافة بكلام الله وإيمان معمّق وتوحي للفكر المسيحيّ في معالجة القضايا الأساسية التي يواجهها الفرد والجماعة (187). هكذا يكتشف المؤمنون العلمانيون أن مساهمتهم في حياة الكنيسة أمر جوهري، على صعيد الرعايا والحركات أو على صعيد الأبرشية، وبخاصة هيئات القرار كالمجلس الراعوي الأبرشي والمجالس الرعوية (188).
67- عندما تقوم عدة رعايا على رقعة واحدة، فهي مدعوّة إلى تعاون وثيق، مع المحافظة على هويتها واستقلاليتها، وفي ذلك علامة بليغة على وحدة الكنيسة في شراكة سبّاقة، وفي الاحترام المشروع لأشكال التنوّع، وبخاصّة في المجالس الرعوية المشتركة بين الكنائس (189). من جهة أخرى، ليس بالإمكان دائماً أن يكون هناك كهنة مقيمون ضمن كل رعية في نطاق كل كنيسة بطريركية. فنظراً إلى الحاجات الرعوية الملموسة، يسوغ أن يُطلب من كاهن أن يقيم الأسرار في طقس ليترجي غير طقسه، شرط أن يكون قد استعد لذلك استعداداً لائقاً ونال الإذن من السلطات المختصّة.
ثمّة أيضاً رعايا صغيرة قد يصعب عليها جداً أن تبني كنيستها، بينما هناك كنيسة أو أكثر تابعة لأبرشية أخرى في القطاع ذاته. أثناء أيّام الحرب وعندما كانت تقتضيه الحاجة، وُضعت كنائس في استعمال المؤمنين من مختلف التقاليد الليترجية. هذه الضيافة يمكن أن تُعَمَّم، اليوم، على كل المناطق التي يُحبَّذ فيها مثل هذا التدبير، فيؤدي، بالتالي، شهادة حبّ “بالعمل والحق” (1 يو 3 : 18).
من باب التمنيّ أيضاً يجدر التفكير بإقامة جمعيات من رعايا مختلفة، حيث يمكن ذلك، تشجيعاً على تقاسم الثروات الإنسانية والروحية بين الجماعات الرعوية، ولكي لا يشعر المؤمنون بأنهم منقسمون بين انتمائهم إلى الرعية والتزامهم خدمة إخوتهم في الحيّ. هذه الجمعيات تشجّع على الحوار والتشاور والتعاون والتساند المادّي والروحي والرعائي. هكذا ينمو بين المؤمنين من مختلف المشارب، روح شراكة يستفيد منه، بالنتيجة، الروح الجماعي الذي هو من مقوّمات النفس اللبنانيّة.
68- وبالدرجة ذاتها من الأهمية يجدر تشجيع التعاون بين الرعايا القائمة ضمن الأبرشية الواحدة، وحثّ العلمانيين المهتمين بمختلف نواحي الحياة الكنسيّة في الأبرشية والعالم، وذلك عن طريق الإعلام والدعوة إلى التزام مسيحيّ ملموس. ويتحقّق ذلك على قدر ما يتمّ التعاون والتلاقي بين الكهنة أنفسهم. من المحبذّ، إذن، أن يعيش الرعاة في رعاياهم في اتصال وثيق مع إخوتهم في القطاع ذاته، وعلى علاقة حسنة مع الشمامسة وسائر المعاونين الرعويّين (من رهبان وراهبات وعلمانيّين)، مع احترام أمانة كلّ منهم لانتمائه الكنسي. هذه العلاقات الأخويّة يمكن أن تعمّم على رعاة الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى، في روح من الانفتاح المسكوني، الأمر الذي يوّفر، حقاً، علامات ظاهرة للوحدة بين مختلف الجماعات الكنسيّة، وحدة تصبو إليها بحق الشبيبة المسيحيّة اللبنانية (190).
الأبرشيات
69- “الأبرشية قسم من شعب الله وُكِل أمر رعايته إلى أسقف يقوده بالتعاون مع مجلسه الأبرشي، بحيث يرتبط براعيه ويجتمع في الروح عن طريق الإنجيل والإفخارستيا، كنيسةً خاصّة تكون حاضرة حقاً وعاملة فيها كنيسة المسيح الواحدة المقدّسة الجامعة والرسولية” (191). وتتكوّن الأبرشية من مجموعة رعايا، فمن الطبيعي أن تكون القضايا الملحوظة على صعيد الرعايا شبيهة بما نلحظه على صعيد الأبرشية. إن ثمة عدداً كبيراً من الأساقفة من مختلف الكنائس ذات الحق الخاصّ يشتركون في الولاية على الرقعة الجغرافية ذاتها، وهذا يقتضي أيضاً التحلّي بروح التشاور والتنسيق والتعاون (192). توخّياً لخير شعب الله راعوياً، يحسن التفكير في إعادة توزيع الأبرشيّات جغرافياً وتنظيمها، وفقاً للحاجات، تماشياً، قدر الإمكان، مع التقسيمات الإدارية، رغبةً في المزيد من الفاعلية والتنسيق في الخدمة الراعوية.
في المجال العملي أتبّنى أمنية آباء المجمع أن تُنظَّم دوائر الأبرشيّات والبطريركيّات تنظيماً صحيحاً وتجهّز كما يجب. وعلى المدعوّين إلى العمل في هذه الدوائر من كهنة وشمامسة وعلمانيّين أن يتذكّروا أنّ وظيفتهم هي رسالة كنسيّة وخدمة للشعب المسيحيّ، وعليهم من ثمّ أن يتصرفّوا تصرّف الخدّام الصالحين ويحرصوا على ألاّ يحيدوا عن الاستقامة الروحية والخلقية، وألاّ يسخّروا وظيفتهم لأغراض سياسيّة أو لترقيات شخصيّة أو عيليّة. ولابدّ لهذه الدوائر أيضاً من أن تجد وسائل التعاون لخدمة كنيسة لبنان خدمة أفضل (193). في هذه الروح، يحسن بالكهنة، وبخاصّة الكهنة الأبرشيّين، أن يشاركوا أساقفتهم مشاركة وثيقة، بصفتهم “أعواناً حكماء للجسم الأسقفي”، ويجب أن “تقوم علاقاتهم على روابط المحبّة الفائقة الطبيعة” (194). هذه المحبّة الأخويّة، وهذا التعاون يجب أن يتمّا بطريقة ظاهرة وفاعلة ضمن المجلس الكهنوتي الذي يجب أن يقوم في كل أبرشية (195).
البطريركيّات
70- إن الكنائس البطريركيّة هي للكنيسة الجامعة ولكنيسة لبنان ثروة لا تُنكر، وذلك بفضل التقاليد العريقة المميّزة – الليترجية واللاهوتية والروحية – القائمة منذ المجامع الكنسيّة الأولى وعلى مدى الألف الأول من تاريخ المسيحية (196). هذه التقاليد تشارك الكنائس الأرثوذكسية في معظمها. الكنيسة التي أرادها المسيح هي سرّ وحدة في التمايز، وهي سرّ شراكة (الكينونيا) تجد في الثالوث المقدّس مصدرها ومثالها وغايتها. على صعيد الكنيسة البطريركية تتجلّى هذه الشراكة، أولاً، في الجماعية الأسقفية وما تفترضه من مشاركة فعليّة في المسؤولية ضمن سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية (197). وهي تظهر أيضاً في صدق التعاون بين جميع أعضاء الكنيسة البطريركية. ولكي يكون هذا التعاون فعلياً على صعيد الخدمة الراعوية، أطلب من البطاركة ومن سينودس الأساقفة في كلّ بطريركية أن ينظروا في إمكانية إنشاء جهاز راعويّ على صعيد الدائرة البطريركية وأن يفكّروا في إعادة تنظيم الدوائر في كل بطريركية وكل أبرشية (198).
وتتجلّى الشراكة، أيضاً، في العلاقات بين الكنائس البطريركية والكنيسة في جملتها، علاقاتٍ، قد نظّمتها اليوم مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، وذلك أن جميع هذه الكنائس “قد وُكِلَ ، أيضاً، أمر إدارتها الراعوية إلى الحبر الأعظم” (199).
منذ سنة 1990، صدرت المجموعة الجديدة لقوانين الكنائس الشرقية، وفيها يتجلّى اهتمام الكرسي الرسولي بالكنائس البطريركية، وحرصه على التنويه بالتقاليد الكاثوليكية الشرقية، في ما يُعرف بـ “سكينة النظام”، “وإعطاء الأولوية للمحبّة والنعمة والموهبة”، وتسهيل ما يساعد “في الحياة على نمو المجتمع الكنسي وجميع الأشخاص المنتمين إليه نموّاً عضوياً” (200). من المهمّ إذن أن يُطبَّق هذا القانون برويّة وبروح من الإنصاف والعدل تجاه كل المؤمنين المنتمين إلى مختلف الولايات القانونية البطريركية. ويعود إلى البطاركة، أولاً، ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان ومجامع أساقفة الكنائس البطريركية ولكلّ أسقف، أن يسهروا على حسن إدارة القضاء (201). وأطلب، أيضاً، من العاملين في المحاكم أن يحرصوا على ممارسة رسالتهم الكنسيّة في مراعاة القيم الأخلاقية المتصلة بوظائفهم وبنزاهة كاملة، وبالاهتمام بخدمة الكنيسة. وسوف يكون ذلك شهادةً لمحبّة الكنيسة لأبنائها، وعنصراً هاماً لمصداقية الكنائس المحليّة، لأن العدالة والمحبّة تسيران معاً (202).
رابعاً- دعوة إلى التجدّد الراعوي
التعليم المسيحي
71- بالعودة إلى الضرورات الراعويّة الملحّة التي أشار إليها الآباء السينودسيون، أبدأ بحثّ الرعاة والمؤمنين على بذل قصارى جهدهم لتنمية التعليم الديني. “غاية التعليم المسيحي الخاصّة هي السعي، بعون الله، إلى تعزيز الإيمان الناشئ تعزيزاًَ كاملاً وتغذية إيمان المسيحيّين من جميع الأعمار تغذيةً يومية” (203). ثمّة إذن تعليم ديني يوافق كل سنٍّ من سني الحياة وكلّ فئة اجتماعية من المؤمنين، ومن ابتعدوا عن الكنيسة وعن الإيمان ويرغبون في الرجوع إليهما، لكي يتمكّن كل إنسان من سماع الإشادة بعجائب الله كلّ في لغته ويكون شاهداً لها في نطاق ثقافته الخاصة (را: أع 2 : 11). التعليم الديني أداة معرفة، لاشك، إلا أن هدفه الأساسي “لا وصل الناس بيسوع المسيح وحسب، بل إشراكهم معه بحيث تقوم بينهم وبينه إلفة تامّة. ذلك أنه هو وحده يمكنه أن يقودهم إلى محبة الآب بالروح وإلى إشراكهم في حياة الثالوث الأقدس” (204).
هذه المهمّة هي في طليعة مسؤوليّات الكنيسة، وتتطلَّب تجنيد المؤمنين بأجمعهم، وتجنيد كلٍّ بما لديه من مواهب. وتقع مسؤوليتها على كلّ من الكنائس البطريركية وهيئاتها التراتبيّة، في التعاون بعضها مع بعض. لا بدّ إذن من التنسيق، في هذا المجال، وبإمكان مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وهو هيئة التعاون، أن يقوم بدور طليعي في هذا المجال.
على الأهل، أولاً، وفي حضن الأسرة، أن يؤمنّوا التعليم المسيحي بطريقة واقعيّة لأنهم هم أول القيِّمين على تربية أبنائهم (205). للمدرسة أيضاً، في هذا المضمار، مكانة هامّة وإن محدودة، وذلك أنها تعجز عن إدراج الولد في تراثه الليترجي الخاص، فطلاّب المدارس ينتمون، في معظم الأحيان، إلى كنائس مختلفة. على الرعية، إذن، أن تساعد وتؤازر الأهل في التعليم الديني وتعزّز إنضواء الشباب إلى الكنيسة المحليّة وتوفّر للبالغين تعليماً دينياً مناسباً. أدعو إذن الأهل والرعاة إلى الاضطلاع بهذه الرسالة، رسالة تعليم الإيمان، بغاية الاهتمام، لأن ما يُزْرَع في الطفولة يُؤتي ثمراً على مدى الحياة. في هذه الروح تمنّت السلطة الكنسيّة الكاثوليكية في لبنان أن تُقام المناولة (الأولى) الاحتفالية في الرعايا، وقد كانت إلى الآن تقام في كثير من المدارس الكاثوليكية. هناك أيضاً حركات مسيحيّة للشباب والبالغين، ومراكز تنشئة مسيحيّة، بإمكانها أن تؤدي دعماً نفيساً لمسيرة التعليم المسيحي.
72- على الأهل أن يمارسوا، بحكم دعوتهم الزوجية والعائلية، مسؤوليتهم في تربية أبنائهم على الإيمان والصلاة والفضائل الإنسانيّة والأخلاقية والاجتماعية (206). هذه التربية تتناول الأولاد منذ نعومة أظفارهم؛ وتكمل عندما يتعاون أعضاء الأسرة في النموّ في الإيمان واحترام القيم الإنسانيّة الأساسية، بفضل ما يؤدّنه من شهادة حياة مسيحيّة يعيشونها كل يوم بحسب الإنجيل، في التواضع والصمت والمثابرة. على الوالدين، فضلاً عن ذلك، أن يواصلوا، في إطار عائلي مفعم بالحبّ والاحترام، ما تلقّوه من غير مصدر من تنشئة منهجية. وفي هذا ما يؤثّر في الأولاد تأثيراً حاسماً، ويمكّن الأهل أنفسهم من أن يجنوا ثماراً بيّنة لحياتهم الشخصية ولتمتين عرى الثقة بينهم وبين أبنائهم (207). ولكن، لكي يتمكّن الأهل من تلبية دعوتهم، يحقّ لهم أن يجدوا عوناً في المؤسّسات الرعوية أو الأبرشية التي توفّر لهم التنشئة اللازمة في إطار مناسب.
73- في المدارس الكاثوليكية، لا بد من تزويد التعليم المسيحي ببرامج مفصّلة مستوحاة من كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، ومتجذّرة في تقاليد الكنائس الشرقيّة، ومنفتحة على المدى المسكوني، وملبيّة لحاجات الشباب الخاصّة. الأشخاص المعنيّون بالتعليم المسيحي يتسلّمون من الكنيسة رسالة هامّة. فلا بدّ م اختيارهم باعتناء وتنشئتهم بطريقة مميزّة، فيرافقون الشباب في نموّهم الإنساني والروحي بصبر ومنهجية تربوية، ويحرصون على تزويدهم الرسالة المسيحيّة ويساعدونهم على اكتشاف الأجوبة على تساؤلاتهم الأساسيّة في شأن معنى الوجود. معلّم التعليم المسيحي هو أكثر من استاذ: إنه شاهد إيمان الكنيسة وقدوةٌ في الحياة الخلقية. وهو يقود كلّ شاب إلى اكتشاف المسيح ويوجّهه نحو رعيته ليتجذّر في الكنيسة المحليّة (208).
في غضون سنيّ التنشئة تُكوِّن المدرسة جماعةً مؤمنة، تتيح للشباب وللمربيّن معاً سبيل القيام بخبرة شراكة بين مختلف الكنائس البطريركية، وتبعث فيهم رغبة العيش ضمن جماعة مسيحيّة على مدى حياتهم. العلاقات بين الرعايا والمدارس تعزّز اندماج الشباب في حياة الرعية، ولكن بدون المساس بالحيوية المسيحيّة داخل المؤسّسات المدرسية، لأن هناك تكاملاً واضحاً بين المواقع الكنسيّة. على المسؤولين عن إدارة المدارس الكاثوليكية أن يعنوا بتنمية مناخ من الإيمان وتحسّس للقيم الإنسانيّة والأخلاقية في الأسرة التربوية التابعة لمؤسّستهم، وذلك في احترام من لا يشاركونهم عقائدهم وثقافتهم المسيحيّة، ولكن من دون التستّر، مع ذلك، على القيم المسيحيّة التي يرتكز عليها نظامهم التربوي. ليسهروا، إذن، على أن يُخصّص الطلاب الكاثوليك بما يكفي من الوقت للتعليم المسيحي، وتوضع في تصرّفهم الوسائل المناسبة. ويجب، من جهة أخرى، العمل على تأمين التعليم المسيحي في المدارس الرسمية وفي المدارس غير الكاثوليكية.
وأما الرعايا فعليها أن تفتح أبوابها للشباب، وتتيح لهم الاشتراك الناشط في الليترجيا والأسرار والأعمال الرعوية، وتوفّر لهم ما يلزمهم من وسائل وأمكنة في مراكز رعوية. فإنّ بالشباب حاجةً إلى أن يتلاقوا ويقيموا علاقات في ما بينهم، ومع كهنة وأشخاص بالغين من ذوي المسؤولية (209). ويتحمّل الكهنة، أيضاً، مسؤوليةً كبيرة جداً في مجال التعليم المسيحي للبالغين، خصوصاً، عن طريق عظة يوم الأحد.
74- الحركات المسيحية هي، للكنيسة الكاثوليكية في لبنان، كنز ثمين، أعضاؤها يعيشون فيها خبرة حياة أخويّة، وحياة مسيحيّة خالصة. فعلى المسؤولين، ولا شكّ، أن يحافظوا على ما تتميّز به حركاتهم من طابع خاص. ولكن عليهم، أيضاً، أن يتحقّقوا باستمرار من احترام هذه الجمعيات العلمانيّة للضوابط الكنسيّة (210).
وليحرصوا على أن يتلقّى أعضاء هذه الحركات تنشئة إنسانية ودينية معمّقة ومستمرة فتنمو بذلك محبتهم للمسيح وللكنيسة (211)، ويظلّوا متّصلين عضوياً برعاياهم (212)، ويؤدّوا شهادة شراكة متينة وقوية في عقيدتهم و”احترام متبادل لكلّ ألوان الرسالة في الكنيسة” (213). على الحركات أن تسهر بروح الطاعة للبطاركة والأساقفة على أن تظلّ أعمالها منسجمة مع تراث الكنائس التي تعمل في سبيلها. اعتراف الكرسي الرسولي بحركة من هذه الحركات هو دعوة إلى المشاركة في حياة الكنيسة ورسالتها والاندماج في المجتمع الأهلي والحياة الرعائية المحليّة، ولكن في الطاعة لسلطة الرعاة وبالانسجام مع الكنائس الخاصة والتقاليد الليترجيّة المميّزة، في شراكة رسالية حقيقيّة (214).
معاهد التعليم العالي (215)
75- على الجامعات والمعاهد الكاثوليكية أن ترعى هويّتها المميّزة، وهدفها ضمان الوجود المسيحي في عالم الجامعة (216)، وذلك بالعمل، في ضوء الإيمان الكاثوليكي، على تعزيز فكر (مسيحي)، بمستوى أكاديميّ رفيع، في مختلف قطاعات المعرفة البشرية، ونمط من التعليم يرتكز على الثقافة المسيحيّة ورؤية شاملة للإنسان تنسجم مع التراث الانتروبولوجي والأخلاقي واللاهوتي في الكنيسة. وعليها أن تتنبّه دوماً للحفاظ على طابعها الكاثوليكي في ميزاته الأساسية: وهي النفحة المسيحيّة لدى الأسرة الجامعيّة، والبحث المتواصل في كنوز المعرفة البشرية في ضوء الإيمان الكاثوليكي، والأمانة للسلطة التعليمية في الكنيسة، والتزام المؤسّسة خدمة شعب الله والناس أجمعين (217). لقد قامت المعاهد الدينية ولا تزال تقوم بعمل له نوعيّته لإنماء ثقافة منسجمة مع الإيمان، ولكي تضطلع الجامعة الكاثوليكية بمهمتها في الكنيسة وتجاه المجتمع، مشجّعة، أيضاً، الحوار ما بين الثقافات.
ثمّة عدد من المعاهد العالية في مضمار المعارف الدينية والفلسفية تقدّم للمؤمنين تنشئة في علم التفسير الكتابي واللاهوت والفلسفة والروحانية، وفقاً لما تعلّمه السلطة الكنسيّة. إنها تضع في متناول عدد كبير من المسيحيّين المعارف التي تمكّنهم من إنماء حياتهم الروحية، وأداء شهادة أعمق في حياتهم اليوميّة وتحصيل مستوىً من الدراسات الدينيّة يتلاءم ودروسهم الدنيويّة. من هنا دعوة المسيحيّين إلى فهم صحيح للإيمان، والإمعان في اكتشاف كلام الله والمعتقدات والتقاليد الليترجية والروحية على أنواعها، مع الاعتراف بالمبادئ الأخلاقية الأساسية (218).
76- لقد اهتمّت الكنيسة دوماً بتنشئة الشباب إنسانياً ومهنياً عبر تعليم جامعي ومهني رفيع يُعدُّهم لممارسة إحدى المهن؛ فالعمل هو عنصر أساسي من عناصر الوجود البشري (219)، ويساعد التعليم، في الوقت نفسه، على بناء شخصيّة الشباب، وإنماء ثقافتهم، واكتشاف نهج مسيحي للعيش وسط العالم، وفي دنيا العمل، وأوقات الفراغ في الحياة اليوميّة، ممّا يعزّز في نفوسهم روحانيّة العمل. وفي ذلك ما يؤهّبهم على نحوٍ مفيد، لأن يكونوا شهوداً للمسيح بالمثل الذي يعطونه وبالقيم التي يعرفون كيف ينقلونها إلى من هم من حولهم.
الهدف المنشود من وراء التعليم العلمي والتقني هو العمل على تعزيز وتنشيط ثقافة علميّة عميقة وحب للبحث يجعلان الشباب أشخاصاً ذوي كفاءة في مجال عملهم. مثل هذا النهج في التعليم يتيح الأخذ بثقافة وأنتروبولوجية مسيحيّة حقيقيّة، وفنّ مسيحي في العيش يرتكز على القيم الأساسية ومبادئ العقيدة الاجتماعية في الكنيسة. إن للتنشئة المهنيّة وللعمل البشري تأثيراً في مختلف قطاعات الحياة: أي حياة العمّال الفردية والعائلية والاجتماعية. “وهذا ما يجعل الإنسان يوثّق هويّته الخاصة بالرباط الذي ينتمي به إلى أمّة ما، ويرى في عمله وسيلة لإغناء التراث العام بالتعاون مع مواطنيه، وبذلك يشعر بأنه بعمله يُسهم في إنماء تراث العيلة البشرية جمعاء وجميع البشر في كل أقطار الأرض” (220). لذا فالمؤسّسات الكاثوليكية للتعليم العالي، وفقاً لطبيعة كل منها وقوانينها وأهدافها الخاصّة، “تقدّم للكنيسة وللمجتمع قسطها من المساهمة في البحث والتربية أو التنشئة المهنيّة” (221).
كليّة اللاهوت الكنسيّة
77- لكي تتمكّن الكنيسة من النموّ والرسوخ، عليها أن تلحظ ضرورة التجديد في تعليم اللاهوت والفلسفة والحق القانوني، وإعداد المربّين والمعلّمين من كهنة وشمامسة ورهبان وراهبات وعلمانيّين، لمواجهة مستلزمات الحياة الرعائية. ولابدّ من التعمّق، بلا ملل في كنوز اللاهوت والتقاليد الروحية الشرقية، ولكن بدون إهمالٍ لتراث الكنيسة الجامعة. هذه البحوث لن تخلو من التأثير في الحوار المسكوني وبخاصة بين مجموع الكنائس الإنطاكية، وفي العلاقات مع الجماعات الإسلاميّة التي تنامى تراثها الروحي، هي أيضاً، عبر التاريخ. كلية اللاهوت في لبنان لها، إذن، أهميّة لا تُضاهى على صعيد التنشئة الجامعيّة في مضمار الدروس المقدسة، سواء لأعضاء الإكليروس أم الأشخاص المكرسيّن والعلمانيّين.
تلبيةً لمستلزمات العصر، لا بدّ من العمل على تجديد برامج الدروس، بحيث تحظى دراسة الكتاب المقدّس و العقيدة والتقاليد الشرقية بمكانة مميّزة، ولكن بدون إغفال للتقاليد الأخرى. على كلّية اللاهوت أن تسعى، بوجه خاص، إلى إجراء مقاربة شاملة للاهوت ومنهجية عمل تراعيان تراث الكنائس الشرقية الخاصّ. وعليها أن تسعى، خصوصاً، إلى إعلان المبادلات والعلاقات الوثقى بين العقيدة والليترجيا والروحانية التي تميّز المسيحيّة في الشرق (222). هذه البرامج يجب أن تتوخّى، أولاً، تزويد الطلاب بمعرفة حيّة وفي الصلاة، بطريقة التعبير عن إيمانهم الملازم لهويتهم الكنسيّة. فإذا رسخوا في هذا التراث، بات بإمكانهم الاغتناء بمعرفة تراث المسيحيّة الغربية. ويسعدني، في هذا المجال، أن يتابع كهنة لبنانيّون تحصيلهم الدينيّ في معاهد كنسيّة خارج لبنان، فتتلاقى بذلك التقاليد الغربية والشرقية على أنواعها. ولاشكّ أن المقابلة بين ما حصّله هؤلاء الكهنة في الخارج وتراثهم الخاص سوف يجعل منهم عناصر ثمينة في البطريركيات التي ينتمون إليها، أهلاً لأن تؤدي قسطها من الأبحاث والمنشورات العلميّة الرصينة (223).
في روح من الخدمة والانفتاح وبمراعاة الأحوال المعقّدة في الشرق الأدنى، تقع على عاتق كلية اللاهوت رسالة الاضطلاع بتعليم العقيدة والتفسير الكتابي، بالنوعية المطلوبة والأمانة لمختلف التقاليد وللسلطة التعليمية في الكنيسة. من هذا المنحى يتحمّل المدرّسون مسؤولية خاصة، “فهم يقومون بعمل مميّز في خدمة كلام الله ويُلقّنون الشباب دروس الإيمان، ويكونون لتلاميذهم ولسائر المؤمنين شهود الحقيقة الحيّة النابعة من الإنجيل ومثال أمانة للكنيسة” (224).
وظيفة معلم اللاهوت أن يبني الأسرة الكنسيّة، ويقوم بخدمة جلّى لشعب الله. ثم على المعلّمين ألاّ يُهملوا العمل على إعداد باحثين آخرين يواصلون، غداً، دراسة اللاهوت، على أن يظلّوا متمسّكين كل التمسّك بوديعة الإيمان، ويقوموا بأبحاثهم ضمن إيمان الكنيسة؛ وعليهم، دون أن يشوّهوا العقيدة، أن يراعوا تطوّر الثقافات والعقليات في تعليم الإيمان ونقل الحقائق الإنجيلية بلغة مفهومة، والمساهمة في بنيان الكنيسة بجهد متواصل. ومن جهة أخرى، لا يجوز أن يفوتنا أن الكليّات الكنسيّة تساهم في إرساء حوارات بين ما في البُشرى الخلاصيّة من ثراء وبين المعارف والثقافات المتعدّدة (225)، ممهّدة الطريق لإقامة أنواع مثمرة من التبادل (226). وسوف يساهم ذلك في ما لابدّ منه من انفتاح رسالي وخلاصيّ ، لأن كل كنيسة خاصة تنطوي على ذاتها لن تؤدّي رسالتها.
رعاية الدعوات
78- أودّ هنا، مع آباء المجمع، أن أنوّه بضرورة العمل على رعاية مشتركة للدعوات، لتتمكّن كل كنيسة بطريركية من وضع وسائلها الخاصّة لخدمة مجموع الكنيسة الكاثوليكية في لبنان. والواقع أن كلّ ما يتحقّق في هذا المجال، بالتجابه أو التنافس، لن يكون إلاّ مؤذياً لحيوية الجسم الكنسي كله. ويفترض عمل التمييز، من قبل المرافقين والمربيّن، قدراً كبيراً من الحرية الباطنة، تتيح لهم أن يساعدوا الشباب في اكتشاف الوجهة التي يدفعهم إليها الروح. وعلى جميع المعنيّين بالحياة الرعائية أن يتضافروا لمساعدة الشباب في تبّين الدعوة التي يشعرون بها في مضمار خدمة الكنيسة ، سواء في الكهنوت أم في الحياة المكرّسة للرجال أو للنساء. ويجب أن يهتّموا بإعطاء الشبيبة مثال حياة يبعث الفرح والرغبة في تلبية دعوتهم إلى الكهنوت أو الحياة المكرّسة أو التزام العمل الرسولي العلماني.
وأدعو أيضاً كل المؤمنين إلى أن يرفعوا إلى الرب أدعية حارّة من أجل الدعوات، وبخاصة في إطار أسبوع الصلاة العالمي من أجل الدعوات، ليرسل الرب فَعَلةً إلى حصاده (راجع متى 9 : 38)؛ وهذه الطريقة ممتازة لتوعية الشباب على مسألة الدعوات وإسماعهم نداءات الكنيسة وتزويدهم بالمعلومات الضرورية حول مختلف أشكال الالتزام، مع ما يلازمها من الشروط ومراحل التنشئة (227).
الفصل الرابع
الشراكة
الكنيسة جسد المسيح
79- بعد أربع سنوات من الصلاة والاستعداد، تأمَّلَتْ في أثنائها الكنيسة الكاثوليكية في لبنان بشجاعة في دعوتها ورسالتها، ذكّرَتْها جمعيّة سينودس الأساقفة الخاصة من أجل لبنان بالطريق الواجب سلوكه، داعيةً جميع الكاثوليك إلى التوبةن لكي “يجدوا من جديد، مترجمة في لغتهم، الأقوال عينها التي أراد مخلّصنا ومعلّمنا يسوع المسيح أن يستهلَّ بها كرازته: “توبوا وآمنوا بالإنجيل” (مر 1 : 15)، أعني: تقبّلوا البشارة، بشارة المحبة وتبنّي أبناء الله، وبالتالي الأخوَّة” (228).
فالمؤمنون والإكليروس يكوّنون معاً، في المسيح رجائهم الأوحد، الكنيسة، حول الأساقفة. وواجب الرعاة الأوّل إنما هو الحفاظ على وحدة الكنيسة (229). وكلُّ كنيسةٍ محليّة تُظهر سرّ هذه الوحدة وفقاً لتقليدها الخاصّ. وهي تنال أيضاً من المسيح المصلوب والقائم من الموت شراكة الروح القدس (را: 2 قو 13 : 13)، الذي فيه يجب أن تُجدَّد باستمرار. “لكلّ واحدٍ مهمَّته الخاصة. ولكنّ الجميع يحيون من الحياة ذاتها. والحال أن الروح القدس، هو، بالنسبة إلى جسد المسيح الذي هو الكنيسة، ما هي النفس لجسد الإنسان. والروح القدس يفعل في الكنيسة كلّها ما تفعله النفس في كل أعضاء الجسد الواحد” (230). ولكنّ ثمار التجدّد لا تعني المؤمنين وحسب، بل يجب أن تظهر أيضاً في كلّ كنيسةٍ بطريركية على أنّها مؤسَّسة، وفي الشراكة بين مختلف الكنائس البطريركية.
لذلك تأمّلت الجمعيّة السينودسيّة، في خلال المرحلة الثالثة من أعمالها، في هذه الناحية من موضوعها: “معاً للمحبّة نشهد”. وقد كنت، طيلة الجلسات السينودسيّة، شاهداً للتضامن بين آباء السينودس: “بالحقّ وفي المحبة” (أف 4 : 15). وأطلب من الربّ أن يمتد اختبار الشراكة هذا، الذي هو ثمرة السينودس، إلى الشعب كلّه، لكي تشهد الكنيسة الكاثوليكية في لبنان للمحبّة التي توحّد كل أعضائها على أنّهم إخوة، تلك المحبّة التي يتوق إليها الناس جميعاً. أن نشهد بأن الله محبّة إنّما يعني أولاً أن نقيم الدليل على ذلك “بالعمل والحقّ” (1 يو 3 : 18)، إذ “إنّ المسيح، بالإيمان به، قد أنمى محبّتنا لله وللقريب” (231). وشهادة المحبّة بين الكاثوليك هي من المقتضيات الأولى الناتجة من محبّة الله التي تجلَّت في ابنه. والشهادة – الاستشهاد – التي هي رسالة الكنيسة الجوهرية، “تُفجّر قدرة الروح” (232)، لأنّها إعلان قدرة الله في العالم، على الرّغم من ضعف الإنسان. وهي تكتسب قيمتها ومداها في الشراكة الفعليّة بين مختلف الكنائس الخاصة.
أولاً- الشراكة ضمن الكنيسة الكاثوليكية في لبنان
في لبنان
80- الكنائس البطريركية الكاثوليكية في لبنان تنتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية، وبما أنها في شراكةٍ تامَّة مع خليفة بطرس، فهي أيضاً في شراكة بعضها مع بعض على أنّها “أجزاءٌ من كنيسة المسيح الواحدة” (233) و”تحقيقاتٌ خاصةٌ لكنيسة يسوع المسيح الواحدة الوحيدة” (234) التي منها تستمدّ صفتها الكنسيّة. ويجدر بنا الآن أن نتساءل حقاً عمّا إذا كانت تحيا في الواقع، في كل مكان، بمقتضى هذه الشراكة التامة والواثقة مع الكرسي الرسولي وفي ما بينها (235)، وخاصة في الميادين التي تدعو الجماعية الأسقفية فيها إلى مسؤولية مشتركةٍ فعّالة على الصعيد المحلّي. فالأساقفة، وأعضاء الإكليروس، والرهبان، والراهبات، والمؤمنون العلمانيّون الأكثر التزاماً في الرسالة، يدركون أن الطريق لا تزال طويلة، كما أعربت عن ذلك بوضوح وشجاعة عدّة مداخلات وتقارير في أثناء الحلقات. ولكنّ المستقبل والتجدّد اللذين أرادتهما الجمعيّة السينودسية مرتبطان إلى حدٍ كبير بجهود جميع أعضاء الكنيسة الكاثوليكية، وبما يقومون به من أعمالٍ أخويّة (236). ومن ثمّ، على الجميع أن يتذكّروا باستمرار أن أجمل قربانٍ و”أعظم ذبيحةٍ يمكن تقديمها للرب هما سلامُنا واتّفاقنا الاخويّ، وشعبٌ ملتئمٌ في وحدة الآب والابن والروح القدس” (237).
لقد استطاع آباء المجمع، انطلاقاً من أداة العمل، وفي حوارهم مع المستمعين العلمانيّين والكهنة، أن يحيطوا بما للشرّ العميق الذي يعاني منه المؤمنون في لبنان من أسباب رئيسة، ألا وهي غياب مفهوم الكنيسة بوصفها سرّ شراكة يعبّر عن طبيعة الكنيسة الأسرارية ووحدة المؤمنين في جسد واحد (238). إن مجمل المؤسّسات والتشريع القانونيّ يعبِّر عن هذا السرّ، ويدعو جميع أعضاء شعب الله إلى أخوّةٍ حقيقية. بهذه الروح، من المهم أن يتغلّب تغلباً مستمراً الحسّ الإيماني والكنسيّ على عقليةٍ تطالعنا في الغالب، عقلية الإنكفاء نحو الطائفة الخاصّة. هذا الوضع القائم يتطلب توبةً إنجيلية دائمة، للانتقال من “الروح الطائفية إلى روح الكنيسة الأصيلة” (239). فالمطلوب إذاً تحوّل جذريٌّ في الرؤية، كما كان يردّد القديس إغناطيوس الأنطاكي: “اهربوا من الانشقاقات، فهي أصل كل الشرور” (240). على الرعاة إذاً والمؤمنين أن يتحلّوا بالجرأة الروحيّة ليتجاوزوا، بمعونة الروح القدس، الحدود الاجتماعية – الثقافية المنغلقة على طائفتهم، ويرتفعوا إلى مستوى الكنيسة الجامعة، ويعملوا بمقتضى الشراكة الكنسيّة كلّها (241). فالبُنى قائمةٌ وقد نصَّت عليها القوانين المقدّسة، ولكن يعوق نشاطها أشكالٌ عدّة من الأنانية الشخصيّة والجماعية، وصعوبةٌ في الاتّصال والتعاون، والرغبة البشرية في احتلال المكانة المرموقة. هذه كلّها مواقف تتنافى والمحبّة (را: 1 قو 13 : 4 – 10). لقد وردت آنفاً توجيهات في شأن الرعايا والأبرشيات، ومجامع الكنائس البطريركية (242). غير أنه من الأهمية بمكان التطلّع إلى إجراء تغييرات على الصعيد الوطني، بغية اضطلاع الأساقفة بمسؤولية مشتركة فاعلة، وقيام المزيد من الشراكة بين مختلف الكنائس المحليّة.
81- سنة 1967، غداة المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، أُنشئ مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. وهذه البنية الجماعية لا تحلّ محلَّ مجامع الأساقفة في مختلف الكنائس البطريركية. فكل بطريركية تحتفظ بسلطتها الخاصّة في ما يتعلَّق بحياتها وتنظيمها الداخلي. غير أن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان هو دليل واضحٌ يعبر تعبيراً فريداً عن الروح الجماعية التي يتحلّى بها الأساقفة الراغبون في أن يظلّوا أمناء لدعوتهم، رعاةً يعملون في تعاون تامّ وسخيّ في ما ببنهم ومع خليفة بطرس (243). ويهدف هذا المجلس، بحسب قوانينه الجديدة، إلى تعزيز التشاور والتعاون وتكثيفها في كل الميادين المتاحة. ولذا، فالمجلس مدعوٌّ باستمرار إلى التحقّق من فعالية نهج عمله. من هذا القبيل، قدّم أعضاء الجمعيّة السينودسية اقتراحات كثيرة أتبنّاها. وأدعو الكنيسة الكاثوليكية في لبنان إلى أخذ التوجيهات العامّة التالية بالاعتبار (244).
أولاً، يعود بالطبع إلى كل بطريركية وإلى مجلس البطاركة والأساقفة دعم ما نشأ عن الجمعية السينودسية من زخم واندفاع. وعلى هؤلاء أن ينشروا هذا الإرشاد الرسولي الصادر على أثر المجمع لدى جميع المؤمنين، ليجعلوا منه موضوع دراسات خاصة، ويضعوه موضع العمل في كل كنيسةٍ بطريركية وفي سائر البنى العامة. وإنّه لملحّ، على ما تمنّاه آباء المجمع، أن يضع مجلس البطاركة والأساقفة خطة راعوية تشمل (245) كل الميادين التي تستطيع فيها مختلف الكنائس البطريركية الكاثوليكية أن تمارس معاً مسؤولياتها وعملها الراعويّ. ومن شأن هذا التشاور، إذا أُعير ما يجب من التفكير والإعداد المتأنيّ، أن يُفْضي إلى اتخاذ قراراتٍ تهمُّ الجميع، وتقود جميع أعضاء المجلس إلى أن يلتزموا معاً في العمل الراعوي (246)، على ألاّ تناقض هذه القرارات أيَّ تقليد أساسي لهذه أو تلك من الكنائس البطريركية. أخذاً بروح أنواع التجدّد المقترح آنفاً (247)، من المفيد جداً أن يُسهم في نشاطات مجلس البطاركة والأساقفة كهنةٌ وشمامسة ورهبان وراهبات وعلمانيّون ملتزمون، ويجدر، بنوعٍ خاصّ، درس إمكانية إنشاء مجلس راعويّ على مستوى مجلس البطاركة والأساقفة، بغية إشتراك جميع أعضاء شعب الله في رسالة الكنيسة. ذلك أنّه يعود إلى الرعاة “أن يعترفوا للعلمانيّين بالكرامة والمسؤولية في الكنيسة، وأن يعزّزوهما”. ولهم، [أي العلمانيين] بل عليهم في بعض الأحيان، […] أن يبدوا في ما يتعلّق بخير الكنيسة” (248).
ومن ناحية الإداء العملي، ينبغي إعادة تنظيم اللجان الأسقفية لتصبح أكثر عملانيّة ولتكون حقاً في خدمة رسالة الكنيسة. إن مجلس البطاركة والأساقفة مدعوّ باستمرار إلى تنظيم ذاته تنظيماً أفضل، ليعمل في سبيل الخير المشترك بين سائر أعضاء الكنائس الخاصّة.
مع كلّ الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط
82- في أثناء الجمعية السينودسية، لفتت عدة مداخلات الانتباه إلى دعوة الكنيسة الكاثوليكية وإلى رسالتها، وإلى ضرورة إقامة روابط أخويّة مع المسيحيّين وتعزيزها في الشرق الأدنى والأوسط وتقويتها، وخاصّة مع الذين هم أحياناً عرضةٌ للإهمال، كما في إيران والسودان وأفريقيا الشمالية. فَرِحْتُ كثيراً بتوسيع هذه النظرة وهذا الاهتمام بالتضامن. وإنّي أرى في تبادل المواهب بين الكنائس الخاصة دليلاً واعداً بالتجدّد. إن الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، التي تنعم بامتيازاتٍ كثيرة على الرّغم مما تعانيه من آلام، مدعوّةٌ إلى ا لانفتاح على إخوتها، وإلى الاستجابة بفرح للدعوة التي تدفع كل كنيسة خاصة إلى إنشاء روابط أخوية، على مثال الجماعة المسيحيّة الأولى في أورشليم (را: أع 2 : 42 – 46) (249). وقد أعلن أيضاً كثيرٌ من آباء المجمع والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيّين أن أحد سبل تجدّد الكنيسة في لبنان هو في انفتاحها على الرسالة “بين الأمم”، لتُسهم في هذا العمل مع كنائس أخرى في شتّى أنحاء العالم. فالاندفاع في الرسالة إلى الخارج لا يسعه إلاّ أن يجدّد شباب الكنيسة ونشاطها في الداخل.
بدفع من هذه الروح، يُدعى مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك (250) إلى تقوية بنياته، ليُظهر بالفعل كاثوليكية الكنيسة في المنطقة ورسالتها الخلاصية لجميع سكّانها. ولهذا المجلس دورٌ في التنسيق الإقليمي، فيعطي على طريقته شهادةً عما للأساقفة من روح جماعية في سبيل القيام بانجازات مشتركة في مختلف الميادين الرسولية وأعمال المحبّة (251).
مع الجماعات الكاثوليكية في بلدان الانتشار
83- لقد أطلق مشاركون كثيرون نداءً ملحّاً للحفاظ على العلاقات بين الجماعات الكاثوليكية في بلدان الانتشار ومختلف البطريركيّات في لبنان وتكثيفها. وفي الواقع إن جماعةً محلّية لا تستطيع أن تحيا منقطعةً عن مركز وحدتها دون أن تجازف في تنصيب نفسها [كياناً مستقلاً] تمام الاستقلال. وفي شأن تجديد هذه العلاقات واجباتٌ من كلا الجانبين. على كل بطريركية أن توفّر لمؤمنيها المنتشرين في العالم المساعدة الروحية والمعنويّة التي هم بحاجة إليها، وذلك بإرسال كهنة وشمامسة ورهبان وراهبات يحرصون على العمل بالارتباط مع الكنائس المحليّة الأخرى، ولاسيّما مع الكنيسة اللاتينيّة. وفي الوقت عينه، على الأساقفة أن يُعْنَوا بأن يتمكّن كهنة الغد الذين يتلقّون تثقيفهم في بلدان الانتشار من اكتشاف تراث كنيستهم الخاصة الأصليّة وثقافتها اكتشافاً واقعياً. وعلى هذه العلاقات أن تتجسّد أيضاً بمشاركةٍ ماديّة وروحيّة مستمرّة، بغية دعم الجسم الكنسيّ بأكمله (252).
مع الكنيسة الكاثوليكية بأجمعها
84- لقد جاءت الجمعيّة السينودسيّة بِعَنْصَرةٍ جديدةٍ، علينا أن نحمد الرب عليها. إنّ الكنائس الشرقية الكاثوليكية القائمة في الشراكة التامّة مع كنيسة روما هي ظاهرة ملموسة لنضج الوعي الكنسيّ. فالوحدة سمةٌ أساسيّة للكنيسة، تقتضيها طبيعتها العميقة (253). غير أن شأن الوحدة هذا يجب ألاّ يُضعف تراث الكنائس الشرقية الكاثوليكية المميّز، الذي يُدعى المؤمنون إلى ايلائه “التقدير والمديح”، لأنّه “تراث كنيسة المسيح بأجمعها” (254). والتقاليد الخاصّة هي أيضاً مناسبة مميَّزة لإذكاء النشاط والاندفاع الرسوليّين، اللذين لا بدَّ لكلّ مؤمنٍ من أن يشارك فيهما. فليُعنَ الرّعاة بأن يوفرّوا لكلّ الكاثوليك التثقيف الضروري، ليكتسبوا الحسَّ الرسوليّ ويبادروا إلى مساعدة إخوتهم المسيحيّين والناس المحتاجين (255).
ثانياً- الحوار مع الكنائس الأرثوذكسية
85- وكان أيضاً سينودس الأساقفة الخاص بلبنان زمن نعمةٍ، بفضل ما قام به من مشاركة فعّالة الإخوة المندوبون من الكنائس الأرثوذكسية في لبنان، الموفدون من قبل بطريركيّتي أنطاكية للروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس، ومن كاثوليكوسيّة كيليكية الأرمنية، ومن كنيسة المشرق الأشورية. وقد أسهمت مداخلاتهم في الجلسات العامة وفي حلقات الحوار، كما في اللقاءات الودية، في نشر جوّ أخويّ بين مختلف الكنائس. فأشكر لهم مشاركتهم الأخويّة وإسهامهم في الحوار. واتّضح الآن أن دراسات عميقة قد أفسحت في المجال لتبديد الكثير من سوء التفاهم حول معظم الخلافات التقليدية التي نشأت في القرن الخامس والمتعلقة بشخص المسيح. الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية في لبنان مدعوّةٌ، بوجه خاصّ، إلى “الحفاظ في شراكة الإيمان والمحبّة على العلاقات الأخويّة التي يجب أن توجد بين الكنائس المحلية كما توجد بين شقيقات” (256).
لقد تمَّ تقدّم كبير منذ المجمع الفاتيكاني الثاني. وإني مع الكنيسة الكاثوليكية بأجمعها، أفرح بالالتزام المسكونيّ الذي نشهده في كل الكنائس وبالحوارات المثمرة التي تدور في ما بينها وبالاتّفاقات اللاهوتيّة المختلفة التي أمكن توقيعها (257). ولاشكّ أنّ هذا قد أتاح البحث، بصفاء وثقة، في مجال المشكلات التي لا تزال تعترض سبيل الشراكة الكاملة في المحبة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية، والتطلّع إلى عناصر الحلّ، مع الحرص على الحقيقة.
86- التوجيه الأول المقترح يقوم على اكتشاف التراث الأنطاكي من جديد والتعمّق فيه. إنه مشترك بين عددٍ من الكنائس البطريركية الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية في الشرق الأوسط. هذه العودة إلى الينابيع تقتضي تجديداً في التنشئة والتفكير اللاهوتيّين، وفي الحياة الروحية والعمل الرعائي، مع أخذ تقليد الكنيسة بعين الاعتبار، ولاسيّما آباء الشرق والغرب الذين عبّروا عن رسالة الإنجيل في ثقافاتهم المتنوعة. وإنّي أدعو جميع المؤمنين المسيحّيين إلى صلاة حارّة لنتمكّن من تتميم مشيئة الرب، وإلى المزيد من حياة الإيمان والمحبّة، وإلى مشاركة حقيقية بالمواهب، وإلى اكتشاف جدّي لوجهات نظر إخوتهم الروحية (258). من المؤكد في هذا الخط عينه أن مؤسّسات التثقيف اللاهوتي والرعائي تستطيع أن تقدّم مساهمةً كبرى في الحوار المسكونيّ.
في أثناء المناقشات أثارت الجمعيّة السينودسية بعمقٍ ثلاث مسائل رعائية، تشكّل مصدر صعوبات في العلاقات بين الكنائس البطريركية الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية (259)، ويجب أن تكون هذه موضوع دراسات جدّية بالاتّفاق مع الكرسيّ الرسولي (260). وإنّي أفرح للجهود التي بُذلت في الواقع وللإسهامات التي تمّت في مختلف الميادين، والتي يجب مواصلتها والتعمّق بها، سعياً إلى تغليب الحقيقة وحوار المحبّة. إن إمكاناتٍ رعائية تتاح لرعاة الكنيسة الكاثوليكية، في إطار احترام التقاليد والمشاعر، مع السهر الدائب على عرض العقيدة الكاثوليكية عرضاً صحيحاً (261). ولا بدّ من اعتمادها، مع الحرص على التقدّم من حيث العلاقة والانسجام مع المباحثات التي يواصلها الكرسيّ الرسولي مع مختلف الكنائس، وتوفير التثقيف الضروري للمؤمنين (262).
ثالثاً- الروابط مع الجماعات الكنسيّة المتفرّعة عن حركة الإصلاح
87- إنّ مشاركة المندوب الأخويّ عن الجماعات الإنجيلية في لبنان استُقبلت بفرح، وكانت مناسبةً لتبديد بعض سوء التفاهم حول الجماعات البروتستنتية (263). إنّ الرابط الأساسيّ بين الكنيسة الكاثوليكية وجماعات “الإصلاح” يرتكز على المعمودية التي تجعلنا أبناء لله، وعلى الإصغاء إلى كلمة الله. وفي الوقت عينه نحن واعون لما يفصلنا عن بعضنا، وبخاصة في ما يتعلّق بالخِدَم الكهنوتية وأسرارية الكنيسة. ففي الحوار الأخويّ والصلاة، نستطيع الانتقال شيئاً فشيئاً من حال عدم الثقة إلى بعض خطوات على طريق المصالحة والوحدة التامة، تترجمها أعمالٌ اجتماعية مشتركة تُبرز وجه المسيح خادم جميع الناس.
رابعاً- مجلس كنائس الشرق الأوسط
88- لقد أصبح مجلس كنائس الشرق الأوسط أحد الإطارات المعهودة للحوار المسكوني في لبنان. وفي هذا الإطار يمكن القيام بتفكيرٍ مشترك في مسائل مثل: تاريخ الاحتفال بفصح الرب، ودراسة نصّ عربي موحَّد للصلاة الربية، وقانون الإيمان، على أن يُترك الحكم فيها للسلطات المختصّة. وفي الحقل الإنساني، يمكن تأدية شهادةٍ مشتركة تعبيراً عن حنان الرب وعنايته أمام معاصرينا. إنَّ خدمة الوحدة المسيحية تقتضي كفاءةً وثقافةً خاصة، ولا يمكن القيام بها من دون مشاركة رؤساء الكنائس المعنيّة على أعلى مستوى. ذلك أن المسيرة المسكونية لا تُلزم الكنيسة المحليّة وحسب، بل الكنيسة بأجمعها أيضاً وكل الكنائس. إني أحث إذاً الرعاة والمؤمنين على أن يحفظوا حياً فيهم التّوق إلى الوحدة، وأن يُسهموا، من دون كلل، من خلال حوارٍ مسكوني مباشر، في تطوّر العقليات، عن طريق الصلاة معاً والعمل معاً، كلّما أمكن ذلك (264).
في روح من الاتّفاق والأخوّة، يجدر ذكر العلاقات التي يعمل مجلس كنائس الشرق الأوسط على تطويرها وترسيخها مع مختلف الجماعات الإسلامية، للنظر في ما يمكن القيام به من تعاونٍ، في سبيل خدمة المجتمع اللبناني معاً.
الفصل الخامس
الكنيسة الكاثوليكية في لبنان والتزامها الحوار بين الأديان
حوار حقيقي
89- إن حواراً حقيقياً بين مؤمني الأديان التوحيدية الكبرى يرتكز على الاحترام المتبادل، والعمل معاً، على حفظ العدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية والسلام والحريّة وتنميتها لجميع الناس (265). وهذه المهمّة المشتركة ملّحة بشكل خاص، للبنانيّين المدعوين بشجاعة إلى مسامحة بعضهم البعض، وإخماد خلافاتهم وعداوتهم، وتبديل ذهنياتهم، حتى ينمو التآخي، والتضامن في إعادة بناء مجتمع مُؤهل باطراد للعيش المشترك (266).
تتطلّب المشاركة في تغيير العالم، قبل كل شيء، توبة القلب والنضال في سبيل العدالة في المحبّة والأخوّة. وهذا بالنسبة إلى المسيحيين، أيضاً، بُعدٌ أساس لبشارة الإنجيل، لأنهم سيُعرفون من الأعمال الصالحة التي يعملونها.
وعلى الكنيسة أن تُساهم بلا انقطاع في الدفاع عن كرامة الإنسان “القائم في الموقع المركزي من المجتمع” فيما تعليم الكنيسة ” يكشف للإنسان حقيقة ذاته” (267).
إلى الكنيسة تتوجّه الشعوب بثقةٍ كبيرةٍ، خاصة في المراحل الخطيرة من تاريخها، لتحصل على النُّصح والأيد والعون.
“ليجتهد الذين آمنوا بالله في القيام بالأعمال الصالحة” (طي 3 : 8). فَمِنَ الآن وصاعداً يترتّب على جماعات الروح وأُسر الفكر، المقيمة في لبنان، والمشدودة إلى الله الذي يعبده الجميع، وتسعى جاهدة إلى خدمته (268) أن تنتهج طريقاً أعمق تضامناً، الأمر الذي تعبّر عنه فعلاً بالقيام بأعمال صداقة وتفاهم في احترام لا بديل عنه لكرامة الأشخاص وحرية الضمير والحريّة الدينية، وهي عناصر أساسية للخير العام.
أولاً- الحوار الإسلامي – المسيحي
90- عاش المسلمون والمسيحيون في لبنان جنباً إلى جنب، طوال قرون مديدة، حيناً في سلم وتعاون، وحيناً في صراع ونزاع. فعليهم أن يجدوا في حوارٍ يراعي مشاعر الأفراد و الجماعات المختلفة سبيلاً لا بدّ منه للعيش المشترك، وبناء المجتمع (269).
على اللبنانيّين ألاّ ينسّوا تلك الخبرة الطويلة في العلاقات التي هم مدعوُّون إلى استعادتها، بلا كلل، من أجل مصلحة الأشخاص والأمَّة برمّتها. ولا يُعقل، في نظر أصحاب الإرادات الطيبّة، أن يعيش أبناء مجتمعٍ بشري واحد، على أرضٍ واحدة، ويفضي بهم الأمر إلى عدم الثقة بعضهم ببعض والتخاصم والتنابذ باسم الدين. إني إنما أشكر للمندوبين الأخوة، المسلمين والدروز، حضورهم اجتماعات المجمع، ومشاركتهم الناشطة في الحوار.
91- هذا الحوار يجب أن يتواصل على عدّة مستويات. أولاً، يتعلّم الأشخاص والعائلات أن يقدّر بعضهم بعضاً، في الحياة اليومية وفي العمل وفي الحياة الوطنية العمليّة. إن الخبرات العمليّة في ممارسة التضامن، هي ثروة لجميع الشعوب، وخطوة واسعة هامة على طريق مصالحة الأفكار والقلوب، بدونها لا يمكن القيام بعمل مشترك طويل الأمد. إنَّ الحكمة الطبيعيّة تقود الأفرقاء، إذن، إلى تواصلٍ بشري غنيّ، وإلى تعاضد يُمتّن النسيج الاجتماعي.
أما الحوار الدينيّ فلا يمكن إهماله. ويجب أن يساعد كل أحد على النظر بتقدير إلى ما في أبحاث إخوانه الروحية من عظمة ويميّزها ويعترف بها، أبحاث تقود إلى السيّر في طريق المشيئة الإلهية، وتفسح في المجال لإعلاء شأن القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية – الثقافية لدى الأفراد وفي الحياة الجماعية.
ثانياً- العيش المشترك
92- لا بدّ خاصةً من تكثيف التعاون بين المسيحيّين والمسلمين في كل المجالات الممكنة، بروح التجرّد، أي من أجل الصالح العام، وليس من أ جل مصلحة أشخاص مُعيّنين، أو من أجل مصلحة طائفةٍ خاصة، أو أملاً بالحصول على مزيد من النفوذ والسلطة في المجتمع. إن اعتبارهم المشترك للحياة الأخلاقية، وتوقهم إلى مستقبل أفضل، يجعلانهم مسؤولين معاً عن بناء المجتمع الحاضر، وعالم الغد، وذلك بحفاظهم على القيم الأخلاقية، والعدالة الاجتماعية، والسلام، والحرية، ودفاعهم عن الحياة والعيلة، والعمل على رفع شأنها (270). ومن شأن هذا العمل المشترك أن يُعيد إلى جميع اللبنانيّين الثقة بإخوتهم وبالمستقبل، لأنه يحملهم على الانفتاح على أفضل ما في الحداثة.
ليس الحوار الإسلامي – المسيحي حواراً بين مثقّفين فقط، فهو يهدف، أولاً، إلى تشجيع العيش معاً بين مسيحيّين ومسلمين، في روح من الانفتاح والتعاون لا بدّ منه، ليتمكّن كل منهم من الشعور بالرضى باعتماده في حرية الخيارات التي يُمليها عليه ضميره القويم. ومتى تعلّم اللبنانيّون أن يتعارفوا جيداً ويرضوا رضى كاملاً بالتعدّدية، وفّروا لنفوسهم الشروط الضرورية لإقامة الحوار الحقيقي، واحترام الأشخاص والعيال والجماعات الروحية. وللمدارس والمؤسّسات التربوية المختلفة دور أساسيّ في هذا المضمار. لأن التمرّس في الحياة الجماعية، منذ الصغر، يحمل الأولاد على الانتباه بعضهم إلى بعض، ويدعوهم على أن يعالجوا سلمياً ما قد يحدث من نزاعات.
ثالثاً- التضامن مع العالم العربي
93- إنَّ الكنيسة الكاثوليكية منفتحةً على الحوار والتعاون مع المسلمين في لبنان. وتريد أن تكون منفتحةً على الحوار والتعاون مع مسلمي سائر البلدان العربية، ولبنان جزءٌ لا يتجزّأ منها. وفي الواقع إن مصيراً واحداً يربط المسيحيّين والمسلمين في لبنان وسائر بلدان المنطقة. وكل ثقافة خاصة لا تزال تحمل طابع ما رفدتها به على الصعيد الديني وغير الديني الحضارات المختلفة التي تعاقبت على أرضهم (271). ومسيحيّو لبنان وكامل العالم العربيّ، وهم فخورون بتراثهم، يُسهمون إسهاماً ناشطاً في التطوّر الثقافي.
إن المسيحيّين في جميع البلدان، ومن جميع الثقافات كافة، حيث انتشروا، “لا يتمايزون عن سائر الناس، لا في البلد ولا في اللغة ولا في العادات… بل يتكيّفون مع العادات المحليّة في ما يتعلّق بالكساء والغذاء وباقي مقتضيات الحياة… فيما يُظهرون في نمط عيشهم قواعد خارقة ومستغربة حقاً” (272).
بودّي أن أشدّد، بالنسبة إلى مسيحيّي لبنان، على ضرورة المحافظة على علاقاتهم التضامنيّة مع العالم العربي وتوطيدها. وأدعوهم إلى اعتبار إنضوائهم إلى الثقافة العربية، التي أسهموا فيها إسهاماً كبيراً، موقعاً مميّزاً، لكي يُقيموا، هم وسائر مسيحيّي البلدان العربية، حواراً صادقاً وعميقاً مع المسلمين. إن مسيحيّي الشرق الأوسط ومسلميه، وهم يعيشون في المنطقة ذاتها، وقد عرفوا في تاريخهم أيام عزّ وأيام بؤس، مدعوّون إلى أن يبنوا معاً مستقبل عيش مشترك وتعاون، يهدف إلى تطوير شعوبهم تطويراً إنسانياً وأخلاقياً، وعلاوة على ذلك قد يساعد الحوار والتعاون بين مسيحيّي لبنان ومسلميه على تحقيق الخطوة ذاتها في بلدان أخرى.
رابعاً- بناء المجتمع
94- أوّد أن أجدّد دعمي وتشجيعي للشعب اللبناني، في حياته الاجتماعية. تستمر خلافات بين سكان البلد. بيد أنها يجب ألاّ تشكّل عقبة في سبيل حياة مشتركة وسلام حقيقيّ، أي سلامٍ يكون أكثر من غيابٍ للنزاع.
واللبنانيون كسائر الشعوب، لأنهم يحبّون أرضهم حبّاً خاصّاً، هم مدعوّون إلى الاهتمام ببلدهم، والمحافظة دونما كلل على الأخوّة، وبناء نظام سياسي واجتماعي عادل ومنصفٍ، يحترم الأشخاص وجميع الاتجاهات التي يتألّف منها البلد، ليبنوا معاً بيتهم المشترك. وما من أحد يمكنه أن يتهرّب من المسؤولية الأدبيّة والمدنيّة، التي عليه أن يؤدّيها شرعاً وسط شعبه. فضلاً عن ذلك، يترتّب على كل شخصية عاملة في الشأن العام، سياسيةً كانت أم دينية، و”على كل فريق أن يحسب حساباً لحاجات الأفرقاء الآخرين ولتطلعاتهم الشرعيّة، بل للخير العام في الأسرة البشرية كلّها” (273). فالعمل في الحياة العامة هو، أولاً، خدمةٌ مسؤولة عن الإخوة، كل الإخوة، بحيث يعملون وبجميع الوسائل، لكي يعمل الجميع بانسجام. إنَّ جميع الذين يرضون تعهد الخدمة العامة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عليهم، من باب الواجب الآمر، أن يحترموا بعض الموجبات الأخلاقية، وأن يُخضعوا مصالحهم الخاصّة أو الفئوية لصالح أمتهم. ومتى عاشوا هكذا كانوا قدوةً لمواطنيهم، وعملوا بكل الوسائل، لتأتي أعمالهم لمصلحة الخير العام.
وهذا يفترض تجاوز السلوك الأناني (274) باستمرار، للعيش في تجرّد قد يذهب إلى حدّ إنكار الذات، بغية قيادة الشعب بكامله إلى السعادة بحسن إدارة الشأن العام.
95- في الحياة الاجتماعية، “لا يمكن أن تُمْتَهَن، بلا عقاب، حقوق وواجبات” (275) الأشخاص والجماعات الثقافية والروحية والشعوب. ففي هذا المجال، يَفْتَرِضُ التقدّم البشري والشخصي والجماعي، حسّ المشاركة والمسؤولية، والتضحية. وتجاهل هذا الأمر يقود حتماً إلى زعزعة أساس الاستقرار في العلاقات العامة، بتعريض كل أحد إلى جميع أنواع التعسّف وإلى فقدان الشعب بكامله الثقة بالمؤسّسات الوطنيّة، بشكل حتميّ. لقد سبق أن قلت في ظروف عديدة، “أن حقّ الناس، والمؤسّسات التي تضمنه، تشكل مرجعيّات لا بديل عنها، وتدافع عمّا للشعوب والأشخاص من كرامة متساوية” (276). إن لنا في ذلك التعابير الصادقة عمّا هو الصالح العام وهو أساس ما للشرعية السياسية والأدبية من سلطة، وللشرائع التي يجب أن يخضع لها الأشخاص.
إني أدعو جميع اللبنانييّن إلى أن يرعوا ويُنمّوا في ذاتهم، خاصة في الأجيال الفتيّة، “العزم الثابت والمثابر على العمل من أجل الصالح العام، أي من أجل صالح لكلّ وكلّ فرد، لأننا جميعاً مسؤولون حقاً عن الجميع” (277). وفي الوقت عينه، إنّه لمن المستحسن أن تزداد المشاركة المنصفة في المسؤوليات داخل الأمّة، ليتمكن الجميع من وضع مواهبهم وقُدُراتهم في خدمة إخوتهم، ويعرفوا أنَّ لهم مساهمةً متميّزة يقدّمونها إلى بلدهم، عملاً بمبدأ “الاستنابة” [subsidiarité] (278)، بإبداعهم الشخصي وممارستهم ما لهم من روح مبادرة. وكلاهما حق (279).
إن حياة الأُخوّة والتضامن، داخل المجتمع الوطني، تفترض ألاّ يتصوّر أحدٌ أن موقعه الخاصّ يحتمل أن يسوّغ له البحث عن امتيازات له أو لطائفته، بإبعاد الآخرين، وهي تقوم على التأكيد أن لكلّ أحدٍ شرعاً، دوره في الحياة الاجتماعية السياسية والاقتصادية والثقافية والنقابية، في الأمانة لتقاليده الروحية والثقافية، طالما لا يتعارض ذلك والصالح العام ولا يهدّد الحياة الوطنية.
96- إني أدعو اللبنانيين إلى اهتمام خاص بالشبَّان والشابات الذين هم أعظم ثروة لبلدهم. فعليهم أن يتلقّوا تنشئةً مهنيةً، وتربية إنسانيّة أخلاقية وروحية نوعيّة. ويجب أن يكون لهم نصيبهم في القرارات التي تُلزم الأمّة، وأن يشعروا بأنهم مقبولون ومدعومون في اندماجهم المهني والاجتماعي، وبأن يستفيدوا من تدريبات تتيح لهم مواجهة مستقبلهم الشخصي بصفاء، وإنشاء أسرة. غير أن تطوير الهيكليّات رهنٌ بتبديل القلوب، ليحرص الجميع على المشاركة في الحياة العامة باحترام العدالة الاجتماعية (280). وعلى الجميع، بهذه الروح، أن ينشروا فضيلة العدل بين الأشخاص وبين الأجيال، لأن المظالم تُولّد العنف وعدم الثقة والأنانية. وحري بالاهتمام، في الوقت عينه، توفير عملٍ لأكبر عددٍ من الأشخاص، لئلا يبقى بعض اللبنانيين، مدى الحياة على هامش المجتمع، ويرَوا مستواهم المعيشيّ ينحدر بشكل خطير، أو أن يتقلبّوا في حالات فقر مدقع، وألاّ يبالي آخرون بحياة بلدهم فيُدفَعوا إلى “نوع من الهجرة “النفسيّة”” (281)، كشعورهم بعد بأنهم لا يتمكّنون من المشاركة في الحياة الجماعية، وأنهم لا يستشفّون أيَّ مستقبلٍ على أرض أجدادهم.
خامساً- السلام والمصالحة
97- في السنين الماضية، انطبع لبنان بمحنة الحرب. واليوم تقضي هذه الآلام بتطهير حقيقيّ للذاكرات والضمائر. ولذلك ينبغي تعزيز “السلام الدائم المبني بكل صبر وأناة” (282). لأن السلام وحده بإمكانه أن يكون الينبوع الحقيقيّ للإنماء والعدالة.
“السلامَ أستودعكم وسلامي أعطيكم، لا أعطي أنا كما يُعطي العالم” (يو 14 : 27). على المسيحيّين، لأنهم تقبّلوا من المسيح، أمير السلام، هذه الهبة التي تبدّلهم في داخلهم، أن يكونوا أول شهودٍ للسلام وفي مقدّمة صانعيه (283). وإنجيل السلام دعوةٌ مستمرّة إلى الغفران والمصالحة. يمرّ السلام عبر الدأب في ممارسة الأخوة الإنسانية، وهي من المقتضيات الأساسية، الناجمة عن مشابهتنا المشتركة لله، وتنبع، إذن، من مقتضيات الخلق والفداء. وحيثما تجاهل الناس كل التجاهل ما بينهم من إخوّة ينهار السلام من أساسه (284). وبناء السلام يصبح خدمة للمحبّة. وهي علامة نبويّة لملكوت السماوات.
على تلاميذ الرب أن ينقلوا إلى إخوتهم رسالة السلام، التي عبّر عنها يسوع تعبيراً عميقاً في التطويبات، وقد استطاع أن يسمعها “حشد كبير من الشعب من جميع اليهودية وأورشليم وساحل صور وصيدا” (لو 6، 17). وعلى المؤمنين بالمسيح، أيضاً، أن ينقادوا لإرشاد الروح الذي يكشف الخطيئة، الخطيئة الشخصية وخطيئة العالم، ليتوبوا، وينالوا النعمة التي تؤهّلهم لإعداد طرق الرب. “وبما أن طريق السلام تمرّ، بالنهاية، في الحبّ وتتجه إلى إنشاء حضارة المحبّة، تُصوّب الكنيسة أنظارها إلى ذاك الذي هو حبّ الآب والابن؛ وبرغم تفاقم الأخطار لا تنفكّ ترجو وتلتمس سلام الإنسان وتعمل له على الأرض. وتضع ثقتها في ذلك الروح المحب، الذي هو أيضاً روح السلام، وهو لايزال حاضراً في عالم البشر، في حيزّ الضمائر والقلوب ليملأ الدنيا كلها محبّةً وسلاماً” (285).
98- إنني أحث اليوم، إذاً، جميع الكاثوليك وأدعو في الوقت عينه سائر المسيحيّين وأصحاب الإرادات الطيبّة، إلى القيام بأعمال نبويّة، وتقلّد سلاح السلام والعدالة. من الأمور الملحّة تطوير وتنميّة تربية الضمائر على السلام والمصالحة والوفاق بين جميع عناصر الأمة اللبنانية. ومفهوم السلام هو، أيضاً، عنصرٌ أساسيّ من عناصر الحوار الأخويّ، في العلاقات المسكونية، وبين الأديان. وينبغي ألا يغيب أبداً عن البال أن القيام بمبادرة سلام قد يجرّد الخصم من سلاحه، وغالباً ما يحمله، على التجاوب بإيجاب واليد الممدودة. لأنَّ السلام، الذي هو الخير الأسمى، يميل إلى الانتشار. ويَذْكُر لنا التاريخ الدينيّ أنَّ قدّيسين كثيرين كانوا ينبوع المصالحة بمواقفهم المسالم، المرتكزة على الصلاة، وعلى الاقتداء بيسوع المسيح.
فعلى عتبة الألف الثالث للمسيحية، سينفتح عهدٌ جديد للبلد وللمنطقة، بفضل مبادرات صفح وتعاون، يزداد عمقاً، كل يوم، بين جميع عناصر المجتمع الوطني. وهذه هي الشروط الأساسية لبناء ولبقاء “لبنان ديمقراطي منفتح على الآخرين، في حوارٍ مع الثقافات والديانات” (286)، يكون قادراً على تأمين وجود كريم وحرّ لجميع أعضائه. لا سبيل لدولة القانون أن تقوم على القوة لتفرض احترامها. بل يُعْترف بها بقدر ما يحرص الحكام والشعب بكامله فيها على حقوق الإنسان، ويكونون أهلاً لإقامة علاقات إنسانيّة فيما بينهم وأنواعاً من التبادل في جوّ من الثقة والحرية (287).
يفترض السلام، من قِبَل الجميع، إرادةً ثابتة على احترام إخوانهم والقيام بخطوات في اتجاههم. وهكذا يتحقّق السلام، أساساً، بصيانة خير الأشخاص والجماعات البشرية، التي يتألّف منها الوطن، بما يمكن تسميته “باقتصاد السلام” (288). وفي هذه المسعى تضطّلع العيلة والمدرسة بدور أساسي (289): فهما مكانان، يُدعى الأشخاص فيهما إلى القيام باختيار مميّز في “العيش معاً” على أرض واحدة. “إنّ الذين يعملون على تربية الأجيال الجديدة إنطلاقاً من القناعة أن كلّ إنسانٍ هو أخونا، يضعون الأساس الذي عليه يقوم صرح السلام” (290).
إن التزام السلام من قبل الجميع، أصحاب الإرادة الطيبة، يقود إلى مصالحة نهائية بين جميع اللبنانيّين وبين مختلف فئات البلد. والمصالحة هي نقطة انطلاق الرجاء لمستقبل جديد للبنان.
لقد انتهت الحرب. ويجب اعتبار المصالحة سبيلاً إلى سلام وطيد يقوم بين جميع اللبنانيين. ولتكن خاتمة الحرب المسلحة خاتمة للحرب بين المصالح المختلفة، وخاتمةً لتنازع المصالح الشخصية، التي تكون، أحياناً، أشدّ خطراً، لأنها قد تصبح صراع الكل ضد الكل.
وليتذكّر كل أنه ما من أحد يمكنه أن يجني شيئاً من الحرب. والجميع يخرجون منها مصابين لأن إصابة الأخ هي أيضاً ودائماً إصابة سائر مواطنيه. السلام والمصالحة وحدهما هما الإطار المؤاتي لمكان واقعي معترف به من كل لبناني في بلده، ولحل مشاكل الأشخاص والجماعات، داخل الأمة.
99- بإمكان السلام في البلد أن يؤتي ثماراً في المنطقة كلها، ويتيح أيضاً لجميع المهجّرين العودة إلى مسقط رأسهم في ظروفٍ ملائمة، بمساعدة مواطنيهم والأسرة الدولية. ففي العقود الأخيرة، ومن جرّاء الحرب، فَرّت أسرٌ لبنانية عديدة من الأرض التي كانت تؤمّن لهم العيش ومن جرّاء بُؤَر النزاعات المختلفة في المنطقة، تهجّر أيضاً أناسٌ آخرون. فبانتظار أن تتوفّر إمكانات عودتهم إلى أراضيهم، يجب ألاّ يُهْمَلوا من دون مساعدة، وأن يعيشوا في لامبالاة الشعب الذي يعيشون، في الغالب إلى جانبه، أوضاعاً من عدم الاستقرار والفقر، فرضاً، في لامبالاة وكالات المساعدات الإنسانية، أو السلطات الدولية. والمهجّرون، في كل حال، يظلّون كائنات بشرية لهم كرامتهم وحقوقهم التي لا تُنْزع (291).
الفصل السادس
الكنيسة في خدمة المجتمع
البُعد الاجتماعي لرسالة الكنيسة
100- في كل مكانٍ من العالم، تقوم رسالة الكنيسة بأن تعرّف بالمسيح، ابن الله، وأن تُعلن الخلاص الممنوح لجميع الناس. ولقد أدركت أيضاً على الدوام، وهي تتأمل سيّدها، الإنسان الكامل، أن لها مكاناً مميّزاً في المجتمع، في سبيل تحرير الناس من كل ما يعوق نموَّهم البشريّ والروحيّ، لأن “مجد الله هو الإنسان الحيّ” (292).
أولاً- الخدمة الاجتماعية
101- على المسيحيّ، في عمله وسط المجتمع، أن يستوحي كلام الله الذي يدعوه، أولاً، إلى تبنّي اهتمام الرب بالأيتام والفقراء، الذين “لبسوا وجه المسيح، وهم “أحباء الله” (293). لقد أدرك شعب العهد والجماعة المسيحيّة الأولى حقَّ الفقير والضعيف والمهّجر (را: تث 24 : 17 – 18). يشارك المسيحيّ في إعادة الأخوّة المفقودة بسبب الخطيئة، عندما يقوم بمساعدة إخوته الذين هم في عوز، ويطلب إلى المسيح أن يحقّق الأخوّة الكاملة التي تشكّل الكنيسة بواكيرها. “هوذا مسكن الله مع الناس؛ فسيسكن معهم، وهم سيكونون شعبه، وهو سيكون “الله – معهم”، وسيمسَحُ كلَّ دمعةٍ من عيونهم. وللموت لن يبقى وجود، بعد الآن، ولا للحزن ولا للصراخ ولا للألم، لأن العالم القديم قد زال” (رؤ 21 : 3 – 4). ها أنا ذا أوجّه النداء إلى ضمير المؤمنين، مذكّراً إيّاهم أنَّا سنُدان على كيفيّة استقبالنا للفقير الغريب ومن هو في محنة. إذا استقبلناهم وساعدناهم، فلسوف نسمع، في مساء العمر، الربَّ يقول لنا: “تعالوا، يا من باركهم أبي، فرثوا الملكوت […]. لأني جعتُ فأطعمتموني، […] وكنتُ غريباً فآويتموني” (متى 25 : 34 – 35).
ولكي يُفهم هذا النوع من الشهادة لحبّ الله على أنه شهادة كنيسةٍ، لا بدّ من أن يعمل جميع الكاثوليك في شراكةٍ مع الكنيسة جمعاء، وليس فقط باسمهم الخاص. “فروح الفقر والمحبّة فخرُ الكنيسة المسيحيّة وعلامتها المميّزة” (294).
102- إن عواقب الحرب تنوء بثقلها على المجتمع اللبنانيّ وتولّد أزمةً اجتماعية – اقتصادية تتناول الأفراد والأُسر؛ وهي تؤثّر في قضايا السَّكن والصحّة والتربية والعمل. أودُّ أن أحيّي هنا الالتزام الذي لا يكل للعديد من العلمانيّين والمؤسّسات الدينية في الخدمات التربوية وفي الخدمات الطبيّة والاجتماعية وفي مساعدة الأكثر فقراً. إنهم يعبّرون هكذا عن عناية الله ومحبّة المسيح لجميع الصغار الذين هم إخوته. وإني فيما أفرح بما في البلد، منذ الآن، أدعو جميع اللبنانيّين إلى متابعة أعمالٍ فعليّة من التضامن والتقاسم وتنشيطها، في كل مجالات الحياة الاجتماعية، مؤكّدين بذلك الترابط الذي لا غنى عنه بين مواطني البلد الواحد، والمبدأ القائل بأن خيرات الأرض مُعدّة للجميع، وأنّ اللذين لا شيء عندهم حقّ الأفضلية.
يجب ألاّ يُستثنى أحدٌ من شبكات العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. الفقراء والأشخاص والمهمّشون والمعوّقون جسدياً وعقلياً يجب أن يتمتّعوا باهتمام أخويّ وتضامن مطّرد. وفي ما يخصّ الكنائس البطريركية، يترتّب عليها أن تتنظَّم لكي تقدّم مساعداتٍ فعليّة وماديةً وروحيةً وأخلاقية لجميع الذين بهم حاجةٍ إلى ذلك، مهتمةً بإدارة أملاكها إدارةً صحيحة.
ويجب أيضاً تطوير التضامن الوطني في نطاق الصحّة بحيث يستطيع كلّ إنسانٍ الإفادة من العناية والمساعدة الطبيّة الضرورية، بغضّ النظر عن إمكاناته. إني أدعو الكنيسة إلى التفكير في ما يمكن تحقيقه في هذا المضمار، كما في رعاية المرضى المحتاجين إلى مرافقة طوال مرضهم. وأقترح على السلطة الكنسيّة الكاثوليكية أن تقوم بدراسة رصينة عميقة لتنظيم الخدمات الصحيّة في مؤسَّساتها، مع الاهتمام بأن تجعل منها أماكن شهادةٍ مطّردة لمحبة الناس. ويجب الاهتمام، على الأخصّ، بوضع مؤسسات العناية في متناول الأشد عوزاً.
103- إن المساعدة التي يمكن أن تُقدّمها الكنيسة في الحياة الاجتماعية لأوسع بكثير من النقاط التي أشرنا إليها. ويجب أن تُدرس باعتناء القضايا المعقَّدة في غالبيّتها، وأن تكون موضوع أعمال تتداول فيها البطريركيّات. في أثناء السينودس، غالباً ما أُثيرت مسؤولية العلمانيّين والرهبان والراهبات، داخل الهيئات الكنسيّة المكلّفة بالنظر في الأعمال الاجتماعية وتنفيذها. في هذا المضمار كما في الشؤون الأخرى المُثارة في الفصول السابقة، أدعو المسؤولين في الكنيسة الكاثوليكية في لبنان إلى أن يُشركوهم، بطريقة أوثق، في رسالة الكنيسة الجامعة، لمنفعة الجميع. وعلى الكنائس البطريركية أن تجد طُرُقاً للتعاون الواثق مع الهيئات الاجتماعية الأخرى العاملة في قطاعات النشاط ذاتها، مع مراعاة مسؤوليّات الغير والخصوصيات. وعلى الكاثوليك، بالأخصّ، أن يدأبوا، في مؤسّساتهم، على إحلال روح مسيحيّة حقّ، وتنشيط راعوية تلائم حاجات الأشخاص الذين يلجأون إلى خدماتهم (295).
ثانياً- إدارة أملاك الكنيسة
104- إن خيرات الكنيسة هي وسائل للرسالة، والعمل الاجتماعي، والخدمات التي على المسيحيّين أن يؤدّوها، متطلّعين إلى التطوّر و العدالة. لأن “الأساس، في الواقع، هو الإيمان والمحبّة ولا شيء يعلوهما” (296). وفي المعنى عينه، لنصغ إلى إرشاد القديس غريغوريوس النيصيّ: “تقاسموا والفقراء أبناء الله المفضَّلين. كل شيءٍ هو ملك الله، أبينا الواحد. ونحن جميعاً إخوةٌ في عيلة واحدة” (297).
في نطاق إدارة تلك الخيرات، وبحكم مهمّتي وبصفتي “مديراً أعلى لجميع أموال الكنيسة الزمنيّ!ة” (298)، أطلب إلى كل الجماعات الكاثوليكية الشرقية أن تلتزم التزاماً جذرياً، وتتعهّد بأن تهتمّ على الدوام بتأمين إدارة عقلانية وشفّافة، موجّهةً بوضوح نحو الأهداف التي من أجلها اقتُنيت تلك الخيرات. بحسب “مجموعة قوانين الكنائس الشرقية” يعود إلى الأسقف أن يسهر على أن تؤمَّن تلك الخيرات إدارةٌ صحيحة وعصريّة، بروح من التجرّد التام، وعلى يد أشخاصٍ كفاة ونزهاء، وبخاصة أهلٍ للقيام بخدمة كنسيّة واجتماعية؛ وعلى هؤلاء أن يؤدّوا حساباً عن إدارتهم وقراراتهم (299). وغنيٌّ عن البيان أن إدارة أملاك الكنيسة هي خدمة رسولية لا يمكن أن يكون من أهدافها الإثراء الشخصيّ أو العيليّ أو الجماعيّ.
105- إن مبدأ الأوقاف ونظامها القانونيّ وطريقة إدارتها واستثمارها يجب أن يُعاد درسُها وتقويمها. ولتسهيل إدارتها، يجب، أولاً، القيام بجَرْدةٍ لوضعها الحاليّ وللأهداف الحقيقيّة لكل واحدٍ من أنواع الأوقاف، ومختلف أنواع الخيرات الزمنية، والتحقّق من إيرادها واستثمارها (300). ومن الضروري أيضاً وضع تخطيطٍ شامل للاحتياجات والاستخدام الصحيح للأوقاف، يتوافق والأهداف الأربعة لأملاك الكنيسة، وهي العبادة الإلهيّة، وأعمال الرسالة، وأعمال المحبّة، وتأمين عيش رعاتها تأميناً صالحاً (301).
إنني وفقاً للخط المرسوم على يد أسلافي، وبالأخصّ البابا بولس السادس، قد أكدّت بشكل واضح أن أي مُلكٍ من أملاك الكنيسة (302) في الشرق الأوسط لا يمكن أن يُقتنى أو أن يُتنازل عنه، إلاّ وفقاً للنظم القانونية الواردة في الشرع العام (303)، وتلك التي أصدرها الكرسيّ الرسوليّ، بشكلٍ خاصٍّ، للشرق الأوسط (304). في هذا المضمار، على الأساقفة أن يمارسوا رقابتهم وأن يسعوا باهتمامٍ كي يؤمّنوا التثقيف الضروري لجميع أعضاء شعب الله، وبالأخصّ للطلاب الإكليريكيّين والكهنة وأعضاء المؤسّسات الرهبانية (305).
إنّي أعرف أنه، بفضل الأوقاف، تحقّقت إنجازات عديدةٌ وإني أفرح لذلك. وأحيّي بالأخصّ المبادرات التي اتخذتها بطريركيّاتٌ وأبرشيّاتٌ ومؤسّساتٌ رهبانية، وبخاصة بناء مساكن للعرسان الشبّان وللأشخاص المعوزين. وأشجّع كذلك المبادرات المتجرّدة التي يتّخذها في هذا المضمار علمانيّون، ينبغي أن تُتابع وتكثَّف مختلف المشاريع الموجّهة لصالح الأسر الأكثر افتقاراً للوسائل المالية (الضرورية) لتأمين العيش.
ثالثاً – الخدمة التربويّة
المدارس والمراكز الأكاديمية الكاثوليكية في لبنان (306)
106- على الصعيد التربوي، تتمتّع الكنيسة بتقليد ينبغي أن يُصان. إنها مدعوّة إلى أن تكون مربيّة الأشخاص والشعوب. وتولي المدارس الكاثوليكية اهتمامها بأن تشارك بفعاليّة في رسالة الكنيسة وأن توفر تعليماً نوعياً. لذلك على جميع العاملين في أن يشاركوا في ذلك مشاركة وثيقة: المعلّمين، والطلاب، والأهل، والموظّفين التقنيّين، والإداريّين، والكهنة والرهبان والراهبات المعنيّين، والرابطات المخصّصة لأهل الطلاّب والمعلّمين والطلاب القدامى، التي تساند المؤسّسات المدرسية، بإشراف الأساقفة المسؤولين. إنّي أشجّع المؤسّسات التربوية على متابعة أعمالها في خدمة الشباب، المحتاجين إلى الحصول على الأسس الثقافية والروحية والخلقية التي ستجعل منهم مسحيّين ناشطين، وشهوداً للإنجيل ومواطنين مسؤولين في بلدهم؛ إن ذلك يفترض تكثيفاً في التعاون وتعزيزاً للتنسيق بين الدوائر المختصّة في مختلف البطريركيّات الكاثوليكية. وعلى مختلف المؤسّسات بوصفها منشآت كاثوليكية أن تكون أمينةً لرسالتها، إذ تضع طاقاتها، قبل كل شيء، في خدمة الجماعة المسيحية، ولكن أيضاً، وبصورة أشمل، في خدمة مجمل الوطن، بروحٍ من الحوار مع كل فئات المجتمع، دون أن تغيب، مع ذلك، عن نظرها، خدمتُها المميّزة في التعليم الكاثوليكي. ينبغي أن يبرز دائماً أكثر البعد الدينيّ للتعليم الكاثوليكي؛ وأسلوب معالجة المواد الدنيوية، واقتراح رؤيةٍ للإنسان وللتاريخ ينيرها الإيمان، والارتباط بالكنيسة وطريقة عيش معلّمين يكونون قدوةً في تصرّفاتهم، والدعوة إلى حياةٍ خلقيّة قويمة، واقتراح حياة روحيّة عميقة، والمعارف التي تُرسَّخ في أذهان الشباب: تلك هي نقاطٌ تسترعي الانتباه، بغية تربية الشبيبة تربيةً متكاملة. ليتذكّر الجميع أن “المدرسة الكاثوليكية […] تطمح إلى أن تقدّم، في آنٍ، أوسع وأعمق ما يمكن من معرفة، وتربية متطلبّة ومثابرة على الحريّة الإنسانية الحقّ، وتدريب الأولاد والمراهقين الموكولين إليها على أسمى مثال حيّ، ألا وهو يسوع المسيح ورسالته الإنجيلية” (307).
107- على غرار كل البنى المدرسية، تدرك المؤسَّسات الكاثوليكية أنها تُسهم في بناء المجتمع، بواسطة التربية التي هي فنّ تنشئة الأشخاص، فتضع نصب أعينهم القيم التي تستأهل الدفاع عنها، والتي عليها أن ينقلوها [إلى سواهم]، إن الجماعة التربوية تُسهم في تعميق الثقافة اللبنانية، وفي تنمية الروابط بين الأجيال وعلاقات الشباب مع أهلهم. ولن ننسى أيضاً أنها تسمح للشباب بأن يواجهوا بصفاء مستقبلهم وبأن يجدوا أسباباً للعيش وللرجاء.
وبقدر ما يسمح بذلك الواقع، تجهد الكنيسة في لبنان في أن تكون دائمة الحضور في هذا النشاط الإنسانيّ البالغ الأهميّة؛ وهي تعرف التقدير الذي يخصّها به معظم اللبنانيّين، وتفخر بأنها تستطيع أن تؤمّن التعليم للعديد من الأولاد في كافة أنحاء الوطن، دون أي تمميّز أو تفرقة (308). على الكنيسة وقد تقوّت بالثقة التي مُنِحَتها، أن تتابع مهامّها، وتتّخذ التدابير التي تجعل مؤسَّساتها التعليميّة في متناول جميع الذين يمكن تنشئتهم، وبالأخصّ أفقرهم حالاً، فيتمكّنوا من الحصول على تنشئةٍ أساسيّة ضروريّة للحياة المجتمعيّة وللثقافة.
بهذه الروح، ومع آباء المجمع، أطلب أيضاً من المؤسّسات التعليمية الكاثوليكية أن تعيد النظر، قدر الإمكان، في قضية الأقساط المدرسية في معاهدها، لئلاّ تُرْهق العائلات المعدمة. والعديد من المؤسَّسات يسهر على ذلك. في الواقع، إن استقبال الكنيسة الكاثوليكية لشباب فقراء في مدارسها هو تقليد قديم. فأشجّع الجماعات الكاثوليكية على أن تنّمي تضامناً حقيقيّاً ما بينها ومع الشباب الذين ترعاهم، كيلا يقطع أي شابٍّ تحصيله لأسبابٍ مادية أو مالية محض. وفي هذا النطاق، إنّا نقّدر سخاء المؤسَّسات التربوية والمؤمنين، ونرجو أن يتابعوا التشارك في إطار التنشئة المدرسية والجامعيّة معاً، لصالح تلامذة وطلاّبٍ معوزين، ولصالح القادمين من مناطق ريفيّة، والذين غالباً ما يصعب عليهم السكن وتأمين الضرورات الأوليّة (309). بتحقيق ذلك تُسهم المدارس الكاثوليكية في إندماج الشباب في مجتمع غنيّ الثقافة، وتساعدهم على مواجهة مستقبل أفضل.
الجامعات والمعاهد الكاثوليكية
108- في لبنان مراكز أكاديمية مختلفة، يؤمّن البعض منها تدريساً في العلوم الدينية. لهذه المؤسَّسات تاريخها وتقاليدها الخاصة. مع ذلك، يمكن أن يسببّ هذا التكاثر مصاعب في بعض الظروف، إذا لم يُنَمَّ روح تشاورٍ وتعاون. إنه لمن المفيد ألا تسعى بعد اليوم كل كنيسة بطريركية إلى إنشاء مراكز جديدة، بل أحياناً إلى ضمّ هذه المؤسَّسات وتوحيدها، فتتضامن القوى الفاعلة وتسمح لبعض المراكز أن تزيد في اختصاصها، لخير المؤمنين (310). إني أشجع الرعاة على تنشيط تنشئة نوعيّة لكل المؤمنين. فلسوف يكون لها وقعٌ أكيدٌ على حياة الأشخاص، والحياة الليترجية والراعويّة والرسالية في الكنائس الخاصّة، وعلاقاتها مع الكنائس الأخرى ومع الشعب اللبنانيّ كافّة.
وكما رأى ذلك، أيضاً، آباء المجمع، إن مؤسَّسات التعليم العالي تضمّ عدداً محدوداً من الطلاب، مقارنةً مع من تضمّهم جامعات الدولة. ولأجل مواجهة التحديّات الثقافية الكبرى، ولتأمين تعليم أفضل، ولفعالية أعظم في البحث وفي تنشئة أساتذة الغد، من الهام أن تتشاور المعاهد الجامعيّة المختلفة فتقدّم مقترحاتٍ مشتركة، وعند الاقتضاء، تتجمّع وتكل إلى بعض المؤسّسات اختصاصاً جامعيّاً معيّناً. إني أدعو الأساقفة إلى أن يوحّدوا جهودهم لدعم المعاهد القائمة، وأشجّع اللجنة المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان المختصّة بالشؤون المدرسيّة والجامعيّة على تعزيز التعاون بين مختلف معاهد التعليم، منعاً للهدر في الأشخاص والطاقات والوسائل الماديّة.
109- إن حرية التربية والتعليم هي من مقوّمات حياة وطنٍ حريص جداً على المعطيات الثقافية، ويضمن التوافق مع مبادئ التعليم العامة (311). إنه لمن الهام أن يستطيع الأهل اختيار أسلوب التربية الذي يفضّلون لأولادهم، تبعاً لقناعاتهم الدينيّة وخياراتهم التربوية. ويترتّب على السلطات العامة تحقيق حرية الاختيار تلك، والسهر على ألاّ تتحوّل مناسبةً للتفرقة بين الأولاد والأُسر وتُلْقي، ظلماً، على كاهل الأهل أحمالاً بالغة الثِقَل (312).
110- في الحياة المدرسية والجامعية ينبغي أيضاً التنبّه إلى مسألة تأمين الإنعاش الروحي ونوعيّته، بإنشاء مرشديّات حسنة التنظيم، ليجد الشباب مراجع للتفكير والصلاة تساعدهم على توحيد حياتهم كرجالٍ أو نساءٍ مسيحيّين، آخذين بعين الاعتبار ما تلقّنوه من معارف في دروسهم التربوية. وعلى مرشدي الشباب، والرهبان، والراهبات، والعلمانيّين، الذين قَبِلوا تلك المهمّة، أن يخضعوا لتنشئةٍ معمّقة، وأن يتنبَّهوا لتطوّرات عصرهم الثقافية. إن العمل الراعويّ الجامعيّ يعني الطلاب والأساتذة معاً. إني أدعو إذن جميع البطريركيّات والمؤسّسات الرهبانية إلى أن توفّر، حسب إمكاناتها، كهنةً وشمامسةً ومكرَّسين وعلمانييّن لهذا العمل الراعوي، ويفرزوا لذلك الأشخاص الأكثر أهلية، نظراً إلى ثقافتهم، وطاقاتهم الفكرية ومواهبهم الإنسانية والروحية (313).
رابعاً – خدمة الإعلام
111- أصبحت وسائل الاتصال الاجتماعي من الآن فصاعداً عناصر هامّةً في التربية وفي عالم معاصرينا كل يوم، مثلها في التبشير بالإنجيل باللغات والثقافات المختلفة (314). وللكنيسة هنا مكانها لنشر الحقيقة، أساس كل كرامةٍ إنسانية، والقيم الروحية والخلُقية التي تتيح لكل إنسانٍ أن يتصرّف يومياً باستقامة، وأن ينمّي شخصيته في مختلف نواحيها. إني أشجّع المبادرات التي اتّخذتها الكنيسة كي تُيَسِّر نشر إذاعاتٍ دينيةً، وبرامج إعلام وتربية، وتساعد على تثقيف الحسّ النقدي، عند البالغين والشباب، إزاء العدد الكبير من الرسائل الإعلامية، التي توهم أحياناً أن كلّ التصرفات يمكن الأخذ بها على حد سواء. وعلى الكنيسة أيضاً أن تسهر على تنشئة أشخاصٍ كفاةٍ يدركون رهانات وسائل الاتصال.
خامساً- الالتزام السياسيّ
112- “إن الكنيسة، بحكم مهمّتها وصلاحيّتها، لا يمكن الدمج بينها وبين الجماعة السياسية بأي حال من الأحوال، ولا ترتبط بأي نظام سياسي، وهي في آن واحد، علامة سموّ الشخص البشري وحصانته” (315). إن رسالتها الأولى هي أن تقود البشر إلى المسيح الفادي والمخلّص. فليس لها إذن أن تلتزم، مباشرة، الحياة السياسية، لأن ليس عندها في الواقع “حلول تقنيّة، […]، ولا تقترح أنظمة ولا برامج اقتصادية وسياسيّة، ولا تُبدي إيثاراً لهذه أو تلك، شرط أن تظلَّ كرامة الإنسان محترمة ومعززة كما يجب، وأن يُفسح لها المجال الكافي لتنجز مهمتها في العالم” (316).
بيد أن من واجب الكنيسة أن تذكّر بلا ملل بالمبادئ التي هي وحدها تستطيع أن تؤمَّن حياةً اجتماعية متناسقة، تحت نظر الله. ولأن الكنيسة تعيش في العالم، “فإن أعضاءها […] يشاركون في بُعدها الدنيويّ؛ وهذا بطريقة مختلفة، وبالأخصّ، إن مشاركة المؤمنين العلمانيّين ترتدي أسلوب القيام بعملٍ ووظيفة، على حدّ قول المجمع، “خاصّ بهم”: وهو ذلك الأسلوب الذي نسميّه “الطابع الدنيوي” (317).
إن الكنيسة، في حكمتها واهتمامها بأن تخدم الإنسان والإنسانية، ترغب في أن تساعد أولئك الذين يعود إليهم القيام بخدمةٍ عامة، فيؤدّوها على أحسن ما يُرام، خدمةً لإخوتهم. وهي تعترف، كما أشارت على ذلك مرّاتٍ عديدة، أن استقلالية حقة للشؤون البشرية يُدعى فيها الإنسان إلى حسن التصرّف بعقل سليم (را: سير 15 : 14)، انسجاماً مع الحياة الفائقة الطبيعة التي تسمو هذا العالم (318). إن المبادئ الإنسانية تفرض نفسها على كل ضمير وتملي على كل شخص ما يجب أن يقوم أو لا يقوم به (319).
ينبغي أيضاً أن نذكّر بأن هناك ممارسةً مسيحيةً لإدارة الشؤون الزمنية، لأن البشرى الإنجيلية تنير جميع الشؤون البشرية التي هي وسائل معدَّة، في آنٍ معاً، لأن تبني الأسرة البشرية وتقود إلى السعادة الأبدية. لا يمكن، إذن، أن يكون للمسيحيّين “حياتان متوازيتان: إحداهما، الحياة المسمّاة روحية، وهي كذلك بقيمها ومقتضياتها؛ والأخرى التي يقال لها علمانيّة” (320)، التي لها قيمٌ مختلفة عن الأولى أو مضادة لها. ومن هنا، ولأجل “أن يبثوا الروح المسيحية في النظام الزمني بالمعنى الذي [هو] خدمة الشخص والمجتمع، لا يجوز للعلمانيين المؤمنين قطعياً التخلي عن المشاركة في “السياسة”، أي عن النشاط الاقتصادي والاجتماعي، والتشريعي، والإداري، والثقافي المتعدّد الأشكال الذي يستهدف تعزيز الخير العام، عضوياً وعبر المؤسسات” (321).
113- إن المؤمنين العلمانيّين يقومون هكذا بخدمة حقيقية للإنسان وللمجتمع الوطنيّ، وذلك بفضل معموديّتهم التي بها يشاركون في وظيفة المسيح المثلثة: الكهنوتية والنبويّة والملوكية. وإنهم خاصّة، بمشاركتهم في الوظيفة الكهنوتية، يجعلون من علمهم تسبيحاً للخالق بتكميل عمل الخالق؛ وبمشاركتهم في الوظيفة النبوية، فـ”إنّهم لتجسيد جدّة الإنجيل وفعاليته تجسيداً يتألق في حياتهم اليومية والعيلية والاجتماعية، وللتعبير بحلمٍ وجرأة وشجاعة، في وسط مشقات الزمن الحاضر، عن رجائهم في المجد، حتى من خلال بنيات الحياة الزمنية” (322). من هذا الواقع، يعمل المؤمنون العلمانيّون، لدى مواطنيهم وبالأخصّ الشباب، على إحياء الرجاء بأن المستقبل ممكن، وإحياء في المساهمة بفعالية في التحوّلات التي لا بدّ منها للبلوغ إلى حياةٍ مشتركةٍ أفضل. إن إدارة الشؤون العامة هي سبيلٌ إلى الرجاء، لأنها تتّجه نحو عالم علينا أن نبنيه، ويلوح من خلالها أن التحوّلات ممكنة كي يتحسّن وضع البشر.
ويشارك المؤمنون أيضاً في وظيفة السيّد الملوكية بالتزامهم سبيل الزهد الروحي، للتغلّب على الخطيئة، وبتقدمة أنفسهم لخدمة المسيح، في المحبّة والعدالة. ومن وجهة النظر هذه، ينبغي أن يعرف مجمل شعب الله تعليم الكنيسة الاجتماعي، الذي يوّفر مبادئ للتفكير، ونقاط معالم، ومعايير للحكم والقرار في العمل، توجّه الإنسان باستقامة ونزاهة في مختلف ميادين الحياة الفردية والاجتماعية.
ويَحْسُن أن يتوّفر للشباب منذ حداثتهم في مختلف المؤسّسات التربوية، تربية مدنية مناسبة، تجعلهم يدركون مسؤولياتهم بوصفهم مواطنين، وترفع شأن الحقيقة والحريّة والعدالة والمحبّة، أسُس السلام والأخوّة الاجتماعية (323).
إني لسعيدٌ بأن الكثير من المسيحيّين يعملون مع إخوتهم من المذاهب الدينية الأخرى ومع كل ذوي الإرادة الحسنة، في دوائر الدولة، كي يشاركوا بتجرّدٍ وتفانٍ، في بناء مجتمع عدالةٍ وسلام.
سادساً- حقوق الإنسان
114- من بين العناصر الأساسية لقيام دولة القانون، تبرزُ صيانة حقوق الإنسان، أي احترام كلّ شخص وكل جماعة. لأن الإنسان الذي يحيا، في آنٍ معاً، في دائرة القيم المادية والقيم الروحية، يفوق كلّ نظامٍ اجتماعيّ وهو القيمة الأساسيّة. وكما أُتيح لي أن أعلن ذلك من على منبر الأونيسكو، “إن كل تهديد لحقوق الإنسان، أكان في إطار خيراته الروحية أم خيراته الماديّة، هو تعدّ على هذا البعد الأساسي” (324). إن الدولة، لما تتمتّع به من صلاحيات ووظائف، هي الضامنة الأولى لحريّات الشخص البشري وحقوقه.
بعد سنين من الآلام وفترة الحرب الطويلة التي عرفها لبنان، يُدعى شعبه وسلطاته الحاكمة إلى القيام بمبادرات شجاعة ونبويّة في سبيل الغفران وتنقية الذاكرة (325). من المؤكَّد أنه يجب إبقاء ذكرى ما حدث حيّة، كي ل يتكرّر ذلك أبداً. ولئلا “يتسلط، (بعد الآن) البغض والظلم على أمم بأسرها ويدفعان بها إلى أعمال تبرّرها وتنظّمها أيديولوجيات ترتكز على ذاتها أكثر منها على حقيقة الإنسان” (326). لا يمكن إعادة بناء مجتمع، ما لم يسعَ كلّ من أفراده، وعائلاته ومختلف الجماعات التي تؤلّفه، إلى الخروج من العلاقات النزاعيّة التي وصمت زمن العنف، وإلى إخماد كل رغبةٍ في الانتقام.
إن مستقبلاً مشتركاً ممكن لقاء جهودٍ، وأعمالٍ ملموسة من المصالحة وتخطّي ذات، وهما من علامات كِبَر النفس لدى الأشخاص والشعوب، داخل مجتمعٍ مزّقته طويلاً نزاعاتٌ وتصرّفاتٌ عدائية وعدم تسامح. ولفتح مستقبلٍ جديد، لا تنسى الكنيسة أبداً أن الرب أوكل إليها خدمة النعمة والمغفرة، كي تصالح جميع الناس مع الله ومع أنفسهم، لأن المحبّة أقوى من البغض وروح الأخذ بالثأر. وتسعى الكنيسة إلى ترجمة ما عند معاصريها من عطش إلى الكرامة والعدالة، وإلى قيادة الناس على طريق السلام. وهي تعترف باهتمام الجماعة الدوليّة وبالأعمال العديدة التي قامت بها في هذا الميدان، خلال السنوات المنصرمة وتحيّيها.
115- يجب على السلطات الشرعيّة داخل الأمة أن تسهر على تمكين كل الجماعات والأفراد، من التمتع بالحقوق نفسها، والخضوع للواجبات عينها، وفقاً لمبادئ الإنصاف والمساواة والعدالة. وعلى الحكام، بصفتهم مواطنين، يؤدون خدمة عامة، أن يبذلوا جهدهم ليسلكوا مسلكاً مستقيماً يتميّز بما يجب من تواضع، لخدمة الإخوة، ليعطوهم مثالاً في الصدق والنزاهة. ذلك أن الاستقامة الخُلقية هي أحد العناصر الجوهرية التي لابدّ منها للحياة في جماعة (327). في الميادين السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية، يُدعى المسؤولون عن الحياة العامة إلى الانتباه، بالأخص، لمن هم مهدّدون دائماً بالتهميش في المجتمع، فيعملوا على تحسين أوضاع حياتهم وعملهم. لذلك، في مجتمع أصبحت الأمور فيه تزداد تعقيداً، بالأخص في لبنان وفي مجمل الشرق الأوسط، ينبغي تنشئة رجالاتٍ ذوي مستوىً رفيع من الأهليّة يتمتعون بالكفاءة لإدخال وطنهم في جميع مسالك الحياة الدولية، لأنّا نشهد في الوقت الراهن “عولمةً” متزايدة لجميع الظواهر الاجتماعية.
إن الكنيسة، حفاظاً منها على الإنسان الذي ترى فيه صورة الله، “تردّد دائماً صرخة الإنجيل في الدفاع عن فقراء العالم، والمهدّدين والمحتقرين والمغموطة حقوقهم الإنسانية” (328)؛ لأن المسيح جاء ليعلن تحرير جميع الناس (انظر لو 4 : 16 – 19؛ تث 15 : 15؛ أش 61 : 1 – 2)، ويوضح حقيقة الإنسان. وهذا يعني أنه في يسوع المسيح ينجلي سرّ الإنسان (329)، وأن حقوق الله وحقوق الإنسان مترابطة، وانتهاك حقوق الإنسان هو انتهاكٌ لحقوق الله؛ وعلى العكس من ذلك، فإن خدمة الإنسان هي أيضاً، نوعاً ما، خدمة الله، لأنه ما من محبّة إلاّ ورافقتها في الوقت عينه العدالة. “خدمة الفقراء تفضي إلى الله؛ عليكم أن تروا الله في شخصهم” (330).
116- من أجل أن يسود السلام في لبنان وفي المنطقة، ويتمكّن الجميع من الإفادة من التقدّم، أحثّ السلطات وجميع المواطنين اللبنانيّين على أن يَعملوا بكلّ قواهم كي تُحترم حقوق الإنسان كل الاحترام، وهي العناصر الجوهرية للشرع الطبيعي، السابقة لكلّ دستور وكل تشريع دولة؛ وأن تُحترم خاصّة في توزيع العدالة، وفي الضمانات التي تحقّ شرعاً للمتهّمين أو المسجونين.
ومن بين الحقوق الجوهرية، أيضاً الحرية الدينية. فيجب ألاّ يُخضع أحدٌ للإكراه سواء أكان من قبل أفراد أم من جماعات أم من سلطات اجتماعية، وألاّ يلاحق أو يُقصى عن الحياة الاجتماعية بسبب آرائه، وألاّ يُمنع من ممارسة حياته الروحية أو عبادته، “بحيث إنه، في أمور الدين، لا يجوز لأحد أن يُكره على عملٍ يُخالف ضميره، ولا أن يُمنع من العمل، في نطاق المعقول، وفاقاً لضميره، سواءٌ كان عمله في السرّ أو في العلانيّة، وسواءٌ كان فردياً أم جماعياً” (331). إن صيانة حقوق الإنسان شأن ملّح؛ فالأمر يتعلق بمستقبل أمّة، بل مستقبل البشرية جمعاء، لأن ما دام كائنٌ بشريٌّ يُمْتَهن في أعمق حقوقه الأساسية كانت البشرية جمعاء كلها مُثْخنةً بالجراح.
خاتمة
117- “المسيح رجاؤنا”. وكما سبق وأشارت إلى ذلك الوثائق التحضيرية للمجمع، “إذا لم تكن ثمة دواعٍ للرجاء لما كان نداء السينودس” (332). من بين تلك الأسباب، يجب أن نشير إلى المحبّة التي يخصُّ بها جميع اللبنانيّين وطنهم، وإلى نشاطهم في العمل على إحياء هذا البلد. وكما أن اللقاء على طريق عمّاوس كان للتلميذين مسيرةً مع يسوع (انظر لو 24 ك 13 – 35)، كذلك كان زمن التحضير والجمعية السينودسية مسيرةً مع المسيح؛ ولدى قراءة الماضي، وأزمنة العذاب، ومصاعبه، وعدم التفهّم، وأفراحه، وآماله وخبراته في التضامن الأخويّ، تمكّن الرعاة والمؤمنون من التأكّد من أن السيّد حاضرٌ في وسْطهم يرافقهم، وأنه يمكن من ثمَّ أن يعاودوا المسيرة، وقد تثبّتوا وتبدّلوا، كي يكونوا خميرة حياةٍ جديدةٍ في قلب العالم.
وفي أثناء انعقاد الجمعيّة نفسها، أعرب آباء المجمع عن عميق وحدتهم في المسيح. وبواسطة الروح القدس، أعطوا صورةً عن وحدة الكنيسة المتعدّدة الوجه، على مثال الجماعة المسيحيّة الأولى في أورشليم: “وكان جماعة الذين آمنوا قلباً واحداً ونفساً واحدة” (أع 4 : 32). إن الكنيسة، في رسالتها، تماثل المسيح الذي “لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدُم” (مر 10 : 45)، مؤدّية على مثاله وظيفة الخدمة. إن الجمعية التي عبّرت عن آمال المؤمنين ليست إذن خاتمة المسعى الذي أردته للبنان، بل مرحلة منه. فينبغي من الآن فصاعداً أن تتابع الكنائس البطريركية الكاثوليكية في لبنان، بلا كللٍ، مسيرتها السينودسية في الشراكة، كي تتحقَّق الآمال، وينير الرجاء، الذي حمله المسيح، الطريق اليوميَّ لكل مؤمن، ويعضده في مشاركته في الحياة الكنسيّة والاجتماعية. بهذه الروح، أجدّد ندائي إلى التوبة وإلى المصالحة وإلى وحدة أوثق وإلى مشاركة في المسؤولية، داخل الجماعات الكاثوليكية. فيكون ذلك شهادةً بليغةً لجميع الناس.
118- يا أبناء وبنات الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، أيها الرعاة والعلمانيّون، أصغوا إلى نداء الرب ولا تخافوا أن تلبّوه بالتزام ثابتٍ، لأجل خير الجميع. في هذه المرحلة الجديدة من مسيرتكم السينودسية، تساندكم الكنيسة الكاثوليكية برمّتها بصلاتها ومساعداتها العديدة.
يا أبناء الكنيسة وبناتها، ليرافق الله جهودكم. وليظهر حضور الروح القدس الفاعل باتفاقٍ مستمرّ بينكم ومع رعاتكم! ولتحثكم محبّة المسيح على أن تؤلّفوا جسداً واحداً، وتحيَوا أمناء للإنجيل ولتعاليم الكنيسة، وتمارسوا رسالتكم في محيطكم! يريد هذا الإرشاد أن يساعدكم على مسيرتكم معاً في الطريق. فاحرصوا على أن تحيوا فيكم معنى الكنيسة، جسد المسيح وسرّ الشراكة. إن رسالة الكنيسة في لبنان تفترض التزام الجميع والإرادة الثابتة بإظهار مواهب كل شخص، والثروات الروحية لكلّ جماعة كنسيّة، من أجل خدمةٍ أفضل لمعلّمنا وربّنا يسوع المسيح، ولكنيسته. عليكم أن تعوا رسالتكم المشتركة: بشّروا بالمسيح، رسول السلام الذي ارتفع نجمه في سماء منطقتكم، وكونوا خميرة وحدةٍ وأخوّةّ ولسوف يتحقّق ذلك أيضاً بتبادلٍ مستمرّ للمواهب بين الجميع، مولين الأكثر فقراًَ عنايةً خاصّة، وهذه خدمة أساسيّة تقوم بها الكنيسة الكاثوليكية نحو الجميع.
119- إن لبنان، الذي يتألف من عدّة جماعاتٍ بشرية، يعتبره معاصرونا أرضاً نموذجية (333). وفي الواقع، اليوم كما في الأمس، يُدعى فيه أناسٌ متباينون على الصعيد الثقافي والديني إلى العيش معاً، على الأرض نفسها، وإلى بناء أمّة حوار وعيش مشترك (334)، وإلى الإسهام في خير الجميع. وتسعى اليوم جماعاتٌ مسيحيّة وإسلامية إلى جعل تقاليدها أكثر حيوية. إن هذا التصرّف إيجابيّ ويمكنه أن يعيد اكتشاف ثرواتٍ ثقافيةٍ مشتركة ومتكاملة، توطّد العيش المشترك الوطنيّ.
إن الاختبار السينودسي يجب أن يكون تجدّداً للكنيسة الكاثوليكية في لبنان، وكذلك مشاركةً فعّالةً في تجدّد البلد بأجمعه، كي يستعيد القيم الخُلقية والروحية التي تميّزه وتؤمّن تماسكه. لقد سمح حضور المندوبين الإخوة من الكنائس والجماعات المسيحيّة الأخرى، وكذلك حضور ممثّلين عن الجماعات الإسلاميّتين والدرزية، بإظهار ما يعلّقه الجميع من أهمية على إخوة وحوار يزدادان صدقاً وحرارة. وتشكّل هذه المبادرات مرحلة جديدة لتعميق التعاون والحوار الأخوي في البلد.
120- وعلى أثر آباء المجمع، أحثّكم، أنتم جميعاً أيها اللبنانيّون من كل المذاهب، على مواجهة هذا التحدي بنجاح، تحدّي المصالحة والأخوّة، والحريّة والتضامن، الذي هو الشرط الأساسيّ لوجود لبنان، ورباط وحدتكم على هذه الأرض التي تحبّون. إن الفروقات والنزعة ذات المصالحة الخاصّة داخل المجتمع، وكذلك محاولات التشبّث بمصالح فردية و جماعية، يجب أن تأتي في المرتبة الثانية. إن الوحدة هي مسؤولية يتحمّلها كل منكم وكلّ جماعةٍ ثقافية أو دينية. ويجب أن تُلهم تصرّفات الجميع في حياة المجتمع. وهكذا، لن يعود أحد يخاف من الآخر؛ بل على العكس، يجب عمل كل شيء من أجل أن تُحترم مختلف المكوِّنات (في المجتمع)، وتشارك في الحياة المحليّة والوطنيّة. وهذا يتطلّب جهوداً دؤوبة ومثابرة، والحرص على حوارٍ واثق ودائم.
121- في أثناء انعقاد السينودس، سمعتُ المندوبين المسلمين يؤكّدون أن لبنان من دون المسيحيّين لن يكون لبنان. لكي يحقّق لبنان ذاتيّته، يحتاج إلى جميع أبنائه وبناته، وجميع مكوّنات شعبه. لكل مكانه في البلد، ويجب أن يستعيد طِيبَ العيش فيه وأن يرفع التحديّات التي تواجه مستقبله. وما من جماعة روحية بإمكانها أن تحيا إن لم يُعترف بها، وإذا كانت في أوضاع هشّة، وإذا كانت لا تتمكّن من المشاركة كلياً في حياة الأمّة. آنذاك يحاول أعضاؤها الذهاب إلى بلدان أخرى بحثاً عن جوّ أكثر أخوّة، وما يؤمن عيشهم وعيش أسرتهم. بهذه الروح، أدعو إذن جميع أبناء الكنيسة الكاثوليكية إلى المثابرة على التمسّك بأرضهم، والحرص على أن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من مجموع الأمة، وأن يُسهموا في إعادة بناء ما هو ضروري للأُسر وللجماعة، وأن يحافظوا على خصوصيّتهم المسيحيّة، وحسّهم الرسولي، على مثال أسلافهم. وكذلك على أعضاء مكوّنات الأمة الآخرين أن يجتهدوا في البقاء على أرض أجدادهم. وبديهي أن هذا كلّه يفترض أن يستعيد البلد استقلاله التام وسيادةً كاملةً وحرية لا لبس فيها (335).
122- مع آباء المجمع، نعهد بهذا المشروع العظيم إلى شفاعة سيّدة لبنان الكليّة القداسة التي يكرّمها بإخلاصٍ جميع المسحيّين اللبنانيين. في ظروف عديدة، نالت العذراء من ابنها ما كانت تسأله ببساطة. وإذا ما كانت، في لطفها، قد تدخّلت فلسوف تتدخّل أيضاً كي تعرف الكنيسة في لبنان كيف تشهد لمحبّة المسيح. في العنصرة أيضاً، كانت حاضرةً تصلّي مع الرسل وتسبّح الله. وفي أثناء السينودس، رافقت الآباء وجميع المؤمنين في صلواتهم وأعمالهم.
أيها الأبناء المحبوبون العائشون في لبنان، “إن أجدادكم […] كانوا يوماً ضمن الجماهير التي كانت تحيط بيسوع لتسمع تعليمه […] إن قَدمي فادي العالم قد وطئتا أرضكم […] وقد أُعجبت عيناه بها […] ليرافقكم جميعاً نظر الفادي المملوء محبّة” (336)، على هذه الأرض، التي مرّ المخلّص عليها فأصبحت أرضاً مقدّسة، تقوّوا في المسيح رجائكم. دعوا الروح يقودكم كي تعملوا في كل وقت إرادة الله، الذي سيكمّل فيكم ما سبق وبدأ. إن الكاثوليك اللبنانيّين مدعوّون إذن، في المسيح الذي مات وقام من بين الأموات، إلى الموت “عن الإنسان القديم” (قول 3 : 9)، أي الخطيئة والأنانية والفردية. إنهم مدعوّون أيضاً إلى المغفرة وطلب المغفرة، فيصبحوا ينبوع سلام، سواء أكان من أجل وحدة الجسم الكنسيّ أم وحدة المجتمع اللبنانيّ. وهكذا يشهدون لحقيقة القيامة ويساعدون الجماعات على الولادة مجدداً في الرجاء (337).
123- إن المجمع نفسه كان فترةً ربّانية ستسمح للكنيسة الكاثوليكية في لبنان بأن تقوّي رسالتها وتثبّتها وتتفّهم أكثر فكرة دعوتها في الكنيسة الجامعة وفي العالم. اليوم تبدأ المرحلة الأخيرة من الجمعيّة السينودسية التي تتطلّب التزام جميع الكاثوليك اللبنانيّين كي تدخل حيّز التنفيذ. إن هذا الإرشاد الصادر بعد السينودس يجب أن يقودكم في حياتكم الشخصية، وفي رسالتكم شهوداً للمسيح القائم من بين الأموات، وفي خدمتكم الكنيسة والمجتمع.
إني أسأل البطاركة وسينودسات أساقفة الكنائس البطريركية أن يسهروا على أن تتمكّن جميع فئات المؤمنين من المشاركة الفعليّة في نشاط الكنيسة، آخذين على عاتقهم قسطهم من المسؤولية، وفقاً لوضعهم الحياتّي ولمؤهّلاتهم؛ ومن الواجب، بالأخصّ، أن يشارك العلمانيّون مشاركةً وثيقةً في حياة الكنيسة، على كل الصُعُد.
في الأبرشيات وفي النيابة اللاتينية، ليَسْعَ الأسقف، الذي أُنيطت به مهمّة الوحدة بين جميع مكوّنات الجماعة الكنسيّة، إلى تنشيط عمل المؤمنين والتعاون الواثق بين جميع أعضاء شعب الله، كذلك فليشجّع الكهنة في الرعايا مشاركة جميع المؤمنين، الأولاد والفتيان والبالغين في حياة جماعتهم اليومية. إني أحث أعضاء الجمعيّات الرهبانية وجميع المكرَّسين على تجديد التزامات نذورهم، وأن يعيشوا “حياة حبٍّ قربانيّ” (338)، وأن يعبّروا كل يوم عن المزيد من الأمانة الدائمة للمشورات الإنجيلية وتعليم الكنيسة، وعن المزيد من التجرّد في استخدام أملاك المؤسّسات، التي يجب أن تكون قبل كل شيء في خدمة الشعب. وتكون تلك دعوةٌ إلى جميع إخوتهم اللبنانيين، كي يمارسوا بدورهم المشاركة والتضامن. إن الأشخاص المكرَّسين مدعوّون أيضاً إلى تعميق صِلاتهم البنويّة مع الأساقفة، بغية وحدة راعوية أعظم. إن في بلدكم تقليداً قديماً لمنظّمات علمانية تؤدّي مساهمتها في الحياة الكنسيّة. فيعود إلى مختلف الهيئات أن تتنبّه لحاجات إخوتها وأن تكرّس جميع الطاقات لخدمتهم بتواضع.
124- إني أحبذ أن يُنشئ مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، بصفتهم رعاة الكنيسة فيه، ومصفّ المطارنة، في ما يعنيهم، لجنةًَ خاصّةً تضم أساقفةً وكهنةً وشمامسةً ورهباناً وراهبات وعلمانيّين، وتضع برامج عمل جريئة لتقبّل هذا الإرشاد الصادر بعد السنيودس وتطبيقه. وكذلك ينبغي أن تنشئ لجنةً مماثلةً كل أبرشية وكل مؤسسّة رهبانية، شخصيّاً أو جماعياً. وينبغي كذلك أن تكبّ على دراسة هذه الوثيقة الحاضرة مختلف هيئات الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، ومجامع أساقفة الكنائس البطريركية، والأبرشيات، ورجال الإكليرس، ومؤسّسات الحياة المكرَّسة والمؤمنون.
من جهتي، أؤكّد لكم استعداد الكرسيّ الرسولي التام لمساعدة تلك اللجان والكنيسة في لبنان وخدمتها في العمل الراعوي. إن عملياً أوكل بالأخصّ إلى مجمع الكنائس الشرقية، وضع نفسه في خدمة الكنيسة في لبنان، وتقديم كل عونٍ ضروري لعملكم الكنسيّ. إن أمانة سرّ الدولة، ومختلف دوائر الكوريا الرومانية، وبالأخص مجمع عقيدة الإيمان، ومجمع التربية الكاثوليكية، والمجلس الحبريّ لتعزيز وحدة المسيحيّين، والمجلس الحبريّ للحوار بين الأديان، هؤلاء جميعاً هم أيضاً محاورون يرغبون في تسهيل رسالتكم والإسهام في نهضة جديدة (لخير) جماعاتكم المسيحية الجديدة.
125- فيما أقدّم لكم هذا الإرشاد الرسولي، يا أبناء وبنات لبنان المحبوبين، أمحضكم مجدّداً ثقتي، وكالمسيح، أرسلكم في العالم شهوداً للإيمان والرجاء والخلاص. لتفض عليكم نعمة المسيح محبّة! إن جهود كل منكم حباً للرب ولكنيسته سوف تؤتي الحياة الكنسيّة والمجتمع اللبنانيّ بأسره ثماراً كثيرةً. حيئنذٍ يتمكّن لبنان، الجبل السعيد الذي رأى شروق نور الأمم، وأمير السلام، من أن يُزهِرَ كلياً من جديد، ويلبّي دعوته بأن يكون نوراً لشعوب المنطقة وعلامةً للسلام الآتي من الله. وهكذا إن الكنيسة في هذا البلد تُفرح إلهَهَا (را: نش 4 : 8).
إني على عتبة الألف الثالث، أدعو بإلحاح جميع أبناء الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأخرى والجماعات المسيحيّة إلى الاستعداد ليوبيل العام الألفين العظيم، والتجدّد بالمسيح وتجديد وجه الأرض، حتى “يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحقّ” (1 طي 2 : 4). هكذا لتصبح بشرى الخلاص الحسنة لجميع البشر ينبوع قوّةٍ وفرحٍ ورجاء؛ حينئذٍ الشعب “كالنخل يسمو، ومثل أرز لبنان ينمو” (مز 92 [91]: 13).
أُعطي في بيروت، في العاشر من أيار 1997، في مناسبة زيارتي الراعويّة إلى لبنان، في السنة التاسعة عشرة لحبريّتي.
يوحنا بولس الثاني
الحواشي:
1) يوحنا بولس الثاني، عظة الاحتفال الإفخارستي في ختام سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، في 14 / 12 / 1995، الفقرة 1: راجع مجلة التوثيق الكاثوليكي، La documentation Catholique, DC 93 (1996)، ص 34. ونشير إليها من هنا وصاعداً بـ “ت.ك” حيثما وردت في الحواشي.
2) راجع التوصية 1
3) راجع يوحنا بولس الثاني، الرسالة الأولى (17 / 10 / 1978): أعمال الكرسي الرسولي، AAS، 70 (1978)، ص 925؛ ونشير إليها من هنا وصاعداً بـ “أ.ك.ر”. كلمة موجهة إلى الجسم الدبلوماسي (12 / 1 / 1979)، الفقرة 6: أ.ك.ر 71(1979)، ص 355 – 357؛ كلمة ألقاها في الجمعية العامة الرابعة والثلاثين لمنظمة الأمم المتحدة (2 / 10 / 1979)، الفقرة 10: أ.ك.ر 71 (1979)، ص 1150 – 1151؛ كلمة ألقاها في المجمع المقدّس (22 / 12 / 1981)، الفقرة 11 : أ. ك. ر 74 (1982)، ص 304 – 305.
4) راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 28
5) راجع سينودس الأساقفة الخاص لبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 37
6) المرجع نفسه، النداء الأخير، عنوان الفصل الأول.
7) المرجع نفسه، الفقرة 15: ت . ك 93 (1996) ص 37
8) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 4
9) راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 102 – 113
10) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 37
11) مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الرعوية الرابعة “سرّ الكنيسة” (ميلاد 1996) الفقرات 17 – 22
12) الإرشاد الرسولي السينودسي، الحياة المكرسة، الفقرة 54 : أ. ك. ر 88 (1996)، ص 426 – 427
13) المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في مهمة الأساقفة الرعوية، الفقرات 36 – 38؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 322
14) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، النداء الأخير، الفقرة 18 : ت. ك 93 (1996)، ص 37
15) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، “ليكونوا واحداً”، الفقرة 60: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 957 – 958
16) المرجع السابق، الفقرة 80، ص 969
17) راجع يوحنا بولس الثاني، إعلان الدعوة لعقد سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، (المقابلة العامة، 12 / 6 / 1991): ت. ك 88 (1991)، ص 714
18) المجمع الفاتيكاني الثاني، بيان في علاقات الكنيسة مع الأديان غير المسيحية، الفقرة 5
19) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفقرة 1706
20) المجمع الفاتيكاني الثاني، بيان في علاقات الكنيسة مع الأديان غير المسيحية، الفقرة 3
21) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما قبل المناقشة، الفقرة 9 : ت. ك 93 (1996)، ص 28؛ وثيقة العمل، الفقرة 22
22) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرة 33؛ راجع يوحنا بولس الثاني، الرسالة المتلفزة الموجهة إلى اللبنانيّين (11 / 7 / 1991): ت. ك 88 (1991)، 772؛ رسالة إلى البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (8 / 7 / 1991): ت. ك 88 (1991)، ص 770 – 771
23) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 4، وخاصة وثيقة العمل، الفقرتان 19 – 20
24) المجمع الفاتيكاني الثاني دستور عقائدي، في الكنيسة، نور الأمم، الفقرة 8
25) المرجع السابق، الفقرة 9
26) المرجع السابق، الفقرة 1
27) مجمع العقيدة والإيمان، رسالة إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في بعض أوجه الكنيسة من حيث هي شركة، [Communionis notion]، (28 / 5 / 1992)، الفقرة 3 : أ. ك. ر 85 (1993)، ص 839
28) المرجع السابق، الفقرتان 3 – 4: المرجع المذكور، ص 839 – 840
29) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 16
30- التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفقرة 789
31) المرجع السابق، الفقرة 791 استناداً إلى المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الكنيسة، نور الأمم، الفقرة 7
32) المرجع السابق، الفقرة 814
33) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، في الكنيسة، نور الأمم، الفقرة 13
34) المجمع المفاتيكاني الثاني، في مهمة الأساقفة الرعوية، الفقرة 11؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 177، البند 1
35) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، في الكنيسة، نور الأمم، الفقرة 23
36) المرجع السابق، الفقرات 25 – 27
37) المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في الكنائس الشرقية الكاثوليكية، الفقرة 7؛ نور الأمم، الفقرة 23
38) المرجع السابق، الفقرة 9
39) المرجع السابق، الفقرة 7
40) المرجع السابق، الفقرة 9
41) يوحنا بولس الثاني، كلمة موجهة في مناسبة تقديم مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الجديدة إلى آباء السينودس (25 / 10 / 1990)، الفقرة 4: ت. ك 87 (1990)، ص 1085
42) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 23
43) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما قبل المناقشة، الفقرة 22 : ت. ك 93 (1996)، ص 31
44) التوصية 22
45) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 7
46) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفقرة 2782، استناداً إل القديس كيرلس الأورشليمي، عظات في التنشئة المسيحية 3، 1 : “إن الله الذي أعدّنا للتبنيّ جعلنا مماثلين لجسد المسيح الممجّد وبالتالي وقد اشتركتم في المسيح أصبحتم بحق “مسحاء”: راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، النداء الأخير، الفقرة 7: “هذه القيامة هي في أساس إيماننا ورجائنا الذي يدفعنا دوماً إلى التجدّد، الموضوع الرئيسي لمجمعنا، حتى تنطبع فينا صورة المسيح”: ت. ك 93 (1996) ص 36
47) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 5
48) المرجع السابق، الفقرة 4، استناداً إلى القديس قبريانس في الصلاة الربية الآباء اللاتين [PL] ، 4، 553
49) راجع يوحنا الذهبي الفم، في الكهنوت، 3، 5: الآباء اليونان [PG] 48، 643؛ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفقرات 976 – 987
50) القديس باسيليوس القيصري، مقالة في الروح القدس، 15، 36 : الآباء اليونان، 32، 132
51) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرات 32 – 34
52) التوصية 2؛ راجع يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 6: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 750
53) راجع يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 6: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 749 – 751
54) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفقرة 1818
55) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، النداء الأخير، الفقرة 7: ت. ك 93 (1996)، ص 36
56) المرجع نفسه، وثيقة العمل، الفقرات 19 – 21
57) المرجع نفسه، النداء الأخير، الفقرة 63: ت. ك 93 (1996) ص 43
58) المرجع السابق، الفقرة 3، المرجع المذكور سابقاً ص 36
59) المجمع المسكوني الخلقيدوني: دنزينغر 301: المرجع نفسه 302: “واحد هو، وهو نفسه المسيح، الرب، الابن الوحيد، الذي يجب الاعتراف به في طبيعتين (إلهية وإنسانية) متّحدتين من دون اختلاط ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال. إن اتّحاد الطبيعتين لم يبرح بأي شكل من الأشكال على ما فيهما من تباين، بل بالحريّ قد حُفظت سالمةً خصائص كل منهما واتحدت في شخصٍ واحد وأقنوم واحد”.
60) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي، الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء، الفقرة 21
61) المرجع نفسه، الفقرة 38
62) المرجع السابق، الفقرة 39
63) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، النداء الأخير، الفقرة 2 : ت. ك 93 (1996)، ص 36
64) المصادر المسيحية: الفصل الخامس، 8 – 9، 33 مكرر، باريس (1951)، ص 63 – 65
65) مجلس البطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الأولى، (24 / 8 / 1991): ت. ك 88 (1991) ص 938
66) المرجع نفسه، رسالة رعوية، الحضور المسيحي في الشرق، شهادة ورسالة، (فصح 1992)، الفقرة 18: ت. ك 89 (1992) ص 599
67) راجع، على سبيل المثال، المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في رسالة العلمانيين، الفقرة 8
68) راجع يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة، تألق الحقيقة، الفقرات 90 – 93: أ. ك. ر 85 (1993)، ص 1205 – 1207
69) دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 22
70) المرجع نفسه.
71) ت. ك 88 (1991)، ص 770
72) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 29
73) راجع سينودس الأساقفة الخامس بلبنان، وثيقة العمل الفقرة 25
74) المرجع نفسه، الخطوط العريضة، الفقرة 32
75) المرجع نفسه، تقرير ما بعد المناقشة، 1
76) راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 5
77) القديس اثناسيوس الإسكندري، في التجسّد رداً على الأريوسيين، 8: الآباء اليونان، 26 ، 995 – 996
78) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، في الوحي الإلهي، الفقرة 21
79) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 22
80) القديس إيرونيموس، تفسير سفر أشعيا، تمهيد: الآباء اللاتين 24، 17؛ راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، الفقرة 25
81) القديس باسيليوس القيصري، الأنظمة المختصرة، 95: الآباء اليونان 31، 1059
82) أوريجينوس، عظات في يشوع، 20، 2: المصادر المسيحية 71، باريس (1960)، ص 417
83) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرات 24 – 26
84) القديس امبروسيوس الميلاني تفسير في سفر المزامير 108، 15، الفقرة 28: الآباء اللاتين 15، 1420
85) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 1، 1
86) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 8: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 752؛ راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، في الوحي الإلهي، الفقرة 8
87) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 28؛ وثيقة العمل، الفقرة 27
88) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية في مناسبة الذكرى المئوية الثانية عشرة للمجمع النيقاوي (4 / 12 / 1987)، الفقرة 5: أ. ك. ر 80 (1988) ص 245
89) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 1
90) راجع التوصية 4
91) راجع التوصية 4. وهو ما ورد في الرسالة الرسولية، نور الشرق، أ. ك. ر 87 (1995)، ص 745 – 774
92) راجع اغناطيوس الإنطاكي، رسالة الأفسسيين، 13، 1: المصادر المسيحية، 10 باريس (1969)، ص 69؛ ديداكيا، 9، 4: المصادر المسيحية 248، باريس (1978)، ص 177؛ القديس يوستينوس، ردود 65، 6: الآباء اليونان 6، 427
93) القديس كيرلس الأورشليمي، عظات في التنشئة المسيحية، 4، 9: المصادر المسيحية، 126 مكرر، باريس (1988)، ص 145
94) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، فقرة 26
95) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 10، : أ. ك. ر 87 (1995)، ص 755 – 756
96) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 1؛ التوصية 5
97) راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 40، بند 1؛ 667 – 669
98) راجع خاصّة الأعداد 13 إلى 21، وهي تذّكر بغنى التراث الليترجي في الكنائس الشرقية، وأهمية التقليد في هذا الميدان، والروح الذي ينبغي أن تتم فيه الإصلاحات القيمة المسكونية النابعة من التراث الليترجي.
99) راجع التوصية 5
100) راجع سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، المقدمة.
101) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 6: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 750
102) جيراسيموس، مقالة في الثالوث: باريس (1996)، ص 229
103) راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 408
104) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 31؛ راجع القديس اغناطيوس الإنطاكي، رسالة إلى التراليّين (Tralliens)، 8، 1: المصادر المسيحية 10، باريس (1969)، ص 102
105) القديس توما الأكويني، الخلاصة اللاهوتية، 1 – 2، المسألة 92 – أ، 2
106) يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة، السنة المئة، الفقرة 50: أ. ك. ر 83 (1991)، ص 856؛ الإرشاد الرسولي، العلمانيون المؤمنون بالمسيح، الفقرة 42: أ. ك. ر 81 (1989)، ص 472 – 476؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 75
107) المرجع نفسه، الفقرة 33
108) التوصية 8
109) التوصية 24
110) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، النداء الأخير، الفقرة 27: ت. ك 93 (1996) ص 39
111) يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي، وظائف العائلة المسيحية [Familiaris Consortio]، الفقرة 59: أ. ك. ر 74 (1982)، ص 151
112) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرة 53
113) التوصية 7
114) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 2، 7
115) التوصية 7
116) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 1362؛ 1381
117) المرجع نفسه، ق 1062
118) التوصية 21
119) المجمع الفاتيكاني الثاني، رسالة إلى النساء (8 / 12 / 1965)؛ دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 29؛ يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى النساء، الفقرة 3: ت. ك 92 (1995)، ص 718؛ القديس باسيليوس الكبير، عظة من المزمور 1، 3: الآباء اليونان 29، 214 – 218
120) الكاثوليكوس اسحق الثالث، مدائح وترانيم تكريماً للعذراء مريم، مقتطفة من السواعية الأرمنية، البندقية (1877)، ص 89
121) القديس يوحنا الدمشقي، في الإيمان القويم، 3، 2: الآباء اليونان 94، 983 – 988؛ القديس غريغوريوس الناركي، الصلاة الثمانون: المصادر المسيحية 78، باريس، (1961)، ص 428 – 431؛ اغاتانجلو، صلاة غريغوريوس المنور، نصوص مريمية من الألف الأول، روما (1991)، ص 552، ترنيمة ليترجية لشهر كيناك في الليترجيا القبطية: 1 الأقباط، منشورات المكتبة الفاتيكانية، (1994)، ص 165 – 166
122) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية في كرامة المرأة، الفقرة 30: أ. ك. ر 80 (1988)، ص 1725
123) يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى الكهنة في مناسبة خميس الأسرار المقدس 1995، الفقرة 6: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 801 – 802
124) يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي، في وظائف العائلة المسيحية، الفقرة 37: أ. ك. ر 74 (1982)، ص 127 – 129
125) القديس يوحنا الذهبي الفم، في تربية الأولاد، الفقرة 25 : المصادر المسيحية 188، باريس (1972)، ص 113
126) رسالة في مناسبة اليوم العالمي للسلام 1995، الفقرة 2: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 360
127) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، الفقرة 8
128) التوصية 10
129) المرجع نفسه.
130) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 410؛ سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 39
131) يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي، الحياة المكرّسة، الفقرة 73 : أ. ك. ر 88 (1996)، ص 448 – 449
132) المرجع نفسه، الفقرة 1: المرجع المذكور سابقاً، ص 377
133) القديس نيلوس الناسك، خطاب في النسك: الآباء اليونان 79، 719 – 747؛ القديس باسيليوس الكبير، القوانين الموسّعة، المسألة 7: الآباء اليونان 31، 927 – 934؛ المسألة 41 : الآباء اليونان 31، 1021 – 1024
134) القديس أنطونيوس الكبير، مواعظ، الفقرة 150: لافيلوكاليا، باريس (1995)، ص 62؛ رسالة، الفقرة 4 : الآباء اليونان 40، 1008؛ القديس نيلوس الناسك، في نشيد الأناشيد 1، 8، 2: المصادر المسيحية 403، باريس (1994)، ص 179 – 181؛ القديس أثناسيوس الإسكندري، سيرة أنطونيوس، 20، 4 : المصادر المسيحية، 400، باريس (1994)، ص 189
135) القديس يوحنا الذهبي الفم، عظة في 1 تيموتاس، 8، 8: الآباء اليونان 52، 539 – 540
136) يوحنا بولس الثاني، تألق الحقيقة، الفقرات 90 – 94: أ. ك. ر 85 (1993) ص 1205 – 1208
137) بولس السادس، إرشاد رسولي، في واجب إعلان البشارة (Evagelli nuntiandi)، الفقرة 41: أ. ك. ر 68 (1976)، ص 31؛ إرشاد رسولي، الشهادة الإنجيلية، الفقرات 30 – 31، 52 – 53: أ. ك. ر (1971)، ص 514، 523 – 524؛ كلمة موجّهة إلى مجالس العلمانيين (2 / 10 / 1974): أ. ك. ر 66 (1974)، ص 568؛ القديس كيرلس الإسكندري 4 عظات عيدية، الفقرة 2: المصادر المسيحية 372، باريس (1991)، ص 245 – 253؛ غريغوريوس النيصي، تأمّلات في سفر الجامعة 4، 5: المصادر المسيحية 416، باريس (1996)، ص 251 – 259، القديس نيلوس الناسك، خطاب في النسك، الفقرة 25 : الآباء اليونان 79، 719 – 810؛ تيوليبتوس الفيلادلفي، في التكرّس الرهباني: لافيلوكاليا 2، باريس (1995)، ص 349
138) اثناسيوس الإسكندري، سيرة انطونيوس، 55، 1 – 13 : المصادر المسيحية 400، باريس (1994)، ص 281 – 287
139) الجمعية العمومية العادية التاسعة لسينودس الأساقفة، “الحياة المكرسة ورسالتها في الكنيسة والعالم”، وثيقة العمل، الفقرة 14
140) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 195؛ 329
141) القديس أفرام السرياني، ترنيمة، الفقرة 6: الآباء الشرقيون 30، 142 – 143
142) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 416
143) المرجع نفسه، 412، البند 1
144) المرجع نفسه، ق 414 – 417
145) المرجع نفسه، ق 413 – 415
146) المرجع نفسه، ق 457، البند 1؛ 524، البند 1
147) رسالة، الفقرة 22 : الآباء اليونان 32، 287 – 294
148) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 2 ، 4
149) التوصية 11
150) يوحنا بولس الثاني، رسالة في مناسبة يوم الحياة المكرّسة (1997) الفقرة 6: الاوسرفاتوري رومانو 19 / 1 / 1997)، ص 5؛ التوصية 11، 9
151) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 9 : أ. ك. ر 87 (1995)، ص 754
152) المرجع نفسه.
153) يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي، الحياة المكرسة، الفقرة 6: أ. ك. ر 88 (1996)، ص 381؛ القديس باسيليوس الكبير، القوانين الموّسعة، 8 ، 9 : الآباء اليونان 31، 934 – 945
154) التوصية 12، 1
155) القديس اثناسيوس الإسكندري، سيرة انطونيوس، 30، 1 : المصادر المسيحية 400، باريس (1994)، ص 219؛ تيودورس الرهاوي، الفصول المئة، الفقرة 1: لافيلوكاليا 1، باريس (1995)، ص 342؛ جيراسيموس، حوارات مسكونية شفائية، 5: باريس (1996)، ص 207
156) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 5
157) تيودورس الرهاوي، خطاب في التأمل: لافيلوكاليا 1، باريس (1995)، ص 361 – 368
158) هيزيكيوس الباطسي، في التقشف والسهر، الفقرة 34: لافيلوكاليا 1، باريس (1995)، ص 198
159) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 9: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 754؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 471، البند 1
160) القديس مقاريوس المصري، في الكمال بالروح، الفقرة 8: الآباء اليونان 34، 847؛ تيودورس الستودي، في القديس ارسانيوس المتوحّد الفقرة 2 : الآباء اليونان 99، 862 – 867
161) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 570
162) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرات 23 – 25: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 770 – 772؛ سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 5
163) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية سينودوسية، أعطيكم رعاة، الفقرة 14 : أ. ك. ر 84 (1992)، ص 678
164) المرجع نفسه، الفقرة 15: المرجع المذكور سابقاً، ص 679 – 680
165) المرجع نفسه، الفقرة 16: المرجع المذكور سابقاً، ص 681
166) يوحنا الذهبي الفم، عظات في الرسالة الأولى للقورنثيين، 18، 3: الآباء اليونان 16، 526
167) المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في مهمة الأساقفة، الفقرة 11
168) التوصية 13
169) المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في مهمة الأساقفة الرعوية، الفقرة 28؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 192، البندان 4 – 5؛ 278، البند 2
170) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 192، البند 5؛ 278، البند 3؛ 390
171) يزاول الكهنة المتزوّجون خدمتهم في مواقع طقسهم التاريخية وفقاً للنظام المعمول به والمشار إليه في ظروف عدة: راجع مجمع الكنائس الشرقية، القرار، Qua sollerti (23 / 12 / 1929): أ. ك. ر (1930)، ص 99 – 105؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 78، البند 2؛ 146، البند 2؛ 150 البند 3؛ 758، البند 3 المتعلق بالإجراءات الخاصة بالكرسي الرسولي.
172) التوصية 15
173) التوصية 14
174) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 30
175) التوصية 14
176) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرة 51
177) التوصية 16
178) مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الرعوية الرابعة، سر الكنيسة، (ميلاد 1996) الفقرات 51 – 53
179) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرات 3، 11، 17، 26
180) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور في الليترجيا المقدسة، الفقرة 42
181) التوصية 17
182) رسالة رسولية، إطلالة الألف الثالث، الفقرة 42: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 32
183) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي، وديعة الإيمان، (11 / 10 / 1992): أ. ك. ر 86 (1994)، ص 116
184) يوحنا بولس الثاني، خطاب في كنيسة القديس بولس خارج الأسوار (25 / 1 / 1985): ت. ك 82 (1985)، ص 283
185) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي، وديعة الإيمان (11 / 10 / 1992): أ. ك. ر 86 ( 1994)، ص 116
186) التوصية 3
187) المرجع نفسه.
188) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 272 – 275؛ مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الرعوية الرابعة، سر الكنيسة، (ميلاد 1996) الفقرة 59
189) التوصية 18؛ مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الرعوية الرابعة، سر الكنيسة (ميلاد 1996)، الفقرة 47
190) المرجع نفسه.
191) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 177، البند 1: المجمع الفاتيكاني الثاني، القرار في مهمة الأساقفة الرعوية في الكنيسة، الفقرة 11
192) المرجع نفسه، ق 202
193) التوصية 19
194) المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في مهمة الأساقفة الرعوية، الفقرة 28
195) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 264 – 270
196) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 23؛ القرار في الكنائس الشرقية، الفقرة 7
197) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 102 – 113
198) التوصية 19
199) يوحنا بولس الثاني، كلمة في مناسبة تقديم مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الجديدة إلى آباء السنيودس (25 / 10 / 1990)، الفقرة 2: ت. ك 87 (1990)، ص 1084؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في الكنائس الشرقية، الفقرة 3
200) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي، في قوانين النظام المقدس: أ. ك. ر 75 (1983)، ص 11، نص مكرّر في الدستور الرسولي، القوانين المقدسة: أ. ك. ر 82 (1990)، ص 1042 – 1043
201) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 1062
202) القديس أفرام السرياني، ترنيمة 26: الآباء الشرقيون 30، ص 142 – 143
203) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، في واجب نقل الكرازة [Catechesi tradendae]، الفقرة 20: أ. ك. ر 71 (1979)، 1293
204) المرجع نفسه، الفقرة 5: أ. ك. ر 71 (1979)، ص 1281
205) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 627
206) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، وظائف العائلة المسيحية، الفقرات 36 – 37؛ 60: أ. ك. ر 74 (1982)، ص 126 – 129؛ 152 – 153
207) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، في واجب نقل الكرازة، الفقرة 68: أ. ك. ر 71 (1979)، ص 1333 – 1334
208) التوصية 23
209) التوصية 17
210) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، العلمانيون المؤمنون بالمسيح، الفقرة 30 : أ. ك. ر 81 (1989)، ص 446 – 448
211) التوصية 24
212) التوصية 14؛ 27؛ 18؛ 23
213) المجمع الفاتيكاني الثاني، القرار في رسالة العلمانيين، الفقرة 23
214) المجمع الفاتيكاني الثاني، القرار في رسالة العلمانيين، الفقرة 23؛ الإرشاد الرسولي، العلمانيون المؤمنون بالمسيح، الفقرة 25؛ 30 – 32: أ. ك. ر (1989)، ص 436 – 437؛ 446 – 452
215) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 640؛ 646 – 647
216) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي في الجامعات الكاثوليكية، من قلب الكنيسة، الفقرات 12 – 37: أ. ك. ر 82 (1990)، ص 1482 – 1496
217) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي في الجامعات الكاثوليكية، من قلب الكنيسة، الفقرة 12؛ المرجع المذكور سابقاً، ص 1482؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 641
218) المرجع نفسه، الفقرة 15: المذكور سابقاً، ص 1484
219) يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة، في العمل البشري [Laborem exercens]، الفقرة 4: أ. ك. ر 37 (1981)، ص 584 – 586
220) المرجع نفسه، الفقرة 10: المذكور سابقاً ص 601 – 602
221) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي، في قلب الكنيسة، الفقرة 10: أ. ك. ر 82 (1990)، ص 1481
222) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي، الحكمة المسيحية، التمهيد 3 – 5؛ المادة 38 – 45، 65 – 83: أ. ك. ر 71 (1979)، ص 472 – 476، 485 – 487، 491 – 496؛ خطاب في المعهد الحبري الشرقي، 12 / 12 / 1993: الاوسرفاتوري رومانو، الإصدار الفرنسي، 51 (1993)، ص 3؛ 6
223) المرجع نفسه.
224) المرجع نفسه، التمهيد 4: أ. ك. ر 71 (1979)، ص 474 – 475
225) مجمع التربية الكاثوليكية، المجلس الحبري لرسالة العلمانيين، المجلس الحبري للثقافة، حضور الكنيسة في الجامعة والثقافة الجامعية، 2، 2: ت. ك 91 (1994)، ص 607 – 608
226) يوحنا بولس الثاني، دستور رسولي، من قلب الكنيسة، الفقرة 6: أ. ك. ر 82 (1990)، ص 1479
227) التوصية 25
228) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، المصالحة والتوبة، الفقرة 1: أ. ك. ر 77 (1995)، 185
229) فرنسيس الرابع شنورهالي، Inni Sacri I، البندقية (1973)، ص 95 – 99
230) القديس اغناطيوس، عظة في العنصرة، 267، 4: الآباء اللاتين 38، 1231
231) القديس ايريناوس أسقف ليون، بيان الكرازة الرسولية، الفقرة 87: المصادر المسيحية 87، باريس (1971)، ص 203
232) المرجع نفسه، الرد على الهراطقة، 5، 9، 2: المصادر المسيحية 153، باريس (1969)، ص 113
233) المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في مهمة الأساقفة الرعوية، الفقرة 6
234) مجمع العقيدة والإيمان، رسالة إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في بعض أوجه الكنيسة من حيث هي شركة، (28 / 5 / 1992)، الفقرة 9: أ. ك. ر 85 (1993)، ص 843
235) يوحنا بولس الثاني، خطاب إلى الكوريا الرومانية (20 / 12 / 1990)، الفقرة 9: أ. ك. ر 83 (1991) ص 745
236) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 3
237) القديس قبريانس القرطاجي، في الصلاة الربية، الفقرة 23: الآباء اللاتين 4، 536
238) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 7. 1؛ بيوس الثاني عشر، الرسالة العامة، في الجسد السري (29 / 6 / 1943): أ. ك. ر 35 (1943)، ص 200 – 202
239) مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الرعوية الرابعة، سر الكنيسة، ميلاد (1996)، الفقرة 50
240) رسالة إلى الازميريين، 7، 2: المصادر المسيحية 10، باريس (1969) ص 139
241) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرة 69، تقرير ما قبل المناقشة، الفقرة 22
242) الفقرة 22، المرجع المذكور سابقاً، الفصل 3
243) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستورعقائدي، نور الأمم، الفقرتان 22 – 23؛ قرار في مهمة الأساقفة الرعوية، الفقرة 38؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 322
244) التوصية 22
245) التوصية 22، 3
246) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 322، البند 2
247) المرجع المذكور سابقاً، الفصل 3
248) المجمع الفاتياكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 37
249) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 148
250) ما عدا البطاركة الأربعة أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، فإن مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك يضم البطريرك الكلداني والبطريرك القبطي الكاثوليكي وبطريرك اللاتين على القدس.
251) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 5
252) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 315
253) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، نور الشرق، الفقرة 19: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 765 – 767
254) المجمع الفاتيكاني الثاني، القرار في الكنائس الشرقية، الفقرة 5
255) التوصية 29
256) المجمع الفاتيكاني الثاني، القرار في الحركة المسكونية، الفقرة 14؛ راجع الرسالة العامة، ليكونوا واحداً، الفقرة 55: أ. ك. ر 87 (1995) ص 954
257) بيان مشترك صادر عن البابا بولس السادس وبطريرك القسطنطنية أثناغوراس الأول (7 / 12 / 1965): أ. ك. ر 58 (1966)، ص 20 – 21؛ بيان مشترك صادر عن قداسة البابا بولس السادس وقداسة شنوده الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية (10 / 5 / 1973): أ. ك. ر 65 (1973) ص 299 – 301ح بيان مشترك صادر عن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وقداسة مار موران اغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريرك السريان لإنطاكية وسائر المشرق، والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية 23 / 6 / 1984): ت. ك 81 (1984): أ. ك. ر (1995) ص 824 – 826؛ البيان الكريستولوجي المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الآشورية المشرقية (11 / 11 / 1994): أ. ك. ر 87 (1995) ص 685 – 687؛ بيان مشترك صادر عن البابا يوحنا بولس الثاني والكاثوليكوس كيراكين الأول، البطريرك الأعلى وكاثوليكوس كل الأرمن، (13 / 12 / 1996): ت. ك 94 (1997)، ص 116 – 117؛ بيان مشترك صادر عن البابا يوحنا بولس الثاني والكاثوليكوس آرام الأول، (25 / 1/ 1997): ت. ك 94 (1997)، يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، ليكونوا واحداً، الفقرات 50 – 52: أ. ك. ر 87 (1995)، ص 950 – 952، وهي يشير إلى مختلف مراحل الحوار المسكوني مع كنائس الشرق منذ استئناف العلاقات في عام 1965
258) فرنسيس الرابع شنورهالي، Inni Sacri II، البندقية (1973)، وهو يشير إلى مبادئ الوحدة الكنسيّة.
259) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 6
260) يعود الحق إلى الكرسي الرسولي في توقيع الاتفاقيات مع الكنائس غير الكاثوليكية: راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 904، البندان 1 – 2
261) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 625؛ 907
262) المرجع نفسه، ق، 813 – 816
263) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما بعد المناقشة، 6
264) التوصية 33
265) المجمع الفاتيكاني الثاني، بيان في العلاقات مع الأديان غير المسيحية، الفقرة 3
266) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 3
267) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، السنة المئة، الفقرة 54: أ. ك. ر 83 (1991)، ص 860
268) يوحنا بولس الثاني، نداء إلى جميع المسلمين حول الوضع في لبنان، (7 / 9 / 1989): ت. ك 86 (1989)، ص 869
269) التوصية 39
270) المرجع نفسه.
271) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرة 99
272) الرسالة إلى ديوغنيتس، 8، 5: المصادر المسيحية 33، باريس (1965)، ص 70
273) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 26؛ يوحنا الثالث والعشرون، الرسالة العامة، أم ومعلمة، 2: أ. ك. ر 53 (1961)، ص 418
274) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 30
275) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية حول الوضع في لبنان (7 / 9 / 1989)، الفقرة 4: أ. ك. ر 82 (1990)، ص 61
276) المرجع نفسه.
277) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، الاهتمام بالشأن الاجتماعي، الفقرة 38: أ. ك. ر 80 (1988)، ص 565 – 566
278) بيوس الحادي عشر، الرسالة العامة، السنة الأربعون، 1 : أ. ك. ر 23 (1931)، ص 181 – 190؛ يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، السنة المئة، الفقرة 48: أ. ك. ر 83 (1991)، ص 852 – 854
279) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، الاهتمام بالشأن الاجتماعي، الفقرة 15 : أ. ك. ر 80 (1988)، ص 528 – 530
280) المرجع نفسه، الفقرة 44، المرجع المذكور سابقاً، 575 – 577
281) المرجع نفسه، الفقرة 15، المرجع المذكور سابقاً، ص 529
282) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، حول الوضع في لبنان، (7 / 9 / 1989) الفقرة 2: أ. ك. ر 82 (1990)، ص 60
283) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، حول الوضع في لبنان. رسالة إلى جميع اللبنانيين (1 / 5 / 1984): أ. ك. ر 67 (1984)، ص 704 – 707
284) يوحنا بولس الثاني، رسالة في مناسبة اليوم العالمي للسلام 1971: أ. ك. ر 63 (1971)، ص 5 – 9
285) يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة، الروح القدس في حياة الكنيسة [Dominum et vivificantem]، الفقرة 67، أ. ك. ر 78 (1986) ص 900
286) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية، حول الوضع في لبنان 1 / 5 / 1984، أ. ك. ر 76 (1984) ص 705
287) المجمع المسكوني الثاني، دستور رعوي، الكنيسة في عالم اليوم، رقم 78
288) بولس السادس، رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة (26 / 5 / 1966): الإنماء هو الاسم الجديد للسلام: أ. ك. ر 58 (1966)، ص 479 – 480
289) التوصية رقم 40، 1
290) بولس السادس، رسالة في اليوم العالمي للسلام 1970: أ. ك. ر 63 (1971)، ص 8
291) راجع يوحنا 23، رسالة عامة، السلام في الأرض، فقرة 105، أ. ك. ر 55 (1963) ص 286
292) القديس ايريناوس، رد على الهراطقة، 4، 20، 7: المصادر المسيحية 100، 2، باريس (1965)، ص 649
293) القديس غريغوريوس النيصي، في محبة الفقراء: الآباء اليونان 46، 460 ب – 465 ب.
294) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء، الفقرة 88
295) التوصية 35، 4
296) القديس اغناطيوس الإنطاكي، رسالة إلى الازميريين، 4، 1: المصادر المسيحية 10، باريس (1969) ص 137
297) في محبة الفقراء: الآباء اليونان 46، 466
298) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 1008
299) المرجع نفسه، ق 1022 – 1031
300) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، وثيقة العمل، الفقرة 81
301) التوصية 36، مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 1007
302) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 1009، البند 2؛ مجموعة الحق الكنسي، ق 1257، البند1
303) مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 1035، البند 1؛ 1036، 1042؛ مجموعة الحق الكنسي، ق 1290 – 1298
304) يُراد بذلك نقل ملكية أي من الأملاك وإجارته وبيعه أو اغتصابه بدون ترخيص من الكرسيّ الرسولي. إن عدم احترام تلك النظم يؤدي ترخيص من الكرسيّ الرسولي. إن عدم احترام تلك النظم يؤدي فعلاً (de facto) إلى بطلان تلك الأعمال.
305) راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، القرار المجمعي “خدمة الكهنة الرعوية وحياتهم” الفقرة 17، القرار المجمعي في “التجدد الملائم للحياة الرهبانية، الفقرة 13؛ القرار المجمعي “رسالة العلمانيين”، القرار 10، القرار المجمعي، “نشاط الكنيسة الإرسالي”، الفقرة 16
306) راجع التوصية 26؛ 28
307) يوحنا بولس الثاني، خطاب أمام مجلس الاتحاد العالمي للمدّرسين الكاثوليك (18 / 4 / 1983(: ت. ك 80 (1983)، ص 561
308) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، النداء الأخير، الفقرة 33: ت. ك 93 (1996) ص 39
309) التوصية 28
310) التوصية 27؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 646 – 648
311) المجمع الفاتيكاني الثاني، بيان في الحرية الدينية، الفقرتان 6 – 7؛ البيان في التربية المسيحية، الفقرتان 3 و 5
312) المرجع نفسه الفقرة 5؛ البيان في التربية المسيحية، الفقرة 6
313) يوحنا بولس الثاني، دستور رعوي، في مهمة الأساقفة الرعوية، الفقرة 6: أ. ك. ر 82 (1990) ص 1507
314) التوصية 46
315) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 76
316) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، الاهتمام بالشأن الاجتماعي، الفقرة 41: أ. ك. ر 80 (1988) ص 570
317) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، العلمانيون المؤمنون بالمسيح، الفقرة 15: أ. ك. ر 81 (1989) ص 414؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 31
318) بيوس الحادي عشر، الرسالة العامة، Mit brennender Sorge: أ. ك. ر 29 (1973)، ص 152 – 155؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 40؛ يوحنا بولس الثاني. الرسالة العامة، فادي الإنسان، الفقرة 14: أ. ك. ر 71 (1979) ص 284 – 285
319) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، تألق الحقيقة، الفقرة 59: أ. ك. ر 85 (1993) ص 1180 – 1181
320) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، العلمانيون المؤمنون بالمسيح، الفقرة 59: أ. ك. ر 81 (1989) ص 509
321) المرجع نفسه، الفقرة 42 المرجع المذكور سابقاً، ص 472؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم، الفقرة 31 التوصية 45، أ، 1
322) المرجع نفسه، الفقرة 14، المرجع المذكور سابقاً ص 411 – 412؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي، نور الأمم الفقرة 35
323) التوصية 45
324) خطاب في الأونيسكو (2 / 6 / 1980): أ. ك. ر 72 (1980)، ص 737
325) يوحنا بولس الثاني، رسالة في الذكرى الخمسين لنهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا (8 / 5 / 1995) الفقرة 2؛ ت. ك 92 (1995)، ص 532
326) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، السنة المئة، الفقرة 17: أ. ك. ر 83 (1991)، ص 815؛ الرسالة في اليوم العالمي للسلام 1980: أ. ك. ر 71 (1979)، ص 1572 – 1580
327) يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة، تألق الحقيقة، الفقرة 90 – 101: أ. ك. ر 85 (1993) ص 1210 – 1213
328) يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى جميع إخوتي في الأسقفية حول “إنجيل الحياة” (19 / 5 / 1991): تعاليم 14، 1 (1991)، ص 1294؛ الرسالة العامة، السنة المئة، الفقرة 54: أ. ك. ر 83 (1991)، ص 859 – 860
329) المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي، فرح ورجاء، الفقرة 22
330) القديس منصور دي بول، مراسلات وأحاديث ووثائق 9، (1920 – 1925)، ص 5؛ القديس أفرام السرياني. ترنيمة 26: الآباء الشرقيون 30، 142 – 143
331) المجمع الفاتيكاني، البيان في الحرية الدينية، الفقرة 2
332) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، الخطوط العريضة، الفقرة 5
333) يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية حول الوضع في لبنان (7 / 9 / 1989) الفقرة 6: أ. ك. ر 82 (1990) ص 63
334) يوحنا بولس الثاني، رسالة متلفزة إلى البطاركة والأساقفة المجتمعين في بكركي (25 / 5 / 1990) الفقرة 4: أ. ك. ر 83 (1991) ص 96
335) خطاب إلى أعضاء الجسم الدبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي (12 / 1 / 1991)، الفقرة 7؛ ت. ك 88 (1991)، ص 196 – 197
336) يوحنا بولس الثاني، عظة في القداس الختامي لسينودس الأساقفة الخاص بلبنان، (14 / 12 / 1995) الفقرة 2: ت. ك 93 (1996)، 34 – 35
337) سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، تقرير ما قبل المناقشة، الفقرة 14: ت. ك 93 (1996)، ص 28
338) يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، الحياة المكرّسة، الفقرة 75: أ. ك. ر 88 (1996)، ص 451
الموسوعة العربية المسيحية
Discussion about this post