رسالة الحبر الأعظَم
البابا يوحَنّا بولس الثّاني
العامة
“لِيَكونوا واحداً”
Ut unum sint
في التزام العمل المسكونيّ
تمهيد
1- “ليكونوا واحداً”!
إن النداء إلى وحدة المسيحيّين الذي عاد المجمع الفاتيكاني الثاني المسكونيّ وطرحه بحزمٍ واهتمام، لا تزال أصداؤه تتردّد بشدّة في قلوب المؤمنين، وبخاصّة عند اقتراب العام الألفين الذي سيكون لهم يوبيلاً مقدّساً، في ذكرى تجسّد ابن الله الذي صار إنساناً، لكي يخلّص الإنسان.
إن شهادة العديد من شهداء عصرنا الباسلة، بما فيهم أعضاء كنائس أو جماعاتٍ كنسيّة أخرى لا تربطها بالكنيسة الكاثوليكية الشركة الكاملة، تعطي النداء المجمعيّ عزماً جديداً. إنها تعيد إلى ذاكرتنا واجب تقبّل تحريضه ووضعه موضع التنفيذ. إن إخوةً لنا وأخوات قرّبوا معاً بسخاءٍ تقدمة حياتهم من أجل ملكوت الله، يشهدون بأوضح بيانٍ أن كلّ عوامل الفُرقة يمكن تجاوزها والتغّلب عليها بعطاءٍ للذات كاملٍ من أجل الإنجيل.
إن المسيح يدعو جميع تلاميذه إلى الوحدة. إن الرغبة المتّقدة التي تحثّني هي أن أجدّد اليوم هذه الدعوة وأكرّرها بثبات. سوف أذكّر بما أتيح لي أن أشير إليه في “الكوليسيوم” (الملعب) الرومانيّ، يوم الجمعة العظيم المقدّس 1994، في ختام تأمّل درب الصليب الذي أوحت به كلمات أخي الموقّر برثلماوس، بطريرك القسطنطينيّة المسكوني. بهذه المناسبة، أكّدت أن المؤمنين بالمسيح الذين وحدهم السبيل الذي رسمه الشهداء، لا يمكن أن يبقوا منقسمين. وإذا هم أرادوا حقّاً وبفعّالية أن يناهضوا ميل العالم إلى إبطال مفعول سرّ الفداء، فعليهم أن يجاهروا معاًَ بحقيقة الصليب (1).
الصليب! إن التيّار المعادي للمسيحيّة يبغي نكران قيمته وتفريغه من معناه؛ إنه يرفض أن يجد فيه المسيحيّ جذور حياته الجديدة؛ ويدّعي أن الصليب لا يمكنه فتح آفاق وآمال: فالإنسان، على حدّ قولهم، ليس سوى كائنٍ أرضيّ عليه أن يعيش وكأن الله غير موجود.
2- لا يخفى على أحدٍ أنَّ هذا كلّه يشكّل تحدّياً للمؤمنين. ولا يسَعُ هؤلاء إلاّ أن يقبلوا التحدّي. في الواقع، كيف يمكنهم ألاّ يفعلوا ما في وسعهم، بعونه تعالى، ليحطّموا حيطان القسمة والريبة، ويتغلّبوا على العوائق والأحكام المسبقة التي تمنع البشارة بإنجيل الخلاص بواسطة صليب يسوع، الفادي الأوحد للإنسان، كلّ إنسان؟
إنّي أشكر الله الذي حفزنا على المضيّ قدُماً في السبيل الصعب ولكن المملوء فرحاً، سبيل الوحدة والشركة بين المسيحيّين. إن الحوارات اللاهوتية المتعدّدة المذاهب أتت بثمار إيجابيّة وملموسة: وهذا ما يشجّعنا على متابعة السبيل.
ولكن، وأبعد من الفروقات العقائدية الواجب التغلّب عليها، لا يمكن المسيحيّين أن يتجاهلوا قدر ثقل الموروثات وعدم التفهم التي ورثوها من الماضي، وسوء التفاهم والأحكام المسبقة، بعضهم ضدّ البعض الآخر. وفي غالب الأحيان يزيد في خطورة هذه الحال الخمول وعدم الإكتراث والجهل المتبادل. ولهذا السبب فالالتزام المسكوني يجب أن يرتكز على ارتداد القلوب وعلى الصلاة اللذين يقودان أيضاً إلى ضرورة تنقية الذاكرة التاريخية. وبنعمة الروح القدس، إن تلاميذ الربّ، وقد أنعشتهم المحبّة وشجاعة الحقيقة والإرادة الصادقة في تبادل الغفران والمصالحة، لمدعوّون إلى إعادة النظر معاً في ماضيهم المؤلم، وفي الجراحات التي لا يزالون يتسبّبون فيها، ويا للأسف! حتى يومنا الحاضر.
إن حيويّة الإنجيل الدائمة التجدّد تدعوهم إلى الاقرار معاً، بموضوعية صادقة وكاملة، بالأخطاء التي ارتًُكبت والعوامل الملازمة التي تسبّبت في انقساماتهم المؤسفة. يجب أن نتحلّى بنظرة صافية وهادئة في الحقيقة، تحييها الرحمة الإلهيّة، وتقدر على أن تحرّر الأذهان وتجدّد في كلّ منا استعداده للتبشير بالإنجيل للبشر من جميع الشعوب والأمم.
3- في المجمع الفاتيكاني الثاني، تعهّدت الكنيسة الكاثوليكية بطريقة لا رجوع عنها أن تسلك سبيل السعي إلى الوحدة المسكونيّة، مصغيّةً إلى روح الربّ الذي يعلّم بأن نقرأ بكلّ انتباه “علامات الأزمنة”. إن الاختبارات التي عاشتها خلال تلك السنوات والتي ما زالت تعيشها قد أنارت بكل جلاء هويّتها ورسالتها في التاريخ. والكنيسة الكاثوليكية تقرّ وتعترف بأوهان أولادها، يقيناً منها أن خطاياهم تشكل خيانات وعوائق تعترض سبيل تحقيق قصد المخلّص. وإذ تشعر على الدوام أنها مدعوّةٌ إلى التجديد الإنجيلي، فهي لا تني إذن تكفّر عن الخطايا. وفي الوقت نفسه تعترف بعظمة الربّ وتشيد بها أكثر فأكثر، لأنه إذ أفاض عليها نعمة القداسة، جذبها إلى التمثّل بآلامه وقيامته من بين الأموات.
إن الكنيسة، وقد علّمتها أحداث تاريخها العديدة، وجب عليها أن تتحرّر من كل عون بشريّ بحت، لتحيا في العمق شريعة التطويبات الإنجيلية. وهي، إذ تعلم أن “الحقيقة لا تفرض ذاتها إلاّ بقوة الحقيقة نفسها التي تخترق حُجُب النفوس بعذوبةٍ وشدّةٍ معاً” (2)، لا تطلب شيئاً لنفسها إلاّ حريّة التبشير بالإنجيل. وتستعمل سلطتها لخدمة الحقيقة والمحبّة.
وإني، أنا نفسي، أرغب في تشجيع كل مبادرة نافعة حتى تُفهم شهادة الجماعة الكاثوليكية بأسرها في نقاوتها وتناسقها الكاملين، بالأخصّ بالنظر إلى الموعد الذي ينتظر الكنيسة عند عتبة الألف الجديد، تلك الساعة الفريدة التي من أجلها تضرع إليه تعالى بأن تتقدّم وحدة المسيحيّين حتى تبلغ ملء الشركة (3). إن هذا الهدف النبيل للغاية تسعى إليه أيضاً الرسالة البابويّة الحاضرة: فهي تبغي، بطابعها الراعويّ المحض، أن تُسهم في مساندة جهود جميع الذين يعملون لقضيّة الوحدة.
4- إن في ذلك لمهمّةً واضحة لأسقف روما، بصفته خليفةً للرسول بطرس. وإني أقوم بها، يقيناً ثابتاً مني أني أطيع أمر الربّ، وعالماً كلَّ العلم بضعفي البشريّ. في الواقع، إذا كان السيّد المسيح نفسه قد أوكل إلى بطرس هذه الرسالة الخاصّة في الكنيسة وأوصاه بأن يثبّت إخوته، جعله يشعر في الوقت عينه بضعفه البشريّ وحاجته الماسّة إلى التوبة: “وأنتَ متى تُبتَ فثّبت إخوتك” (لوقا 22 / 32). وفي ضعف بطرس البشريّ يتجلّى كلياً أن البابا، إذا أراد أن يتممّ خدمته الخاصّة في الكنيسة، عليه أن يتكل كلًَّ الاتكال على النعمة وعلى صلاة الربّ: “وأنا صلَّيت لأجلك لكي لا يزول إيمانك” (لوقا 22 / 32). إن توبة بطرس وخلفائه تجد لها عوناً في صلاة الفادي نفسه، والكنيسة تشارك على الدوام في هذا التضرّع في عصرنا المسكونيّ الحاضر الذي وسَمه المجمع الفاتيكاني الثاني بطابعه، يتعهّد أسقف روما، بالأخص، الرسالة التي تقضي بأن يذكّر بواجب ملء الشركة ما بين تلاميذ السيّد المسيح.
إن أسقف روما نفسه عليه أن يتبنّى بكل ورع صلاة المسيح للتوبة، توبة “بطرس” التي لا يمكن الاستغناء عنها، كي يستطيع أن يخدم إخوته. إني أسأل من كل قلبي أن ينضمّ إلى هذه الصلاة مؤمنو الكنيسة الكاثوليكية وجميع المسيحيّين. فليصلّوا معي جميعهم من أجل تلك التوبة!
إنّا نعلم أن الكنيسة، في مسيرتها الأرضية قد واجهت ولسوف تواجه معارضاتٍ واضطهادات. لكن الرجاء الذي يساندها لا يتزعزع، كما أن الفرح الناجم عن هذا الرجاء لا يزول. في الواقع، إن الصخرة الثابتة والأزليّة التي بُنيت عليها هي يسوع المسيح ربُّها.
الفصل الأول
التزام الكنيسة الكاثوليكية
العمل المسكوني
التدبير الإلهيّ والشركة
5- بالاشتراك مع جميع تلاميذ المسيح، تثبّت الكنيسة الكاثوليكية، على التدبير الإلهيّ، الالتزام المسكونيّ بأن يجمعهم كلَّهم في الوحدة. في الواقع، “إن الكنيسة واقعٌ لا ينطوي على ذاته، لكن بالأحرى منفتح على الدوام على الحركة الرسولية والمسكونيّة، إذ إنها أرسلت إلى العالم لتعلن سرَّ الشركة الذي منه تتألّف، وتبشّر به وتؤوّنه وتنشره: والسرُّ هو أن تضمَّ كلّ شيء والجميع في المسيح: وأن تكون للجميع سرّاً للوحدة لا تنفصم عراه” (4).
في العهد القديم، سبق النبيُّ حزقيال وأشار إلى ما كان عليه حال شعب الله فاستخدم رمزاً بسيطاً، كنايةً عن قطعتي خشب، كانتا قبلاً منفصلتين متميّزتين، ثم تقاربتا، للتعبير عن إرادة الله في ” أن يجمع من كلّ الأطراف” أعضاء شعبه الممزّق: “فيكونوا لي شعباً وأكون لهم إلهاً… فتعلم الأمم أني أنا الربّ المقدّس إسرائيل” (انظر 37 / 16 – 28). ومن جهته يرى إنجيل يوحنا، لما كان عليه حال شعب الله في عهده، يرى في موت يسوع حافزاً لوحدة أبناء الله: [كان] يسوع سيموت عن الأمّة؛ وليس عن الأمّة فقط، بل ليجمع أيضاً في الوحدة أبناء الله المتفرّقين” (11 / 51 – 52). في الواقع، كما ستشرح ذلك الرسالة إلى الأفسسيّين، “إذ نقض الحائط الحاجز بينهما، … بالصليب الذي به قتل العداوة”، جعل ممّا كان منقسماً جسداً واحداً (انظر 2 / 14 – 16).
6- إن الله يريد وحدة كلِّ البشريّة الممزقة. لذلك أرسل ابنه لكي يمنحنا، بموته وقيامته من أجلنا، روح محبتّه. وعشيّة ذبيحة الصليب، صلّى يسوع نفسه إلى الآب من أجل تلاميذه، ومن أجل جميع الذين سيؤمنون باسمه، كي يكونوا واحداً، شركةً حيّةً. فينجم عن ذلك ليس فقط الواجب بل أيضاً المسؤوليّة؛ واجبٌ ومسؤولية منوطان كلاهما، أمام الله ووفقاً للتدبير الإلهيّ، بجميع الذين واللواتي أصبحوا بالمعمودية جسد المسيح، الجسد الذي ستتحقّق فيه كاملةً المصالحة والشركة. فكيف يمكن من بعد أن نبقى منقسمين، إذا كنّا، بالمعمودية، قد “دُفنّا” في موت المسيح (انظر روم 6 / 4)، أي في العمل نفسه الذي به الله، في ابنه، نقض حواجز القسمة؟ “إن مثل هذا التفتّت يتعارض صراحةً مع إرادة المسيح؛ وهو للعالم حجر عثار، وعقبة في طريق أقدس الغايات، أي الدعوة بالإنجيل في الخليقة كلّها” (5).
الطريق المسكونيّة: طريق الكنيسة
7- “إن سيّد العصور الذي لا يني، بحكمةٍ وطول أناة، يواصل مقاصد نعمته تجاهنا نحن الخطأة، قد بدأ، في هذه الأزمنة الأخيرة، يفيض بغزارة، في المسيحيّين المتشاقّين، روح التوبة ورغبة الاتحاد. وإنهم لكثيرون جدّاً أولئك الذين، في كل مكان، قد أدركتهم هذه النعمة، فانبثقت، بفعل الروح القدس، حركة يتّسع نطاقها، يوماً بعد يوم،… بغية استعادة وحدة جميع المسيحيّين.
وهذه الحركة نحو الوحدة، التي تسمّى بالحركة المسكونيّة، يشترك فيها جميع الذين يدعون اسم الله الثالوث، ويشهدون ليسوع ربّاً ومخلّصاً. وليس ذلك من شأن المسيحييّن أفراداً فقط، بل من شأنهم مجتمعين طوائف أيضاً قد سمعوا فيها الإنجيل، ويسمّونها كنيستهم وكنيسة الله. ومع ذلك فإنهم يصبون جميعاً، وإن على أنماطٍ مختلفة، إلى كنيسةٍ لله واحدة ومنظورة، جامعة حقّاً، قد أُرسلت إلى العالم كلّه ليهتدي إلى الإنجيل فيجد خلاصه لمجد الله” (6).
8- إن هذا الإعلان للقرار المجمعيّ “الحركة المسكونيّة” يجب أن يُقرأ في إطار التعليم المجمعيّ بأكمله. فالمجمع الفاتيكاني الثاني أعرب عن قرار الكنيسة التزام العمل المسكونيّ لوحدة المسيحيّين وعرضه باقتناع وحزم: “إن هذا المجمع المقدّس يحرّض جميع المؤمنين الكاثوليك على أن يميّزوا علامات الأزمنة ويُسهموا إسهاماً إيجابياً في الجهد المسكونيّ” (7).
بإعلانه المبادئ الكاثوليكيّة للعمل المسكونيّ، يعود القرار المجمعيّ “الحركة المسكونيّة” قبل كل شيء إلى تعليم الدستور العقائديّ “نور الأمم” عن الكنيسة، في الفصل الذي يتحدّث عن شعب الله (8). فهو يأخذ بعين الاعتبار في الوقت نفسه ما أكّده المجمع في البيان عن “الحرية الدينيّة” (9).
تعتبر الكنيسة الكاثوليكية في الرجاء الالتزام المسكونيّ كمبدأ حتميّ يُلزم الضمير المسيحيّ وقد أناره الإيمان وقادته المحبّة. هنا أيضاً يمكن أن نطبّق كلام القديس بولس إلى المسيحيّين الأولين في روما: “إن محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس”؛ وهكذا “فالرجاء لا يخزي” (5 / 5). إنه الرجاء في وحدة المسيحيّين يجد منبعه الإلهيّ في وحدة الآب والابن والروح القدس الثالوثيّة.
9- في ساعة آلامه، صلّى يسوع نفسه “كي يكونوا واحداً” (يوحنا 17 / 21). إن الوحدة التي منحها الرب لكنيسته والتي يريد أن تشمل الجميع، ليست أمراً ثانويّاً، إنها في صُلب عمله بالذات. وهي لا تمثّل مُسنداً إضافيّاً لجماعة تلاميذه، بل على العكس من ذلك إنها تخصّ كيان هذه الجماعة ذاته. إن الله تعالى يريد الكنيسة لأنه يريد الوحدة، وفي الوحدة يتجلّى كلّ عمق محبته.
في الواقع، إن هذه الوحدة التي يمنحها الروح القدس لا تقوم فقط على تجميع أشخاص يضاف بعضهم إلى بعض. إنها وحدة تؤلّفها ربُط الاعتراف بالإيمان والأسرار والشركة في السلطة الكنسيّة (10).
والمؤمنون هم واحد لأنهم، في الروح، هم في شركة الابن، وبه في شركته مع الآب: “وشركتنا نحن، إنما هي شركة مع الآب ومع يسوع المسيح ابنه” (1 يوحنا 1 / 3). وفي نظر الكنيسة الكاثوليكية، إن شركة المسيحيّين ليست سوى اعتلان النعمة فيهم، النعمة التي بها يجعلهم الله أعضاءً في شركته الخاصّة التي هي حياته الأبديّة. إن كلمات يسوع “أن يكونوا واحداً” هي إذن الصلاة التي وجّهها إلى الآب كي ينفّذ قصده كاملاً، و”يوضح [للجميع] ما تدبير هذا السرّ، المكتوم منذ الدهور في الله الخالق كلَّ شيء (أفسس 3 / 9). الإيمان بالمسيح يعني أن نريد الكنيسة؛ وأن نريد الكنيسة يعني أن نريد شركة النعمة التي تلبّي قصد الله منذ الأزل. ذلك هو معنى صلاة المسيح: “ليكونوا واحداً”.
10- في واقع القسمة الحاليّة القائمة بين المسيحيّين والسعي الواثق إلى الشركة التامة، يشعر المؤمنون الكاثوليك أن سيد الكنيسة يناديهم بإلحاح. فالمجمع الفاتيكاني الثاني قد أكّد التزامهم بفضل تعليم كنسيّ واضح ومنفتح على كلّ القيم الكنسيّة الموجودة عند المسيحيّين الآخرين. والمؤمنون الكاثوليك يتعاطون الشأن المسكونيّ بروح إيمان.
يعلّم المجمع “أن كنيسة المسيح تستمرّ في الكنيسة الكاثوليكية التي يسوسُها خليفة بطرس والأساقفة الذين هم على الشركة معه”، ويقرّ المجمع في الوقت عينه أنه “خارج هيكل الكنيسة العضويّ المنظور، نجد عناصر عديدةً للتقديس والحقيقة تقود، من حيث هي مواهب خاصّةٌ بكنيسة المسيح، إلى الوحدة الكاثوليكية” (11). “ومن ثم فإن هذه الكنائس والطوائف المنفصلة نفسها لا تخلو البتّة – على كوننا نعتقد أنها مشوبةٌ بالنقص -، من المعنى والقيمة في سرّ الخلاص. ذلك بأن روح المسيح لا يستنكف من استخدامها وسائل خلاصٍ، تنبع قوّتها من ملء النعمة والحقيقة الذي اؤتُمنت عليه الكنيسة الكاثوليكية” (12).
11- تؤكّد الكنيسة من خلال ذلك أنها، على مدى الألفي سنة من تاريخها، حُفظت في الوحدة مصحوبةً بكلّ المواهب التي أراد الله أن يخصَّ بها كنيسته، وذلك بالرغم من الأزمات – الخطيرة أحياناً – التي خضّتها، وعدم أمانة البعض من خدّامها والأخطاء التي يتعرّض لها يوميّاً أعضاؤها. إن الكنيسة الكاثوليكية تعرف أنه، بفضل الدعم الذي يأتيها من الروح، لا تستطيع الأوهان والصَّغارات والأخطاء وأحياناً الخيانات الصادرة عن بعضٍ من أبنائها أن تحطّم ما وضعه الله فيها وفقاً لتدبير نعمته. حتى “أبواب الجحيم لن تقوى عليها” (متى 16 / 18).
ومع ذلك، فالكنيسة الكاثوليكية لا تغفل أنّ في حضنها من يُغَشّون تدبير الله. وعندما يأتي على ذكر انقسام المسيحيّين، لا يتجاهل القرار المجمعيّ عن الحركة المسكونيّة “ذنب أفرادٍ من هذا الفريق أو ذاك” (13)، ويعترف أن المسؤولية لا يمكن أن تُلقى على عاتق “الآخرين” وحدَهم. وبنعمته تعالى لم يقوَّض مع ذلك ما يعود إلى بُنية كنيسة المسيح، ولا الشركة التي تبقى راسخة مع الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى.
في الواقع إن عناصر التقديس والحقيقة المتوفّرة في الجماعات المسيحيّة الأخرى وعلى مستوياتٍ مختلفة في كلٍّ منها – تشكل أساساً موضوعيّاً للشركة القائمة، وإن ناقصة، بينها وبين الكنيسة الكاثوليكية.
وبقدر ما تتوفّر هذه العناصر في الجماعات المسيحيّة الأخرى يتأمّن فيها الحضور الفاعل لكنيسة المسيح الواحدة. لذلك يتحدّث المجمع الفاتيكاني الثاني عن شركة حقيقيّة، وإن كانت غير تامة. والدستور العقائدي “الكنيسة” (نور الأمم) يُلمح إلى أن الكنيسة الكاثوليكية “تعلم أنها متحدّة لأسبابٍ عديدة” (14) بتلك الجماعات، بشركة أكيدة وحقّة، في الروح القدس.
12- إن الدستور العقائدي نفسه يشرح مطوّلاً “عناصر التقديس و الحقيقة” التي تتوفّر وتعمل، بطرقٍ مختلفة، ما وراء الحدود الظاهرة للكنيسة الكاثوليكية: “فمنهم كثيرون يتّخذون الكتاب المقدّس قاعدةً لإيمانهم وسيرتهم، ويُظهرون غيرةً دينيّة صادقة، ويؤمنون بحبٍّ بالله الآب القدير، وبالمسيح ابن الله المخلّص، ويتّسمون بسمة المعموديّة التي بها يتّحدون بالمسيح؛ ويعترفون أيضاً بأسرار أخرى ويقبلونها في كنائسهم أو جماعاتهم الكنسيّة الخاصة. وبعضهم ينعمون بالأسقفية، ويقيمون الإفخارستيا المقدّسة، ويضطرمون بالتقوى تجاه العذراء أم الله. زد على ذلك الشركة في الصلاة والخيرات الروحيّة الأخرى، علاوةً على نوع من الاتحاد الحقيقيّ في الروح القدس الذي يفعل فيهم، بمواهبه ونعمه، فعله المقدّس، وقد شدّد بعضهم حتى بذل الدم. وهكذا، فإن الروح القدس يحرّك، في جميع تلاميذ المسيح، الرغبة والعمل في سبيل اتحاد الجميع، اتحاداً سلاميّاً، على الوجه الذي أراده المسيح: أي أن يكونوا رعيّةً واحدة لراع واحد” (15).
بالنسبة إلى الكنائس الأرثوذكسيّة، استطاع القرار المجمعيّ عن الحركة المسكونيّة أن يعلن على الأخصّ أنه “بإقامة إفخارستيا الربّ في كلّ من هذه الكنائس، تُبنى كنيسة الربّ وتكبر” (16). إن الاعتراف بهذا كلّه يتجاوب ومقتضى الحقيقة.
13- إن القرار المجمعيّ نفسه يُبرز ببساطة النتائج العقائدية الناجمة عن هذه الحال. فيُعلن، بالنسبة إلى أعضاء تلك الجماعات: “لمّا كانوا قد بُرّروا بالإيمان الذي نالوه في المعموديّة، وصاروا به أعضاءً لجسد المسيح، فإنهم بحقٍّ يحملون الاسم المسيحيّ، وبحقٍّ يرى فيهم أبناء الكنيسة الكاثوليكية إخوةً في الربّ” (17).
وفيما يذكّر البيان المجمعي بالخيور العديدة المتوفّرة في الكنائس والجماعة الكنسيّة الأخرى، يضيف قائلاً: “وهذا كلّه الذي ينبع من المسيح ويقود إليه هو، بقوّة الحقّ، مِلكُ كنيسة المسيح الواحدة. وكذلك أيضاً، فإن كثيراً من شعائر الدين المسيحيّ المقدّسة يُمارس عند إخوتنا [في الكنائس الأخرى]، ومن شأنه يقيناً أن يؤتي، بوجوهٍ تختلف باختلاف وضع كل كنيسة أو جماعة، وبصورة فعّالة، حياة النعمة؛ ولا بدَّ من الإقرار بأنه يولج في شركة الخلاص” (18).
إن تلك نصوصٌ مسكونية فائقة الأهمية. إنّا لا نجد فراغاً كنسيّاً، خارجاً عن حدود الجماعة الكاثوليكية. فهناك عناصر عديدة عظيمة الأهميّة اندمجت، في الكنيسة الكاثوليكية، في ملء وسائل الخلاص ومواهب النعمة التي تؤلّف الكنيسة، وهي متوفّرة أيضاً في الجماعات المسيحيّة الأخرى.
14- هذه العناصر كلُّها تؤلّف بحدّ ذاتها نداءً إلى الوحدة لكي تجد فيها ملئَها. وهذا لا يعني أنّا نعمل على جمع كلّ الثروات المبعثرة في الجماعات المسيحيّة، كي نبلغ إلى كنيسة يريدها الله في المستقبل. فوفقاً للتقليد العظيم الذي يثبّته آباء الكنيسة في الشرق والغرب، تؤمن الكنيسة الكاثوليكية أنه، في حدث العنصرة، أعلن الله، منذ ذلك الحين، الكنيسة في واقعها الأخيريّ، الذي كان يهيّئه “منذ عهد هابيل البارّ” (19).
لقد أُعلنت الكنيسة. لذلك أصبحنا نحن في الأزمنة الأخيرة. وعناصر تلك الكنيسة المعلنة، تتوفّر موحَّدةً في كمالها، في الكنيسة الكاثوليكية، وبدون هذا الكمال، في الجماعات الأخرى (20)، حيث بعض وجوه السرّ المسيحيّ برزت أحياناً أكثر إلى النور. وفي الواقع تهدف الحركة المسكونيّة إلى تقدّم الشركة الجزئية الموجودة بين المسيحييّن فتبلغ ملء الشركة في الحقّ والمحبّة.
تجدّد وتوبة
15- وفي انتقاله من المبادئ والواجب الملح على الضمير المسيحيّ بأن يحرّك المسيرة المسكونية نحو الوحدة، يشدّد المجمع الفاتيكاني الثاني بالأخصّ على ضرورة توبة القلب. إن الإعلان المسيحانيّ بأن “الزمان قد تمّ واقترب ملكوت الله”، والنداء اللاحق “فتوبوا وآمنوا بالإنجيل” (مرقس 1 / 15) اللذين استهلّ بهما يسوع رسالته يحدّدان العنصر الأهمّ الذي يجب أن يميّز كلَّ ابتداءٍ جديد: ألا وهو واجب التبشير الأساسيّ، على مدى مراحل سبيل الكنيسة الخلاصيّ. وهذا يعني خاصّة التطوّر الذي اعتمده المجمع الفاتيكاني الثاني، إذ سجّل في إطار التجديد واجب العمل المسكونيّ كي يتّحد المسيحيّون المنقسمون. “وإنه ما من سبيلٍ إلى قيام حركة مسكونيّة حقيقية بدون ما تجدّدٍ في الباطن” (21).
إن المجمع يدعو إلى التوبة الفرديّة بقدر ما يدعو إلى التوبة الجماعية. إن توق كلّ جماعة مسيحيّة إلى الوحدة يترافق وأمانتها للإنجيل. و عندما نجد أناساً يحيون دعوتهم المسيحيّة، يتحدّث المجمع عن توبةٍ داخليّة وعن تجدّد الروح (22).
على كل إنسان أن يتوب بجذريةٍ تامّة إلى الإنجيل، وعليه أن يبدّل في نظرته إلى الأمور دون أن يغيب عن بصره تدبير الله. وبالحركة المسكونيّة ينتقل التأمل في “عجائب الله” إلى آفاق جديدة حيث الله الثالوث يثير فعل الشكران، بسبب الإحساس أن الروح يعمل أيضاً في الجماعات المسيحيّة الأخرى، واكتشاف مُثُل للقداسة، واختبار غنى شركة القدّيسين التي لا حدّ لها، والعمل على تواصل مظاهر الالتزام المسيحيّ غير المتوقّعة. وبالارتباط مع ذلك، بدت ضرورة التوبة أشدَّ تأثيراً: فلقد تنبّهنا لبعض الإقصاءات التي تسيء إلى المحبّة الأخويّة، ولبعض رفض الغفران، ولبعض الكبرياء، وللانغلاق على الذات بالقضاء على “الآخرين” بطريقة تناقض الإنجيل، وللاحتقار الناجم عن عُجبٍ مفسد. وبهذا تتّسم كلُّ حياة المسيحيّين بالاهتمام المسكونيّ، فيما هم مدعوّون إلى أن ينقادوا لها فتعمل على تكوينهم.
16- في تعليم المجمع، يظهر ارتباطاً واضحٌ بين التجدّد والتوبة والإصلاح. فهو يؤكد “أن الكنيسة، ما استمرّت في مسيرتها، يدعوها المسيح الإله إلى هذا الإصلاح المستمر لأنها على الدوام بحاجةٍ إليه من حيث هي مؤسَّسة بشريّة وأرضيّة. فلئن حدث إذن أن الأحوال قد حالت أحياناً دون القيام بمثل هذه الإصلاحات […]، فتجب العودة إليها في الوقت المناسب بما يلزم من الجدّ والاستقامة” (23). فلا يمكن أية جماعة مسيحيّة أن تتهرّب من هذا النداء.
وفي حوارٍ صريح، تتعاون الجماعات على احترام بعضها بعضاً، على ضوء التقليد الرسوليّ. وهذا يقودها إلى التساؤل هل تعبّر حقاً وبأمانة عن كلّ ما أبلغنا إيّاه الروح بواسطة الرسل (24). في ما يخصّ الكنيسة الكاثوليكية، فلقد ذكّرت مراراً بتلك المتطلّبات والتطلّعات، بمناسبة ذكرى معموديّة الروس (25)، مثلاً، أو في الذكرى المئويّة الحادية عشرة لتبشير القديسين كيرلس وميتوديوس (26). ومنذ عهد قريب، طبّقها على الصعيد الراعويّ (27) الدليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونية وقواعدها الذي نشره بعد موافقتي “المجلس الحبريّ لتعزيز الوحدة بين المسيحيّين”.
17- وفي ما يخصّ المسيحيّين الآخرين، لقد وضعت الوثائق الأساسيّة الصادرة عن لجنة “إيمان ونظام” (28)، والتصريحات التي عقبت العديد من الحوارات الثنائية الأطراف، هذه كلّها وضعت بين أيدي الجماعات المسيحيّة وسائل عملٍ تساعد على تمييز ما هو ضروريّ للعمل المسكونيّ وللتوبة التي يجب أن يثيرها. تلك الدراسات مهمّة على صعيدين: إنها تظهر من جهة التقدّم المرموق الذي تحقّق حتى الآن، ومن جهة أخرى تبعث على الرجاء لأنها تشكل أساساًَ ثابتاً للبحث الواجب متابعتُه وتعميقه.
في حال الشعب المسيحيّ الحاضرة، يتبيّن أن تعميق الشركة في إصلاح دائمٍ يتحقّق على ضوء التقليد الرسوليّ هو، بدون شك، أحد أهمّ العلامات المميَّزة للعمل المسكونيّ. وهو، من ثمّ، ضمانة أكيدة لمستقبله. لا يمكن أن يخفى على مؤمني الكنيسة الكاثوليكية أن الاندفاع المسكونيّ الذي أطلقه المجمع الفاتيكانيّ الثاني كان نتيجة ما قامت به الكنيسة من فحص ضميرٍ على ضوء الإنجيل والتقليد العظيم. ولقد فقِهَ ذلك سَلفي البابا يوحنا الثالث والعشرون الذي رفض، عندما دعا إلى عقد المجمع، أن يفصل بين التجديد (aggiornamento) والانفتاح المسكوني (29). وفي ختام الدورات المجمعيّة كرّس البابا بولس السادس دعوة المجمع المسكونيّ، مجدّداً حوار المحبّة مع الكنائس التي لها شركة مع بطريرك القسطنطينية، وأتمّ معه الفعل الحسّي والبالغ المعنى الذي “قذف في النسيان” – وأزال من ذاكرة الكنيسة وحضنها – حُرمات الماضي. ويجدر بنا أن نذكر أن إنشاء جهاز خاصّ بالحركة المسكونيّة ترافق والتحضير لملجمع الفاتيكاني الثاني (30). وبواسطة هذه الجهاز وجدت آراء الجماعات المسيحيّة الأخرى وملاحظاتها مكانها في المناقشات الكبرى عن الوحي والكنيسة وطبيعة الحركة المسكونيّة والحريّة الدينية.
أهمية العقيدة الأساسيّة
18- بالعودة إلى فكرةٍ عبّر عنها البابا يوحنا الثالث والعشرون لدى افتتاح المجمع (31) وضع القرار المجمعيّ عن الحركة المسكونيّة طريقة صياغة العقيدة في ما بين عناصر الإصلاح الدائم (32). في هذا الإطار إذن، ليس المقصود أن نبدّل وديعة الإيمان، ونغيّر معنى العقائد، ونحذف منها كلماتٍ جوهرية، ونوافق الحقيقة وأذواق عصرٍ ما أو نمحو بعض فقرات من “قانون الإيمان” لحجّةٍ واهيةٍ أنها لم تعد تُفهم اليوم. إن الوحدة التي يريدها الله لا يمكن أن تتحقّق إلاّ بالانضمام الشامل إلى كامل محتوى الإيمان الملهم. وعلى صعيد الإيمان، تتناقض التسوية والله الذي هو الحقيقة. في جسد المسيح الذي هو “الطريق والحق والحياة” (يوحنا 14 / 6) من يمكن أن يعتبرها شرعيّة مصالحة تمّت على حساب الحقيقة؟ إن البيان المجمعيّ عن الحريّة الدينية يعترف أن البحث عن الحقيقة هو من خصائص الكرامة الإنسانيّة، “ولاسيّما في ما يتعلّق بالله وكنيسته” (33) والانضمام إلى متطلّباتها. إن مبدأ “نكون معاً” مشوّهاً الحقيقة ليناقض إذن طبيعة الله الذي يمنح الشركة معه، ويناقض أيضاً مقتضى الحقيقة الساكنة في عمق كل قلبٍ بشريّ.
19- ومع ذلك، يجب أن تُعرض العقيدة بطريقةٍ يسهل فهمها من قبل الذين تُوجَّه إليهم في الرسالة “رسولا الصقالبة” ذكّرت أن كيرلّس وميتوديوس، لهذا السبب بالذات، جهدا في ترجمة مبادئ الكتاب المقدّس ومفاهيم اللاهوت اليونانيّ في إطار فكرٍ واختبارات تاريخيّة مختلفةٍ تمام الاختلاف. فلقد أراد أن يُصبح كلام الله الواحد سهل المنال، طبقاً لأساليب التعبير الخاصّة بكل حضارة” (34). لقد أدركا إذن أنهما لا يستطيعان “أن يفرضا على الشعوب التي يبشّرانها لا تفوّق اللغة اليونانيّة والثقافة البزنطيّة الذي لا جدال فيه، ولا عوائد وتصرفّات مجتمع أكثر تقدّماً تثقفا فيه” (35). فإنهما كان يضعان موضع التنفيذ “الشركة التامة في المحبّة [التي] تقي الكنيسة من أي نوع من التفرّد أو الإقصاء العرقيّ أو التحيّز العنصريّ، وكذلك من كل غطرسة قوميّة” (36). ومن منطلق هذا الروح نفسه، لم أتردّد في القول لسكان أوستراليا الأصيلين: “يجب ألاّ تكونوا شعباً منقسماً إلى فئتين […] إن يسوع يدعوكم إلى تقبّل أقواله وقيمه داخل ثقافتكم الخاصة” (37). ذلك لأن مبادئ الإيمان، من طبيعتها، تتوجّه إلى البشرية جمعاء، ويجب أن يعبّر عنها في جميع الثقافات. وفي الواقع، إن العنصر الذي يحدّد الشركة في الحقيقة، هو معنى الحقيقة. أما التعبير عنها فيمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة. والتجدّد في أشكال التعبير يصبح ضرورياً لكي تُنقل إلى إنسان اليوم بُشرى الإنجيل في معناه الذي لا يتبدّل (38).
“لهذا التجدّد إذن قيمة مسكونيّة بالغة الشأن” (39). فالمقصود ليس فقط أن نجدّد أسلوب التعبير عن الإيمان، بل أيضاً أسلوب عيش هذا الإيمان. وهنا يمكن أن نتساءل عمّن يجب أن يقوم بذلك. بجيب المجمع بوضوح عن هذا السؤال: إنه “فرضٌ على الكنيسة كلها جمعاء، سواءٌ في ذلك المؤمنون والرعاة، […] كلُّ واحد بحسب طاقاته الخاصة، سواءٌ في الحياة اليوميّة وفي البحوث اللاهوتيّة والتاريخية” (40).
20- إن هذا كلَّه فائق الأهميّة وله بعدٌ أساسيّ في العمل المسكوني. فينجم عن ذلك بلا ريب أن المسكونية، تلك الحركة لاتحاد المسيحيّين، ليست “ملحقاً” نكرة تضاف إلى نشاط الكنيسة التقليدي. بل على العكس من ذلك، إنها جزءٌ لا يتجزأ من حياتها وعملها، فيجب من ثمّ أن تتغلغل في كامل المجموعة وتكون مثل ثمرةٍ لشجرةٍ سليمةٍ وخصيبة، تنمو حتى تبلغ كامل تطوّرها.
هكذا كان البابا يوحنا الثالث والعشرون يؤمن بوحدة الكنيسة وهكذا كان يسعى إلى اتحاد جميع المسيحيّين. وفي حديثه عن المسيحيّين الآخرين، الأسرة المسيحية الكبرى، كان يعاين أن “ما يجمعنا هو أعظم بكثير ممّا يفرّقنا”.
ومن جهته حرّض المجمع الفاتيكاني الثاني قائلاً: “وليذكر المؤمنون جميعاً أنهم يعزّزون اتحاد المسيحيّين بل يحقّقونه بمقدار ما يجتهدون في أن يحيّوا بإخلاصٍ أوفر بحسب الإنجيل. ذلك أنهم بمقدار ما تكون شركتهم مع الآب والكلمة والروح القدس أوثق، يستطيعون أن يجعلوا الأخوّة المتبادلة أخلص وأسهل” (41).
أولويّة الصلاة
21- “إن هذين التجدد في الباطن والقداسة في السيرة، متّحدين بالصلوات الجمهورية والفردية لأجل الوحدة بين المسيحيّين، يجب أن يُعدَّا بمثابة الروح للحركة المسكونيّة برمّتها، وأن يسمَّيا بحقٍّ المسكونية الروحية” (42).
يتمّ التقدم في السبيل الذي يقود إلى توبة القلوب على قدر إيقاع المحبّة التي تتوجّه إلى الله، وفي الوقت نفسه، إلى الإخوة: إلى الإخوة أجمعين، وإلى حدٍّ سواءٍ إلى أولئك الذين ليسوا على ملء الشركة معنا. من المحبّة تتولّد الرغبة في الوحدة، حتى عند أولئك الذين تجاهلوا على الدوام ضرورتها. إذا أحببنا بعضنا بعضاً سَعينا إلى تعميق شركتنا، إلى إبلاغها نحو كمالها. يتوجّه الحبُّ إلى الله، ينبوع الشركة الكاملة – وحدة الآب والابن والروح القدس – حتى نغرف من معينه القدرة على إحلال الشركة بين الأشخاص والجماعات، أو إلى إعادة لُحمتها بين المسيحيّين الذين ما زالوا منقسمين. الحبُّ هو التيّار العميق جدّاً الذي يحيي وينشط المسيرة نحو الوحدة.
وهذا الحبُّ يجد كمال تعبيره في الصلاة المشتركة. عندما يجتمع للصلاة الإخوة الذين ليسوا بعد في ملء الشركة، يحدّد المجمع الفاتيكانيُّ الثاني صلاتهم وكأنها روح كلّ تحرّك مسكونيّ. إنها “لأداة فعّالة لاستجداء نعمة الوحدة”، و”تعبيرٌ صحيحٌ عن الأواصر التي لا تزال تربط الكاثوليك بإخوتهم المنفصلين” (43). وحتى عندما لا نصلّي تحديداً من أجل وحدة المسيحيّين، ولكن من أجل نيّات أخرى، كالسّلام مثلاً، تصبح الصلاة بحدّ ذاتها تعبيراً عن الوحدة وتأكيداً لها. إن صلاة المسيحيّين المشتركة تدعو المسيح نفسه إلى الحضور مع جماعة الذين يضرعون إليه: “حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فأنا أكون هناك في وسطهم” (متى 18 / 20).
22- عندما نصلي معاً، بين مسيحيّين، يبدو هدف الوحدة أقرب منالاً. إن تاريخ المسيحيّين الطويل الذي اتّسم بتفتيتات عديدة يبدو وكأنه يُعاد إعماره، ناشداً ينبوع الوحدة الذي هو يسوع المسيح. إنه “هو هو أمس واليوم وإلى الدهور” (عبر 13 / 8)! إن المسيح حاضرٌ حقيقةً في شركة الصلاة، إنه يصلّي “فينا” و”معنا” و”من أجلنا”. إنه هو الذي يقود صلاتنا في الروح المعزّي الذي وعد به وأرسله، منذ عليّة أورشليم، إلى كنيسته عندما أسَّسها في وحدتها الأصيلة.
وعلى طريق الوحدة المسكونيّة تعود الأولويّة بلا ريب إلى الصلاة المشتركة، إلى الوحدة المصلّية المتمثلّة في أولئك الملتئمين حول يسوع نفسه. وإذا عرف المسيحيّون على الدوام، بالرغم من انقساماتهم، أن يتّحدوا أكثر في صلاة مشتركة حول المسيح، لتطوَّر حينئذٍ وعيُهم لحدود ما يفرّقهم بالنسبة إلى ما يوحدّهم.
وإذا ما تلاقوا دوماً أكثر وبتواترٍ أكبر أمام المسيح في الصلاة، لأمكنهم أن يواجهوا بشجاعة كلَّ واقع انقساماتهم الأليم والبشريّ، ولتلاقوا معاً في جماعة الكنيسة التي يؤلّفها المسيح بدون انقطاع في الروح القدس، بالرغم من كلّ الأوهان والحدود البشرية.
23- أخيراً، إن شركة الصلاة تقود إلى إلقاء نظرة جديدة إلى الكنيسة وإلى المسيحيّة. في الواقع، يجب ألا يغرب عن بالنا أن الرب سأل الآب وحدةَ تلاميذه، حتى تؤدّي شهادةً لرسالته ويؤمن العالم أن الآب أرسله (أنظر يوحنا 17 / 21). ويمكن القول إن الحركة المسكونية انطلقت مسيرتُها، نوعاً ما، ابتداءً من الاختبار السلبيّ الذي عاشه أولئك المبشرون بالإنجيل الواحد والمنادون، في الوقت عينه، كلُّ بكنيسته الخاصّة أو بجماعته الكنسيّة؛ إن مثل هذا التناقض لم يكن ليخفى على السامعين رسالة الخلاص والذين كانوا يجدون في ذلك عائقاً لتقبّل بشرى الإنجيل. إن تلك الصعوبة الخطيرة لم تُقهر بعد، ويا للأسف! من المعلوم أنّا لم نبلغ ملء الشركة؛ ومع ذلك، فبالرغم من انقساماتنا، أخذنا في سلوك سبيل الوحدة التامة، الوحدة التي كانت تميّز كنيسة الرسل في أوائلها، والتي ننشُدها بصدق: والشاهد على ذلك صلاتُنا المشتركة يقودها الإيمان. في الصلاة نتّحد باسم المسيح الواحد. إنه وحدتنا.
إن الصلاة “المسكونيّة” هي في خدمة الرسالة المسيحيّة ومصداقيتها. لذلك من الواجب أن تكون بالأخصّ حاضرةً في حياة الكنيسة وفي كل النشاطات الهادفة إلى تشجيع اتحاد المسيحيين. وكأنه في ذلك علينا أن نعود على الدوام إلى عليّة الخميس العظيم كي نلتقي، مع أن حضورَنا المشترك في هذا المكان يجب أن ينتظر بعد كمال تحقيقه، إلى الوقت الذي فيه يلتئم جميع المسيحيّين في الاحتفال الواحد بالإفخارستيا، بعد تغلّبهم على الحواجز التي تعوق الشركة الكنسيّة التامة (44).
24- إنه لمن دواعي الفرح أن نلاحظ أن اللقاءات المسكونية العديدة تشمل على الدوام تقريباً الصلاة، بل إنها تتوّجها.
إن أسبوع الصلاة لأجل اتحاد المسيحيّين الذي يُحتفل به في كانون الثاني، أو حوالي العنصرة في بعض البلدان، أصبح تقليداً شاملاً وثابتاً. ولكن، خارجاً عن هذا الأسبوع أيضاًَ، إنها لكثيرةٌ المناسبات، في أثناء السنة، التي يؤتى فيها المسيحيّون أن يصلوا معاً. وبهذه المناسبة، أودّ أن أذكّر بالاختبار الخاص الذي توفّره زيارة البابا إلى الكنائس، في كافة القارات ومختلف بلدان العالم المعاصر. لا شك أن المجمع الفاتيكاني الثاني، حسب رأيي واعتقادي، هو الذي وجّه البابا نحو هذه الظاهرة الخاصّة في ممارسة خدمته الرسوليّة. وأبعد من ذلك. إن المجمع جعل من زيارة البابا هذه واجباً واضح المعالم ليقوم بدوره كأسقفٍ لرومة خادمٍ للشركة (45). وغالباً ما تضّمنت زياراتي لقاءً مسكونيّاً وصلاةً مشتركةً لإخوةٍ ينشدون الوحدة في المسيح وفي كنيسته. وإني لأذكر بمزيد من التأثر الصلاة المشتركة مع الرئيس الأعلى للشركة الأنغليكانيّة في كاتدرائية كانتُربيري، في 29 أيار 1982، عندما تحقّقت، في هذا الصرح المهيب، “من الشهادة البليغة في آن معاً لسنوات تراثنا المشترك المديدة والسنوات التاعسة لانقسامنا اللاحق” (46)، وإن أنسى لن أنسى أيضاً تلك الزيارات التي تمّت في البلدان السكندينافية والشماليّة (من الأول إلى العاشر من حزيران 1989)، وفي البلدان الأميركية وفي أفريقيا، أو الصلاة في مقرّ “مجلس الكنائس العالميّ” (12 حزيران 1984)، تلك المنظمة التي تهدف إلى دعوة الكنائس والجماعات الكنسيّة الأعضاء فيها، إلى السعي نحو “هدف الوحدة الظاهرة في إيمان واحدة وشركة إفخارسيتة واحدة يُعبَّر عنها في ممارسة الطقس والحياة المشتركة في المسيح” (47). وكيف يمكنني أبداً أن أنسى اشتراكي في الليترجيّا الإفخارستية في كنيسة القديس جاورجيوس في البطريركية المسكونيّة (30 / 11 / 1979)، والاحتفال في كاتدرائية القديس بطرس، في أثناء زيارة أخي الجليل البطريرك ديمتريوس الأول لرومة (6 / 12 / 1987(؟ بهذه المناسبة وعند مذبح الشهادة، تلَونا علناً معاً “قانون إيمان” نيقية – القسطنطينيّة، في نصّه اليونانيّ الأصيل. إن هذه العبارات القلائل لا يمكنها أن تفي بوصف الخطوط التي ميّزت كلاّ من لقاءات الصلاة هذه. وبسببٍ من ظروف ورثناها من الماضي وضغطت، بطرقٍ متنوّعة، بثقلها على كلّ صلاة منها، تفرّدت تلك الصلوات جميعها ببلاغة خاصّة وتعبير فريد؛ إنها كلُّها منقوشةٌ في ذاكرة الكنيسة التي يوجّهها المعزّي نحو نُشدان وحدة جميع المؤمنين بالمسيح.
25- لم يكتفِ البابا أن يكون زائراً فقط. على مدى السنوات تلك زارني برومة العديد من ممثّلي الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى الأجلاّء، واستطعت أن اصلّي معهم، علناً أو على انفراد. لقد سبق وتحدّثت عن حضور البطريرك المسكونيّ ديمتريوس الأول. أريد أن أذكّر أيضاً بلقاء الصلاة الذي جمعني، في كاتدرائية القديس بطرس نفسها، ورؤساء الأساقفة اللوثريّين، والرؤساء الأعلين في أسوج وفنلندا للاحتفال بصلاة الغروب، بمناسبة الذكرى المئويّة السادسة لإعلان قداسة القديسة بريجيتا (5 تشرين الأول 1991). وما هذا إلاّ مثالٌ، لأن وعي واجب الصلاة من أجل الوحدة قد أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة الكنيسة. وليس هناك من حدَث مهمّ ومعبّر إلاّ ويُثريه الحضور المشترك وصلاة المسيحيّين. ولا يسعنا تعداد كلّ اللقاءات مع أن كلاً منها يستحق الذكر. بالحقيقة لقد أمسك الربُّ بيدنا وقادنا. إن تلك اللقاءات والصلوات قد دَوّنت صفحةً في “كتابنا عن الوحدة”، “سفراً” علينا أن نتصفّحه على الدوام ونعيد قراءته كي نستخلص من طيّاته أسباباً للإيحاء والرجاء.
26- إن الصلاة، بل المشاركة في الصلاة تسمح لنا دائماً في اكتشاف الحقيقة الإنجيلية الكامنة في هذه العبارة: “إن أباكم واحدٌ” (متى 23 / 9)، ذاك الآب، أبَّا، الذي يضرع إليه المسيح نفسه، الابن الوحيد الواحد في الجوهر معه. وأيضاً: “إن معلّمكم واحداً وأنتم جميعكم إخوة” (متى 23 / 8). إن الصلاة “المسكونيّة” تكشف النقاب عن البعد الأساسيّ للأخوة في المسيح الذي مات ليجمع أبناء الله المتفرّقين، حتى إذا ما أصبحنا “أنباءً بالابن” (أنظر أفسس 1 / 5) نعكس بأجلى بيان حقيقة أبوّة الله التي لا يُسبر غورها، وفي الوقت عينه، حقيقة بشرية كلّ واحدٍ والجميع.
إن الصلاة “المسكونية”، صلاة الإخوة والأخوات، تعبّر عن هذا كلّه. ولأنهم منقسمون، يتحدون في المسيح، برجاءٍ أعظم، مؤتمنين إيّاه على مستقبل وحدتهم وشركتهم. وفي هذا الصَّدد، يمكننا أن نورد مرّةً أخرى، بطريقة مؤاتية، تعليم المجمع: “عندما طلب الربُّ يسوع في صلاته إلى الآب وقال: ليكونوا بأجمعهم واحداً… كما نحن واحد” (يوحنا 17 / 21 -22)، فتح آفاقاً تسمو على العقل البشريّ، وأشار إلى نوع من الشَّبه يقوم بين اتحاد الأقانيم الإلهيّة واتحاد أبناء الله في الحقّّ وفي المحبّة” (48).
إن توبة القلب، الشرط الأساسيّ لكل بحثٍ حقيقي عن الوحدة، تنبع من الصلاة التي ترشدها نحو كمالها: “إنه من تجدّد الروح، ونكران الذات، وفيضان المحبّة الحرّ، تنطلق الرغبة في الوحدة وتبلغ نُضجها. لذلك يجب أن نلتمس من الروح القدس نعمة التجرّد الصادق ونعمة التواضع والوداعة في الخدمة والسَّخاء الأخويّ تجاه الآخرين” (49).
27- إن الصلاة لأجل الوحدة ليست مقصورةً على من يعيشون في محيط حيث المسيحيّون منقسمون. ولا يُمكن أن نقصي، من الحوار الحميم والشخصيّ الذي يجريه كلُّ منا مع الرب في الصلاة، الاهتمام بالوحدة بهذه الطريقة فقط، تدخل الوحدة، في الواقع، كليّاً وحقيقةً، في صلب حياتنا والواجبات الموكولة إلينا في الكنيسة.
ولتأكيد هذه الضرورة، أردت أن أقدّم لمؤمني الكنيسة الكاثوليكية مثالاً يُحتذى به، في رأيي، هو الأخت الترابيستيّة ماري – غبريال الوحدة، التي أعلنتُها طوباويّةً في الخامس والعشرين من كانون الثاني 1983 (50).
لمّا دُعيت الأخت ماري – غبريال إلى أن تعيش خارج العالم، كرّست حياتها للتأمل والصلاة المركّزين على الفصل السابع عشر من الإنجيل بحسب يوحنا، وقدّمت حياتها ذبيحةً من أجل اتحاد المسيحيّين. هذا هو محور كل صلاة: أن نقدّم الحياة كاملةً وبلا تحفظ للآب، بالابن وفي الروح القدس. إن مثال الأخت ماري – غبريال يُرشدنا، إنه يعلّمنا أنه لا توجد أوقاتٌ ولا مناسباتٌ ولا أمكنةٌ خاصّة للصلاة من أجل الوحدة. إن صلاة المسيح إلى الآب هي مثالٌ لنا جميعاً، دائماً وفي كل مكان.
الحوار المسكونيّ
28- إذا كانت الصلاة “روح” التجدّد المسكونيّ والتَّوق إلى الوحدة، فكلُّ ما يحدّده المجمع “حواراً” يرتكز عليها ويأخذ منها سنداً. لا شك أن هذا التحديد يرتبط بالفكر الشخصاني المعاصر. إن الاستعداد “للحوار” يتماشى وطبيعة الإنسان وكرامته. فمن الوجهة الفلسفيّة، يرتبط مثل هذا الموقف بالحقيقة المسيحيّة التي عبّر عنها المجمع عن الإنسان: إنه، في الواقع، “الخليقة الوحيدة على الأرض التي أرادها الله لذاتها” ؛ والإنسان لا يستطيع إذن “أن يجد ذاته تماماً إلاّ بتقديم نفسه تقدمةً صادقةً خالصة” (51). إن الحوار سبيل لا مناص منه في المسيرة نحو كمال الإنسان بذاته، كمال الفرد وكل جماعة بشرية. ومع أن مفهوم “الحوار” يظهر وكأنه يُبرز في الطليعة برهة التعارف، فإن كل حوار يتضمّن في ذاته بعداً شاملاً ووجوديّاً؛ والكائن البشريّ بأكمله معنيٌّ به؛ والحوار بين الجماعات يُلزم بنوع خاصٍّ، في كل منها، صفتها الفرديّة.
إن هذه الحقيقة الحوارية التي عبّر عنها بجلاء البابا بولس السادس في رسالته البابويّة “كنيسته” (52) (Ecclesiam suam) أُدرجت أيضاً في تعليم المجمع وممارسته المسكونيّة. فلا يقتصر الحوار على تبادل الآراء، بل إنه نوعاً ما، على الدوام، “تبادل مواهب” (53).
29- ولهذا السبب يُبرز القرار المجمعي عن الحركة المسكونيّة “كلَّ الجهود لإزالة الأقوال والأحكام والأعمال التي لا تنطبق، بالحقيقة والإنصاف، على واقع الإخوة المنفصلين، وتُسهم في جعل العلاقات معهم أصعب وأعسر” (54). تتطرّق هذه الوثيقة إلى القضيّة من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية وتقدّم المعايير الواجب تطبيقُها بالنسبة إلى المسيحيّين الآخرين. وفي هذا كلّه تُفرَض المبادلة. والتمسّك بهذه المعايير واجبٌ على كلا الطرفين اللذين يرغبان في الحوار، وهو شرطٌ أوّل لمباشرته. وعلينا أن نتجاوز موقف العداء والنزاع إلى اعتراف الطرفين كليهما الواحد بالآخر كشريكين. وعندما يبدأ الحوار، على كلٍّ من الطرفين أن يفترض وجود إرادةٍ للمصالحة عند الطرف الآخر، إرادة وحدةٍ في الحقيقة. ولبلوغ ذلك يجب أن تضمحل جميع مظاهر العداء المتبادل. بهذه الطريقة فقط يساعد الحوار في التغلّب على الانقسام وفي التقرّب نحو الوحدة.
30- ويمكننا التأكيد، في صلاة شكر حارّة إلى روح الحقّ، أن المجمع الفاتيكاني الثاني كان زمناً مباركاً، تألّبت فيه الشروط الأساسيّة لمشاركة الكنيسة الكاثوليكية في الحوار المسكوني. وعلاوةً على ذلك، فإن حضور العديد من مراقبي الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى، والتزامهم البليغ في الحدث المجمعيّ، واللقاءات المتواترة والصلوات المشتركة التي سهّل لها المجمع، ذلك كلّه أسهم في التوفير الحسّي لشروط الحوار. وفي أثناء المجمع، استطاع ممثّلو الكنائس والجماعات المسيحيّة الأخرى أن يتحقّقوا من جهوزيّة المصفّ الأسقفيّ الكاثوليكيّ في العالم أجمع للحوار، وبالأخصّ من جهوزيّة الكرسيّ الرسوليّ.
بِنيات الحوار المحليّة
31- إن مسؤولية الحوار المسكونيّ الذي حُدّد بوضوح منذ أيام المجمع، ليست البتّة امتيازاً مقصوراً على الكرسيّ الرسوليّ، بل يقع أيضاً على عاتق الكنائس المحليّة والخاصة. ولقد أنشأت المجالس الأسقفيّة وسينودسات الكنائس الشرقية الكاثوليكية لجاناً لتعزيز الروح والعمل المسكونيّين. وعلى صعيد الأبرشيّات تعمل بكل جدارةٍ بِنياتٌ مماثلة. إن هذه المبادرات تؤكّد التزام الكنيسة الكاثوليكية الحسّيّ والشامل في تطبيق التوجيهات المجمعيّة حول العمل المسكونيّ: إن هذا لمظهرٌ أساسيٌّ من مظاهر الحركة المسكونيّة (55).
والحوار لم يباشر به وحسب، بل إنه أصبح ضرورةً صريحةًَ وإحدى أولويات الكنيسة؛ ولاحقاً، تبلورت “التقنيّة” الضرورية لتسيير الحوار، ممّا عزّز في الوقت عينه روح الحوار. وهذا يعني أولاً الحوار بين مسيحييّ الكنائس أو الجماعات المختلفة، “يقود دفّته أهل الخبرة والاطلاع الحسن، فيفسّر كلّ واحد تعليم طائفته تفسيراً دقيقاً عميقاً، ويبيّن بجلاءٍ ما يميّزها” (56). ولكن يجدر بمجموع المؤمنين أن يعرفوا الأسلوب الذي يسمح بالحوار.
32- وكما يؤكّد ذلك البيان المجمعيّ عن الحريّة الدينيّة، “فإن تطلّب الحقيقة يجب أن يجري بالطريقة التي يختصّ بها الشخص الإنسانيّ في كرامته وطبيعته الاجتماعية، أي بالبحث الحرّ، وبالتعلّم أو التربية، والتبادل الفكريّ والحوار، يعرض فيها البعض للبعض الآخر ما وقعوا عليه أو ما حسبوا أنهم وقعوا عليه من الحقيقة، وذلك في التعاون على اكتشاف الحقيقة؛ ومتى تمّ اكتشافُها وجب اعتناقُها بثباتٍ وقرارٍ ذاتيّ” (57).
وللحوار المسكونيّ أهميّة أساسية. “إن هذا الحوار يُكسب الجميع معرفةً أصحّ، وتقديراً أنصف لتعليم كل جماعة ولحياتها. ثمّ التعاون بين هذه الجماعات على نطاقٍ أوسع في كل نمطٍ من المشاريع التي، إذا تجاوبت مع مقتضيات كلّ ضميرٍ مسيّحي، تُسهم في بُنيان الخير العامّ. وكذلك أيضاً يمكن الاجتماع، حيث يُسمح بذلك، للقيام بصلاةٍ مشتركة. وأخيراً يَخبُرُ الجميع مدى أمانتهم لإرادة المسيح، بالنسبة إلى كنيسته، ويجتهدون في سبيل التجدّد والإصلاح الذاتيّ اجتهاداً حثيثاً” (58).
الحوار بمثابة فحصٍ للضمير
33- إتّسم الحوار المسكوني، في نيّة المجمع، بطابع البحث المشترك عن الحقيقة، وبالأخص في ما يعني الكنيسة. فالحقيقة، في الواقع، تهذّب الضمائر وتوجّه عملها لصالح الوحدة. وفي الوقت عينه تطلب أن تُقارن بصلاة المسيح لأجل الوحدة ضمائر وأعمال المسيحيّين، الإخوة المنشقّين. فهناك تعاضدٌ بين الصلاة والحوار. فالصلاة الأعمق والأوعى تسمح للحوار بأن يؤتي ثماراً أوفر. وإذا ما كانت الصلاة، من جهة، شرطاً للحوار، فإنها تصبح، من جهة أخرى، ثمراً له، ثمراً دائم الكمال.
34- بفضل الحوار المسكوني، يمكن أن نتكلّم عن نضج أكبر في صلاتنا المسكونيّة المشتركة بعضنا من أجل بعض. ويمكن هذا بمقدار ما يلعب الحوار في الوقت عينه دور فحصٍ للضمير. وكيف لا نذكر، في هذا الشأن، كلمات رسالة يوحنا الأولى: “إن نحن قلنا: إنّا بغير خطيئة!، فإنما نُضلُّ أنفسنا، وليس الحقُّ فينا. وإن اعترفنا بخطايانا، [فالله] أمينٌ وعادل: فإنه يغفر خطايانا، ويطهّرنا من كلّ إثم” (1 / 8 – 9). ويقودنا يوحنا إلى ما أبعد عندما يؤكّد: “إن نحن قلنا: إنّا لم نخطأ!، نجعله كاذباً، ولا تكون كلمته فينا” (1 / 10).
إن مثل هذا النداء الجذريّ لنعترف بوضعنا كخطأة، يجب أن يكون أيضاً إحدى العلامات المميّزة للروح الذي فيه نبادر الحوار المسكونيّ. فإذا لم يؤدِّ إلى فحصٍ للضمير، إلى نوع من “حوارٍ للضمائر”، فهل يمكننا الاتكال على التأكيد الذي توحي به إلينا الرسالة نفسها؟ “يا أولادي الصغار، إني أكتب إليكم بهذا لكي لا تخطأوا. ولكن، إن خطئ أحدٌ، فلنا لدى الآب شفيعٌ، يسوع المسيح البار. إنه هو كفّارةٌ عن خطايانا، لا عن خطايانا فقط، بل عن خطايا العالم كلّه أيضاً” (2 / 1 – 2).
إن خطايا العالم قد رُفعت في ذبيحة المسيح الخلاصيّة، إذن أيضاً الخطايا التي اقتُرفت ضدّ وحدة المسيحيّين، خطايا المسيحيّين، الرعاة منهم ليس أقلَّ من المؤمنين. وحتى بعد الخطايا العديدة التي نجمت عنها الانقسامات التاريخيّة، لا تزال وحدة المسيحيّين ممكنة، شرط أن نعي بتواضع أنّا أخطأنا ضدّ الوحدة، وأن نقتنع من ضرورة توبتنا. وليست هي الخطايا الفرديّة وحسب التي يجب أن تُغفر ونتخطاها، ولكن أيضاً الخطايا الاجتماعية، وإذا صحّ القول “بِنيات” الخطيئة نفسها التي جرّت ويمكن أن تجرّ إلى الانقسام وتثبّته.
35- ومرّةً اخرى، ينبري المجمع إلى مساعدتنا، إذ يمكن القول إن القرار المجمعيّ عن الحركة المسكونيّة بأكمله مشبعٌ بروح التوبة (59). وفي هذه الوثيقة، يرتدي الحوار المسكونيّ طابعاً مميّزاً؛ إنه يتحوّل إلى “حوار التوبة” وإذن – على حدّ قول البابا بولس السادس – إلى “حوار خلاص” (60) حقيقيّ. لا يمكن الحوار أن يجري وفقَ سعي أفقيّ محض، مقتصراً على اللقاء وتبادل وجهات النظر، أو حتى على المواهب الخاصّة بكلٍّ من الجماعات. إنه يسعى أيضاً وبالأخصّ إلى التحلّي ببُعد عموديّ يوجّهه نحو فادي العالم وسيّد التاريخ الذي هو مصالحتنا.
إن البعد العموديّ للحوار يكمن في الاعتراف المشترك والمتبادل لوضعنا كرجالٍ ونساءٍ خاطئين. وهذا هو الحوار الذي يفتح، أمام إخوةٍ عائشين في جماعاتٍ لا شركة كاملةً بينها، الفُسحة الداخلية حيث يستطيع المسيح، ينبوع وحدة الكنائس، أن يعمل بفعّالية، بمؤازرة قدرة روحه المعزّي.
الحوار، سبيلاً لحلّ التباينات
36- إن الحوار هو أيضاً أداةٌ طبيعية لمقارنة وجهات النظر المختلفة، وبالأخصّ للتدقيق في التباينات التي تعوق ملء الشركة بين المسيحيّين. إن القرار حول الحركة المسكونيّة يجتهد أولاً في وصف الاستعدادات الداخليّة التي يجب أن تتّسم بها الحوارات العقائدية القائمة: “على اللاهوتيّين الكاثوليك، في الحوار المسكونيّ، أن ينهجوا، مع حرصهم على تعليم الكنيسة الكاثوليكية، منهج الحقّ و المحبّة والتواضع، في بحوثهم في الأسرار الإلهيّة بالاتحاد مع الإخوة المنفصلين” (61).
إن حبّ الحقيقة هو البُعد الأعمق في البحث الحقيقيّ عن ملء الشركة بين المسيحيّين. بدون ذلك الحبّ، يصعب أن نعرض للصعوبات الموضوعية على الصعيد اللاهوتيّ والثقافيّ والنفسانيّ والاجتماعي التي نلقاها لدى فحص التباينات. إن روح المحبّة تجاه المحاور، والتواضع أمام الحقيقة المكتشفة والتي يمكن أن تتطلّب إعادة نظر في بعض التأكيدات أو بعض المواقف.
وفي ما يخصّ دراسة التباينات، يفرض المجمع بسطاً واضحاً لكلّ العقيدة. وفي الوقت نفسه، يطلب، في بسط العقيدة الكاثوليكية، ألاّ تعوق الطريقة والأسلوب الحوار مع الإخوة (62). إنه لمن الممكن أكيداً أن نشهد لإيماننا وأن نشرح عقيدتنا بطريقة صائبة وعادلة وقريبة المنال، مع الأخذ بعين الاعتبار، من كلا الطرفين، بالمستويات الذهنيّة والاختبار التاريخيّ الحسّي لدى الآخر.
إن ملءَ الشركة تتحقّق، بالطبع، بتقبّل الحقيقة كاملةً، الحقيقة التي يقود الروح القدس إليها تلاميذ المسيح. فعلينا إذن تجنّب كلّ أشكال التصغير و”التوفيق” السهل. والقضايا الجديّة يجب أن تُحلّ، لأنه في حال إهمالها، لسوف تعود وتظهر في أوقات لاحقة، تحت الشكل عينه أو بمظهر آخر.
37- إن القرار “الحركة المسكونيّة” يحدّد أيضاً المعيار الواجب مراعاته عندما يقوم الكاثوليك بعرض العقائد ومقارنتها: “ليذكروا، في بسطهم للعقيدة، أن هناك “ترتيباً” أو تسلسلاً في الأهميّة في حقائق المعتقد الكاثوليكيّ، نظراً إلى صلتها بأصول الإيمان المسيحيّ. وهكذا ترتسم معالم الطريق التي تفضي بهم جميعاً، بهذا التنافس الأخويّ، إلى معرفة أعمق واستجلاءٍ أبين لغنى المسيح الذي لا يُسبر غورُه” (63).
38- في الحوار، لا مناص من مجابهة قضيّة الصياغات المختلفة التي يعبَّر بها عن العقيدة في الكنائس والجماعات الكنسيّة المتفرّقة، ممّا يؤول إلى نتائج عديدة في العمل المسكونيّ.
بادئ ذي بدءٍ، وأمام صياغات عقائدية تختلف عن التعابير الدارجة في الجماعة التي إليها ننتمي، يليق بكلِّ وضوح أن نميّز إذا ما كانت الكلمات لا تعبّر عن مضمونٍ مماثل، مثلما تبيّن لنا ذلك، مثلاًَ، في تصاريح مشتركةٍ حديثة العهد، وقّعها أسلافي أو أنا نفسي وبطاركة كنائس كانت، منذ قرون، على نزاعٍ حول قضايا مسيحانيّة. وفي ما يخصّ صياغة حقائق موحىً بها، أكدّ البيان “سرّ الكنيسة” ما يلي: “إن الحقائق التي تودّ الكنيسة أن تعلّمها حقّاً بتعابيرها العقائدية هي، بلا شك، متمايزة عن التصوّرات المتبدّلة الخاصة بزمن محدّد؛ ولكن من الممكن أن يعبَّر عنها، عند الاقتضاء ومن قِبَل السلطة التعليمية نفسها، بألفاظٍ تتأثر بتلك التصوّرات. وبعد أخذ كلِّ شيء بعين الاعتبار، لا بدَّ من القول إن تعابير السلطة التعليمية العقائدية كانت أهلاً، منذ البدء، لإبلاغ الحقيقة الموحى بها. وإذ بقيت تلك التعابير ثابتة لا تتبدّل فلسوف تتابع على الدوام إبلاغ الحقيقة لمن يحسنون تفسيرها” (64).
وبهذا الشأن، إن الحوار المسكونيّ الذي يحضّ الأطراف المعنيّة على التساؤل والتفاهم والشرح المتبادل يسمح باكتشافات غير منتظرة. أما المناظرات والمجادلات المتعصبّة فقد حوّلت إلى تأكيداتٍ متنافرة ما كان في الواقع نتيجة نظرين يبحثان عن الحقيقة نفسها، ولكن من وجهتَي نظرٍ مختلفتين. فيجب اليوم إيجاد أسلوب يفهم تلك الحقيقة برمّتها ويسمح بتخطّي قراءات مجزؤة ويُقصي تفسيراتٍ خاطئة.
من فوائد الحركة المسكونيّة أن وساطتها تساعد الجماعات المسيحيّة على اكتشاف غنى الحقيقة الذي لا يُسبر غوره. هنا أيضاً يمكن عمل الروح كلُّه في “الآخرين” أن يُسهم في بناء الجماعات المختلفة (65)، وبنوع ما أن يطلعها على سرّ المسيح. الحركة المسكونيّة الأصيلة هي موهبة حقيقةٍ.
39- أخيراً، يضع الحوار المتحاورين أما تباينات حقيقيّة تخصّ الإيمان. فمن الواجب أن تُدرس تلك التباينات بروح صادقة من المحبّة الأخويّة، واحترامٍ لمتطلبات ضميره وضمير القريب، وبتواضع عميق وحبٍّ للحقيقة. وفي هذا المجال تتمّ المقارنة بالنسبة إلى مرجَعين أساسيَّين: الكتاب المقدّس وتقليد الكنيسة العظيم. أما الكاثوليك، من جهتهم، فتدعمهم السلطة التعليمية الكنسيّة الدائمة الحيويّة.
التعاون العمليّ
40- إن العلاقات بين المسيحيّين لا تهدف فقط إلى التعارف المتبادل والصلاة المشتركة والحوار. إنها تسبق وتتطلّع وتطلب منذ الآن كلَّ تعاونٍ عمليّ ممكن وعلى مختلف الأصعدة، الرعويّة والثقافية والاجتماعية، وأيضاً في الشهادة لرسالة الإنجيل (66).
“إن التعاون بين جميع المسيحيّين يعبّر بقوّةٍ عن الاتحاد الكائن بينهم، ويسلّط الأنوار على وجه المسيح الذي إنما جاء ليَخدُم” (67). إن هذا التعاون المرتكز على الإيمان المشترك تثريه الشركة الأخويّة، بل هو أيضاً ظهورٌ للمسيح نفسه.
وعلاوةً على ذلك، إن التعاون المسكونيّ مدرسةٌ حقّة للعمل المسكوني، إنه سبيلٌ فعّال في اتّجاه الاتحاد. إن وحدة العمل تقود إلى ملء وحدة الإيمان: “إنّ جميع المؤمنين بالمسيح يجدون في هذا التعاون السبيل إلى المزيد من التعارف والتقدير المتبادل، ثم تهيئة السبيل إلى الوحدة المسيحيّة” (68).
في نظر العالم، يتوافق التعاون بين المسيحيّين والشهادة المسيحيّة المشتركة، ويصبح أداةً للتبشير بالإنجيل لمصلحة كلا الطرفين.
الفصل الثاني
ثمارُ الحوار
الأخوّة المستعادة
41- ما قيل سابقاً عن الحوار المسكونيّ الجاري منذ اختتام المجمع يقودنا إلى رفع آيات الشكر لروح الحقّ الذي وعد به المسيح الربُّ رسله وكنيسته (أنظر يوحنا 14 / 26). لأول مرّة في التاريخ، يبلغ العمل من أجل اتحاد المسيحيّين مثل هذه الأبعاد ويتّسع مثل هذا الاتساع. إنّ في ذلك لنعمةً عظيمةً منحها الله وتستحقّ كل الشكران. فمن ملء المسيح نحصل على “نعمة فوق نعمة” (يوحنا 1 / 16). إن الاعتراف بما منحنا إيّاه الله هو شرطٌ يؤهّلنا لأن نحصل على مواهب ضرورية أيضاً، حتى يبلغ العمل المسكوني من أجل الوحدة كماله.
إن نظرةً شاملةً إلى الثلاثين سنة الأخيرة تسمح بأن نعي أفضل الثمار العديدة، ثمار الارتداد الشامل إلى الإنجيل الذي كانت الحركة المسكونيّة أداةً له، بفضل الروح القدس.
42- المثال على ذلك – وفاقاً لروح الخطبة على الجبل نفسه – أنّ مسيحيّي مذهبٍ ما لا يعتبرون من بعد المسيحيّين الآخرين كأعداءٍ أو كغرباء، بل يرون فيهم إخوةً لهم وأخوات. ومن جهة أخرى، بدلاً من العبارة “الإخوة المنفصلون”، يستعيض عنها العرف اليوم بألفاظٍ أفضل تعبّر عن عمق الشركة المرتبطة بطابع المعموديّة، الذي يغذيه الروح بالرغم من الانقسامات التاريخية والقانونية. فبتنا نتحدّث عن ” المسيحيّين الآخرين”، وعن “المعمّدين الآخرين”، وعن “مسيحيّي الجماعات الأخرى”. و”الدليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونية وقواعدها” يسمّي الجماعات التي ينتمي إليها هؤلاء المسحيّون “كنائس وجماعات كنسيّة ليست في ملء الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية” (69).
إن هذا التطور في التعبير يُعرب عن تطوّر بارز في الذهنيّات وبات وعيُ الانتماء المشترك إلى المسيح يتعمّق. ولقد خبرتُ ذلك شخصيّاً مرّات عديدةً في أثناء احتفالات مسكونيّة تُعتبر من أهمّ الأحداث، خلال أسفاري الرسولية إلى مختلف أنحاء العالم، أو في لقاءاتٍ واحتفالاتٍ مسكونيّة جرت في روما. إن “أخوّة المسيحيّين الشاملة” أصبحت اقتناعاً مسكونيّاً راسخاً. وفيما طُرحت في عالم النسيان حرومات الماضي، أخذت الجماعات، المتنافسة وقتاً ما، تتعاون اليوم في مجالاتٍ عدّة: فتوضع أحياناً أبنية العبادة في تصرّف الآخرين؛ ويُتبرَّع بمُنح مدرسيّة لتثقيف خدّام الجماعات الأكثر فاقةً وحاجةً؛ ويُتوسط لدى السلطات المدنيّة، دفاعاً عن مسيحيّين آخرين اتُّهموا ظلماً؛ ويُثبَّت عدم أساس افتراءاتٍ وقعت ضحيّتها مجموعاتٌ أخرى.
وقصارى القول، إن المسيحيّين ارتدّوا إلى محبّة أخويّة تشمل جميع تلاميذ المسيح. فإذا ما حصل، من جرّاء انتفاضاتٍ سياسيّة عنيفة، أن ظهر بعض العدوان أو روح ثأرٍ، في أوضاع محدّدة، تبادر سلطات الأطراف المعنيّة، إجمالاً، إلى تغليب “الشريعة الجديدة” شريعة روح المحبّة. لكن لم يستطع هذا الروح – ويا للأسف! – أن يبدّل جميع حالات النزاع الدمويّ. في هذه الأحوال، على المنخرطين في العمل المسكوني أن يُبدوا بطولةً أصيلةً لدى أخذ قراراتهم.
وفي هذا الشأن، يحدر بنا أن نؤكّد مجدّداً أن الاعتراف بالأخوّة ليس مجرّد نتيجة حبٍّ بشريّ متسامح، أو روح عيليّ مبهم. إنه يتأصل في الاعتراف بمعموديّة واحدة وفي ما يتأتي عنها من تطلّبٍ بأن يمجَّد الله في خليقته. إن “الدليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونيّة وقواعدها” يتمنّى اعترافاً متبادلاً ورسميّاً بالمعموديّات (70). وهذا يقود إلى ما أبعد من بادرة تهذيب مسكونيّ ويشكل تأكيداً كنسيّاً أساسيّاً.
ويجدر بنا أن نذكّر أن الطابع الأساسيّ للمعموديّة في عمليّة بُنيان الكنيسة قد أُظهر بوضوح بفضل الحوار المتشّعب الأطراف (71).
التضامن في خدمة البشريّة
43- بات من الغالب أكثر فأكثر أن يتّخذ المسؤولون عن الجماعات المسيحيّة موقفاً موحّداً، باسم المسيح، تجاه قضايا هامة تتعلّق بالدعوة الإنسانيّة والحريّة والعدالة والسلام ومستقبل العالم. وبفعلهم هذا، “يتضامنون” في سبيل إحدى الوظائف المكوّنة للرسالة المسيحيّة: ألا وهي تذكير المجتمع، بطريقة تعرف أن تكون واقعيّة، بإرادة الله فيحذّرون السلطات والمواطنين كي لا يسلكوا السبيل المؤدي إلى دَوس الحقوق الإنسانيّة. إنه لمن الواضح، والاختبار شاهدٌ على ذلك، أن صوت المسيحيّين الجماعيّ له تأثيرٌ، في بعض الظروف، أكثر من صوتٍ منفرد.
إن المسؤولين عن الجماعات ليسوا الوحيدين المرتبطين بهذا الالتزام من أجل الوحدة. فالعديد من المسيحيّين من كل الجماعات يشاركون، باسم إيمانهم، في مشاريع جريئة تبغي تبديل وجه العالم، نصرةً لاحترام حقوق الجميع وحاجاتهم، وبالأخصّ الفقراء والمذلولين والذين لا سند لهم. في الرسالة البابوية “الاهتمام بالشأن الاجتماعي” سجّلت بفرح هذا التعاون، مشيراً إلى أن الكنيسة الكاثوليكية لا يمكن أن تتملّص منه (72). في الواقع، إن المسيحيّين الذين كانوا في الماضي يعملون باستقلالية أصبحوا اليوم ملتزمين سويّةً خدمة هذه القضية، كي تنتصر رحمته تعالى.
إن المنطق هو منطق الإنجيل. لذلك فيما ذكّرت بما كتبتُ في رسالتي البابويّة الأولى “فادي الإنسان” أتيح لي أن “أشدّد على هذه النقطة وأشجّع كلَّ جهد في هذا السبيل، على كل المستويات التي فيها نلتقي إخوتنا المسيحيّين” (73)، وشكرت الله “كلّ ما حقّق حتى الآن في الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى وبواسطتها”، وما حقّق بواسطة الكنيسة الكاثوليكية (74). واليوم، إني ألاحظ بارتياح أن شبكة التعاون المسكونيّ الفسيحة تتّسع أكثر فأكثر. وبفضل تأثير “مجلس الكنائس العالميّ” تحقّق، في هذا المضمار، عملٌ هامّ.
نقاط التلاقي في ما يخصّ كلمة الله والطقس الإلهيّ
44- إن التقدّم الذي أُحرز في الارتداد المسكونيّ يُعبَّر عنه أيضاً في مضمار آخر، مضمار كلمة الله. فيتبادر إلى ذهني قبل كل شيء ذلك الحدث الخطير في عرف المجموعات اللغويّة المختلفة، وهو الترجمة المسكونيّة للكتاب المقدّس. بعد إعلان المجمع الفاتيكاني الثاني الدستور العقائدي “الوحي الإلهيّ” (Dei Verbum)، لم يكن في وسع الكنيسة الكاثوليكية إلاّ أن تتقبّل بفرح هذا الإنجاز (75). إن هذه الترجمات، وهي عمل أخصّائيّين، تقدّم إجمالاً أساساً أكيداً للصلاة والنشاط الرعويّ لجميع تلاميذ المسيح. والذين يذكرون ما كان للمناقشات من تأثير على الانقسامات، بالأخصّ في الغرب، يمكنهم أن يدركوا التقدّم البارز الذي تمثلّه تلك الترجمات المشتركة.
45- في العديد من الجماعات الكنسيّة قابل التجدّد الليترجيَّ في الكنيسة الكاثوليكية مبادرة تجديد طقسهم هم أيضاً. والبعض من تلك الجماعات، نزولاً عند رغبةٍ على الصعيد المسكونيّ (76)، تخلّى عن العادة السائدة بألاّ يُحتفل بليترجيّا العشاء السرّي إلاّ نادراً، واختار الاحتفال بها كلَّ يوم أحد. وعلاوةً على ذلك، إذا ما قارنّا دورات القراءات الطقسيّة في مختلف الجماعات المسيحيّة الغربيّة لوجدنا أنها تلتقي في المهمّ. ودائماً على الصعيد المسكونيّ (77) أُعطيت أهميّة خاصّة لليترجيّا والرموز الطقسيّة (الصور والأيقونات والملابس والنور والبخور والحركات). وإلى ذلك، أخذت دراسة تاريخ الليترجيّا ومعناها، في معاهد اللاهوت التي تهيّئ خدّام المستقبل، تأخذ مكانها في البرامج، إذ إنها ضرورة نعمل مجدّداً على اكتشافها.
إن في ذلك علامات تلاقٍ تطال مختلف مظاهر الحياة الأسراريّة. ومن المؤكد أنه، بسبب الاختلافات في الإيمان، لا يمكن بعد أن نشارك في الليترجيّا الإفخارستيا نفسها. ونحن أيضاً، نلتهب رغبةً في أن نحتفل معاً بإقامة إفخارستيا الربّ الواحدة، وتلك الرغبة أصبحت ابتهالاً مشتركاً وتوسّلاً واحداً. سويّةً نتوجّه إلى الآب، ونتوجّه إليه دائماً أكثر “بقلب واحد”. وأحياناً تبدو قريبة المنال إمكانيّة عقد هذه الشركة “الحقيقيّة ولكن غير المكتملة بعد”. فمن كان يمكنه تخيّل ذلك، منذ قرن؟
46- بهذا الروح، إنّا لسعيدون أن يستطيع الكهنة الكاثوليك، في أحوال خاصّة محدّدة، منح أسرار الإفخارستيا والتوبة ومسحة المرضى لمسيحيّين آخرين ليسوا في ملء الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية، ولكن يرغبون بحرارة في نيلها، ويطلبونها بحريّة ويشاطرون الإيمان الذي تعترف به الكنيسة الكاثوليكية في تلك الأسرار. وبالمقابل، وفي قضايا محدّدة وفي ظروف خاصّة، يمكن الكاثوليك أن يلجأوا لنيل الأسرار نفسها، إلى خدَمة كنائس تُعتبر فيها تلك الأسرار صالحة. ولقد حُدّدت شروط ذلك اللقاء المتبادل في نُظمٍ، ويُفرض التقيّد بها تعزيزاً للعمل المسكونيّ (78).
تقدير الثروات الموجودة عند المسيحييّن الآخرين
47- لا يتركّز الحوار على العقيدة دون سواها، ولكنه يخصّ الشخص بأكمله: فهو أيضاً حوار حبٍّ. ولقد أعلن المجمع: “لا بد للكاثوليك من أن يعترفوا بارتياح بالقيم المسيحية حقّاً التي توجد عند إخوتنا المنفصلين، ويقدروا هذه القيم النابعة من التراث المشترك. فإنه من العدل والمفيد للخلاص الاعتراف بغنى المسيح، وبقدرته العاملة في حياة الذين يشهدون له حتى السخاء بدمائهم أحياناً؛ فإن الله عجيبٌ على الدوام ويجب أن يكون موضع الإعجاب في أعماله” (79).
48- إن العلاقات التي أقامها منذ المجمع أعضاءٌ من الكنيسة الكاثوليكية مع مسيحيّين آخرين أظهرت ما يحقّقه الله من المنتمين إلى كنائس وجماعات كنسيّة أخرى. وهذا الاتصال المباشر، على أصعدة مختلفة، بين الرعاة وبين أعضاء الجماعات جعلنا نعي تمام الوعي الشهادة التي يؤدّيها المسيحيّون الآخرون لله وللمسيح. فانفتح بذلك مجالٌ واسعٌ للغاية أمام الاختبار المسكونيّ، الذي هو، في الوقت عينه، تحدٍّ يواجه عصرنا. أليس القرن العشرون زمن الشهادة العظمى التي تؤدّي “حتى إلى سفك الدم”؟ وهذه الشهادة، ألا تعني أيضاً الكنائس والجماعات الكنسيّة المختلفة التي تأخذ اسمَها من المسيح الذي صُلب وقام من بين الأموات؟
إن شهادة القداسة المشتركة هذه، عربون الأمانة للربّ الواحد، هي قدرةٌ مسكونية غنيّةٌ كلَّ الغنى بالنعمة. ولقد نوّه المجمع الفاتيكاني الثاني إلى أن الثروات الموجودة عند المسيحيّين الآخرين يمكن أن تُسهم في بُنيان الكاثوليك: “ويجب أيضاً ألاّ ننسى أن كلّ ما تفعله نعمة الروح القدس في إخوتنا المنفصلين من شأنه أن يُسهم في بُنياننا؛ فإنه ما من شيءٍ البتّة، ممّا هو مسيحيّ حقّاً، يتعارض مع قيم الإيمان الحقّة، وإنما من شأنه المساعدة على النفاذ أكثر فأكملَ في سرّ المسيح والكنيسة” (80). إن الحوار المسكونيّ، كحوار خلاصٍ حقّ، لن يني في تعزيز التقدّم، وقد بلغ شأواً كبيراً، نحو الشركة الحقّة والكاملة.
تقدّم الشركة
49- إن تقدّم الشركة هو الثمرة الثمينة للعلاقات بين المسيحيّين وللحوار اللاهوتيّ الجاري بينهم. فالعلاقات والحوار جعلت المسيحيّين يعُون معطيات الإيمان المشتركة في ما بينهم، وساعدت في توطيدٍ أوثقَ لالتزامهم المسيرة نحو الوحدة. وفي ذلك كلّه، يبقى المجمع الفاتيكاني الثاني المشجّع الأعظم للحيويّة وللتوجيهات المسكونيّة.
إن الدستور العقائديّ “الكنيسة” (نور الأمم) يجمع بين العقيدة الخاصّة بالكنيسة الكاثوليكية والاعتراف بالعناصر الخلاصيّة الموجودة في الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى (81). وهذا لا يعني وعيَ عناصر جامدةٍ تتواجد بدون حراك في تلك الكنائس والجماعات. فهي، بصفتها ثروات كنيسة المسيح، تعمل من طبيعتها على إعادة لحمة الوحدة. وينجم عن ذلك أن نُشدان وحدة المسيحيّين ليس عملاً اختيارياً واعتباطيّاً، بل واجبٌ يفرضه تكوين الجماعة المسيحيّة نفسه.
ومن هذا القبيل، إن الحوارات اللاهوتيّة الثنائية مع أهمّ الجماعات المسيحيّة تنطلق من الاعتراف بدرجة الشركة القائمة آنئذ ٍ، حتى يُصار تدريجياً إلى مناقشة الخلافات القائمة مع كلٍّ منها. ولقد سمح الربّ لمسيحيّي الزمن الحاضر أن يخفّضوا المسائل المتنازع عليها التقليدية.
الحوار مع كنائس الشرق
50- في هذا الصدد، علينا قبل كل شيء أن نلاحظ، مع الشكر الحميم للعناية الإلهيّة، أن الروابط مع الكنائس الشرقيّة، المتراخية مدّة قرون، قد عادت واشتدّت مع المجمع الفاتيكانيّ الثاني. إن مراقبي تلك الكنائس الحاضرين المجمع، وممثّلي الكنائس والجماعات الكنسيّة الغربيّة، أعربوا جميعهم علناً، وفي وقتٍ مثل هذا رسميٍّ للكنيسة الكاثوليكية، عن الإرادة المشتركة في طلب الوحدة.
إن المجمع، من جهته، نظر بموضوعية وبخالص المحبّة إلى كنائس الشرق تُبرز أصولها الكنسيّة وروابط الشركة الواقعيّة التي تشدّها إلى الكنيسة الكاثوليكية. ولقد أعلن القرار المجمعي “الحركة المسكونيّة” مايلي: “بإقامة إفخارستيا الربّ في كلٍّ من تلك الكنائس، تُبنى كنيسة الله وتكبر”؛ ويضيف بالتالي أن هذه الكنائس “لا تزال، على انفصالها، تملك أسراراً حقيقيّة، ولاسيمّا الكهنوت والإفخارستيّا، بفعل الخلافة الرسولية، وبهذين السرّين تتّحد بنا اتحاداً صميماً” (82).
واعترف المجمع، للكنائس الشرقيّة، بالتقليد العظيم الليترجيّ والروحانيّ، وبالطابع المميّز لتطوّرها التاريخيّ، وبالأنظمة التي اتّبعتها منذ العصور الأولى، والتي ثبّتها الآباء القدّيسون والمجامع المسكونيّة، وبالأسلوب الخاصّ الذي به تعبّر عن العقيدة. كلّ هذا ترافق والاعتقاد الراسخ أن التنوّع المشروع لا يناقض البتّة وحدة الكنيسة، بل ينمّي مكانتها ويُسهم بوفرة في تمام رسالتها.
يريد المجمع الفاتيكاني الثاني أن يركّز الحوار على الشركة القائمة ويلفت النظر إلى واقع الكنائس الشرقيّة الغنيّ: “إن المجمع المقدّس يحرّض الجميع، ولاسيّما الذين يعتزمون العمل على قيام الشركة الكاملة المنشودة بين الكنائس الشرقيّة والكنيسة الكاثوليكية، على مراعاة هذه الحالة الخاصّة التي كانت عليها كنائس الشرق في عهد نشأتها وترعرعها، وطبيعة العلاقات التي كانت قائمةً بينها وبين الكرسيّ الرومانيّ قبل الانشقاقات، ثمّ على تكوين حكمٍ نصيفٍ في جميع هذه النقاط” (83).
51- ولقد أثمر هذا التوجيه المجمعي علاقات أخوّةٍ تطوّرت بفضل حوار المحبّة والنقاش العقائدي في إطار اللجنة المشتركة الدولية للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية. وأثمر أيضاً ثماراً وافرة في العلاقات مع الكنائس الشرقّية القديمة.
ولقد توفّر ذلك بواسطة مسيرة بطيئة ومثابرة، نجم عنها، مع ذلك، فرحٌ عظيم؛ وإذ تميّزت أيضاً بحماسٍ شديد، فلقد سمحت بأن تلاقي تدريجياً الأخوّة.
استئناف الاتصالات
52- في ما يخصّ كنيسة روما وبطريركيّة القسطنطينيّة المسكونيّة، انطلقت المسيرة التي أشرنا إليها، بفضل الانفتاح المتبادل الذي عبّر عنه البابا يوحنا الثالث والعشرون وبولس السادس، من جهة، والبطريرك المسكونيّ أثيناغوراس الأول وخلفاؤره، من جهة ثانية. ولقد تمثّل التبدّل التاريخيّ الحاصل بالقرار الكنسيّ الذي بفضله “أزيل من حافظة الكنائس ووسطها” (84) ذكر الحرومات التي شكّلت منذ تسع مئة عام، في العام 1054، رمز الانشقاق بين روما والقسطنطينية. إن هذا الحدث الكنسيّ ذا البُعد المسكونيّ الرفيع جرى في الأيام الأخيرة من المجمع، في السابع من كانون الأول 1965. وهكذا اختتم المجمع أعماله بقرار رسميّ كان في الوقت نفسه تنقيةً للحافظة التاريخية وغفراناً متبادلاً والتزاماً متضامناً للبحث عن الشركة.
سبق تلك المبادرة لقاء البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس الأول بالقدس، في كانون الثاني 1964، في أثناء زيارة البابا للأراضي المقدّسة. وبهذه المناسبة، استطاع البابا أيضاً أن يلتقي بطريرك القدس الأرثوذكسي بيندكتوس. ولاحقاً قام البابا بولس السادس بزيارة البطريرك أثيناغوراس الأول بالفنار (اسطنبول)، في 25 تموز 1967؛ وفي شهر تشرين الأول من العام نفسه، استُقبل البطريرك بكل حفاوةٍ في روما. إن تلك اللقاءات في الصلاة أظهرت السبيل الواجب اتّباعه للتقريب بين كنيسة الشرق وكنيسة الغرب، ولإعادة الوحدة القائمة بينهما في خلال الألف الأول.
على أثر وفاة البابا بولس السادس وحبريّة البابا يوحنا بولس الأول القصيرة، عندما أُنيطت بي خدمة أسقفيّة روما، رأيت أنه من أول واجبات خدمتي الحبريّة استئناف الصلة الشخصيّة بالبطريرك المسكوني ديمتريوس الأول الذي كان في تلك الأثناء قد خلف البطريرك أثيناغوراس على كرسيّ القسطنطينيّة. وخلال زيارتي للفنار في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1979، قرّرنا، البطريرك وأنا، أن نعاود الحوار اللاهوتيّ بين الكنيسة الكاثوليكية وجميع الكنائس الأرثوذكسية المرتبطة بالشركة القانونيّة مع كرسيّ القسطنطينية. وفي هذا الصدد، من المهمّ أن نضيف أن الاستعدادات، في ذلك الوقت، لانعقاد سينودس الكنائس الأرثوذكسية المقبل، كانت جارية. إن البحث عن التناسق يُسهم في حياة تلك الكنائس الشقيقة وحيويّتها، وهذا انطلاقاً أيضاً من الدور الذي تلعبه في المسيرة نحو الاتحاد.
رغب البطريرك المسكونيّ في أن يُردَّ لي الزيارة التي قمت بها إلى عنده. ففي كانون الأول 1987 سرّني أن استقبله في روما بمحبّة صادقة وبالحفاوة اللائقة. في هذا الجوّ من الأخوّة الكنسيّة، يجب أن نذكّر بالتقليد الذي درجنا عليه منذ سنوات، بأن نستقبل في روما، في عيد القديسين هامتي الرسل بطرس وبولس وفداً من البطريركية المسكونية، وأن نوفد بدورنا إلى الفنار وفداً من الكرسيّ الرسوليّ للاحتفال الرسميّ بعيد القديس أندراوس.
53- إن هذه اللقاءات المنتظمة تسمح، في ما تسمح به، بتبادل مباشر للمعلومات والآراء بغية التنسيق الأخويّ. وفضلاً عن ذلك، بالمشاركة في الصلاة نستعيد عادة العيش جنباً إلى جنب والصلاة تحفُزنا إلى التقبّل، سوّيةً، إرادة الرب لكنيسته، وبالتالي وضعَها موضع التنفيذ.
طوال الطريق الذي اجتزناه منذ المجمع الفاتيكاني الثاني لابدّ أن نذكر على الأقل حدثَين بالغَي التعبير والأهميّة المسكونيّة فيما يخصّ العلاقات بين الشرق والغرب: نذكر أولاً يوبيل العام 1984 الذي أُعلن للاحتفال بالذكرى المئويّة الحادية عشرة لرسالة التبشير التي قام بها كيرلّس وميتوديوس والتي سمحت لي بأن أعلن القدّيسين رسولي الصقالية ورسولي الإيمان شفيعين لأوروبا. إن إشراك الأخوين التسّالونيكيَّين والمؤسّس العظيم للحياة الرهبانيّة في الغرب يضفي، بطريقة غير مباشرة، طابعاً مميّزاً على التقليد الثنائيّ الكنسيّ والثقافي المرموق لألفي سنة من المسيحية وَسَمت تاريخ القارّة الأوروبية.
إنه لمن المفيد الإشارة إلى أن كيرلس وميتوديوس جاءَا من أوساط الكنيسة البيزنطية المعاصرة لهما، في زمنٍ كانت في ملءِ الشركة مع روما. فبإعلانهما شفيعين لأوروبا مع القديس بيندكتوس لم أرغب فقط في تأكيد الحقيقة التاريخية عن المسيحيّة في القارّة الأوروبية، بل أيضاً في اقتراح موضوع هامٍّ للحوار بين الشرق والغرب أثار عظيم الرجاء في فترة ما بعد المجمع. وكما أن أوروبا اهتدت إلى جذورها مع القديس بيندكتوس، فهي تعود الآن وتهتدي مع القدّيسين كيرلس وميتوديوس. وفيما الألف الثاني لميلاد المسيح يُشرف على نهايته، علينا أن نكرّم هؤلاء القدّيسين معاً، كشفعاء لماضينا وكقدّيسين تعهد بمستقبلها كنائس القارة الأوروبية وبلدانُها.
54- أما الحدث الآخر الذي يطيب لي أن أذكره هو الاحتفال بالألف الأول لمعمودية الروس (988 – 1988). إن الكنيسة الكاثوليكية، وبالأخص الكرسيّ الرسوليّ، أرادا أن يشاركا في الاحتفالات اليوبيليّة وعملا على التأكيد أن المعمودية التي مُنحت للقديس فلاديمير في كييف كانت حدثاً رئيسياً لتبشير العالم بالإنجيل. فإليه يعود إيمان أمم أوروبا الشرقية الصقلبيّة العظيمة، وكذلك إيمان الشعوب التي تعيش ما وراء الأورال وحتى ألسكا.
فمن وجهة النظر هذه، تأخذ معناها الأعمق عبارةٌ كثيراً ما ردّدُتها: على الكنيسة أن تتنفس برئتيها! في أثناء الألف الأول من تاريخ المسيحيّة، عبّرت تلك العبارة بالأخصّ عن ثنائيّة بيزنطة – روما؛ ومنذ معموديّة الروس، اتّسع مداها؛ وشمل التبشير بالإنجيل بعداً أوسع، بحيث إن تلك العبارة دلّت على الكنيسة جمعاء. وفيما نتأمّل في هذا الحدث الخلاصّي الصائر على ضفاف الدنييبر يعود إلى العهد الذي لم تكن فيه كنيسة الشرق وكنيسة الغرب منقسمتين، نفهم بوضوح أن الأفق الذي يجب علينا أن نبحث فيه عن ملء الشركة، هو أفق الوحدة في تنوّع شرعيّ. وهذا ما أكدّته بحزمٍ في الرسالة الحبريّة “رسولا الصقالبة” (85) المكرَّسة للقدّيسين كيرلس وميتوديوس، وفي الرسالة “اذهبوا إلى العالم” (86) الرسوليّة التي وُجهّت إلى مؤمني الكنيسة الكاثوليكية، في أثناء الاحتفال باليوبيل الألفيّ لمعمودية الروس بكييف.
كنائس شقيقة
55- في بهده التاريخيّ، يذكّر القرار المجمعيّ “الحركة المسكونيّة” بالاتحاد الذي كان سائداً، بالرغم من كل شيء، خلال الألف الأول، والذي يمكن أن يكون، نوعاً ما، مثالاً يُحتذى: “يطيب للمجمع المقدّس أن يذكّر الجميع، […]، بأنّ في الشرق تسطع عدّة كنائس خاصّة أو محليّة، في طليعتها الكنائس البطريركية التي يفخر بعضها بأن الرسل أنفسهم قد أنشأوها” (87). بدأت مسيرة الكنيسة في أورشليم، يوم العنصرة. وتمحور تطوّرها الأول في عالم ذاك الزمان حول بطرس والأحد عشر (انظر أع 2 / 14). وأخذت بنيات الكنيسة في الشرق وفي الغرب تتألّف انطلاقاً من هذا التراث الرسوليّ. وكان يؤمن وحدة الكنيسة في حدود الألف الأول، وفي تلك البنياتِ نفسها الأساقفة، خلفاء الرسل، بالشركة مع أسقف روما. وإذا ما حاولنا اليوم، في ختام الألف الثاني، إعادة تلك الشركة فعلينا أن نستلهم تلك الوحدة كما كانت مبنيّة.
ويُبرز القرار حول الحركة المسكونيّة وجهاً آخر مميّزاً كانت جميع الكنائس الخاصّة، بفضله، ثابتةً في الوحدة، أعني “الاهتمام الخاصَّ بالحفاظ، في شركة الإيمان والمحبّة، على العلاقات الأخوّية التي يجب أن توجد بين الكنائس المحليّة كما توجد بين الشقيقات” (88).
56- بعد المجمع الفاتيكانيّ الثاني، وارتباطاً بهذا التقليد، أخذت تسود عادةُ إطلاق تسمية “الكنائس الشقيقة” على الكنائس الخاصة أو المحليّة المجتمعة حول أسقفها. وفيما بعد، جاء إلغاء الحرومات المتبادلة ليزيل عائقاً أليماً على مستوىً قانونيّ ونفسانيّ، ويشكل خطوة بالغة الأهميّة على الطريق نحو ملءِ الشركة.
إن بنيات الوحدة التي كانت قائمة قبل الانشقاق تشكل تراثاً من الاختبارات يوجّه مسيرتنا نحو العودة إلى ملءِ الشركة. في أثناء الألف الثاني، لم يكفّ الربُّ بالطبع عن منح كنيسته ثمار نعمةٍ ونموٍّ غزيرة. لكن التباعد المتبادل التدريجي بين كنائس الغرب والشرق منعَها، ويا للأسف!، عن تبادل ثروات مواهبها وتعاونها. فمن اللائق أن يُبذل جهدٌ كبيرٌ، بنعمته تعالى، لإعادة ملءِ الشركة بين الكنائس، تفيض خيراتٍ على كنيسة المسيح. ويتطلّب هذا الجهد إرادتنا الصالحة كلّها وصلاةً متواضعة وتعاوناً مثابراً لا يثنيه شيء. ألا يحثّنا القديس بولس قائلاً: “احملوا بعضكم أثقال بعض” (غلا 6 / 2)؟ فكم يعنينا هذا التحريض، وكم هو واقعيّ! ويجب أن تكون حاضرةً على الدوام في مسيرتنا تلك التسمية التقليدية: “كنائس شقيقة”.
57- ومثلما تمنّى ذلك البابا بولس السادس، إن هدفنا الثابت هو أن نستعيد معاً الوحدة الكاملة في التنوّع الشرعيّ: “إن ما رآه الرسل وسمعوه وبشّروا به، أعطانا الله أن نتقبّله بإيمان. وبالمعموديّة نحن واحدٌ في المسيح يسوع (غلا 3 / 28). وبمقتضى الخلافة الرسوليّة، يجمعنا الكهنوت والإفخارستيا بشكل أوثق. وإذ نشترك في عطايا الله لكنيسته، فإنّا نشترك مع الآب بالابن في الروح القدس. […] إن سرّ الحبّ الإلهيّ هذا يتمّ في كل كنيسة محليّة. أوَليس في هذا علّة العبارة التقليدية الرائعة التي كانت الكنائس المحليّة بموجبها تحبّ أن يسمّى بعضها بعضاً كنائس شقيقة؟ (انظر القرار “الحركة المسكونية”، الرقم 14)؟
إن حياة الكنيسة الشقيقة هذه قد حيَيناها نحن طوال قرون، محتفلين معاً بالمجامع المسكونيّة التي دافعت عن وديعة الإيمان ضدّ كل تزوير. والآن، بعد حقبة طويلة من الانقسام وسوء التفاهم المتبادل، يعطينا الربُّ أن نكتشف ذواتنا كنائس شقيقةً، بالرغم من العوائق التي انتصبت إذ ذاك بيننا” (89). وإذا ما كنّا اليوم، عند عتبة الألف الثالث، نسعى إلى إعادة ملء الشركة، فعلينا أن نتوق إلى وضع هذه الحقيقة موضع التنفيذ، وإليها نعود.
إن الروابط مع ذاك التقليد المجيد أخصبت الكنيسة. فلقد أعلن المجمع قائلاًَ: “إن كنائس الشرق تملك منذ البدء كنزاً ثريّاً استمدّت منه كنيسة الغرب الكثير من العناصر في الليترجيّا والتقليد الروحيّ والقانون” (90).
ويشمل هذا “الكنز” أيضاً “كنوز تلك التقاليد الروحيّة التي تعبّر عنها الحياة الرهبانيّة بوجهٍ خاصّ. فهناك، منذ أيام الآباء القديسين المجيدة، قد ازدهر التصوّف الرهبانيّ الذي انتشر من بعد في بلدان الغرب” (91). وكما أتيح لي أن أشير إلى ذلك حديثاً في الرسالة “نور الشرق” الرسولية، فإن الكنائس الشرقيّة قد عاشت بسخاء عظيم الالتزام الذي تعبّر عنه الحياة الرهبانيّة، “بدءاً بالتبشير الذي يعتبر أجلَّ خدمة يمكن أن يقدّمها مسيحيّ لأخيه، حتى يطال أيضاً أنواع أخرى كثيرة من الخدمة الروحيّة والمادية. ويمكن القول إن الحياة الرهبانية، في القديم – وكذلك، مراراً عديدة، خلال العصور اللاحقة – كانت الأداة الفضلى لتبشير الشعوب” (92).
ولا يكتفي المجمع بإبراز كلّ ما يجعل كنائس الشرق والغرب متشابهة. فهو لا يتردّد، طبقاً للحقيقة التاريخية، في أن يؤكّد ما يلي: “ليس بالعجب أن بعض نواحي السرّ الموحى به قد أدركها الواحد وعبّر عنها أفضل من الآخر، بحيث يجب في الغالب اعتبار هذه الصيغ اللاهوتية المتنوعة متكاملةً أكثر منها متعارضة” (93). إن تبادل المواهب بين الكنائس، في تكاملها، يُخصب الشركة.
58- إنطلاقاً من تأكيد شركة الإيمان القائمة فعلاً، استخلص المجمع الفاتيكاني الثاني نتائج رعويّة صالحةً لحياة المؤمنين العمليّة ولتعزيز روح الوحدة. وبفضل الروابط الأسرارية الوثيقة القائمة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية، أعلن القرار المجمعي “الكنائس الشرقية” أن “الخبرة الراعوية تدلّ أن هناك من الظروف والأحوال الشخصية المختلفة ما ليس به إساءة إلى وحدة الكنيسة، وليس فيه موضعٌ للأخطار التي يجب اجتنابُها، بل يُعدُّ، بالنظر إلى ضرورة الخلاص وخير النفوس الروحيّ، حاجةً ماسّة. لذلك رأت الكنيسة الكاثوليكية أن تراعي ظروف الزمان والمكان وأحوال الأشخاص، فاعتمدت في الغالب ولا تزال تعتمد طريقةً في التعامل أقلَّ تشدّداً، فتوفّر للجميع وسائل الخلاص، وتقدّم لهم شهادةً رائعة للمحبّة المسيحيّة، وذلك بالاشتراك في الأسرار وفي سائر الرتب والأشياء المقدّسة” (94).
استناداً إلى الاختبار الذي تمّ خلال سنوات ما بعد المجمع، عاد وتبّنى هذا التوجيه اللاهوتيّ والراعويَّ مجموعتا الحقّ القانونيّ (95). واستفاض في شرحها، من وجهة النظر الراعويّ “الدليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونية وقواعدها” (96).
من الواجب، في هذا الموضوع البالغ الأهميّة والدقّة، أن يعلّم الرعاة مؤمنيهم باعتناءٍ، كي يعرفوا بوضوح الأسباب الدقيقة لمثل تلك المشاركات في الطقس الليترجي، وكذلك النُظم المختلفة المرعيّة الإجراء في مثل تلك الأحوال.
ويجب ألا يغيب البتّة عن النظر البُعد الكنسيُّ الكامن في المشاركة في الأسرار، وبالأخص المشاركة في الإفخارستيا المقدّسة.
تقدّم الحوار
59- منذ إنشائها، في العام 1979، عملت اللجنة المشتركة الدولية، للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية بكل اندفاع، موجّهة تدريجياً بحثها نحو تطلعات اختيرت، بالاتفاق التام، بغية إعادة ملء الشركة بين الكنيستين. ولسوف تجد هذه الشركة المبنية على وحدة الإيمان، في تواصل الاختبار وتقليد الكنيسة القديمة، تعبيرها الكامل في الاحتفال المشترك بالإفخارستيا المقدّسة. وإذ اتّسمت بروح بنّاء وارتكزت على نقاط التلاقي، استطاعت اللجنة المشتركة أن تتقدّم تقدّماً جوهرياً. وكما أتيح لي أن أعلن ذلك مع أخي الجليل، قداسة البطريرك المسكوني، ديمتريوس الأول، توصّلت تلك اللجنة إلى أن تعبّر “عمّا يمكم الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسيّة أن تقرّا به معاً كإيمانٍ مشتركٍ في سرّ الكنيسة والرابط بين الإيمان والأسرار” (97). ومن ثمّ استطاعت اللجنة أن ترى وتؤكد أن “الخلافة الرسوليّة، في كنائسنا، تُعتبر أساسيّة لتقديس شعب الله ووحدته” (98). إن في ذلك لمعالم مرجعيّة هامّةٍ لمتابعة الحوار. ولدينا أكثر من ذلك: إن تلك التأكيدات المشتركة تشكّل ركيزةً تؤهّل الكاثوليك والأرثوذكس لأن يعطوا منذ الآن، في عصرنا، شهادةً مشتركةً أمينةً ومتناسقة لإعلان اسم الله وتمجيده.
60- ومنذ عهدٍ قريب، قطعت اللجنة المشتركة الدوليّة شوطاً هامّاً بشأن القضيّة البالغة الحساسيّة، ألا وهي الأسلوب الواجب اتّباعه للبحث عن ملء الشركة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية، قضيّةٍ طالما كانت حجر عثارٍ في العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس. فأرست اللجنة قواعد عقائدية لكلٍّ إيجابيّ للمعضلة، ترتكز على عقيدة الكنيستين الشقيقتين. وفي هذا الإطار أيضاً، تبيّن بجلاءٍ أن الأسلوب الواجب اتّباعه لبلوغ ملء الشركة هو حوار الحقيقة يغذّيه ويسنده حوار المحبّة.
إن حقّ الكنائس الشرقية الكاثوليكية المعترف به في أن تنظّم نفسها وتقوم برسالتها، وكذلك التزامها الفعليّ في حوار المحبّة والحوار اللاهوتيّ، ستوفّر ليس فقط احتراماً أخويّاً حقيقياً بين الأرثوذكس والكاثوليك العائشين في منطقة واحدة، بل أيضاً عملاً مشتركاً في البحث عن الوحدة (99). ولقد تحقّق تقدّم في ذلك. فعلينا متابعة العمل. ومنذ الآن، يُلاحظ أن الأذهان قد هدأت، ممّا يجعل البحث أكثر خصباً.
أما بشأن الكنائس الشرقيّة التي هي في شركة مع الكنيسة الكاثوليكيّة، فقد أعلن المجمع القرار التالي: “فيما المجمع يحمد الله على أن كثيرين من الشرقيّين، أبناء الكنيسة الكاثوليكية […] هم على الشركة التامة مع إخوتهم الذين يحفظون التقليد الغربيّ، يعلن أن جميع هذا التراث الروحيّ واليترجيّ، المسلكيّ والقانونيّ، في مختلف تقاليده، هو جزءٌ لا يتجزأ من كاثوليكية الكنيسة ورسوليّتها” (100). ووفقاً لروح القرار في الحركة المسكونيّة، إن الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية سوف تعرف أكيداً أن تشارك إيجابياً في حوار المحبّة والحوار اللاهوتيّ على الصعيد المحليّ كما على الصعيد العام، فتُسهم بذلك في التفاهم المتبادل وفي البحث الحيويّ عن ملء الشركة (101).
61- وفي هذا البُعد، لا تريد الكنيسة الكاثوليكية غير ملء الشركة بين الشرق والغرب وتستوحي لذلك اختبار الألف الأول للمسيحيّة. ففي خلال تلك الحقبة، تبيّن، في الواقع، أنّ “التوسّع في العديد من اختبارات الحياة الكنسيّة لم يكن ليمنع المسيحيّين، من خلال علاقاتٍ متبادلة، من استمرار اليقين بأن يشعروا كأنهم في كنيستهم الخاصة، وهم في أيّة كنيسة أخرى، لأنه من جميع الكنائس كانت ترتفع، في تنّوع عجيبٍ للغات واللهجات، آيات التسبيح للآب الواحد، بالابن، وفي الروح القدس، جميعها كانت متحدةً للاحتفال بالإفخارستيا، قلب الجماعة ومثالها، ليس فقط في ما يخصّ الروحانيّة أو الحياة الخلُقية، بل أيضاً لبِنية الكنيسة نفسها، في تنوّع المناصب والخدمات، تحت سلطة الأسقف، خليفة الرسل. إن المجامع الأولى تُعتبر شهادةً بليغةً للوحدة القائمة في التنوّع” (102).
كيف نستعيد الوحدة بعد زهاء ألف سنة؟ تلك هي المهمّة الكبرى التي أُوكل إلى الكنيسة الكاثوليكية إنجازها، والتي أنيطت أيضاً بالكنيسة الأرثوذكسية. إنطلاقاً من هنا، بتنا نفقه كلَّ واقعية الحوار الذي يسنده نور الروح القدس وقدرته.
العلاقات مع الكنائس الشرقيّة القديمة
62- منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، وتحت أشكال مختلفة وبتواتر متباين، استأنفت الكنيسة الكاثوليكية العلاقات الأخويّة مع الكنائس الشرقيّة القديمة التي عارضت تعابير مجمعي أفسس وخلقيدونية العقائدية. جميع هذه الكنائس أوفدت مراقبين مندوبين إلى المجمع الفاتيكاني الثاني؛ وشرّفنا بطاركتها بزيارتنا، واستطاع أسقف روما أن يتحدّث إليهم كإلى إخوةٍ يُسعدهم أن يلتقوا بفرح، بعد فترة طويلة من الفراق.
إن استعادة العلاقات الأخوية مع الكنائس الشرقيّة القديمة، الشاهدة للإيمان المسيحيّ في ظروف غالباً ما كانت عدائية ومأساويّة، لبرهان حسيُّ أن المسيح يجمعنا بالرغم من الحواجز التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ولقد استطعنا، بالتحديد في ما يخصّ القضيّة المسيحانية، أن نعلن مع بعض بطاركة هذه الكنائس إيماننا المشترك بيسوع المسيح، الإله الحقّ والإنسان الحقّ.
إن البابا بولس السادس، السعيد الذكر، كان قد وقّع بياناتٍ مطابقةٍ لهذا التوجّه مع قداسة شنوده الثالث، بابا الكرازة المرقسيّة والبطريرك القبطيّ الأرثوذكسي (103)، ومع بطريرك إنطاكية للسريان الأرثوذكس، قداسة يعقوب الثالث (104). واستطعتُ أنا بنفسي أن أثبّت هذا الاتفاق المسيحانيّ ونستخلص منه نتائج لمتابعة الحوار مع البابا شنوده (105)، وللتعاون الراعويّ مع بطريرك أنطاكية السريانيّ مار إغناطيوس زكّا الأول عيواص (106).
ومع بطريرك كنيسة إثيوبيا الجليل، أبونا بولس، الذي زارني برومة في الحادي عشر من حزيران 1993، أشرنا إلى الشركة العميقة القائمة بين كنيستنا: “إنّا نشارك في الإيمان الواحد الموروث من الرسل، وفي الأسرار نفسها، وفي الخدمة نفسها المتأصلة في الخلافة الرسولية […] لذا يمكننا أن نؤكّد اليوم أنّا نؤمن الإيمان الواحد بالمسيح، بينما، لفترةٍ طويلة، كان ذلك الإيمان سبب خلافٍ بيننا” (107).
ومنذ عهدٍ قريب، منحني الربُّ الفرحة العظيمة بأن أوقّع بياناً مسيحانيّاً مشتركاً مع بطريرك المشرق للأشوريّين، قداسة مار دينخا الرابع الذي رغب لذلك في أن يزورني برومة، في شهر تشرين الثاني 1994. ومع أخذنا بعين الاعتبار الاختلافات في التعابير اللاهوتية استطعنا هكذا أن نعلن معاً إيماننا الحقيقي بالمسيح (108). وتعبيراً عن الفرح الذي يغمرني أردّد كلمات العذراء نفسها: “تعظّم نفسي الرب” (لوقا 1 / 46).
63- بالنسبة إلى المناظرات التقليدية حول المسيحانيّة، سمحت الاتصالات المسكونيّة بإجراء توضيحات جوهرية، ممّا ساعدنا على أن نعلن معاً إيماننا المشترك. ومرّةً أخرى نلاحظ أن كسباً بهذه الأهمية هو بالتأكيد ثمرة البحث اللاهوتيّ والحوار الأخويّ. وأكثر من ذلك: إنّا لنجد فيه تشجيعاً، فهو يُظهر لنا أن السبيل الذي نسير فيه هو الصحيح، وأنه بالإمكان أن نرجو بصوابٍ أن نجد معاً حلاً للقضايا الأخرى المتنازع فيها.
الحوار مع الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى في الغرب
64- في الإطار الواسع لإعادة الوحدة بين جميع المسيحيّين، يأخذ القرار المجمعيّ في الحركة المسكونيّة بعين الاعتبار أيضاً العلاقات مع الكنائس والجماعات الكنسيّة في الغرب. رغبةً منه في إحلال جوٍّ من الأخوّة المسيحيّة والحوار، صاغ المجمع تعليماته في إطار اعتبارين بفهومٍ عامّ، الواحد ذو طابع تاريخيّ ونفسانيّ، والثاني ذو طابع لاهوتيّ وعقائديّ. فمن جهة، أشارت الوثيقة إلى أن “الكنائس والجماعات الكنسيّة التي انفصلات عن الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ إبّان الأزمة الكبرى التي بدأت في الغرب، في غروب العصر الوسيط أو في ما بعد، تظلُّ متحدةً بالكنيسة الكاثوليكية بأواصر قربى خاصّة، أو بعلاقاتٍ ناجمةٍ عن الأمد المديد الذي سلخه الشعب المسيحيُّ في الشركة الكنسيّة في غضون القرون السالفة” (109). وعلاوةً على ذلك، يُلاح بالواقعيّة نفسها: “لابدَّ من الاعتراف بأن بين هذه الكنائس والجماعات من جهة، والكنيسة الكاثوليكية من الجهة الأخرى، فروقاً كبيرةً جدّاً، ليس من الجهة التاريخية والاجتماعية والنفسيّة والثقافية فقط، بل خصوصاً من جهة تفسير الحقيقة الموحى بها” (110).
65- إن الجذور مشتركة؛ وبالرغم من الاختلافات، فهي عناصر شبيهة وجّهت في الغرب تطوّرَ الكنيسة الكاثوليكية وتطوّر كنائس وجماعاتٍ منبثقةٍ عن حركة الإصلاح. فهي تملك إذن طابعاً غربيّاً مشتركاً. إن “الاختلافات” الآنف ذكرها، بالرغم من أهميّتها لا تنفي إذن التأثيرات المتبادلة والتكامل.
إن الحركة المسكونيّة أخذت انطلاقتها في كنائس الإصلاح وجماعاته. وفي الوقت نفسه، منذ كانون الثاني 1920، تمنّت البطريركيّة المسكونيّة أن ينظّم تعاون بين المذاهب المسيحيّة. يُظهر هذا الحدث أن تلاقي البعد الثقافيّ ليس جازماً. فالمهمّ، بالعكس، هو قضيّة الإيمان. إن صلاة المسيح، إلهنا الوحيد ومخلّصنا ومعلّمنا، تناشد الجميع بالطريقة نفسها، في الشرق كما في الغرب. وهي تصبح مبدأ ملزماًَ يأمرنا بالتخلّي عن انقساماتنا لنبحث عن الوحدة ونجدها، تحت تأثيرٍ من اختبارات الانقسام المرّة.
66- لا ينوي المجمع الفايتكانيّ الثاني “وصفَ” المسيحيّة اللاحقة الإصلاح، لأن “تلك الكنائس والجماعات الكنسيّة […] تتميّز تميّزاً بالغاً ليس عنا فقط، بل في ما بينها أيضاً”، وذلك “من جرّاء تباينها في الأصل والمعتقد والحياة الروحيّة” (111). وإلى ذلك يلاحظ القرار المجمعي نفسه أن الحركة المسكونيّة ورغبة السلام مع الكنيسة الكاثوليكية “لم تُفلحا بعد في أن تسودا في كلّ مكان” (112). بيد أن المجمع، بالرغم من ذلك، يعرض الحوار.
من ثمّ، يسعى القرار المجمعيّ إلى “الإشارة إلى بعض النقاط التي يمكن، بل يجب، أن تُستخدم أساساً ونقطة انطلاق لهذا الحوار” (113). “نقصد بوجهٍ خاصٍّ أولئك المسيحيّين الذين يعترفون جهراً بيسوع المسيح إلهاً وربّاً، وأنه الوسيط الوحيد بين الله والناس، لأجل مجد الله الواحد، الآب والابن والروح القدس” (114).
هؤلاء الإخوة يُظهرون كثيراً من الحبّ والإجلال للكتاب المقدّس: “وفيما يبتهلون إلى الروح القدس، يلتمسون الله في الكتاب المقدّس بالذات، على أنه هو الذي سلّمهم بالمسيح الذي تنبّأ عنه الأنبياء، والذي هو كلمة الله المتجسّد من أجلنا. ويتأمّلون فيه في حياة المسيح، وفي تعاليم المعلّم الإلهيّ وأعماله التي عملها لأجل خلاص الناس، ولاسيّما في سرّ موته وقيامته. […] ويؤكّدون للأسفار المقدّسة سلطاناً إلهيّاً” (115).
ولكن، في الوقت عينه، “فإن رأيهم يخالف رأينا […] في شأن العلاقة القائمة بين الكتاب المقدّس والكنيسة. ففي الكنيسة، بحسب الإيمان الكاثوليكيّ، تحتلُّ الهيئة المعلّمة الرسميّة محلاًّ خاصّاً، في تفسير كلمة الله المكتوبة والوعظ بها” (116).
“بيد أن الكلام الإلهيّ هو، في الحوار [المسكونيّ] بالذات، أداةٌ ممتازةٌ بيد الله القدير للحصول على هذه الوحدة التي يدعو المخلّص جميع الناس إليه” (117).
فضلاً عن ذلك، إن سرّ المعموديّة المشترك بيننا يمثّل “الرباط السرّيّ للوحدة القائمة بين الذين ولدوا بها ثانيةً” (118). عديدةٌ هي وهامّة التزامات المعمودية المشتركة، اللاهوتيّة والراعويّة والمسكونيّة. ومع أن هذا السرَّ لا يشكّل بذاته “إلاّ البداية ونقطة الانطلاق”، فإنه “يهدف إلى الشهادة الكاملة للإيمان، والولوج الكامل في تدبير الخلاص، كما أراده المسيح، وأخيراً إلى الانتظام الكامل في الشركة الإفخارستيّة” (119).
67- في فترة الإصلاح، برزت اختلافاتٌ عقائديّة وتاريخيّة بشأن الكنيسة والأسرار والخدمة الكهنوتيّة. فالمجمع يطلب إذن “أن يكون المعتقد حول عشاء الربّ وسائر الأسرار والعبادات وخِدَم الكنيسة، موضعَ الحوار” (120).
إن القرار المجمعي “الحركة المسكونية” يشير إلى أن الجماعات المنبثقة من الإصلاح “ليست معنا على الوحدة الكاملة الناجمة عن المعموديّة” ويلاحظ أنها “خصوصاً بسبب فقدان سرّ الكهنوت عندها، لم تحتفظ للسرّ الإفخارستيّ بجوهره الكليّ الخاصّ”، حتى إذا كانت “باحتفالها في العشاء المقدّس بذكرى موت الربّ وقيامته، تشهد بأن الحياة تقوم على الاتحاد بالمسيح، وتنتظر عودته المجيدة” (121).
68- ويلحظ القرار المجمعي الحياة الروحيّة والعواقب الأدبيّة، إذ يقول: “إن حياة هؤلاء الإخوة المسيحيّة تتغذّى من الإيمان، وتُفيد من نعمة المعمودية والإصغاء إلى كلمة الله؛ وتتجلّى في الصلاة الفرديّة، والتأمّل الكتابيّ، وحياة الأسرة المسيحيّة، وعبادة الجماعة ملتئمةً لتسبيح الله. زد على ذلك أن عبادتها، غالباً ما تشمل عناصر ذات شأنٍ من الليترجيا القديمة المشتركة” (122).
وإلى ذلك لا يكتفي القرار المجمعي بسرد تلك المظاهر الروحيّة والأدبيّة والثقافية بل يحيّي أيضاً، عند هؤلاء الإخوة، الشعور المرهف بالعدل والمحبّة الصادقة تجاه القريب، ولا تغرب عن باله أيضاً المبادرات التي يأخذونها لتحسين أوضاع الحياة في المجتمع ولنشر لواء السلام. وهذا كلُّه يقومون به عن إرادة صادقة في التمسّك بكلام المسيح، مصدراً للحياة المسيحيّة.
وهكذا يُبرز النصُّ إشكاليّة، على الصعيد الخلُقي والأدبيّ، تأخذ دوماً في عصرنا منحىً ملّحاً: “كثيرون من المسيحيّين لا يفهمون الإنجيل كما يفهمه الكاثوليك” (123). في هذا المجال الواسع، تتوفّر إمكاناتٌ كبيرةٌ للحوار بشأن مبادئ الإنجيل الخلقيّة وتطبيقها.
69- لقد استُجيبت تمنّيات المجمع الفاتيكاني الثاني ودعوته، فرأينا باب الحوار اللاهوتيّ الثنائيّ ينفتح، تدريجياً، بين مختلف الكنائس والجماعات المسيحيّة العالميّة في الغرب.
فضلاً عن ذلك، وللحوار المتعدّد الأطراف، أُخذت التدابير، منذ العام 1964، لوضع خطة إنشاء “فريق عمل مختلط” مع مجلس الكنائس العالميّ، ومنذ العام 1968، جاء لاهوتيّون كاثوليك، وشاركوا كأعضاءٍ كاملي العضويّة، في جلسات دائرة هذا المجلس اللاهوتيّة، لجنة “الإيمان والنظام”.
كان الحوار وسيظلّ خصباً وغنيّاً بالوعود. أما المواضيع التي اقترحها القرار المجمعيّ مادّةً للحوار، فلقد استؤنفت دراستها أو ستُستأنف بعد فترة وجيزة. وفي مختلف الحوارات الثنائيّة، تمحور التفكير الذي جرى بغيرةٍ تستحقّ مديح الجماعة المسكونيّة كلّها، حول عدّة قضايا متنازع فيها كالمعمودية والإفخارستيّا و الخدمة الكهنوتية وأسرارية الكنيسة وسلطتها والخلافة الرسولية. فرُسمت هكذا آفاقٌ للحلّ غير متوقعة؛ وفي الوقت عينه، أُدركت ضرورة معالجة بعض النقاط بطريقةٍ أعمق.
70- إن هذا البحث الصعب والدقيق الذي يطال قضايا إيمان كلّ فردٍ واحترام ضميره رافقته وساندته صلاة الكنيسة الكاثوليكية والكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى. إن الصلاة لأجل الوحدة المتأصلّة والمبثوثة في الجسم الكنسيّ، تدلّ على أن أهميّة القضيّة المسكونية لا تخفى على المسيحييّن. إن البحث عن الوحدة الكاملة يتطلّب نقاشاً في الإيمان بين المؤمنين الذين ينتمون إلى الربّ الواحد؛ لذلك فالصلاة هي مصدر نور يشعّ على الحقيقة الواجب تقبّلُها في كمالها.
وإلى ذلك، إن البحث عن الوحدة لا يمكن حصرّه في ندوةٍ من الأخصّائيّين، بل إنه يعني كلَّ معمّد، بفضل الصلاة. فجميعهم، بغضّ النظر عن دورهم في الكنيسة، وتربيتهم الثقافيّة، يُمكنهم أن يُسهموا مساهمةً فعّالة، بطريقة سرّية وعميقة.
علاقات كنسيّة
71- علينا أن نرفع آية الشكران للعناية الإلهيّة، عن كل الأحداث التي تشهد للتقدّم في سبيل البحث عن الوحدة. فإلى جانب الحوار اللاهوتيّ، نشير بحقٍّ إلى مظاهر اللقاء الأخرى، الصلاة المشتركة والتعاون العملّي. ولقد أعطى البابا بولس السادس دفعاً كبيراً لهذه السميرة، بزيارته مركز مجلس الكنائس العالميّ بجنيف، في العاشر من حزيران 1969، وبلقاءاته العديدة مع ممثّلي الكنائس والجماعات الكنسيّة المختلفة. ولقد أسهمت تلك الاتصالات، بفعاليّة، في تحسين التعارف المتبادل وتنمية الأخوّة المسيحيّة. في أثناء حبريّته القصيرة العهد، أعرب البابا يوحنا بولس الأول عن إرادته متابعة المسيرة (124). ولقد أعطاني الربُّ أن أعمل في هذا الاتجاه. فعلاوةً على لقاءاتٍ مسكونية هامّة برومة، إن قسماً عظيماً من زياراتي الراعويّة كرِّس بانتظام للشهادة من أجل وحدة المسيحيّين. والبعض من أسفاري يُبرز “أولويّة” مسكونيّة، بالأخصّ في البلدان التي تشكّل فيها الجماعات الكاثوليكية أقليّة بالنسبة إلى المذاهب المنبثقة من الإصلاح، أو في البلدان حيث تشكل المذاهب جزءاً كبيراً من المؤمنين بالمسيح.
72- يُطبَّق هذا بالأخصّ في البلدان الأوروبيّة حيث نشأت تلك الانقسامات وفي أميركا الشماليّة. في هذا الشأن، بدون إنقاص قيمة أيّ من تلك الزيارات، أريد أن أنوّه بنوع خاصّ بالزيارات التي قادتني، في القارة الأوروبية، مرتين إلى ألمانيا، في تشرين الثاني 1980، وفي نيسان – أيار 1987؛ الزيارة إلى المملكة المتحدة (إنكلترة واسكتلنده وبلاد الغال)، في أيار – حزيران 1982؛ إلى سويسرا، في حزيران 1984؛ إلى البلدان السكندينافية والشماليّة (فنلندا وأسوج ونروج والدانمارك وإيسلندا) التي قصدُتها في حزيران 1989. في الفرح والاحترام المتبادل والتضامن المسيحيّ والصلاة، إلتقيتُ العديد من الإخوة، وجميعهم ملتزمون البحث عن الأمانة للإنجيل. فكان لي هذا الاطّلاع مصدر تشجيع عظيماً، إذ اختبرنا معاً حضور الربّ في ما بيننا.
أودّ، بهذا الشأن، أن أذكّر بالموقف الذي أملته المحبّة الأخويّة واتّسم بطابع إيمان واع كلّ الوعي، الذي عشته ببالغ التأثّر. أفكّر هنا بالاحتفالات الإفخارستية التي رأستها في فنلندا وفي أسوج، خلال رحلتي إلى البلدان الشماليّة والسكندينافيّة. في فترة التناول، تقدّم الأساقفة اللوثريّون أمام المحتفل، مريدين بهذا العمل المقرَّر سويّةً أن يعربوا عن رغبتهم في أن نتوصّل، متى يمكننا ذلك، نحن الكاثوليك واللوثريّون إلى تقاسم الإفخارستيا نفسها. وإذ أرادوا نيل بركة المحتفل، فبكل محبّة منحتهم البركة. وتكرّرت الحركة نفسها، غنيّةً بالمعنى، في روما، في أثناء القداس الذي رأَستُه في ساحة فارنيز، بمناسبة الذكرى المئوية السادسة لإعلان قداسة القدّيسة بريجبت، في السادس من تشرين الأول 1991.
ولقد أتيح لي أن أخبر عواطف مماثلة ما وراء المحيط، بكندا، في أيلول 1984، وبالأخصّ في أيلول 1987 في الولايات المتحدة الأميركية حيث يُلمس انفتاحٌ مسكونيّ عظيم. هذا ما حدث مثلاً في أثناء اللقاء المسكونيّ، في 11 أيلول 1987، بكولومبيا في مقاطعة كارولينا الجنوبية. من المهمّ، بحدّ ذاتها، أن تتمَّ بانتظام مثل هذه اللقاءات بين الإخوة المنبثقين من الإصلاح والبابا. وإني أقرّ لهم بالجميل لأنهم استقبلوني بعظيم المودّة، سواءٌ المسؤولون عن الجماعات المختلفة أم الجماعات في مجملها. ومن هذا القبيل، أرى أن احتفال الكلمة المسكونيّ الذي جرى في كولومبيا له مغزى، وقد دار حول موضوع الأسرة.
73- ومن أسباب الفرح العظيم، أن نلاحظ، في فترة ما بعد المجمع وفي كلٍّ من الكنائس المحليّة، إلى أيّ درجة تتوفّر، من أجل وحدة المسيحيّين، المبادرات والنشاطات التي تشمل أيضاً المجالس الأسقفية والأبرشيّات والجماعات الرعويّة، ومختلف الدوائر والحركات الكنسيّة.
التآزر الذي تحقّق
74- “ليس كلّ من يقول لي: يا ربُّ، يا ربُّ! يدخل ملكوت السماوات؛ بل الذي يعمل إرادة أبي الذي في السماوات” (متى 7 / 21). يتحقّق تناسق النوايا ونزاهته عندما توضع موضع التنفيذ في الحياة الواقعيّة. ويشير القرار المجمعي في الحركة المسكونيّة إلى “أنّ الإيمان بالمسيح – عند المسيحيّين الآخرين – يُنتج ثمار الحمد والشكر لله على الإحسانات التي أولاها. وإلى هذا يُضاف الشعور المرهف بالعدل، والمحبة الصادقة تجاه القريب” (125).
وما يلمَّح إليه تلميحاً يمكن أن يكون مجالاً خصباً ليس للحوار وحسب، إنما أيضاً للتعاون الفعّال: “وقد حدا هذا الإيمان العامل على إنشاء مبرّاتٍ لتلطيف وطأة البؤس الروحيّ والجسديّ، ولتربية الأحداث، وتحسين أوضاع الحياة المجتمعية، ونشر لواء السلام الوطيد في كل مكان” (126).
وتقدّم الحياة الاجتماعية والثقافيّة حقلاً واسعاً للتعاون المسكونيّ، فيتلاقى المسيحيّون على الدوام أكثر للدفاع عن الكرامة الإنسانيّة، ولتنشيط منافع السلام، ولتطبيق الإنجيل على الصعيد الاجتماعيّ، ولإحلال الفكر المسيحيّ في العلوم والفنون. إنهم يتلاقون دائماً أكثر عندما يُدعون إلى مساعدة البؤساء، وإلى معالجة مصائب عصرنا، الجوع والكوارث الطبيعيّة والظلم الاجتماعيّ.
75- إن هذا التعاون الذي يستوحي الإنجيل نفسه لا يرى فيه المسيحيّون البتّة مجرّد عملٍ إنسانيّ. إنه يجد علّة كيانه في كلام الربّ: “كنت جائعاً فأطعمتموني” (متى 25 / 35). وكما سبق وأشرت إلى ذلك، إن تعاون جميع المسيحيّين يعبّر بوضوح عن مدى الشركة القائمة بينهم (127).
في نظر العالم، يتّخذ حينئذٍ عمل المسيحيّين المتضامن في المجتمع قيمة شهادةٍ مسيحيّة ناصعة يؤدّونها بالتعاون باسم الربّ. وتتّسع بالتالي إلى أبعاد بشارة، لأنها تكشف وجه المسيح.
إن الإصرار على الاختلافات العقائديّة يحدّ من التعاون ويؤثّر سلباً عليه. أما الشركة في الإيمان القائمة منذ الآن بين المسيحيّين تقدّم أساساً راسخاً ليس لعملهم المشترك وحسب في الحقل الاجتماعيّ، بل أيضاً في الحقل الدينيّ.
ولسوف يسهّل هذا التعاون البحث عن الوحدة. وهذا ما سبق وأشار إليه القرار في الحركة المسكونيّة، إذ قال: “إن جميع المؤمنين بالمسيح يجدون في هذا التعاون السبيل إلى المزيد من التعارف والتقدير المتبادل، ثم تهيئة السبيل إلى الوحدة المسيحيّة” (128).
76- وكيف لا نذكر، في هذا الإطار، الاهتمام المسكونيّ بالسلام المعبَّر عنه في الصلاة والعمل، مع مساهمةٍ متزايدة للمسيحيّين وتعليلٍ لاهوتيّ يزداد أكثر فأكثر تعمّقاً؟ لا يمكن أن يكون غير ذلك على الإطلاق: ألسنا نؤمن بيسوع المسيح، رسولاً للسلام؟ ولقد بات المسيحيّون أكثر تضامناً لنبذ العنف، كل أنواع العنف، بدءاً بالحروب حتى الظلم الاجتماعيّ.
إنّا مدعوّون إلى التزامٍ دائم النشاط، حتى يستبين بوضوح أكبر أن التعليلات الدينية ليست السبب الحقيقيَّ للنزاعات القائمة، ولئن لم يُتدارك، ويا للأسف!، خطرُ استغلالها لأهدافٍ سياسيّة وجداليّة.
في العام 1986، في خلال اليوم العالمي للصلاة لأجل السلام، بأسّيز، توسّل المسيحيّون من مختلف الكنائس والجماعات الكنسيّة، بصوتٍ واحد، إلى سيّد التاريخ لأجل السلام في العالم. وفي هذا اليوم، وبطريقةٍ مختلفة ولكن متوازية، صلّى اليهود وممثّلو الأديان غير المسيحيّة لأجل السلام، في وحدةٍ من العواطف اهتزّت لها أوتار الفكر البشريّ الأكثر إحساساً. ولن أنسى يوم الصلاة لأجل السلام في أوروبا وبالأخصّ في البلقان، الذي أعادني حاجّاً إلى مدينة القديس فرنسيس، في التاسع والعاشر من كانون الثاني 1993؛ ولن أنسى القداس لأجل السلام في البلقان وبالأخصّ في البوسنة – الهرتسك الذي رأستُه في الثالث والعشرين من كانون الثاني 1994، بكاتدرائية القديس بطرس، في إطار أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيّين.
إذا ما أجَلنا الطرف في العالم، يغمر الفرح قلبنا، إذ نلاحظ أن المسيحيّين يشعرون دوماً أكثر أن قضيّة السلام تناديهم. فباتوا يعتبرونها مرتبطة كلَّ الارتباط بإعلان الإنجيل وحلول ملكوت الله.
الفصل الثالث
أين نحن من المسيرة؟
متابعة الحوار وتكثيفه
77- يمكننا أن نتساءل الآن: أيُّ مسافةٍ تفصلنا بعد عن اليوم المبارك الذي نستطيع فيه، وقد بلغنا ملءَ الوحدة في الإيمان، أن نحتفل معاً، في الوئام، بإفخارستيا الربّ المقدَّسة. إن التقدّم الذي أحرزناه حتى الآن في المعرفة المتبادلة، ونقاط التلاقي العقائديّة التي بلغنا إليها قد أثمرت تعمّقاً في الشركة عاطفيّاً وفعليّاً؛ ولكنها لا يمكن أن ترضي ضمير المسيحيّين الذين يؤمنون بكنيسةٍ واحدةٍ، مقدّسةٍ، جامعةٍ ورسوليّة. إن الهدف الأسمى للحركة المسكونية هو إعادة ملء الوحدة الظاهرة بين جميع المعمَّدين.
بالنسبة إلى هذا الهدف، ليست النتائج التي حصلنا علينا حتى الآن سوى مرحلة، ولكنها، وآيمُ الحقّ، مرحلةٌ واعدةٌ وإيجابية.
78- في الحركة المسكونيّة، لا تتفرّد الكنيسة الكاثوليكية، مع الكنائس الأرثوذكسية، في امتلاك هذا التصوّر المتطلّب للوحدة التي أرادها الله. إن الميل إلى بلوغ تلك الوحدة يعبّر عنه أيضاً عند الآخرين (129).
يفترض العمل المسكوني تعاون الجماعات المسيحيّة المتبادل كي تجعل في ذاتها، حقّاً حاضراً، جميع محتوى ومتطلّبات “الميراث الذي نقله إليها الرسل” (130). بدون ذلك لا يمكن البتّة أن تتمّ ملءُ الشركة. فالتعاون المتبادل في البحث عن الحقيقة يمثّل أسم أشكال المحبّة الإنجيلية.
ولقد عُبّر عن نشدان الوحدة في مختلف وثائق لجان الحوار العديدة المختلطة الدوليّة، إذ تتحدَّث تلك النصوص عن المعمودية والإفخارستيا والخدمة الكهنوتيّة والسلطة، انطلاقاً من بعض الوحدة الأساسيّة في العقيدة.
من هذه الوحدة الأساسيّة، المجتزأة، علينا أن ننطلق الآن إلى وحدةٍ ظاهرة ضرورية وكافية، تنسبك في الحقيقة الواقعيّة، كي تحقّق الكنائس فعلاً علامة الشركة الكاملة في الكنيسة الواحدة، المقدّسة، الجامعة، والرسوليّة، ويعبَّر عنها في الاحتفال المشترك بالإفخارستيّا.
إن المسيرة نحو الوحدة الظاهرة الضرورية والكافية، في شركة الكنيسة الواحدة التي أرادها المسيح، تتطلّب بعد جهداً صبوراً وشجاعاً. بفعلنا هذا، يليق ألاّ نفرض واجباتٍ أخرى غير التي لا يمكم الاستغناء عنها (انظر أع 15 : 28).
79- منذ الآن يمكن أن نميّز المواضيع الواجب التعمّق فيها كي نبلغ توافقاً واحداً في الإيمان.
1) العلاقات بين الكتاب المقدّس، السلطة العليا في موضوع الإيمان، والتقليد المقدّس، التفسير الذي لا يمكن الاستغناء عنه لكلام الله؛
2) الإفخارستيا، سرّ جسد المسيح ودمه، تقدمة الحمد للآب، وذكرى ذبيحة المسيح وحضوره الحقيقيّ، وفيض الروح القدس المقدّس،
3) الرسامة، كسّرٍ ثلاثيّ الخدمة: الأسقفية والكهنوت والشموسيّة؛
4) السلطة العليا في الكنيسة التي مُنحت للبابا وللأساقفة بالشركة معه، والتي تُعتبر مسؤوليةً وسلطةً باسم المسيح للتعليم والمحافظة على الإيمان؛
5) العذراء مريم، أمّ الله وأيقونة الكنيسة، الأمّ الروحيّة التي تضرع من أجل تلاميذ المسيح والبشرية جمعاء.
في هذه المسيرة الشجاعة نحو الوحدة، يفرض وضوح الرؤية وحذر الإيمان أن نتحاشى الرغبة في السلام الكاذب واللامبالاة لمبادئ الكنيسة (131). وبالمقابل، يوصينا الوضوح نفسه والحذر عينه أن نقصي عنا الفتور في الالتزام من أجل الوحدة، وأكثر من ذلك المناهضة السابق تصميمها أو التشاؤم الذي يُقضى إلى رؤية كلّها سلبيّة.
إن المحافظة على مفهومٍ للوحدة يأخذ بعين الاعتبار جميع متطلبّات الحقيقة الموحى بها، لا يعني أن نلجم الحركة المسكونيّة (132). على العكس من ذلك، إن هذا يعني تحاشي التوافق حول حلول مشبوهة لا تفضي إلى شيءٍ ثابتٍ أو متين (133). إن تطلّب الحقيقة يجب أن يبلغ النهاية. أليست تلك شريعة الإنجيل؟
تقبّل النتائج المكتسبة
80- فيما يُتابع الحوار حول مواضيع جديدة، أو يتطرّر على مستوى أعمق، أنيطت بنا مسؤولية جديدة علينا تنفيذها، ألا وهي تقبّل النتائج المكتسبة حتى الآن. فلا يمكنها أن تبقى تأكيداتٍ صادرةٍ عن لجان ثنائية، بل يجب أن تصبح إرثاً مشتركاً. وللبلوغ إلى هذا، ولتقوية روابط الشركة، علينا أن نقوم بفحصٍ للضمير جدّي، يعني شعب الله بمجمله، وبطرقٍ مختلفة وبالنظر إلى صلاحيّات متعدّدة. في الواقع، غالباً ما يعني ذلك قضايا تمسّ الإيمان، وتفترض توافقاً شاملاً، بدءاً من الأساقفة حتى المؤمنين العلمانيّين، لحصولهم جميعاً على مسحة الروح القدس (134). وهو الروح نفسه الذي يعضد السلطة العليا ويثير معنى الإيمان.
وبغية تقبّل نتائج الحوار، يجب السير في خطة تحليليّة واسعة ودقيقة لتحليل تلك النتائج والتحقّق الدقيق من توافقها وتقليد الإيمان الذي نلناه من الرسل وحييناه في جماعة المؤمنين الملتئمة حول الأسقف، الراعي الشرعيّ.
81- إن هذه الخطة الواجب اتّباعها بحذرٍ وبموقف إيمان، سوف يعضدها الروح القدس. ولكي تأتي بنتائج مُرضية، من الواجب أن تُذاع خلاصتها بطريقةٍ ملائمة وعن يد أشخاص أخصائيين. وتتّصف بالأهمية الكبرى المساهمات التي يُدعى إلى تقديمها اللاهوتيّون ومعاهد اللاهوت، بوضعهم موضع العمل مواهبهم في الكنيسة. من الواضح أيضاً أن للّجان المسكونيّة دوراً ومسؤوليّة مميّزين في هذا الشأن.
إن الأساقفة والكرسيّ الرسولي يتتبّعون مراحل هذه الخطة ويساندونها. وتعود إلى السلطة التعليمية مسؤولية إبرام الحكم النهائيّ.
في هذا كلّه، إنه لمن المفيد جدّاً، على الصعيد المنهجيّ، أن نلتزم التمييز بين وديعة الإيمان والأسلوب الذي يعبّر به عنه، كما أوصى بذلك البابا يوحنا الثالث والعشرون في الخطاب الذي ألقاه، لدى افتتاح المجمع الفاتيكانيّ الثاني (135).
متابعة العمل المسكونيّ الروحانيّ وتأدية شهادة القداسة
82- لا شكّ أن جسامةَ الالتزام المسكونيّ تنادي المؤمنين الكاثوليك في العمق، والروحَ يدعوهم إلى فحصٍ للضمير جدّيّ. وعلى الكنيسة الكاثوليكية أن تلج في ما يمكن أن يسمّى “حوار الارتداد”، حيث يكمن الأساس الروحانيّ للحوار المسكونيّ. في هذا الحوار الجاري في حضرة الله، على كلّ واحدٍ أن يبحث عن أخطائه الخاصّة ويقرَّ بخطاياه ويرتمي بين يدي الذي هو الوسيط عند الآب، يسوع المسيح.
من المؤكّد أن القدرة الضرورية للبلوغ بالمسيرة المسكونيّة، الطويلة والصعبة، إلى الغاية المرتجاة تتوفّر في هذه العلاقة، علاقة الارتداد إلى مشيئة الآب، وفي الوقت عينه، علاقة التوبة والثقة الكاملة بقدرة الحقيقة المصالحة، أي المسيح.
إن “حوار ارتداد” الجماعات كلّها إلى الآب، بدون شفقة على ذواتها، يشكّل أساس العلاقات الأخويّة التي تختلف كلَّ الاختلاف عن اتفاقٍ حبّي أو تعايشٍ خارجيّ. إن روابط الجماعة الأخويّة تُعقد أمام الله وفي المسيح يسوع.
مجرّد امتثالنا في حضرة الله يمكن أن يُرسي أساساً متيناً لارتداد المسيحيّين، والإصلاح الدائم للكنيسة، بصفتها أيضاً مؤسّسة بشريّة وأرضيّة (136)؛ وهكذا تُعقد الشروط المهيَّئة لكل عمل مسكونيّ. إن أحد العناصر الجوهريّة للحوار المسكونيّ يتمثّل بالجهد المبذول لجلب الجماعات المسيحيّة إلى المجال الروحانيّ الداخليّ حيث المسيح، بقدرة الروح، يوحي إليها جميعها بدون استثناء أن تفحص ذاتها بحضرة الآب وتتساءَل هل كانت أمينةً لتدبيره في الكنيسة.
83- لقد تحدّثتُ عن مشيئة الآب وعن المجال الروحانيّ حيث كلّ جماعة تسمع النداء الذي يدعوها إلى تجاوز الحواجز التي تحول دون الوحدة. في الواقع، إن الجماعات المسيحيّة كلَّها تعرف أن مثلَ هذا التطلّب ومثل هذا التسامي ليسا بعيدين عن متناولها، بالقدرة التي يمنحها الروح. ففي صفوفها جميعها شهداء للإيمان المسيحيّ (137). بالرغم من مأساة الانشقاق، حافظ هؤلاء الإخوة في ذواتهم على تمسّك جذرّي ومطلقٍ بالمسيح وبالآب حتى إنهم صاروا إلى إراقة الدم. أليس هو أيضاً ذاك التمسّك الذي يحصل في ما سمّيته “حوار الارتداد”؟ أليس هو ذاك الحوار الذي يؤكد ضرورة المضيّ حتى نهاية اختبار الحقيقة من أجل ملء الشركة؟
84- بحسب وجهة نظر مركزة على الله، إنّا لدينا، نحن المسحيّين “سفر شهادة” مشترك، ينطوي أيضاً على شهداء من عصرنا، أكثر ممّا يمكن أن نتصوّر. وهذا السفر يُظهر، في العمق، أن الله يصون الشركة لدى المعمَّدين بأقصى ما يتطلّبه الإيمان، تعبّر عنه ذبيحة الحياة (138). وإذا ما كان الإنسان يستطيع أن يُستشهد من أجل الإيمان، فهذا يبرهن أنه بالإمكان البلوغ إلى الهدف عندما الأمر يعني مظاهر أخرى للمتطلَّبات نفسها.
لقد سبق ولاحظت بفرح أن الشركة ثابتة وحقيقيّة وإن تكن ناقصة، وأنها تنمو على مختلف مستويات الحياة الكنسيّة. وأرى أنها بلغت الكمال في ما نعتبره جميعنا قمّة حياة النعمة، أي الشهادة حتى الموت، وهي أصدق شركة مع المسيح السافكِ دمه، والذي، بذبيحته، يصيّر قريبين من كانوا قبلاً بعيدين (أفس 2 / 13).
إذا كانت الجماعات المسيحيّة كلُّها تعتبر الشهداء برهاناً لقدرة النعمة، فليسوا مع ذلك الوحيدين ليشهدوا لهذه القدرة. إن شركة جماعاتنا غير التامة يضمّها، وإن بطريقة غير مرئيّة، بالتحامٍ متين، ملءُ شركة القدّيسين، أي هؤلاء الذين يدخلون في شركةٍ مع المسيح الممجَّد، في نهاية حياةٍ أمينةٍ للنعمة. هؤلاء القديسون يأتون من كلّ الكنائس والجماعات الكنسيّة التي فتحت أمامهم المدخل إلى شركة الخلاص.
عندما يُتحدَّث عن إرثٍ مشترك، علينا أن نضمّنه ليس فقط المؤسسات والطقوس ووسائل الخلاص والتقاليد التي حافظت عليها الجماعات كلُّها وبها انتظمت، بل يجب أن نضمّنه في الطليعة واقع القداسة هذا (139).
بفضل إشعاع “ميراث القدّيسين” المنتمين إلى الجماعات كلّها، يظهر حينئذٍ “حوار الارتداد” إلى الوحدة الكاملة والمرئيّة تحت ضوء الرجاء. لأن حضور القديسين الشامل يقيم الدليل على سموّ قدرة الروح. إنه علامة وبرهان عن انتصار الله على قوى الشرّ التي تقسم البشرية. وكما تنشد ذلك الليترجيّات، “فإنّ الله يتوّج عطاياه الخاصّة بتتويجه مآثر [القديسين]” (140).
عندما تتوفّر الإرادة الصادقة لاتّباع المسيح، غالباً ما يعرف الروح أن يفيض نعمته بطرقٍ تختلف عن الطرق العاديّة. ولقد سمح لنا الاختبار المسكونيّ أن نحسن فهم ذلك. وإذا عرفت الجماعات حقّاً أن “ترتدّ”، في المجال الروحانيّ الداخليّ الذي وصفته، بحثاً عن الشركة الكاملة والمرئيّة، فإنّ الله سيصنع لها ما سبق وصنعه لقدّيسيه. إنه سيتجاوز الحواجز الموروثة من الماضي ويقودها في طرقه حيثما يشاء إلى الشركة المرئيّة التي هي، في الوقت عينه، حمدٌ لمجده وخدمةٌ تؤدَّى لتدبيره الخلاصيّ.
85- ولأنه تعالى، برحمته التي لا حدّ لها، يستطيع دوماً أن يستخلص خيراً حتى من الأوضاع التي تناقض تدبيره، يمكننا أن نكتشف أن الروح قد عمل بحيث إن العوائق تساعد، في بعض الظروف، على إيضاح مختلف مظاهر الدعوة المسيحيّة، كما يحصل في حياة القديسين. بالرغم من الانشقاقات التي هي شرّ، علينا أ، نُشفى منه، فلقد تحقّق مع ذلك نوعٌ من تواصل غنى النعمة يهدف إلى زيادة الشركة جمالاً. إن نعمة الله تحلّ في جميع الذين يجهدون في اتّباع متطلّباتها، على مثال القديسين. ونحن كيف يمكننا التردّد في الارتداد إلى ما ينتظره الآب؟ إنه معنا.
مساهمة الكنيسة الكاثوليكية في البحث عن وحدة المسيحيّين
86- إن الدستور العقائديّ “الكنيسة” (نور الأمم) قد صرّح، في احد تأكيداته الأساسيّة التي كرّرها القرار المجمعيّ “الحركة المسكونيّة” (141)، أن كنيسة المسيح الواحدة حاضرةٌ في الكنيسة الكاثوليكية (142). وينوّه القرار حول الحركة المسكونيّة بوجود ملء وسائل الخلاص فيها (143). إن الوحدة الكاملة ستتحقّق عندما يشارك الجميع في ملء وسائل الخلاص التي عهد بها المسيح إلى كنيسته.
87- في السبيل الذي يؤدّي إلى ملء الوحدة، يجهد الحوار المسكوني في إثارة مساندةٍ أخويّة متبادلة تسعى بها الجماعات إلى تبادل ما يعوز كلاً منها للنموّ وفق التدبير الإلهيّ إلى أن تبلغ الاكتمال النهائيّ (انظر أفس 4 / 11 – 13). لقد قلت إنّا، بصفتنا كنيسة كاثوليكية، نحن نعرف أنّا تقبّلنا كثيراً من الشهادة والأبحاث وحتى من الطريقة التي بها نوّهت الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى ببعض ثروات المسيحيّين المشتركة وعاشتها. وممّا تحقّق من تقدّم، خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، يجب أن نشيد بذاك التأثير الأخويّ المتبادل. وبالنسبة إلى ما بلغناه (144)، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار جدّياً تلك الفعّاليّة في الإغناء المتبادل.
وإذ يرتكز هذا الإغناء على الشركة القائمة حتى الآن بفضل العناصر الكنسيّة المتوفّرة لدى الجماعات المسيحيّة، فإنه لا بدَّ أن يقود نحو الشركة الكاملة والمرئية، ذلك الهدف المرتجى من مسيرتنا الحاضرة. إنها المظهر المسكونيّ لشريعة الإنجيل في المشاركة. ممّا يدعوني إلى أن أكرّر: “علينا أن نحمل في كلّ شيء الاهتمام بأن نلاقي ما يرغب فيه شرعاً وما ينتظره منا إخوتنا المسيحيّون الآخرون، بالاطلاع على أسلوب تفكيرهم ومشاعرهم […]. يجب أن تنّمى مواهب كلّ واحد لمنفعة الجميع ومصلحتهم” (145).
خدمة أسقف روما للوحدة
88- ما بين الكنائس والجماعات الكنسيّة كلّها، تعي الكنيسة الكاثوليكيّة تمام الوعي أنها حافظت على خدمة خليفة الرسول بطرس، أسقف روما الذي نصبّه الله “كمبدأ وأساسٍ دائمين ومنظورين للوحدة” (146)، والذي يعضده الروح كي ينعم الآخرون جميعهم من هذا الخير الجوهريّ. وفقاً للتعبير الجميل الذي تفوّه به البابا غريغوريوس الكبير، فإن خدمتي هي خدمة خادم خدّام الله. إن هذا التحديد هو الحامي الأكبر ضدّ خطر فصل السلطة (وبالأخصّ الأولوّية) عن الخدمة، ممّا يشكل تناقضاًَ ومفهوم السلطة حسب الإنجيل: “أنا في وسطكم كالذي يخدم” (لوقا 22 / 27)، قال ربُّنا يسوع المسيح، رأس الكنيسة.
من جهة أخرى، كما أتيح لي أن أعلن ذلك في خلال اللقاء المهمّ بمجلس الكنائس العالميّ بجنيف، في الثاني عشر من حزيران 1984، إن اعتقاد الكنيسة الكاثوليكية المرئيّة وضمانة الوحدة في خدمة أسقف روما، يُشكّل عقبةً لغالبيّة المسيحيّين الآخرين الذين دَمغت ذاكرتهم بعض الذكريات الأليمة. فعمّا نحن مسؤولون أطلب الغفران، كما فعل سلفي بولس السادس (147).
89- مع ذلك، إنه لمن المعبّر والمشجّع أن قضيّة أولويّة أسقف روما أصبحت، في الوقت الراهن، موضوع دراسات، حاليّة أو للمستقبل، كما أنه معبّرٌ ومشجّعٌ أن تكون هذه القضية مسألة جوهريّة تُدرج ليس فقط في الحوارات اللاهوتيّة التي تجربها الكنيسة الكاثوليكية مع الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى، بل أيضاً عامّةً في مجمل الحركة المسكونيّة.
منذ عهدٍ قريب، أوصى المشتركون في الجمعيّة العالميّة الخامسة للجنة “الإيمان والنظام” المنبثقة عن مجلس الكنائس العالميّ والمنعقدة في القديس يعقوب بكومبوستيل، بأن تباشر اللجنة بدراسة جديدة حول قضيّة الخدمة الشاملة للوحدة المسيحيّة (148). وبعد قرون من المناظرات العنيفة، أخذت الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى تبحث دوماً أكثر وبرؤية جديدة هذه الخدمة للوحدة (149).
90- إن أسقف روما هو أسقف الكنيسة التي لا تزال موسومةً بشهادتي بطرس وبولس: “بتدبير من العناية الإلهيّة عجيب، في روما أنهى [بطرس] مسيرته على أثر يسوع، وفيها أعطى ذاك البرهان الأعظم عن محبته وأمانته. وفي روما أيضاً أعطى بولس، رسول الأمم، الشهاد الأسمى وهكذا أصبحت كنيسة روما كنيسة بطرس وبولس” (150).
يحتل شخص بطرس في العهد الجديد مقاماً مرموقاً. ففي القسم الأول من سفر أعمال الرسل، يظهر كرئيس ومتكلّم باسم مصفٌ الرسل، المعروف باسم “بطرس… مع الأحدَ عشر” (2 / 4؛ انظر 2 / 37؛ 5 / 29). إن المقام المكرّس لبطرس يرتكز على أقوال المسيح نفسها، كما حفظتها التقاليد الإنجيلية.
91- يصف إنجيل متى ويحدّد رسالة بطرس الراعويّة في الكنيسة: طوبى لك، يا سمعان باريونا، فإنه ليس اللحمُ والدمُ أعلنا لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك: أنت صخرٌ، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي؛ وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات: فكلُّ ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وما تحلُّه على الأرض يكون محلولاً في السماوات” (16 / 17 – 19).
أما لوقا فيشير إلى أن المسيح أوصى بطرس بأن يثبّت إخوته، فيما يُظهر له في الوقت عينه ضعفه البشريّ وحاجته إلى التوبة (انظر 22 / 3 – 32). كأنما، انطلاقاً من ضعف بطرس البشريّ، بات من الواضح تمام الوضوح أن خدمته المميّزة في الكنيسة هي من فعل النعمة؛ وكأنما سعى المعلّم لارتداده كي يهيئّه للمهّمة التي كان مزمعاً أن ينتدبه إليها في كنيسته، وكأنه كان يتطلّب منه الكثير.
إن دور بطرس نفسه المرتبط على الدوام بتأكيد ضعفه الواقعيّ نجده أيضاً في الإنجيل الرابع: “يا سمعان بن يوحنا، أتحبنّي أكثر من هؤلاء؟.. ارعَ نعاجي” (انظر يوحنا 21 / 15 – 19). وإنّ لفي هذا أيضاً تعبيراً خاصّاً أن المسيح الناهض من بين الأموات ظهر لكيفا أولاً ثمّ للاثني عشر، على حدّ ما جاء في رسالة القديس بولس الأولى إلى الكورنثيّين (15 / 5).
إنه لمن المهمّ أن نلاحظ أن ضعف بطرس وبولس يؤكّد أن الكنيسة ترتكز على قدرة النعمة التي لا نهاية لها (انظر متى 16 / 17؛ 2 كو 12 / 7 – 10). فبطرس، حالاً بعد توليته السلطة، يؤنبه المسيح بقساوة نادرة، قائلاً: “إنك لي معثرة” (متى 16 / 23). فكيف يمكن ألاّ نرى في الرحمة التي يحتاج إليها بطرس رابطاً مع خدمة تلك الرحمة نفسها التي كان هو الأوّل ليختبرها؟ ومع ذلك، فإن سيُنكر يسوع ثلاث مرّات. ويشير إنجيل يوحنا أنه أنيطت ببطرس رعاية القطيع جواباً عن اعترافه ثلاثةً بالحبّ (انظر 21 / 15 – 17)، مقابل نكرانه الثلاثيّ (انظر 13 / 38). ومن جهته يشدّد لوقا، في كلام يسوع الوارد ذكرُه آنفاً والذي حفظه التقليد الأول ليحدّد رسالة بطرس، على أن هذا الأخير عليه “أن يثبّت إخوته متى يعود” (انظر 22 / 31).
92- أما بولس فيمكنه أن يختتم وصفَ خدمته بالتأكيد المؤثّر الذي أُعطي له أن يلتقطه من شفتي الربّ: “تكفيك نعمتي: لأن قوّتي يبدو كمالُها في الوهن”، فيستطيع أن يصرخ لاحقاً: “لأني متى ضعُفت فحينئذٍ أنا قويّ” ( 2كو 12 / 9 – 10). تلك هي إحدى خصائص الاختبار المسيحيّ الأساسيّة.
إن أسقف روما، وريث رسالة بطرس في الكنيسة التي أخصبها دم ُ زعيمي الرسل، يمارس خدمته النابعة من مختلف مظاهر رحمة الله، الرحمة التي تردّ القلوب وتمنح قوّة النعمة، حيثما التلميذ يعرف الطعم المرّ لضعفه وشقائه. إن السلطة الخاصّة بهذه الخدمة موضوعة كلُّها في تصرّف تدبير الرحمة الإلهيّة، ويجب على الدوام أن ننظر إليها من وجهة النظر هذه. وسلطانها يُفهم بهذا المعنى.
93- إن خليفة بطرس، بارتكازه على اعتراف الرسول الثلاثي بالحبّ مقابل إنكاره الثلاثيّ، يعرف أنّ عليه أن يكون علامة رحمة. وخدمتُه هي خدمة رحمة، تنبع من عمل رحمة المسيح. يجب على الدوام أن نُعيد قراءة أمثولة الإنجيل هذه كلّها، كي لا يضيع شيءٌ البتّة من أصالة ممارسة الخدمة البطرسيّة وشفافيّتها.
إن المسيح يدعو كنيسة الله كي تعلن لعالمٍ يكبّله تشابك أخطائه ومقاصده الفاسدة أن الله، بالرغم من كل شيء، يستطيع، في رحمته، أن يردّ القلوب إلى الوحدة ويوصلها إلى الشركة معه.
94- إن خدمة الوحدة هذه، المتأصّلة في عمل الرحمة الإلهيّة، أوكلت، داخل صفّ الأساقفة نفسه، إلى واحدٍ من أولئك الذين أعطاهم الروح، لا أن يمارسوا مهمّة تسلّط على الشعب – كما يفعل رؤساء الأمم وعظماؤهم (انظر متى 20 / 25؛ مرقس 10 / 42) – بل أن يقودوا الشعب في مسيرته نحو المراعي الآمنة. وهذه المهمّة يمكن أن تفرض تقدمة الحياة ذاتها (انظر يوحنا 10 / 11 – 18).
بعد أن بيّن أن المسيح هو “الراعي الأوحد، الذي بالوحدة معه لا يكون الجميع إلاّ واحداً” ، يحرّض القديس أوغسطينس قائلاً: “ليكن الرعاة جميعهم، إذن، في راع واحد، ليُسمعوا صوت الراعي الواحد؛ ولتصغ إليه النعاج، لتتبع راعيها، لا هذا ولا ذاك، بل الأوحد. وليُسمِع الجميع فيه، صوتاً واحداً، لا أصواتاً متنافرة […] وهذا الصوت، المتحرّر من كل انشقاق والنقيّ من كل هرطقة، لتصغ إليه النعاج” (151).
إن رسالة أسقف روما، وسط جماعة الرعاة، تقوم في الواقع على “السّهر”، كخفير، بحيث يُسمع، بفضل الرعاة، في جميع الكنائس الخاصة صوت المسيح – الراعي الحقيقيّ. وهكذا تتحقق في كلٍّ من الكنائس الخاصة الموكولة إليهم، الكنيسة الواحدة المقدّسة الجامعة الرسولية. إن الكنائس جميعها هي في الشركة الكاملة والمرئية لأن الرعاة أنفسهم هم في شركة مع بطرس، وهكذا في وحدة المسيح.
على أسقف روما أن يؤمّن شركة الكنائس كلّها، بالسلطة والسلطان اللذين بدونهما تكون تلك الوظيفة وهميّة. وبصفته هذه، إنه أوّل خدّام الوحدة. وتمارس الأولوية على أصعدة مختلفة تعني السَّهر والحذر على نقل الكلمة، وعلى الاحتفال بالأسرار والليترجيا، وعلى الرسالة وعلى النظام وعلى الحياة المسيحيّة. ويعود إلى خليفة بطرس أن يذكّر بمتطلّبات خير الكنيسة العام، فيما لو سوّلت لأحدٍ نفسه في إهمالها، خدمةٍ لمآربه الخاصّة. إن من واجبه أن ينبّه ويحذّر ويعلن أحياناً عدم موافقة رأي من الآراء الشائعة ووحدة الإيمان. وعندما تضطرّه الظروف، يتكلّم باسم جميع الرعاة المتّحدين في الشركة معه. ويمكنه أيضاً _ في ظروف محدَّدة عرضها المجمع الفاتيكاني الاول – أن يعلن رسميّاً (ex cathedra) أنّ عقيدة ما تخصّ وديعة الإيمان (152). وهكذا بشهادته للحقيقة، فإنه يخدم الوحدة.
95- لكن هذا كلّه يجب أن يتمَّ بالشركة. وعندما تؤكّد الكنيسة الكاثوليكية أن و ظيفة أسقف روما تلّبي إرادة المسيح، فإنها لا تفصلها عن الرسالة الموكولة إلى جماعة الأساقفة الذين هم أيضاً “نوّابٌ ومنتدبون للمسيح” (153). فأسقف روما هو من “صفّهم” وهم إخوته في الخدمة.
إن ما يعني وحدة الجماعات المسيحيّة كلّها يدخل بالطبع في إطار المهمّات التي تعود إلى الأولوية. إنه يعرف جيّداً، بصفته أسقف روما، ولقد أكّد ذلك في الرسالة الحاضرة، أن رغبة المسيح الحارّة هي الشركة الكاملة والمرئيّة بين الجماعات كلّها، الساكن فيها روحُه بفضل الأمانة لله. إني على يقين أني أحمل، من هذا القبيل، مسؤولية خاصّة بالأخص عندما أرى التوق المسكونيّ المنبعث من غالبية الجماعات المسيحيّة، وعندما أسمع النداء الموجَّه إليّ بأن أجد أسلوباً لممارسة الأولوية منفتحاً على الوضع الراهن، ولكن بدون أي تخلٍّ عن جوهر رسالتها.
مدة ألف سنة، كان المسيحيّون “متّحدين بالشركة الأخويّة في الإيمان وحياة الأسرار. وكانت إذا نشب بينها خلافاتٌ في العقيدة أو في النظام يستخدم الكرسيّ الرومانيّ سلطته بموافقة الجميع” (154). كانت الأولوية تمارس هكذا من أجل الوحدة. في حديثي إلى البطريرك المسكونيّ، قداسة ديمتريوس الأول، كنت أعي، على حدّ ما قلت، أنه “لأسباب عديدة جداً، وضدّ إرادة كلٍّ من الطرفين، ما كان من المفروض أن يكون خدمة، اعتلن تحت ضوءٍ مختلفٍ بعض الاختلاف. ولكن، […] رغبةً منّي في أن أطيع إرادة المسيح، أراني مدعوّاً، كأسقفٍ لرومة، إلى أن أمارس هذه الخدمة. […] إني أبتهل إلى الروح القدس كي يفيض علنيا نوره ويُلهم جميع رعاة كنائسنا ولاهوتيّيها كي نبحث، بالتأكيد معاً، عن الأساليب التي يمكن أن تحقّق فيها هذه الخدمة رسالة المحبة التي يعترف بها الطرفان” (155).
96- إنها لمهمّة جسيمة لا يمكننا رفضها، كما لا يسَعني وحدي أن أبلغ بها حُسن الختام. إن الشركة الحقيقيّة القائمة بيننا جميعاً، وإن كانت على بعض النقص، ألا يمكنها أن تستحثَّ المسؤولين الكنسيّين ولاهوتيّيهم ليباشروا معي، حول هذا الموضع، حواراً أخويّاً ودؤوباً، يمكنّنا أن نصغي فيه بعضنا إلى بعض متجاوزين المنازعات العقيمة، لا همَّ لنا إلاّ إرادة المسيح بشأن كنيسته، مستسلمين لسماع ندائه “ليكونوا بأجمعهم واحداً… حتى يؤمن العالم أنك أنت أرسلتني” (يوحنا 17 / 21)؟
شركة جميع الكنائس الخاصّة مع كنيسة روما، شرطٌ ضروريّ للوحدة
97- إن الكنيسة الكاثوليكية، في العمل كما في وثائقها الرسميّة، تؤكّد أن شركة الكنائس الخاصة مع كنيسة روما، وشركة أساقفتها مع أسقف روما، هي شرط أساسيّ – وفقاً للتدبير الإلهيّ – للشركة الكاملة والمرئيّة. لذا يجب أن يعبَّر بوضوح عن ملءِ الشركة، والإفخارستيّا هي الإفصاح الأسراريّ الأسمى عنها، في خدمةٍ يعرف الأساقفة فيها بعضهم بعضاً متّحدين في المسيح، وحيث يجد جميع المؤمنين تثبيتاً لإيمانهم. القسم الأول من سفر أعمال الرسل يُبرز بطرس متكلّماً باسم مصفّ الرسل، وخادماً لوحدة الجماعة – مع احترام سلطة يعقوب، رئيس كنيسة أورشليم. ودور بطرس هذا ما زال ضرورياً في الكنيسة كي تبقى بوضوح في العالم، تحت رأسٍ واحدٍ هو المسيح يسوع، شركةً لجميع تلاميذه.
أليس عن ضرورة خدمةٍ من هذا النوع يعبّر اليوم الكثيرون من الملتزمين العمل المسكونيّ؟ الرئاسة في الحقيقة وفي المحبّة كي لا تزعزع العواصف المركب – وهو الرمز الجميل الذي اختاره مجلس الكنائس العالميّ شعاراً له – فيستطيع يوماً أن يرسو إلى الشاطئ.
الوحدة الكاملة والتبشير بالإنجيل
98- إن الحركة المسكونيّة في عصرنا، أكثر من محاولات القرون الماضية التي يجب، مع ذلك، ألاّ ننتقص قدرها، قد وُسمت بطابع البعد الرسولي. في الآية الواردة في إنجيل يوحنا التي تعطي البعد الرسوليّ وحيه وشعاراً لعمله – “ليكونوا، هم أيضاً، واحداً فينا، حتى يؤمن العالم أنك أنت أرسلتني” (17 / 21) – أشير إلى العبارة “حتى يؤمن العالم” بكثير من القوّة، إلى حدّ التعرّض لخطر النسيان أحياناً، أن الوحدة، في فكر الإنجيلي، هي بالأخصّ لمجد الآب. على كلٍّ، إنه لمن الواضح أن انشقاق المسيحيّين هو في تناقض والحقيقة التي من رسالتهم أن ينشروها، ويفسد كليّاً شهادتهم.
إن سلفي البابا بولس السادس فهم ذلك جيّداً عندما كتب إرشاده الرسولي “واجب إعلان الإنجيل”: “أيها المبشّرون بالإنجيل، علينا أن نقدّم للمؤمنين بالمسيح، لا صورة أناسٍ منقسمين تفرّقهم نزاعات لا تبني البتة، بل صورة أناس ناضجين في الإيمان، قادرين على التلاقي، بعيداً عن التوتّرات الحقيقيّة، بفضل البحث عن الحقيقة المشترك والنزيه والمتجرّد. نعم، إن مصير التبشير بالإنجيل مرتبطّ كلّ الارتباط بشهادة الوحدة التي تؤدّيها الكنيسة. […] حول هذه النقطة، نودّ أن نشدّد على علامة الوحدة بين جميع المسيحيّين كسبيلٍ وأداةٍ للتبشير بالإنجيل. إن انقسام المسيحيّين هو أمرٌ واقعٌ خطير يستطيع أن يشوّه عمل المسيح نفسه” (156).
كيف يمكن، في الواقع، إعلان إنجيل المصالحة بدون التزام العمل، في الوقت نفسه، لأجل مصالحة المسيحيّين؟ وإذا ما كانت الكنيسة حقّاً، بدافع من الروح القدس وبوعدٍ ألاّ يُقضى عليها، قد بشّرت وما زالت تبشّر بالإنجيل جميع الأمم، فإنه من الصحيح أيضاً أن عليها أن تناهض المصاعب الناجمة عن الانشقاقات.
وإذا ما واجه غير المؤمنين مرسلين على اختلافٍ في ما بينهم، وإن كانوا جميعاً يدّعون الانتماء إلى المسيح، أسيعرفون أن يتقبّلوا الدعوة الأصيلة؟ ألن يظنّوا أن الإنجيل هو علّةٌ للإنقسام، حتى إذا قُدّم كشريعة أساسيّة للمحبّة؟
99- عندما أؤكّد أنه بالنسبة إليّ، أنا أسقف روما، يُعتبر التزام العمل المسكونيّ “إحدى أولويّات حبريّتي الراعوية” (157)، أفكّر بالعائق الخطير الذي يشكّله الانقسام أمام إعلان الإنجيل. إن جماعة مسيحيّة تؤمن بالمسيح وترغب، بحرارة الإنجيل، في خلاص البشريّة، لا يمكنها بأيّ شكل من الأشكال أن تغلق ذاتها في وجه نداء الروح الذي يوجّه جميع المسيحيّين شطر الوحدة الكاملة والمرئيّة. إن في ذلك لأحد مستلزمات المحبّة الواجب اتّباعه بدون تحفّظ. إن العمل المسكونيّ ليس قضيّة داخليّة تعني الجماعات المسيحيّة وحدها. إنه يعني الحبّ الذي يخصّ به الله البشريّة جمعاء في يسوع المسيح؛ من أعاق الحبّ، أهاب الحبَّ في تدبيره بأن يجمع البشر أجمعين في المسيح. ولقد كتب البابا بولس السادس إلى البطريرك المسكونيّ أثيناغوراس الأول: “لعلّ الروح القدس يرشدنا على طريق المصالحة كي تصبح وحدة كنيستينا علامة رجاء وتعزية دائمة الإنارة في حضن البشريّة جمعاء” (158).
إرشاد
100- منذ عهد قريب، وجّهت رسالةً إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية وإكليرسها ومؤمنيها بغية رسم الطريق الواجب اتّباعها للاحتفال بيوبيل العام 2000 العظيم، فأعلنت من بين ما أعلنت أن “أفضل تهيئة لحلول العام الألفين لا يمكن أن يعبّر عنها إلاّ بالتزام متجدّد بتطبيق تعليم الفاتيكاني الثاني، بقدر م ا أمكن من أمانة، في حياة كلّ فرد وحياة الكنيسة جمعاء” _159).
إن المجمع هو البداية العظمى – نوعٌ من المجيء (Avent) – لمسيرةٍ تقودنا إلى عتبة الألف الثالث. نظراً إلى الأهمية التي خصّت بها الجمعيّة المجمعيّة عمل إعادة تنظيم وحدة المسيحيّين، في عصرنا، عصر النعمة المسكونيّة، تبيّنت لي ضرورة طرح اقتناعاتٍ جوهريّة نقشها المجمع في ضمير الكنيسة الكاثوليكية، وإعادة التذكير بها، على ضوء ما أُحرز من تقدّم منذ ذلك الحين، في سبيل شركة جميع المعمَّدين الكاملة.
لا شك أن الروح القدس يعمل في هذا النهج وأنه يقود الكنيسة إلى كمال تحقيق تدبير الآب، وفقاً للإرادة التي عبّر عنها المسيح بكل شدّة وتأثير بالصلاة التي تلفّظت بها شفتاه، حسب الإنجيل الرابع، ساعة كان يستعد لأن يحيا مأساة فصحه الخلاصيّة. كما في ذلك الزمان، إن المسيح يطلب اليوم أن تنعش انطلاقةٌ جديدة التزام كل فرد للمضيّ قدُماً في سبيل الشركة الكاملة والمرئيّة.
101- أحرّض إذن إخوتي في الأسقفية أن يوجّهوا كلّ اهتمامهم إلى هذا الالتزام. إن مجموعتي الحق القانونيّ تحدّدان أنَّ من بين مسؤوليّات الأسقف، مسؤولية تعزيز وحدة جميع المسيحيّين، بدعمه كلَّ عملٍ أو مبادرةٍ تهدف إلى تنشيطها، يقيناً منه أن الكنيسة معنيّةٌ بالأمر، وفقاً لإرادة المسيح نفسها (160). وذاك جزءٌ من الرسالة الأسقفية، وفرضٌ ناجمٌ مباشرة عن الأمانة للمسيح، راعي الكنيسة. إن روح الله يدعو أيضاً جميع المؤمنين كي يسعَوا جهدَهم لتمتين روابط الشركة بين المسيحيّين وتنمية تعاون تلاميذ المسيح: “إن الاهتمام ببلوغ الاتحاد فرضٌ على الكنيسة كلّها جمعاء. سواءٌ في ذلك المؤمنون والرعاة، ويلزم كلَّ واحد بحسب طاقاته” (161).
102- إن قدرة روح الله تنمّي وتبني الكنيسة طوال القرون. بتطلّعها إلى الألف الجديد، تسأل الكنيسة الروح نعمة تثبيت وحدتها وتنميتها نحو ملء الشركة مع المسيحيّين الآخرين.
كيف السبيل إلى ذلك؟ أولاً، بالصلاة. على الصلاة أن تأخذ دوماً على عاتقها القلق الذي يعبّر عن توقٍ إلى الوحدة، هو إذن أحد المظاهر الضرورية للحبّ الذي نكنّه للمسيح وللآب الكليّ الرحمة. وللصلاة يعود المقام الأول في المسيرة التي نقوم بها مع المسيحيين الآخرين نحو الألف الجديد.
كيف السبيل إلى ذلك؟ بالحمد والشكران، لأنّا لا نتقدّم إلى هذا اللقاء فارغي الأيدي: “إن الروح يعضد ضعفنا؛… والروح نفسه يشفع فينا بأنّاتٍ تفوق الوصف” (روم 8 / 26) كي يهيّئنا لأن نسأله تعالى ما نحتاجه.
كيف السبيل إلى ذلك؟ بالرجاء في الروح الذي يعرف أن يقصي عنّا أشباح الماضي وذكريات الفرقة الأليمة؛ إنه يعرف أن يمنحنا وضوح الرؤية والقوة والشجاعة كي نُقدم على المساعي الضرورية، بحيث يكون التزامنا على الدوام أكثر أصالةً.
وإذا ما وجب أن نتساءل هل هذا كلّه ممكن، يكون الجواب على الدوام: نعم! الجواب نفسه الذي سمعته مريم التي من الناصرة: “إذ ليس من أمرٍ يستحيل على الله” (لوقا 1 / 37).
وتراود فكري الأقوال التي شرح بها القديس كبريانوس “الأبانا”، صلاة جميع المسيحيين: “لا يتقبّل الله ذبيحة الإنسان العائش في الشقاق. إنه تعالى يأمر بأن نغادر المذبح ونذهب أولاً ونصالح أخانا، كي يستجيب الله الصلوات المقدّمة في السلام. إن أعظم ذبيحة يمكن أن نقدّمها لله هي سلامنا، هي الوفاق الأخويّ، هي الشعب الذي تجمعه تلك الوحدة القائمة بين الآب والابن والروح القدس” (162).
عند فجر الألف الجديد، كيف لا نسأل الربّ، باندفاع متجدّد وبنضج للضمير أعظم، نعمة الاستعداد جميعاً لذبيحة الوحدة؟
103- أنا، يوحنا بولس، خادم خدّام الله الوضيع، أسمح لنفسي بأن أتبنّى أقوال الرسول بولس الذي باستشهاده، وقد اتّحد باستشهاد الرسول بطرس، أعطى كرسيّ روما هذا بهاءَ شهادته، فأقول لكم، أنتم يا مؤمني الكنيسة الكاثوليكية، وأنتم، يا إخوة وأخوات الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى:
“كونوا كاملين؛ تعزّزوا؛ استحثوا بعضكم بعضاً. كونوا على رأي واحد؛ كونوا في سلام، وإله المحبّة والسلام يكون معكم…
“نعمة ربّنا يسوع المسيح، ومحبّة الله، وشركة الروح القدس تكون معكم أجمعين” (2 كو 13 / 11، 13).
أُعطي في روما، قرب القديس بطرس في 25 أيار 1995، يوم الاحتفال بصعود الربّ، في السنة السابعة عشرة لحبريّتنا.
البابا يوحنا بولس الثاني
الحواشي:
1) انظر الخطاب في ختام درب الصليب، يوم الجمعة العظيم المقدّس (الأول من نيسان 1994)، الرقم 3: AAS 87 (1995), p. 88.
2) المجمع الفاتيكاني الثاني، بيان مجمعي في “الحرية الدينية” (Dignitatis humanae)، 7 / 12 / 65، الرقم1.
3) رسالة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني الرسولية: “إطلالة الألف الثالث” (Tertio millennio adveniente)، 10 / 11 / 1994، الرقم 16، منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام – جل الديب (لبنان): AAS 87 (1995), p. 15.
4) مجمع عقيدة الإيمان، رسالة إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية حول بعض أوجه الكنيسة في مفهومها كشركة (Communionis notion)، 28 / 5 / 1992، الرقم 4: AAS 85 (1993), p. 840
5) المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي “الحركة المسكونية” (Unitatis redintegratio)، الرقم 1.
6) المرجع نفسه.
7) المرجع نفسه، الرقم 4.
8) المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي “الكنيسة” (نور الأمم) (Lumen gentium)، ف2، الرقم 14.
9) البيان المجمعيّ “الحرية الدينيّة” (Dignitatis humanae)، الرقمان 1 و 2.
10) أنظر المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي “الكنيسة”، الرقم 14.
11) المرجع نفسه، الرقم 8.
12) “الحركة المسكونيّة”، الرقم 3.
13) المرجع نفسه.
14) الرقم 15
15) المرجع نفسه.
16) “الحركة المسكونيّة”، الرقم 15 .
17) المرجع نفسه، الرقم 3.
18) المرجع نفسه.
19) القديس غريغوريوس الكبير، مواعظ في الإنجيل 19، الرقم 1 : وردت في “الكنيسة” (نور الأمم)، الرقم 2.
20) “الحركة المسكونيّة”، الرقم 4.
21) المرجع نفسه، الرقم 7.
22) المرجع نفسه.
23) المرجع نفسه، الرقم 6.
24) المجمع الفاتيكان الثاني، الدستور العقائدي “الوحي الإلهي” (Dei Verbum)، 18 / 11 / 1965، الرقم 7.
25) أنظر Lettre apost. Euntes in mundum (25 / 1 / 1988): AAS 80 (1988, pp. 935 – 956.
26) انظر الرسالة البابوية “رسولا الصقالبة” Slavorum apostolic (2 / 6 / 1985) : AAS 77 (1985), pp. 779 – 813.
27) انظر “دليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونية” (25 آذار 1993)، تعريب المتروبوليت حبيب باشا، نشر “اللجنة الأسقفية للعلاقات المسكونية” (لبنان)، 1994، ص 176.
28) انظر خاصةً وثيقة ليما “المعمودية والإفخارستيا والخدمة” (كانون الثاني 1982) الواردة في: Enchiridion oecumenicum 1, pp. 1392 – 1446, éd. Centurion / Taizé, Paris 1982 والوثيقة رقم 153 من لجنة “إيمان ونظام: الاعتراف بإيمان “واحد” (Confessing the “One” Faith) جنيف، 1991، وترجمتها بالفرنسية: Confesser la foi commune: éd. Du Cref, Paris, 1993.
29) خطاب افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني (11 / 10 / 1962): AAS 54 (1962), p. 793.
30) يراد به “أمانة السرّ لتعزيز وحدة المسيحيين” التي أنشأها البابا يوحنا الثالث والعشرون بالأمر التلقائي (Superno Dei nutu)، 5 / 6 / 1960، الرقم 9 : AAS 52 (1960), p. 436، وتثبّتها الوثائق اللاحقة: (appropinquante Concilio)، 6 / 8 / 1962، Ch. III, a. 7,& 2, I: AAS 54 (1962), p.614؛ أنظر أيضاً بولس السادس، البراءة الرسولية (Regimini Ecclesiae universae) 15 آب 1967، الأرقام 92 – 94: AAS 59 (1967), pp. 918 – 919 . وهذه الدائرة تدعى اليوم: المجلس الحبريّ لتعزيز وحدة المسيحيين: أنظر في ذلك البابا يوحنا بولس الثاني، البراءة الرسولية الراعي الصالح (pastor Bonus)، 28 / 6 / 1988، الفصل الخامس، البند 135 – 138: AAS 80 (1988), pp. 895 – 896.
31) خطاب افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني (11 / 10 / 1962): AAS 54 (1962), p. 792.
32) “الحركة المسكونية”، الرقم 6.
33) المجمع الفاتيكاني الثاني، البيان المجمعي “الحرية الدينية” (Dignitatis humanae)، الرقم 1.
34) الرسالة البابوية، “رسولا الصقالبة” (Slavorum apostolic)، 2 / 6 / 1985، الرقم 11: AAS 77 (1985), p. 792.
35) المرجع نفسه، الرقم 13، ص. 894.
36) المرجع نفسه، الرقم 11، ص. 792.
37) Discours aux habitants autochtones (29 novembre 1986), n. 12: AAS 79 (1987), p. 977.
38) انظر: S. Vincent De Lérins, Commonitorium primum, 23: PL 50, 667 – 668.
39) “الحركة المسكونية”، الرقم 6.
40) المرجع نفسه، الرقم 5.
41) المرجع نفسه، الرقم 7.
42) المرجع نفسه، الرقم 8.
43) المرجع نفسه.
44) المرجع نفسه، الرقم 4.
45) انظر رسالة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني الرسولية، 10 / 11 / 1994، الرقم 24: AAS 87 (1995), pp. 19 – 20 منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، جل الديب (لبنان).
46) الخطاب في كاتدرائية كانتربيري (29 أيار 1982)، الرقم 5: AAS 74 (1982), p. 922.
47) مجلس الكنائس العالمي، الدستور، الفصل 3، 1، وردت في: Enchiridion oecumenicum.
48) المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور الراعوي “الكنيسة في عالم اليوم” (Gaudium et spes)، 7 / 12 / 1965، الرقم 24.
49) “الحركة المسكونيّة”، الرقم 7.
50) ماري – غبريال ساغدّو ولدت في دورغالي (سردينيا) في 17 آذار 1914. في الحادية والعشرين من عمرها دخلت دير غروتّا فرّاتا للراهبات الترابيست. وإذ اطلعت، بفضل نشاط الأب بول كوتورييه الرسولي، على ضرورة الصلاة والتقادم الروحية من أجل اتحاد المسحيّين، قرّرت في العام 1936، بمناسبة أسبوع صلاة من أجل الوحدة، أن تقدّم حياتها ضحيّة لهذه الغاية. وبعد مرض عضال توفيّت الأخت ما ري – غبريال في 23 نيسان 1939.
51) “الكنيسة في عالم اليوم”، الرقم 24.
52) أنظر: AAS 56 (1964), pp. 609 – 659.
53) انظر “الكنيسة”، الرقم 13.
54) “الحركة المسكونيّة”، الرقم 4.
55) انظر مجموعة الحقّ القانوينّ، ق 775؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 902 – 904.
56) انظر “الحركة المسكونيّة”، الرقم 4
57) “الحرية الدينيّة”، الرقم 3.
58) “الحركة المسكونية”، الرقم 4
59) انظر المرجع نفسه، الرقم 4.
60) الرسالة البابوية “كنيسته” (6 / 8 / 1964)، الفصل 3: AAS 56 (1964), p. 642
61) “الحركة المسكونية”، الرقم 11
62) انظر المرجع نفسه.
63) المرجع نفسه؛ انظر مجمع عقيدة الإيمان، البيان “سرّ الكنيسة” حول العقيدة الكاثوليكية عن الكنيسة (24 حزيران 1973)، الرقم 4: AAS 65 (2973), p. 402
64) “سر الكنيسة”، الرقم 5: AAS 65 (1973), p. 403
65) انظر “الحركة المسكونيّة”، الرقم 4
66) انظر البيان المسيحاني المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الأشورية: “الأوسرفاتوري رومانو”، 12 / 11 / 1994، ص 1، الصادر أيضاً في (La Documentation Catholique)، العدد 2106 (18 / 12 / 94)، ص 1069 – 1070.
67) “الحركة المسكونية”، الرقم 12.
68) المرجع نفسه.
69) “دليل…”، المرجع المذكور، الرقم 5: AAS 85 (1993), p. 1040
70) المرجع نفسه، الرقم 94: ورد في المجموعة نفسها، ص 1078
71) انظر لجنة “إيمان ونظام” التابعة لمجلس الكنائس العالميّ، معموديّة، إفخارستيا، خدمة (كانون الثاني 1982): Enchir. Oecum. 1, pp. 1391 ‘ 1447, et précisément pp. 1398 ‘ 1408 [éd. Centurion / Taizé, paris, 1982, pp. 13 – 27].
72) انظر الرسالة البابوية “الاهتمام بالشأن الاجتماعي” Sollicitudo rei socialis (30 décembre 1987), n. 32: AAS 80 (1988), p. 556. ظهرت هذه الرسالة في منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، جل الديب (لبنان)، 1988.
73) خطاب إلى الكرادلة والدوائر الرومانية (28 / 6 / 1985)، الرقم 10: AAS 77 (1985), p. 1158 ؛ انظر الرسالة البابوية “فادي الإنسان” Redemptor hominis (4 آذار 1979)، الرقم 11: AAS 71 (1979), pp. 277 – 278. ظهرت هذه الرسالة في منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، جل الديب (لبنان)، 1979
74) الخطاب إلى الكرادلة…، المرجع المذكور آنفاً.
75) انظر: Secrétariat pour la Promotion de l’Unité des Chrétiens et Comité Exécutif de l’Alliance Biblique Universelle, Directives concernant la coopération intet – confessionnelle dans la traduction de la Bible, document conjoint (1968): La Documentation catholique, n. 1518 (2 juin 1968), col. 981 – 992. Révision et mise à jour dans le document Directives concernant la coopération inter – confessionnelle dans la traduction de Bible (16 novembre 1987): Typographie polyglotte vaticane, 1987 [La Documentaion catholique n. 1995 (3 avril 1988), pp. 344 – 349].
76) انظر المرجع المذكور آنفاً في الحاشية (71).
77) كما حدث ذلك مثلاً في اجتماعات “مجلس الكنائس العالمي” الأخيرة في فانكوفر (1983)، وكانبرا (1991)، وفي أثناء اجتماع لجنة “إيمان ونظام” في مزار القديس يعقوب كومبوستيل (1993).
78) انظر: “الحركة المسكونية”، الرقمين 8 و 15؛ مجموعة الحق القانوني، ق 844، مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 671؛ دليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونية وقواعدها، الأرقام 122 – 125: AAS 85 (1993), pp. 1086 – 1087; nn. 129 – 131: 1.c., pp. 1088 – 1089; nn. 123 et 132, 1.c., pp. 1087 et 1089.
79) “الحركة المسكونيّة”، الرقم 4
80) المرجع نفسه.
81) انظر “الكنيسة”، الرقم 15
82) الرقم 15
83) المرجع نفسه، الرقم 14
84) انظر التصريح المشترك للبابا بولس السادس وبطريرك القسطنطينية أثيناغوراس الأول (7 كانون الأول 1965): في “سفر المحبة”، الفاتيكان – الفنار (1958 – 1970)، منشورات المكتبة البولسية (لبنان)، 1988، ص 129 – 136
85) انظر: AAS 77 (1985), pp. 779 – 813
86) انظر: AAS 80 (1988), pp. 935 – 956؛ الرسالة “عطية المعموديّة العظيمة” (14 / 2 / 1988): المرجع نفسه، ص 988 – 997
87) “الحركة المسكونية”، الرقم 14
88) المرجع نفسه.
89) البراءة البابويّة “في مطلع سنة الإيمان” (25 تموز 1967): “سفر المحبة”، المرجع المذكور في الحاشية (84) الآنفة الذكر، ص 176 – 177
90) “الحركة المسكونية”، الرقم 14
91) المرجع نفسه، الرقم 15
92) “نور الشرق”، الرقم 14: الاوسرفاتوري رومانو، في 2 – 3 أيار 1995، ص3: ظهرت هذه الرسالة الحبرية في منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، جل الديب (لبنان)، 1995
93) “الحركة المسكونية”، الرقم 17
94) “الكنائس الشرقية” (Orientalium ecclesiarum)، 21 / 11 / 1964 ، الرقم 26
95) انظر “مجموعة الحق القانوني”، ق 844، ب 2 و 3؛ “مجموعة قوانين الكنائس الشرقية”، ق 671، ب 2 و 3
96) “دليل…”، المرجع المذكور، الأرقام 122 – 128: AAS 85 (1993), pp. 1086 – 1088
97) تصريح الحبر الأعظم يوحنا بولس الثاني والبطريرك المسكوني ديمتريوس الأول (7 كانون الأول 1987): AAS 80 (1988), p. 253
98) Commission Mixte Internationale pour le Dialogue Théologique entre l’Eglise Catholique et l’Eglise Orthodoxe, Document “Le sacrement de l’Ordre dans la structure sacramentelle de l’Eglise, en particulier l’importance de la succession apostolique pour la sanctification et l’unité du peuple de Dieu” (26 juin 1988), n. 1: Service d’information 68 (1988), p.195.
99) انظر: يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى أساقفة القارة الأوروبية عن العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس في الوضع الجديد في أوروبا الوسطى الشرقية (31 أيار 1991)، الرقم 6: AAS 84 (1992), p.168
100) “الحركة المسكونية”، الرقم 17
101) انظر الرسالة “نور الشرق” ، المرجع المذكور آنفاً في الحاشية (92)، ص5
102) المرجع نفسه، الرقم 18: المرجع المذكور، ص 4
103) انظر: البيان المشترك للحبر الأعظم البابا بولس السادس وقداسة شنودة الثالث، بابا الكرازة المرقسية وبطريرك الإسكندرية (10 أيار 1973): AAS 65 (1973), pp. 299 – 301
104) انظر: البيان المشترك للحبر الأعظم البابا بولس السادس وصاحب الغبطة مار إعناطيوس يعقوب الثالث، بطريرك كنيسة إنطاكية وسائر المشرق للسريان (27 تشرين الأول 1971): AAS 63 (1971), pp. 814 – 815
105) انظر: خطاب إلى مندوبي الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسية (2 حزيران 1979): AAS 71 (1979), pp. 1000 – 1001
106) انظر: البيان المشترك للبابا يوحنا بولس الثاني وقداسة موران مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس (23 حزيران 1984): Insegnamenti VII, 1 (1984), pp. 1902 – 1906 [ظهر في La Documentation Catholique ، العدد 1880 (2 أيلول 1984)، ص 824 – 826].
107) خطاب موجّه إلى قداسة أبونا بولس، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية (11 حزيران 1993): الأوسرفاتوري رومانو، 11 حزيران 1993، ص 4 [ظهر في La Doc. Cath.، العدد 2076 (18 / 7 / 93)، ص 651 – 652].
108) انظر: البيان المسيحانيّ المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الأشورية: الأوسرفاتوري رومانو، 12 / 11 / 1994، ص 1 [ظهر في La Doc. Cath. ، العدد 2106 ( 18 / 12 / 1994)، ص 1069 – 1070].
109) “الحركة المسكونية”، الرقم 19
110) المرجع نفسه.
111) المرجع نفسه، الرقم 19
112) انظر المرجع نفسه.
113) المرجع نفسه.
114) المرجع نفسه، الرقم 20
115) المرجع نفسهن الرقم 21
116) المرجع نفسه.
117) المرجع نفسه.
118) المرجع نفسه، الرقم 22
119) المرجع نفسه.
120) المرجع نفسه، الرقم 22؛ انظر أيضاً الرقم 20
121) المرجع نفسه، الرقم 22
122) المرجع نفسه، الرقم 23
123) المرجع نفسه.
124) Cf. Radiomessage Urbi et orbi (27 aout 1978): AAS 70 (1978), pp. 695 – 696
125) “الحركة المسكونية”، الرقم 23
126) المرجع نفسه.
127) انظر المرجع نفسه، الرقم 12
128) المرجع نفسه.
129) إن عمل لجنة “الإيمان والنظام” الدؤوب قد أدّى إلى تصوّر مماثل تبنّته الجمعية العمومية السابعة لمجلس الكنائس العالميّ في تصريح كانبرّا (7 – 20 شباط 1991، انظر “علامات الروح” (Signs of the Spirit)، التقرير الرسمي للجمعية السابعة، مجلس الكنائس العالمي، جنيف [1991]، ص 235 – 258). وهذا التصريح كررته الندوة العالمية للجنة “الإيمان والنظام” في مزار القديس يعقوب بكومبوستل (3 – 14 آب 1993، انظر مجلة “مكتب الإعلام” (Service d’Information) 85 [1994]، الفاتيكان ص 18 – 38).
130) “الحركة المسكونية”، الرقم 14
131) انظر المرجع نفسه، الرقمين 4 و 11
132) انظر: الخطاب إلى الكرادلة والدوائر الرومانيّة (28 حزيران 1985)، الرقم 6: AAS 77 (1985), p. 1153
133) انظر: المرجع نفسه.
134) انظر: “الكنيسة” (نور الأمم)، الرقم 12
135) انظر AAS 54 (1962), p. 792
136) انظر “الحركة المسكونية”، الرقم 6
137) انظر المرجع نفسه، الرقم؛ بولس السادس، تأمّل لإعلان قداسة الشهداء الأوغنديّين (18 تشرين الأول 1964): AAS 56 (1964), p. 906
138) انظر يوحنا بولس الثاني، “إطلالة…”، المرجع المذكور، الرقم 37؛ الرسالة “تألق الحقيقة” (Veritatis splendor)، 6 آب 1993، الرقم 93: AAS 85 (1993), p. 1207. ظهرت هذه الرسالة الثانية أيضاً في منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، جل الديب (لبنان)، 1994
139) انظر: بولس السادس، خطاب في معبد ناموغونغو الشهير بأوغندا (2 آب 1969): AAS 61 (1969), pp. 590 – 591
140) انظر كتاب القداس الروماني، صلاة تقدمة القديسين الأولى: (Sanctorum “coronando merita, tua dona coronans”).
141) انظر: القرار “الحركة المسكونية”، الرقم 4
142) انظر: الدستور العقائدي “الكنيسة” (نور الامم)، الرقم 8
143) انظر: القرار “الحركة المسكونية”، الرقم 3
144) يشير النص إلى “وثيقة ليما” الصادرة عن لجنة “الإيمان والنظام” حول المعمودية والإفخارستيا والخدمة الكهنوتية (كانون الثاني 1982): ظهرت في Enchiridion Oecum 1، ص 1392 – 1446؛ ويشير إلى الروح الذي خيّم على بيان الجمعيّة العمومية السابعة لمجلس الكنائس العالمي حول “وحدة الكنيسة كجماعة: عطاء ومتطلَّبات” (كانبرّا، 7 – 20 شباط 1991) ظهر في La Documentation Catholique، الرقم 2025 (7 نيسان 1991)، ص 349 – 350
145) خطاب إلى الكرادلة والدوائر الرومانية (28 حزيران 1985)، الرقم 4: AAS 77 (1985), pp. 1151 – 1152.
146) “الكنيسة” (نور الأمم)، الرقم 23
147) انظر: خطاب إلى مجلس الكنائس العالمي (12 حزيران 1984)، الرقم 2: Insegnamenti VII، (1984)، ص 1686، ظهر في: [ La Documentation Catholique، العدد 1878 (15 تموز 1984)، ص 704 – 707].
148) Conférence Mondiale de “Foi et Constitution”, Rapport de la IIe section, Saint – Jacques de Compostelle (14 aout 1993): “Confessing the one faith to God’s Glory”, n. 31, 2: Faith and Order Paper n. 166, COE, Genève, 1994, p.243.
149) نذكر على سبيل المثال: Anglican – Roman International: Commission – ARCIC – I, Rapport final (Septembre 1981): La Documentation catholique, n. 1830 (16 mai 1982), pp. 497 – 507; Commission mixte international pour le Dialogue enter les Disciples du Christ et l’Eglise Catholique, Rapport 1981: Enchir. Oecum. 1, pp. 529 -547; Commission Mixte Nationale Catholique – Luthérienne, Document le ministère pastoral dans l’Eglise (USA, 13 mars 1981): Enchir. Oecum. 1, pp. 703 ‘ 742; le problème est clairement mis en perspective dans le cadre de la recherche menée par la Commission Mixte Internationale pour le Dialogue Théologique entre l’Eglise Catholique et l’Eglise Orthodoxe.
150) خطاب إلى الكرادلة والدوائر الرومانية (28 حزيران 1985)، الرقم 3: AAS 77 (1985), p. 1150
151) Sermon XLVI, 30: CCL 41, 557
152) انظر المجمع الفاتيكاني الأول، الدستور العقائدي في كنيسة المسيح Pastor aeternus: DS, n. 3074
153) “الكنيسة” (نور الأمم)، الرقم 27
154) “الحركة المسكونية”، الرقم 14
155) تأمل في كنيسة الفاتيكان، بحضور ديمتريوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية والبطريرك المسكوني (6 كانون الأول 1987)، الرقم 3: AAS 800 (1988), p. 714
156) الإرشاد الرسولي في “واجب إعلان الإنجيل” (Evangelii Nununtiandi)، 8 كانون الأول 1975، الرقم 77: AAS 68 (1976), p. 69؛ انظر “الحركة المسكونية”، الرقم 1؛ “دليل…” المرجع المذكور آنفاً، الأرقام 205 – 209: AAS 85 (1993), pp. 1112 – 1114
157) خطاب إلى الكرادلة والدوائر الرومانية (28 حزيران 1985)، الرقم 4: AAS 77 (1985), p. 1151
158) “سفر المحبّة”، المرجع المذكور آنفاً في الحاشية (84)، الترجمة العربية، ص 263
159) رسالة “إطلالة الألف الثالث” الرسولية، المرجع المذكور في الحاشية (3)، الرقم 20، ص 30 من الترجمة العربية المذكورة.
160) انظر مجموعة الحق القانوني، ث 755؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 902
161) “الحركة المسكونية”، الرقم 5
162) “في الصلاة الربّانية” (DE Dominica oration)، الرقم 23: CSEL 3, 284 – 285
الموسوعة العربية المسيحية
Discussion about this post